البديل الإباضي وفن الممكن - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   الاتصالات والمجموعات   التقويم   مشاركات اليوم   البحث
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



المكتبة الإسلامية الشاملة [كتب] [فلاشات] [الدفاع عن الحق] [مقالات] [منشورات]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  البديل الإباضي وفن الممكن
كُتبَ بتاريخ: [ 01-12-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع



الدكتور / علي القريشي..... كاتب عراقي

وأستاذ مشارك في كلية التربية بصحار

موقع واحة الإيمان
info@waleman.com


دراسة تحليلية لنظام العزابة في وادي ميزاب بالجزائر


إصدار / مكتبة الجيل الواعد.

الطبعة 1425هـ - 2004م.












المقدمة:

واديميزاب الذي تمثل ولاية غرداية مركزه في التنظيم الإداري للجزائر المعاصرة يتميزبطابعه التراثي وتجربته الاجتماعية التي يقودها نظام أهلي يطلق عليه اسم (العزابة) ،تعود نشأته في بعض مدن المغرب العربي إلى قرون خلت ولم يستمر بقاؤه إلا في الواديالمذكور .

وحيث أن هذا النظام وليد المدرسة الإسلامية الإباضية فإن دراستهستكون ولا شك وثيقة الصلة بالفكر الذي تعبر عنه هذه المدرسة ، وبالظروف التي واجهتأتباعها في ظل مختلف المراحل.

إن نظام العزابة على الرغم من كونه يعتمد علىالتطبيق العملي المستند إلى الشرعية الدينية والتوافق الشعبي وإسهام المنظماتالأهلية إلا أنه لم يباشر ممارساته في ظل الواقع الراهن إلا وفقا لقاعدة ( ما لميدرك جله لا يترك كله ) الأمر الذي جعل من منهجيته تقوم على المبادرات السلميةوتبتعد عن رفض فكرة تأجيل أكثر المشاريع إلى مرحلة التمكن كما هو الأمر المتبع عندبعض الاتجاهات الإسلامية الأخرى.

وإذا كان منهج العزابة يصنف ضمت الاتجاهاتالإصلاحية أي أن طابعه العملي ومبادراته الميدانية المتنوعة التي تتميز بالأصالةوالفعالية وروح الاستمرار يكسب جملة من المزايا الحركية في مقدمتها تكوينه لمجتمعملتزم ومتكافل وبناء على غير صعيد وعلى حو نفتقر إلى مثله كثير من الحركاتالتغييرية المعاصرة ، لهذا فإن دراسة مقومات هذه التجربة وتأمل مفرداتها الإبداعيةوالعكوف على مجمل ما قدمه الإباضية من طروحات على مدى تاريخهم القديم والحديث بعيداعن الأفكار الاقصائية التي رسخها كتاب افرق في تراثنا الإسلامي لكفيل بإثراء مدرسةالتغيير وإعادة البناء في واقعنا الراهن ، فضلا عما يمكن أن يتأتى من ذلك تنشيطلفكرة الاعتماد المتبادل التي نقترحها كأحد مداخل التفاهم والتقريب بين الأطرافالإسلامية .

لقد اقتضى مني هذا البث أن أبدأ بالحاضرة التي تحتضن نظامالعزابة على صعيد بنيانها المعماري ونمطها الاجتماعي الخاص لأنتقل إلى أبرز مقوماتهذا النظام وأعم أبعاده التنظيمية والتربوية والاجتماعية ثم أختم ببعض الملاحظاتالتقويمية التي لا بد منها عند تناول أية تجربة إنسانية حتى وهي تستلهم الإسلاممنهجا وتطبيقا .

وإذا كان هذا البحث المتواضع قد بدأت به إثناء إقامتي فيالجزائر قبل أكثر من عقد من الزمان وعالجته عبر الاقتراب من مصادره المباشرة وبيئتهالميدانية على نحو يمنح بعض الطمأنينة على صعيد الوفاء بشرط الموضوعية إلا أنه معذلك يظل مجرد محاولة أولية تحتاج إلى التدقيق والمزيد من التوسع والتعميق .
وادي ميزاب : التأريخ والحاضرة

في الجنوب منالعاصمة الجزائرية وفي صدر الصحراء الكبرى تتسلق بهدوء مجموعة من المدن الصغيرة علىأكتاف عدد من الربوات الصخرية تأخذ أسماء هي : " العطف"، و " مليكة " و " وبنييزقن" ،و " بنورة" و" بريان" و" القرارة" و" غرداية" ، انضوت جميعا تحت مظلةالأخيرة أكبرهن ومركزهن في التنظيم الإداري الحديث.

على الرغم من المناخالحار الجاف لوادي ميزاب لا ينقطع عنه السواح ساعة ، حيث يأتونه من مختلف أنحاءالعالم نظرا لما يتمتع به من قيمة أثرية وطابع تراثي وخصوصية اجتماعية حيث تجعلهمنارة تجذب عشاق الثقافة والتاريخ والصحراء .

وإذا كان بعض الباحثين مثلبوتي " pauty " ولينسر "lassner " يقسمون المدن الإسلامية إلى مدن "ذاتية" تنمووتتطور في فترات تاريخية طويلة نتيجة للعديد من الظروف والعوامل ، ومدن " مخلوقة " يتم إنشاؤها ابتداء بأمر الأمير أو الدولة (1) إن وادي ميزاب من النوع الأول ، إذبعد أن كان مرتعا للماشية ، وسوقا يرتاده البدو كانت فلول الإباضيين الذين هجرواأماكنهم إثر سقوط الدولة الرستمية في" تياهرت" عام 296هـ على يد العبيديين تتوجهنحو المكان فوجا فوجا ، ولم يحل عام 402هـ حتى تأسست مدينة " العطف " وابتداء منالقرن الخامس الهجري أخذت تستقبل المنطقة مهاجرين بربر وعرب يفدون إليها من مختلفبلدان المغرب: الجزائر " ورقلة وسدراته" وتونس " جزيرة جربة" وليبيا " جبل نفوسة "والمغرب " الساقية الحمراء وتغيلات " وكان يجمع هؤلاء الناس الشعور الموحدبالمعتقد وتحدو بهم مشاعر الاغتراب والبحث عن حقهم في الحياة وإن كان في واد غير ذيزرع أو بعيد عن العمران .

تتشكل شبكة ميزاب من هضبات صخرية جرداء تتخللهاأودية تجتاحها السهول ولكن بصبر وأناة تحولت المنطقة إلى واحات تمددت فيما بعدلتحتضن الآلاف من شجر النخيل وغيرها من الأشجار والنباتات الأخرى ، وليصبح الواديبلدا عامرا بالناس والزراعة والتجارة والصناعة والسياحة وأن يكون أحد أهم المعاقلالمنيعة للثقافة العربية والإسلامية .





hgf]dg hgYfhqd ,tk hgll;k hgjodg hgYfhqd





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-12-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



الإباضية والوادي

يمثل المذهب الإباضيالقاعدة التفسيرية لشخصية وادي ميزاب سواء من حيث النشأة أو القسمات أو النظام أوفيما يتسم به خصوصية واستمرار ، لهذا لا بد من إلقاء نظرة سريعة على هذا المذهب .

ينسب المذهب الإباضي السائد في وادي ميزاب إلى أبي الشعثاء جابر بن زيدالأزدي العماني الأصل والبصري النشأة والمتوفى في العام 97هـ ، لكن الإباضية عرفواباسم أحد رجال المذهب المشهورين ويدعى عبد الله بن إباض التميمي الذي عاش في زمنعبد الملك بن مروان.

وإذا كان الإباضيون ينسبون إلى "الخوارج " فإن إباضيةاليوم ينفون عن أنفسهم هذه النسبة " التهمة " ويردون بأنهم أتباع أحد المذاهبالإسلامية المعتدلة التي ترفض المقولات الخارجية المتطرفة كمقولة التكفير ونحوها(2) .

