استحضار النية والتخلص من التبعات والتخطيط لاستغلال الأوقات والعزم على استدراك الأخطاء.. أهمها –
حاوره: سالم بن حمدان الحسيني –
مع استشراف شهر الرحمة والغفران، شهر الفضل والإحسان، شهر الصيام والقيام ترنو نفس المسلم وروحه للتعرض لنفحات هذا الشهر الفضيل.. فكيف يكون استقبال هذا الشهر الفضيل؟ وما هي الخطوات التي يجب أن يتبعها المسلم المقبل على اغتنام هذه الفرصة الإيمانية العظيمة.. يتحدث إلينا حول هذا الموضوع د. أحمد بن سعيد بن خليفة البوسعيدي – مدير مختص بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية مبينا للقارئ الكريم الخطوات التي يجب على المسلم أن يتبعها وهو يتأهب لاستقبال هذا الشهر الفضيل، أولها: استحضار النية، بأن يجعل جميع الأعمال الصالحة التي يقوم بها في رمضان من الصيام والقيام والذكر والدعاء وتلاوة القرآن وسائر أعمال البر وأعمال الخير خالصة لوجه الله، وثانيها: التخلص من ربقة الخطايا والآثام قبل أن يهل شهر رمضان، وذلك بالتوبة النصوح من جميع المعاصي والذنوب، وما يتطلبها من إرجاع الحقوق إلى أهلها، واستبراء الأهل والأصدقاء والزملاء، وسائر الناس، ليدخل في هذه العبادة وقد تخلى عن المعصية، وعن ما كان يقترفه من مخالفات وانغماس في الشهوات والملذات، ليقبل على الله بنفس طيبة طاهرة، ثم التخطيط لاستغلال هذا الشهر الكريم من مبتدأه إلى منتهاه تخطيطا محكما، مؤكدا أن أي عمل لا يقوم على التخطيط فمآله إلى التخبيط، وأخيرا: العزم على الاستفادة من الأخطاء والتقصير في أشهر رمضان الفائتة، بحيث يتدارك ما فاته ويعزم على المضي قدما نحو تطبيق ما خطط له، فالإنسان الناجح هو الذي يستفيد من أخطائه وهناته، بحيث يطور من نفسه إلى الأحسن والأفضل دائما.. نقرأ المزيد من ذلك في الحوار التالي:
إن من الأخلاقيات الإنسانية المتعارف عليها إكرام الضيف، فالإنسان يسعد بمن يقصده زائرا ويفرح بتقديره من بين مختلف الناس، لذا فإنه يسارع إلى إكرام ضيفه، ويبذل قصارى ما يستطيع من أجل حصول رضاه، ويبتعد كل البعد عن ما يسبب سخطه أو ينكد عليه صفوه، والمسلمون في هذه الأيام الطيبة يترقبون ضيفا عزيزا كريما، يزورهم بشكل سنوي، يأتي خلال شهر كامل محملا بالخيرات والبركات والعطايا والهبات، ألا وهو شهر رمضان المبارك، فكيف يستقبله المسلم وما هي الإجراءات التي يتخذها للقائه واستثمار زيارته، هذا ما سنتعرف عليه من خلال هذا اللقاء الموجز.
-
يتباين الناس في استقبال شهر رمضان فهلا أوضحتم لنا أبرز هذه الأصناف؟
في الحقيقة الناس متباينون في استقبال هذا الشهر المبارك، وكل ذلك راجع إلى قيمة ذلك الشهر في قلوبهم، فمنهم من انغمس في الشهوات والملذات، بل وأسرف على نفسه بارتكاب المحرمات والموبقات والمهلكات، لذا فإنه يكره لقاء هذا الشهر، لأنه يحمل في طياته فريضة تضبط سلوكياته وتحد من انطلاقه في أوحال الشهوات، وتقيد من تفلته في خضم الملذات، ومن هنا نرى امتعاضه من هذا الشهر وعدم مقابلته بما يليق به، بل تجده متبرما ساخطا طيلة الشهر، وقد تراه منتهكا لحرمات الشهر متعمدا، يجاهر أحيانا بانتهاكاته ويتوارى عن الناس في أحايين كثيرة، ومنهم من يفرح بلقاء رمضان، ليس لمكانته وقدسيته، بل لما يحصل عليه من شهوات وملذات من أنواع الأطعمة والمشروبات وسائر المغريات، ويلهث وراء العروض والتخفيضات، ويستمع بأنواع الأفلام والمسلسلات، والتي تكون في شهر رمضان بشكل كبير، وجاذب للنظر ومغر للنفس، وبالتالي فإنه لا يأبه بما يرتكبه من انتهاكات ومخالفات لا تليق بمقام هذا الشهر المبارك، ومنهم آخرون يجعلون رمضان فرصة للراحة والدعة والخمول والكسل، فتجده سحابة نهاره في النوم والإهمال، وتضييع الالتزامات والأعمال، وتجده يتأخر عن دراسته وأعماله، ويهمل الكثير من واجباته، ويقصر حتى في أداء ما افترضه الله عليه من المحافظة على الصلوات في الجماعات، ولكنه إذا غربت الشمس ينشط، ويفرح ويمرح، فينطلق يمنة ويسرة، كأنه وحش كاسر، أطلق له العنان بعد حبسه وتقييده، وينطلق في حمئة الرذيلة، ويقضي وقته في السهر والعربدة، ومنهم أناس خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فهم في نهار رمضان يقضونه في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وغيرها من الأعمال الصالحة، ولكنهم للأسف إذا جاء الليل أفسدوا ما بنوا من القربات بارتكاب بعض الخطيئات، من النظر إلى المحرمات وغير ذلك من المحظورات، وآخرون منهم عرفوا قدر هذا الشهر الفضيل، فطلقوا المعاصي والخطايا، وجانبوا الزلات والرزايا، وأحسنوا لله النوايا، رغبة فيما عنده من الهبات والعطايا، وتنافسوا فيما يقربهم من الملك المنان، وسارعوا إلى الثواب والجنان، فاستقبلوه أحسن استقبال، راجين من الله الفضل والنوال.
