الدليل والبرهان الجزء الاول - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



المكتبة الإسلامية الشاملة [كتب] [فلاشات] [الدفاع عن الحق] [مقالات] [منشورات]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  الدليل والبرهان الجزء الاول
كُتبَ بتاريخ: [ 01-13-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع


السلام عليكم
سيكون هذا الموضوع
خاص بكتاب الدليل والبرهان الجزء الاول
تأليف الإمام أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني رحمه الله تعالى








[*]
بيانات الكتاب

[*]
مقدمة مراجع الطبعة الثانية

[*]
مقدمة في التعريف بالمؤلف
[*]
[ تمهيد ] (1)
[*]
(( باب )) اختلاف الناس في الأمة

[*]
في فضائل هذه الأمة
[*]
آفات الأمة
[*]
باب : آفات الأمة في دينها
[*]
إن سأل سائل فقال ( ما الدليل على أن الحق في يدك )
[*]
الدليل على ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي

[*]
ذكر القدرية والمرجئة ومسائلهم

[*]
ذكر السنية والمارقة والشيعة والمشبهة ومسائلهم
[*]
ذكر النكار ومسائلهم التي زاغوا بها
[*]
إن قال قائل ( ما دليلك على أن أمة أحمد هالكة ما خلا أهل مذهبك )
[*]
الرد على الأشعرية ومن ذهب مذهبهم في صفات الباري سبحانه (1)

[*]
باب : بيان معتقدنا

[*]
ذكر ما عارضنا به القوم والرد عليهم
[*]
ذكر من قال في القرآن بغير الحق والرد عليه
[*]
ذكر المن والفضل والعدل والإحسان ومن قال إنها من صفات الله
[*]
رسالة عبد الوهاب بن محمد الأنصاري يسأل عن بعض مسائل السنية





=
=






















بيانات الكتاب
الدليل والبرهان



تأليف

العلامة أبو يعقوب يوسف إبراهيمالوارجلاني





تحقيق

الشيخ سالم بن حمد الحارثي



الجزء الأول والثاني
مقدمة مراجع الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلامعلى رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .

وبعد :
فإن الله سبحانه وتعالى أكرم بني آدم بأن خلقهم في أحسن صورة وركب فيهم العقلالمدبر وامتن عليهم باللسان المعبر ، وفطرهم على عقيدة التوحيد ، وجعل لهذه الفطرةضوابط عن الانحراف ، جاءت بها رسل الله في كتبه القيمة ، وجاءت مبينة دينه الحق ،وقد تتابعت شرائع الله تعالى في أرضه وكان مسك ختامها رسالة محمد ( صلى الله عليهوسلم ) ، فتكفل سبحانه بحفظ كتابها العظيم عن التبديل والتحريف ، ولكن الأمةالإسلامية أصيبت – دون أن يصاب شرعها – بما أصيبت به الأمم السابقة من الانقساموالاختلاف ، واستغل الكائدون ذلك للطعن في دين الله تعالى ، فانبرى علماء الأمةيظهرون العقائد الحقة بالدليل الواضح والبرهان النير مقتبسين كل ذلك من آية محكمةأو حديث نبوي صحيح أو دليل عقلي صريح .

لقد ألفت كتب كثيرة في هذا الموضوع ،ويأتي كتاب الدليل والبرهان من أهمها حيث أوضح فيه العلامة أبو يعقوب الوارجلانيرضي الله عنه – بما حباه الله تعالى من علم غزير وبصيرة نافذة – عقائد أهل الحقوالاستقامة بأسلوب رصين محكم ، ودليل ساطع ، وبرهان لا يلبث أن يسلم له الخصمالمعاند .

وقد امتاز الدليل والبرهان – في نظريالقاصر – بثلاثة أساليب:-
أولا : قوة السبك في التأليف ورصانة فيالتعبير ، ومحجة في الاستشهاد بالنصوص الشرعية واللغوية
.

ثانيا : يناقشأتباع كل ملة بما يسلمون به فهو يحاور المخالف من الأمة لعقيدة أهل الحق والاستقامةبالنص الشرعي والدليل المسلم به من الطرفين ويسوق الحجج العقلية للرد على الكافروالملحد . ومع هذا فأسلوبه يشمل طريقتين : الدفاع عن العقائد الحقة والهجوم علىعقائد الضلال كل ذلك بدون أن يأخذ السأم والملل القارئ والباحث .

ثالثا : استخدم الشيخ رضي الله عنه كثيرا أسلوب التهكم والسخرية من أصحاب العقائد الزائغةعند تهافت شبههم ، ولذلك يحتاج هذا الكتاب – الدليل والبرهان – إلى قراءة واعيةمتأنية حتى لا يلتبس على القارئ تنوع أساليب الشيخ في التأليف .

مما هومعلوم لدى الجميع جلالة قدر الشيخ أبي يعقوب الوارجلاني وعظيم منزلته وخدماتهالجليلة التي قدمها للإسلام ، فقد رتب مسند الأمام الربيع بن حبيب رضي الله عنهوجعله على هيئة جامع يستفيد منه المسلمون بيسر وسهولة وله كذلك تفسير للقرآن الكريملم يصل إلينا وله كتاب العدل والإنصاف في أصول الفقه ، وله هذا الكتاب الدليلوالبرهان ، ولكن للأسف الشديد لم يحظ كتابه هذا بالعناية المطلوبة من قبل الباحثينوالدارسين الأكاديميين رغم أهمية هذا الكتاب في العقائد وعلم الكلام ، فهو حتى الآنلم يحقق التحقيق العلمي الدقيق الذي يظهره في المكتبة الإسلامية بما يوازي أهميتهالعلمية إلا ما كان من الأستاذ الهادي مصلح حيث قام مشكورا بتحقيق الجزء الأولوابتدأ بخطوة عظيمة ورائدة في العناية بهذا المؤلف ، ولكن هذا العمل لا يكفيوالكلام موجه لغير الأستاذ الهادي فهو قام بما عليه – فما زال هناك جزءآن آخرانينبغي العناية بهما وتحقيقهما ، كما ينبغي – حسب نظري – عقد دراسة موسعة لهذا السفرالعظيم ككل حتى تبرز مكنوناته القيمة وتشع أحجاره الكريمة ، فمؤلفه رحمه الله تعالىكان موسوعيا ، فينبغي دراسة جوانبه اللغوية والفقهية ومعلوماته التاريخيةوالجغرافية وأساليبه المنطقية والفلسفية بالإضافة إلى مادته في علم الكلام والعقائد .

لقد أوكل إلي مراجعة الكتاب لإعادة طباعته ، لذلك طلبت مخطوطة الدليلوالبرهان لأصلح عليها الأخطاء ، فلم أجد أي مخطوطة له ، وبعد ذلك حصلت على الطبعةالبارونية وهي تحتوي على أخطاء كثيرة ، فعملت جهدي في التصحيح حتى تخرج الطبعةالثانية بأفضل ما يكون حسب المستطاع ، ولذلك لا تعدو هذه المراجعة من أن تكون نسخامقوما للطبعة البارونية ، وكذلك على القارئ الكريم ألا يذهب بفكره عند قراءته لهذهالطبعة بأنها محققه ، فالتحقيق له رجاله وأسلوبه ، وله مكانه ووقته ، وكل هذا لايتوفر لدي ، إلا اللهم ما كان من بعض التعليقات والإضافات الموضحة التي أرفقهابالهامش والتي لابد منها ، وقد ختمت كل تعليق مني بـ ( مراجع ط 2 ) أي مراجع الطبعةالثانية .

ولدي ملاحظة عن الكتاب من خلال قراءتي المتأنية له ، حيث وجدت عدمالترابط المعروف بين المواضيع من حيث عدم تلازم الموضوع مع ما قبله ومع ما بعدهوهذا وقع في العناوين الرئيسية فقط وأما في تسلسل المحتويات داخل الموضوع الواحدفقد جاء سليما في ترتيبه وتنسيقه ، كما أن جميع المواضيع الواردة في الكتاب جاءتداخل إطار عام واحد وهو أصول الدين وبيان العقائد الحقة وتفيد العقائد الزائغة عنالحق ، وفي نظري ربما أن المؤلف رحمه الله تعالى كان يكتب ردوده وأجوبته حسب مقتضىالمقام ولكن لم تمهله الظروف لترتيبها وتنسيقها لربما وافاه الأجل المحتوم فقام منجاء من بعده بإخراجها حسبما وجدها ، ولكن حسب ظني أن العنوان من وضع المؤلف نفسهوعنوان الكتاب هو (( كتاب الدليل لأهل العقول لباغي السبيل بنورالدليل لتحقيق مذهب الحق بالبرهان والصدق )) .

وربما يقال إن منهجالسلف عدم الالتزام بالترتيب والتنسيق في التأليف . فأقول : نعم ربما يوجد هذا ،ولكن الشيخ رحمه الله تعالى معروف عنه النظام والتبويب ، فقد رتب مسند الإمامالربيع بن حبيب على هيئة جامع وكذلك جاء كتابه العدل والإنصاف متسلسلا متتابعا فيموضوعاته ولذلك أستبعد أن يكون الشيخ رحمه الله تعالى ترك كتابه هكذا برغبته .

ومما يجدر ذكره هنا أيضا أن كتاب مرج البحرين في المنطق للمؤلف نفسه جاءمضافا مع نهاية الجزء الثاني من كتاب الدليل والبرهان ، وهذا ليس مكانه ، أولا لأنهيفصل بين الجزء الثاني والجزء الثالث من الدليل والبرهان ، وثانيا لأن موضوعه مستقلتماما عن مواضيع الدليل والبرهان وإن كان المنطق يعتبر خادما لعلم الكلام ، ولذلكرؤى عدم إضافته مع الدليل والبرهان وإنما طبعه ككتاب مستقل حسبما وضعه مؤلفه ،والله أعلم بالصواب .

وفي الختام لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل إلىوزارة التراث القومي والثقافة وعلى رأسها السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد علىعنايتها الكبيرة بكتب التراث الإسلامي عاملة بمقتضى التوجيهات السامية لحضرة صاحبالجلالة السلطان قابوس المعظم ، وكذلك الشكر موصول للجنة مراجعة وطباعة المخطوطاتبالوزارة المذكورة رئيسا وأعضاءا وإشرافا .

وفي الختام أسأل الله تعالىالتوفيق والسداد لما يحب ويرضى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




خميس بن راشد بن سعيد العدوي
الاثنين 18 من ذي الحجة سنة 1416 هـ
الموافق 6 مايو سنة 1996 م






hg]gdg ,hgfvihk hg[.x hgh,g hg[gdg hg[.x





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً




مقدمة في التعريف بالمؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامعلى رسوله النبي الأمين وآله وأصحابه أجمعين . وبعد : فالشيخ أبو يعقوب بن إبراهيمالسدراتي الأباضي الوارجلاني أحد الأقطاب الكبار والعلماء المجتهدين الأحرار .

أخذ العلم من شيوخه بسدراته من وارقلا بجنوب الجزائر على الغرب من واديميزاب الذي كان ولا يزال يزخر بالعلماء الاباضية ولا تزال هذه البلاد وسائر الواديمعمورة بهم إلى يومنا هذا ، وقد خرج منها علماء مشهورون بالفقه والتأليف كالشيخأحمد بن محمود بن بكر والشيخ عبد العزيز الثميني والشيخ محمد بن يوسف اطفيش ، وفيالمتأخرين الشيخ بيوض والشيخ عبد لرحمن بكلى وأمثالهم كثير ممن تفخر بهم الجمهوريةالجزائرية .

والقرية التي عاش فيها المؤلف دمرها أحد الجبابرة بعد موتهوبقيت آثارها ومقابرها معروفة إلى الآن شرقي القرية التي هي معمورة الآن .

وقد كان – رحمه الله – مولعا بالأسفار والخروج في نظر الآثار والتدبر فيآيات الله وكان عالما جليلا موقرا مع علماء مذهبه وغيرهم من علماء المالكية رحل فيطلب العلم إلى الأندلس وتتلمذ على علمائها .

قال في مدحه بعض علماء سجلملسةمن المخالفين أبياتا منها :


ماكنت أحسب أن الطود تحمله = العيس فيصبح بين الرحل والقتب


وله مؤلفات عديدة منها تفسير القرآن العظيم ، قال العلامة البرادي ( كتابعجيب رأيت منه في بلاد اريغ سفرا كبيرا لم أر ولا رأيت قط سفرا أضخم منه ولا أكبرمنه وحرزت أنه يجاوز سبعمائة ورقة أو أقل أو أكثر ، فيه تفسير الفاتحة والبقرة وآلعمران ، وحرزت أنه فسر القرآن في ثمانية أسفار مثله فلم أر ولا رأيت أبلغ منه ولاأشفى للصدور : في لغة أو أعراب أو حكم مبني أو قراءة ظاهرة أو شاذة أو ناسخ ومنسوخأو في جميع العلوم ، فإذا ذكر آية يقول قوله تعالى الخ ، فأول ما يذكر إعراب الآيةويستقصيه ، ثم يقول اللغة فيستقصي جميع تصاريف الفعل من الكلمة ، ثم الصحيح في حديثرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيسوق الرواية من كتاب الربيع بن حبيب المعروفبالمسند ثم يسرد فيه السند أبو عبيدة عن جابر ويذكر الحديث ، ولقد استقصى الاختلافالذي في (( الإمام )) في (( قوله إني جاعلك للناس إماما )) فذكر مقالة الرافضةوالغالية وذكر مقالات النكار وغيرهم من جميع الفرق ، ولعمري أن فيه لعلوما جمة ،ولقد ذاكرت أمره مع بعض الطلبة المميزين هنالك فقال لي : ( لو وجدت هذا التأليفكاملا لاسترخصته بخمسين دينارا ) ومن ضعف بخت أهل هذا المذهب وقلة اكتراثهم بشيءغفلوا عنه حتى أنه لم يعلم به أكثرهم ) .

ومنها كتاب (( العدل والإنصاف )) في أصول الفقه ثلاثة أجزاء اختصره وشرح المختصر البدر الشماخي ، ونظم مختصر العلامةأبو مالك عامر بن خميس المالكي سماه (( موارد الألطاف نظم مختصر العدل والإنصاف )) وشرح الأصل الإمام اطفيش .

ومنها هذه الكتاب الذي نحن بصدده وهو في ثلاثةأجزاء يدل على غزارة علمه وتعمقه وإطلاعه وإلمامه بجميع الفنون .

ومنها كتاب (( مرج البحرين )) في علم الفلسفة ( 1 ) .

ومنها ترتيبه لمسند الربيع بنحبيب وقد ضم إليه مراسيل جابر بن زيد وبعض روايات الربيع عن ضمام عن جابر بن زيدوروايات أبي سفيان عن الربيع وروايات للإمام أفلح بن عبد الوهاب عن أبي غانم ، وقامبشرح الجميع الإمام أبو ستة من علماء جربة بتونس ، وشرح بعضها شرحا واسعا الإمامعبد الله بن حميد السالمي من علماء عمان ، قال البدر الشماخي من علماء نفوسه بليبيا ( ولا أحصى ما رأيته له من الأجوبة لكثرتها ) قال : ( وسمعت بعض الطلبة يذكر أنهرأى له تأليفا في الفقه ) قال : ( وله قصائد منها الحجازية في ثلاثمائة وستين بيتاأيام السنة تدل على غزارة علمه لما أودعها من فنون العلم ) . وتوفي – رحمه اللهورضي عنه – عام سبعون وخمسمائة للهجرة .



18
من شوال 1402 هـ
8 / 8 / 1982
م

سالم بن حمد بن سليمان بن حميدالحارثي
----------------------------------------------
( 1 ) هذا الكتاب مرفق بالجزء الثاني من كتاب الدليل والبرهان في طبعةالتراث والأولى وفي طبعة البارونية ، ولكن تم إفراده ككتاب مستقل في هذه الطبعة . ( مراجع الطبعة الثانية ) .

[ تمهيد ] (1)
بسم الله الرحمن الرحيم

ما شاء الله لا قوة إلا بالله

وصلى اللهعلى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ، الحمد لله العليم الحكيم رب العرشالعظيم ، الرحمن الرحيم الذي لم يخلق الخلق باطلا ، ولم ينشأهم لاعبا ولم يجعلهمعابثا ولم يتركهم سدى ، ولم يمنعهم هدى ، خلق فسوى وقدر فهدى ، وأوضح منهاج السبيللأهل العقول بأنوار الدليل وسنن الجليل ، فشفى الغليل وكفى العليل مؤنة الدخيل ،سبحانه .

والصلاة والسلام على نبي الرحمة ، هادي الأمة محمد بن عبد اللهوعلى سائر الأنبياء الجم الغفير والأولياء الجمع الكثير أنه على ما يشاء قدير .

أما بعد : فإن الله تبارك وتعالى فطر هذا الجنس العاقل فجعله أفضل الخلقأجمعين ، وخلق الإنسان خيرا فجعله أفضل العالمين ، وخلق الأمم أمة بعد أمة فجعل هذهالأمة أفضل الأولين والآخرين بشهادتهم يوم الدين على رؤوس العالمين ، فقصر الحق علىالفرقة الثالثة والسبعين وما سواها في الهلاك والردى أبد الآبدين ، وجاء الشرعبمصداق ما قلنا ؛ قال ( صلى الله عليه وسلم ) : (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعينفرقة ، كلهن إلى النار ما خلا واحدة ناجية وكلهم يدعي تلك الواحدة )) . الحديث .

وفي حديث جبير بن نفير (( ستفترقون على إحدى وستين فرقة )) وفي حديث آخر (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة . وستفترقون على ثلاث وسبعين فرقة )) الحديث . وفي حديث آخر (( افترقت النصارى علىإحدى وسبعين فرقة واليهود على اثنتين وسبعين فرقة وأنتم على ثلاث وسبعين فرقة )) الحديث ، والحديث من المسندات وليس من المتواتر ، ولأصحاب الحديث عكسه يرون أنالأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلهن إلى الجنة ما خلا واحدة إلى النار ،ولأصحاب الحديث حظهم ،وقد وردت أحاديث كثيرة في الأمة يخص بعضها بعضا ويعم وينسخويفسر .



--------------------------------------------------------
( 1 ) هذا العنوان من وضع مراجع الطبعة الثانية .

(( باب )) اختلاف الناس في الأمة
قال بعضهم : الأمة جميع من أرسل إليه رسول الله عليه السلام من الجنوالإنسوالأحمر والأسود، ودخل في جملة هذا جميع المشركين من السوفسطائية والدهرية والثنويةوالديمانية والمرقونية وأصحاب الطبائع والخرمية و يأجوج و مأجوج واليهود والنصارىوالذين أشركوا ، وجماعة الموحدين أجمعين وأهل التشبيه منهم ، والخضر والياس وعيسىإذا نزل ، ليس إلا الملائكة .

وقالت طائفة : من أمته من آمن به من الموحدينوالمشبهة والرافضة والمجسمة والشيعة .

وطائفة يقولون : إنما أمته من آمن بهوصدقه وصح توحيده .

وطائفة يقولون : إن أمته الفرقة المحقة .

وكلصدقوا ، ولكن هذا مبهم .

وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : ((إن معكم خليقتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج و مأجوج )) وذلك أن رسولالله ( صلى الله عليه وسلم ) كان في سفر له يمشون أوان الظهيرة إذ نزل جبريل عليهالسلام بأول سورة (يا أيها الناس اتقوا ربكم أن زلزلة الساعة شيءعظيم) فرفع بها رسول الله عليه السلام عقيرته فثاب إليه الناس فقال : (يا أيها الناس اتقوا ربكم ) إلى قوله : ( شديد ) فقالعليه السلام : (( أتدرون أي يوم هذا ؟ )) قالوا : ( اللهورسول أعلم ) . فقال : ((يوم يقول الله فيه لآدم : قم ابعث بعثالنار . فقال آدم وما بعث النار ؟ فقال تعالى : من كل ألف تسعة وتسعين وتسعمائة إلىالنار وواحد إلى الجنة)) . هناك يشيب الصغير ويهرم الكبير (وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى ) الآية ، فتفرق أصحابرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وضوضؤوا ، فناداهم أن هلموا فثابوا إليه ، وقال : ((ابشروا إن معكم خليقتين ما كانتا في شيء إلا كثرته يأجوج ومأجوج تسعة وتسعون وتسعمائة إلى النار وواحد منكم إلى الجنة)) .

فأوجب عليه السلام أن يأجوج و مأجوج من أمته فوجب على هذا الحديث أن أمةمحمد عليه السلام إلى التسعمائة أقرب من إلى الثلاث والسبعين فرقة
.

وقولهعليه السلام : (( لا تقوم الساعة على مؤمن )) وقوله عليهالسلام : ((لا تقوم الساعة إلى على دين أبي جهل ودينهالشرك )) . وقوله عليه السلام : (( لتتبعن آثار من قبلكمحتى أنهم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه حذو النعل بالنعل )) – ويروي خشرم دبرقالوا : ( اليهود والنصارى يا رسول الله ؟ ) قال : ((لا)) قالوا : فمن إذا ؟ قال عليه السلام : ((لا تقوم الساعةحتى تضطرب إليات نساء دوس على ذي الخصلة )) – وذو الخصلة صنم كانوا يعبدونهفي الجاهلية – وهؤلاء من أمته . وروى عنه أنه قال : ((القدريةمجوس هذه الأمة والمرجئة يهودها)) وهما من أمته . وعنه عليه السلام أنه قال : (( رأيت في المنام سوادا . فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ أهؤلاءأمتي ؟ فقال : لا ، هذا موسى في أمته)) ثم قال : (( فرأيتسوادا أعظم من الأول . فقلت : يا جبريل من هؤلاء ، أهؤلاء أمتي ؟ فقال : هذا عيسىفي أمته )) . قال : ((ثم نظرت فرأيت سوادا أعظم منالأولين ، قد سد ما بين الأفق ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ، فقال : هؤلاء أمتك لكمعهم سبعون ألفا يحشرون عن يمين العرش كأن وجوههم القمر ليلة البدر ولا يحضرونالمحشر )) .

فقام عكاشة بن المحصن فقال : ( ادع الله يا رسول الله أنيجعلني منهم ) فقال : ((أنت منهم ، أو قال : اللهم اجعله منهم)) ، ثم قام سعد بن عبادة فقال : ( ادع الله أن يجعلني منهم ) . فقال : (( سبقك بها عكاشة وبردت الدعوة )) . ثم دخل عليه السلام بيتهثم خرج فقالوا : ( هؤلاء من الأنبياء أو من أبنائنا وأما نحن فقد ذقنا الشرك ) . فقال : (( بلى رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)) فقالوا : ( احلهم لنا يا رسول الله ) فقال : ((لا يكتوون ولا يسترقونولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون )) .

