تفسير سورة الأحزاب ص 8 ( القرطبي) - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



علوم القرآن الكريم [القرآن الكريم] [إعراب القرآن] [تفسير القرآن الكريم] [تفسير الجلالين] [التفسير الميسر]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  تفسير سورة الأحزاب ص 8 ( القرطبي)
كُتبَ بتاريخ: [ 04-26-2015 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع


الآية: 51 {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما}
قوله تعالى: "ترجي من تشاء" قرئ مهموزا وغير مهموز، وهما لغتان، يقال: أرجيت الأمر وأرجأته إذا أخرته. "وتؤوي" تضم، يقال: آوى إليه. (ممدودة الألف) ضم إليه. وأوى (مقصورة الألف) انضم إليه.
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، وأصح ما قيل فيها. التوسعة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القسم، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته. وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى، وهو الذي ثبت معناه في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت، أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أو تهب المرأة نفسها لرجل؟ فلما أنزل الله عز وجل "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن أبتغيت ممن عزلت" قالت: قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. فالابن العربي: هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي ينبغي أن يعول عليه. والمعنى المراد: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا في أزواجه، إن شاء أن يقسم قسم، وإن وشاء أن يترك القسم ترك. فخص النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعل الأمر إليه فيه، لكنه كان يقسم من قبل نفسه دون أن فرض ذلك عليه، تطييبا لنفوسهن، وصونا لهن عن أقوال الغيرة التي تؤدي إلى ما لا ينبغي. وقيل: كان القسم واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ الوجوب عنه بهذه الآية. قال أبو رزين: كان رسول الله قد هم بطلاق بعض نسائه فقلن له: اقسم لنا ما شئت. فكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكان قسمتهن من نفسه وماله سواء بينهن. وكان ممن أرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية، فكان يقسم لهن ما شاء. وقيل: المراد الواهبات. ورى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله: "ترجي من تشاء منهن" قالت: هذا في الواهبات أنفسهن. قال الشعبي: هن الواهبات أنفسهن، تزوج) رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن وترك منهن. وقال الزهري: ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه، بل آواهن كلهن. وقال ابن عباس وغيره: المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته، وإمساك من شاء. وقيل غير هذا. وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإباحة. وما أخترناه أصح والله أعلم.
ذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ إلى أن قوله: "ترجي من تشاء" الآية، ناسخ لقوله: "لا يحل لك النساء من بعد" [الأحزاب: 52] الآية. وقال: ليس في كتاب الله ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا. وكلامه يضعف من، جهات. وفي "البقرة" عدة المتوفي عنها أربعة أشهر وعشر، وهو ناسخ للحول وقد تقدم عليه.
قوله تعالى: "ومن ابتغيت ممن عزلت" "لمن ابغت" طلبت، والابتغاء الطلب. و"عزلت" أزلت، والعزلة الإزالة، أي إن أردت أن تؤوي إليك أمراة ممن عزلتهن من القسمة وتضمها إليك فلا بأس عليك في ذلك. كذلك حكم الإرجاء، فدل أحد الطرفين على الثاني. "فلا جناح عليك" أي لا ميل، يقال: جنحت السفينة أي مالت إلى الأرض. أي لا ميل عليك باللوم والتوبيخ.
قوله تعالى: "ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن" قال قتادة وغيره: أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا، لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله قرت أعينهن بذلك ورضين، لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء كان راضيا بما أوتي منه وإن قل. وإن علم أن له حقا لم يقنعه ما أوتي منه، واشتدت غيرته عليه وعظم حرصه فيه. فكان ما فعل الله لرسوله من تفويض الأمر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه، وإلى استقرار أعينهن بما يسمح به لهن، دون أن تتعلق قلوبهن بأكثر منه وقرئ: "تقر أعينهن" بضم التاء ونصب الأعين. "وتقر أعينهن" على البناء للمفعول. وكان - السلام مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن، تطييبا لقلوبهن كما قدمناه - ويقول: (اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) يعني قلبه، لإيثاره عائشة رضي الله عنها دون أن يكون يظهر ذلك في شيء من فعله.. وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولا على بيوت أزواجه، إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة. قالت عائشة: أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها - يعني في بيت عائشة - فأذن له... الحديث، خرجه الصحيح. وفي الصحيح أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد، يقول: (أين أنا اليوم أين أنا غدا) استبطاء ليوم عائشة رضي الله عنها. قالت: فلما كان يومي قبضه الله تعالى بين سحري ونحري، صلى الله عليه وسلم.
