الإعجاز القرآني - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



الإسلامية الثقافة الإسلامية-التربية الإسلامية-حل كتاب الثقافة الإسلامية-حل كتاب التربية الإسلامية-اختبارات التربية الإسلامية-بحوث التربية الإسلامية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  الإعجاز القرآني
كُتبَ بتاريخ: [ 10-06-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع




أرسلالله نبيه محمدًا ³ إلى الناس كافة على فترة من الرسل بشيرًا ونذيرًا، كما أخبرسبحانه وتعالى بذلك في قوله: ﴿وما أرسلناك إلا كافّة للنّاس بشيرًاونذيرًا﴾ سبأ: 28. وأيّدهُ بالمعجزات الباهرات، ومن أجلِّها وأعظمها معجزةالقرآن الكريم، أنزله بلسان عربيّ مبين؛ لأنه لسان قومه الذين بعث فيهم. ومن سننهسبحانه، أنه ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه، كما أخبر بذلك في سورة إبراهيم: ﴿وما أرسَلْنا مِنْ رَسُول إلاّ بِلسَان قوْمِه ليبيَّن لهم﴾ إبراهيم: 4. وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، أن يرسل إليهم رسلاً بلغاتهم ليفهموا منهمما يريدون إبلاغه لهم وقد قضت سنة الله أنه ما أرسل من رسول إلا أيّده بمعجزة تؤيدهفي دعوته.
والمعجزة. أمر خارق للعادة يُظهرُه الله على يد صاحب الرسالة، برهانًا قاطعًاعلى صدقه، وأنه مُبَلِّغٌ عن الله.
والمعجزة نوعان: حسية ومعنوية. وقد كانت كل معجزات الرسل الذين سبقوا محمدًا ³من النوع الأول، كمعجزات موسى عليه السلام، مثل العصا المشار إليها في قوله تعالى: ﴿وما تلك بيمينك يا موسى ¦ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنميولي فيها مآرب أخرى ¦ قال ألقها ياموسى ¦ فألقاها فإذا هي حية تسعى ¦ قال خُذْهاولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى﴾ طه: 17 ـ 21. وكمعجزة الناقة لصالح عليهالسلام، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ـ بإذن الله ـ لعيسى عليه السلاموهكذا..
وهذه المعجزات قد انقضت بزمانها، وبقيت أخبارها للعبرة والعظة،﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يُفْتَرى ولكن تصديقالذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ يوسف : 111.
أما النوع الثاني فهو المعجزة المعنوية. وهي معجزة تدرك بالعقل. وهذه معجزةسيدنا محمد ³، وهي القرآن الكريم.
يثبت مما تقدم أن معجزات الأنبياء الذين سبقوا رسول الله ³، قد انقضت بانقضاءالعصور التي نزلت فيها. وانتهت بانتهاء الأقوام الذين حلت بينهم، وكانت معجزاتحسية. أما معجزة القرآن الكريم فهي باقية بقاء الرسالة المحمدية؛ ذلك أن رسالة رسولالله ³ قد استوعبت الزمان والمكان، فكان لابد من استمرار المعجزة، بمعنى أنه إذاارتاب قوم في صدق رسول الله ³ في عصرنا الحاضر، فكيف نأتي بالرسول ليطالبوه بمعجزةتدل على صدقه؟ ومن هنا كان القرآن الكريم نفسه بيانًا ومعجزة في آن واحد.
وكلما تقدَّم العلم المادي، انكشف من وجوه إعجاز القرآن وجه يقمع رموز منكريه،ويهدي به الله الآلاف المؤلفة في كل عصر، وهو ما نشاهده الآن وما شاهدناه قبل الآن،وما ستشهده الأجيال القادمة بعد الآن بإذن الله.
مراحل التحدي في إعجاز القرآن. لقد تدرّج القرآن في تحديالقوم على مراحل: ففي المرحلة الأولى طلب منهم أن يأتوا بحديث مثله حينما قالوا: إنه حديث مُفْترى. فقال الله تعالى: ﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانواصادقين﴾ الطور: 34. فلما عجزوا عن الإتيان بمثله، طلب الله سبحانه وتعالىمنهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات ـ على زعمهم ـ فقال جلَّ ذكره: ﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دونالله إن كنتم صادقين﴾ هود : 13. فلما عجزوا، طلب الله سبحانه منهم أن يأتوابسورة مثله، كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزَّلناعلى عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ البقرة : 23.
ولما تكرر التحدي لهم بمراحل مختلفة، وظهر عجزهم مرة بعد أخرى، جاء التحديالنهائي لهم: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذاالقرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا﴾ الإسراء : 88.
لذلك كانت حجة الرسول ³ أن الله تعالى قد أنزل عليه كتابًا عربيًا مبينًا، يعرفالعرب ألفاظه، ويفهمون معانيه إلا أنهم لا يقدرون على الإتيان بمثله، ولا بعشر سورمثله، ولا بسورة واحدة مثله، ولو جهدوا جهدهم، واجتمع معهم الجن والإنس.
القدر المعجز من القرآن. مما تقدم من بيان مراحل التحديفي القرآن، يظهر أن القدر المعجز من القرآن هو الإتيان بمثل أقصر سورة من سوره،وإذا علمنا أن أقصر سورة هي سورة الكوثر، وبها ثلاث آيات، فإن القدر المعجز منالقرآن هو ثلاث آيات فأكثر.
وجوه إعجاز القرآن الكريم. إنَّ وجوه إعجاز القرآن الكريمكثيرة يصعب عدها، ويعجز حصرها، وهذه ثلاثة أوجه منها على سبيل المثال:
إخباره بالغيب. وهو أمرٌ لا يقدر البشر عليه، فقد أخبر الله تعالى نبيَّه بأنهسيظهر دينه على الأديان، وذلك في قوله تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسولهبالهدى ودين الحق ليظهره علىالدينكله ولو كره المشركون﴾ التوبة : 33. وقد حدث ذلكفعلاً. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا أغزى جيوشه، عرَّفهم ما وعدهم الله بهمن إظهار دينه، ليثقوا بالنصر، ويستيقنوا بالفوز.
ومن ذلك، ما أخبر به رسول الله ³ من قصص الماضين من الرسل وأممهم. ومعلوم أنمحمدًا ³ كان أميّا لا يكتب ولا يقرأ، ولم يكن يعرف شيئًا من كتبهم، ثم أخبر بذلك،وكان صادقًا عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به.
علومه ومعارفه. وبيان ذلك أن القرآن قد اشتمل على علوم ومعارف في هداية الخلقإلى الحق، بلغت من نبالة القصد ونصاعة الحجة وحسن الأثر وعموم النفع، مبلغًا يستحيلعلى محمد ³ ـ وهو رجل أمي نشأ بين الأميين كما تقدم ـ أن يأتي بها من عند نفسه. بليستحيل على أهل الأرض جميعًا من علماء وأدباء وفلاسفة ومشرّعين وأخلاقيين أن يأتوامن تلقاء أنفسهم بمثلها.
وفاؤه بحاجات البشر. ومعنى ذلك أن القرآن جاء بهدايات تامة كاملة تفي بحاجاتالبشر في كل عصر ومصر، وفاءً لا يمكن وجوده في أي تشريع أو دين. ويتجلَّى ذلكواضحًا في المقاصد النبيلة التي رمى إليها القرآن من إصلاح العقائد والعباداتوالأخلاق؛ ومن إصلاح المجتمع وإصلاح الحكم، من سياسة واقتصاد وما إلى ذلك ... إلخ.
وخلاصة القول أن القرآن قد احتوى على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولاأحاط بعلمها أحد، في كلمات قليلة وأحرف معدودة، كما قال تعالى: ﴿ونزّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء﴾ النحل : 89.
فالقرآن قد جمع علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علمًا إلا واهبُها جلّوعلا، ثم رسوله محمد ³، عدا ما أستأثر به سبحانه. وقد وَرِث هذا العلم عن رسول الله ³ صحابتهُ والتابعون لهم بإحسان، ثم علماء هذه الأمة إلى يوم القيامة.
نزول القرآن الكريم
يقولالله تبارك وتعالى: ﴿وبالحق أنزلناه وبالحق نزل﴾ الإسراء: 105. والمراد بإنزال القرآن: الإعلام به بوساطة ما يدل عليه. ولقد نزل القرآن الكريم أولما نزل جملة واحدة إلى اللوح المحفوظ، يدلُّ على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿بل هو قرآن مجيد ¦ في لوح محفوظ﴾ البروج: 21، 22.