وعنه عليه السلام أنه قال : (( زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي ليمنها)) . وقال عليه السلام : (( نحن الآخرون الأولون بيدأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم )) .





في فضائل هذه الأمة
قال الله عز وجل : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الآية . وقال عليه السلام : (( أمتي أمة مرحومة )) إشارة إلى قول الله – عز وجل – لموسى حين قال موسى ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ) إلى قوله : ( الذي يجدونه مكتوبا ) الآية . وقال عليه السلام : (( أنتم توافون سبعين أمة أنتم خيرها وأفضلها عند الله )) قال عليه السلام : (( أمتي كالغيث لا يدري أوله خير أم آخره )) وقال أيضا : (( أول أمتي خير وأوسطها وأخرها همج رعاع لا خير فيهم )) ، وقال عليه السلام : (( للعامل من أمتي في آخر الزمان أجر خمسين منكم )) يريد أصحابه . وقال عليه السلام : (( أهل الجنة مائة وعشرون صفا أنتم منها ثمانون )) .

وقال عليه السلام : ((
خير أمتي لأمتي أبو بكر ثم عمر )) ، وروي : (( وأصلبها في دين الله عمر ، وأمينها أبو عبيدة بن الجراح ، وأقضاكم علي وأفرضكم زيد بن ثابت ، وأقرأكم أبي بن كعب ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وإن مع سلمان لعلما ، عليكم بهدي عمار وبهدي ابن أم عبد )) . ولابد من قيام المهدي في آخر الزمان يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .

قال : ((
ولكل نبي دعوة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي )) وعن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( خير أول أمتي متزوجوها وأخرها عزابها )) ، وعنه عليه السلام : (( لا تزال أمتي بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا )) . وعن أبي هريرة قال : مر النبي عليه السلام على مقبرة فقال : (( سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع وإنا بكم لاحقون إن شاء الله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وددت أني رأيت إخواني )) فقالوا : ( ألسنا بإخوانك يا رسول الله ) قال : (( بل أنتم أصحابي ، إخواني قوم يأتون من بعدي وأنا فرطهم على الحوض ، وليذادن رجال عن حوضي يذاد البعير الضال ، فأناديهم : ألا هلم ألا هلم ، إنهم أصحابي ، فيقال : ليسوا بأصحابك إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )) ، وفي رواية : أنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : (( فسحقا فسحقا)) .

وعنه عليه السلام أنه قال لأصحابه : ((
أي الخلق أعجب إيمانا ؟ )) فقالوا : ( الملائكة ) ، قال : (( الملائكة عند ربهم فما لهم لا يؤمنون )) وفي رواية : قالوا ( الأنبياء ) ، قال : (( الأنبياء يأتيهم وحي من ربهم فما لهم لا يؤمنون )) قالوا : ( نحن أصحابك ) ، قال : (( أنتم أصحابي تسمعون مني وتروني فما لكم لا تؤمنون )) فقالوا : (( الله ورسوله أعلم ) ، قال : (( أعجب الخلق إيمانا قوم يأتون من بعدي فيؤمنون بي ويعملون بأمري ولم يروني ، فأولئك لهم الدرجات العلى إلا من تعمق في الفتنة )) . وقال عليه السلام : (( خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم يحبون السمن تسبق يمين أحدهم شهادته )) . وقال عليه السلام : (( أنتم ثلثا أهل الجنة

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً




آفات الأمة
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ((ستفترق أمتي )) الحديث ، وقال عليه السلام : (( هلاك أمتي رجلان عالم فاجروعابد جاهل )) ، وقال أيضا : ((إذا ظهرت البدع في أمتيوكتم العالم علمه فعليه لعنة الله)) ، وعنه عليه السلام : ((ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل بالها على أهل حقها)) . وقال عليه السلام : (( أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم وجدال منافقبالقرآن)) . وعن أبي ذر قال : (( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتخوف على أمته ستا : إمارة السفهاء ، وكثرة الشرط ، وبيع الحكم ، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم ، وقوما يتخذون القرآن مزاميرا يقدمون الرجل منهم ليس بأفقههم إلاليغنيهم )) . وعن أبي هريرة عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : (( هلاك أمتي )) أو قال : (( فساد أمتي على رؤوسأغلبية من سفهاء قريش )) وعن ابن عباس عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ((هلاك أمتي في المعصية والقدرية والرواية عن غير ثبت )) وعن حذيفة – رضي الله عنهقال : ( لتدعون هذه الأمة مما لو دعابه القرون الأولى عاد وثمود لاستجيب لها ولا يستجاب لهذه الأمة) .

وعن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال : ((أتدرون منالمفلس )) قالوا : ( المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم له ولا متاع ) فقال : (( إنما المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاةوصيام وقد شتم هذا وضرب هذا وقذف هذا ، فيقتص لهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبلأن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم يطرح في النار )) . وذكر ضمامهذا الحديث فأوجب القصاص في الحسنات ولم يذكر إلقاء الخطايا عليه ... وقال تعالى : (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عماكانوا يفترون
) .

وعن يحيى بن أبي كثير قال : قال رسول الله ( صلىالله عليه وسلم ) : (( يكون القوم من أمتي فطن في تجارتهم خرق فيأمر أخرتهم يموتون لا خلاق لهم
)) .

وعن راشد بن سعد أن النبي عليهالسلام قال يوما وعنده نفر من قريش : ((ألا إنكم ولاة هذا الأمرمن بعدي فلا أعرفن ما شققتم على أمتي ، اللهم من شق على أمتي فشق عليه )) . وعن أبي هريرة عنه عليه السلام أنه قال : (( يهلك أمتي هذا الحيمن قريش )) ، قالوا : ( فما تأمرنا ، قال : ((لو أن الناساعتزلوهم)) أو قال : ((تركوهم )) ، وعن أبي هريرةقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ((ما أخاف علىأمتي إلا ضعف اليقين )) . قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لكعب : ( ماأخوف شيء تخافه على أمة محمد ) ، قال : ( أئمة مضلون ) ، قال له عمر : ( صدقت قدأسر إلي ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلمنيه ) ، روى ثعلبة بن مسلم عنعبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ((إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم إنك ظالم فتودع منهم)) . وعنه عليهالسلام قال : ((رأيت رجلا قد أخذته الزبانية من كل مكان فجاءأمره بمعروف ونهيه عن منكر فاستنفذاه من أيديهم وأدخلاه مع ملائكة الرحمة فصار معهم)) .. وقال : (( صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يومالقيامة إمام ظلوم غشوم وغال في الدين مارق )) ، وعن جعفر بن برقان عنالزهري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( (( اللهم منولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ، ومن خرق فاخرق به )) وقيل عنهعليه السلام أنه قال : (( ما أشد ما أتخوف على أمتي الشيطانوالدجال ولكن أشد ما ألقى عليهم الأئمة المضلون )) .

وعنه أيضا إنهقال : (( من ولي من أمة محمد شيئا فلم يعدل فيها فعليه بهلةالله )) قالوا : ( وما بهلة الله ؟ ) قال : (( لعنة اللهعز وجل)) .. وعن الحسن عنه عليه السلام قال : (( لا تزال يد الله تعالى علىهذه الأمة وكنفه ما لم تعظم أبرارهم فجارهم ، وما لم يرفق خيارهم بشرارهم ، وما لمتمل قراؤهم إلى أمرائهم ، فإذا فعلوا ذلك رفعت عنهم البركة وسلطت عليهم الجبابرةفساموهم سوء العذاب وقذف في قلوبهم الرعب وألزق بهم الفاقة )) .

حدثنا عليعن الحسن بن واقد الحنفي قال : أظنه من أحاديث بهز بن حكيم قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ((إذا كانت ثمانين ومائة فقد أحلت لأمتيالعزبة والعزلة والترهب رؤوس الأجبال)) ، وعنه عليه السلام إنه قال : ((الخائف يوم القيامة من خافته أمتي من غير سلطان )) ،ومن كتاب ذكر الطاعة والمعصية عن عبد الرحمن بن عبد الكفيف ( .. أتيت إلى عبد اللهبن عمر وهو جالس في ظل الكعبة والناس حوله مجتمعون فسمعته يقول : قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فخطبنا فقال : ((إنه لم يكن نبي إلا كانحقا على الله أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم ، وينذرهم ما يعلمه شرا لهم ، وأنأمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها وأن آخرها يصيبهم بلاء وأمور ينركرونها ، وتجيءالفتن يدفن بعضها بعضا ، تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ، فمن سرهمنكم أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه موتته وهو مؤمن بالله واليوم الآخروليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه )) .

وإنما أغرقنا في النزعفي هذه الأمة وتقصيناها ما قدرنا ليتفق لنا الجمع بين قوله عز وجل : (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) إلى قوله : ( وأكثرهم الفاسقون) . وبين قول النبي عليه السلام : ((ستفترق أمتي)) ... الحديث .

ونستظهر بما عاينا ورأينامن بلوغ هذه الأمة طرفي الأرض شرقا ومغربا وإذ أعاذهم الله تعالى من عبادة الأوثانواتخاذ غيره ربا من غير أن تخل بشيء من طرق أهل الحق فالأصل السلامة ، ما خلا صنفينمنها : المبتدع في دين الله عز وجل والمصر على معصية الله – عز وجل – المبائن لله ،فهذان لا سبيل لهما إلى الجنة ولابد من بيانهما وتحديد شأنهما على أنهما من أهلالشهادة لله – عز وجل – والإيمان به نطقا واعتقادا ، ومن أين افترقا مع سائرالمؤمنين الذين أخلصوا دينهم لله ومع سائر أهل الإجرام الذين شابوا دينهم بالفجوروعقبوا التوبة والندم ، وسيأتي في موضعه التفرقة بينهما وبينهم . والله الموفقللصواب .

اعلم أن الله تعالى وعد النصر والظفر لهذه الأمة على سائر الأديانقال الله – عز وجل - : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملواالصالحاتإلى قوله : ( أولئك هم الفاسقون ) وقال : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) وقد فعلوا وفعل .

وقال : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحتالشجرة ) إلى قوله : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط اللهبها ) الآية – وفي أمثالها من القرآن ، وعد هذا الدين أن يظهره على الدينكله ولو كره المشركين ، فجاهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أظهره الله علىالعرب قاطبة كما قال : (إذا جاء نصر الله والفتح ) إلىقوله : ( توابا) .

ثم توالى أبو بكر الصديق – رضيالله عنه – فارتدت العرب بعد رسول الله عليه السلام بعد دخولهم في دين الإسلامفقاتلهم أبو بكر ففتح الله له وردهم إلى الإسلام كأول مرة
.

ثم ولي عمر بنالخطاب – رضي الله عنه – فافتتح مايلي جزيرة العرب من العراق والجزيرة والشام ومصروطرابلس وفارس وكرمان فمات - رحمه الله - .

فولي عثمان بن عفان فافتتح ماوراء الدروب من الشام والماهان وأذربيجان وخرسان بعد الري وحلوان وأرض التبتوسجستان وأرض إفريقية ، وكانت الفتوح هكذا متوالية في أطراف الأرض مع تغير الولاةوالخلفاء وفسادهم مقدار مائتي سنة .

آخر المائتي ظهر الأئمة الضالونالمضلون فوزعوا أمة محمد – عليه السلام – ومع ذلك يصحبهم النصر والظفر ووصلواالقسطنطينية ورومة إلى أرض الصقالبة وراء خرسان وسمرقند وترمذ وبخارى وغزنة ، فجارالإسلام هذه النواحي كلها ومن ورائها إلى الصين وإلى الهند والسند والبر الكبيروبريطانية وغيرها ، فصار جميع ما ذكر في حمك الإسلام وأسلم أهلها ومن لم يسلم صارذا ذمة ، وظهرت المساجد والجموع والجمع والجماعات والأذان ، ففي هذه الثلاث مائةالغالب على الدنيا الإسلام والخير كما قال أبو حمزة المختار بن عوف – رحمه اللهحين خطب أهل المدينة فقال : يا أيها الناس ، الناس منا ونحن منهم إلا عابد وثن أوملكا جبارا أو شادا على عضديه ) فالغالب على الدنيا الإسلام . وظهرت الأئمة الضالةآخر المائتي سنة ، ولم تظهر أقاويلهم وأصحابهم إلا بعد مائة أخرى ، فجمهور الأمةعلى الحق إلا من بلغته البدعة فرضي بها وقليل ما هم عاد ، ودخول مذهب مالك المغربعام تسعة وأربعين وخمسمائة عند دخول المتلثمين المغرب وظهور العرب ، وأما مصر فماظهرت فيها الشيعة إلا عند الحاكم بن أبي تميم ، ودخول أبي تميم مصر اثنين وستينوثلاثمائة ، وهؤلاء المتأخرين هم الذين انتصروا للأئمة بعد ما مضى من عمرهم أعمارصالحة .

والذي وقع عليه الإحصاء من الطوائف الهالكة في هذه الأمة ثلاثالقدرية والمرجئة والمارقة على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال عليهالسلام : ((طائفتان من أمتي لا تنالهما شفاعتي المرجئة والقدريةوهما ملعونتان على لسان سبعين نبيا)) ، فأما القدرية والمارقة فما يزيدانفي عدد هذه الأمة ولا ينقصانها فهما كالرقمتين في ذراع الحمار لقلتهما وذلتهما ،فإما المارقة فقد قال فيهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ((إن ناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فتنظر في النصل فلا ترى شيئاوتنظر في القدح فلا ترى شيئا وتتمارى في الفوق )) هم كما ذكرنا قليلون لايعبأ بهم ، وأما المرجئة إن وقعوا في سهم السنية فهم كثير ، والسنية تتقي منهم ،وسنذكرهم فيما بعد إن شاء الله .

ومن وراء هذه الثلاث ثلاث أخرى لم يذكرهمرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم الشيعة ومذاهبهم في علي بن أبي طالب وولدهكأنهم ليسوا في أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقد أشار إليهم رسول الله عليهالسلام فقال : (( شر أفراق هذه الأمة فرقة تنتحلك يا علي ولا تعملبأمرك )) كما لأنهم خارجون من هذه الأمة إلا شواذهم فهم متاخمون بلاد التركوبلاد النصارى وأرمينية ونظائرها ، ومنهم المشبهة فهم على أسلوبهم ومذهبهم في اللهتعالى مذهب الأطفال عند الآباء ، ومنهم المجسمة صرحوا في الرجوع إلى عبادة الأوثانوالأصنام والأشباح .

وأما هؤلاء السنية ومذاهبهم في الفتنة والصحابة ذلك أمرمتعلق بالرجال دون النساء ولاسيما من فقد الاستبصار وقصر عن درك حقائق الأخبار ،والبدع متفرقة فكل بدعة تشرع هدم قواعد الإسلام فهي العامة الطامة التي تبلغ الرجالوالعيال ، وأما التي تقتصر على الأخبار ولم تجاوز إلى هدم قواعد الإسلام كالاختلاففي أسماء الشريعة من مؤمن ومسلم وكافر وفاسق ومشرك ومنافق وفي القرآن والصفاتفأكثرها تضر هذه المعاني قائلها لا سامعها ما لم يعتقدها دينا يدان الله تعالى بهأو يقطع عذر مخالفيه من المسلمين أو هدم به قاعدة من قواعد الإسلام هنالك لا يعذر ،ومن اقتصر على قواعد الإسلام من الشهادة والصلاة والزكاة والصوم وحج البيت مناستطاع إليه سبيلا فعسى عسى ، وكذلك من كان بالثغور من أرض العدو ولم يبلغه إمامةإلا قواعد الإسلام ولم يبلغه ما شجر بين الأمة ولم يفهمه ، فإن فهم لم يقطع الشهادةعليه ، والقول على الرجال ، وأما العيال والنسوان والبله والولدان فهم بعيدون عنهذا ، وكذلك أهل بلاد السودان الذين لم يبلغهم الإسلام إلا من بعد الخمسمائة سنة منالهجرة ولم يعرفوا التفرقة بين المذاهب والأفراق ، فالرب أرأف وأرحم من أن يؤخذأحدا بذنب غيره وقد قال الله ( ولا تز وازرة وزر أخرى ) .

فإن قال قائل فإن الله تعالى قد آخذ اليهود بما فعلته آباؤهم من قتلهمالأنبياء واستحلالهم الحرام وقد قال الله – عز وجل – لهؤلاء من بعدهم ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) على أن هؤلاءالذين عيرهم لم يدركوا أنبياء الله من قبل ولا أدرك زمانهم زمان الأنبياء ، فالجواب : أن هؤلاء اليهود الذين عيرهم الله بقتل آبائهم الأنبياء ولم يقتلوهم إنما عيرهمعلى أتباع الآباء ، على أنهم يعرفون أنهم قتلوا الأنبياء واشتهر ذلك عندهم تغني عنالدلالة عليهم ، وذلك أيضا معروف الفساد قتل الأنبياء والذين يأمرون بالقسط منالناس ، وظهور قبح ذلك أيضا كذلك ، وإنما الكلام على من بلغته البدعة في الدينوالشبهة بغير يقين وربما يقصر علمه عن ذلك ولم يوال أئمته على ذلك ولم يوالهم إلاعلى ما ظهر له من شريعة الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج ، على أن اليهودأشركت بردهم نبوءة محمد ورسالته ( صلى الله عليه وسلم ) فكل سوء في الدنيا لهم فيهنصيب حين عبدت غير الله ، فليتهم كل مقلد إمامه في مثل هذا ، فإن من كان بعد رسولالله ( صلى الله عليه وسلم ) غير معصوم ، ولك في أهل صفين أسوة حسنة وذلك إنهم فيمائة ألف أو يزيدون استبصروا أولا في قتل طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ،وإمامهم علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والمهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ومعذلك لم يقيموا الحجة على سعد بن أبي وقاص أحد الشورى وعلى زيد بن ثابت ومحمد بنمسلمة وعبد الله بن عمر بن الخطاب ولم يقطعوا عذرهم في التوقف عنهم ، فلهؤلاءاستبصارهم ولهؤلاء شكهم كل يعمل على شاكلته وربك يحكم بين عباده فيما كانوا فيهيختلفون .

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



باب : آفات الأمة في دينها
أولها زلة عالم : - قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ((أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم وجدال منافق بالقرآن )) فأما زلة عالم فمثل زلةعثمان حين زل عن طريقة صاحبيه بعد ما وقع الإجماع عليها ، وزل في أربعة أمور أولها : استعمال الخونة ولم يكن على قفائهم ، والثاني : حين صرف مال الفيء إلى من اشتهىمن أقاربه دون مستحقه من أهله ، والثالث : أبشار وهتك أستار الآمرين بالمعروفوالناهين عن المنكر ، والرابع : في البغي في أحد الأفعال ، ومن شبهة أنه أشرف يومالدار على محاصريه فقال لهم : ( أناشدكم الله ألم تسمعوا أن رسول الله ( صلى اللهعليه وسلم ) يقول : ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : خلالكفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل النفس التي حرم الله )) وأنا ما زنيتولا كفرت بعد إيمان ولا قتلت النفس ) وغفل عن التي نص الله عليها في القرآن حيثيقول : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) إلى قوله : ( حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوابينهما) فلو كلفنا الإصلاح بينهما لقلنا لعثمان أعدل وللمحاصرين كفوا ،وأئمتهم علي وطلحة والزبير وعمار ، فإن عدل عثمان أمرنا المحاصرين بالكف فإن أبواقاتلناهم ، وإن أمرنا عثمان بالعدل فلم يعدل فإن أبى قاتلناه ، فطلبوه أن ينخلع عنأمورهم فإبى وقد اتهموه على دينهم كما قال عمار بن ياسر – رحمه الله - : ( أراد أنيغتال ديننا فقتلناه ) والمرجوم في الونا مقتول والطاعن في دين المسلمين حلال قتله، قال الله تعالى : (وطنعوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) .

زلة علي في التحكيم : نهى أول مرة عن التحكيم فقال : ( إنه كفر ) ، ثم رجع عوده على بدئه وقال : ( من أبى التحكيم فهو كافر ) ، وقتل أصحاب معاويةوقد دعوه إلى التحكيم حياة عمار ، وقتل أهل النهروان وقد نهوه عن التحكيم فقتل منهمأربعة آلاف أواب كما قال ابن عباس : ( قتل المحق منهم والمبطل
) .

زلة طلحةوالزبير في نكثهم الصفقة حين بايعا عليا فنكثا ، فإن أرادا توبة مما فعلاه بعثمانحيث يقول طلحة : ( خذ مني لعثمان حتى يرضى ) فقد أخطأ ، إنما يرضى الله تعالى أن لوأقادا من أنقسهما لولي دم عثمان وسلما من نكث الصفقة ، وشرعا دين الخوارج دينافلهما أجور الخوارج أو أوزارها ، على أن الخوارج إنما خرجوا على الأئمة الجورة أحرىبهم في الخروج لولا الاستعراض .

زلة الخوارج نافع بن الأزرق وذويه حينتأولوا قول الله تعالى ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) فأثبتوا الشرك لأهل التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها .

زلةمولى بني هاشم حين شرع في أولاد المشركين إنهم كفار ، وتأول قول الله تعالى فيأطفال قوم نوح قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام : ( ولايلدوا إلا فاجرا كفارا ) فأثبت الشرك للأطفال ودخول النار .

وزلةواصل بن عطاء بن عبيد : وذلك أن واصل بن عطاء آتاه الله الفهم والعلم والفصاحة شيئاعظيما غير أن الراء يتعذر على لسانه فصار يتجنبه في كلامه ، قال قطرب وأنشدني ضراربن عمرو قول الشاعر في واصل :

ويجعلالبر قمحا في تصرفه = وجنب الراء حتى احتال للشعر
ولم يطق مطرا والقول يجعله = فغاث بالغيث إشفاقا من المطر

وسئل عثمان البري كيف كان يصنع في الأعداد عشرة وعشرين وأربعين وبالقمر ويومالأربعاء والشهور وصفر وربيع وجمادى الآخرة ورجب ورمضان ؟ فقال : ما لي فيه قول إلاما قال صفوان :-

ملقنمفهم فيما يحاول = جم خواطره جواب آفاق

ومكث – قالوا – في مجلس الحسن عشرين سنة ما تكلم ، وسبق إليه طريق المعتزلةوالقدرية وهو إمامهم ، وكانت له فراسة في عمرو بن عبيد وطمع في أن لو أصابه علىمذهبه أن يكفيه ويشفيه ، فاستعمل الحيلة حتى اجتمعا في محفل عظيم فيه المرجئةوالسنية والمثبتة وغيرهم ، فلما اجتمعوا قالوا لهم : انزعوا لنا آية من القرآن فيأول مجلسنا نتبرك بها فاستفتح قارئ وأخذ في أول سورة (لم يكنالذين كفروا ) إلى قوله : ( البينة ، رسول من الله يتلواصحفا مطهرة) حتى أتم (وذلك دين القيمة ) . فوقففيها ، واستفتح واصل الكلام وحمد الله تعالى وأثنى عليه فقال : (إن الله تعالى أنزلكتابه وبين فيه مراده فرد هذا عليه ) وأشار إلى المرجي بعد قول الله تعالى : (وذلك دين القيمة) فقال هذا : ( بل الدين أن تقول لا إله إلاالله ولو لم تلتبس بشيء من الأعمال الصالحات ولم تدع شيئا من الأعمال الطالحات ) . فالتفت إلى المثبتة فقال : ( وهذا الذي قال إن ليس لنا حظ في الأعمال والأفعالوأشار أن الله تعالى جبرنا إلى أفعالنا بعد ما قال الله تعالى : ( أولئك هم شر البرية ) فكانوا هم شر البرية بفعل غيرهم ، ثم قالفي المؤمنين ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خيرالبرية) إلى آخر السورة ، فأثبت هؤلاء أن ليس لهم في الأفعال شيء إنما فعلبهم ورضي عنهم بما لم يفعلوا ) وأخذ ذلك بمسامع عمرو بن عبيد وانتصب لمذهب القدريةفلم يقم له أحد فزل زلة عظيمة ، ووددت أن لو حضرها النكار أن يعرض بهم في قولهم فيالرضى والسخط والولاية والعداوة والحب والبغض .