على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهن يوما وليلة، هذا قول عامة العلماء. وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار. ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل... كما يفعل في صحته، إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض، فإذا صح استأنف القسم. والإماء والحرائر والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء. قال عبدالملك: للحرة ليلتان وللأمة ليلة. وأما السراري فلا قسم بينهن وبين الحرائر، ولا حظ لهن فيه.
ولا يجمع بينهن في منزل واحد إلا برضاهن، ولا يدخل لإحداهن في يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة. واختلف في دخول لحاجة وضرورة، فالأكثرون على جوازه، مالك وغيره. وفي كتاب ابن حبيب منعه. وروى ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان، فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء. قال ابن بكير: وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون. فأسهم بينهما أيهما تدلى أول.
قال مالك: ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلات الحال، (ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب. وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل. فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب فلا يتأتى العدل فهما، وهو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم في قسمه (اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك). أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها. وفي كتاب أبي داود "يعني القلب"، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" [النساء: 129] وقوله تعالى: "والله يعلم ما في قلوبكم". وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا، تنبيها منه لنا على أنه يعلم ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى بعض من عندنا من النساء دون بعض، وهو العالم بكل شيء "لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" [آل عمران: 5] "يعلم السر وأخفى" [طه: 7] لكنه سمح في ذلك، إذ لا يستطيع العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل، وإلى ذلك يعود قوله: "وكان الله غفورا رحيما". وقد قيل في قوله: "ذلك أدنى أن تقر أعينهن" أي ذلك أقرب ألا يحزن إذا لم يجمع إحداهن مع الأخرى ويعاين الأثرة والميل. وروى أبو داود عن أبي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) "ويرضين بما آتيتهن كلهن" توكيد للضمير، أي ويرضين كلهن. وأجاز أبو حاتم والزجاج "ويرضين بما آتيتهن كلهن" على التوكيد للمضمر الذي في "آتيتهن". والفراء لا يجيزه، لأن المعنى ليس عليه، إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن، وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن. النحاس: والذي قاله حسن.
قوله تعالى: "والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما" خبر عام، والإشارة إلى، ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة شخص دون شخص. وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون. وفي البخاري عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت،: أي الناس أحب إليك؟ فقال: (عائشة) فقلت: من الرجال؟ قال: (أبوها) قلت: ثم من؟ قال: (عمر بن الخطاب...) فعد رجالا. وقد تقدم القول في القلب بما فيه كفاية في أول "البقرة"، وفي أول هذه السورة. يروى أن لقمان الحكيم كان عبدا نجارا قال له سيده: اذبح شاة وائتني بأطيبها بضعتين، فأتاه باللسان والقلب. ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له: ألق أخبثها بضعتين، فألقى اللسان والقلب. فقال: أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضمتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب؟ فقال: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
الآية: 52 {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا}