أما التنزيل الثاني، فقد كان إلى بيت العزة في السماء الدنيا. فقد روى النسائيوالحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: (أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أُنزل بعدذلك في عشرين سنة )، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ولا يأتونك بمثل إلاجئناك بالحق وأحسن تفسيرًا﴾ الفرقان : 33.
وكون هذا النزول جملةً واحدةً وفي ليلة القدر، هو المتفق عليه. أما التنزّيلالثالث فهو نزوله مفرقًا على رسول الله ³. وهو جوهر هذه التنزيلات؛ لأنه الرحلةالأخيرة التي شعَّ منها نور الدعوة الإسلامية على العالم أجمع.
وقد كان ذلك التنزّيل بوساطةأمين الوحي جبريلعليه السلام، يهبط به علىقلب النبي ³. ودليل ذلك ما ورد من آيات في القرآن الكريم. فمن ذلك قوله تعالى: ﴿نزل به الروح الأمين ¦ على قلبك لتكون من المنذرين ¦ بلسان عربيمبين﴾ الشعراء: 193 ـ 195. ومنها قوله تعالى: ﴿وإنك لتُلَقّىالقرآن من لدن حكيم عليم﴾ النمل: 6. وقوله تعالى: ﴿وإذا تتلىعليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل مايكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن عصيت ربيعذاب يوم عظيم﴾ يونس: 15.
والـدليل على نزوله مفـرقًا قـوله تـعالى : ﴿وقرآنًا فرقناه لتقرأهعلى الناس على مُكْث ونزلناه تنزيلاً﴾ الإسراء: 106.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وقال الذين كفروا لولا نُزِّل عليه القرآن جملةواحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ¦ ولا يأتونك بمَثلٍ إلا جئناك بالحقوأحسن تفسيرًا﴾ الفرقان: 32، 33.
وذلك بعد أن عاب نفر من الكفار من اليهود والنصارى نزوله على رسول الله ³ وقالوا : هلاّ نزل عليه جملةً واحدة كما هو الحال بالنسبة للكتب السابقة، فنزلت الآياتالقرآنية الكريمة لتردّ عليهم بما يفيد أن القرآن نزل مفرقًا، وأن الكتب السابقةنزلت جملة واحدة.
إن نزول القرآن الكريم مرتين جملة واحدة، ومرة ثالثة مفرقًا. يفيد ـ والله أعلمـ التفخيم لشأن القرآن وشأن المنزل عليه وهو رسول الله ³. وهناك حكم كثيرة تظهرللمتدبِّر في نزول القرآن مفرقًا، منها: 1- تثبيت فؤاد رسول الله ³، ذلك أن تجدّدالوحي وتكرار نزول جبريل بالقرآن يملأ قلب الرسول ³ سرورًا. 2- حفظه ومعرفة أحكامهوحكمه، خاصة والرسول ³ أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب وكذلك من بعث فيهم. 3- يتجدد إعجازالقرآن كلما نزل القرآن على رسول الله ³ وفي هذا زيادة تقوية لفؤاده، وكسر لشوكةالكافرين. 4- التدرُّج في نزول الأحكام، ممّا ساعد في تربية الأمة، التي كانتأيامها في طور التكوين، فأراد الله أن تكون أمة وسطًا بين الأمم.
سبب النزول
تعريفه. هو ما نزلت الآية أو الآيات مبينة لحكْمه أوحِكَمه أيام وقوعه. فهو الحادثة التي وقعت في عهد الرسول ³، ونزل قرآن بشأنها، أواستفسارات وأسئلة وُجّهت للنبي ³ فجاءت الآيات القرآنية تجيب عنها. ولا يعني هذاأنه لابد لكل آية من سبب. فالقرآن منه ما نزل ابتداءً وهذا أكثره، ومنه ما نزل عقبحادثة، أو جوابًا عن سؤال، فليس لكل آية سبب.
فائدته. سبب النزول أمر لا يستغني عنه مفسر لكتاب الله ،فلا يستطيع المفسر أن يفسر الآية إلا إذا عرف سبب نزولها وقصتها إن كان لها سبب. فمن فوائده أنه يعين المفسر على فهم الآية فهمًا صحيحًا، ويفيد في معرفة الحكمةالباعثة على تشريع الحكم، فمن لم يعرف سبب النزول يخطئ في تفسير الآيات.
وقد روي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معديكرب أنهما كانا يقولان: ¸الخمر مباحة·،ويحتجان بقوله تعالى: ﴿ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيماطعموا﴾ المائدة : 93. ولو علما سبب نزولها لما قالا ذلك وهو أن ناسًا قالوالما حرِّمت الخمر: كيف لمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر، وهيرجس؟ فنزلت هذه الآية الكريمة وكان كل ذلك قبل التحريم.
كيف يعرف سبب النزول. سبب النزول لايعرف إلا بالسماعوالرواية ممن كانوا مع رسول الله ³، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن عللها، وجدُّوافي طلبها. فطريقة معرفة السبب هي وسيلة النقل الصحيح عن الصحابة الذين عاصرواالنزول، ووقفوا على الملابسات، فلا يصح القول في أسباب النزول بالرأي والاجتهاد. لهذا كان الصحابي لايقول في أسباب النزول إلا بقرائن ترتبط بالقضايا، أو سماع منرسول الله ³، وربما لم يجزم بعضهم، فيقول: أحسب هذه الآية أو الآيات نزلت فيكذا.
فقد أخرج الأئمة الستة عن عبدالله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصارفي شراج الحرَّة، (وهي مسايل الماء)، فقال النبي ³ (اسق يا زبيرثم أرسل الماء إلى جارك ) فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك! فتلوَّن وجهه ³. قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًامما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾ النساء: 65.
الألفاظ الدالة على سبب النزول. هناك ألفاظ تدلّ على سببالنزول وعبارات مستعملة في هذا، فبعضها مما فيه نص لا يقبل التأويل والاحتمال،وبعضها غير صريح في السببيَّة، بل يحتملها ويحتمل تفسير المعنى وما تضمنته الآية منأحكام. فمن الأول قولهم سبب نزول الآية: كذا، مصرحًا بلفظ سبب النزول، وقولهم: حدثكذا وكذا فنزلت الآية، أو سئل رسول الله ³ عن كذا فأنزل الله كذا، بلفظ الفاءالدالة على الترتيب، فتلك عبارات نص في بيان السبب. ومن الثاني، قولهم: نزلت فيكذا، فإن العبارة تحتمل السبب، وتحتمل تفسير المعنى. والله أعلم.
جَمْعُ القرآن وتدوينه
يُطلق جمع القرآن على معنيين اثنين: الأول: بمعنى حفظه، وُجمّاع القرآن حُفّاظه. وهو المراد في قوله تعالى مخاطبًا نبيّه ³، وكان يحرّك لسانه متابعًا جبريل ـ عليهالسلام ـ قبل أن يفرغ من تلاوة الوحي عليه، حرصًا على حفظه واستظهاره: ﴿لا تحرّك به لسانك لِتَعْجَل به ¦ إنّ علينا جمعه وقرآنه﴾ القيامة: 16، 17. أي : إن علينا جمعه في صدرك. والمعنى الثاني: جمع القرآن بمعنى كتابتهكلّه.
جمع القرآن في عهد النبي ³. على عهد النبي ³، تمَّ جمع القرآنبمعنى حفظه، فقد حفظه كلَّه أو بعضه عن ظهر قلب عدد كبير من الصحابة رضوان اللهعليهم ـ كما تم جمعه بمعنى كتابته. وقد اتّخذ رسول الله ³ ـ كتَّابًا للوحي، تنزلالآية، أو الآيات، فيأمرهم بكتابتها، ويبّين لهم موضعها، فاجتمع للقرآن حفظه فيالصدور، وكتابته في السّطور، مما لم يجتمع لكتاب قبله ولا بعده قطّ.
وكان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله ³ بالقرآن (أي: يراجعه معه، ويُذاكره) مرة كل سنة، في كل ليلة من ليالي رمضان، وعارضه في سنة وفاته مرتين، وكان الصحابة،رضوان الله عليهم، يعرضون على النبي ³ مامعهم من القرآن حفظًا وكتابة.
ولم يُجمع القرآن في مصحف واحد على عهد النبي ³؛ لأنه كان يترقّب نزوله في كلوقت. وقد يكون من النّاسخ لشيء نزل من قبل. وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيبالنزول، بل تكتب الآية بعد نزولها، حيث يشير ³ ـ إلى موضع كتابتها بين آية كذا،وآية كذا، في سورة كذا. ولو جُمع القرآن كلُّه بين دفّتي مُصحف واحد لأدَّى ذلك إلىتغييره كلما نزل وحي جديد. فلما انقضى نزوله بوفاته ـ عليه الصلاة والسلام ـ ألهمالله الخلفاء الراشدين أن يجمعوه، وفاءً بوعده الصادق بضمان حفظه: ﴿إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ الحجر: 9.