وزلة السنية أيضا في خلقالقرآن على يد شاكر الديصاني ، وذلك أنه جاء إلى البصرة من أرض فارس ، فتأمل حلقالبصرة من المسلمين فيها فظهر له من علومهم وحلومهم وحذقهم شيء فاق الوصف ، فأرادأن يلقنهم من البدعة ما يحول بينهم وبين دينهم ، فتأمل الحلق كلها فلما يجد حلقةأرق قلوبا وأضعف نفوسا من حلقة أصحاب الحديث ، فجاءهم فقال لهم : ( يا قوم إني رجلمن هؤلاء العجم دخل الإسلام في قلبي فجئت من بلادي إليكم فتأملت فلم أر حلقة يذكرفيها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كثيرا إلا حلقتكم فأتيتكم يا إخواني ،فانظروا لنا كيف نعتزل هؤلاء القوم ونكون في ناحية من نواحي المسجد بمعزل وننتبذعنهم ناحية حتى لا نسمع كلامهم ولا يقرع أسماعنا خطابهم ، فقال القوم : ( صدق ،ونظروا إليه كلما ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شهق وبكى وحن وشكا ،واستعمل الورع والوقار والبكاء والحنين حتى أخذ بقلوبهم ، فلم يزل كذلك إلى أن تغيبعنهم بعض المدة فسألوا عنه فيما بينهم ، فقال بعضهم لبعض : ( قوموا بنا إلى الرجلولعله مريض فنعوده فإن كان مريضا عدناه أو محتاجا واسيناه ) فوصلوا إليه فوجدوه قدانحجر في قعر بيته ليس له فترة من البكاء ، فقالوا له : ( مالك ؟ ) فقال : ( دعونيلما بي ، قد وقعنا فيما حذرتكم عنه أول مرة ) فقالوا له : ( ما ذلك ؟ ) فقال : ( إني أتيت إلى حلقة حماد بن أبي حنيفة إذ جاءه رجل فقال له : ما تقول في القرآن ؟فقال : وما عسى أن أقول في القرآن ؟ فقال له الرجل : هل هو مخلوق أم غير مخلوق ؟فقال حماد بن أبي حنيفة : وما في هذا من العجب القرآن مخلوق . فعمد يا إخوتي إلىكلام الله ونوره وضيائه الذي خرج منه وإليه يعود فجعله مخلوقا ، فعظمت مصيبتي ياإخوتي في القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي خرج منه وإليه يعود ، فأي مصيبة أعظم منهذه ، فجعله مخلوقا وأي بلية أعظم منها ، فكأن الله قبل خلقه كان غير عالم وغيرمتكلم يصفه بصفات العجز والحدث والحاجة والخلق ، فجئتكم يا إخوتي اشكوا إلى اللهتعالى وإليكم هذه المصيبة العظيمة والبلية الفادحة ، ولقد أمرتكم يا إخوتي قبل هذاأن اعتزل مجالسهم حتى لا نسمع كلامهم وننتبذ ناحية في المسجد ) فاستجاب القومبالبكاء من كل ناحية ، فقال بعضهم لبعض : ( قد وجب علينا جهاد هؤلاء القوم ، ولنرجعإلى ما كنا عنه ننهى أول مرة وقد حوجونا إلى ذلك ) .وقال بعضهم : ( إنما اعتزلناهمخافة أن نقع فيما وقعوا فيه وكي نحيي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأماإذا أبيتم فلا حاجة لنا إليكم ) فتبرأ الفريقان بعضهم من بعض ، وعمد الذين أرادوامنابذة القوم فقالوا : ( لابد لنا من مخالطتهم ) وغرضهم أن يقتبسوا من مناظرتهموحيلهم في جدالهم فيرجعوا بما عليهم ويحاجوهم ، فذهب بعضهم إلى المتكلمين فكان آخرالعهد بهم ، وبعضهم إلى القدرية فذهبوا بهم ، وبعضهم إلى حلقة حماد بن أبي حنيفةفتفرقوا على الحلق ومكثوا فيها برهة ، وذهب كل فرقة بمن صار إليها وحصل عندها ،فاختلفوا آخر الأبد ، ولم يجتمع منهم أحد مع صاحبه إلا ما كان من أبي الحسن الأشعريوهو الذي عقب وصار إمام الأشعرية ، ثم أبو بكر بن الطيب بعده – وهو الباقلانيفوقعوا في تشبيه الباري سبحانه خلافا للأفراق وانتكسوا إلى يوم التلاق .

ومنها زلة الزهري وهو أول من افتتح من الفقهاء أبواب الأمراء وخدمتهمومؤانستهم وصار وزيرا لأرذل هذه الأمة من الملوك الوليد بن عبد الملك بن مروان ،وأخذ عليه الفقهاء في ذلك فكتب إليه عشرون ومائة من الفقهاء يؤنبونه ويعيرونه بمافعل ، منهم : جابر بن زيد – رحمه الله – ووهب بن منبه وأبو حازم الفقيه فقيهالمدينة ، في أمثالهم ، وقد وقفت على كتب هؤلاء الثلاثة إليه ، فسن للفقهاء مخالطةالملوك وملابساتهم حتى آنسوهم وأزالوا وحشتهم إلى ارتكاب المعاصي ، ونسوا ما ذكروابه من قبل من قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( لا تزالأمتي بخير ما تباينوا ، فإذا استووا هلكوا رغبة فيما في أيدي الملوك من عرض الدنيا)) . وصارت عطايا الملوك رشوة بعد ما كانت حقا واجبا لهم ، فحرموا جميع منلم يخالطهم ولم يخدمهم ولم يلم بهم ، فحرمت الفقهاء منابذة السلاطين الجورة والخروجعليهم ومحاربتهم وقتالهم والرد عليهم إلى اليوم تسويغا من الزهري بما فعل واستيثارابعطاياهم .

وآفة أخرى : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( سيكذب علي من بعدي كما كذب على من كان قبلي فما آتاكم عني من حديثفاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني )) وهذه الآفةمنها معاش أهل الحوانيت يأخذ أحدهم ورقتين من كاغد أو ثلاثا يستخرق فيما لم يسمعهقط من الأحاديث فيعزيه إلى رسول الله عليه السلام وإلى الصحابة فيتعيش بها ويبيعهاللجهلة ويشترونها لأولادهم يحسبونها علما ، في أمثالها كثيرا .

وآفةالرهبانية المبتدعة : وأكثر ما تقع في العباد والزهاد يحملون على أنفسهم مشقةالعبادة ويرون ذلك حقا واجبا عليهم ولا يرضون بالدون ، حسب زعمهم ، فأحدثوا فيالصلاة والزكاة ما ليس منهما ، وفي سائر العبادات ، حتى قطعوا بالعامة وشرعوا لهاخلاف الحنفية السهلة السمحة فتورطوا .

وآفة أخرى تصيب الظروف : ظروف الزمانوظروف المكان و الأصحاب والأتراب والجيران والأهوية والأغذية والصنائع والطبائعوفتور الأنفس لطول الفترة .


نصيب ظروف الزمان في آفة الدين : فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ((أمتي على خمس طبقات الطبقة الأولى : أهل علم وهدى ، والطبقةالثانية : أهل بر وتقى ، والطبقة الثالثة : أهل تواصل وتراحم ، والطبقة الرابعة : أهل تدابر وتنافر ، والطبقة الخامسة : أهل هرج ومرج )) ومراد رسول الله عليهالسلام في الأزمان بذكر الطبقة الأولى أهل عصره كما قال : ((خيرالقرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم يحبون السمن تسبق يمينأحدهم شهادته )) فقال : خير القرون قرني : وهم الذين قال فيهم : أهل علموهدى ، ثم قال : ثم الذين يلونهم وهم أهل بر وتقوى ، ثم قال : ثم الذين يلونهم وهمأهل تواصل وتراحم ، ثم قال : ثم يأتي أقوام يحبون السمن تسبق يمين أحدهم شهادته وهمأهل تدابر وتنافر ، فلم يكترث بأهل هرج ومرج .

وإنما صار القرن الأول علموهدى لأنهم اقتبسوا العلم مما سبق لهم من أمور الدنيا ، يفهمون عن النبي عليهالسلام الدين تلقينا علما وهدى ، وقبلوه يقينا علما وهدى ، فكانت علومهم وبصائرهمأقوى من أعمالهم ، فمن استقى من عنصر النبوة من ذات نفسه حصل له العلم والهدىبتوفيق الله تعالى وتسديده .

وأما أهل الطبقة الثانية : فإنما صاروا أهل برتقوى لأنهم نشأوا في الإسلام من حال الصغر فألفوا فعل البر وسبقت إليهم المخاوفالتي في الآخرة فغلبت عليهم التقوى .

وأما أهل الطبقة الثالثة : أهل تواصلوتراحم لأنهم غلبت عليهم المسودة الظلمة والملوك الفجرة ، فحالوا بينهم وبين ماأفاء الله عليهم من الفيء وخراج الأرض والغنائم والعطايا فأعقبهم التراحم بينهمالبين والتواصل بما قدر به بعضهم لبعض .

وأما الطبقة الرابعة : أهل تدابروتنافر وذلك أنهم استولت عليهم الأئمة الضالة المضلة فلقنوهم الاسم الذي يأتوا به ،ولقنوهم بعض أحزابهم في مفارقتهم في بعض مذاهبهم وآرائهم ، ولقنوهم أن من لم يكنقويا في دينه ومذهبه فليس منهم على شيء ، فوقعت الوحشة بينهم والعداوة والبغضاءفتنافروا وتدابروا وعزا كل واحد منهم لصاحبه مالا يقول ، فرجع التدابر والتنافربينهم البين بعد ما كان بينهم وبين أهل الشرك أعدائهم .

وأما أهل هرج ومرج : فحين فتر الإيمان عن القلوب وقل العلم وكثر الظلم وقست القلوب لطول المدة وفترتلخلو المادة وانطماس الجادة فهم يتقلبون في قدرة إبليس ولم يرض لهم بدون الهرجوالمرج .

والله أعلم بمدد هذه الطبقات وعدد هذه المدات وما وراء ذلك منالتعمق في الفنتات التي اضطربت بأفاضل هذه الأمة في الأوقات .


وأما نصيبظروف المكان في آفات الدين : فكالذي جرى للشيعة والروافض والغالية منهم في تجارتهممع النصارى في بلاد أرمينيه ، فلقنوهم مذاهبهم في عيسى عليه السلام ، فقبلته منهمالروافض وذهبت به إلى علي حتى جعلوه إلها ، وفي أولاده حتى جعلوهم أنبياء .

وكذلك من جاور أهل البوادي فإن الغالب عليهم الحل والترحال والشقى فياقتناء الأموال والغارات طول الزمان والقتل والقتال .

وأما فتور الأنفس بطولالفترة فحسبك فيه قول الله – عز وجل - : (فطال عليهم الأمد فقستقلوبهم وكثير منهم فاسقون ) .

وآفة أخرى : الملوك الجورة الظلمةالذين يحملون الناس لجورهم على غير دين الله تعالى حتى يتخذ الناس طرائقهم وسننهمدينا ، ويألفون ذلك ويحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء ، كسيرة الوليد بن عبدالملك والحجاج بن يوسف في الجمعة أنهم يؤخرونها إلى آخر النهار ، وكسيرة الشيعةالجهلة في رمضان ورجوع الأخ واعتقادهم في الخلفاء فأورثوا ذلك أبنائهم .

وأما الإخوان والأصحاب والأخدان والأتراب فحسبك فيهم قول الله – عز وجلحيث يقول حكاية عن بعض الكفار : (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلايا ويلتي ليتني لم لأتخذ فلانا خليلا ) . الآية – وصاحب السوء : ( شعرا )

·
كذي العريكوي غيره وهو راتع *

ومن وراء هذا كله القدر ، والناسيتقلبون في قدره الطالب ، ولابد في الإيمان بالقدر خيره وشره . وبالله التوفيق .

إن سأل سائل فقال ( ما الدليل على أن الحق في يدك )
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



ابتداء الدليل . لأهل العقول . لباغيالسبيل . بنور الدليل لتحقيق مذهب الحق . بالبرهان والصدق.

إن سأل فقال : ما الدليل على أن الحق في يدك دون غيرك وغيركيدعي مثل ما تدعي ؟ فأقول وبالله التوفيق : إن الحق في يدي ومعي اقتبسته من كتابالله – عز وجل – وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والإجماع وآثار الصالحينرضوان الله عليهم أجمعين ومن دليل العقل والحس والقياس والحدس . فإن قال قائل : إنكان ما قلت حقا فقدم مرآتك واظهر برهانك ولابد للبيان من التبيان وللبرهان من سلطان، فأقول والله الموفق للصواب وبه الحول والتوفيق : إن الناس المختلفة ضروب وأفانينوشعوب . فضروب أهل الدهر بأصنافهم وأهل الأوثان بأفنانهم ، والثاني المجوس وأهلالكتابين ، والثالث أغوياء القرآن
.

فأما أهل الدهر وأهل الأوثان ، فأهلالأوثان جهلة وضعفة ، وأهل الدهر والأزمان ضعفه ، فأهل الدهر لهم كالرجال للنسوان ،وبيننا وبينهم خصلتان : وهما الحدث والمحدث ، فمهما أقمنا البرهان عليهما انتقضتجميع مذاهبهم وبطلت حججهم ، ولنا الحد على الحدث في كتاب الله – عز وجل – آيات وإنكانوا لا يقرأون الكتاب ، وفي معنى الآية إثبات الحدث حسا وعقلا وهي قول الله – عزوجل - : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار – إلىقوله – لآيات لقوم يعقلون ) .

فإن قال قائل : فما وجه الدليل ؟ قلنا : الآية تقتضي الحدوث حسا وعقلا بقوله : ( إن في خلق السمواتوالأرض) وإنما تدرك خلقتهما بالمشاهدة أو بالعقل فقد عقب الله تعالى بذكراختلاف الليل والنهار لأن اختلافهما يدرك بالحس ، فمجيء هذا مرور هذا حسا ، وذكرجريان الفلك لحدوث المنافع ونزول ماء السماء بعد إن لم ينزل لحياة الأرض بعد موتهاوظهور النبات والزهر والورق والثمر بعد أن لم يكن ، وبث فيها من كل دابة أمر ظاهرفي نسل الحيوان معدوم في الموتان ، وتصريف الرياح في الجهات والسحاب المسخر بينالسماء والأرض أحيانا في الأوقات على اختلاف الصفات ، فالحدوث ظاهر بالحس ضرورة فمنأنكره أنكر الضروريات الحسية ، فإذا ثبت الحدوث ثبت المحدث واقتضاه عقلا .

واعلم أن جميع ما خاطب الرب تعالى به المشركين في القرآن – الذين لا يقرونبالقرآن ولا النبوة – من الأمور العقلية ، لأن الأمور العقلية ضرورية فمن أنكرالأمور الضرورة كابر وتجنن ، وفي القرآن تنبيه على ما قلنا قوله – عز وجل – : ( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود) إلىقوله – ( أفي الله شك فاطر السموات والأرض) . فأثبتالأنبياء عليهم السلام انتفاء الشك في المحدث الفاطر عمن انتفى عنه الشك في الفطوروهو الذي يقتضيه العقل وإليه الإشارة بالآية الأولى في قوله : (والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) . وحدوث المدينة فيالموضع الذي لم تكن فيه لمن جاز عليه قاعا صفصفا فرجع فوجدها مدينة عجيبة البيانمزينة الحدثان لها شأن من الشأن تحار في صناعتها العينان فدلت على محدثها عقلا ،فمن امتنع من هذا تسفسط ولم يفطن وصار ألنا ولم يبرهن ، وانتقل من الدرجة العلياإلى الدرجة السفلى وخرج من حيز العقلاء إلى حيز الأنعام ، بل هم أضل سبيلا وأجهلجهيلا .

وأما المجوس وأهل الكتابين المذلة في الخافقين : فحسبهم معجزاتالرسول من المشرقين إلى المغربين والدلالة عليهم وإبطال مذاهبهم إثبات النبوءة نبوةمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، والدليل على نبوته تسع آيات معجزات للخليقة أن يأتوابمثلها ، ظاهرة التصديق لمن أتى بها ، فثلاث في ذاته وثلاث في كتابه وثلاث في أمته، أما الثلاث التي في ذاته : فهدي منقول وصدق مقبول وغيب مبذول ، وأما الثلاث التيفي كتابه : فتأليف عجيب وتعريف أخبار القرون الذهوب وتوقيف على أسرار الغيوب ، وأماالثلاث التي في أمته : فرجوع العد والتباين ونزول البركات والخزائن وافتتاح البلادوالمدائن ، ومن وراء ذلك الدلالة على نبوته من علم أهل الكتاب وهي ثلاثة أحدها : أنذكر في التوراة والإنجيل والزبور وكتب أشيعا وغيرها ، والثانية : توقعهم لمبعثه فيالجاهلية في الوقت الذي بعث فيه وموضعه ونصوا على زمانه وحينه فصدقوا وصدقهم بكونذلك ، والثالثة : مرور الفترة والفتر عليه لا يزيد الإسلام إلا قوة ولا الدين إلاظهورا ولا الدنيا إلا توليا قال الله تعالى : ( سنريهم آياتنا فيالآفاق وفي أنفسهم) . الآية ، إلا أن رجوا رسولا يبعث منهم قبل الساعة ،ولعمري إنه لمذهب بعضهم لا تقوم الساعة حتى يرجع موسى ويحيى بعد موته ويرى ما وعدالله في الدنيا قبل الآخرة ، وقال في التوراة : ( لا يطول أمد الكذب ) فإن قيل فماوجه الدليل في هذه التسع آيات المعجزات ؟ قيل له : أما الهدي المنقول فإطباقالمشركين والمسلمين وأعدائه وأوليائه أجمعين أنه لم يكن في زمانه من يدانيه في خصلةمن خصال الخير ولا يساويه ، قد اجتمعت له الخصال كلها من العلم والحلم والسخاءوالكرم والصدق والنجدة واليمن والبركة في السريرة والعلانية ، وقد فاق في كل خصلةوجمعت له كلها ولم تجتمع لأحد في زمانه . وأما الصدق المقبول : فقد جمع الله لهالقلوب والنفوس على الإقرار بالصدق في الجاهلية والإسلام حتى سمي الأمين فيالجاهلية فاعترفوا له بهذا الاسم بعد العداوة والبغضاء والشنآن وبذل الأموال فيالقدح فيه ، وأما الغيب المبذول : فأقله حكايته عن ربه ما وعده من النصر والتمكينوظهوره على جميع الدين فأتم الباري سبحانه جميع ذلك في حياته وأسعفه بعد فوته ، ولايليق بالعليم الحكيم أن يحقق صدق الكاذب عليه ولاسيما بعد موته .

وأماالثلاث التي في كتابه فهي ظاهرة ضرورة قد تحدى بها في حياته فأعجز ، وأسعفه الباريسبحانه بعد موته فأنجز ، هو التأليف الذي أعجز به الخليقة وأظهره عليه بالحقيقة ،الثانية : تعريف أخبار القرون الذهوب : فجاءت على وفق أهلها ولن يقدر أحد أن يحيطعلما بأخبار أقطار البلاد في زمانه فكيف بسائر الدنيا ، ولم يأخذ أحد عليه فيها بعدما ملأ الدنيا أخبارا وأسرارا ولا خبر أعظم من إخباره عن أسرار أهل زمانه ، فأطبقواعلى أصابته وليس من طبع الخليقة أن يسالموه ويطبقوا وقد وقفوا على كذبه وهم يبذلونالأموال على ذلك والنفوس ، وأما الثالثة : يجدد حلاوة في قواء ( 1 ) حبها لا يخلقبكثرة الرد ولا يكل ولا تعد بحوره في استخراج الفوائد منه والعلل ، ولا تخفهالأسماع ولا تنفر منه الطباع .

وأما الثلاث التي في أمته : فرجوع العدوالمباين المناصب الذي يطالبه بالثأر في الأهل والأموال والديار ، فانعكس ذلك كلهوصار حبا وبذلوا النفوس والأموال دونه عنه ذبا ، ابتغاء الوسيلة إليه والفضيلة عنده، اختيارا لا قهرا ولا اضطرارا ، فسبحان مقلب القلوب علام الغيوب . وأما نزولالبركات والخزائن

فظاهر حين جمعت له الدنيا بحذافيرها وجادت ببذورها ودرتبضروعها ، فأينعت ثمارها وأبهجت أشجارها لقوم كانوا بداة جفاة أشبه شيء ببهائمهم ،فرجعوا ذوي أخطار ملوكا ذوي اقتدار لما تملكوا الدنيا من الخافقين إلى الخافقين ،من وراء هذه الخزائن الفتق ، وقد نبه عليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حينقال : (( ماذا أنزل هذه الليلة من الخزائن الفتق ايقظوا صواحبالحجرات )) يريد نساءه فكان ما قاله حقا ( صلى الله عليه وسلم ) .