قوله تعالى: "لا يحل لك النساء من بعد" اختلاف العلماء في تأويل قوله: "لا يحل لك النساء من بعد" على أقوال سبعة: الأولى: إنها منسوخة بالسنة، والناسخ لها حديث عائشة، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء وقد تقدم. الثاني: أنها منسوخة بآية أخرى، روى الطحاوي عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء من شاء، إلا ذات محرم، وذلك قوله عز وجل: "ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء". قال النحاس: وهذا والله أعلم أولى ما قيل في الآية، وهو وقول عائشة واحد في النسخ. وقد يجوز أحل - له عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن. وهو مع هذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك. وقد عارض بعض فقهاء الكوفيين فقال: محال أن تنسخ هذه الآية يعني "ترجي من تشاء منهن" "لا يحل لك النساء من بعد" وهي قبلها في المصحف الذي أجمع عليه المسلمون ورجح قول من قال نسخت بالسنة. قال النحاس: وهذه المعاوضة لا تلزم وقائلها غالط، لأن القرآن بمنزلة صورة واحدة، كما صح عن ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان. ومبين لك أن اعتراض هذا المعترض لا يلزم أن قوله عز وجل: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج" [البقرة: 240] منسوخة على قول أهل التأويل - لا نعلم بينهم خلافا - بالآية التي قبلها "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا" [البقرة: 234]. الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم حظر عليه أن يتزوج على نسائه، لأنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، هذا قول الحسن وابن سيرين وأبي بكر بن. الرحمن بن الحارث بن هشام. قال النحاس: وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثم نسخ. الرابع: أنه لما حرم عليهن أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن، قاله أبو أمامة بن سهل ابن حنيف.
قوله تعالى: "لا يحل لك النساء من بعد" أي من بعد الأصناف التي سميت، قاله أبي بن بن كعب وعكرمة وأبو رزين، وهو اختيار محمد بن جرير. ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا: "لا يحل لك السعاة" معناه لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات. وهذا تأويل فيه بعد. وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة أيضا. وهو القول السادس. قال مجاهد: لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين. وهذا القول يبعد، لأنه يقدره: من بعد المسلمات، ولم يجر للمسلمات ذكر. وكذلك قدر "ولا أن تبدل بهن" أي ولا أن تطلق مسلمة لتستبدل بها كتابية.
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك. قال: وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن كعب القرظي. "ولا أن تبدل بهن من أزواج" قال ابن زيد: هذا شيء كانت العرب تفعله، يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك، روى الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك، فأنزل الله عز وجل "ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن" قال: فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة، فدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عيينة فأين الاستئذان)؟ فقال: يا رسول الله، ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت. قال: من هذه الحميراء إلى جنبك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه عائشة أم المؤمنين) قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق. فقال: (يا عيينة، إن الله قد حرم ذلك). قال فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله، من هذا؟ قال: (أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه). وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه ابن زيد عن العرب، من أنها كانت تبادل بأزواجها. قال الطبري: وما فعلت العرب قط هذا. وما روي من حديث عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة... الحديث، فليس بتبديل، ولا أراد ذلك، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول.
قلت: وما ذكرناه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة من أن البدل كان في الجاهلية يدل على خلاف ما أنكر من ذلك، والله أعلم. قال المبرد: وقرئ "لا يحل" بالياء والتاء. فمن قرأ بالتاء فعلى معنى جماعة النساء، وبالياء من تحت على معنى جميع النساء. وزعم الفراء قال: اجتمعت القراء على أن القراءة بالياء، وهذا غلط، وكيف يقال: اجتمعت القراء وقد قرأ أبو عمرو بالتاء بلا اختلاف عنه.
قوله تعالى: "ولو أعجبك حسنهن" قال ابن عباس: نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس، أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات عنها جعفر بن أبي طالب حسنها، فأراد أن يتزوجها، فنزلت الآية، وهذا حديث ضعيف قال ابن العربي.
في هذه الآية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها. وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما). وقال عليه السلام لآخر: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا) أخرجه الصحيح. قال الحميدي وأبو الفرج الجوزي. يعني صفراء أو زرقاء. وقيل رمصاء.