ويسمى جمع القرآنحفظًا وكتابةًعلى عهد النبي الكريم صلوات الله عليه ـالجمعَ الأوّل.
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديقرضي الله عنه. جمعالقرآن في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في السنة الثانية عشرة للهجرة بعد موقعةاليمامة مع المرتدّين من العرب الذي امتنعوا عن دفع الزكاة، وقتل فيها سبعون منقرّاء الصحابة وعلمائهم، فهال ذلك عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، واقترح علىالخليفة الصدِّيق، أن يأمر بجمع القرآن في مصحف واحد خشية الضياع. فَصَعُبَ على أبيبكر ـ رضي الله عنه ـ أن يفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ³، ثم شرح الله له صدرهفأرسل إلى زيد بن ثابت، لمكانته في الحفظ والكتابة والفهم والعقل، وشهوده العرضةالأخيرة، فكان موقفه في البداية كموقف الصدّيق، ثم شرح الله صدره، وطابت نفسه كييتولّى عملية جمع القرآن. ومع أن زيدًا ـ رضي الله عنه ـ كان حافظًا، متقنًا،عالمًا، متمكّنًا، فكان لا يقبل أن يكتب من حفظه هو، بل لابد أن يُؤتى بما هو مكتوبفي الصّحف، والألواح، ولابد أن يأتي بشاهدين اثنين، على أن هذا المكتوب كُتب بينيدي رسول الله ³. وهذا حرص شديد في الاحتياط والتوثق لم يتوفر لكتاب قط. كل ذلكليكون المسلم على يقينٍ تامّ، بأنّ هذا القرآن الذي يقرؤه هو ـ بلا شك ـ ما أقرأهجبريل عليه السلام، لنبي الله ـ عليه الصلاة والسّلام.
وهكذا جُمع القرآن في مصحف واحد، لأوّل مرة، مرتَّب الآياتِ والسُّور، مشتملاًعلى الأحرف السّبعة التي نزل بها. وبقي هذا المصحف عند أبي بكر ـ رضى الله عنه ـمُدَّة حياته، ثم انتقل إلى عمر، رضي الله عنه، وبعد وفاته حفظ عند ابنته حفصة،أمِّ المؤمنين، إلى أن طلبه عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وهذا الجمع هو المسمىبالجمع الثاني.
جمع القرآن في عهد عثمان رضي اللهعنه. جُمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه، حين اتّسعت الفتوحاتالإسلامية، وتفرّق القرّاء في الأمصار، وأخذ أهل كلّ بلد قراءتهم عمَّن وفد إليهممن علماء الصحابة. وكانت وجوه القراءة مختلفةً باختلاف الأحرف التي نزل عليهاالقرآن. فكان أهل كل بلد، إذا ضمّهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو، عجب بعضهم منقراءة بعض. وأدى هذا الاختلاف إلى تسرّب الشك لعقول بعض الناشئة.
فلما كانت غزوةأرمينياوغزوةأذربيجان، كان حذيفة بن اليمان، رضيالله عنه ممن غزاهما، فرأى اختلافًا في وجوه القراءة، بعضه مشوب بالخطأ، مع تمسككلّ جماعة بقراءتهم وتعصُّبهم لها، وربما خطَّأ بعضهم بعضًا، ففزع حذيفة إلىالخليفة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، فأكبر الصحابة هذا الأمر، وأجمعوا أمرهم أن ينسخواالصحف التي كانت عند أبي بكر، ليجتمع الناس عليها بالقراءات الثابتة على حرفٍ واحد. فأرسل عثمان إلى حفصة، لتبعث له بالصحف، وأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزّبير،وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، ثم ردّ الصحفإلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفةأو مصحف أن يُحرق، وأبقى عنده في المدينة واحدًا، هو مصحفه الذي يُسمَّىالإمام.
قال عليٌّ رضي الله عنه: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا. فوالله ما فعل الذي فعلفي المصاحف إلا عن ملأٍ منا. قال: ما تقولون في هذه القـراءة؟ فقـد بلغني أنّ بعضهميقول إنّ قراءتي خير من قراءتك، وهـذا يكاد يكون كفرًا. قلنا: فما ترى؟ قال أرى أنيُجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة، ولا اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت·.
وهكذا تُركت القراءة ببعض الأحرف. ولا ضير في ذلك، فإن القراءة بالأحرف كلهاليست واجبة ولو أوجب رسول الله ³ على الأمة القراءة بها جميعًا لوجب نقل كل حرفمنها نقلاً متواترًا تقوم به الحجة. ولكن الصحابة لم يفعلوا ذلك، فدل هذا على أنالقراءة بها إباحةٌ ورخصة، وأن الواجب هو تواتر النقل ببعض هذه الأحرف، وقد كان،والحمدلله. وبهذا قطع عثمان ـ رضي الله عنه ـ دابر الفتنة، وحسم مادة الخلاف،وحصَّن القرآن من أن يتطرّق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مرّ العصور. وجَمْععثمان للقرآن هو المسمَّى بالجمع الثالث، وتمَّ سنة 25هـ.
ترتيب آيات القرآن وسوره
ترتيب الآيات. إن ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفالنبي ³، أي: بأمره، من غير خلاف بين المسلمين. وجزم بذلك الإمام السيوطي،وقال: إنالإجماع منعقد على ذلك، ولا شبهة فيه؛ فقد كان جبريل ـ عليه السلام ـ، يتنزلبالآيات على رسول الله ³، ويرشده إلى موضعها من السورة، أو من الآيات التي نزلتقبل، فيأمر الرسول ³ كتَّاب الوحي بكتابتها في موضعها، ويقول لهم: ضعوا هذه الآياتفي السورة التي يُذكر فيها كذا، أو ضعوا آية كذا في موضع كذا.
ووقف عثمان رضي الله عنه في جمع القرآن عند موضع كل آية من سورتها، حتى لو كانتمنسوخة الحكم، لا يغيّرها. وروى الإمام البخاري عنه قوله: ¸لا أغيُّر شيئًا عنمكانه. كما جاءت الأحاديث الدالة على فضل آياتٍ من سور بعينها، ويستلزم هذا أن يكونترتيبها توقيفيًا، أي: بأمر من النبي ³، إذ لو جاز تغييرها لما صدقت عليهاالأحاديث. مثال ذلك مارواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ، عن أبي الدرداء ـ رضي اللهعنه ـ، أن النبي ³ قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهفعُصم من الدجال ). كما ثبتت قراءة النبي ³ لأكثر سور القرآن في الصلاة،وخارجها، بترتيب آياتها. وكانت مراجعة جبريل ـ عليه السلام ـ للقرآن الكريم مع رسولالله ³ في رمضان الأخير من حياته الشريفة مرتين، على الترتيب المعروف لدينا الآن،والذي سمِّيبالعرضة الأخيرة.
ترتيب السُّوَر. قيل: إن ترتيب السور في القرآن كانباجتهاد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، وقيل: إن بعض السُّور كان ترتيبها توقيفيًا،وبعض السور كان ترتيبها اجتهاديًا. والصحيح أن ترتيب السّور، كترتيب الآيات،توقيفي، تمَّ بناء على أمر رسول الله. قال ابن الأنباري: ¸فاتّساق السُّور، كاتساقالآيات والحروف، كلّه عن النبي ³. فمن قدَّم سورة، أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن·. وأضاف الكرماني في كتابهالبرهان: إنّ ترتيب السور كما هي عليه بين أيدينا،هو هكذا عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ في اللوح المحفوظ.
أنواع سوَر القرآن. سُورالقرآن أربعة أنواع: 1ـ الطِّوال 2ـ والمئون 3ـ والمثاني 4ـ والمُفصَّل.
فالطوال سبع: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف. أماالسابعة، فقيل هي الأنفال والتوبة معًا لعدم الفصل بينهما بالبسملة. وقيل: هييونس.
والمئون : هي السور التي تزيد آياتها على مائة، أو تقاربها.
والمثاني : هي التي تليها في عدد الآيات. سُمّيت بذلك لأنها تثنى في القراءة،وتكرّر أكثر من الطوال والمئين.
والمُفصّل: قيل من أول سورة (ق)، وقيل: من أول (الحجرات)، وقيل غير ذلك.
والمفصل أقسام ثلاثة: طوال، وأوساط، وقصار. وسمّيبالمفصللكثرة الفصلبين سوره بالبسملة.
وعدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة. وقيل: وثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءةسورةً واحدة. أما آياته: فهي 6236 آية، على أرجح الأقوال. واختلفوا فيما زاد عنذلك. وأطول الآيات: آيةالدَّيْن 282: البقرة، وأطول السور: سورة البقرة.
المكي والمدني
يرى بعض العلماء أن المكي من القرآن ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة. وهؤلاء نظروا إليه باعتبار مكان النزول، لكن أخذ على هذا التعريف أنه لا يشمل مانزل من القرآن خارج مكة، وما نزل منه خارج المدينة، ولذا اعتبر هذا التعريفناقصًا.
ومن العلماء من قال: إن المكي ما صُدِّر بـ (ياأيها الناس)، والمدني ما صُدر بـ (يا أيها الذين آمنوا) فحيث كان الكفر هو الغالب في مكة خوطبوا بـ (يا أيها الناس). ولما كان الإيمان هو الغالب في المدينة خوطبوا بـ (يا أيها الذين آمنوا) لكن أُخذعلى هذا التعريف أن كثيرًا من سور القرآن وآياته لم تصدر بـ (يا أيها الناس) ولا بـ (يا أيها الذين آمنوا). ولذا اعتبر العلماء هذا التعريف ناقصًا؛ لأن أصحاب هذاالرأي نظروا إلى المكي والمدني باعتبار حال المخاطَبين.
ويرى جمهور العلماء: أن المكي من القرآن ما كان نزوله قبل الهجرة وإن كان نزولهخارج مكة، والمدني ما كان نزوله بعد الهجرة وإن كان قد نزل داخل مكة. وهؤلاء نظرواإليه باعتبار الزمان. وهذا التعريف أدق، ولذا اعتبره العلماء، وساروا عليه.
طرق معرفة المكي والمدني. لمعرفة المكي والمدني من القرآنطريقتان. الأولى: السماع: وهو النقل الصحيح عن الصحابي أو التابعي أن هذه الآية أوهذه السورة قد نزلت بمكة أو بالمدينة، أو نزلت قبل الهجرة أو بعدها، مثال ذلك: ماورد في شأن قول الله تعالى: ﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بينذلك سبيلاً﴾ الإسراء: 110. فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللهعنهما أنها ¸نزلت ورسول الله ³ مختف بمكة. كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآنفإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به· الحديث.
أما الثانية: فهي الضوابط الكلية التي يعرف بوساطتها أن السورة أو الآية مكية أومدنية. وهذه الضوابط مبناها على التتبع والاستقراء المبني على الكثير أو الغالب،مثال ذلك وجود كلمة ¸كلاَّ·، فحيثما وجدت كلاَّ فالسورة مكية، وهذه الكلمة قد ذكرتثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة، وكلها في النصف الأخير من القرآن الكريم،والنصف الأخير غالبه نزل بمكة، وأنشد السيوطي في الإتقان:
وذلك لأن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة، وأكثر أهلها جبابرة فكثرت كلاَّ على وجهالتعنيف لهم والإنكار عليهم، بخلاف النصف الأول.
فوائد معرفة المكي والمدني من القرآن. لمعرفة المكيوالمدني فوائد جمة تعين الدارس للقرآن في كثير من المعارف التي يحتاج إليها. من ذلكنعلم أن المدني من القرآن ينسخ المكي، كما ينسخ المدني الذي نزل قبله؛ لأن الآية لايجوز أن تنسخ مالم ينزل بعد، والمكي نزل قبل المدني. كما يفيد ذلك في معرفة سيرالدعوة الإسلامية على عهد رسول الله ³ في مكة وفي المدينة وما بينهما. فيرى الدارسمن خلال ذلك كيف كان رسول الله ³ يدعو الناس ويحاورهم، ويرد على أسئلة المشركينالتي كثيرًا ما كانت تخرج عن نطاق المعقول والمقبول، إلى الاستهزاء والسخرية، كماذكر لنا ذلك الحق تبارك وتعالى.
الناسخ والمنسوخ
يأتي النسخ في كلام العرب على ثلاثة أوجه: 1- بمعنى الإزالة والمحو: كقولهم نسختالريحُ آثار القوم أي أزالتها، ومنه قوله تعالى: ﴿فينسخ اللَّهُ مايلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته﴾ الحج: 52. 2- بمعنى التحول من شيء إلىشيء، وانتقال ما فيه إلى الشيء الثاني. وهذا مأخوذ من قولهم: نسختُ الكتاب إذا نقلتما فيه إلى كتاب آخر. 3- بمعنى البدل، وهذا مأخوذ من قول العرب. نسخت الشمس الظلَّ: إذا أزالته وحلَّت محلَّه.
أما في الاصطلاح: فهو بيان انتهاء حكم شرعي بخطاب شرعي متأخر عنه. فالحكم الأوليسمّى منسوخاً. والخطاب الذي جاء متأخرًا وقصد به انتهاء العمل بالحكم الأول يسمىناسخًا.
دليل مشروعية النسخ. جاءت الأدلة الشرعية من الكتابوالسنة وإجماع الصحابة تدلُّ على وقوع النسخ وجوازه. فدليله من الكتاب قوله تعالى: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها﴾ البقرة: 106. وقوله تعالى: ﴿وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بماينزل قالوا إنما أنت مفترٍ بل أكثرهم لايعلمون﴾ النحل: 101.
ومن السنة قوله ³: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ). أما الصحابة فقد أجمعوا على أن شريعة محمد ص ناسخة لجميع ما سبقها منشرائع.
ومع وجود هذه الأدلة على جواز النسخ، فهناك طائفة من المسلمين تنكر النسخ، كماأنكره النصارى واليهود، وماذاك إلا افتراء وعناد منهم، فليس هناك ما يمنع وقوعالنسخ في أحكام الله، فإنه يحكم ما يشاء، ويفعل مايريد. وقد وقع النسخ في الشرائعالمتقدمة: فقد أحلَّ الله لآدم أن تتزوج بناته من بنيه ثم حرَّم ذلك، كما أبيح لنوحبعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات، ثم نسخ ذلك فأحلَّ بعضُها.
طريقة معرفة الناسخ والمنسوخ. إن النسخ يتضمن رفع حكموإثبات حكم، لهذا لا يحل لمسلم أن يقول فيه إلا بيقين. فلا يعتمد فيه على قولمفسِّر أو اجتهاد مجتهد من غير نقل صحيح، لهذا لايقبل نسخ آية أو حديث بغير أحدوجوه ثلاثة وهي: 1- النص الصريح بأن هذا الأمر ناسخ لكذا، كقوله تعالى: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينَّك قبلة ترضيها، فول وجهك شطر المسجدالحرام﴾ البقرة: 144. وقوله تعالى: ﴿علم الله أنكم كنتمتختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن﴾ البقرة: 187. فهذهالآية صريحة في نسخ النهي عن الوطء في ليل رمضان. وحديث (كنت قدنهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ). 2- إجماع الأمة بلا خلاف يعتدُّ بهعلى أن أمر كذا منسوخ، ومعلوم أن الإجماع يستند إلى دليل. 3- تعارض الأدلةالمتساوية تعارضًا تامًا، مع معرفة الأمر المتقدم زمنًا من المتأخر، بمعنى أنالنَّصين إما أن يتعارضا من جميع الوجوه، أو من وجه دون وجه، فإن تعارضا من وجه دونوجه جمع بينهما، وإن تعارضا من جميع الوجوه، فإن كان أحدهما قطعيًا والآخر ظنيًا،أو كان أحدهما أقوى من الآخر في الثبوت عُمل بالأقوى، وأهمل الآخر.
وإن تعارضا من جميع الوجوه، وتكافآ في الثبوت، وعلم الأمر المتقدم منهماوالمتأخر صرنا إلى النسخ. أما إن تعارضا من جميع الوجوه، وتكافآ في الثبوت، ولميعلم المتقدم والمتأخر، فلا يصار إلى النسخ بالاجتهاد، بل يجب التوقف عنهما، أوالتخيير بينهما.
وعلى هذا فلا يعتمد في النسخ على: الاجتهاد من غير دليل، ولا على أقوال المفسرينمن غير سند، ولا على مجرد التعارض الظاهري بين النصوص، ولا على ثبوت أحد النَّصينفي المصحف بعد الآخر، لأنه ليس على ترتيب النزول.
أنواع النسخ. قسَّم علماء التفسير النسخ إلى ثلاثةأنواع:
ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته. ومثاله قوله تعالى﴿والذين يُتوفون منكمويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج﴾ البقرة: 240. فكانت المرأة إذا مات زوجها لزمت التَّربص بعد انقضاء العدة حولاً كاملاً، ونفقتهافي مال زوجها ولا ميراث لها. فنسخ ذلك بقوله تعالى: ﴿والذين يتوفونمنكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا﴾ البقرة: 234.