وعلى الرغم من أن حادثة التحكيم التي جرت بين الخليفة علي بن أبي طالبووالي الشام معاوية بن أبي سفيان لا تعدوا أن تكون أكثر من واقعة تاريخية يتموضعالرأي فيها ضمن حقل المتغيرات التي تقبل في طبيعتها التداول والتغاير ، نجد المذهبالإباضي يتأسس انطلاقا من تقويم معارض لقبول التحكيم كان قد صاغه عبد الله بن وهبالراسبي الذي قتل في معركة النهروان والذي أضحى موقفه بمثابة الإطار العام لما عرففيما بعد بالإباضية.

ومع ذلك يجب أن نوضح بأن الإباضيين ما فتئوا يؤكدوناعتزالهم فكر الفرق المتطرفة كالأزارقة وأمثالهم ، بل أن ألمع كتابهم المحدثينوأعني به علي يحيى معمر " 1915-1979م" حاول تفنيد مقولة أن الإباضية يكفرون عليا ،وأورد عن الشيخ " بن تعاريت" الجربي " الإباضي " في متابه " المسلك المحمود فيمعرفة الردود" على هذا الإدعاء ما نصه " كيف يجوز لمن يؤمن بالحي الذي لا ينام أنيكفر صهر نبيه عليه السلام الذي لم يسجد قط للأصنام " ثم يشير إلى ما أشار إليه منآيات وأحاديث وردت في حق علي وأهل بيته الكرام الدالة " كما يقول الجربي " على فضلهعموما وخصوصا ، وكيف لا ؟ وقد كان أفصح من تنفس وتلا ، وأكثر من شهد النجوى ، سوىالأنبياء والنبي المصطفى ، صاحب القبلتين فهل يوازيه أحد وهو أبي السبطين ؟ مع أنكتبنا – لله الحمد – طافحة بالرواية عنه وبالثناء عليه (3)

والحق أن الدارسللمذهب الإباضي عقائدا وأصولا وفقها ومنهجا سوف لا يجده يختلف كثيرا عن بقيةالمذاهب الإسلامية ، بل قد يكتشف أنه يمثل محطة تتلاقى عندها معظم تلك المذاهب علىأكثر من معتقد وأصل واجتهاد .

حتى نقطة الخلاف المركزية التي بني عليهاالمذهب " والتي أشرنا إليها قبل قليل" تعرضت لبعض التكييف على نحو ما فعله العالمالمبرز الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض " 1897-1981" وهو في معرض دروسه القرآنية حينالتمس العذر للإمام علي في قبول التحكيم وفسره (4) بأنه قد تم خضوعا لرأي الأغلبية (5).

وأيا كان الأمر يظل هذا المذهب واحدا من المدارس الإسلامية التي يتيحهامبدأ " التنوع في إطار الوحدة " ذلك المبدأ الذي يمثل أحد مؤشرات المرونة والخصوبةفي الإسلام .لذا لا غرابة أن يظهر وادي ميزاب بخصوصية تلون آفاق حياته الإسلاميةوتعمرها بالجد والاستقامة والتنظيم والكفاح .
ولعل الزائرين لمدن الوادي سيلفتانتباههم أول ما يلفت تلك الطبيعة الخاصة للتكوين المكاني والنمط المعماريالمتفرد.
العمارة الميزابية وتعانق المبنىبالمعنى:

إذا كان الإسلام ونظمه وأحكامه تمثل المحور الأساس الذيتدور حوله المدينة الإسلامية القديمة بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،وأيضا بشكلها المادي الذي يمثل " وعاء المدينة" (6)، فأن وادي ميزاب لا يخرج عن هذهالخاصية التي ظلت تجلياتها حية ولم تتعرض إلى المحو أو التشويه مثلما تعرضت لها فيغالبية مدن العالم العربي والإسلامي ، من هنا حافظت مدن ميزاب على خصوصيتها التيتنطوي على أكثر من بعد :

- البعد الديني :

من يزور غرداية وأخواتها الست سيلفت انتباهه ذلك التكوينالهرمي الذي يشكله انتصاب المئذنة التي يقف فوق قمة الربوة فيما يتربع المسجدكالحارس الأمين وحوله المنازل تنداح دوائر متماسكة تحت سمع وبصر المئذنة (7).

إن الميزابيين اختاروا أن يكون المسجد في قلب المدينة دام يمثل موئلهمالروحي وعقلهم الفعال ، خاصة وأن مهامه لا تقتصر على إقامة الصلاة وأداء العبادات ،بل تمتد إلى المهام الاجتماعية ، لهذا كان انضواءهم تحت لوائه فيه ما يرمز إلىالاعتراف بمرجعيته التامة ودوره الواسع الذي ليس له مثيل في أي مكان آخر .

إن جلال المسجد الميزابي دفع بالمهندس " الكوربيزيه" أن يقول في كتابه " نحو عمارة عصرية " : " عندما تقل في رأسي أفكار البناء أذهب إلى المسجد في غردايةحيث أجلس في ساحته لتواتيني الأفكار ".

لقد كان من شدة تأر "بيزيه" هذابمسجد غرداية أن نقل تصميمه الداخلي وتفذه في كنيسة "رون شون" في مقاطعة " بيرباتيالفرنسية " .
ويتجلى البعد الديني والاجتماعي في بناء منازل الوادي بما يراعى فيهندستها من " مبادئ الستر والحرمة " كما في ظاهرة عدم تقابل أبواب الجيران لبعضها ،وفي التكوين الذي لا يتيح النظر لمن في الداخل ، بل أن البيوت تظل مصانة ولو منمزاحمة المحلات التجارية التي لا يجوز أن تتداخل معها معماريا ، ذلك أن لكل مرفقحدوده .

أما مبدأ " الترابط الاجتماعي" فيلحظ في تناسق المنازل وتساندها ،فإذا كان ابتعاد المنازل بعضها عن بعض في العمار الحديثة فيما يوحي بالفردية ، فإنلتلاصق في المنازل الميزابية يدل على روح جماعية توحد السكان وتمتد في ظلالهاالمدينة كلها ، حتى لترتبط التكوينات المعمارية على نحو عضوي متكامل في سائر المكان، وهي في الحق سمة المدينة الإسلامية التي تبدو " كدار واحدة " بحسب صياغة ابنالربيع في كتابه " سلوك المالك في تدبير المالك"(9)، ناهيك عن مبدأ المساواة الذييمكن ادراكه من خلال نشأة المنازل التي لا يختلف بعضها عن البعض الآخر إلا من حيثالمساحة ، ويتجلى هذا أيضا في عدم ارتفاع منزل عل آخر كي لا يحجب مرتفع الشمس أوالهواء عن منخفض ، وفي هذا يتجلى أيضا تطبيق قاعدة " لا ضرر ولا ضرار" .أما بقاءالمنازل بعيدة عن مظاهر الترف والتباهي أخذا بمبدأ التقشف والاعتدال فهو أحد سماتالمعمار هناك .

لقد أخذت تلكم الملامح العمرانية تأصيلها فيما وضعه الشيخمحمد بن يوسف اطفيش " 1818-1914م" في كتابه" شرح النيل في شفاء العليل" وفي هذاتأكيدا للمقولة السائدة في الدراسات المعمارية التي تقول بعلاقة نظم العمارة فيالمدينة الإسلامية بالتفكير الإسلامي والأحكام الشرعية .
البعد الأمني :

نتيجة للظروف السياسية والعقيدية التي اكتنفتنشأة مدن الوادي وبفعل ما كانت تتعرض له المنطقة من غارات يشنها البدو تارة والسلطةالمركزية تارة أخرى " مثلما حدث في عهد ملوك الحفصيين" درج المهندس الميزابي على أنيضع في اعتباره المقتضى الدفاعي سواء في بنناء المنازل أو في تخطيط الطرق أو فيالإنشاءات الأخرى . فالنتجول في النواحي القديمة للولاية سيرى نماذج من حيل الدفاعوالتكتيك الهندسي الحربي حيث تتلوى الطرق التواء لا يبدو له من مبرر ، حتى أنالغريب لا يعرف كيف تتلوى تلك الطرق ، ولِمَ تبعج في هذه الزاوية ولا تنحسر فيالأخرى ، وتهرب عن الدرب في الثالثة ، ولا متى تنتهي ، أو لماذا تتضايق المسافاتبين انعطافة وأخرى (10).