الأمر بالنظر إلى المخطوبة إنما هو على جهة الإرشاد إلى المصلحة، فإنه إذا نظر إليها فلعله يرى منها ما يرغبه في نكاحها. ومما يدل على أن الأم على جهة الإرشاد ما ذكره أبو داود من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل). فقوله: (فإن استطاع فليفعل) لا يقال مثله في الواجب. وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر. وقد كره ذلك قوم لا مبالاة بقولهم، للأحاديث الصحيحة، وقوله تعالى: "ولو أعجبك حسنهن". وقال سهل بن أبي خيثمة: رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة فقلت له: أتفعل هذا؟ فقال نعم! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها). الإجار: السطح، بلغة أهل الشام والحجاز. قال أبو عبيد: وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة.
اختلف فيما يجوز أن ينظر منها، فقال مالك: ينظر إلى وجهها وكفيها، ولا ينظر إلا بإذنها. وقال الشافعي وأحمد: بإذنها وبغير إذنها إذا كانت مستترة. وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد وينظر مواضع اللحم منها. قال داود: ينظر إلى سائر جسدها، تمسكا بظاهر اللفظ. وأصول الشريعة تردّ عليه في تحريم الاطلاع على العورة. والله أعلم.
قوله تعالى: "إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا" اختلف العلماء في إحلال الأمة الكافرة للنبي صلى الله عليه وسلم على قولين: تحل لعموم قوله: "إلا ما ملكت يمينك"، قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم. قالوا: قوله تعالى "لا يحل لك النساء من بعد" أي لا تحل لك النساء من غير المسلمات، فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك، أي لا يحل لك أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها، إلا ما ملكت يمينك، فإن له أن يتسرى بها. القول الثاني: لا تحل، تنزيها لقدره عن مباشرة الكافرة، وقد قال الله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" [الممتحنة: 10] فكيف به صلى الله عليه وسلم. و"ما" في قوله: "إلا ما ملكت يمينك" في موضع رفع بدل من "النساء". ويجوز أن يكون في موضع نصب على استثناء، وفيه ضعف. ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: إلا ملك يمينك، وملك بمعنى مملوك، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول.
الآية: 53 {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}
قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم" "أن" في موضع نصب على معنى: إلا بأن يؤذن لكم، ويكون الاستثناء. ليس من الأول. "غير ناظرين إناه" نصب على الحال، أي لا تدخلوا في هذه الحال. ولا يجوز في "غير" الخفض على النعت لله للطعام، لأنه لو كان نعتا لم يكن بد من إظهار الفاعلين، وكان يقول: غير ناظرين إناه أنتم. ونظير هذا من النحو: هذا رجل مع رجل ملازم له، وإن شئت قلت: هذا رجل مع رجل ملازم له هو. وهذه الآية تضمنت قصتين: إحداهما: الأدب في أمر الطعام والجلوس. والثانية: أمر الحجاب. وقال حماد بن زيد: هذه الآية نزلت في الثقلاء. فأما القصة الأولى فالجمهور من المفسرين على أن: سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش امرأة زيد أولم عليها، فدعا الناس، فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته مولية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس: فما أدري أأنا أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أن القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به، وأنزل الله عز وجل "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله إن ذلكم كان عند الله عظيما" أخرجه الصحيح. وقال قتادة ومقاتل في كتاب الثعلبي: إن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة. والأول الصحيح، كما رواه الصحيح. وقال ابن عباس: نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون قبل أن يدرك الطعام، فيقعدون إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون. وقال إسماعيل بن أبي حكيم: وأدب أدب الله به الثقلاء. وقال ابن أبي عائشة في كتاب الثعلبي: حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم. وأما قصة الحجاب فقال أنس بن مالك وجماعة: سببها أمر القعود في بيت زينب، القصة المذكورة آنفا. وقالت عائشة رضي الله عنها وجماعة: سببها أن عمر قال قلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل، عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت الآية. وروى الصحيح عن ابن عمر قال: قال، عمر وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. هذا أصح ما قيل في أمر الحجاب، وما عدا هذين القولين من الأقوال والروايات فواهية، لا يقوم شيء منها على ساق، وأضعفها ما روي عن ابن مسعود: أن عمر أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فقالت زينب بنت جحش: يا ابن الخطاب، إنك تغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا فأنزل الله تعالى: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب" وهذا باطل، لأن الحجاب نزل يوم البناء بزينب، كما بيناه. أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم. وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصاب يد رجل منهم يد عائشة، فكره النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب. قال، ابن عطية: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه. وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن أمثال ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله تعالى لهم في ذلك، فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل، لا قبله لانتظار نضج الطعام.