وهذا النوع هو الذي اتفق معظم العلماء على وقوعه وألفّت فيه الكتب.
ما نسخت تلاوته وبقي حكمه. ومثَّل العلماء لهذا بما روي أنه كان في سورةالأحزاب: ﴿الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله﴾فنسخت تلاوتها وبقي حكمها، إذ قال عمر رضي الله عنه: قرأناها ووعيناهاوعقلناها، فرجم رسول الله ³ ورجمنا بعده·.
ما نسخت تلاوته وحكمه. ومثل العلماء لهذا بما روي عن عائشة رضي الله عنها: ¸كانفيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يُحرِّمن، فنُسِخْن بخمس معلومات فتوفي رسول الله ³ وهُنّ فيما يُقرأ من القرآن· رواه مسلم.
وقد أنكر بعض العلماء هذا النوع، وحجتهم في ذلك أن الأخبار فيه أخبار آحاد،ولايجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
نسخ القرآن والسنة بالقرآن والسنة. يتم هذا في أربعةأوجه:
نسخ القرآن بالقرآن. وهذا أمر جائز لدى الجميع دون خلاف بين القائلين بالنسخ. وما تقدم من أمثلة يغنينا عن الإعادة.
نسخ السنة بالسنة. وأجمع العلماء على جوازه، غير أن بعضًا منهم منع نسخ السنةالمتواترة بالسنة الآحادية.
نسخ القرآن بالسنة. وهذا قد أجازه جمهور العلماء، واستدلوا بأن الكتاب والسنةكليهما وحيٌ من الله، غير أن الإمام الشافعي ذهب إلى منعه وعدم وقوعه، ولعلّ منعهراجع لعدم وقوعه.
نسخ السنة بالقرآن. وهذا أمر جائز لدى العلماء، غير أن بعضهم فهم من كلامالشافعي منعه.
قراءات القرآن
القراءَات جمع قراءَة، والقراءَة في اللغة تعنيالجمع، فقراءة الشيء جمعُه وضمُّه، ومعنى قرأت القرآن لَفَظْتُ به مجموعًا، وسُمّيالقرآن، لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضهاإلى بعض.
أما القراءة في الاصطلاح فقد ذكر علماء القراءات عدة تعريفات لها، نكتفيبتعريفين منها : 1- علم يُبحث فيه عن صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوهالاختلافات المتواترة حتى يُصان كلام الله عن تطرّق التحريف والتغيير. 2- اختلافألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرها.
ولعلماء القراءات مصطلحات في هذا الشأن لابدّ من توضيحها،كالقراءة والروايةوالطريق. فالقراءةللإمام كقراءة نافع وابن كثير وعاصم، والرواية للذييأخذ عن الإمام كرواية ورش عن نافع، ورواية قنبل عن ابن كثير، ورواية حفص عن عاصم. والطريقللذي يأخذ عن الراوي.
ونشأة القراءات غير نشأة علم القراءات؛ وهذا أمرلابد من التنبيه إليه والاهتمام به. فالقراءات وتعدُّدها نشأت نتيجة لتلقي الصحابةرضوان الله عليهم القرآن عن رسول الله ³، إذ كان يُقرئُ كلَّ واحد منهم بما ييسرهالله له، والقرآن أنزل على سبعة أحرف، فقد أقرأ هشام بن حكيم بوجه، وأقرأ عمر بنالخطاب بوجه آخر. فلما سمع عمر قراءة هشام بن حكيم أمسك به من ردائه، ثم أحضرهللرسول ³ مستنكرًا منه تلك القراءة، فقال له رسول الله ³ أرسلْه يا عمر! ثم قاللهشام اقرأ، فقرأ، فقال ³ هكذا أنزلت، ثم قال لعمر: اقرأ، فقرأ، فقال ³: هكذاأنزلت، ثم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ماتيسر منه ) متفق عليه. وهذا أمرٌ لم يقف عند هشام وعمر وحدهما، وإنما حدثلأبيّ بن كعب، وأبي هريرة وغيرهما، وجميعُهم يذهبون إلى رسول الله ³ للفصل بينهم،مما يدل على أن نشأة القراءات سبقت كتابة المصحف، وفي هذا ردٌّ على المستشرقين ومنوافقهم ممَّن قالوا: إن نشأة القراءات جاءت نتيجة خلوِّ كتابة المصحف من نقطالإعجام والإعراب، فيردُّ عليهم بأن القراءات قد نشأت قبل كتابة المصحف وفي حياةالمصطفى ³.
أمَّا علم القراءات فقد نشأ متأخرًا بعد أن تعدَّد أئمة القراءات وتفرقوا فيالأمصار، وأصبح لكل جهة إمامٌ يقرأُ الناس بقراءته، واحتاج الناس إلى تدوين هذهالقراءات وأئمتها وما يتعلق بذلك.
وقد كان أهل الصدر الأول يعتمدون على حفظهم دون تدوين، فخشي الناس من التخليط فيكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد.
فكان أبوعبيد القاسم بن سلام، أول من جمع القراءات في كتاب، وجعل لهاخمسة وعشرين قارئًا، أي إمامًا للقراءة. سوى السبعة المشهورين الذين عرف بهم ابنمجاهد على ما سيأتي.
ثم جاء مِن بعده من اقتدى به، وسلك مسلكه، فظهرت المؤلفات في علم القراءات،تختلف في الطول والقصر؛ إذ ظهرأحمد بن جبيرالذي ألفّ كتابه فيالقراءاتالخمسمن كل مصر إمام، والأمصار آنذاك هي: المدينة ومكة والشام (دمشق) والبصرة والكوفة.
ثم ظهرالقاضي إسماعيل بن إسحاق الأزديصاحب قالون، فألفّ كتابًا فيهقراءة عشرين إمامًا، ثم جاءأبوجعفر محمد بن جرير الطبريفألفّ كتابهالجامعالذي ضمَّ ما يربو على عشرين قراءة.
وهكذا عني العلماء بالقراءات ضبطًا وتدقيقًا حتى ظهر العالم الجليلالقاسم بنفيرُّه الشاطبي الأندلسي، الذي ألَّفحرز الأماني ووجه التهانيفيالقراءات السبع المعروف بالشاطبية، فسارت به الركبان، وبقي مستمرًا مع الأزمان.
تلا ذلك شيخ المشايخ الذي وصف بأنه لم تسمع العصور بمثله: محمد بن محمد بنمحمد بن يوسف بن الجزري، الذي ألّف كتابالنشر في القراءات العشركمانظمطيبة النشر في القراءات العشروشرحها ابنه.
وهكذا ظلَّ العلماء يحافظون على تدوين ما يتعلقبالقراءات وأئمتها، فنشأ علم القراءات بداية متواضعة حتى اتّسعت دائرته؛ فظهرتالمؤلفات التي تجمع أصول القراءات واختلاف القراء القائم على التلقي، لا على صلاحيةالرسم القرآني لذلك، كما أدَّعى المستشرقون ومن سار في ركابهم. كما ظهرت المؤلفاتالتي جمعت أئمة القراءات ووضعتهم في طبقات كما فعل الإمام شمسالدينالذهبي والإمام شمسالدينبن الجزري فيطبقاتالقراء. فأصبحت بين أيدينا مصنفات وموسوعات حتى زخرت المكتبةالإسلامية بتراث عظيم، ومؤلّفات تتعلق بالقراءات ووجوهها وأئمتها ورواتها وطرقهاالتي فاقت الحصر والعدَّ.
وبما أن أبا عبيد القاسم بن سلام والقاضي إسماعيل بن إسحاق قد وصلا بأئمةالقراءات إلى نيف وعشرين. والمشهور بين الناس سبعة قراء، فنقول: إن هذه القراءاتالسبع التي نسبت للإمام نافع في المدينة، وابن كثير في مكة، وابن عامر في الشاموأبي عمرو البصري في البصرة، وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة، إنما هي من اختيارابن مجاهدالذي اختار سبع قراءات من ذلك الكم الهائل، حتى يسهل على الناس حفظهادون تعرُّضٍ للتداخل، وقد ضم كتابهالسبعة في القراءاتعمله الجليل الذي قامبه وخدم به الأمة. وهو كتاب مطبوع ومحقّق.
