تنبيه هام |
الإهداءات |
نور الحوار العام [الحوار العام والهادف] [المواضيع العامه التي لا تندرج تحت اي قسم] |
| أدوات الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
| ||||||||||||||||
| ||||||||||||||||
سر من أسرار السعادة هو انسجام الظاهر و الباطن في وحدة متناسقة متناغمة. إن غروب الشمس و انسدال العتمة في حنان و النظام المحكم الذي يمسك بالنجوم في أفﻼكها و إطﻼلة القمر من خلف السحاب و انسياب الشراع على النهر و صوت السواقي على البعد و حداء فﻼح لبقراته و نسمات الحديقة تلف الشجرات التي فضضها القمر كوشاح من حرير.. إذا اقترنت هذه الصورة الجميلة من النظام و التناسق بنفس تعزف داخلها السكينة و المحبة و النية الخيرة.. فهي السعادة بعينها. أما إذا اقترنت هذه الصورة من الجمال الخارجي بنفس يعتصرها الغل و التوتر و تعشش فيها الكراهية و تنفجر داخلها قنابل الثأر و الحسد و الحقد و نوايا اﻻنتقام.. فنحن أمام خصومة و تمزق و انفصام. نحن أمام هتلر ﻻ حل له إﻻ أن يخلق حربا خارجية تناسب الحرب الداخلية التي يعيش فيها.. نحن أمام شقاء لن يهدأ إﻻ بأن يخلق شقاء حوله. إن السعادة في معناها الوحيد الممكن هي حالة الصلح بين الظاهر و الباطن بين اﻹنسان و نفسه و اﻵخرين و بين اﻹنسان و بين الله. فينسكب كل من ظاهره و باطنه في اﻵخر كأنهما وحدة، و يصبح الفرد منا و كأنه الكل.. و كأنما كل الطيور تغني له و تتكلم لغته. أما الصورة الدارجة للسعادة التي تتداولها اﻷلسن عن شلة اﻷنس التي تكرع الخمر في عوامة و حولها باقة من النساء الباهرات العاريات و أجساد تتخاصر و شفاه تتﻼثم في شهوة مشتعلة و أفواه تتنفس الحشيش في خدر و تلذذ. هذه الصورة هي حالة شقاء و ليست حالة سعادة فنحن مع نفوس تركت قيادها للحيوان الذي يسكنها و كرست حياتها ﻹرضاء خنزير كل همه أن يأكل و يضاجع. هي حالة عبودية.. حالة غرق لﻺنسانية في مخاط الحيوانية اللزج. و مثلها حالة السعداء اﻵخرين الذين يتسلقون على بعضهم بعضا جريا وراء المناصب و اﻵخرين الذين يكدسون المال و الطين و العقار و يلتمسون السلطة و القوة بكل السبل. فالسعادة ﻻ يمكن أن تكون في المال أو القوة أو السلطة بل هي في (( ماذا نفعل بالمال و القوة و السلطة)). في النفس التي تستخدم المال و القوة و السلطة. السعادة ليست في البيت المفروش بالسجاجيد العجمي و الشينوا و الكريستال و لكن في النفس التي تسكنه. و (( الخارج)) ﻻ يستطيع أن يقدم لنا شيئا إذا كنا نحن من (( الداخل)).. من نفوسنا.. غير معدين لﻼنتفاع بهذه المنحة الخارجية السخية.. و إذا لم نكن في صلح مع هذا الخارج و في تكييف معه. و في قصة لتولستوي يقول اﻹقطاعي للفﻼح الطامع في أرضه سوف أعطيك ما تشاء من أرضي. تريد عشرة فدادين.. مائة فدان.. ألفا.. لك أن تنطلق من اﻵن جريا في دائرة تعود بعدها إلى مكانك قبل أن تغرب الشمس فتكون لك الدائرة التي رسمتها بكل ما اشتملت عليه من أرض.. شريطة أن تعود إلى نقطة البدء قبل غروب الشمس، أما إذا غربت الشمس و لم تعد فقد ضاعت عليك الصفقة.. و يفكر الفﻼح الطماع في دائرة كبيرة تشمل كل أرض اﻹقطاعي.. و هو مطمع يحتاج منه إلى همة و سرعة قصوى في الجري حتى يحيط بها كلها في الساعات القليلة الباقية على الغروب. و يبدأ في الجري و كلما تقدم الوقت كلما وسع من دائرته اغترارا بقوته و طمعا في المزيد و تكون النتيجة أن تتقطع أنفاسه و يسقط ميتا قبل ثوان من بلوغ هدفه.. ثم ﻻ يحصل من اﻷرض إﻻ على متر في متر يدفن فيه.. و هذه هي حاجة اﻹنسان الحقيقية من اﻷرض بضعة أشبار يرقد فيها.. و هو ينسى هذه الحقيقة فيعيش عبدا ﻷهواء و أطماع و أوهام تضيع عليه حياته. و قد فطن تولستوي إلى هذه الحقيقة فوزع أرضه على الفﻼحين و هرب من بيته اﻷنيق الدافئ و سكن في كوخ حقير مع الفقراء المعدمين. و كذلك فعل غاندي الذي عاش على عنزة يحلب لبنها و يغزل صوفها. و كذلك فعل المسيح الذي عاش بﻼ بيت و بﻼ زوجة و بﻼ ولد.. ﻻ يملك إﻻ ثوبه. و هؤﻻء هم السعداء العظام الذين جاءوا ليعلموا الناس كيف تكون السعادة. قال لنا بوذا إن السعادة في قمع الرغبة و ردع النفس و كبح الشهوة بذلك وحده يكون العتق الحقيقي للروح و تحررها من سجن الجسد. و قال