قوله تعالى: "بيوت النبي" دليل على أن البيت للرجل، ومحكم له به، فإن الله تعالى أضافه إليه. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: "واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا" [الأحزاب: 34] قلنا: إضافة البيوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إضافة ملك، وإضافة البيوت إلى الأزواج إضافة محل، بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم والإذن إنما يكون للمالك.
واختلف العلماء في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يسكن فيها أهله بعد موته، هل هي ملك لهن أم لا على قولين: فقالت طائفة: كانت ملكا لهن، بدليل أنهن سكن فيها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاتهن، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب ذلك لهن في حياته. الثاني: أن ذلك كان إسكانا كما يسكن الرجل أهله ولم يكن هبة، وتمادى سكناهن بها إلى الموت. وهذا هو الصحيح، وهو الذي ارتضاه أبو عمر بن عبدالبر وابن العربي وغيرهم، فإن ذلك من مؤونتهن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استثناها لهن، كما استثنى لهن نفقاتهن حين قال: (لا تقسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤونة عاملي فهو صدقة). هكذا قال أهل العلم، قالوا: ويدل على ذلك أن مساكنهن لم يرثها عنهن ورثتهن. قالوا: ولو كان ذلك ملكا لهن كان لا شك قد ورثه عنهن ورثتهن. قالوا: وفي ترك ورثتهن ذلك دليل على أنها لم تكن لهن ملكا. وإنما كان لهن سكن حياتهن، فلما توفين جعل ذلك زيادة في المسجد الذي يعم المسلمين نفعه، كما جعل ذلك الذي كان لهن من النفقات في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مضين لسبيلهن، فزيد إلى أصل المال فصرف في منافع المسلمين مما يعم جميعهم نفعه. والله الموفق.
قوله تعالى: "غير ناظرين إناه" أي غير منتظرين وقت نضجه. و"إناه" مقصور، وفيه لغات: "إنى" بكسر الهمزة. قال الشيباني:
وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام
تمخضت المنون له بيوم أنى ولكل حاملة تمام
وقرأ ابن أبي عبلة: "غير ناظرين إناه". مجرورا صفة لـ "طعام". الزمخشري: وليس بالوجه، لأنه جرى على غير ما هو له، فمن حق. ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللفظ، فيقال: غير ناظرين، إناه أنتم، كقولك: هند زيد ضاربته هي. وأنى (بفتحها)، وأناء (بفتح الهمزة والمد) قال الحطيئة:
وأخرت العشاء إلى سهيل أو الشعري فطال بي الإناء
يعني إلى طلوع سهيل. وإناه مصدر أنى الشيء يأنى إذا فرغ وحان وأدرك.
قوله تعالى: "ولكن إذا دعيتم فادخلوا" فأكد المنع، وخص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب، وحفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة. قال ابن العربي: وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فأدخلوا، وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذنا كافيا في الدخول. والفاء في جواب "إذا" لازمة لما فيها من معنى المجازاة. "فإذا طعمتم فانتشروا" أمر تعالى بعد الإطعام بأن يتفرق جميعهم وينتشروا. والمراد إلزام الخروج من المنزل عند انقضاء المقصود من الأكل. والدليل على ذلك أن الدخول حرام، وإنما جاز لأجل الأكل، فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح وعاد التحريم إلى أصله.
في هذه الآية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف لا على ملك نفسه، لأنه قال: "فإذا طعمتم فانتشروا" فلم يجعل له أكثر من الأكل، ولا أضاف إليه سواه، وبقي الملك على أصله.