ومع أن هناك من أثنى على عمله هذا وقدَّره، إلا أن هناك من ذمَّه وظنَّ أنه أرادبذلك إهدار القراءات الأخرى غير السبعة وإبعادها، في حين أنه لم يُسقط تلك القراءاتالتي تواترت وصحّ سندها، وإنما تركهاً لقلَّة القراء بها في تلك الأمصار بالقياسإلى من يقرأ بقراءة الأئمة السبعة الذين اختارهم.
ضوابط القراءات. اشترط أئمة القراءات لصحة القراءة تحقيقأمور عدة لابد من توافرها. وهي ما يعرف بأركان القراءة أو ضوابطها أو شروطها. وهذهالضوابط أو الأركان جمعها ابن الجزري في قوله:
فالقراءة لا تُقبل إلا إذا تحققت فيها الضوابط الثلاثة أو الأركان وهي: 1- صحةالسند والتّواتُر. 2- موافقتها للغة العربية ولو بوجه بعيد. 3- موافقتها للرسمالعثماني ولو احتمالاً.
فصحة السند أمر لا بد منه، وهو أعظم ضوابط القراءة وقواعدها؛ لأن القراءة سنةمتبعة ونقل محض. والسند هو الطريق الموصل إلى القرآن وهو خصيصة فاضلة من خصائص هذهالأمة أكرمها الله به، وشرَّفها وفضلها به. وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثهاإسناد، إنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم التي أخذوها من غيرالثقات.
فصحة السند يعنون به، أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله حتى تنتهيالقراءة إلى رسول الله ³ وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له. والتواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين السابقين الأخيرين من الرسم وغيره، فماثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي ³ وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا سواء أوافقالرسم أم خالفه. أما ما وافق العربية والرسم ولم يُنقل يعني لم يصح سنده فهذا ردُّهأحق، ومنعه أشد، ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر. وحقيقة الأمر أن العلماء قداشترطوا في أول الأمر صحة السند وحده، وأن إضافة الركنين الأخيرين لم تأت إلا فيوقت متأخر.
موافقة القراءة للغة العربية ولو بوجه بعيد، يريدون بها أن توافق القراءة وجهًامن وجوه النحو، سواء أكان فصيحًا أم أفصح، مجمعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لايضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصلالأعظم والركن الأقوم.
فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو كتسكين ¸بارئْكم ويأمرْكم وينصرْكم· في قراءةأبي عمرو البصري التي أنكرها سيبويه وغيره، ومع ذلك لم يعتبر إنكارهم بل أجمعالأئمة على قبولها. فقال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابهجامع البيانبعدذكره تسكين بارئكم ويأمركم وينصركم لأبي عمرو البصري، وإنكار سيبويه ومن معه لذلك؛قال: ¸والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء، وهو الذي أختاره وآخذ به·، ثم قال: ¸وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس فيالعربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل. والرواية إذا ثبتت عندهم لميردَّها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سُنة متبعة، يلزم قبولها، والمصيرإليها·.
موافقتها للرسم العثماني ولو احتمالا ـ يعني أن توافق القراءة الرسم العثمانيولو احتمالا ـ إذ موافقة القراءة للرسم قد تكون تحقيقًا وهي الموافقة الصريحة. وقدتكون الموافقة تقديرًا، وهي الموافقة احتمالاً.
فقد توافق بعض القراءات الرسم العثماني تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو (مَلِكِ يومالدين) فإن لفظ (ملِكِ) كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة (مِلِكِ) توافقه تحقيقًا،كما كُتب (ملك الناس) وتقرأ (مالك) بالألف ولكنها في المصحف (ملك) بحذف الألف فهيتوافقه تقديرًا، كما كُتب (ملك يومالدين).
فكل قراءة صح سندها، ووافقت اللغة العربية ولو بوجه ضعيف، ووافقت الرسم العثمانيولو احتمالاً، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها، بل هي منالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها واتباعها، سواء أكانت عنالأئمة السبعة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين.
القُرَّاء السَّبعة ورواتهم
لما رأى الإمام أبوبكر بن مجاهد (ت 324هـ) تشعُّب القراءات وكثرة القراء دفعتهالغيرة على كتاب الله إلى اختيار سبعة من أئمة القراءات خلفوا في القراءةالتّابعين، وأجمعت على إمامتهم في القراءة عامة القراء. وقد اختارهم من خمسة أمصارإسلامية هي الأمصار التي حُمِلَت عنها القراءة في العالم الإسلامي، وهي: المدينةومكة والكوفة والبصرة والشام. ولا يعني هذا الاختيار أن قراءة غيرهم لاتجوز، لكن هؤلاء عرفت قراءتهم واشتهرت. ولكل إمام من هؤلاء القراء راويان مشهورانحملا القراءات عنه وعرفا بذلك. أما قارئ أهل المدينة فأبو عبدالرحمننافعبنأبي نعيم المدني وراوياه عيسى بن مينا المعروفبقالون، وعثمان بن سعيدالملقب بورش. وقارئ أهـل مكـة أبوسعيـد عبـداللـهبـن كثيرالمكي، ومـنرواتـه أبوالحسن أحمد بن القاسمالبزيوأبوعمر محمد المعروفبقنبل. أما الكوفة ففيها ثلاثة قراء: أبوبكر،عاصمبن أبي النَّجود وروى عنهأبوبكر، شعبة بن عياش وحفصبن سليمان الكوفي، (والرواية التي عليها مصحفالمدينة النبوية المتداول اليوم هي رواية حفص عن عاصم). وفي الكوفة أيضًا أبوعمارةحمزة بن حبيب الزيات، وراوياهخلفبن هشـام البـزار وأبوعيـسىخلادبن خالد الكوفي؛ وفيها أيضًا أبوالحسن علي بن حمزةالكسائيوراوياهحفصبن عمر الدوري وأبوالحارثالليث بن خالد. وقارئ أهل البصرةأبوعمرو بن العلاءالبصري المازني، وراوياه أبوشعيبالسوسي، صالح بنزياد، وحفص الدوري (وهو أحد راويي الكسائي أيضًا). وآخرهم وأقدمهم مولدًاعبدالله بن عامراليحصبي، قارئ أهل الشام، وراوياههشامبن عمار،وعبداللهبن ذكوان. هذا، ولكل علم من هؤلاء الأعلام ترجمة مستقلة فيالموسوعة.
الأحرف السبعة
وردت الأحرف السبعة في الحديث المتفق عليه، ولفظه في البخاري : (إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه )، غيرأن المقصود من الأحرف السبعة تحديدًا اختلف فيه العلماء وأشكل على كثير منهم، حتىأن ابن الجزري قال: ¸ولازلت استشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيفٍوثلاثين سنة حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صوابًا·. والتبس الأمر على بعضهمحتى ظنوا أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع. فما المراد بالأحرف السبعة؟ وماعلاقتها بالقراءات السبع؟
المراد بالأحرف السبعة، اختلف فيه العلماء ـ كما أسلفنا ـ على أنه ليس المقصودأن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات قليلة نحو ¸أف ـ جبريل ـ أرْجه ـ وهيهات·.
فقال بعضهم: سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش وبعضهبلغة هذيل وهكذا، ورُدَّ هذا القول باختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب رضي اللهعنهما، وهما قرشيان من قبيلة واحدة ولغتهما واحدة.
وقال بعضهم: المراد بها معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكم والمتشابهوالأمثال والإنشاء والإخبار إلى غير ذلك من الأمور. ورُدّ هذا القول بأن الاختلافبين الصحابة لم يكن في فهم الحلال والحرام، وإنما في أداء القراءة.
وقال ابن قتيبة: هي أوجه سبعة يقع بها التغاير وهي: ـ
1- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما لا يزيلها عن صورتها ولايغيّرمعناها. نحو: (هُنَّ أطْهرُ لكم ـ وأطْهرَ لكُم) (فنظِرةٌ إلى مَيْسَرةٍ ـ وإلىمَيْسُرَة).
2- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركة بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عنصورتها. نحو: (ربَّنا باعِدْ بَينَ أسْفارنا ـ وربُّنا بَاعَدَ بين أسفارنا).
3- أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولايزيل صورتها (كيف ننشرها ـ كيف ننشزها).
4- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا يغير معناها (كالعهن المنفوش ـ كالصوف المنفوش).
5- أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها ومعناها (وطلح منضود ـ وطلعمنضود).
6- أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير (وجاءت سكرة الموت بالحق ـ وجاءت سكرةالحق بالموت).
7 ـ أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان﴿إن الله هو الغني الحميدـ إن الله الغني الحميد﴾ لقمان:26. ﴿جنات تجري تحتها الأنهار ـجنات تجري من تحتها الأنهار﴾ التوبة : 100.