* يتساءل الناس وهم تشرئب نفوسهم لاستقبال هذا الشهر الفضيل كيف نستقبله استقبالا يليق بمكانه ومنزلته؟
استقبال شهر رمضان يكون بالقيام ببعض الخطوات التي تبين صدق المسلم في عزمه على استقبال هذا الشهر بما يناسبه ومنها: أولا: استحضار النية، وذلك بأن يجعل جميع الأعمال الصالحة التي يقوم بها في رمضان من الصيام والقيام والذكر والدعاء وتلاوة القرآن وسائر أعمال البر وأعمال الخير خالصة لوجه الله، فلا يتفاخر بعدد القيامات التي قامها ولا بعدد الختمات التي ختمها، ولا إلى ما ذلك من عمل أو جهد أو بذل، مستحضرا قول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110)، وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5)، وقول المصطفى عليه السلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، فاستحضار النية مهم جدا في أي عمل يقوم به هذا الإنسان، وذلك يعينه على استشعار مكانة هذا الشهر وقيمته العظيمة، وعلى وضع أهدافه في رمضان، فيدفعه للمضي قدما في تحقيقها، وبذل الوسع في استغلال هذه السانحة المباركة. ثانيا: التخلص من ربقة الخطايا والآثام قبل أن يهل شهر رمضان، وذلك بالتوبة النصوح من جميع المعاصي والذنوب، وما يتطلبها من إرجاع الحقوق إلى أهلها، واستبراء الأهل والأصدقاء والزملاء، وسائر الناس، ليدخل في هذه العبادة وهو قد تخلى عن المعصية، وكما يقال: (التخلية قبل التحلية)، فيتخلى أولا عن ما كان يقترفه من مخالفات وانغماس في الشهوات والملذات، ليقبل على الله بنفس طيبة طاهرة، وبعدها يجتهد في ما يقربه إلى الله زلفى، ويتزود من زاد التقوى، وليلبس بعد الطهارة لباس التقوى، فالمسارعة أولا تكون إلى المغفرة ثم إلى الجنة بعد ذلك، يقول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)، فالإنسان إذا أراد أن يشيد بناء محكما فعليه بتأسيس الأساس المتين الذي يقوم عليه، وإن أراد بناء الأعمال الصالحة فعليه بتأسيس قاعدة قوية ينطلق منها ألا وهي قاعدة الإيمان والتقوى، لا أن يكون الأساس الذي ينطلق منه أساسا هشا ضعيفا، فهكذا يكون بناء الأعمال الصالحة مثل بناء المساجد على أساس التقوى يقول الله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:108-110)، ثالثا: من الخطوات المهمة التي يغفل عنا الكثير من المسلمين التخطيط لاستغلال هذا الشهر الفضيل من مبتدأه إلى منتهاه تخطيطا محكما، ويستفيد في وضع خطته من التجارب الكثيرة والمتنوعة والمبثوثة عبر وسائل المعرفة المفتوحة، فيطلع عليها، ويضع برنامجا مرنا يتناسب مع ظروفه وأحواله، فلا يكتب خطة خيالية لا يتمكن من تطبيقها على أرض الواقع، وأنما يعد خطة مرنة متوازنة يتمكن من تنزيلها على أرض الواقع، فأي عمل لا يقوم على التخطيط فمآله إلى التخبيط، حيث يتخبط هنا وهناك، تتجاذبه الأعمال والدعايات والمغريات، فيصبح حيرانا، غير قادر على تسيير نفسه وفق ما يتمنى وما يصبو إليه، وهذا التخطيط يكون بوضع خطة خاصة للفرد نفسه ووضع خطة لأسرته وعائلته، ووضع خطة لمجتمعه، يستطيع من خلال هذه الخطط أن ينظم سيره الذاتي وتفاعله في المجتمع بشكل منظم ومدروس. رابعا: العزم على الاستفادة من الأخطاء والتقصير في أشهر رمضان الفائتة، بحيث يتدارك ما فاته ويعزم على المضي قدما نحو ما تطبيق ما خطط له، فالإنسان الناجح هو الذي يستفيد من أخطائه وهناته، بحيث يطور من نفسه إلى الأحسن والأفضل دائما.
-
الأعمال الصالحة في رمضان كثيرة ومتنوعة فأين يوجه المسلم جهده في رمضان؟
اترك تعليقا