لنا المسيح: (( من أهلك نفسه في سبيلي وجدها )). و قال طالوت لجنوده في القرآن: (( إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني و من لم يطعمه فإنه مني )). و كلها إشارات و رموز إلى الحقيقة. فنحن لم نوهب الشهوة لنشبعها أكﻼ و شربا و مضاجعة و تكديسا للمطامع و الثروات.. و إنما وهبنا الشهوة لنقمعها و نكبحها و نصعد عليها كما نصعد على درج السلم. فالجسد هو الضد الذي تؤكد الروح وجودها بقمعه و كبحه و ردعه و التسلق عليه. و بقمع الجسد و ردعه و كبحه تسترد الروح هويتها كأميرة حاكمة و تعبر عن وجودها و تثبت نفسها و تستخلص ذاتها من قبضة الطين و تصبح جديرة بجنتها و ميراثها.. و ميراثها السماء كلها، و مقعد الصدق إلى جوار الله.. و هذه هي السعادة الحقة. أما إذا غلب حكم الطين و انتصرت الجبلة الحيوانية و قرن اﻹنسان ذاته الشريفة بالمادة الطبيعية فقد هبط بنفسه إلى سجن الضرورات و إلى غلظة اﻵلية و إلى نار الطبيعة التي تأكل بعضها بعضا و أصبح منها و فيها و لها.. و تلك هاوية التعاسة و التمزق و الشتات. و طريق اﻹنسان هو هذا الكدح خارجا من قبضة مادته إلى نورانية روحه. (( يا أيها اﻹنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فمﻼقيه )). و هو في مكابدة دائمة من لحظة ميﻼده يتأرجح بين قطبي جسده و روحه في قلق ﻻ يهدأ و صراع ﻻ يتوقف.. يصعد ثم يسقط ثم يعاود الصعود ثم يعاود السقوط. و كل منا له معراج إلى الكمال. و كل منا يصعد على قدر عزمه و إيمانه. و ﻻ صعود دون ربط اﻷحزمة على البطون و كبح الشهوات. و الكامل حقا ﻻ يرى في الحرمان حرمانا فموضوعات اللذة المادية لم تعد بذات قيمة في نظره فهو قد وصل بإدراكه العالي إلى تذوق المتع الروحية و اللذات المجردة.. فأصبحت الماديات بعد ذلك شيئا غليظا ﻻ يسيغه.. و هو ارتقاء أذواق و ليس فقط ارتقاء همم و عزائم. و الصوفية يسمون هذا المعراج النفسي بالخروج.. الخروج من الصفات البشرية إلى الصفات اﻹلهية. و الله يطوي الصفات البشرية عن أحبابه كما يطوي لهم اﻷرض و يجذبهم إليه.. و هي الجذبة الصوفية.. و هي إذا جاءت لصاحبها على غير استعداد جعلت منه مجذوبا خارجا عن صوابه، و هي رتبة دون الكمال.. ﻷن الكمال هو الصﻼح بوعي.. و ليس الصﻼح بفقد الوعي. و اﻷنبياء في هذا الموضوع هم القدوة. و لم نعرف نبيا واحدا كان مجذوبا أو هائما على وجهه بﻼ عقل. و هذه إحدى مزالق الطريق الصوفي.. أن يتعجل السالك الطريق برياضات الخلوة الحادة و مجاهداتها المضنية فيفقد حيوانيته و عقله معا. و القرآن كان هو المنهج اﻷمثل لهذه التزكية النفسية فاختار طريق الوسط.. طريق اﻻعتدال، بين اﻹفراط و التفريط. (( كلوا و اشربوا و ﻻ تسرفوا )).. فنصح بضبط النفس على جادة اﻻعتدال.. ﻻ رهبانية و صيام الدهر.. و ﻻ إطﻼق لعنان الشهوات.. و إنما ضبط السلوك على دستور الشريعة و الوصايا.. و هو منهج يؤدي إلى العروج الروحي دون تعسف و دون جذب. و ﻻ يهتم المسلم السالك بأن تجري على يديه الكرامات و خوارق العادات و إنما هو يقول.. أعظم كرامة هي اﻻستقامة. و اﻻستقامة هي سمة اﻹنسان حقا. و هي تلك الحالة التي وصفناها في بداية المقال بأنها انسجام الظاهر و الباطن في وحدة متناسقة متناغمة.. و أنها حالة الصلح بين اﻹنسان و نفسه و بينه و بين الناس و بينه و بين الله. هذا المقال مقتطف من كتاب " الروح والحياة" للدكتور مصطفى محمود uk hgv,p ,hg[s] uk
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الروح , عن , والجسد |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تويوتا تطلق سيارة سيون 2014 لإعادة الروح الى الجسد | الامير المجهول | نور الـسـيارات والسرعة | 0 | 05-14-2013 06:07 PM |
حالة خروج الروح من الجسد | المحبة السلام | نور العجائب والغرائب | 0 | 11-03-2012 05:32 PM |
رمضــآن سعـــآدة الروح (الراحمون يرحمهم الرحمن) | فخـ ‘ ـرإلشمـ ‘ ـآل | الخيمة الرمضانية | 1 | 08-04-2012 03:21 PM |
تفسير سورة الإسراء ص 9 (القرطبي) | الامير المجهول | علوم القرآن الكريم | 0 | 09-19-2011 10:48 PM |
قلوبنا تعيش من أجل.............!! روح حبيب الروح !! | N@zwani.99 | نـور الخواطر | 4 | 11-27-2010 02:13 AM |