وقريب من قول ابن قتيبة قول الرازي. وهما قولان يقومان على الاستقراء والاستنتاجدون دليل شرعي. وهما وما قبلهما من الأقوال لا تتضح فيهما الحكمة من الأحرف السبعةالتي ذكرها رسول الله ³ في بعض ألفاظ الحديث: من التسهيل والتيسير على الأمة من شيخكبير وصبيّ صغير لا يطيقون الاكتفاء بحرف واحد.
ومهما اختلف العلماء في تحديد المقصود من الأحرف السبعة، فهناك إجماع منهم دونشك على أن القرآن الذي بين أيدينا لا نقص فيه ولا زيادة على ما تركه لنا رسول الله ³، وجمعه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وأرسله إلى الأمصار، وكان فعله بإجماع منالصحابة، حتى قال علي رضي الله عنه فيما رواه أبو داود بسندٍ صحيح من طريق سويد بنغفلة: ¸لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عنملأ منا·.
أما علاقة الأحرف السبعة بالقراءات السبع المشهورة بين الأمة فعلاقة في العدد،وهو أمر جعل بعض الناس يظنون أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع، وهو خلافإجماع أهل العلم قاطبة.
فالقراءات السبع من اختيار ابن مجاهد في نهاية القرن الثالث الهجري، والأحرفالسبعة وردت في حديث الرسول ³ : (أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) وذلك قبل ميلاد أئمة هذه القراءات.
هل الأحرف السبعة موجودة في المصاحف العثمانية ؟قال بعضالعلماء: إن الموجود في المصاحف العثمانية، وهي المصاحف التي بين أيدي الناس اليوم،هو حرف واحد. يقول ابن جرير الطبري: ¸إن الذي في المصاحف العثمانية إنما هو الحرفالذي ارتضته الأمة زمن عثمان، وهو الذي وافق العرضة الأخيرة. وأما الأحرف الأخرىفقد اندثرت؛ لأن القراءة بها لم تكن على سبيل الإلزام، وإنما كانت على سبيل الرخصة،وقال أبو عمر بن عبدالبر: ¸... ومصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو حرف واحد،وعلى هذا أهل العلم·.
أما القراءات فمن الجلي الواضح أن أكثرها موجود في المصحف، بل لقد اشترط القراءموافقة القراءة لرسم مصحف عثمان حتى تكون صحيحة، وهذا القول هو الأرجح.
وأصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك، أن ما نحن عليه في وقتنا هذا فيهذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن. فثبت بهذا أن هذهالقراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، استعملتلموافقتها المصحف الذي أجمعت عليه الأمة، وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفتهرسم المصحف، إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليهاالقرآن، وإذ قد أباح النبي ص لنا القراءة ببعضها دون بعض ولقوله تعالى: ﴿فاقرءوا ما تيسر منه﴾ المزمل: 20. فصارت هذه القراءة المستعملة فيوقتنا هذا، هي التي تيسرت لنا بسبب ما رواه سلف الأمة رضوان الله عليهم من جمعالناس على هذا المصحف لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض.
علم التجويد
العلم الذي يُعنى بتلاوة القرآن الكريم بطريقة صحيحة حسبما تلقاه الصحابة الكرامشفاهة من رسول الله ³. ويعالج التجويد ـ الذي يعني الإجادة في النطق ـ قضايا مثلمخارج الأصوات وأنواعها. انظر: الحروفالعربية. وأحوال النون الساكنة والتنوين من إظهار وإخفاء وإدغام بغُنَّة أوبغير غُنَّة، وكذلك أحوال الميم الساكنة، والمد وأنواعه من مد طبيعي إلى مد زائد،وترقيق بعض الأصوات مثل / ر/ وتفخيمها.
أحكام التجويد. للتجويد أحكام عامة تحسِّن من مستوىالقراءة في القرآن الكريم، وتضبط مخارج الأصوات، وهي في مجملها تتفق مع طبيعةالأصوات ومخارجها وترفع الحرج عن القارئ. وأهم أحكام التجويد هي:
النون الساكنة والتنوين. يلاحظ أولاً أن التنوين هو في الحقيقة نون ساكنة تردبعد الحركة. كما في (رحيمٌ) التي ننطقها (رحيمُن). أما أحكام هذه النون الساكنةفتتلخص في خمس حالات:
الإظهار. وهو النطق الواضح للنون إذا جاء بعدها واحد من أصوات الإظهار الستة: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، كما في: (من علم، وسميعٌ عليم)، حيثوردت العين بعد النون الساكنة والتنوين.
الإخفاء، ومعناه إخفات نطق النون حتى تصبح مجرد غُنَّة (صوت أنفي)، حيث تكونأعضاء النطق مستعدة للتلفظ بالصَّوت الذي يليه. مثلاً في (مَنْ ذا الذي) بحيث يكوناللسان في وضع نطق الذال عند نطق النون الساكنة. والأصوات التي يخفى قبلها النونهي: ت، ث، ج، د، ذ، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ف، ق، ك.
وقد جمعها بعضهم في الحروف الأولى من كلمات هذا البيت:
الإدغام بغُـنَّة. وهو تحول النون الساكنة إلى صوت مماثل في نطقه للصَّوت الذييليه مع بقاء الغُنة، كما في نطقنا للعبارة (مَن يَّعمل) حيث تصبح النون ياء ولكننانسمع الغُنة كذلك. والأصوات التي يتم معها إدغام النون الساكنة بغُنَّة هي: ي، ن،م، و. (مجموعة في كلمة: ينمو).
الإقلاب. وهو تحوُّل النون الساكنة إلى ميم إذا جاء بعده باء، كما في (مِنبَعْد) التي تنطق (مِمْ بَعْد). ويفسر ذلك وجود الميم الصغيرة بعد النون الساكنةوالتنوين في بعض المصاحف.
الإدغام التام. وهو تحوُّل النون الساكنة إلى راء أو لام إذا جاءتا بعده،وتشدَّد الراء واللام نتيجة لذلك، كما في غفورٌ رَّحيم التي أصلها غفورُن رَحيم،ولكن بعد الإدغام تصبح (غفورُ رَّحيم). و(لِئنْ لَم) التي تصبح(لَئلَّم) بعدالإدغام.
الميم الساكنة. إذا تبعتها باء تصبح مجرد غُنَّة، حيث إن مخرجها والباء واحد،كما في (مُبتليكم بنهر). أما إذا جاءت بعدهـا ميم فتشـدد الميم الثانية كما في (إنكنتم مؤمنين)، حيث تدغم الميـم الأخيرة في (كنـتم) في الميـم الأولى في (مؤمنين) فنسمع (كُنتُمُّؤمنين).
القلقلة. وهي إمالة سكون الصَّوت إلى حركة خفيفة، إذا كان واحدًا من الأصواتالتالية : ق، ط، ب، ج، د. مجموعة في كلمتي: (قطب جد). فعند نطقنا بكلمة (سُبْحان) مع قلقلة الباء يحس السامع وكأننا أضفنا ضمة قصيرة جدًا على الباء.
المد، وله أحكام ستة:
المد الطبيعي. وهو بقدر حركتين. أي أن الألف تنطق وكأنها فتحتان والياء وكأنهاكسرتان والواو وكأنها ضمتان من حيث الزمن، وذلك كما في ألف (مالِك) وياء (الرحيم).
ولكن المد يخضع إلى الزيادة في الحالات التي سترد.
المد العارض للسكون. وهو ما يحدث عندما نقف على الحرف الذي يلي المد مباشرةونسكنه. كما في (غفور رحيمْ) فالياء في (رحيم) تمدُّ من حركتين إلى ست حركات إذاوقفنا على (رحيم). وربما يمكننا تمثيل المد هكذا (رحيـم)، أما إذا حركنا الميم،فيعود المد طبيعيًا، فنقرأ (رحيمٌ) بدون إطالة.
مد الهمز المتصل. ويسمىالمد الكلمي اللازم، وهو ما جاء قبل همزة فيالكلمة نفسها، مثل (جاءَ) و(جيءَ) و(سُوء) وهذا المد يزاد فيه ليصبح مقدار أربع أوخمس حركات. وحكم هذا المد الوجوب.
مد الهمز المنفصل. ويسمىالمد الجائز المنفصل، وهو المد الذي يأتي قبلهمزة في كلمة تالية، كما في (يا أيُّها) و(في أموالهم)، ومقدار المد هنا ثلاث إلىخمس حركات، كما للقارئ أن يمد مدًا طبيعيًا أو يزيد فيه.
