سؤال أهل الذكر 14 من جمادى الثانية 1425هـ ، 1/8/2004م--الموضوع : حوار الحضارات - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات


العودة   منتديات نور الاستقامة > الــنـــور الإسلامي > نور الفتاوى الإسلامية > حلقات سؤال أهل الذكر

حلقات سؤال أهل الذكر حلقات سؤال أهل الذكر,فتاوى الشيخ أحمد بن حمد الخليلي,فتاوى الشيخ سعيد بن مبروك لقنوبي,حلقات سؤال أهل الذكر كتابية مفرغة


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
Post  سؤال أهل الذكر 14 من جمادى الثانية 1425هـ ، 1/8/2004م--الموضوع : حوار الحضارات
كُتبَ بتاريخ: [ 02-19-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية جنون
 
::مـشـرفـة::
::نـور الـصـحـة والعناية::


جنون غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 15
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : مكان ما
عدد المشاركات : 1,947
عدد النقاط : 154
قوة التقييم : جنون له تميز مدهش وملحوظ جنون له تميز مدهش وملحوظ


سؤال أهل الذكر 14 من جمادى الثانية 1425هـ ، 1/8/2004م
الموضوع : حوار الحضارات

السؤال(1)
كثر الحديث خصوصاً في السنوات الأخيرة عن حوار الحضارات وأعدت هناك الكثير من الدراسات والاطروحات وعقدت الكثير من المؤتمرات .
وهو موضوع يمكن بحثه من جوانب مختلفة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية ، ونحن في هذا اللقاء ننظر إلى حوار الحضارات من خلال رؤية شرعية مستمدة من هذه الشريعة الغراء ، وباعتبار أننا أمة تستمد تصوراتها وأفكارها وتهتدي في سلوكياتها وتصرفاتها بهدي الكتاب العزيز ، فهل هناك من نصوص أو إشارات في كتاب الله أو في سنة الرسول صلى الله عليه وسلّم يمكن أن نستلهم منها مشروعية الدخول في حوار الحضارات ؟

الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى بعث عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلّم كما بعث إخوانه من الرسل من قبل برسالة الحق ، رسالة الهدى ، رسالة الإنقاذ لهذه الإنسانية ، رسالة وصل الدنيا بالآخرة ووصل المخلوق بخالقه تبارك وتعالى أولاً ، رسالة وصل هذا الإنسان المستخلف في هذه الأرض ببني جنسه ، ووصله بهذا الكون بأسره ، لأن الإنسان مستخلف في جزء منه وهو الأرض ، وممكن في الانتفاع بجميع أجزاء هذا الكون .
فلذلك كانت هذه الرسالة رسالة عقل . والله سبحانه وتعالى شرف الإنسان بالعقل ، وميزه به على غيره ، وجعله مناط تكليفه وسبب هدايته . ونجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ما يدل على تكريم العقل ورفع قدره فالله تعالى يقول ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، ويقول ( لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) ، و( لقوم يذكرون ) ، و ( لقوم يتفكرون ) ، و( لقوم يعلمون ) ، مما يدل على أن العقل عندما يستخدم استخداماً سوياً سليماً يؤدي بهذا الإنسان إلى أن يهتدي بفضل الله تبارك وتعالى وتوفيقه .
ولما كان العقل هو مناط تكريم الإنسان والإسلام جاء بهذه الرسالة مبنية على أسس من العقل السليم والشرع الصحيح فإن خطابه للعقلاء من الأمم مبني على هذا الأساس .
ولذلك نحن نجد في كتاب الله تعالى حواراً لجميع الفئات من البشر ، للضالين من مختلف الفئات .
الله تبارك وتعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلّم بمحاورة المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة أخرى ، ويبين له من خلال النظرة العقلية الفاحصة لهذا الكون وسننه ونواميسه التي طبعه الله تبارك وتعالى عليها ما يدل على وحدانية الله سبحانه ، فالله تعالى يقول ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (الرعد:16) .
ويقول سبحانه وتعالى أيضاً موجهاً لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم إلى محاورة أولئك الذين ضلت عقولهم ، وانحرفوا عن سواء الصراط ، واتخذوا مع الله آلهة أخرى ، وعوّلوا على مخلوقات لا تنفع ولا تضر في طلب قضاء الحاجات وفي التوصل إلى الرغائب ، وفي الوصول إلى المقاصد ، فالله تبارك وتعالى يقول ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (النمل:59-64) ، فهذا كله حوار مع الإنسان على أسس العقل . فإن القرآن الكريم يفتح مدارك هذا العقل ، ويبين لهذا الإنسان أن حقائق الوجود كلها تنبئ بلسان حالها أنها مفتقرة إلى واجب الوجود لذاته ، وأنها لا يمكن أن تقوم بنفسها . ولذلك يقول أحد علمائنا ( إن كل ذرة من ذرات الكون هي كلمة من كلمات الله ناطقة بوجوده سبحانه وما عداها فهو كالشرح لتلك الكلمة ) .
فالقرآن الكريم جاء بخطاب العقل ، جاء بتوجيه الإنسان إلى الخير ، جاء بمحاورة هذا الإنسان الذي آتاه الله تبارك وتعالى ما آتاه من عقل ، ولكن طمس هذا العقل بضلاله وبانحرافه ، بمخلفات أسلافه التي جعلها مقدمة على العقل ، ورأى أن سلامته في أن يغمض عينيه ويسد أذنيه ولا يعول إلا على ذلك الموروث الذي ورثه هدى كان أو ضلالاً ، حقاً كان أو باطلاً .
وكما أنه يحاور المشركين من العرب هذا الحوار بحيث إنه يوقفهم على الحقيقة التي يجب أن يسلّموا لها إن كانوا عقلاء وهي وحدانية الله سبحانه وتعالى فإنه يحاور أيضاً أهل الكتاب ويبين لهم أن الحق يقتضي أن يفردوا الله تبارك وتعالى بالعبادة وأن لا يشركوا معه غيره ، فالله تبارك وتعالى يقول ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) ، هذا هو منطق العقل .
الله سبحانه وتعالى يدعوهم إلى أن يجتمعوا إلى كلمة سواء بين المؤمنين وبين أهل الكتاب ، وهذه الكلمة السواء أن لا يشركوا بالله ما لم يأذن به ، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أرباباً ، وأن لا يدعوا مع الله إله آخر .
هذا كله هو حوار جاء به الإسلام دين الله تعالى الحق .
فالإسلام يفتح مجالاً واسعاً للحوار مع أي أحد ، ولكن لا يعني ذلك أن هذا يعني التشكيك في أي قضية من قضايا الإسلام . الإسلام جاء من عند الله ، ليس لأحد فيه دخل ، فلا يعني هذا أن ينزل الإنسان عن شيء من قضايا الإسلام ، من عقيدة الإسلام ، من موروث الإسلام ، مما جاء في كتاب الله ، مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، لا يمكن أن يكون لأي أحد في ذلك دخل ، ولا يملك أي أحد أن ينزل عن أي شيء من ذلك ، وكل من رد شيئاً من ذلك فهو ناقض للإسلام من أساسه .
وإنما هذا الحوار من أجل أن هذه الرسالة رسالة الإسلام هي رسالة عالمية ، هي رسالة لا تقف عند حدود الزمان والمكان ، جاءت لتكون هدى للناس ، جاءت لتكون هدى للعالمين ( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً )( الفرقان: من الآية1) ، جاءت هذه الرسالة من أجل إخراج هذا العالم بأسره من فساده وانحرافه وباطله إلى الصلاح والحق والاستقامة على سواء الصراط .
الله تبارك وتعالى أخبر فيما أنزله في مكة المكرمة في الآيات المكية أن هذا الإسلام هو رحمة للعالمين ، الله تعالى يقول ( إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ )(يوسف: من الآية104) (التكوير:27) (صّ:87) ، ويقول ( وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) (القلم:52) ، جاء ذلك كما نرى في سورة يوسف وهي سورة مكية ، في سورة ص ، في سورة القلم ، في سورة التكوير ، هذه كلها سور مكية .
وكثير من الناس حاولوا أن يكابروا أولئك الذين كبر عليهم أن تكون دعوة الإسلام دعوة عالمية حاولوا أن يكابروا ويزعموا بأن عالمية الإسلام ما كانت مذكورة في الدعوة المكية وإنما دعا إليها رسول الله صلى الله وسلّم أو نادى بها بعدما انتقل إلى المدينة المنورة ولاحت له علائم النصر فرجا أن تكون دعوته دعوة عالمية . هذا من كذبهم وافترائهم والكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلّم ، وإلا فالآيات المكية تدل على هذا . الدعوة الإسلامية قامت على أساس أن تكون دعوة عالمية من أول أمرها .