ووفقا للتكتيك الأمني المذكور يتم تسقيف المساحة منعرض بعض الطرقات في أماكن معينة ، وللمقتضى نفسه سورت مدن الوادي بأسوار يصل سمكهاإلى متر في الأسفل مع ارتفاع يصل إلى ثلاثة أمتار وبطول يبلغ في بعضها حوالي " 2500م" كما في سور مدينة " يزقن " الذي يرجع بناؤه إلى "1860-1868م" .

والزائر لهذه المدن سيشهد أيضا عددا من الأبراج المبنية فوق أعاليالمرتفعات بطوابق أربعة أو خمسة وضمن مواقع يتم اختيارها بذكاء وهي تقابل بعضهاالبعض بحيث يتاح للحرس إعطاء الإشارات الضوئية التي تساعدهم على نقل إنذاراتهم منبرج إلى آخر بأسرع وقت لحظة تعرض المدينة إلى الخطر (11).
البعد البيئي:

إذا كان للاعتبارات الدينيةوالأمنية أدوارها في النظام المعماري للمدينة ومنازلها ، فقد لعبت الظروف البيئيةالصعبة دورا آخر في ذلك ، فالمنطقة وهي تعاني من سيل الوادي في الأسفل فقد اقتضىالأمر أن يكون التشييد على ظهور المرتفعات والروابي ليكون السكان بمنئى عن جرفالسيول إذا ما اجتاحت المنطقة .

ويتجلى تناغم البناء والبيئة بتلبية المعمارالسكاني لمتطلبات المناخ إن كان في صيف أو في شتاء ، ففتحات البيت القديم تتبع حركةالشمس وتتيح دخول أكبر نسبة منها في الشتاء وأقل في الصيف ، كما أن عمارة المدينةصممت بحيث تبقى رطبة وأن يتاح لضوء السمي بالتسلل ليمنح الدروب الضوءالمطلوب.

فضلا عن أن المواد الأولية للبناء يتم تحضيرها مما هو متوفر فيالبيئة نفسها ، الأمر الذي يجعل من المعمار الميزابي مستوف لما نادى به المهندسالمصري المعروف حن فتحي في " عمارة الفقراء " تلك العمارة المكتفية مادة وبناء بماهو متوفر في البيئة المحلية من مواد وتقنية وعلى نحو ما تستلزمه الظروف المناخيةوالاجتماعية من تنظيم وتشكيل .

ولا ننسى أن نشير إلى أن تشييد السدود الضخمةوإقامة السواقي العديدة التي عرفتها المنطقة ، والتي لا زال بعضها قائم منذ إنشائهقبل قرون حتى الآن ، فيه ما يدل على وعي السكان بمقتضيات الوضع البيئي وما يمليهمطلب الاستمرار من شروط.

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-12-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



البعد الجمالي:

على الرغم من أن البعد الجمالي لم يكن بارزا فيالعمارة الميزابية بحكم سيطرة الأبعاد الأخرى ، أي أن الجمال فيها ينبثق تلقائيا منخلال سيادة نزعات التنظيم والبساطة والتناسق والهدوء في الألوان ، فضلا عن النظافةالتي تتجمل بها المنازل والمدينة على الدوام ، ومع ما يراعى من قواعد صحية فيالإنشاء والتنظيم.

كما أن الجمال يستق من كليات المكان حيث لاتجد شذوذا فيعلاقات العناصر المعمارية والطبيعية والزراعية، كأن كل ذلك صنع على مقياس الإنسانكما يقول المصور الفرنسي " كلود بوفار" الذي فتن بتصوير ملامح الوادي (12).
ناهيعن الجمال بمضامينه المعنوية التي تمثل بعدا آخر للجمال في منظوره الإسلامي والذييمكن تلمسه عبر مؤشرات عديدة منها على سبيل المثال تلك اللافتة التي تستقبل زوارمدينة يزقن وهي تنبههم إلى ضرورة عدم التدخين في الشوارع ، وعدم تصوير المارة دونإذن ، وعدم ارتداء النساء لملابس القصيرة التي قد تعكر صفو الصورة وهدوء المكان .

إن ثمة تناغما بين المبنى والمعنى وترابطا بين الخصوصية ومستلزمات الدينوالبيئة والواقع الاجتماعي على النحو الذي يدل على عبقرية الجماعة بما امتلكته منقدرة على تكوين الاستجابة المناسبة التي من شأنها صناعة الحضارات .

لقد لفتتهذه العمارة انتباه المتخصصين والسواح والصحفيين الأجانب ، ولا عجب أن تعلن منظمةاليونسكو منذ العام 1985م وادي ميزاب جزءا من التراث العالمي ، وبالتالي اعتبارهمحمية ثقافية تنطوي على تراث إنساني يستحق العناية والاهتمام ، ولم يكن السكان أقلوعيا أو حرصا على نظام المدينة المعماري من غيرهم لذا حين جرت محاولات في نهايةالعقد الثامن لإنشاء عمارات حديثة أوربية الطراز جوبهت من قبلهم بالرفض الشديد ، لالمجرد الحرص على طاب المدينة المعماري وحمايته من التشوه ، بل لاعتقادهم أن تغيراكهذا من شأنه أن يجلب معه مضارا اجتماعية هم في عنى عنها .

لقد تعانقتالعقيدة مع الربوات والصخور لتزدهر شجرا ومعرفة ومعمارا وجمالا بسيطا آسرا يحضنهويحركه منذ البدء نظام اجتماعي تفرد به وادي ميزاب ، نعني به " نظام العزابة " الذيسنأتي عليه في الحلقة القادمة إن شاء الله .
نظام العزابة : البديل الإباضي وفن الممكن

كلمة " العزابة " من العزوب وتعني لغويا الانقطاع ، أما في الاصطلاح الإباضي فتعني الانقطاع إلى خدمةالمصلحة العامة (13) عبر نظام يتشكل من حلقة " هيئة " مركزية يتراوح عدد أعضائها مابين 10-16 شخصا يتم انتخابهم وفقا لشروط الصلاح والعلم والكفاءة ، ويرأس الحلقةأكبر العلماء وأبرزهم في ميزاب ويطلق عليه " شيخ العزابة " وتتفرع من الحلقةالمركزية حلقات أخرى تتوزع على مدن الوادي وقراه.

ويعتبر المسجد في العادةهو المركز الذي تباشر من خلاله العزابة مهامها التي تمتد إلى مختلف شؤون الحياةوحقولها ، فالعزابة تمثل إمامة صغرى في ظل مرحلة " الكتمان"(14) التي يصعب معهاإقامة الكيان السياسي الإسلامي المستقل .
يتميز رجل العزابة بسمته الخاص الذييعرف بالملابس البيضاء والعباءة أو القشابية مع الطاقية والشاش فضلا عن اللحيةالمعفاة.

يعود تأسيس هذا النظام إلى الإمام أبو عبدالله محمد بن أبي بكرالنفوسي "345هـ-440هـ" الذي بدأ به في جبل نفوسة بليبيا بصفته حركة تربوية ومؤسسةتعليمية ، ثم انتقل إلى جزيرة جربة بتونس حتى استقر في ميزاب بالجزائر منذ العام 409هـ ، وهنا وبعد مدة تجاوزت مهامه الشؤون التربوية والأحوال الشخصية إلى مختلفالشؤون الاجتماعية والاقتصادية ، فضلا عن أمور الحسبة والضبط الاجتماعي .
ويعدشيخ العزابة في هذا النظام الإمام الأكبر في المجتمع ، إلا أنه لا يطرح مشروعا أويتخذ أمرا دون مشورة أعضاء الهيئة التي تجتمع بشكل دوري وربما بشكل استثنائي فيالحالات الطارئة .

وإذا كان نظام العزابة لا يمثل سلطة بالمعنى الحقيقي ،إلا أنه يستمد قوته مما يملكه من تأثير روحي وقبول اجتماعي ، حيث يتربى الفردالميزابي على احترام رؤساء العزابة وطاعتهم ، لذلك ما أن يصدر عنهم أمر في أي شأن ،كتحديد المهور أو الأسعار أو إعلان الموسم الزراعي أو غير ذلك إلا ويبادر الجمهورإلى التقيد بالأمر والعمل بموجب توجيهاته وفي الحالات التي قد يتمرد فيها البعضتلجأ هيئة العزابة إلى الاعتصام بالمسجد لممارسة الضغط حتى يتراجع المعاندون (15).