وأما فتوحات القرى والمدائن فأمر ظاهر قد تجلى للعيان ، واعلم أن اللهتعالى وهب لمحمد عليه السلام ما لم يهبه لنبي قبله ولا ملك ، وذلك أن بني إسرائيلامتن الله عليهم بان وعدهم افتتاح القدس ومدائن الشام ، واستطالت به بنو إسرائيلعلى جميع الأنبياء والأمم التي قبلهم ، فكان ذلك كذلك ، ولم يصح مع ذلك مدائن الشامكلها ، وأفضل الشام فلسطين هو لأولاد كنعان (2) والدروب للروم ، ألا ترى قول اللهتعالى لداود حين قال له : ( أخرج أولاد كنعان من أرض فلسطين فإنهم لا يطيعون نبيامنهم ولا من غيرهم فهم للأرض كالجدري للوجه ) ففتح الله تعالى لمحمد عليه السلامالشام كله فلسطين ودروبه وجزيرة العرب بأسرها والجزيرة جزيرة بني عمر إلى الجوديإلى ما وراء ذلك ، والعراق والبحرين وعمان واليمن قاطبة والحساء وهجر والمشقر وأرضفارس والماهات وهمدان وحلوان والري وأرمينيه وخرسان ومن وراء ذلك الصين وإلى سمرقندوبخارى والترمذ إلى سد يأجوج و مأجوج ، ومن ناحية السند والهند كرمان ومكرانوسجستان وغزنة والتبت ، ومن المغرب مصر وأفريقية والأندلس وبعد الخمسمائة من الهجرةفتح الله عليه بلاد السودان جوجو وغانة إلى الجزائر الخالدات ، فهو ملك الأرض منفرغانة إلى غانة .



----------------------------------------------------------
( 1 ) لعله جمع قوى وهو العقل : والمراد : أن حلاوةالقرآن يتجدد في العقول ( مراجع ط 2 )
( 2 )
في ط البارونية أولاد جانا . ولعلالصواب ما أثبتناه وهو الواضح من خلال السياق . ( مراجع ط 2 ) .















الدليل على ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي..
الدليل على ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وما حصل في ذلك منالتغيير من عثمان وعلي

·
فصل ( 1 ) *

فإن قال قائل : ماالدليل على أن ولاية أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – صواب وأن ولايته حق عند اللهتعالى ؟ فنقول أما من كتاب الله – عز وجل – فقوله : ( وما محمدإلا رسول) إلى قوله : ( وسيجزي الله الشاكرين) وأبو بكر – رضي الله عنه – إمام الشاكرين ، وقال الله تعالى في المنافقين حين منعهمالجهاد مع نبيه عليه السلام حين تخلفوا عنه في زمن الحديبية : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون) إلى قوله : ( يعذبكم عذابا أليما) فتوعدهم الله تعالى أن تخلفوا بعد ما كانواخلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخليفته من بعده ، والمأموم المطيع الفائزبطاعته لإمامه دليل على أن الإمام محق يدعو إلى الهدى وقول الله سبحانه : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض – إلىقوله – فأولئك هم الفاسقون) فلما استخلف أبو بكر – رضي الله عنه – أنجزالله له وعده فثبت أن أبا بكر مؤمن وقد عمل الصالحات ومكنه الله بعد ذلك دينه الذيارتضى له ، وبدل له الأمن من بعد الخوف فصار إلى العبادة وإدحاض الشرك ، ومن كفربعد ذلك من لم يسلك سبيل أبي بكر وخاف بعد الأمان ، اضطهد في قعر داره والدنيا أمانواستغاث ولم يغث فأولئك هم الفاسقون . ودليل آخر على تصويب ولايته من السنة أن قدمهرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على عماد الدين وهي الصلاة وجعله إمام المتقينوالغير مأموم ومن خالفه ملوم ، كما قال علي بن أبي طالب : ( رضيك رسول الله ( صلىالله عليه وسلم ) لديننا ورضيناك لدنيانا ) .

وقد قال رسول الله عليه السلام : (( اقتدوا بالذين من بعدي)) فلم يكن من بعده إلا أبوبكر وعمر – رضي الله عنهما - .

ومن رأى المسلمين في الإجماع إطباق الصحابةعليه ، ورجوع المنافقين إليه وإطلاق الاسم : أنه خليفة رسول الله ( صلى الله عليهوسلم ) ، وحسبه اسمه عند الله الصديق الأكبر ، وثاني اثنين إذ هما في الغار .

والدليل على ولاية عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – انبناؤها على الأصلالصحيح ، وله شركة مع أبي بكر الصديق في جميع دولته من القرآن والسنة والإجماع نسقابنسق .

والدليل على ولاية عثمان بن عفان ظن فولايته حق لانطباق أهل الشورىعليه ، وعزله وخلعه وقتله حق لانتهاكه الحرم الأربع :-

أولاها : استعمالالخونة الفجرة على الأمانة التي عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال فأبينأن يحملنها – إلى قوله – جهولا .

والثانية : ضربه الأبشار وهتكه الأستار منالصحابة الأخيار إن أمروه بالمعروف ونهوه عن المنكر كأبي ذر وابن مسعود وعمار بنياسر وابن حنبل ( 2 ) .
والثالثة : تبذيره الأموال وإسرافه فيها ، فمنعهاالأخيار وجاد بها للأشرار ، قال الله تعالى : ( إن المبذرين كانواإخوان الشياطين) .

فحرم العطايا لأهل العطايا فجاد بها على اللعينوأبنائه الملاعين ، وأعطى ابن الطريد مروان بن الحكم خمس أفريقية : ستمائة ألفدينار ، تكاد تقوت نصف مساكين هذه الأمة
.

الرابعة : حين ظهرت خيانتهفاتهموه على دينهم ، فطلبوه أن ينخلع فأبى وامتنع ، فانتهكوا منه الحرم الأربع : حرمة الأمانة ، وجرمة الصحبة ، وحرمة الشهر الحرام ، وحرمة الإسلام حين انخلع منحرمة هذه الحرم ، إذ لا يعيذ الإسلام باغيا ، ولا الإمامة خائنا ، ولا الشهر الحرامفاسقا ، ولا الصحبة مرتدا (3 ) على عقبه .

وأما علي بن أبي طالب ، فإنولايته حق عند الله تعالى ، وكانت على أيدي الصحابة وبقية الشورى ، ثم قاتل طلحةوالزبير وعائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقتاله حق عند الله تعالى ، لشقهمالعصا عصا الأمة ، ونكثهم الصفقة ، فسفكوا الدماء ، وأظهروا الفساد ، فحل لعليقتالهم ، وحرم الله عليهم الجنة ، فكانت عاقبتهم إلى النار والبوار ، إلا ما كان منأم المؤمين التائبة ، فمن تاب تاب الله عليه .

وأما معاوية ووزيره عمرو بنالعاص فهما على ضلالة ، لانتحالهما ما ليس لهما بحال ، ومن حارب المهاجرين والأنصارفرقت بينهما الدار وصارا من أهل النار .

وأما علي فقد حكم بأن من حكم فهوكافر ، ثم رجع على عقبيه وقال : ( من لم يرض بالحكومة كافر ) . فقاتل من رضيالحكومة وقتله ، وقاتل من أنكر الحكومة وقتله ، وقتل أربعة آلاف أواب من الصحابة ،واعتذر فقال : ( إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ) فقد قال الله – عز وجل – فيمن قتلمؤمنا واحدا : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا) إلى قوله : ( عذابا عظيما) فحرمه الله – من سوء بخته – الحرمين ، وعوضهدار الفتنة العراقين ، فسلم أهل الشرك من بأسه ، وتورط في أهل الإسلام بنفسه .


----------------------------------------------------------
(1 ) العنوان من وضع مراجع الطبعة الثانية
( 2 )
شريكبن حنبل صحابي غير أحمد الإمام المتأخر ( مراجع ط 2 ) .
( 3 )
لا يقصد بالارتدادهنا الخروج عن الإسلام وإنما يعني الرجوع عما كان عليه حال الصحابة ( مراجع ط 2 ) .

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً




ذكر القدرية والمرجئة ومسائلهم
· فصل ( 1 ) *

وأما أغوياء القرآن فهم سبعة أفخاذ ، تحصرهم القسمة فرثلاث وسبعين فرقة ، كلهن إلى النار ما خلا واحدة ناجية ، إن قصرهم على الموحدة ،وأما إن أراد كل أمة فهم إلى السبعمائة أقرب وإليها أذهب .

والموحدة سبعةأفخاذ وهم : القدرية والمرجئة والمارقة والأباضية والشيعة والمشبهة والمجسمة . فنصرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ثلاث منها لا مطمع فيها فكفينا المؤنة .

وطائفتان ظاهر فحشهما وفحش ما جاءتا به عند كل أحد يعقل ، لا يحتاج إلىالتنبيه إلى سوء ما أتوا به .

وبقي فخذان في إحداهما الحق ( 2 ) ، والأخرىلاحقة بأصحابها الأولى وقد تلبسوا بالدين قليلا

وهم : السنية ولحقوابإخوانهم المرجئة في الحال والمجال والمآل .
ولنرجع إلى التنبيه على سوء مذاهبهموزيغهم عن الحق . والله الموفق للصواب

أما القدرية : فزعموا أن أفعالهم خلقلهم لم يخلقها الله ، فلله خلق ولهم خلق بعد قول الله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر) وقالوا هم أيضا : لنا الخلق والأمر ، وإنشئتم والنهي . قال الله – عز وجل - : ( هل من خالق غير الله) .. فأفحم به المشركين .

وقالت القدرية : بل نحن الخالقون لأفعالنا، لبسوا بقول الله – عز وجل - : ( أتخلقون إفكا) وقوله ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) . فمن له الاسموالفعل أولى ممن استعير له الفعل ، وإن ربك هو خلقه العليم ، فناهبوا الله تعالى فيخلقه ونازعوه في اسمه ، وذهبوا ببعض خلقه بل بأفضله الإيمان والتوحيد ، وجعلوا لهشركاء فيما آتاهم ، فتعالى عما يشركون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،حسبهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهم ولإخوانهم المرجئة : (( القدرية مجوس هذه الأمة)) لادعائهم الخروج من النار كقول اليهود (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) وقوله : (( لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا : القدرية والمرجئة)) .

وأما المرجئة فزعموا أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وأنه المأموربه وما سواه فليس بإيمان ، وأن جميع ما أمر الله تعالى من طاعته ليس بإيمان وجميعما توعد الله تعالى عليه العقاب من الأعمال ليس بكفر . فحلوا عرى الإسلام ، وأبطلوافائدة الحلال والحرام ، وأرضوا الله بقول : لا إله إلا الله ، ولو طمسوه بالآثام ،وأبطلوا فائدة قول الله – عز وجل - : ( أحسب الناس أن يتركوا أنيقولوا آمنا وهم لا يفتون) فسبقهم وعيد الله قبل أن يكونوا ، فتسارعوا إلىفعله بعد ما كانوا ، ثم قال : ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنالله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) فرضوا بأحد القسمين أن يكونوا منالكاذبين ، دون أن يكونوا بالأعمال الصالحات من الصادقين ، فلهذا لعنهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع سبعين نبيا قبله ، أوهنوا دعوة الأنبياء عليهم السلام إلىالله – عز وجل - ، وفتروا العباد من الأعمال الصالحات ، فجعلهم يهود هذه الأمةالذين قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
.

--------------------------------
( 1) العنوان من وضع مراجع الطبعة الثانية .
( 2 )
يعني الإباضية / مراجع ط 2 .











ذكر السنية والمارقة والشيعة والمشبهة ومسائلهم
والسنية تستقي من مذاهب المرجئة ولن يرضوهم من عبيدهم في الدنيا إلا المثل ،فحلوا جميع ما توعد الله تعالى عليه به العباد على المعصية ، من العذاب الأليم ،والخلود المقيم في جهنم أبد الآبدين ، كأن قول الله – عز وجل – عندهم سراب بقيعةيحسبه الظمآن ماء والحيوان خيالا والسكران خبالا ، وسوغوا في عذاب الله – عز وجلووعيده الكذب بعد ما قال : ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكمبالوعيد ، ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) قالوا ذهب الوعيد فيالبيد . أقبح بهم من عبيد .

وأما المارقة : فأنهم زعموا أن من عصى اللهتعالى ولو في صغير من الذنوب وكبير أشرك بالله العظيم.وتأولوا قوله تعالى : ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فقضوا بالاسم على جميع من عصى اللهعز وجل – إنه مشرك ، وعقبوا بالأحكام ، فاستحلوا قتل الرجال وأخذ الأموال والسبيللعيال ، فحسبهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إنناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فتنظر في النصل فلا ترى شيئا، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا ، وتتمارى في الفوق)) فليس في أمة أحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أشبه شيء بهذه الرواية منهم ، لأنهم عكسوا الشريعة ، قلبوهاظهرا لباطن ، وبدلوا الأسماء والأحكام لأن المسلمين كانوا على عهد رسول الله ( صلىالله عليه وسلم ) يعصون ولا تجرى عليهم أحكام المشركين .

فليت شعري فيمننزلت الحدود في المسلمين أو في المشركين ، فأبطلوا الرجم والجلد والقطع ، كأنهمليسوا من أمة أحمد عليه السلام ، احولت أعينهم فنظروا في المعنى الذي أمر الله بهالمسلمين أن يستعملوه في المشركين من جهاد العدو والجد في محاربتهم ، فاستعملوه همفي المسلمين .

فهذه الأفخاذ الثلاث هي التي نص عليها رسول الله ( صلى اللهعليه وسلم ) .

وأما الشيعة الجهلة روافضهم وغاليتهم فأنهم قدحوا في الإسلاموالنبوة والألوهية .
فزعم بعضهم أن عليا إمام مطاع لا يأمر بشيء إلا كفر تاركه ،فجاوزوا بمعصية الله – عز وجل – حكم الله في نفسه وأن في معصيته ما ليس بكفر .

وبعضهم يقول : نبي . فأبطلوا قول الله – عز وجل – في محمد خاتم النبيينحيث يقول : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتمالنبيين) .

وبعضهم يقول : إن ذرية علي أهل الجنة ، وليس عليهم منالإسلام ولا من شرائعه شيء
.

وبعضهم يقول : إن الشيعة كلها ليس عليهم من عملالشرائع شيء إلا من لم يبلغ في حقيقة الإيمان بعلي وذريته ، فتلزمه الفرائض عقوبةله حتى يستبصر ويحقق فتسقط عنه الفرائض ، واستدلوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين أباح الله له تزوج تسع نسوة ، فلما بالغ في الإسلام أباح له كل امرأة مؤمنةوهبت له نفسها ، فليس عليه جناح ، قال الله – عز وجل - : ( ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) إلى قوله : ( لكي لا يكون عليك حرج) . فالإتزار حرام والاتفاق حلال .

وبعضهم يقول : إن عليا حي بجبال رضوى ( 1) الأسد عن يمنه والنمر عن شمالهولابد أن يسوق العرب بعصوين .

وبعضهم يقول : لا إله إلا الله ( 2 ) ، تعالىالله عما يقولون علوا كبيرا .
وليس فيهم طائفة أشبه بالناس قليلا إلا الزيديةوالحسينية وقد وافقوا جميع المسلمين فيما يقولونه ، إلا في التحكيم الذي صاغوه لعليوقد قتل من قال به ، ومن أنكره فجع في قتاله بين المحق والمبطل .

ولعليتخليط دون شيعته في قوله : ( إن كل مجتهد مصيب ) فهدر دم عثمان وطلحة والزبيرومعاوية وعمرو وعذر نفسه وعذر أهل النهروان ولم يعذروه .
ففي فحش مذهب الشيعة مايغني عن الرد عليهم .

وأما المشبهة فحسبهم القدح في إلههم ورجوعهم إلى شبهالأوثان التي تعبد آباؤهم من قبل ، إن مذاهبهم في جميع ما أخبر الرب عن نفسه مثلاعتقادهم في أنفسهم من الجوارح والآلات .

فذهبوا بقول : ( يد الله فوق أيديهم) إلى الجارحة .

وفي الوجه إلى الوجوهحيث يقول : ( كل شيء هالك إلا وجهه) .

وفي الجنبإلى جنوبهم حيث يقول : ( يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله
) .

وفي العين إلى عيونهم حيث يقول : ( تجريبأعيننا
) .

وفي الساق إلى سوقهم حيث يقول : ( والتفت الساق بالساق
) .

وفي اليمين إلى أيمانهم حيث يقول : (لأخذنا منه باليمين
) .

وفي الاستواء إلىاستوائهم حيث يقول : ( على العرش استوى) .وفي أمثالها
.

وجاوز بعضهم إلى أن جعلوه جسما محدودا متنقلا من مكان إلى مكان ويركبالحمار الأقمر ويخرق الحجب لفصل القضاء يوم إلفة القضاء .

وبعضهم يقول : علىصورة الإنسان . وربما يختلف معهم الأحيان ولا يعرف ، تعالى عما يقولون علوا كبيرا .

وهم صنفان : من ذهب إلى ما قلنا صراحا واعتقد أن من نفى عن الله – عز وجلهذا التشبيه فقد أبطله .

وصنف يتوقفون ولا يصرحون بهذه المعاني ولابخلافها ، فيمتنعون من مذهب المسلمين الذين صرفوا هذه المعاني إلى ما يليق بالباريسبحانه – وموجود في لغة العرب ، أن اليد : النعمة والقدرة . والوجه : ذاته . واليمين : القدرة والقوة . والجنب : الكنف . والساق : الشدة . وفي أمثال هذه . ولميصرحوا بالمعنى المكروه .

والأولون قد ردوا على الله – عز وجل – قوله : ( ليس كمثله شيء) فالأولون مشركون ، والآخرون تجاهلوا فهمجاهلون .

وفحش مذهبهم أيضا يغني عن الرد عليهم كإخوانهم .

وأماالسنية فأنهم صغوا إلى إخوانهم المرجئة في الوعد الوعيد ، ومذهبهم في الفتنة يؤولإلى العمى ، واستواء الأرض والسماء ، والمحق والمبطل سواء ، مذهب قادة الهوى فأوردهالردى .

وكذلك قولهم في خلق القرآن كقول الأشعرية في خلقه .
وقولهم فيالأسماء والصفات وخروج أهل النار من النار وقد تقدم الرد عليهم .


-----------------------------------------------
( 1 ) جبل بالمدينة .
( 2 )
ويقصدون بذلك عليا ( مراجعط 2 ) .
ذكر النكار ومسائلهم التي زاغوا بها
وأما النكار فجاهلهم عالم وعالمهم ظالم ، ولهم مسائل في الأسماء والصفات والإماموالوقوف والحجة والسماع والمتبرجة ، وإنما انقطع عذرهم في مخالفة الإمام العدلالسامي الفضل والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

وليس في مسائلهممسألة معنوية إلا المغالطة في الألفاظ ، واللفظ قشر والمعنى لباب . وليس في جميعالمذاهب أقرب منهم إلينا ولا أبعد منهم عنا ضغنا واستكبارا وجهلا وإنكارا ، صدقالله – عز وجل - : ( قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) .

فأول مسائلهم في الأسماء والصفات ، فذهبوا إلى أسماء الله – عز وجلوصفاته إلى الألفاظ وذهبنا إلى المعاني ، فاللباب أفضل من القشر ، فلو كانت الأسماءهي الألفاظ ، لما كان لله تعالى فيها مدحة ولا ثناء ولا عظمة ، كما أنه لو كانتالصفات هي الألفاظ لكانت كذلك
.

فمهما قلنا : الله عالم . اقتضى قولنا الوصفدون الصفة ، والمعنى الصفة دون الوصف ، والوصف منسوب إلينا وهو من أفعالنا والصفةمنسوبة إلى ذات الباري سبحانه ، إذ لا تجري التجزئة عليه ، فتلبس الأمر عليهم ، ولميحسنوا التفرقة بين الوصف والصفة كما قدمنا ، والوصف يتعلق باللسان والصفة بالذات ،ومن ذلك قولك : أعطيت إعطاء ، وأعطيت عطية . فالإعطاء : فعل المعطى ، والعطية هاهنا : المعنى المعطى .

وكذلك قولهم في الولاية والعداوة والحب والبغض والرضىوالسخط :
اقتصروا فيه على ما أبصروا بأبصارهم ، ولم يتجاوزوه إلى بصائرهم .

وكذلك قولهم في تشريك المشبهة ، فإن اقتصرت المشبهة على اللفظ دون المعنى، اقتصروا على الشرك ، ووسعهم إن لم يستبصروا ، فإن استبصروا في اللفظ دون المعنىخابوا وخسروا ، وإن استبصروا في المعنى أشركوا بالله العظيم فلم تغن عنهم الآياتولا الذكر الحكيم .

وأما قولهم في حجة الله لا تقوم إلا بسماع ، وقد سمعهاالناس كلهم . وربما سمعوا هم ولم يسمع الناس .

وأما المتبرجة : فإن جهلواكفرها ولم يبيحوا لها فعلها عذرناهم ، وقدما قالوا في النامصة والمتنمصة والواشرةوالمتوشرة والنائحة والمستمعه والمتفلجات للحسن في عشر لعنها رسول الله ( صلى اللهعليه وسلم ) . وأثبتوا اللعنة وامتنعوا من التكفير والتفسيق .

وليتهم لميعرفوا الكفر في الأفعال إلا من جهة المتبرجة مثلها ، ولا تجاهلوا عن الكل ، وليتهمفعلوا . وفي المتبرجة منافع فلعل بعضها صغير .

وأما مخالفة الإمام – رضيالله عنه - ، فسبيل ذلك سبيل سلفهم الماضي في صحابة رسول الله عليه السلام فيالزبير وطلحة ولهم فيهما أسوة حسنة أو سيئة بين بين ، جمع الله بينهم وبينهما فيدار القرار .

فإن قال قائل : أراك قد أثبت على كل فرقة خطأها وضلالها وأنتبخلافها ، واستدللت بذلك أنك على حق حين خالفت الباطل ، فما تنكر أن يكون القولانسائغين جميعا ، فهذا مأجور وهذا معذور ، وهذا مصيب وهذا قريب ، والخطأ والصوابمحمولان عن هذه الأمة في أكثر علومها ، ووسعهم ذلك .

قلنا : لسنا ننكر ذلك ،ما لم يقع التدين ، وقطع العذر ، وهو البغي الذي ذكره الله – عز وجل – ومصادمةالقرآن بغير أفعالها والرأي والإجماع .

واعلم أن اجتهاد الرأي سائغ لهذهالأمة وله أمكنة ، أمكنة أولها : في جميع النوازل التي تنزل على العباد ، مما ليسلهم عهد من كتاب الله – عز وجل – ولا سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيسرعلهم الاجتهاد بين مخطىء ومصيب . والكل محمول عنهم .

الثاني مذاهبهم فيالتفسير – تفسير القرآن وسنة رسول الله عليه السلام ، فهذا كالأول سائغ لهم كلماذهبوا إليه على الشرط المتقدم .

والثالث : معنى أباح الله لهم القول فيه ،فإن أصابوا لم يؤجروا وإن أخطأوا لم يوزروا ، وكلامهم على قدر عقولهم وآرائهم ليسعليهم فيه نظر ، كالقول في العرش والحملة والحفظة والسموات والكواكب والنجوم والشمسوالقمر والدراري والآثار العلوية : كالسماء والمطر ، والنبات والزهر والجن والإنس . هذا بشريطة كله أن يقع للمتكلم فيما لا يتعلق به الشرع ، وإليك بفن واحد تستدل علىما عداه .