السؤال(2)
لعل الهاجس المؤرق لكثير من العلماء والمفكرين عند تطرقهم لقضية حوار الحضارات هو التخوف من المساس بالهوية ، والرغبة في الحفاظ على الخصوصية العربية والإسلامية ، برأيكم سماحة الشيخ كيف يمكن الدخول في حوار الحضارات مع المحافظة على الهوية والخصوصية ؟

الجواب :
أولاً أنا أريد أن أعلق على كلمة العربية والإسلامية .
الإسلام ليس ديناً عنصرياً ، القومية العربية وغيرها هذه دعوات إنما هي ردة فعل ، وقد ولدت في محاضن غير إسلامية .
الإسلام جاء بدعوة إسلامية من غير تفرقة بين عربي وأعجمي ، نعم جعل الله تبارك وتعالى اللسان العربي وعاء للإسلام ، وسمعت أحد العلماء المفكرين وقد أجاد في هذا يقول ( إن كلمة عروبة وهي مفرغة من الإسلام تساوي صفر ) ، لا تساوي شيئاً . العرب لم يكن لهم شأن يذكر قبل الإسلام .
كان ملكهم النعمان بن المنذر عندما يذكر أمام كسرى يقال له عبدك نعمان ، كانوا أذلة ولكن الله تعالى أعزهم بالإسلام ، فالإسلام هو كل مجد .
نعم العرب شرفهم الله بأن جعلهم طليعة هذا الفتح الإسلامي ، طليعة هذه البشارة الإسلامية .
فنحن علينا أن نعتز بإسلامنا لا بعنصرنا ، أما لو اعتززنا بعنصرنا فإن في تاريخ الأمم الأخرى من غير العرب من الأمجاد المادية الدنيوية ما تتضاءل معه أمجاد العرب ، أقاموا امبراطوريات وفتحوا الدنيا واستذلوا الناس وعبدوا الناس وفعلوا وفعلوا وفعلوا ، وإنما الإسلام هو الذي رفع من شأن العرب ، ورفع أيضاً من شان الأمم الأخرى ، وسوّى ما بين الجميع .
فعلى كل حال الهوية الإسلامية لا يمكن المساس بها ، لا يمكن أن تنال بأي شيء . المسلم لا يكون مسلماً حقاً إلا عندما يستسلم لله تبارك وتعالى في كل ظاهره وباطنه .
الله تبارك وتعالى بيّن الإسلام ما هو عندما قال ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ( الأنعام : 161- 163)، نعم المسلم مأمور هكذا أن يكون ظاهره وباطنه ، روحه وجسمه ، قلبه وعقله ضميره وغرائزه كل ذلك خاضعاً لله تعالى مستسلماً له منقادا .
معنى الإسلام هو الاستسلام ، وهذا الاستسلام ليس هو للمخلوق ، وإنما هو استسلام لرب المخلوقين ، لمن خلق السماوات والأرض ، لمن صرّف هذا الوجود ، لمن يتجلى كبرياؤه في كل جزء من مملكته ، في أدنى جزء من مخلوقاته ، من يتجلى في كل موجود وجوده ويغمر كل مشهود شهوده ، هذا هو الذي يستسلم له وينقاد . هذا الاستسلام فيه تحرير للرقاب من أن تخضع لغيره سبحانه وتعالى ، فيه تحرير للنفوس من أن تتطامن إلا لجلاله تبارك وتعالى وكبريائه .
فهذا الإسلام هو الذي ينقذ هذه الإنسانية الحائرة التعيسة ، عندما يكون الإنسان غير عبد لشهواته ، وغير عبد لرغباته ، وغير عبد لبيئته ، وغير عبد لموروثاته الفكرية وغير ذلك إنما عبوديته لله ، عبوديته لمن خلق السموات والأرض ، ولذلك يسلم له حياته بأسرها .
( قُلْ إِنَّ صَلاتِي ) أي الصلاة هي رمز العبادات .
( وَنُسُكِي ) النسك وهو إن كان عبادة من العبادات لكن فيه قضاء منافع دنيوية وهو الذبح .
( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أن يكون المحيا لله ، وأن يكون الممات لله سبحانه وتعالى عندئذ يكون الإنسان حقاً مسلماً ، بهذا يكون الإنسان مسلماً حقاً ، أما بما دون ذلك فهذه دعوى إسلام ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (الأحزاب:36) .