وإذا كان هذا النظام قد اندثر في كل من جبل نفوسة وجزيرة جربة ، فإنهظل مستمرا في وادي ميزاب حتى الآن ، إلا أن فعالياته وصلاحياته كانت تقوى أو تضعف ،تتسع أو تتقلص بحسب متغيرات الظرف السياسي العام وما يحكم المجتمع المحلي منمتغيرات ، كما أن قدرته على تجديد نفسه متوقف على تمط القادة الذين يتناوبون علىرئاسته ومستوى وعيهم العام .لهذا فقد شهد انتعاشا في ظل شخصيات مثل الشيخ محمد يوسفاطفيش الملقب بقطب الأئمة " 1818م- 1914" الذي اشتهر بتفسيره للقرآن وبتآليفهالمتعددة ، كما شهد تطورا في عهد الشيخ بيوض " 1897-1981م" الذي عد من رجال الإصلاحوالتجديد وعرف بعضويته في جمعية العلماء الجزائريين في عهد الشيخ عبد الحميد بنباديس ، كما اشتهر بتفسيره المسمى " في رحاب القرآن " الذي تميز بمنهجه الموضوعيومنحاه الحركي.
مؤسسات العزابة

تساعد هيئة العزابة مؤسسات فرعية أو نوعيةأهمها :

-
مجلس العشيرة : يتألف هذا المجلس من شيوخ العشائر وأعيانهم، وهو لا يعبر عن العشيرة بمعناها العصبوي الضيق ، بل يعنى بمعالجة الشؤونالاجتماعية كمواجهة الانحرافات وفض النزاعات ورعاية الأرامل واليتامى والعزةوالمجانين والعاطلين من أبناء العشيرة التي تمثل الوحدة الاجتماعية السائدة فيميزاب .

-
رجال الحراسة ( المكاريس) : " هؤلاء بمثابة السلطةالتنفيذية والأمنية ، حيث يقومون بأعمال الحراسة والدفاع والنجدة والمطافئ وإرشادالزوار وحماية الأمن والآداب العامة والإشراف على الأشغال العامة وحملات تصريفالمياه والسيول وحفر الآبار وتنظيم السواقي والقنوات وتقسيم المياه وتوزيعها ، فضلاعن أعمال الحسبة وقيادة العمل التطوعي المشترك .
ولعل أبناء المحاضر " الكتاتيب" " ايسمطوردان" يشكلون النواة الأساسية لهؤلاء الحراس والشباب .

-
منظمةالطلاب " ايروان" : تتشكل هذه المنظمة ممن يستظهرون القرآن ، وهي بمثابة " الكشافة " وهم الأقربون إلى هيئة العزابة يساعدونهم في بعض المهام ، بل أن أعضاءالعزابة يتم اختيارهم في المستقبل من بين هؤلاء (16).


-
الغاسلات " تمسردين" : وتمثل هذه الهيئة الشق النسائي من العزابة ، وهي تباشر أنشطتها فيالوسط النسائي منذ القرن التاسع الهجري حتى الآن ، حيث تشرف على النواحي التربويةوالاجتماعية ، وتعنى بشؤون الأفراح والمآتم ، فضلا عن غسل الموتى من النساءوالأطفال ، وهو النشاط الذي استمدت منه اسمها.
التربية والتعليم الحر : خطالبداية في حركة العزابة :

يعد الموضوع التربوي والتعليمي حجرالزاوية في بناء العزابة والاهتمام الأول الذي انشغل به نظامها منذ أنتأسس.
وتستمد فلسفة التعليم رؤيتها من القيم الدينية والأهداف الإسلامية في نشرالأخلاق وإقامة التوازن الاجتماعي عبر ترسيخ مبادئ " التعاون" و" التكافل " و" العمل المشترك" والحفاظ على الهوية والخصوصية ، والتأسيس لكل سلوك إيجابي يصب فيخدمة الفرد والجماعة معا.

من هنا كان الاهتمام بالبعد التربوي كبيرا حتى أنشعار " معهد الحياة" أكبر معهد إباضي في ميزاب ، هو " التربية قبل التعليم ، والخلققبل الثقافة ، ومصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد".
تشمل مفردات المنهج على تعليمالقرآن وعلوم الشريعة من عقائد وفقه وتفسير ولغة عربية ، وما يضاف إلى ذلك من علومحديثة ، والعربية هي لغة التدريس على الرغم من أن معظم السكان يرجعون إلى أصولبربرية ، الأمر الذي ترك أثره الفعال في عملية التعريب على نحو ما لم يحدث مثله فيباقي مدن الجزائر ، فالقو يؤمنون بأن العربية هي أحد مقومات شخصيتهم الإسلامية حتىأن الأحزاب القومية البربرية الحديثة تواجه صعوبة بالغة في استقطاب المزابي إلىصفوفها.

وإذا كان الغالب في طرق التدريس وأساليبه إتباع الطرق التقليدية ،إلا أنه على المستوى الفني " البيداغوجي" لا يخلو المنهج المتبع من الالتفاتاتالتربوية المتقدمة كالأخذ بـ" مبدأ الفروق الفردية" واللجوء إلى " التربية الخاصة" بالنسبة للمعوقين ، والاهتمام بـ" النشاط اللاصفي" عبر الرحلات والعملوالتدريب.

أما مؤسسات التعليم فهي : المحاضر"الكتاب" الملحقة عادة بالمساجد،ويسمى حفظة القرآن من طلبة هذه المحاضر " ايروان " بينما يسمى غير الحفاظ " أمصوردان" ثم المدارس والمعاهد الحرة التي تجمع بين القديم والحديث والتي أسهمت فيإنشائها الجمعيات الخيرية الإسلامية كرد فعل على المدرسة الفرنسية ، ويعد " معهدالحياة " في " القرارة " أكبرها ، وكذلك بيوت العلم التي ينهض بها العالم الذي يجمعبين العلم والتربية ويجعل من بيته مدرسة يؤمها الصغار والكبار.

تلك مسيرةجرت في وادي ميزاب منذ قرون وما زالت ، وقد أنجبت عشرات العلماء والمؤلفين والأدباءوتركت آلاف المخطوطات (17).
إن التعليم يخضع بوجه عام لإشراف العزابة ، ويمولعادة من قبل التجار والمحسنين لهذا فهو " مجاني" ، كما يتضمن " نظم المنح" و" البعثات الدراسية" إلى الخارج لمن تعجز أسرته عن التكفل بأجور الدراسةومصاريفها.

ومن الجدير بالذكر أن الإدارة التعليمية تتعهد بإقامة أقسامداخلية للطلبة المغتربين ، والطلاب في هذا النظام الحر ملزمون بارتداء زي تقليديموحد ، كما أن التعليم يشمل الذكور والإناث، والصغار والكبار ، فهو أساسا فريضةدينية لا غنى عنها ، ومن هنا يمكن تفسير ظاهرة انخفاض الأمية في مجتمعالوادي.

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-12-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



الجمعيات الخيرية : حصون الهوية ومعامل التشكيل :

ينشط في وادي ميزاب عدد غير قليل من الجمعيات الثقافيةوالاجتماعية أهمها : جمعية الإصلاح في غرداية "1928"وجمعية الحياة في القرارة "1927" وجمعية النهضة في العطف "1945" وجمعية النور في بنورة "1945" وجمعيةالاستقامة في بني يزقن "1946" وجمعية الفتح في بريان "1947" وجمعية النصر في مليكة "1960" ولا زالت هذه الجمعيات تمارس دورها في خدمة الثقافة العربية والإسلاميةوتعمل على الحفاظ على اللغة العربية والشخصية الإسلامية ، وتسهم في نشر المعرفةوتثقيف الناس ، وتسعى لحماية الشباب بوجه خاص من أي تلوث فكري ، أو انحرافات سلوكية، ويرجع الفضل لهذه الجمعيات في بناء الكثير من المدارس والمعاهد والنواديوالمكتبات والمساجد ، فضلا عن اهتمامها بإرسال المبعوثين إلى حواضر عربية كتونسوالقاهرة ودمشق وبغداد للنهل من ينابيع المعرفة العربية والإسلامية هنالك (18).