قالوا في الحفظة : اثنان وأربعة وستة وثمانية وعشرة وعشرون ونيفوثلاثون ومائة وستون ، في أمثالها ، كما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إن المسلم عليه من الحفظة مائة وستون يدفعون عنه ما لم يقدر له)) . والحديث القائل : (( ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبامباركا فيه)) . فهذه لا أجر ولا وزر مما لا يغني .

وكذلك قاولا فيالزهراء وسهيل والمحلقين ، وأن في كل أرض كعبة وآدم إلى سبع أرضين ، وأن في كل سماءبيتا كالبيت المعمور .

وكذلك اختلافهم في أفراق هذه الأمة ، فبعضهم يعتذربأفرق المسلمين والمشركين .

وكاختلافهم في الأمة كذلك ، حتى اعتدوا بيأجوج ومأجوج فيها .

وكذلك اختلافهم فيما يبقى من الخلق وما يفنى ، وما يعود غدا فيالمحشر من المكلفين وما لا يعود.

إن قال قائل ( ما دليلك على أن أمة أحمد هالكة ما خلا أهل مذهبك )
فإن قال قائل : هذه أمة أحمد ( صلى الله عليه وسلم ) قد قضيتم عليها بالهلاكوالبدعة والضلال ، وحكمتم عليهم بدخول النار ، ما خلا أهل مذهبكم .

قلنا : إنما قضاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا نحن بقوله حين يقول : (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن إلى النار ماخلا واحده ناجيةوكلهم يدعي تلك الواحدة)) .

فإن قال قائل : هذه أمة أحمد ( صلى اللهعليه وسلم ) قد أصيبت باتباع أوائلها ، وما يدريكم لعلكم أنتم أيضا ممن أصيب باتباعأوائله ؟ ولم قضيتم أن أوائلكم على الهدى وأوائل غيركم على الردى ، وأوائلكم غيرمعصومين كأوائل غيركم ؟ قلنا ، وبالله التوفيق : إنا اتبعنا أوائلنا وحاسبناهمواتبعناهم تقييدا ولم نتبعهم تقليدا ، فعولت أوائلنا على الوزن بالقسطاس المستقيموالبرهان القويم وهو الكتاب والسنة ورأي المسلمين ، وذلك أنه لم تفترق فرقة بعدرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا كان أوئلنا في أفضلها حتى انتهى الأمر إلينا
.

وأول ذلك : أن المسلمين اختلفوا بعد رسول الله عليه السلام فأجمعوا علىأبي بكر الصديق – رضي الله عنه – فخالفت الشيعة ، وكنا مع المهاجرين والأنصار وكانتمع حزب الشيطان الرجيم ، وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في حزب أبي بكر الصديقفوقفنا في حزب الذين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمهاجرين والأنصاروأهل الشورى بعدهما ، ثم ولي عثمان بعد الإمامين فاختلف عليه أصحاب رسول الله عليهالسلام ، فجل المهاجرين عليه لا له والأنصار ، إلا ما كان من زيد بن ثابت وعبد اللهابن سلام والمتوقفون عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة ، وباقيالمهاجرين والأنصار عليه لا له ، والإمام عمار بن ياسر رضي الله عنه لما جعله رسولالله ( صلى الله عليه وسلم ) علامة للفتنة قال : (( مالهم ولعماريدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، إنما عمار جلدة ما بين أنفي وعيني)) . مهما أصيب المرء هناك لم يستبق . وقوله لعمار (( إنما تقتلكالفئة الباغية)) .

وقوله عليه السلام : (( عليكمبهدي عمار وبهدي ابن أم عبد
)) .

ثم أطبق الشورى والمهاجرين والأنصارعلى علي وكنا معهم ، فخرج عنه طلحة والزبير فمكثا الصفقة وعائشة أم المؤمنينالتائبة ، فحصلنا بحمد الله مع الجمهور . ثم خالف معاوية وعمرو بن العاص بالشام ،وليس معهم من المهاجرين والأنصار مقهور ولا مذكور فحصلنا مع علي وعمار ومعالمهاجرين والأنصار
.

ثم أن عليا رجع على عقبيه ورضي بالحكومة التي كفرراضيها وصوب ساخطها ، فقتل الفريقين جميعا الراضي والساخط والمحق والمبطل .

وكنا على الأصل الأول الذي فارقنا عليه أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر (1) الذي جعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علما للفتنة حين قال : (( عمار تقتله الفئة الباغية)) فأثبته على الهدى عند الاختلاف ،وحين قال : (( عليكم بهدي عمار وبهدي ابن أم عبد)) وقال : (( مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار )) . فوقعنا بحمد الله في حزبهما .

فإن كان الجميع على الحق ، فنحن أولى ولا نعمتعين لهم .

وإن كانوا على باطل سلمنا ، إذ لا تجتمع أمة محمد ( صلى الله عليهوسلم ) على ضلال .

وأما يهود هذه الأمة المرجئة ومجوسها القدرية فقد كفانامؤنتهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك المارقة الخوارج من الدين .



-------------------------------------------
( 1 ) أي فارقنا أجسادهم بوفاتهم لا مبادئهم .( مراجع ط 2 )

الرد على الأشعرية ومن ذهب مذهبهم في صفات الباري سبحانه (1)
اعلم يا أخي أعزك الله وأرشدك ، ووفقك وأيدك أنك ذكرت ما جرى لبعضهم مع بعض أهلالأدب من الأشعرية في خلق القرآن وأمر الصفات صفات الباري سبحانه وأسمائه الحسنى ،وكتبت تسألني شرح ذلك وصادفني كتابك وأنا مشغول البال مختل الحال بمرض العيال ، وهوالسبب الذي أوجب تأخير الجواب إلى هذا الأوان ، لاسيما الكلام في هذه المسائل مخطربأمرين أحدهما : التعرض للقدح في ذات الباري سبحانه وصفاته العليا وأسمائه الحسنىمن غير ما حاجة ضرورية دافعة ، إذ يتعذر كنه جلال الله سبحانه أن تقع الأوهام علىحقيقته ، فكيف تنطق الألسنة فتنطلق وتسعى وتعيق ، لولا ما سومحنا فيه من ذكرهبأسمائه التي نص عليها وبصفاته التي نص عليها ، وقد يستسمح الناس على قلة أخطارهممن الأبناء والعبيد والعوام والنديد ذكر الآباء والكبراء والسادة والأكفاء مشافهةبأسمائهم ، لكن كناية : يا أبتي إذا كان أباه ، ومن العبيد يا مولاي إذا كان مولاه، ومن الكفو يا أخي ، ومن العامة يا سيدي ، فكيف بمن ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير وجل عن أن يشبهه شيء ، أن تبوح الألسن بذكره ، أو تتعرض لشكره فتنطق وتقولبلسان حال وقلب خال : يا الله يا رحمن يا رحيم . هكذا باسمه لا كناية لولا الرؤوفالرحيم الغني الكريم .

الثاني : أن هذه المسائل قليلة الجدوى في ما يتعلقبالبلوى ، إذ لا تؤثر في العبادات ولا تنفع في ترك الحرمات ، وقد يحصل ذكر اللهعز وجل – في القلوب التي هي موقع نظر الباري سبحانه بأقل الخطوات ، وتخرس الألسنعند ذكره عند من أشرف على الملكوت والجبروت دون التفيهق والتشدق من هذا الوجه الخطرالعظيم الضرر ، فكأنما الخائض فيما لا يعني وشارع فيما لا يغني ، وإذا لم تعفني منالسؤال ولابد من الشروع في المقال فإني أقول ولا حول ولا قوة إلا بالله العليالعظيم الكبير المتعال .

اعلم أن الأشعرية (2) قد اختلفنامعهم في عشرة مواطن :-

أولها : أنا قلنا الباري سبحانه يوصف بالعلموالقدرة والإرادة وسائر الصفات التي يوصف بها . فقالوا : إنها معاني وليست بصفات . فالعلم عندنا صفة وعندهم معنى لا صفة ، والقدرة عندنا صفة وهي عندهم معنى ليست بصفة، وكذلك الإرادة وسائر الصفات ليست بصفات ولكنها معاني .فالصفة عندهم هي الوصف .

والثاني : أنهم أطلقوا على هذه المعاني التي ذكروها أنها أغيار لله تعالى، فأوجبوا التغاير بينها البين .

والثالث : أنهم أثبتوها معاني غير الله وهيقديمة . ونحن نقول : ليس هناك معنى غير الله ولا قديم مع الله .
والرابع : أنبمقتضى هذه المعاني كان الله موصوفا بها : فبالعلم كان عالما ، وبالقدرة كان قادرا، وبالإرادة كان مريدا ، وعلم بعلم ، وقدر بقدرة ، وأراد بإرادة ، وحيي بحياة ،وقدم بقدم .

والخامس : أن هذه المعاني التي وصفوه بها معان قائمة بالذات ذاتالباري سبحانه .

والسادس : أنهم وصفوه بالوجه واليدين والرأس والعينينوالجنب والجلسة واليمين والقبضة والساق والقدم والاستواء والميل وخرق الحجب وركوبالحمار والأقمر وأنه النور الأنوار .

والسابع : أن الكلام من المعاني التيوصفوه بها وهو قائم بذاته ولم يزل به .

والثامن : أن الأمر والنهيوالمندرجين في الكلام من المعاني التي وصفوه بها وقائمان بذاته ولم يزل كذلك ،وتعالى الله عن ذلك .

والتاسع : أن القرآن وسائر الكتب المنزلة من الله منالمعاني التي يوصف بها في ذاته لم يزل بذلك سبحانه .

والعاشر : أن العدلوالإحسان والفضل والمن والإنعام صفاته ، ولكنها أفعاله محدثة .




-----------------------------------------
( 1) هذا العنوان غير بارز في ط البارونية ( مراجع ط 2 )
( 2 )
في اصطلاح أصحابنا المغاربة لا يميزون بين فرق السنة : حشوية أو أشعريةأو ماتريديه وإنما يطلقون على الكل أشعرية ، ولابد من التمييز وإلا لوقع الخلط فيأقوالهم الاعتقادية وهذا ما حصل من المؤلف رحمه الله تعالى فليتنبه لذلك ( مراجع ط 2 )


ولابد من مقدمات تكون بين يدي هذه المسائل إما وصلا بين المتناظرين أو عدلاوفصلا بين المختلفين .

أحدها : أن يقع الاتفاق على أن الباري سبحانه لم يفردنفسه بلغة غير لغتنا التي استعملناها بيننا .

والثاني : ألا يطلق على الباريسبحانه ما لم يأذن به الشرع ، أو معنى يحيله العقل ، لاتفاقنا نحن وهم على أن اللهعز وجل – ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

والثالث : مراعاة اللسان التييقع بها التناظر والتحاور بين الفريقين ، ويق بها البيان بين المختلفين . ومعالثلاثة أخرى :

أحدها : أن يتضح المعنى الذي أراده المتناظران ، فيحصل حداأو رسما ، لئلا يصيرا كالأحولين .

الثاني : أن يستند قول الحق منها إلىالبرهان الصحيح حقيقة وتبيانا ، فيحصل علما ضروريا أو عقليا أو شرعيا أو لغويا .

والثالث : الإقرار بالحق إذا ظهر ، والإذعان له إذا بهر ، والاتنصار إذاكفر من جميع من حضر .

اعلم أن الأشعرية بنت مذاهبها فيالباري سبحانه وصفاته وأسمائه وتشبيهه بخلقه على الهروب من الواضح إلى المشكل ،وعولت بعد العثار على الاعتذار، وأني لهم به بعد الانتصار ؟ وتعرضوا للبلاءوهم عنه أغنياء فلن يرضى بهذا عاقل ولن يخفى على جاهل ، وقد قال الأول : (( إياكوما يعتذر منه )) . كل الوجوه ، وأقررنا بالوحدانية لا شريك له .

فأول ماغلطوا فيه أن أفسدوا على العرب لسانهم ، وغيروا عليهم لغتهم ، وقالوا : إن الصفة هيالوصف والعدة هي الوعد والزنة هي الوزن والسمة هي الوسم والعظة هي الوعظ . وقد فرقأهل اللسان بينهما . وأوجبوا الصفة للموصوف والوصف للواصف ، والعدة للموعود والوعدللواعد ، في أمثالها . واعتذروا بأن قالوا : إن النجاة قد أجازوا ذلك . قلنا لهم : مجازا لا حقيقة ، وإنما نحن في الحقائق.

والعجب منهم أنهم يأتون أمرا لمينفعهم ولم يضر غيرهم .

وكذلك العدة هي العطية الموعودة ، والوعد فعل الواعد، والعظة صفة الموعوظ ، والوعظ فعل الواعظ ، والسمة أثر في الوجه والواسم الفاعلوالوسم فعله .

(
الثانية ) : أنهم نفوا عنه السواد والبياض والألوان بأسرها، والأحوال بجميعها ، والصنائع العلمية ، والحياء والحياة والعلم والقدرة والإرادةوالرضى والسخط وأمثالها أن تكون صفات ، لكنها معان ليست بصفات ، فهربوا من الواضحالمعهود إلى المشكل المردود ، فما حاجتهم في أن جعلوا لله معاني في قول من جعلالصفات السبع بمجموعها هي الألوهية ، في قول من أثبت الذات وركب فيها المعانيالسبعة وأثبتها هي الألوهية ، جمعوا بين فساد اللغة وفساد الألوهية ، وخافوا أنيتوهم عليهم وحدانية الباري سبحانه ، وقالوا : إن هذه المعاني أغيار لله – عز وجلوأغيار بينها البين .

قلنا لهم : وهل تجوز أن تكون أغيار لم تزل؟

قالوا : إنها قديمة . فارتبكوا .

وقلنا لهم : يا سبحان الله ،فالقديم قديم ، فلابد للغيرية من العدد والشركة والتباين ، فلما نظروا إلى قولهمالفاحش تكعكعوا ، وما يغني عنهم وقد جعلوا له من عباده جزءا ، إن الإنسان لكفورمبين ، فتفرقت بنا وبهم السبل ، فحصلوا في الكثرة بعد الوحدانية ، وحصلنا في الوحدة، من وراء هذا أن أظهروا افتقار الباري سبحانه إلى هذه المعاني التي ذكروها منالعلم والقدرة والإرادة .

وقالوا : بالعلم علم ، ولولا علمه لم يكن عالما ،ولولا قدرته لم يكن قادرا ، ولولا إرادته لم يكن مريدا . وأظهروا افتقاره إلى هذهالمعاني تعالى الله ، وسلبوها عن ذاته وجعلوها محتاجة إلى الغير .

ولمانظروا إلى العلم لا يوصف بالقدرة ولا بالإرادة ولا بالحياة ، والقدرة كذلك لا توصفبالعلم والإرادة ، تكعكعوا ورجعوا إلى الذات . وقالوا : لابد لها من المعانيالمذكورة من الحياة والقدرة والعلم والإرادة ، ولابد لهذه المعاني من ذات تقوم بهاهذه المعاني بمجموعها ، ومجموعها هو الإله . فضاهوا بقولهم قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، وهو قول أهل الهيلى والصورة ، وجاوزوهم إلى الثنوية ( 1 ) ، ثم إلى أصحاب ثالث ثلاثة أصحاب الأقاليم ، بل إلى أصحاب الطبائع الأربع

أصحاب الاسطقسات من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، بل إلى الخرميةالذين قالوا بالأس بل إلى أصحاب العدد الكامل أهل التسديس ، فجاوزوهم إلى التسبيعوالتثمين ، ولم يبلغوا التسيع إلا الاثنى عشر ، وهذا تنبيه على ما قلنا أولا منالإشارة إنهم يهربون إلى المشكل ، من غير ما ضرورة دافعة وربهم أغنى بأن يجعلوهعضين كالمشركين في القرآن .

ثم إنا سألناهم عن هذه المعاني التي أوجبوهاقديمة مع الباري سبحانه أين هي ؟

فقالوا : قائمة بالذات . فضاهوا بقولهم قولالمحقين في الأعراض : أنها حالة في الجسد .
وقالوا هم : إن المعاني قائمة بالذات . فلو جعلوا الأعراض قائمة بالجسم والمعاني التي ذكروها حالة في ذات الباري سبحانهلما زادوا ، فالمعنى الموجود في الأجسام صراحا نحلوه ذات الباري سبحانه برحا ،ولبسوا على أنفسهم حين خالفوا بين الألفاظ فما يتحاشون مما يأتون به من لا شيء ،أولا يرون أن الحي منا حي والباري سبحانه حي .

وقد قدمنا أن اللغة واحدة ،والقائمة حالة والحالة قائمة .

وقد قدمنا أن الباري سبحانه لم يفرد نفسهبلغة غير لغتنا التي نتخاطب بها .

وللباري علم ولنا علم ، وله قدرة ولناقدرة ، وله إرادة ولنا إرادة ، وله قيام المعاني ولنا حلول الأعراض . يا سبحان الله . ولو عكسوا فما عدا , فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .

وأمامذهبهم في التشبيه والجوارح فعلى وجهين : أما من ذهب به مذهب الجوارح فلا يخاطب ولايعاتب ، فإن أنفذهم قد ترأرأ ببصره نحو الإله فانعكس بصره إلى جسده فلمحه ، فخالهإلهه ، فكبر وعظم ، وصلى وسلم وقال : الحمد لله الأكرم ، ذي الآلاء والنعم ، والوجهوالقدم ، واليد والعظم ، والعين والفم ، والجوارح كلها الجم ، والنون والقلم ، وماأدراك ما نون والقلم وما يسطرون . فاستجاب له العميان من جميع البلدان وصدقوا قولتهوأجابوا دعوته . ( شعر )

فلميبق إلا أن يقول أنا الرب = إلى الكعبة البيت الحرام ولا ريب
فإني رسولفاستجيبوا لربكم =فإن أنتم لم تؤمنوا فأنا الرب


فأقرب من ذلك موقعا أن يختلف معهم في الأسواق ولا يعرفونه ، وتضمه معهمالمساجد والمجالس ولا يثبتونه . ويقول : أنا ربكم الأعلى . ولا ينكرون ، بشرط أنيكون وسيما جميلا جليلا ، ولا قبيحا ولا ذميما ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وهؤلاء قوم فرحوا بما عندهم من العلم ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .

وأما من امتنع منهم من إجرائها على المعاني التي تعرف : من الوجه أنهالجاه ، ومن القدم بما قدم لها من الشقوة ، ومن اليد أنه النعمة والقوة ، ومنالمعصم ما يعتصمون به ، ومن العين العلم تجري بأعيننا ، ومن الفم الكلام ، وفيأمثال ، هذه معروفة عند العرب أنها الجارحة وثمرة الجارحة كما يعقلها العرب ، فلحبوطريقا وسطا بين الخيال والوبال ، فامتنعوا من الجوارح ، وامتنعوا من اللغة .

قلنا لهم : أتعرفونها ؟

قالوا : لا ، إلا أنها صفة الله .

وقد صدق القائل : قد يتكلم المجنون بما يعجز عنه العاقل . فهؤلاء مذبذبونبين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، شرعوا الجهل دينا ورأوة دينا ، ومالوا عنالحق بونا ، وأصابوا حينا ومينا .

وأما مذهبهم في الكلام في الأمر والنهيوالقرآن ، فهو الذي جر عليهم حبنهم ( 2 ) ، فأظهر الرب شينهم ، فأصبحوا مثل النصارىبينهم .

وأما ذنبهم الذي أوردهم جميع المهالك وسيئاتهم التي أحاطت بهم منأجلها خطيئاتهم حين غلطوا في القرآن ، فنفوا عنه الخلق وأثبتوه معنى غير الله يوصفبه الباري سبحانه ، وفعثروا عثرة لا إقالة لهم بعد العثور .

ثم من بعدالعثور وقعوا في قولهم : إن الأمر والنهي معنيان يوصف بهما الباري سبحانه ولم يزلبهما ، قائمين بذاته . فوقعوا وقعة لا انجبار لهم منها .

ثم من بعد الوقوعلغطوا في قولهم : إن سائر الكلام معنى يوصف به الباري سبحانه ، قائم بذاته فسقطواسقطة تعسوا فيها اليدين والفم .

ثم من بعد السقوط انزلقوا في قولهم : إنسائر الصفات من العلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات ، أنها معان غير الله وهيمتغايرة بينها البين . فانزلقوا زلقة وصادفوا بئرا لا قعر لها ، تهوي بهم الريح فيمكان سحيق . ثم من بعد الانزلاق التجأوا إلى جرف هار في قولهم بعد الصفات في الذاتإنها مرئية

بالأبصار ، محدودة بالأقطار ، موصوفة بالوجه والعينين والرأسواليدين والساق والرجلين والقدم والركبتين والجنب والإصبع في سائر الصفات صفاتالبشر فانهار بهم في نار جهنم . فهو آخر العهد بهم.

وقد صدق الله – عز وجلفي قوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون) هذا مثلهم في القرآن ولله المثل الأعلى .

ومثلهم فيالتوراة والإنجيل : عن اليهود تقول لهم : قبحا لكم وسحقا . والنصارى تقول : مرحباوأهلا ، وأقذر بقوم تأففت منهم اليهود واستقذرتهم ، واستبدت بهم النصارى وأحبتهم .

والمعذرة إلى الله – عز وجل – وإلى المسلمين أن لا يأخذ علينا أحد فيتمثيل كل فرقة منهم بما يليق بهم ، ونسبنا إلى الهجو والفحش من الكلام ، ولنا فيكتاب الله – عز وجل – أسوة حسنة ، قال الله تعالى في بنعام بن باعورى إمام العوروقائد البور : ( فمثله كمثل الكلب) إلى قوله : ( فأولئك هم الخاسرون) .

وقال في اليهود عليهم لعنة الله : ( كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات اللهوالله لا يهدي القوم الظالمين
) .

وفي المنافقين . ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهمفي ظلمات لا يبصرون ) إلى قوله : ( إن الله على كل شيءقدير) وقال : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله ) إلى قوله : ( لو كانوا يعلمون) وقال : ( مثل الذين كفروا بربهم وأعمالهم كسراب بقيعة) إلى قوله : ( فما له من نور) . والحمد لله رب العالمين
.




-------------------------------------------
( 1 ) كانت في ط البارونية ( التقوية ) ولعل الصواب ماأثبتناه ( مراجع ط 2 )
( 2 )
الحبن : مرض يصيب البطن . ( مراجع ط 2 )





[ باب : بيان معتقدنا ] ( 1)
وها نحن نبتدىء في إيضاح معتقدنا في الباري سبحانه ، وما يتعلق به من صفاته وأسمائه وذاته إن شاء الله.