السؤال(3)
من المعروف في القواعد الفقهية أن الأمور بمقاصدها ، ويمكن القول أيضاً أن الأمور بنتائجها ومآلاتها ، وبما أن حوار الحضارات أصبح أمراً حتمياً ، هل يمكن أن ندخل هذا الحوار ونعود منه محققين أكبر قدر من المكاسب ؟

الجواب :
هذا يعود إلى عقلية المحاور ومؤهلاته الفكرية ورسوخ العقيدة في نفسه ، لأن المسلم الحق الذي رسخت في نفسه عقيدة الإسلام لا يمكن أن يتزعزع ، لأن أي زعزعة ولو قيد شعرة تؤدي به إلى التقهقر . فمن رضي لنفسه أن يتقهقر خطوة واحدة فإنه ستتقهقر اضطراراً خطوات ، إذ من تقهقر خطوة لا بد أن تلي تلك الخطوة خطوات أخرى ، فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يكون هذا المحاور متمكناً في عقيدته ، قادراً على استلهام الحقائق وعرضها على الأسس الثابتة على القضايا المسلمة ، على كتاب الله وعلى هدي رسوله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام .
عندما يكون هناك تسليم تام لأمر الله سبحانه وتعالى بحيث لا يكون هنالك أي تردد فلا ريب أن الإسلام بقوته التي لا تقف عند حد سوف يتغلب على جميع التيارات .
الإسلام قوي وإن ضعف أهله ، ما نراه من ضعف ليس هو في الإسلام ، وإنما هو في الذين حُمّلوا هذا الإسلام فلم يحملوه بجدارة ، إنما هو في المنتسبين إليه والمنتمين إليه .
الإسلام مشكلته من أبنائه أكثر من مشكلته من قبل أعدائه ، ولو أن الإسلام رسخ في أبنائه رسوخاً حقاً فإنه لا يمكن أن تقف أمامه أي قوة من القوى لأنه يستمد قوته من حقيقته ، وحقيقته جاءت من عند الله ، ليس هو نظاماً بشرياً وإنما هو نظام رباني جاء من عند الله .
ثم إن الإسلام له الكثير من المزايا ، لا يمكن أن نقارنه بأي فلسفة ، ولكن لو شئنا أن نقول بأن مزايا الإسلام التي تثبته وترسخه وتدعمه وتجعله لا يتزعزع ولا يتضعضع كثيرة ، من تلكم المزايا أنه جمع ما بين الجانب الروحي والجانب المادي ، فهو مع كونه عقيدة راسخة في النفس هو نظام حياة يشمل كل جانب من جوانب الحياة البشرية ، وهو صلة بين العبد وربه ولكنه أيضاً رابط بين هذا العبد وبين مخلوقات الله تبارك وتعالى ، هو واصل ما بين هذا الإنسان المسلم وما بين إخوانه المسلمين ، وواصل ما بينه وما بين الجنس البشري بأسره ، بل هو واصل بين هذا الإنسان المسلم وبين الكون المترامي الأطراف الذي تسبح ذراته بحمد الله وتسجد خاضعة لجلال الله .
فالإسلام لا يخشى من هذه الناحية ، وإنما كل الخشية من قبل هذه الهزيمة النفسية التي أصابت أمة الإسلام حتى أخذت تتقهقر وترضى لنفسها الدنية . أمة الإسلام أصيبت بما أصيبت به ، وهذا بسبب أنها حُمّلت رسالة الإسلام ولم تحملها بجدارة فصدق عليها ما قاله الله تبارك وتعالى في من حُمّل التوراة ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) (الجمعة: من الآية5) ، كذلك نفس الشيء هذه الأمة لا يمكن أبداً أن تكون على شيء إلا عندما تقيم موازيين الحق التي أنزلها الله تعالى في هذا الكتاب العزيز ، ولئن كان الله تعالى يخاطب أهل الكتاب بقوله ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ ) ( المائدة: من الآية68) فإن أمة القرآن ليست على شيء حتى تقيم القرآن ، ومعنى إقامتها للقرآن أن تأخذ بالقرآن الكريم في كل جزئية من جزئيات حياتها بحيث لا تفرط أبداً في القرآن الكريم ، هي مطالبة بأن تقيم القرآن في حياتها عقيدة ومنهجاً وسلوكاً وأخلاقا .