كما تعمل على إقامة الندوات الدينية والثقافية ، وتقيم الندوات وتحررالبحوث وتصدر المجلات النشرات بالإضافة إلى عنايتها بالأنشطة الرياضية والكشفيةوالفنية ، وفي هذا يقول الدكتور تركي رابح : " إن الجمعيات في وادي ميزاب قداستطاعت أن تنهض بعبء التعليم الحر في هذه المنطقة من البلاد وأن تكون من المدارسوالمعاهد والنوادي والمكتبات الثقافية والمساجد الحرة التي تعنى بالتعليم إلى جانبالشعائر الدينية ما جعل منطقة وادي ميزاب تموج بنهضة ثقافية عربية إسلامية كبيرة ،وبذلك أنقذوا منطقتهم وشبابهم من خطر الفرنسة والتفسخ الأخلاقي والانحلال الاجتماعيالذي كان يهدد الجزائر كلها "(19).
لقد كان للتعليم والتثقيف الديني الذي أخذالميزابيون بأسبابه قديما وحديثا أثره البالغ في بث روح اليقظة وإكساب المجتمعالميزابي فعالية عالية عرف بها وهي من أبرز سماته .
الاحتراف والتويزة والضمان : قواعد سحرية في عملياتالبناء:


من الأسس التي أستند إليها المجتمع الميزابي والتيلعبت دورا فعالا في تذليل صعوبات عيشه الأخذ بمبادئ " العمل " و" التعاون" و" التويزة" و" التكافل" و " التعاضد " والتي تجلت في العديد من الظواهر منها : مشاركةالجماعة في بناء منازل الأفراد ، أو إقناع من يملك أكثر من دار للتنازل عن أحدهاولو مؤقتا لمن لا يملك ،أو انضواء فقراء العرسان تحت ملة العرس الذي يقيمه أقدرهم ،أو استيعاب صاحب العمل لأكثر مما يحتاج من عمال إسهاما منه في تشغيل من هو عاطل ،أو المساعدة على تزويج العزاب وعدم المبالغة في المهور ، أو تقديم العون للغارمينممن أفلس أو خسر في عمله وغير ذلك .

وعلى صعيد العمل يبرز مفهوم " العملالجماعي المشترك " و" مبدأ التطوع " في سياق الجهود التي تصب في خدمة المصلحةالعامة وتحقيق النفع العام ، وهذا ما يلحظ تجسيده في الإسهام في حفر " الأفلاج " وبناء السدود والأسوار وإقامة البنايات وحفر الآبار وإصلاح الطرق وتنظيف المدينةوالاشتراك في حملات الغرس ومواجهة كوارث السيول وهجوم الجراد وإيقاف زحف الرمالونحو ذلك .

بهذه الروحية استطاع الميزابيون أن يحفروا في واحاتهم ما يزيدعلى أربعة آلاف بئر ومائة (20) يتراوح عمق الواحد منها ما بين " 25 إلى 80 متر " وأن يغرسوا حوالي مائتي ألف نخلة (21) تتفيأ بظلالها أشجار الفواكه والخضرواتوالبقول وغيرها ، فضلا عن تعميرهم المدينة بشكل ذاتي في العديد من الأشغال البلديةوالتنموية المختلفة .

وإذا كان " المكاريس " يقومون بدور بارز في مثل هذهالأنشطة العامة ، إلا أن العمل المشترك كقيمة عليا بلغ من أهميته أن من كسل عنالإسهام فيه يغدو محل تعبير وسخرية من قبل النساء والأطفال ولا يمكن أن يحضى بأياحترام اجتماعي (22) ، لأن كل فرد لا بد أ يخدم المجموع.

والحقيقة أن هذهالقيم الاجتماعية التي انغرست في عقل ووجدان سكان الوادي لم تكن لتتم بمعزل عنالعقل المنظم والتخطيط الاجتماعي ، فمنذ لحظة التأسيس والسكان درجوا على تقسيمأنفسهم إلى مجموعتين : واحدة تمكث في الوادي تزرع وتعلموتسهم في البناء الاجتماعي، وأخرى تسافر إلى الشمال حيث مدن الجزائر ووهران وتونس وغيرها لرفد الداخل بالمالوالاستثمارات البانية ولا زالت هذه المنهجية قائمة حتى اليوم (23)

أما مبادئالرعاية والتكافل والضمان الاجتماعي التي يتم تجسيدها من خلال إدارة العزابة ،فتمتد إلى مختلف الفئات الضعيفة من فقراء وأرامل وأيتام ومعوقين ومجانين ومعوزين ،وتشكل أموال الزكاة والصدقات مصادر أساسية في تحقيق الأمن المعيشي لهذه الفئات ،كما تلعب " أوقاف المقابر " أي ما يتركه الموتى من أموال يتصدق بها أهليهم بحسبالوصية دورا في ذلك ، وتحث العزابة كثيرا على التبرع أو تقديم الصدقة ولو بالقليلالمتيسر وفي هذا – كما لا يخفى – يعد تدريبي على فعل الخير وحث على المشاركة فيعلية التكافل الاجتماعي ، كما أن ثمة رعاية نوعية يوليها النظام للمهاجرينوالمسافرين من أبناء المنطقة ، وذلك عبر ما يهيئه لهم من دور خاصة تبنى في أماكنالاغتراب تسمى الواحدة منها " دار العرش" (24) ، وليس الإهتمام بتأسيس هذه الدورنابع من منظور اقتصادي فحسب ، بل يستهدف أساسا إيجاد البيئة المناسبة التي تربطالمغترب بمنبته وتحول دون وقوعه في حبال الغواية أو الانحراف .

إنه علىالرغم من الفقر الطبيعي للمنطقة استطاع الأهالي عبر تمجيدهم للعمل وولعهم بالإنتاجوتعاونهم الفذ وتضامنهم وروحهم التطوعية أن يبعدوا عن مجتمعهم شبح الجوع وأن يحققوالهم عيشا كريما آمنا لا يعرف المفارقة أو الصراع .
رعاية النخلة والبستان واقتصاديات الإنتاج الحيوانيوالصناعي:

منذ القديم والميزابي يولي اهتمامه البالغ بالنخلة حتىلتكاد أن تكون ثمة توأمة بين الاثنين ، لهذا ازدهرت أماكن الميزابيين بهذه الشجرةالمباركة التي لا يخفى دورها في تحقيق الأمن المعيشي خاصة بالنسبة لبلد صحراويشحيح.

لقد اهتم الميزابيون بالأرض ايما اهتمام ، وقد كان مؤسس حلقة العزابةأبو العباس أحمد بن محمد بن بكر في النصف من القرن المس للهجرة قد ألف كتابا في هذاالمجال أسماه " أصول الأرضين " يقع في ستة أجزاء " ى زالت مخطوطة" أختصرها الشيخاطفيش في كتاب أسماه " مختصر العمارة "(25).

وبرغم أن ألب أراضي ميزاب ذاتطابع صخري ، إلا أن الناس هناك يحفرون الصخر من أجل استنباته والاشتغال على مايلزمه من مياه ، لهذا عنوا ببناء السدود وحفر السواقي التي يرجع تاريخ بعضها إلىسبعة قرون كما هو عمر ساقية " بو شجان" التي لا زالت تعمل حتى الآن، وقد درجوا علىتوزيع المياه وفقا لشروط عادلة تأخذ بعين الاعتبار نسبة المتوفر منه وعدد المحتاجينوحاجة كل مزارع .