فأول ذلك إن قال قائل : ما الدليل على إثبات وجود الباري سبحانه ؟

قلنا : وبالله التوفيق : الدليل على وجود الباري سبحانه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على قدمه ؟

قلنا : يبقه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على حياته ؟

قلنا : تصرفه في الحدث .

فإن قال : ما الدليل على علمه ؟

قلنا : إتقانه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على قدرته ؟

قلنا : صدور الحدث .

فإن قال : ما الدليل على إرادته ؟

قلنا : تمييزه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على رضاه وسخطه ؟

قلنا : اختلاف الحدث .

فإن قال : ما الدليل على الحدث ؟

قلنا : الحدوث . والله الموفق للصواب .

وعلى هذه الأصول عولت الموحدة في إثبات الألوهية بينهم وبين الدهرية . فأطبق الموحدة على ذلك إلا من شذ في بعض الفروع .

الشرح : وبالله التوفيق.

فإن قال قائل : وما في الحدث مما يدل على وجود الباري سبحانه ؟

قلنا وبالله التوفيق : انطباق الفطرة العقلية على أن النباء دال على بان ، والكتابة دالة على كاتب ، والأثر دال على المؤثر ، والصناعات كلها دالة على صناعها ، عقلا وشرعا ، ولغة وطبعا .

أما من جهة العقل : فإن علوم العقل ثلاثة مغروزة في جبلته ومنقوشة فيه مجملة وهي : وجوب الواجبات ، وجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، فهذه إحدى الواجبات ، ومحال ظهور الأثر ولا مؤثر ، وكتابة ولا كاتب ، وبناء ولا باني ، وصناعة ولا صانع ، وحدث ولا محدث .

وأما الشرع : فقول الله – عز وجل - : (
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ) إلى قوله : ( لقوم يعقلون) . فجعل الله – عز وجل – حدوث هذه الأسباب دلالة على صدقه فيما قال ، فضلا عن وجوده ، وقد ثبت وجود الفرع فما بال الأصل وقوله : ( قل من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .

وأما اللغة : فمن جهة اللفظ قسمت العرب هذه الألفاظ على جميع لغتها أن الحدث يقتضي الإحداث والمحدث والمحدث ، والخروج يقتضي المخرج والمخرج والإخراج والخروج ، وهذه في سائر لغة العرب . ولابد للفعل من هذه الأربعة معان : الفاعل والمفعول والفعل والفعل . فالفاعل والمفعول معروفان والفعل المصدر . والفعل الاسم . قال الله – عز وجل - : (
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) .

وأما الطبع : فمحال وجود الحدث ولما يفعله أحد ، عقلا نفرت منه الطباع واستحال الاختراع ، إلا من مخترع مبتدع ، وساغ الامتناع .

فلو أطبق الخلق والخلائق أن ينحلوا فعلا غير فاعله لأحلوا ، ولو شهدوا بهذا عند من له أدنى عقل لكذبهم واستخف بهم .

واعلم أنه لم يختلف اثنان ، بعد ثبوت حدوث الحدث أن له محدثا ، فعلم هذا ضروري كما قدمنا ، وأنما وقع التشابط والتخابط بين الموحدة والدهرية في حدوث الحدث ، ولسنا والأشعرية مختلفين في شيء من هذا .

فإن قال قائل . ما الدليل على قدمه ؟
قلنا : كونه قبل الحدث .

واعلم أن القديم من سبق وجوده وجود الحدث ، فكل من لم يكن ثم كان فهو المحدث ، وكل من كان ولا تكوين فهو القديم .

فإن قال قائل : ما الدليل على حياته ؟

قلنا : تتصرفه في الأشياء بالإنشاء والإفناء والإبادة والإعادة والنقص والزيادة ، وهذا إلى علم الضروريات أقرب ، وإليه أذهب .

فإن قال قائل : ما الدليل على علمه ؟

قلنا : إتقانه الحدث ، ولما رأينا المحدث قد تأتي على مراد المحدث ، وصار كل شكل إلى شكله ، ورجع كل فرع إلى أصله ، من الأرض والسموات والأشجار والنبات والجماد والحيوانات ، على نظام واحد ، وترتيب واحد .

وهو الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ، وخلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، وهذه الضرورية أقرب .

والعلم والقدرة والإرادة والرضى والسخط من توابع الحياة .

وصفات الحي مهما انخرمت منها صفة انخرمت الحياة ، ولابد من الإشارة .
فإن قال قائل : ما الدليل على القدرة ؟
قلنا : صدور الحدث . ولا يصدر إلا عن قوة وإلا فالقوي والزمن واحد والحي والميت واحد .

فإن قال قائل : ما الدليل على الإرادة ؟

قلنا : تمييزه بين المقدورات ، هذا قد شاء وجوده فوجد ، وهذا لم يشأ وجوده فلم يوجد ، ووجد الموجود على صفة ما ، وغيره على خلافها ، والقدرة جارية عليهما قد شملتهما ، وفرقت الإرادة والمشيئة بينهما .

وكذلك الرضى والسخط دليلهما اختلاف المحدثات ، فهذا حسن جميل ، وهذا قبيح رذيل ، ولولا الرضى والسخط لما وقعت التفرقة بين الخير والشر ، فمن كان بهذه الصفة ، يعني من لا يوصف بالرضى والسخط ، فهو إلى الموات والجماد أقرب .

فإن قال قائل : ما الدليل على الحدث ؟

قلنا : الحدوث .

فهذه المسألة بيننا وبين الدهرية ، فحسبنا منها حدوث الأعراض في الأجسام ، والأعراض محدثة ، لا يخلو الجسم من حادث ، ولا ينفك منه ، فما لم يسبق الحدث فحدث مثله .

فمن أراد حقيقة هذه ، فليطلبها في أدلة الموحدين في النفر الثمانية ، وفي كتاب ابن الخياط مستقصى .



رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً




فإن قال قائل : إذا ثبت وتقرر وجود ذات الباري سبحانه بالدليل ، فما مذهبكم فيالصفات التي ادعيتم ، ولن يخلو قولكم من أحد ثلاثة أوجه :

إما أن تبطلواوجود الصفات ألبته ، لئلا تجعلوا مع الله إلها آخر ، فتكونوا من المبطلين المعطلين .

وإما أن تثبتوها محدثة كائنة بعد إذ لم تكن ، فيكون الباري سبحانه بعكسها، فيتصف بالموت قبل الحياة وبالجهل قبل العلم ، وبالعجز قبل القدرة ، وبالكره قبلالإرادة ، وبالجمادة قبل الرضى والسخط ، سبحانه .

أو تثبتوها معاني غير الله، وقديمة غير محدثة . كما قدمنا .

قلنا وبالله التوفيق : إما إبطالها بعد ماتقرر الدليل ولاح السبيل ، فلا .

وأما إثباتها محدثة كائنة بعد إذ لم تكنويتصف الباري سبحانه بعكسها ، فلا سبيل إليه .

وأما إثباتها أنها أغيار للهقديمة معه ، فلا سبيل إليه .

وهذه الأوجه الثلاثة مستحيلة ، وذلك أنه حكمفتحكم حين خص ولم يعم ، وأغفل الوجه الرابع .

وفي التقسيم توصيم ( عيب وعار ( 1 ) ) ولاسيما في الكاف والميم ، وسيأتي الفصل على دنادن الظلم فتنثلم بإذن اللهتعالى ، وذلك عادة الله في الحق والباطل ، إذا جاء الحق زهق الباطل إن الباطل كانزهوقا .

فإن قال قائل : فما الوجه الرابع ؟

قلنا – وبالله التوفيق : إن صفات الباري سبحانه ليس هناك معنى غيره ، أو شيء يلازمه أو يفارقه .

فقولنا : الله تعالى موجود إثباته ، ليس هناك وجود غيره يخالفه أو يوافقه .

وقولنا : الله حي ، إخبار عن الذات أنها ليست بميتة ، وله التصرف في الغير .

وقولنا : الله قادر ، إخبار عن الذات أنها ليست بعاجزة ، ولا يعوزها شيء .

وقولنا : الله مريد ، إخبار عن الذات أنها مكرهة ، ولا يفوقها شيء .

وكذلك سائرها . وليس في إن نفينا عن الذات هذه الأمور ما يقتضي أن معهاشيئا غيرها يقاومها فيضاهيها ، أو شيئا غيرها تستعين به ويكون جزءا منها ، وذلكمحال في ذات الباري سبحانه .

فالقديم : من سبق الحدث والعجز والحاجة وجوده .

فمن حصل اسم القدم له ، حصلت له الألوهية والصفات الكاملة ، وذلك عن غيرالله منفي ، ولا قديم إلا الله ، ولا إله إلا الله ، واستأثر الله بالكمال ولم يبرأالغير من النقصان ، ونضرب في ذلك مثلا : رجلا قاعدا في موضع من المواضع ، تختلف فيهعليه الأشياء من بين مار بين يديه وآخر من خلفه وآخر فوقه وآخر تحته ، وليس فياختلاف هذه الجهات ما يقتضي اختلاف ذات الإنسان ، وربما يتوهم التعمي علينا ،فيقسمه تقسيما ، فيجعل الرأس ناحية والرجلين ناحية والجنبين ناحية .

واعلمأن غرضنا الذات ، واعلم أن من جاز بين يدي إنسان ، فقد جاز عليه كله ، وكذلك سائرالجهات .

وليس إن اختلفت النسب إلى هذه الجهات ما يقتضي الاختلاف في الإنسانفهو أولا إنسان وآخرا إنسان .

وإن ألتبس الأمر مع هذا أوقع الكلام على جزءمن الغرض ، ومن وراء ذلك المرآة ، فإن الصور تنطبع فيها وليس ذلك بمؤثر في ذاتها أوناقص أو زائد فيها ، ولله المثل الأعلى ، وهذا معتقدنا في إلهنا .

ولنرجعإلى معارضتهم إيانا في الصفات .

فإن قالوا : إذا زعمتم أن الذات واحدة وأنصفاتها هي ، ما تقولون فيمن خلقه الباري حيا ثم مات ، أو ميتا ثم حيي ، أيعلم بواحدعلمه أو بعلوم كثيرة ؟

فإن قلتم : بعلم واحد ، فقد جعلتم الحي ميتا والميتحيا .

وإن قلتم : بعلوم كثيرة ، فقد أثبتم قدماء كثيرة .

وإن قلتم : علمه بلا علم وقعتم في المحال .

قلنا – وبالله التوفيق : إن الله تعالى علمالحي منا في حين حياته ، ثم علمه في حين موته ، ووقع التفاوت بين الحالتين لا بينالعلمين ، كما أن الذات التي علمتها ميتة ، هي الذات التي علمتها حية ، فما قلتم فيالعالم ، قلنا في العلم ، ونعكس عليهم المسألة .

فإن قالوا : بعلم واحد ،لزمهم أن يجعلوه حيا ميتا موجودا معدوما .

وإن قالوا : بعلوم كثيرة على عددأجزاء الخليقة ، فقد أثبتوا قدماء كثيرة مع الله في الأزل .

فإن قالوا : علمها بلا علم . وقعوا في المحال ، ولا سبيل لهم ولا مخرج لهم إلا السبيل الذيسلكنا .

وكذلك القول في سائر الصفات ، من القدرة والإرادة والسخط والرضى .

واعلم أن الأشياء تختلف بالأعيان والأزمان والمكان ، وتقع النسبة إليها منجهة العلم نسبة واحدة ، ومن جهة القدرة وغيرها نسبة واحدة ، ومن جهاتها مختلفة ،وليس ذلك بضائر الذات شيئا .

وكذلك لو علم رجلان شيئا واحدا والشيء على حدتهوالعالمان اثنان ، أو علم رجل شيئين ، على أنا لا نثبت مع الباري سبحانه علما غيرما يقع التطالب والتخاطب عليه .

فإن أبوا أن يثبتوا معاني قديمة غير اللهقلنا : ( أئفكا آلهة دون الله تريدون ، فما ظنكم برب العالمين) .

فإن قالوا : إنكم أبطلتم المعنى المعقول في لغة العرب : إنهم إذاوصفوا إنسانا بالشجاعة أو الجبن أو بالسخاء أو البخل أثبتوها صفات غيره
.

قلنا لهم وبالله التوفيق :

إن العرب إذا وصفت شيئا بصفة إنهميتوجهون إلى معنى تلك الصفة ، وليس في صفاتهم ما يقتضي في لسانهم ، أنها هي هو أوغيره ، وإنما تدرك معرفة ذلك من وجه آخر من طريق من نظر في ذوات العالم ، وعلى أنالجسمية صفة الجسم ، وليس في ذلك ما يقتضي أنها غير الجسم ، وكذلك العرضية للعرضوالخلق صفة الخلق ، وهي هو .

-----------------------
(1) لعل ما بين القوسين ليس من عند المؤلف وإنما هو شرح من الناسخ أوالناشر للطبعة البارونية ( مراجع ط 2 )
















ذكر ما عارضنا به القوم والرد عليهم
اعلم أن القوم عارضونا بخمس هنات :

أولها : قالوا إذا زعمتم أن الذاتواحدة ذات الباري سبحانه ، وأن صفاته هي هو ، علم الله هو الله ، وقدرة الله هيالله ، في أمثالها .

والثانية : إن أجزتم هذه فقولوا : الله هو العلم ،والله هو القدرة ، في أمثالها .

والثالثة : وقولوا : إن العلم هو القدرة ،والقدرة هي العلم ، أو غيرها ، في أمثالها .

والرابعة : أن معنى علم هو معنىقدرة ، ومعنى قدرة هو معنى علم ، أو غيرها ، في أمثالها .

والخامسة : أن هذهالصفات التي ذكرتم ثم وصفتم الله بها ، لا تخلوا أن تكون معنى أو غير معنى .

فإن كانت معنى ، فهو ما قلنا .

وإن كانت غير معنى ، فقد وصفتم اللهتعالى بغير معنى .

الرد عليهم وباللهالتوفيق

الأولى : أما قولهم : في علم الله أنه الله أو غيره ، فإنبعض أصحابنا يطلقون على صفات الله أن تقول : هي هو ، فتقول : علم الله هو الله لاغيره ، وقدرة الله هي الله لا غيره .

والأحسن عندي أن نقول : ليس هناك شيءغير الله.

وأما الثانية : أن تقول : الله هو العلم ، أو تقول : الله هوالقدرة . العم أن اللغة منعت من إطلاق ذلك ، ولولا ذلك لما كان به بأس ، وقد جاء فياللغة إطلاقة في بعض الأسماء كقولك : الله الرب ، والله العدل ، والله الوتر ،والله هو الحق المبين
.

وأما الثالثة : أن العلم هو القدرة والقدرة هي العلم، وهذا ممنزع من جهة التخاطب واللغة ، ولو أطلقه إنسان لما جاوز خطؤه اللغة ، وهوأحسن حالا ممن أخطأ في ذات الباري سبحانه .

وأما الرابعة : فالقول فيهاكالقول في الثالثة ، هو ممنوع من جهة اللغة والتخاطب بين الناس .

وأماالخامسة : فإنا نمتنع من أن نجعل صفات الباري سبحانه معاني ، لما يتوهم علينا منالغيرية ، وقد أطلقت اللغة الصفات العلى والأسماء الحسنى .

فإن قالوا : يعلمنفسه أو لا يعلمها ؟

قلنا : يعلمها ولا نقول لا يعلمها .

فإن قالوا : يقدر على نفسه أو لا يقدر عليها ؟

قلنا : لا يجوز يقدر على نفسه ولا لايقدر عليها .

فإن قالوا : يريد نفسه أو لايريدها ؟

قلنا : الجوابفيها كالجواب في التي قبلها ( 1 ) .

واعلم أن القوم إنما ذهب بهم خصلتان : إحداهما اللغة ، وذلك أنهم نظروا إلى تقاسيم الأسماء والأفعال والحروف في اللغة ،فكل لفظة تقتضي معنى في الأجسام وحركاتها ، فانقسمت أقساما كثيرة من أجل الأجساموالأزمان والمكان ، فتحولت عينهم ، فذهبوا ذلك المذهب في خالق الأنام ، ونظروا إلىقولهم علم ويعلم وسيعلم علما وعالم وعلام وعليم . وقالوا : لابد لهذه التقسيمات أنتقتضي معاني متفاوتة حتما ، واضطرهم الدليل المثبت للألوهية إلى أن يقولوا بقدمها ،ونسوا ما ذكروا به من قبل أن الله ليس كمثله شيء ، فشبهوا الذات التي لا تتجزأ ولاتحلها الأعراض بالأجسام التي تتجزأ وتحلها الأعراض ولم ينظروا بعين الحقيقة إلى منهو فوق المكان والزمان ولم يشبه شيئا من الأعيان ، ولم يراعوا سهام الزمان

والمكان التي تجري على الأعيان دون القديم الذي كان قبله .
وسهم العين : الموجود والشيئية والذات والمعنى والإثبات .

وسهم الأمكنة : فالجهات الست : أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال .

وسهم الأزمنة : كالآن واليوم وأمس وغداوالشهر والعام وقابل وقاب وقباقب ( 2 ) .

الذي يظهر في الأعيان أن يكونالمقتضى واحدا وإن اختلفت الألفاظ ، فيكون إخبارك عن ذات الباري سبحانه هو الإخبارعن شيئيته وعن عينه ومعناه ، وإن اختلفت الألفاظ ، فليس في ذلك ما يقتضي الغيرية .

وأما سهم المكان : فاختلاف الأمكنة لا يوجب اختلاف الذات ، وكذلك فيالأزمان ، لاسيما في الواحد لا يتجزأ .

والخصلة الثانية : أنهم ذهبوا فيإلههم مذهبهم في أنفسهم وحصروه إلى أوهامهم واعتقدوا أن ذلك إثباته لا إبطاله ، وأنخلاف ما تذهب إليه الأوهام إبطال ، وآمنوا بالوحدانية لفظا وأغفلوها في المعنى حفظاوعجزوا عن قول الصديق – رضي الله عنه – ( العجز عن درك الإدراك إدراك ) وقالوا هم : العجز عن درك الإدراك هلاك .



-------------------------------------------------------
( 1 ) أي أن هذه أمور لا نعرف حقيقتها فهي من العلمبالذات الإلهية الذي يقصر دونه الخلق ( مراجع الطبعة الثاني )
( 2 )
قباقبالعام الذي يلي العام المقبل . ( مراجع الطبعة الثانية )









ذكر من قال في القرآن بغير الحق والرد عليه
الرد عليهم في نفيهم خلق القرآن

فإن قالوا : فلم قلتم إن كلام الله وأمرهمنهيه والقرآن ليست بصفة الله تعالى في ذاته ، ولا هو قائم بذاته؟

قلناوبالله التوفيق :

لما تقرر أن الحي مرتبط بأوصاف غير منفك له عنها ، وأثبتناالباري سبحانه أنه الحي الفعال ، فثبت وجوده وحياته وعلمه وقدرته وإرادته ورضاهوسخطه وفعله ، ولكل كلام مقدمات سوابق ولواحق .

فمقدمات الألوهية : الوجود ،ولواحقها الأفعال ، والوجود والأفعال ليست بصفة ، لأن الوجود إثبات والفعل حودث ومابينهما فصفة .

فاستحال أن يكون الحي ولا علم ولا قدرة ولا إرادة ، والإرادةولا قدرة ، والقدرة ولا علم ، والعلم ولا حياة .
فأثبتنا حيا عالما قادرا مريداراضيا ساخطا لم يزل ، إذ لو حدثت الحياة لكان قبلها ميتا ، ولو حدث العلم لكان قبلهجاهلا ، ولو حدثت القدرة لكان قبلها عاجزا ، ولو حدثت الإرادة لكان قبلها مستكرها ،ولو حدث الرضى والسخط لكان قبلهما جمادا بليدا ، فمن أين ارتبط الكلام بالحي ، لاارتباط له به .

فإن قالوا : لاستحالة حدوث الكلام لكان أخرس قبل حدوثه ،والخرس ضد الكلام ونقيضه .

قلنا وبالله التوفيق :

إن هذا الحكم وهذاالتحكم لا يلزم ، لأنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا لا أخرس ، ليس كالعلم ، لأنمن لم يكن عالما فهو جاهل ومن لميكن قادرا عاجزا ، ليس الخرس بنقيض الكلام بلالسكوت نقيضه .

ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل ، لأنه لو أحدث الله الخلقلكان قبل حدوثه عاجزا ، ويلزمهم أيضا أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمةبالذات كالكلام ، ولعمري لهو أشبه بمذهبهم .

وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق ،فليس الخرس بنقيض الكلام ، غير أن الخرس زمانه لا يستقيم معه الكلام ، وكذلك العجزآفة لا يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة ، وقد يكون الحي ساكتا لا متكلماولا أخرس ، وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أوساخط ؟ فهاتيك مهما انخرمت منها صفة الحياة وليس ذلك في الكلام البتة . والله وليالتوفيق .

والدليل على خلق القرآن ، لأهل الحق عليهم أدلة كثيرة .

وأعظمها : استدلالهم على خلقه بالأدلة الدالة على خلقهم هم ، فإن أبوا منخلق القرآن أبينا لهم من خلقهم ، وقد وصفه الله – عز وجل – في كتابه ( وجعله قرآنا عربيا) مجعولا منزلا مسموعا بالآذان ، مقروءابالألسن ، وكتوبا في المصاحف وفي قلوب الذين أوتوا العلم ، وليس لهم معول بعدالعثور إلا الاعتذار بالغرور ، وذلك أنهم نصبوا للكلام وللأمر والنهي هيولا خيولاغير القرآن ، وهي العبارة عن القرآن ، فما حاججناهم به من صفات الخلق الموجود فيالقرآن قالوا : صدقتم غير أن ذلك يتوجه إلى العبارة عن القرآن لا نفس القرآن .

قلنا لهم : إن الله تعالى يقول : ( إنا جعلناه قرآناعربيا) .

قالوا : العبارة عنه
.

قلنا لهم : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) .

قالوا : العبارة عنه
.

قلنا لهم : قال الله – عز وجل - : ( إنا إنزلناه في ليلة مباركة) (إنا أنزلناه فيليلة القدر) نزل به الروح الأمين ) ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمةللمؤمنين ) .

قالوا : العبارة عنه .

قلنا لهم بعد قوله – عز وجل : ( أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) .

قلتم : العبارةعنه لا هو . فمن يشهد لكم بهذا ، بعد أن رددتم شهادة الله _ عز وجل – وشهادةالملائكتة
.

فيا سبحان الله من قوم أنكروا نزول القرآن مثل أهل الأوثان ،ولو عرضوا بمثل ما هم فيه بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبجبريل الروح الأمين أنهلم ينزل به جبريل على قلب محمد عليه السلام ، وإنما نزل بالعبارة لا القرآن ، وخيالجبريل هو الذي نزل على خيال محمد عليهما السلام ، ولم ينزل علينا نحن أيضا القرآنوإنما نزل علة خيالنا ، وقوله : ( وكذب به قومك وهو الحق) وإن القوم ما كذبوا بالقرآن وإنما كذب خيالهم لا لعبارة وهو الحق ، فليس القرآن فينفسه بحق وإنما العبارة عنه هي الحق وهي التي كذب خيال القوم وظلالهم .