قوله تعالى: "ولا مستأنسين لحديث" عطف على قوله: "غير ناظرين" و"غير" منصوبة على الحال من الكاف والميم في "لكم" أي غير ناظرين ولا مستأنسين، والمعنى، المقصود: لا تمكثوا مستأنسين بالحديث كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وليمة زينب. "إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق" أي لا يمتنع من بيانه وإظهاره. ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفي عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك، في البشر. وفي الصحيح عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى: (إذا رأت الماء).
قوله تعالى: "وإذا سألتموهن متاعا" روى أبو داود الطيالسي عن أنس بن مالك قال قال عمر: وافقت ربي في أربع...، الحديث. وفيه: قلت يا رسول الله، لو ضربت على نسائك الحجاب، مائه يدخل عليهن البر والفاجر، فأنزل الله عز وجل "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوه من وراء حجاب ".
واختلف في المتاع، فقيل: ما يتمتع به من العواري وقال فتوى. وقيل صحف القرآن. والصواب أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا.
في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب، في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، كما تقدم، فلا يجوز كشف، ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها.
استدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب على جواز شهادة الأعمى، وبأن الأعمى يطأ زوجته بمعرفته بكلامها. وعلى إجازة شهادته أكثر العلماء، ولم يجزها أبو حنيفة والشافعي وغيرهما. قال أبو حنيفة: تجوز في الأنساب. وقال الشافعي: لا تجوز إلا فيما رأه قبل ذهاب بصره.
قوله تعالى: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال، أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية. وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له فإن مجانبة ذلك أحسن لحال وأحصن لنفسه وأتم لعصمته. "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" الآية. هذا تكرار للعلة وتأكيد لحكمها، وتأكيد العلل أقوى في الأحكام.
قوله تعالى: "ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" روى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة أن رجلا قال: لو قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل، الله تعالى: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" الآية. ونزلت: "وأزواجه أمهاتهم" [الأحزاب 6]. وقال القشيري أبو نصر عبدالرحمن: قال ابن عباس قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء - في نفسه - لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة، وهي بنت عمي. قال مقاتل: هو طلحة بن عبيدالله. قال ابن عباس: وندم هذا الرجل على ما حدث به في نفسه، فمشى إلى مكة على رجليه وحمل على عشرة أفراس في سبيل الله، وأعتق رقيقا فكفر الله عنه. وقال ابن عطية: روي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال: لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأذى به، هكذا كني عنه ابن عباس ببعض الصحابة. وحكى مكي عن معمر أنه قال: هو طلحة بن عبيدالله.
قلت: وكذا حكى النحاس عن معمر أنه طلحة، ولا يصح. قال ابن عطية: لله در ابن عباس! وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيدالله. قال شيخنا الإمام أبو العباس: وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة، وحاشاهم عن مثله! والكذب في نقله، وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال. يروى أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا! والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه، فنزلت الآية في هذا، فحرم الله نكاح أزواجه من بعده، وجعل لهن حكم الأمهات. وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه وتنبيها على مرتبته صلى الله عليه وسلم. قال الشافعي رحمه الله: وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن، ومن استحل ذلك كان كافرا، لقوله تعالى: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا". وقد قيل: إنما منع من التزوج بزوجاته، لأنهن أزواجه في الجنة، وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. قال حذيفة لامرأته: إن سرك أن تكوني زوجة في الجنة إن جمعنا الله فيها فلا تزوجي من بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها. وقد ذكرنا ما للعلماء في هذا في (كتاب التذكرة) من أبواب الجنة.