من جهة أخرى م يغفل الناس هناك أهمية القطاع حيث عنوابتربية الماعز والماشية وأعطوا الاهتمام النوعي للرعي والراعي حتى أنهم سنوا في ذلكقوانينا من شأنها حماية حقوق الرعاة، وتعد مدن الوادي اليوم من أهم مراكز إنتاجالصوف وصناعة النسيج والزرابي في الجزائر ، فضلا عن اشتهارها بالصناعات التقليديةالتي يقبل عليها السواح والزائرون ناهيك عن الصناعة المستحدثة التي شهدت توسعاكبيرا من بدايات العام 1985م ، حتى أصبحت المنطقة الصناعية هناك الثانية من نوعهاعلى مستوى القطر ، وهي تحوي على 120 نوعا كصناعة النسيج والزجاج والطباعة والسجادوقطع غيار السيارات وغيرها من الصناعات التي تغذي السوق الجزائري وتصدر أيضا إلىالأسواق الخارجية (26).
الحراسة والأمن والحسبة كأحد أنشطة العزابة :

للحراسة والحفاظ علىالأمن شباب ينتدبهم نظام العزابة ويطلق عليهم المكاريس ، وهؤلاء يمثلون العيناليقظة التي تحافظ على الأمن العام ، كما أنهم يمثلون السلطة التنفيذية ، حيثيضطلعون بأعمال الدفاع والنجدة والمطافئ وإرشاد الزوار ، فضلا عن الإسهام بأعمالالحسبة التي ظل يتميز بمباشرتها مجتمع وادي ميزاب على نحو متواصل فيما غابت عن مدتالمسلمين الأخرى في ظل النظم الحديثة .

لقد شمل نظام الحسبة العديد منمفردات الحياة كتنظيم الأسواق ومراقبة عمليات البيع والشراء ومحاربة الانحرافات فيالتعامل التجاري الغش والاحتكار والتلاعب بالموازين ونحو ذلك، حتى كان من ظواهرالحياة اليومية في أسواق ميزاب أن يجلس ممثل العزابة في السوق يراقب من ينتدبللقيام بدور المحاسب أو الخبير التجاري حين يحتاج التجار إلى عمليات الجرد أوالتقويم السني ثقة منهم في خبرة العزابي وإنصافه (27) ، كما يضطلع العزابة بمراقبةالمجازر وعمليات الذبح وضمان سلامة الشياه من الناحية الصحية والتأكد من إجراءالتذكية الشرعية عليها ، وقد عين لذلك أشخاص أسموهم " العدادون " .

ويراقبالحسبيون أيضا عمليات البناء والتحقق من مدى التزامه بالقواعد القانونية المرعيةواستيفائه الشروط الشرعية كحفظ الأستار ومراعاة التعلية وحجب الشمس وسد منافذالتهوية ونحو ذلك .
بعض التجليات الاجتماعية في تراث العزابة :



رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-12-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



العزابات وفاعلية الحضورالنسائي:

لم يهمل نظام العزابة شؤون المرأة فمنذ القرن التاسع الهجري تأسس الفرع النسائي الذي عرف بـ " تمسردين" أو " الغاسلات" وهو يتألف من 12 عضوة يتم اختيارهن بمعرفة رؤساء العزابة من النسوة الصالحات العارفات المحنكات وترأسهن مسؤولة يطلق عليها " مامه شيخة" ويتخذن مقرا لهن يتبع المسجد في العادة.

أوكل للعزابات المهام المتصلة بالشؤون الأسرية كمراقبة تحديد المهور
وإدارة الأعراس والمآتم وغسل الأموات من النساء والأطفال ، فضلا عن ممارسة التوجيه التربوي والاجتماعي لنساء ، وما يستتبعه من عمليات الضبط السلوكي والاجتماعي .
وللعزابات مؤتمر سنوي تجتمع فيه لجان الفروع من أجل تبادل الرأي والنظر فيما
يستجد من شؤون المرأة في مدن الوادي .

لقد كان لهذا الجهاز دوره الفاعل في
الحركة النسائية الإسلامية حيث اسهم في جعل المرأة الميزابية حريصة على التقاليد ، لا تتخلف ع حضور المساجد ، وتنشط في مساعدة الرجل في حياته الإنتاجية ، كما في تخصصها بصناعة الأصواف والأنسجة والزرابي ، كما تلتزم بما تواضع عليه المجتمع من اقتصاديات العيش كالبساطة في أمور الزواج ، فالمرأة مهما كان جمالها أو غنى أسرتها لا تستنكف من أن يكون تجهيزها متواضعا سواء بالنسبة للذهب أو الثياب أو الأثاث أو الهدايا ، شأنها شأن الآخرين .

من جهة أخرى إن الثقافة النسائية العزابية لم
تستثن المرأة من ممارسة حق تداول الشؤون العامة ، ففي مرحلة الاحتلال الفرنسي لعبت " مامه بنت سليمان ، إحدى أشهر شيخات العزابة " دورا في المواجهة حيث أصدرت في العام 1882م وأثناء التجمع النسوي أمرا بمقاطعة كل ما هو فرنسي لباسا كان أو غذاء ونظمت خلال ذلك ما يمكن تسميته بـ " المقاومة السلبية " حتى صنفها مؤلف كتاب " ثورات النساء في الإسلام " كواحدة من اثنتي عشرة امرأة اشتهرت بمواقف بطولية في العالم (28).
ظاهرة الأعراس الجماعية وتحديد المهور :

قبل أن تعرف الأعراس الجماعية في أي بلد عربي أو إسلامي عرفت هذه الظاهرة في مدن ميزاب منذ عقود خلت وقد فرضها المنظور الاقتصادي ، حيث يتكفل أهل العريس الموسر بمصاريف الزواج ويدعى فقراء العرسان للانضواء تحت جناحه دونما حرج ، وقد كان لهذا المسلك إسهامه في تخفيف مصاريف الزواج ونفقاته ، علما بأن تحديد المهر والصداق متروك لتقدير جماعة العزابة التي تجنح إلى التخفيف وتأخذ بمبدأ الاقتصاد في الحفلات ، حتى أنه توضع أسماء معدودة للمدعوين إذ لا داع لدعوة الجميع إلا إذا كان العرس موحدا ، كما يمنع الإسراف في الولائم ، ومن غير المقبول أن يتطاول الناس في الهدايا حتى ولو بين الزوجين .
لقد كان لكل ذلك فضله في تيسير
الزواج وتخفيض نسبة العزوبية والعنوسة في هذا المجتمع .
احتفالات المولد والزيارة :

يحتفل الميزابيون بالمولد النبوي الشريف على صعيد شعبي حيث تلقى قصائد البردة وهمزية البصيري وغيرها من القصائد والأناشيد ، ويسهر الناس رجالا ونساء وأطفالا ليلة المولد في كل المساجد، كما تزين الشوارع والأزقة وتشتعل المدينة بالقناديل والشموع وتعطل الدراسة .


ويهتم الإباضيون أيضا بالسلف الذين يحييون آثارهم ويحتفون بمآثرهم
ويقومون بزيارة خاصة لمراقد العلماء والصالحين والشهداء منهم ، ولهم في ذلك مظاهرة سنوية يحل موعدها مع الربيع ويطلق عليها " الزيارة " وهي تفتتح بصلاة الاستسقاء وتتخللها محاضرات تعريفية بشخصيات المزارين ، ويختم خلالها القرآن الكريم كما تختتم الزيارة بتوزيع الصدقات على الفقراء والمحتاجين .
نظام العزابة والتحديات الراهنة :

إن القيمة المركزية الملموسة في نظام العزابة هي فيما منحه النظام لمجتمع وادي ميزاب من إمكانية إدارة شؤون حياتهم بشكل ذاتي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وبعيدا عن سيادة القوانين الوضعية ومؤثرات الحداثة المستجلبة، حتى استطاع بذلك أن يحمي الوادي من كثير من الانحرافات والشرور ، وأن ينظم حياته المعيشية والاجتماعية والاقتصادية بفعالية فذة عبر تكريسه لقيم الأخوة والعمل والتعاون والعدل والمساواة والتكافل والروح الجماعية .

كما لعبت حلقات العزابة دورها في عملية " الضبط الاجتماعي
" على نحو أبقى الأفراد والجماعة في دائرة المحافظة والالتزام إلى حد كبير ، وقد كان لمبدأ " البراءة " (30) الشخصية أثره في الردع بما تضمنه من مقاطعة وهجران لكل شخص تثبت عليه جريمة شنعاء أو انحرافا أو ظلما بينا أو عملا مرذولا ، ولم يتراجع عنه علانية وذلك استنادا إلى قوله تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) ( المجادلة : من الآية 22) .