فمنكان بهذه الصفة ، فليسوا بالعقلاء الذين يخاطب الله – عز وجل – أمثالهم ، إلا أنتجاهلوا تعمدا .












ذكر المن والفضل والعدل والإحسان ومن قال إنها من صفات الله
وأما قولهم : إن المن والفضل والعدل والإحسان من صفات الباري سبحانه .

اعلم يا أخي أن الله تبارك وتعالى خالق لم يزل ، وفاعل ومثيب ومعاقب ومحييومميت ومان ومنعم ومحسن وعادل لم يزل ، فإن كان مرادهم فهو جائز ، وهذه أسماؤهوصفاته ، وإن كان مرادهم أن المن نفسه والفضل والعدل والإحسان صفات لله تعالى ،فليلحقوا بها الخلق والرزق والفعل وجميع المحدثات . ولا يقولها مرشد .

فإنقال قائل : ولم أجزتم عليه خالقا ورازقا لم يزل ؟ ... وهل الخلق والرزق موجودان فيالأزل ؟

قلنا وبالله التوفيق :

إن الأسماء لا تقتضي الأوقات ،والفاعل يصلح اسما لما يأتي ولما مضى ولما أنت فيه ، هذا رجل حاج يريد يحج ، وهذاحاج مشتغل بالحج ، وهذا حاج على أنه سيحج .

فمن امتنع عن هذا فقل : كابر عنفعل خليل الله – عز وجل – صلوات الله عليه وسلامه ( هو سماكمالمسلمين من قبل ) . فمن لم يدخل في تلك التسمية لم يدخلها بعد ، والسلام .

والعجب كل العجب من هؤلاء القوم إنهم يرغبون في الكثرة ويرغبون عن الوحدة . فما حاجتهم إلى الكثرة والعدد في توحيد الله – عز وجل - ؟

فإن كان مرادهممدحه فبأن يفردوه أولى من أن يملأوا الأزل عليه قدماء ، ولينقصوا من هذا العددالطويل فهو أولى بالجليل ، وهذا حين جعلوا السمع والبصر من المعاني السبعة القائمبالذات : ذات الباري سبحانه ، والسمع والبصر فرعا العلم ، أو ليس البصر كناية عندرك الألوان ؟ والسمع كناية عن درك الأصوات ؟ فهما نفس العلم .

وإن كانمرادهم كثرة المعاني في الأزل مع الباري سبحانه ، فعليهم بالطعوم فلينحلوه الذوقويجعلوه ثامنا .

وعليهم بالروائح فلينحلوه الشم ويجعلوه تاسعا .

وعليهم بالمحسوسات كلها فلينحلوه اللمس ويجعلوه عاشرا . وليتبعوا الخلق مادام لفن من العلوم اسم فيسموه به ويجعلون ذلك المعنى قائما بذاته فيصفونه ، كمذهبالأعرابي وإن أخطأ في الملائكة أسهل حالا من خطاياهم في الباري سبحانه ، حين قالشعرا :

وذوالعرش محمول على ظهر سبعة=ولولاه ما رموا النهوض ولا كادوا


فقيل له : ويحك جعلت الباري سبحانه محمولا ، وجعلت الحملة الثمانية سبعة؟

فقال الأعرابي : أليسوا إذا نقصوا من عددهم كانوا أقوى لأسرهم؟

فذهب في الحملة إلى أن نقصان العدد أقوى للأسر ، وذهب هؤلاء إلى أن زيادةالعدد أقوى في المدح .

فالأعرابي أفطن في المعنى الباطن ، وهم ذهبوا إلىالحس الظاهر ، ولا شك أن القوم ما اغترفوا إلا من بحر الدهرية في قولهم : إن اللهتعالى هو العلة ، والخلق هو المعلول ، ولن يفارق المعلول العلة . فإنهم قالواللموحدة : ألم تقولوا : إن الله قبل خلقه ؟

قلنا : نعم .

قالوا : ثمأحدث الخلق .

قلنا : نعم .

قالوا : إنه ليس بين وجود الله تعالىوخلقه الخلق مسافة ولا مدة ولا عدة ولا آفة لم يسبق الخالق الخلق إلا بالمقدار الذييسبق به الآله الظل في الحركة والسكون ، أو الكون والمكون . فهذا غرض القوم غيرأنهم لم يقدروا أن يبوحوا بأكثر مما يتعلق بصفات الباري سبحانه المعهودة عند الناس، غير أنهم حادوا إلى مذهب الدهرية .

ولا شك أنهم شموا رائحة أبي شاكرالديهاني الذي فتح لهم الباب في نفي خلق القرآن بمكيدة عظيمة كادهم بها . وقد تقدمذكرها .

وإذا فرغنا من الرد على الأشعرية ، فلنعقب بالرد على رسالة جاءتنامن ناحية غانة على يد رجل يسمى عبد الوهاب بن محمد بن غالب بن نمير الأنصاري ،وجهها إلى أبي عمار عبد الكافي بن الشيخ أبي يعقوب إسماعيل التناوتي ، فتوفي – رحمةالله عليه – قبل أن يرد الجواب ، فرددنا جوابه وهي هذه .

رسالة عبد الوهاب بن محمد الأنصاري يسأل عن بعض مسائل السنية



( 1 )
هكذا الكلام في الطبعة البارونية ، ولعل المعنى والله أعلم : لا واجبعلى الله تعالى ولكن أوجب العقاب والثواب على عباده لحكمة . ( مراجع الطبعة الثانية )
( 2 )
قصة دخول إبليس في الأفعى من الدخيل الذي ابتلت به الأمة وليس هذا ممايؤخذ به على المؤلف لأنه لم يستدل بها في صلب العقيدة وإنما استأنس بها في موضوعتكليف الحيوان وهو بدون ريب ليس من قضايا الاعتقاد . ( مراجع الطبعة الثانية ) .
( 3 )
الضمير عائد إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . ( مراجع ط 2 ) .


وأعظم آية عبرة : كلب أصحاب الكهف ، قال الله – عز وجل - : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) فشملهم وإياه النوم إلى يومالقيامة .

وفي هذه البهائم آيات ومعجزات وفي صنائعها ومصانعها وتربيتهالأولادها وطاعتها لملوكها ، وفي الموتان أسرار عجيبة لا يعلمها إلا الله – عز وجلفضلا عن الحيوان .

ثم قال عبد الوهاب : ( وذهب فريق إلى أن الثواب حتم علىالله والعقاب واجب على مقترف الكبيرة إذا لم يتب منها ، ويحبط جميع عمله باقترافزلة واحدة ، فكيف يستقيم أن يحبط جميع عمل العبد ؟ )

الجواب :

فالذين قالوا : إن الثواب حتم على الله قد أساءوا الأدب ، إنما كان ينبغيلهم أن يقولوا حتم في واجب الحكمة بعد أن يصح ما قالوا : إنه واجب ، فإن ذكره فيبني آدم والجن فربما .

وأما الملائكة فقد قدمنا القول فيهم .

وقولهم : إن العقاب واجب على الكبير إذا لم يتب ، فقد صدقوا .

وأما قولهم فيالإحباط فغلط ، وليس يحبط الكبير من عمل العبد شيئا إنما يحبط الثواب ، لم يقل أحد : إن من عمل الكبير لم يصل ولم يصم ، إنما الإحباط في الثواب .

ويعجبه أنقال : ( كيف يستقيم إحباط جميع عمل العبد ) وقد تقدم فيه الجواب ، ولو شاء صاحبالشرع أن يحبط الكبير كالشرك لفعل ، وليس في العقل ولا في الحكمة ما يبطله ، ولكنالرؤوف الرحيم لم يفعل ذلك .

وأما قوله : وإن كان الثواب والعقاب متنافيين ،فليس الثواب أن يحبط أولى من العقاب أن يسقط ، والشرع يدل عليه وعلى درء السيئاتبالحسنات ، فإحباطه العقاب أحق وقد قال الله – عز وجل

(
إن الحسنات يذهبن السيئات ) .
الجواب :

أن الثوابوالعقاب متنافيان ، وليسا متنافيين عند السنية ، وقد أوجبوا العقاب للمؤمنين مرةفليسا بمتنافيين .

وقد ورد الشرع بإحباط الكبير ثواب العمل وبإذهاب الحسناتالسيئات ، ولابد من تغليب أحدهما على الآخر ، فالكبير يحبط الثواب على صفة والحسنةتذهب السيئة على صفة .

وأما إحباط العقاب على كبير بغير شيء أي من غير مفكرفلا ، وهي مسألة ما بيننا وبين المرجئة ، فقالوا : إن المصر المعاند لربه والمبتدعالأحول عن ربه يسقط العقاب عنهما ، بغير الشرط الذي شرط الله عليهما من التوبةوالحسنة والمصيبة والسيئة .

وأما قوله : ( الإيمان أجل أعمال العبد وأعلاهاوهو ثابت والطاعة ثابتة ، ومصدر الطاعة التوحيد الذي لا يتم إلا به ، ثابتة علىحقائقها .

الجواب :
قوله : ( والإيمان أجل أعمال العبد ) ، فقد صدق ،ولسنا نمتنع من أن يسقط به الباري سبحانه عقوبة المعاصي مثل سائر الحسنات ، وإنماأنكرنا من المعاصي صنفين : الإصرار والبدعة ، والحكمة قد منعت من إسقاطهما بحسنة أوسيئة .

وأما قوله : ( والإصرار على الكبيرة لو كانت تدرأ الطاعات لكانتتنافي صحتها ، كالردة ومفارقة الملة ) ، وهذا لا يلزمنا لأنا لا نقوله بل نقول : التنافي في المتضادات وليس التنافي في المختلفات ، والطاعة فعل العبد وضدها المعصية، والثواب فعل الباري سبحانه وضده العقاب ، وليس بين الطاعة والعقاب تناف ...

وقوله : ( ينافي صحته ، كالردة ومفارقة الملة ) تحكم وتهكم لا جواب لهكالسماء والأرض والجسم والعرض .

اعلم أن الثواب ينحبط باقتراف زلة واحدة ولاينحبط العمل ، فعلم هذا من الشرع ، وليس من جهة العقل ، ولو شاء من له الخلق والأمر، أن ينافي الكبير كل طاعةفي الدنيا ، كالردة ومفارقة الملة لفعل .

وقالعبد الوهاب : ( فإن قال قائل : إن الوعد والوعيد خبران واقعان على الحقيقة ، لايجوز الخلف في أحدهما ، لأنهما عمومان جاريان على عمومهما ، فلا يكون بخلاف مخبره ،لأن ذلك لا يجوز عند الأصوليين في خبر الله تعالى ) .

وأما قوله : ( إنالوعد والوعيد خبران لا يجوز الخلف فيهما ) فصدق ، ولن يخلو هذا الأمر من أحد خمسةأوجه :
أما أن يصح خبر الوعد ويبطل خبر الوعيد ، أو يصح خبر الوعيد ويبطل خبرالوعد ، أو يبطلان جميعا أو يصحان جميعا ، فليس يصح في هذه لوجوه الأربعة شيء .

وأما أن يجعل لكل واحد منهما حظا ونصيبا فربما ...







فأما نصيب الطاعة ، فبإجماع الأمة أن الثواب لا يصح بخصلة واحدة ، فيثنيه اللهتعالى على الصلاة وحدها مع بطلان الزكاة والصوم والحج ، أو الزكاة وحدها مع بطلانغيرها ، إلا أن كان سبب شرعي كالتوبة وغيرها .

وأما نصيب المعاصي ، فإن اللهتعالى حط جميع المعاصي بالتوبة ، وهي الترياق الأعظم ، أو بالأدوية : والأدويةمخصوصة لأدواء مخصوصة كالسيئات ، فإن الحسنات تخص معاصي معلومة .

فنصيبالجميع أن من معه من الصالحات ما يقابل السيئات فهذا من أهل الجنة ، كالذي يروي عنأهل الأعراف : أنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ومقدار ذلك وعلمه عند الله .

وقد علمنا أن السيئات تدرأ باجتناب الكبائر وبالمشيئة ، مثل التوبةوالحسنة والمصيبة وشفاعة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأهل الأعراف وما وراءذلك فمظنون غير متيقن ، لكن المصر والمعاند لربه والمبتدع الذي فارق الإسلام فلا ...

قال عبد الوهاب : ( وهل يجوز أن يخبر بما لا يريد ؟ أو لا يخبر إلا بماأراد في الأزل بخلاف الأمر ؟ لأن الأشعرية ذهبوا إلى أن الله تعالى يأمر بما لايريد ، لأن الله – عز وجل – أمر رسوله أن يأمر أبا جهل وغيره من كفار قريش أنيؤمنوا ، ولم يرد منهم الإيمان ، وأخبر أنهم لا يؤمنون ) .

الجواب :

اعلم أن الإرادة تشتبه على من لم يعرف حقيقتها .

أحيانا تشير إلىالمحبة ، وأحيانا إلى الاختيار .

وقد أخبر الله – عز وجل – على مالا يريده ،وقد أخبر عن الكفر ، وهو لا يريده ، بمعنى كرهه ومنى عنه .

وحكايته عنالأشعرية أن الله يأمر بما لا يريد قد كان ، فالأمر : فعل عندنا ، والإرادة : صفة ،وعند الأشعرية : أنهما معنيان يوصف الله تعالى بهما ، وما حكوا عن أبي جهل فصحيح ،وكذلك بعض قريش ، لو أراده منهم حتما لأرادوه ، ولو أراده منهم أمرا لأمكن الوجهانأن يريدوه أو أن لا يريدوه .

وهذه المسألة إنما هي المثبته والمزيلة ، وقدشملنا نحن والأشعرية جوابها ، والله المستعان .

وقال عبد الوهاب : ( فإناحتج من يقول بإنفاذ الوعيد ويقول كما لا يجوز الخلف في الوعد كذلك لا يجوز الخلففي الوعيد لعموم الإرادة لهما ويحتج بقوله تعالى : ( ومن يعص اللهورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) . أو بقوله : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إلى قوله : (إلا من تاب) . فهذه الاستثناءت كلها لمن تاب ، ومن لم يتب فهوباق في عموم الآيات المتقدم ذكرها ) .

الجواب :

قوله : ( فإن احتجمحتج بإنفاذ الوعيد ، ويقول : كما لا يجوز الخلف في الوعد كذلك لا يجوز في الوعيد ) .

قلنا : صدق . قال الله – عز وجل - : ( لا تختصموا لديوقد قدمت إليكم بالوعيد) إلى قوله : ( للعبيد ) . فهذه المسألة لنا لا علينا : إنما هي على الأشعرية الذين خصوا هذه الآيات العموميةبالمشيئة الظاهرة والتجأوا إلى المشيئة الخفية .

وقد تقدم القول في الوعدوالوعيد في أن كل واحد منهما مخصوص في ذاته بفنون المشيئة ، والوعيد مخصوص بالسلامةمن الموبقات ، وإما إذا كانت فلا .
قال عبد الوهاب : ( فإن قال الأشعري : جميعما استدللتم به فهو منتقض ، وما استدللتم به من العمومات فنعارضها بمثلها ، إذاسلمنا القول بالعموم ،كيف والقول بالعموم عندنا باطل ؟ إن العموم لا صيغة له عندنا، وقد قال الله – عز وجل - : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء ) وهذا نص في موضع النزاع ) .

الجواب :

فجواب الأشعري : إن كل ما ادعيتم بمنتقض وأما معارضة العمومات بمثلها فلنيخفى على أحد قالوا ، ولن تنفعهم ولن تضرنا .

والأصل الذي اجتمعت عليه الأمةأن نجعل عام لكل عام ونقيضه نصيبا ، وأما إثباتها أو بطلانها فمحال ، فإن كان القولبالعموم باطلا ، فما حصل في يده شيء إلا الباطل ، وإن مال إلى الخصوص قابله خصوصمثله ، فالتوبة تحبط الشرك وجميع المعاصي ، وكذلك قوله : ( فمنيعمل مثقال ذرة خيرا يره) وقوله : ( ومن يعمل مثقال ذرةشرا يره) .

فإن قال قائل : هذا لمن تاب . وقلنا هذا لمن أصر . فإنادعى المشيئة في الذنوب ادعينا التوبة فيها
.

وقوله : ( خروج عن الظاهر بلادليل خطأ ، وتعليق التوبة بالآية لم يوجد لا ظاهرا ولا مضمرا ) .

قلنا : بلوجدت ظاهرا ومضمرا . أما الظاهر فقوله تعالى : ( وإني لغفار لمنتاب) الآية .

والمضمر : أن التوبة حتم في إزاحة المعاصي وبطلانالعقاب عن العاصي ، ولا توبة ولا رجوع يدل على إباحتها ، وليس لمغفرة المعاصيبالمشيئة لا بالتوبة طائل أشبه شيء بالإباحة .






وأما قوله : ( قبول التوبة حتم ) . فينتقض عليه بقوله : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات ) إلى قوله : ( الآن ) . ولو شاء لم يجعل للتوبة مخرجا وقال : من عصاني فلا أقبل له توبة . وكان جائزا .

وقال عبد الوهاب : ( فإن قال قائل في قوله : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا) لفظة ( من ) من أدوات الشرط ، فوجب أن تقول لجميع المجازين . قيل : هذا لا يسلم لهم ، لأن لفظة ( من ) وإن وردت مورد الشرط فلا تكون مستغرقة لجميع ما وردت فيه ، لأن الشاعر قال :

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم= ومن لا يظلم الناس يظلم

وليس كل من لا يظلم الناس يظلم ، وهذا موجود كثير )

الجواب :

قوله : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) أن لفظة ( من ) غير مستغرقة للجنس واستدل بقول الشاعر ، أما هذه فله فيها أعظم الحجة ، لأن هذا الشاعر أصدق القائلين مثل رب العالمين ، تعالى الله عما يتوهم الجاهلون ، وقد استدل بقول من يجوز عليه الكذب ، وما استدل بقول أصدق القائلين ، قول الله – عز وجل - : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) يدخلها المشركين ، ليس كل مشرك تحرم عليه الجنة ( * ) .

وإنما يؤخذ عن العرب من أقوالها صور الأسماء ، وتصاريف الأفعال ، وصيغ الحروف ، بشرط أن يجيء على مفهوم كلام العرب ، وأما ما وراء ذلك من الأخبار ، فخبرهم غير مقبول ، وخروجهم عن المعقول فذلك غير مجهول ، ولا يناظرهم بهم الصادق الأزلي الحكيم العلي .

وكذلك قوله : (
ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا نكفر عنه سيئاته ) ، وفي أمثالها .

قال عبد الوهاب : ( سؤال ثان في اختلافهم في رؤية الباري سبحانه في المعاد : ذهبت الأشعرية إلى أن الله تعالى مرئي في الآخرة بدليل الوجود ، وأن كل شيء موجود جائز أن يرى ، فلا يمنع ذلك مانع ، إذا كان ذلك ليس يرى بجنسه ولا في مكان ولا حد ولا صورة ولا شكل ، لأن الله تعالى لا يوصف بالأماكن ولا الحدود ولا المقابلة ، ولا تجوز عليه المعاينة التي هي من جنس المقابلة ، إذ لا تقابله الأجسام ، تعالى عن ذلك ) .

الجواب :

قوله : ( إن الله تعالى مرئي لأنه موجود ، وأن كل موجود مرئي ) فهذا ينتقض عليهم بسائر الأعراض أنها غير مرئية على أنها موجودة ، ولاسيما من لا يوصف باللون ، فإن الأبصار لا ترى إلا الملونات .

وقول الأشعري : ( إنه مرئي في الآخرة ، بدليل الوجود ) وكذلك مرئي في الدنيا بدليل الوجود ولا

يقولونه ، وأخرى : أن هذه الدعوى تنتقض عليهم باللمس ، ولو أدعى أنهم يلمسون إلههم ويذوقونه ويطعمونه ويشمونه ويصافحونه بدليل الوجود لكان أشبه ، تعالى الله عن ذلك .

واعلم أن الوجود ليس بصفة ، ولا يقتضي حكما ، ولا يوجب علة ، إنما هو إثبات ، فلو استدل مستدل على أن كل المتضادات بأي صفة أراد ، واعتل بالوجود لصح له اعتلاله .



رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 8 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



وأما قوله : ( ولا يمنع من ذلك مانع ) . فإن أول مانع عقله ، إن أنصف نفسه ، ومن وافقه على ذلك ، حتى يجعله حجة بينه وبين خصمه .

ثم عقب فقال : ( ولا يمنع من ذلك مانع ، إذا كان
ليس يرى بجنسه ولا في مكان ولا حد ولا صورة ولا شكل ، لأن الله تعالى لا يوصف بالأماكن ولا الحدود ولا المقابلة ، ولا تجوز عليه المعاينة التي هي جنس المقابلة ، إذ لا تقابله الأجسام تعالى عن ذلك ) .

فإن كان هذا من كلام الأشعري فقد
أبطل الرؤية بهذه المعاني التي نفاها عن الرب سبحانه ، إذ لا تثبت الرؤية إلا مع هذه المعاني .
وإن كان من كلام خصمه ، فبذلك أبطل عن الإله الرؤية ، إذ لا يوصف
بشيء من هذه الصفات التي نفاها عن الله سبحانه وتعالى .

وقال عبد الوهاب
: ( فإن قيل ما استدللتم به من أن كل موجود يصح أن يرى منتقض بالادراكات لأنها موجودة ولا تصح رؤيتها فبطل ما قلتموه ) .

قيل له : قال الأشعري : ( جائز أن يرى
إدراكنا بإدراك يخلق لنا في غير محل ، فندرك إدراكنا به ) .

الجواب
:

وقوله : إنا نرى الإدراك الأول بإدراك آخر في غير محل ، فما بال الإدراك
الثاني في غير محل دون الأول يلزمه في الأول ، والثاني أن يخلق إدراكا ثالثا في غير محل ، وللثالث رابعا وللرابع خامسا ، إلى ما لا منتهى له ولا غاية .



--------------------------------------------
( * ) أسلوب تهكم من المؤلف – رحمه الله تعالى – على من
يستدل بالشعر المتناقض مع كلام رب العالمين ، وهذا في ظاهر كلام الشاعر الذي حملوه عليه في الاستدلال بمن مع أن في كلام الشاعر تجوز . ( مراجع ط 2 )












قال عبد الوهاب : ( فإن قيل ما استدللتم به في إثبات الرؤية ، فهو نفي الرؤية ، لأنا لم نجد شيئا مرئيا إلا في إحدى الجهات الست ، ولا يخلو أن يكون جنسا ، أو في مكان أو مقابلة ، لأنا لم نجد مرئيا إلا على هذه ، وقد قام الدليل على نفي هذه الجهات والأماكن عن الله تعالى ، إذ لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، لأن هذه كلها مخلوقات ، ولن تصح لكم رؤية ) .