المد قبل الحرف المشدَّد. ويسمى المد الكلمي اللازم المثقل، وهو أن يرد المد قبلصوت مشدَّد في الكلمة نفسها كما في (ضاليِّن) حيث جاءت الألف قبل اللام المشدَّدةو(تأمرونِّي) حيث جاءت الواو قبل النون المشددة. وهذا المد يزاد فيه إلى مقدار ستحركات. وربما نمثل لذلك خطيَّا (ضاااليِّن)، (تأمرووونِّي).
المد اللازم الكلمي المخفف، وهو مايكون في بعض الحروف المقطعة التي تفتتح بهاالسور مثل الميم في: ﴿حم﴾ الشورى: 1. وما يكون في بعض الكلماتقبل الحرف الساكن مثل﴿آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾ يونس: 91.
مد اللين. ويشبه المد العارض للسكون، لأنه مد ناتج من وقوفنا على الصَّوت الذييلي صَوتَي اللين (الواو والياء الساكنين)، كما في (يَوْم) و(دَيْن)، حيث نمد فينطق الواو والياء بمقدار أربع حركات، علمًا بأنهما لا تمدان أصلاً في الحالاتالأخرى.
الترقيق والتفخيم. ينطبقان خاصة على اللام في لفظ الجلالة، والراء. وقاعدة تفخيماللام في كلمة (الله) هي أننا نفخم اللام إذا جاء قبل لفظ الجلالة فتحة أو ضمة كمافي (مِنَ الله) و (عَبْدُالله)، ونرققها أي ننطقها لامًا عادية إذا سبقت لفظالجلالة كسرة (باللّه، في الله). وأما الراء فقاعدتها أنها تفخم إذا كانت مفتوحة أومضمومة كما في (رَحمة) و(رُبَّما) أو جاءت ساكنة بعد فتحة أو ضمة وترقق إن جاءتمكسورة مثل (رِداء)، أو جاءت ساكنة بعد كسرة مثل (فرعون) أو ياء مد مثل (قدير).
ترجمة معاني القرآن الكريم
القرآن كلام الله المنزل على عبده محمد ³ بلسان عربي مبين. قال تعالى: ﴿إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكمتعقلون﴾ يوسف: 2. وقال تعالى: ﴿كتابٌ فصلت آياته قرآنًا عربيًالقوم يعلمون﴾ فصلت: 3. وقال تعالى: ﴿ وكذلك أَوحينا إِليكقرآنًا عربيًا﴾ الشورى: 7. وقال تعالى: ﴿ إِنا جعلناه قرآناعربيًا لعلكم تعقلون﴾ الزخرف: 3.
والرسول ³ أُرسـل إلى الناس كـافة. قال تعالى: ﴿قل يا أيها الناسإِني رسول الله إليكم جميعًا﴾ الأعراف: 158. وقال تعالى: ﴿وماأرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ سبأ: 28. وفهم الرسالة متوقف على فهم القرآن الذي أنزل باللغة العربية، وترجمته من العربيةإلى لغة أخرى تخرجه من قرآنيته وقدسيته، والمسلمون مطالبون بصون القرآن وحفظه منالتحريف والتبديل، كما أن تبليغ الدعوة للبشر كافة أمر يفرضه الشرع، ويلزم به عامةالمسلمين، والدعوة لا تتحقق ولا تفهم إلا بفهم المدعو للغة الداعي، ولهـذا جاء قولهتعـالى: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ إبراهيم: 4. وبفضل الله ونعمته قد انتشر الإسلام في جميع الأقطار ودخل الناس في الإسلامأفواجًا، فماذا نعمل في هذا الإطار؟ أيترجم القرآن بلغة من دخل في الإسلام، لأنهمفي حاجة إلى فهم دينهم، غير أن فيه مساسًا بالقرآن، أم يُحرَم هؤلاء المسلمون منالاطلاع على كتاب الله، وصحة معتقدهم تعتمد على الفهم والإدراك السليم لمعانيالآيات القرآنية. إن ترجمة القرآن قد تناولها العلماء قديمًا وحديثًا بجدال طويلأدى إلى انقسامهم إلى فريقين، فريق مانع للترجمة، وفريق مبيح لها، وكلّ قد أتىبأدلة وحجج تؤيد رأيه.
فماذا قال المانعون؟ يقولون: إن الإعجاز من لوازم القرآن، وهذا أمر يعتمد علىنظمه العربي. فإذا ترجم فَقَدَ هذه الخاصة،كما أن النبي ³ بعث برسائل إلى الفرسوالروم وغيرهم فلم يترجم لهم آية في كتبه التي بعث بها إليهم مع إمكانية ذلك لوأراده، يضاف إلى ذلك أن في القرآن تعبيرات مجازية، لو ترجمت إلى لغة أخرى، أدى ذلكإلى مسخها وتشويهها، كقوله تعالى: ﴿حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾الأعراف: 40. وقوله تعالى: ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه﴾الإسراء: 13. ثم كيف تترجم الألفاظ التي يصعب تحديد معناها في اللغة العربيةنفسها كلفظ الدهر والحين، والألفاظ التي تطلق على الشيء وضده كلفظ القُرْءِ الذييدل على الطهر والحيض. قال تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثةقروء﴾ البقرة: 228. لهذا كله فإنهم لا يجيزون ترجمة القرآن.
وماذا قال المجوِّزُون للترجمة؟ يقولون: إن إبلاغ الدعوة من واجبات الإسلام،ولايتم هذا البلاغ إلا بشرح النصوص الشرعية. وعلى رأسها القرآن بلغة المدعو. ومنهنا تصبح الترجمة واجبة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إضافة إلى أن أباحنيفة أجاز للفارسي الذي لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة بالعربية أن يقرأها بالفارسية. ورُدّ على هذا بأن أبا حنيفة قد رجع عن هذا الرأي، كما أن قوله تعالى: ﴿فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ ق: 45. يدل على أن القرآن نفسه أداةلنشر الدعوة، ولا يتحقق هذا إلا بترجمته. فبأي الرأيين نأخذ؟. لقد وفَّق بعضالعلماء بين الرأيين وعدّ الخلاف بينهما خلافًا لفظيًا، لأن حجة المانعين إنما تعنيالترجمة الحرفية، وحجة المجوزين إنما تعني الترجمة التفسيرية.
فالترجمة تنقسم إلى قسمين:
1 ـ ترجمة حرفية: وهي نقل الكلام من لغة إلى نظائرها من اللغات الأخرى مع مراعاةالموافقة بحيث يكون النظم موافقًا للنظم، والترتيب موافقًا للترتيب، غير أنها تخرجالكلام في أسلوب لا يؤدي ما يقصده الأصل؛ لهذا تحرم ترجمة القرآن حرفية، ولا يجوزلأحد أن يقول: إن الكلمة من القرآن إذا ترجمت إنها كلام الله.
2 ـ ترجمة معنوية أو تفسيرية: وهي تفسير الكلام وبيانه بلغة أخرى دون مراعاةالنظم والترتيب والمحاكاة، مع الارتباط بالأصل لأنه تفسير له، فإن كانت بلغة الأصلتسمى شرحًا وتفسيرًا، وإن كانت بغير لغة الأصل تسمى ترجمة معنوية.
من هنا نصل إلى أن الترجمة اللفظية بمعنى نقل المعاني مع خصائص النظم العربيالمعجز مستحيلة، أما إذا أخذت الاحتياطات اللازمة للترجمةالتفسيريةالتقـريبية فإنها تفي بالغرض المقصود من الترجمة وهو: تبليغ القرآن إلى من لايعرف العربية، ويحفظ على القرآن قدسيته وبقاءه على مر الزمان إلى أن تقوم الساعة. وحقيقة هذه الترجمة، ترجمة معاني القرآن لا ترجمة القرآن نفسه فهي كالتفسير تمامًا،إلا أن التفسير يكون بلغة الأصل والترجمة بلغة أخرى.

hgYu[h. hgrvNkd


الموضوع الأصلي: الإعجاز القرآني || الكاتب: الامير المجهول || المصدر: منتديات نور الاستقامة



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإعجاز , القرآني


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الإعجاز العلمي في سورة النور --- لطلاب العاشر الامير المجهول الإسلامية 0 10-05-2011 10:50 PM
موسوعة الإعجاز الرقمي عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 1 08-28-2011 02:06 AM
الإعجاز الطبي في الصيام عابر الفيافي أرشيف 1432هـ 1 08-02-2011 11:18 PM
طفل يهودى اسلم على يديه الملايين المعمري1166 الـنور الإسلامي العــام 1 04-08-2011 06:18 PM
الإعجاز الاقتصادي في القرآن الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 2 11-28-2010 06:54 PM


الساعة الآن 10:48 PM.