وقد كان من حسنات العزابة أنها لم تكن " حزبا" أو "نقابة " فئوية ، فهي
على الرغم من مؤسسيتها وانضباطيتها ظلت تعمل في إطار المجتمع الأهلي العم ولم تقتصر فعالياتها على المرتبطين بها بشكل مباشر ، بالتالي شملت مظلتها كل أفراد المجتمع الإباضي وفئاته .

وليس من شك أن هذا النظام الذي أعتمد المبادئ والأحكام
الإسلامية قد أوجد مجتمعا ممتازا ليس فيه متسول ولا حانة خمر ولا ناد للقمار ولا وكر للفساد ولا عاطل عن العمل ولا فتى متشرد أو طفل لا يعرف طريقه نحو التعليم .

ولعل هذه المعطيات المشرقة قد دفعت بالمفكر الجزائري مالك بن نبي – حين
زار الوادي في نهاية العقد السادس- أن يصف مجتمعه بأنه مستوف للشروط النفسية والاجتماعية التي تجعل منه " حضارة مصغرة " (31).

غير أن تطبيق هذا النظام
كان وما زال يتسع ويضيق بحسب الظروف السياسية العامة ووفق متغيرات الوضع المحلي ، فهو إذ يمتد في إدارته لبعض المفردات ذات الطابع السياسي إلى درجة أن يصدر في بعض المراحل عملة نقدية خاصة به (32) ، فإنه ينحسر في مراحل أو أوات أخرى إلى حدوده المسجدية والشخصية ، لكنه في كل الأحوال وحتى في حالة انتعاشه ظل متقيدا بما تمليه عليه مرحلة " الكتمان " ولم يكن ليجازف في إعلان نفسه كحكومة مستقلة عن الدولة المركزية مهما حاز من قدرات ، ذلك أن النظام أساسا هو وليد تلك المرحلة التي ينظر لها الأسلاف والتي لا زالت مستمرة ولا يمكن تجاوز مقتضياتها الموضوعية .
من هنا اتسم نظام العزابة بالمرونة السياسية وعرف بعلاقاته السلمية مع مختلف السلطات التي توالت على حكم الجزائر ، حتى أن لجوءه إلى عقد الاتفاقات أو المعاهدات سواء مع السلطة العثمانية أو مع الاحتلال الفرنسي ، كان ضمن إستراتيجية المرحلة التي تقوم على عدم الدخول مع السلطات الحاكمة في صراع حاد محافظة على البيضة ونمط الحياة الخاصة حتى وأن كان ثمن ذلك تقدي الضرائب – ولو على مضض-لتلك السلطات (33).

وفي مرحلة الاستقلال انحسر الدور القضائي والسياسي المتبقي لدى مؤسسة
العزابة حيث ولت ذلك بشكل رسمي الدولة الجزائرية دون أية مشاكل تذكر ، بخاصة وأن الرئيس هواري بومدين " على ما يبدو " قد تعامل مع الميزابيين بحكمه ومرونة أتاحت لهم الاستمرار في إدارة شؤونهم الدينية والمدنية على نحو مقبول .

إن
الميزابيين امتازوا منذ لحظة التأسيس بوعيهم الحركي والشرعي ، لذلك لم يحملوا أنفسهم أكثر مما يقتضيه " فن الممكن " وبالتالي لم يتجاوزوا في أنشطتهم الحدود المتاحة، الأمر الذي أكسبهم قدرا كبيرا من الحكمة والمرونة وأيضا بعض التسامح من قبل السلطات على النحو الذي ساعدهم على التمتع بوضع شبه مستقل حال دون التدخل في شؤونهم الداخلية ، أو إحداث التغيير القسري في نمط حياتهم الخاص .

وإذا كان
العديد من أحكام العزابة وأنشطتها أخذ يتوارى في العقود الأخيرة ، إلا أن الوادي ظل مع ذلك متشبثا بمقوماته الأساسية ومحافظا على مجمل أنماط حياته الاجتماعية والسلوكية المتميزة .
إن من حق الأوساط الميزابية أن تحتفل بمرور ألف عام (34
) على إرساء هذا النظام الاجتماعي الإسلامي الفريد ، وإن من واجب المسلمين الآخرين – بخاصة المعنيين منهم بالتغيير – أن يمعنوا النظر في هذه التجربة النادرة ويستلهموا منها الدروس . بيد أن كل ذلك لا يمنعنا من أن نكشف عن عدد من التحديات التي صار يواجهها هذا النظام اليوم ، ولعل أخطرها :

- الاختلاف وتحديات التعايش :

يتسم المجتمع الميزابي بظاهرة العزلة والتمحور حول الذات ، وإذا كان لظروف النشأة وتاريخ المطاردات أثرها في تكوين تلك السمة ، فإن حرص الميزابيون المشروع على خصوصيتهم قد ولد لديهم قدرا من التوجس إزاء الاختلاط بالآخرين ، مع ما يحمله ذلك من إمكانية نقل عدوى العادات المرفضة أو التأثر بمظاهر الحداثة المستجلبة ، إلا أن الإنطواء والعزلة يظلان مع ذلك أمران سلبيان ، وأنه لمن ضرورات العصر أن يدرك الميزابيون أهمية فتح النوافذ والخروج من القوقعة المحلية وإجراء الاتصال مع الآخرين وإدارة الحوار معهم (35).

ولعل هذا المنحى البديل مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى
في ظل ما أخذ يشهده الوادي من تعقيدات يفرزها الاختلاف بين المتساكنين والذي أخذت تتصاعد وتائره مع النمو الديموغرافي الذي ما برح يضيف إلى السكان الأصليين سكانا جددا .

لقد أضحت الولاية تضم الحضري والبدوي والإباضي والمالكي على نحو من
شأنه أن يولد بعض الصراعات الخفية أو الظاهرة (36)، الأمر الذي يتوجب معه على مجلس العزابة أن يواجه هذا التحدي الخطر ، ويعمل ما وسعه على استيعاب إشكالياته عبر عمليات الاتصال والحوار والتفاهم وتغليب منطق الأخوة والوئام والمصلحة العامة .

في غضون ذلك لا بد من التأسيس لفكر وفاقي والعمل على إرساء التنشئة
الوحدوية التي تقوم على بث روح التسامح وترسيخ حق الاختلاف وإشاعة احترام الاجتهاد المغاير ومنح قيم الوئام المحلي والسلام الاجتماعي الأهمية المطلوبة في تفكير الأفراد وسلوكياتهم .

كما أن كل ذلك بحاجة إلى أن يترجم عبر قنوات الأسرة
والمدرسة والمسجد والنادي ، وتكريسه عمليا من خلال مختلف الفعاليات التربوية والثقافية والاجتماعية ،مما يعني ذلك ضرورة أن يحدث نظام العزابة تغييرا أساسيا في برنامجه الحركي يمكن أن يكون المبتدأ فيه تشكيل " لجنة للوئام والوحدة " تنبثق عن مجلس العزابة مهمتها التخصص في هذا الشأن الهام.

وبعبارة أخرى لا بد أن يشرع
مجلس العزابة في بناء إستراتيجية جديدة للعمل يتجاوز بموجبها قصر الاهتمام بالجماع الضيقة والعبور بمظلته نحو الجماعة الواسعة بحيث يمكن تجسيد ذلك من خلال العمل المشترك والتكافل الاجتماعي والمشاركة في الأفراح والأحزان والمناسبات الاجتماعية والدينية ، وحتى تجاوز المذهبية كمعيار وحيد في الانتخابات المحلية ، ما دام ثمة متسع لوجود الأعدل والأكفأ عند مختلف الأطراف (37).
بمثل هذه الإصلاحات سيتسنى
لنظام العزابة أن يقدم نفسه بشكل إيجابي وأن يظهر بصورة إسلامية حضارية تجعله محل ثقة واحترام الجميع .
- الغزو الثقافي ومتغيرات الحداثة :

إن تراثالعزابة الذي صبغ حياة المجتمع الميزابي بأوجهها المختلفة يواجه بالإضافة إلىالتحدي الداخلي ، تحديات أخرى تفرضها متغيرات العصر ، وفي مقدمتها الغزو الثقافيالخارجي والعولمة الفضائية التي ما برحت تغطي سماء الوادي بتلكم القيم والصوروأنماط الحياة وأساليبها وصيغها المثيرة والمؤثرة ، فضلا عما تتيحه السياحة من فرصاللقاء مع المستحدثات المظهرية والسلوكية التي لم يألفها الناس من قبل .