اختلف العلماء في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، هل بقين أزواجه أم زال النكاح بالموت، وإذا زال النكاح بالموت فهل عليهن عدة أم لا؟ فقيل: عليهن العدة، لأنه توفي عنهن، والعدة عبادة. وقيل: لا عدة عليهن، لأنها مدة تربص لا ينتظر بها الإباحة. وهو الصحيح، لقوله عليه السلام: (ما تركت بعد نفقة عيالي) وروي (أهلي) وهذا اسم خاص بالزوجية، فأبقى عليهن النفقة والسكنى مدة حياتهن لكونهن نساءه، وحرمن على غيره، وهذا هو معنى بقاء النكاح. وإنما جعل الموت في حقه عليه السلام لهن بمنزلة المغيب في حق غيره، لكونهن أزواجا له في الآخرة قطعا بخلاف سائر الناس، لأن الرجل لا يعلم كونه مع أهله في دار واحدة، فربما كان أحدهما في الجنة والآخر في النار، فبهذا انقطع السبب في حق الخلق وبقي في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام: (زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة). وقال عليه السلام: (كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي فإنه باق إلى يوم القيامة). فرع - فأما زوجاته عليه السلام اللاتي فارقهن في حياته مثل الكلبية وغيرها، فهل كان يحل لغيره نكاحهن؟ فيه خلاف. والصحيح جواز ذلك، لما روي أن الكلبية التي فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عكرمة بن أبي جهل على ما تقدم. وقيل: إن الذي تزوجها الأشعث بن قيس الكندي. قال، القاضي أبو الطيب: الذي تزوجها مهاجر بن أبي أمية، ولم ينكر ذلك أحد، فدل على أنه إجماع. "إن ذلكم كان عند الله عظيما" يعني أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم أونكاح أزواجه، فجعل ذلك من جملة الكبائر ولا ذنب أعظم منه.
قد بينا سبب نزول الحجاب من حديث أنس وقول عمر، وكان يقول لسودة إذا خرجت وكانت امرأة طويلة: قد رأيناك يا سودة، حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. ولا بعد في نزول الآية عند هذه الأسباب كلها - والله أعلم - بيد أنه لما ماتت زينب بنت جحش قال: لا يشهد جنازتها إلا ذو محرم منها، مراعاة للحجاب الذي نزل بسببها. فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة، وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر. وروي أن ذلك صنع في جنازة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
الآية: 54 {إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما}
البارئ سبحانه وتعالى عالم بما بدا وما خفي وما كان وما لم يكن، لا يخفى عليه ماض تقضى، ولا مستقبل يأتي. وهذا على العموم تمدح به، وهو أهل المدح والحمد. والمراد به ها هنا التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الآية قبلها، ممن أشير إليه بقوله: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"، ومن أشير إليه في قوله: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" فقيل لهم في هذه الآية: إن الله تعالى يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها. فصارت هذه الآية منعطفة على ما قبلها مبينة لها. والله أعلم.

jtsdv s,vm hgHp.hf w 8 ( hgrv'fd) hgHp.hf hgrv'fd jtsdv w





توقيع :

إنا لأهل العدل والتقدم ::: إنا لأصحاب الصراط القيم
الدين ما دنّا بلا توهم ::: الحق فينا الحق غير أطسم
يا جاهلا بأمرنا لا تغشم ::: توسمن أو سل أولي التوسم


]

رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
8 , الأحزاب , القرطبي , تفسير , ص , صورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[BlackBerry] أكبر مجموعه برامج بالشرح والصور على الانترنت 100 برنامج ناقل الأخبار بلاك بيري و آي فون - Blackberry & iPhone 0 01-02-2012 02:37 AM
الجزء السادس-فتاوى التفسير عابر الفيافي جوابات الإمام السالمي 1 03-23-2011 07:20 PM
الجزء السادس-فتاوى أصول الدين عابر الفيافي جوابات الإمام السالمي 2 03-23-2011 07:01 PM
الجزء الخامس-فتاوى الآداب عابر الفيافي جوابات الإمام السالمي 1 03-17-2011 02:43 AM
الموسوعه من السؤال والجواب ف الثقافه الاسلاميه cdabra الـنور الإسلامي العــام 0 02-24-2011 07:53 AM


الساعة الآن 06:25 PM.