الجواب
:

اعلم أن جميع ما حكاه عنا في
هذا فصحيح بدليل حقيق .
قال عبد الوهاب : ( قيل له جائز أن يخلق الله لنا إدراكا
في الآخرة ، غير هذا الإدراك الحال في أعيننا ، فندركه بالإدراك المخلوق فينا ، وليس من شروط هذا الإدراك أن يكون حالا في العينين ، وجائز أن يكون في القلب ، وفي غيره من أعضاء بني آدم ، فندركه تحقيقا من غير حد ولا كيفية ) .

الجواب
:

اعلم أنه إن صح ما قال ، فقد أبطل الرؤية وأثبت معنى العلم الحال في القلب
، أو فيما أراد من الأعضاء .

فإن أبطل الحد واللون والجهة والمعاينة
والمقابلة ، سوغنا ( 1) له غلطة في لفظ الرؤية .

قال عبد الوهاب : ( فإن قيل
: ما الدليل على جواز رؤيته في القرآن ؟ قيل له : قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) . والنظر في كلام العرب إذا قرن بالوجه ، ولم يضف الوجه الذي قرن بذكره إلى قبيلة ولا عشيرة ، وعدى بحرف الجر ، ولم يعد إلى مفعولين ، فالمراد فيه النظر بالبصر ) .

الجواب
:

أنه
أغفل وجها آخر وهو الجسد كله ، لأن الوجه الذي هو أفضل الجسم خاطبوا به ، وإن أرادوا به البدن كله ، ولا يريدون به النظر ولا البصر ، كما يقول بعضهم : فعلت هذا لوجهك يريد به لك ، قال الله تعالى : ( وجوه يومئذ باسرة ) الآية يريد البدن كله ، وفعلت هذا لوجه الله يريد الله ، فلم يقصره على النظر ، جاء وجه القوم ، وهذا وجه الناس ، للرجل كله .

قال عبد الوهاب : ( فإن قيل
: أفليس قد تمدح الله تعالى بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) كما تمدح بقوله : ( بديع السموات ) فكيف يجوز أن تردوا عنه مدحته ؟

قيل له : إنما تمدح بقوله
: ( وهو يدرك الأبصار ) ولم يمتدح باستحالة إدراكه الأبصار ، لأن الطعوم والروائح وأكثر الأعراض ، لا يجوز عندكم أن ترى بالأبصار ، وليست ممدوحة بذلك ) .

الجواب
:

قيل
له : إن الله لم يتمدح بقوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، لأن الأعمدة والحيطان والنحل والشجر ولا تأخذها سنة ولا نوم ، كما لم يمتدح بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) (2 ) .

قال عبد الوهاب
: ( فإن قيل : قوله : ( لا تدركه الأبصار ) نفي عام كما قال تعالى : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فلا فرق بين الآيتين لاشتراكهما في عموم النفي .

قيل له : لا يصح الجمع بين الآيتين ولا بينهما
مناسبة ، لأن الآية التي جاءت ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) . أجمع المسلمون قاطبة أنه لا يجوز على الله السنة ولا النوم ، لأنهما صفة نقص لا تجوز على الله سبحانه ، لأنه مستحيل ذلك عليه .
والرؤية مما اختلف فيه الناس ،
لا يحتج بالإجماع في موضع الخلاف .

والحجة في إثبات الرؤية قوله تعالى
: ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ، وجاء مقيدا بالآخرة والآية التي وردت وهو قوله : ( لا تدركه الأبصار ) ورد مطلقا فيرد المطلق إلى المقيد لأنه من جنسه ) .

الجواب
:

وفي قوله
في التفرقة بين الآيتين ( ولا فرق ) وبينهما أعظم المناسبة في اجتماعهما في النفي .




-------------------------------------------
( 1 ) ساغ في اللغة بمعنى جاز ، والمقصود هنا بينا له
جواز غلطه . ( مراجع الطبعة الثانية ) .
( 2 ) جواب تهكمي . ( مراجع الطبعة
الثانية ) .
وقوله : ( أجمع المسلمون قاطبة أن النوم والسنة لا يجوزان على الله تعالى ) .
قلنا كذلك أجمع المسلمون أن الأبصار لا تدركه ، لأنه صفة نقص
.

فإن
اختلف الناس في هذه فقد اختلف معه الدهرية في تلك وعلته أنها صفة نقص وعلتنا إنها صفة عجز.

وقوله
: ( إلى ربها ناظرة ) جاء مقيدا بالآخرة فلا يرد المطلق في هذه إلى المقيد ، لأن قوله في الدنيا ، وحكم تلك في الآخرة ، فاختلفنا ، فلا يرد مطلق إلى مقيد اختلفت بهما الدار ولو كان من جنسه .

قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : ما معنى قوله
: ( لن تراني ) ، وهذا شرط نفي نفي الرؤية في الحال والاستقبال . وقوله : ( تبت إليك ) ، هل تاب إلا من مسألة الرؤية ؟ وقوله : ( أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ) ، فهذا كله دليل على نفي الرؤية . وقوله : ( فخر موسى صعقا ) .

قيل له : أما قولكم
( لن تراني ) ، شرط في نفي الرؤية ، فغير مسلم لكم لأن ( لن تراني ) إنما كان جوابا لسؤله في الحال لا في الاستقبال ، ولو كانت الرؤية مستحيلة عليه لما سأله موسى وهو نبي الله وأمينة ومن جعله واسطة بينه وبين خلقه ومتحملا لرسالته، أن يسأله المستحيل )

الجواب
:

أن جميع ما اعتل به في قوله
( لن تراني ) وقوله ( تبت إليك ) وقوله ( أرنا الله جهرة ) وقوله ( فخر موسى صعقا ) فجميع ما استدل به في هذه الآيات صحيح قطعا .
وقوله : ( إنما كان سؤاله
للحال لا الاستقبال ) فغير مسلم .

وقوله لو كانت الرؤية مستحيلة لما سأله
موسى ، فليس كل المستحيل يعلمه موسى ، وكقوله لنوح عليه السلام : ( ولا تسألني ما ليس لك به علم ) وكان نوح لا يدري أن المشرك محال دخوله الجنة .

وقوله ( لن تراني ) اعلم أنه حرف إياس لا مطمع فيه ، وربما
يرى الأشعري ربه في الآخرة ولا يراه موسى في الآخرة ، ولو جاز عليه أن يرى لقال ( لا تراني ) فقد أيأس موسى من رؤيته ، إلا إن طمع هو في الاستقبال أن يرى ربه ، ولن يراه موسى ، ولن من حروف اليأس لموسى وغيره .

وقوله
( تبت إليك ) ولم يقل الله : إنه تاب من مسألة الرؤية ، فمن اعتقد في موسى أحد المعنيين ، أما أن يثبته أحمق يعاقب على شيء ويتوب من غيره ، أو من تركه ، أو أن يكون موسى منافقا ، يعاقبه ربه على شيء ، ويظهر له التوبة في خلافه ، فأي المعنيين أراد فليذهب إليه السامع .

وقوله
: ( ربما خطرت له ذنوبه فتاب منها وأغفل هذا ) غير مستحيل عن غير عاقل .

وقوله
: ( أرنا الله جهرة ) قال : ( لن تأخذهم الصاعقة لاستحالة الرؤية ) .

قلنا كذلك ، لكن لسؤالهم الرؤية وهو
فعلهم ، واستحالة الرؤية فعل الله – عز وجل - .
وقوله : ( علقوا إيمانهم برؤيتهم
إياه فبذلك أخذهم ) . لا أدري ما أراد .

قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : أراد
الله بالنظر الذي في الآية الانتظار كما قال الله – عز وجل – ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) أي ينتظرون ، وقال الله – عز وجل – ( انظرونا نقتبس من نوركم ) وهذا كله بمعنى الانتظار .

قيل
له : لا يصح ما ذكرته ، لأن النظر في لغة العرب يتصرف على أربعة أوجه لا خامس لها .

أحدها : أن يكون النظر بمعنى التعطف والرحمة – قال الله تعالى
: ( ولا ينظر إليهم يوم القيامة )ولم يرد أنه لا يراهم ، لأن رؤيته تعالى محيطة بهم وبغيرهم ، وإنما هو نظر تعطف ورحمة .

والثاني : أن يكون
النظر بمعنى الاعتبار كما قال تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف ) الآية .

الثالث : بمعنى الانتظار كما قال الله – عز وجل
- : ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) أي ما ينتظرون ، وقوله : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) .

الوجه الرابع : هو
النظر المعروف بالعين ، فلا يجوز أن يكون قوله – عز وجل – ( إلى ربها ناظرة ) بمعنى الاعتبار ، لأن الآخرة ليست بدار اعتبار ولا تكليف ، ولا بمعنى الانتظار ، لأن الانتظار إنما هو في القلب ، فإذا قرن النظر بذكر الوجه ، لم يجز أن يراد به القلب ، كما أنه إذا أريد به نظر القلب ، لم يجز أن يكون مقرونا بذكر الوجه .

وأيضا فإن نظرته بمعنى انتظرته فعل متعد بنفسه لا بحرف الجر ،
والذي ذكره من وجوه النظر صحيح) .

الجواب
:
اعلم أن الوجوه التي ذكرت في
النظر صحيحة ، والذي أراد الله في هذا الانتظار ، والوجوه أراد بها الأبدان ، لاستحالة النظر إلى ذات الباري سبحانه إلا بإيجاب تشبهه بخلقه ، تعالى عن ذلك .

وقوله : ( نظرته بمعنى انتظرته فعل متعد بنفسه لا بحرف ) . فإن خاطبت به
ثلاثيا استغنى عن التعدي وانقطع العتاب .



قال الفقيه عبد الوهاب : ( مسألة أخرى في القرآن ) .

( ومما اختلفوا فيه
اختلافا كثيرا في القرآن هل هو مخلوق ، أو غير مخلوق ؟ فذهبت الأشعرية إلى أن القرآن غير مخلوق ، إذ كل مخلوق لا يخلو أن يكون جسما أو عرضا أو جوهرا عند من يثبت الجوهر ، ولو كان القرآن جسما لكان قائما بنفسه ، ومحتملا للصفات ، وجاز عليه الكلام ، فكان يجيء من هذا كون القرآن متكلما بالقرآن ، وكذلك نقول في القرآن : الثاني والثالث ، إلى غير نهاية .

والذي يدل عليه أنه ليس بعرض ما أقمناه من
الدليل ، على أن العرض ومن حله العرض محدثان ، والله تعالى لا يصح كونه محدثا .

فإن قيل : هو عرض فعله الله في غيره ، وذلك لا يؤدي إلى حدثه تعالى
.

قيل له : فينبغي أن يكون ذلك الغير المفعول فيه العرض هو المتكلم بالقرآن
، وهذا أيضا دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عرض ، ولا يصح أن يكون المتكلم من فعل الكلام ، لأنه لا يخلو فعله في نفسه أو في غيره أو لا في مكان ، فمحال أن يفعله في نفسه ، لأن ذلك يؤدي إلى كونه ذاته محلا للحوادث .

وكذلك إن فعله في غيره
، كان ذلك الغير متكلما به ، وإن فعله لا في مكان استحال ذلك ، لأجل أن الصفات لا يصح فعلها لا في مكان ، لأن ذلك يؤدي إلى قيامها بأنفسها ) .

الجواب
:

قوله ( لا يخلو أن يكون جسما أو عرضا أو جوهرا ، ولو كان جسما لكان قائما
بنفسه ومتحملا للصفات ) فصحيح .

وأما قوله : ( وجاز عليه الكلام ) ، فدعوى
ليس تحتها برهان ، فليس كل جسم يتكلم ويحكم ، فكان يجيء من هذا كون القرآن متكلما بقرآن آخر وكذلك نقول في القرآن الثاني والثالث إلى غير نهاية ، ويلزمه في جميع خلق الله مثل هذا ، ولو كانت الأرض جسما ، لكانت قائمة بنفسها ومحتملة للصفات ، وجاز عليها الكلام ، فيجيء من هذا كون الأرض متكلمة بكلام ، وللكلام كلام إلى غير نهاية .

وقوله : ( والذي يدل على أنه ليس بعرض ما أقمناه من الدليل ، أن العرض ومن
حله العرض محدثان ، والله لا يصح كونه محدثا ) . فدلنا نحن أيضا على حدوثه أن العرض ومن حله محدثان فعلمناه أنه محدث ، إذ هو عرض واحد في الجسم .

وقوله
: ( والله تعالى لا يصح كونه محدثا ) . فعلى قوله : إن القرآن هو الله . فلذلك لا يصح كونه محدثا .

قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : هو عرض فعله الله تعالى في غيره
، وذلك لا يؤدي إلى حدوثه تعالى.

قيل له : فينبغي أن يكون ذلك الغير المفعول
فيه العرض هو المتكلم بالقرآن ، وهذا يدل على بطلان قول من ذهب أنه عرض ، ولا يصح أن يكون المتكلم من فعل الكلام ، لأنه لا يخلو فعله في نفسه ، أو في غيره ، أولا في مكان ، فمحال أن يفعله في نفسه ، لأن ذلك يؤدي إلى كون ذاته متكلما به .

وإن
فعله لا في مكان استحال ذلك ، لأجل أن الصفات لا يصح فعلها لا في مكان ، لأن ذلك يؤدي إلى قيامها بنفسها ) .

الجواب
:

وقوله : ( عرض فعله تعالى في
غيره وذلك لا يؤدي إلى حدوثه تعالى ) صدق .

( قيل له : فينبغي أن يكون الغير
المفعول فيه العرض هو المتكلم بالقرآن ) فهذا الذي قال غير مسلم ، ونحن نقول : إن الله تعالى جعل من تصفيق حجرين كلاما ، أو من صدى جبل كلاما ، أنه ليس بكلام الجبل، إلا إذا كان في الجبل حياة أو في الأحجار ، فعند ذلك ينسب إليهما الكلام .

كما أنا نقول : إن القرآن يكتب في المصحف وفي الألواح ، وربما يخلقه الله
تعالى فيه خلقا ، ولا يؤدي أن يكون المصحف أو اللوح متكلما ، وليس فيما قال دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عرض ، ولا يصح أن يكون المتكلم من خلق الكلام ، بل من فعله هو المتكلم دون من خلقه ، ألا ترى إلى الرباب والعود ، كيف يقع منهما الكلام ، والله خلقه فيه ، ولا يكون الله تعالى متكلما به .

وقد قلنا : إن الله فعل
الكلام في غيره ، وهو كلام الله لا في نفسه كما قال بل في مكان ، وربما فعله في غيره ولو تكلم به غيره ، وكانت الطاقة هي المتكلم ، وليست الطاقة هي المتكلمة .

وقال عبد الوهاب : ( فإن قيل : لو كان قديما غير مخلوق والله قديم لكان
قديمين ، وإذا كانا قديمين كانا مثالين ، لأن الاشتراك في أخص الصفات يوجب الاشتراك فيما عداه ) .

الجواب يقال لهم : وكذلك من قال : كانت الحياة في الإنسان ،
والله تعالى حي ، يوجب الاشتراك ، ولا نقول : إن القرآن قديم ، بل عرض محدث وإنما يجب ما قاله على من قال : إن القرآن غير مخلوق .

وأما من قال : مخلوق ، فهو
بعيد عن الاشتراك في القدم أو في غيره .

وقال عبد الوهاب : ( وذلك أن الكلام
هو الأصوات المقطعة والحروف المنظومة ، وأنه لا يوجب الكلام سوى هذا ، ولا يعقل ) .
قالوا : وإذا كان الكلام أصواتا مقطعة وحروفا منظومة ، لم يصح أن يفعله الله
تعالى إلا في غيره ، فثبت أنه محدث مخلوق ، بدليل من حلف على أن الله تعالى خالق لكل شيء غير حانث ، وهذا إجماع .

وأجمعوا أيضا على أن كل موجود لابد أن يكون
خالقا أو مخلوقا ، والمخالف يقول إن القرآن موجود وشيء ، ويقول إنه ليس بمخلوق ولا خالق ، ومع هذا إنه شيء .

ومن زعم أنه ليس بشيء ، فقد كذب الله بقوله : ( إن
يقولوا ما أنزل الله على بشر من شيء ، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) .

وأيضا وجدنا القرآن يتضمن الأمر والنهي والإخبار والإستخبار ، والوعد
والوعيد ، وقصص الأولين والأمثال ، وهذه كلها حقائق مختلفة ومتغايرة .

فكيف
يصح أن تكون قديمة قائمة بذات الباري سبحانه ، وهي متخالفة ومتغايرة ، وهذه كلها سنة الحدوث .

وأيضا فإنا وجدنا في القرآن الأنبياء وغيرهم وهي محدثات ، وقد
قال تعالى : ( فاخلع نعليك ) وهذا خطاب لموسى في إجماع المسلمين وموسى معدوم إذاك ، فكيف يصح الأمر والخطاب وليس ثم مخاطب ولا مأمور .

وقال تعالى
: ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) ، فأثبت النزول .

وقال تعالى
: ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) .

وقال
: ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) .

وقال
: ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) وهذا كله صفة المخلوق . وهذا الذي تقدم كله حجتنا .

قال عبد الوهاب : ( قيل له
: أما استدلالك على أن القرآن كان قديما ، والله قديم ، كانا مثلين لا يصح ، لأن حد المثلين ما سد مسد الآخر فناب منابة ، ولا يصح أن يكون الاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك فيما عداه ، لأن الله تعالى حي وعالم وقادر ، وقد قام الدليل على أن هذه الصفات موجودة في الخالق والمخلوق ، ولا يصح أن يكون المخلوق مثل الخالق لاشتراكهما في هذه الصفة ) .

الجواب
:

فهذه الأمور التي ذكرها كلها لنا علينا ،
وصدق فيما حكاه ( 1 ) .

وقال عبد الوهاب : ( وأما استدلالهم أن في القرآن
الأمر والنهي وغير ذلك مختلفة متغايرة ، فلا يصح أن تقوم بذات الباري سبحانه فصحيح، لأن كلام الله تعالى الذي هو قائم بذاته ، فهو كلام نفس لا يصح فيه التغاير لأنه كلام واحد لا يتغير في نفسه ولا ينقطع ولا يتجزأ ، والأمر والنهي فيه واحد . فإذا أراد يفهم المخلوق كلامه خلق في فهمه الأمر والنهي وتغير في نفس المخلوق لا الخالق ) .

الجواب
:

وهذا الذي ذكر في كلام الله سبحانه واحد وهو قائم
بذاته وهو كلام نفس ، إلى ما ذكر في أن تغير الأمر والنهي فيه إنما يتغير في نفس المخلوق لا الخالق .

وكذلك الخلق والرزق من صفاته هما واحد إنما يتغيران في
المخلوق .

وكذلك العقاب والثواب هما غير مخلوقين ، إلا إذا صارا في المخلوق
، وأما في صفة الخالق فهما واحد .

وكذلك إذا أراد أن يعذب مخلوقا أو يثنيه
خلق في جسده العذاب والثواب ، في مثل هذه التخاليط التي لا يعقلها عاقل ولا تنفهم لجاهل .

وقال عبد الوهاب : ( وأما استدلالهم بأن أمر المعدوم لا يصح فهو
محال إذا كان ، فصح أمر المعدوم.
فانظر – وفقك الله وأغناك – على ما قلدك وهذه
المسائل في كلام الأشعرية وغيرهم وما احتج به كل فريق على صاحبه وجاوبني على كل مسألة وما احتج كل فريق على صاحبه ، لأن الأمر أشكل علي) .


الجواب
:

وقوله : ( إن المعدوم يصح أن يؤمر بالأمر القديم على صفة الاقتصاء ) ، ولو
استدلوا على هذه أن محمدا أرسل إلينا وأمرنا وبلغنا على الاقتصاء لكان أشبه منهم بأمر الله تعالى وبإرساله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فهذا الذي قالوا أبي منه العقل لأنه هيولى لا تنفهم للعقل .

وإذا أضافوا إلى الباري سبحانه جميع
أفعاله ، وجعلوها صفاته في ذاته ، وإذا ردوها إلى المخلوق ذهبوا فيها مذاهبهم في المخلوقين ، فيحتاجون أن يجروا على أصلهم في الحياة والموت والوجود والعدم والحركة والسكون ، فمن جهة الله صار صفة ، ومن جهة الخلق كان حياة وموتا .

وقال عبد
الوهاب : ( فالله تعالى ينور قلوبنا ، ويشرح صدورنا للإسلام ، وفي علمك – أيدك الله – أن اختلاف المتكلمين في الأصول لا يصح أن يكون الحق في كليهما ، بل الحق في واحد، فالمطلوب منك هذا الواحد – لا عدمتك – ونرغب من سيدي الابتهال في الدعاء : أن يحسن الله خلاصي ، ويطلق سراحي من بلاد السودان ، وأن ينشطني لقراءة العلم وفهمه ، ويرزقني منه حظا وافرا ، وأن يعصمني من المعاصي ، ولا يسلط علي ظالما يبغيني بسوء ، فلك الفضل في الدعاء ، والرغبة إلى كل من عندكم هناك من العزابة أن تستوهب منهم لي الدعاء ن فإني ضلالة إلا أن ينقذني الله منها .

وكتبه وليك في الله عبد
الوهاب بن محمد بن غالب بن نمير الأنصاري . والله أعلم .





نجز الجزء الأول بحمد الله وحسن عونه ، والسلام على
نبينا محمد وآله وسلم

* * *

يتلوه الجزء الثاني إن
أمد الله في الأجل
وأعان على المقصود ويسر
العمل


-------------------------------------------
(1 ) أي أن صفة الحياة والعلم والقدرة واضح الفرق فيها بين الذات
العلية وبين المخلوقين ، أما صفة ( غير المخلوقية ) إذا أضيفت إلى غير الله فماذا يفهم منها ؟ لا يفهم منها إلا قدم غير الله تعالى وبالتالي الاشتراك في خاصية مع الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولعل هذا مراد الشيخ – رحمه الله – في الجواب ( مراجع الطبعة الثانية ) .


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاول , الجليل , الجزء , والبرهان


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب : الفتاوى كتاب الصلاة ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي عابر الفيافي نور الفتاوى الإسلامية 8 10-26-2011 09:29 PM
كيف تحول جسمك الى ماكينة لحرق الدهون جنون نور الصحة والعناية 0 01-02-2011 04:43 PM
تشكيلة فريدة من الأدوات في مكتبة المصمم المحترف عابر الفيافي الفوتوشوب وملحقاته 2 01-02-2011 03:48 PM


الساعة الآن 04:16 PM.