كمايواجه الميزابيون أيضا تحديات التحديث في بعدها الاقتصادي ، فهم إذ ظلوا طيلةحياتهم مزارعين أو تجار ، فليس في وسعهم اليوم أن لا ينخرطوا في حقل الصناعةالحديثة التي أخذت تشهدها الصحراء الجزائرية من حولهم منذ منتصف العقد الثامن منالقرن الماضي .

والتسائل المطروح هنا هو : إلى أي حد ستتأثر نظم العلاقاتالاجتماعية بهذه المتغيرات الجديدة ؟ وهل سيظل الطابع التقليدي للوادي صامدا أمامهاتيك المؤثرات المادية فضلا عما أشرنا إليه من مؤثرات ثقافية وإعلامية ؟
المراجع والهوامش

1-
د. محمد عبد الستار عثمان دكتور : المدينةالإسلامية ، عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت ،العدد (128) 1408هـ-1988م ، هامش رقم (53) من ص91.
2-
راجع : الشيخ علي يحيىمعمر : الإباضية مذهب إسلامي معتدل ، تعليق ، أحمد بن سعود السيابي ، مطابع النهضة،ط2، سلطنة عمان ، بدون تاريخ .
3-
علي يحيى معمر : الإباضية بين الفرقالإسلامية عند كتاب المقالات في القديم والحديث ، المطبعة العربية ، غرداية ،الجزائر ، ص329-330.
4-
أنقل هذا الرأي عن أحد أهالي المنطقة – لا أذكر إسمهللأسف- همس لي به أثناء زيارتي لولاية غرداي في العام 1989م.
5-
بل ثمة متسعللرأي الذي يقارب الموضوع من زاوية التحليل السياسي والذي يمكن بموجبه الأخذ بنظرالاعتبار مقتضيات التكتيك الظرفي التي كانت تفرضها وقائع الصراع من جهة ومصلحةالمسلمين العليا في حقن الدم وإبطال الخلاف من الجهة الأخرى .
6-
محمد عبد الستارعثمان ، المدينة الإسلامية ، مرجع سابق ، ص7.
7-
د. محمد ناصر : حلقة العزابةودورها في بناء المجتمع المسجدي ، دراسة مطبوعة من الآلة الكاتبة 1410هـ-1989م ،الجزائر، ص1.
8-
د. محمد المنسي قنديل : وادي ميزاب تراث جزائري حي ( إستطلاع ) ،العربي ، العدد (445) السنة (38)، 1995، الكويت ، ص130.
9-
أورده : محمد عبدالستار عثمان ، مرجع سابق ، ص11.
10-11) –
إبراهيم محمد الطلاي : ميزاب بلد كفاح، دار ابعث ، قسنطينة ، الجزائر ، 1970، ص23.
12-
محمد المنسي قنديل ، العربي ،مرجع سابق ص127.
13-
راجع : أسماوي صالح بن عمر : نظام العزابة ودوره في الحياةالاجتماعية والثقافية في وادي ميزاب ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة فيالتاريخ الإسلامي الوسيط ، جامعة الجزائر ، معهد التاريخ ، 1406هـ- 1986م ص123. وكذلك : علي يحيى معمر : الإباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الأولى ، مطابع التهضة، ط2، سلطنة عان 1410هـ- 1989م ،ص97.
14-
تأخذ مسالك الدين أربع حالات فيالتنظير الإباضي هي : مرحلة الظهور ( الإامامة والتمن ) ، الدفاع ( المواجهة العامة ) ، الشراة ( المواجهة الفدائية ) ، الكتمان ( الاستضعاف والتقية ) . راجع في توضيحذلك : علي يحيى معمر ، المرجع السابق ، ص93-98.
15-
المرجع السابق ،ص98.
16-
راجع الشيخ إبراهيم عمر بيوض : المجتمع المسجدي، إعداد محمد ناصر بوحجام ، المطبعة العربية ، غرداية ، 1989م ، هامش رقم (44) ، ص163.
17-
إبراهيممحمد الطلاي ، ميزاب بلد الكفاح، مرجع سابق ،ص84.
18-19)
انظر د. تركي رابح : التعليم القوي والشخصية الوطنية ، الجزائر ،ص253-254.
20
انظر المرجع السابق،ص68.
21
محمد المنسي قنديل، العربي ، مرجع سابق ، ص137.
22-
إبراهيم محمدالطلاي ،ميزاب بلد الكفاح ، مرجع سابق ، ص64.
23-
إبراهيم بن عمر بيوض ، مرجعسابق ،ص131-132.
24-
علي يحيى معمر : الإباضية في الجزائر ، صححه أحمد عمر أويكة، المطبعة العربية ، غرداية ، بدون تاريخ ، ص224-258.
25-
راجع : محمد ناصر ،حلقة العزابة ودورها في بناء المجتمع المسجدي ، مرجع سابق ،ص22.
26-
راجع : محمدالمنسي قنديل ، العربي ، مرجع سابق ، ص140.
27-
المرجع الأسبق ،ص22.
28-
أورده : يوسف بن الحاج يحيى الواهج: المرأة في المجتمع الميزابي ط1، الجزائر 1403هـ-1982م، ص59.
29-
أسماوي صالح بن عم ، مرجع سابق ،ص150.
30-
راجع فيذلك : بكير سعيد أعوشت : دراسات إسلامية في الأصول الإباضية ، ط1، 1402هـ-1982م ،مطبعة البعث ، قسنطينة ، الجزائر ، ص106-107.
31-
مقالته الفرنسية : l,invition do mazab,la.revolution africaine,no274،1968، p.22-260.
32-
علي يحيى معمر : الإباضية في الجزائر ،ج2،مرجع سابق ، ص282
.
33-
حين اقتربت قوى الاحتلال الفرنسيفي العام 1852م من وادي ميزاب أرسل الإباضيون وفدا إلى مدينة " الأغواط " القريبةللتفاوض مع الجنرال " الكونت دي راندون " للمطالبة بأن يترك سكان الوادي يعيشون وفقما اختاروه من نظم وتقاليد مقابل التزامهم بدفع ما يطلب منهم من ضرائب .
34-
كانذلك أكثر من عشر سنوات .
35-
لعل الإباضيين في عمان هم أكثر من وعى هذه الحقيقةحيث نجد المؤسسة الدينية هناك تنشط في هذا الاتجاه المحمود الذي يقوده بحيويةالمفتي العام للسلطنة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ويدعم من الدولة على ما يبدو .
36-
أحداث بريال المؤسفة في العام 1990م مثالا.
37-
انظر مقترحات في هذاالخصوص : مصطفى إبراهيم رمضان : خواطر حول الوضعية الاجتماعية ، والعلاقاتالإنسانية في غرداية ، بدون تاريخ ، ص61-65وص90-94.

انتهى .....والله منوراء القصد وهو يهدي السبيل.


رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-12-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



بارك الله فيك أخي الكريم على هذه النفحات الطيبة
بوركت

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الممكن , التخيل , الإباضي , وفن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يوتيوب نور الإستقامة الإباضي عابر الفيافي الصوتيات والمرئيات الإسلامية 13 08-14-2013 10:11 AM
علاج البلغم و السعال بالطب البديل جنون نور الصحة والعناية 7 05-23-2011 12:38 AM
من هم الاباضية -مدخل لفهم حقيقة الإباضية والمذهب الاباضي عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 4 11-14-2010 07:28 PM
التخيل السلبي نورالحق نور الثقافة والمعرفة 2 05-21-2010 03:36 PM


الساعة الآن 07:24 AM.