السؤال(4)
بالنسبة للنتاج الفقهي عبر خمسة عشرة قرناً من الزمان وكذلك أيضاً النتاج الفقهي المعاصر هل ترون سماحتكم أنه يدعم الحوار ؟

الجواب :
يجب علينا أن نفرق بين الفقه الذي هو بمعنى الشريعة المنزلة من قبل الله سبحانه وتعالى ، وبين الفقه الذي هو بمعنى الوعي البشري لهذه الشريعة .
أما الشريعة المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى فإنها بطبيعة الحال شريعة صالحة لكل عصر من العصور ، تستوعب مشكلات الإنسانية بأسرها ، فيها ما يشفي غلة كل صادي ، فيها ما يقضي على كل مشكلات هذه الحياة لأنها جاءت من عند الله الذي هو الخبير بمصالح العباد ، والخبير بطوايا فطرهم ، والخبير بدخائل نفوسهم ، والخبير بالطبيعة التي تربطهم بهذا الكون من حولهم ، فالله سبحانه وتعالى يعلم ذلك كله ، ولذلك جاءت شريعته منسجمة مع نواميس الكون وسنن الوجود ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (الملك:14) .
وأما إذا جئنا إلى الفقه بمعنى فهم العباد ، فإن الافهام تتباين ، ويكون فيها القاصر ويكون فيها الموفي ، ولكن هذه التوفية في حدود القدرات البشرية المحدودة لأن الطاقات البشرية هي بأسرها محدودة ، ولذلك يتجدد الاجتهاد باختلاف العصور واختلاف الأحوال ، وقد نجد المجتهد الواحد تكون له اجتهادات في مرحلة من عمره ثم تأتي من بعد اجتهادات أخرى في مرحلة ثانية كما كان ذلك للإمام الشافعي ما بين قديمه وجديده في فقهه الواسع . كذلك بقية الأئمة والعلماء الآخرين نجد عندهم نحو هذا . فهذا لا يعني بطبيعة الحال أن هنالك تصاماً ما بين هذا الاجتهاد وذلك الاجتهاد ، ولكن يعني هذا أن فهم الإنسان يتجدد والبيئة تختلف والظروف تتنوع .
ونحن نجد في عهد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم حصل ما حصل من الاجتهاد ، وتجدد هذا الاجتهاد في تلكم المرحلة التي عاشوها بسبب الانفتاح الذي حصل على العالم عندما توسعت الفتوحات الإسلامية ، بل نجد أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مع قربه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومع قربه من عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه كانت له اجتهادات قد تكون نوعاً ما تبدو اختلفت عن الواقع الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم والذي كان في عهد أبي بكر ، ولكن هذا لا يعني أنه صادم ما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم ولا صادم ما كان في عهد أبي بكر إنما تلكم ظروف .
بل نجد أن عمر اجتهد في فهم النص اجتهاداً راعى فيه مقصد الشارع ، فطبق النص تطبيقاً يتلاءم مع الظروف التي كانت تكتنف حياة الأمة الإسلامية في عهده ، نجد ذلك واضحاً في سهم المؤلفة قلوبهم ، هو لم يلغ النص قط ، ولم يردّ حكم الله تعالى قط ، وإنما طبق النص تطبيقاً يتواءم مع مقصد الشارع الحكيم . فإعطاء المؤلفة قلوبهم هذا السهم إنما هو لأجل كفاف شرهم واستدرار خيرهم في وقت كانت الأمة تحتاج إليهم ، فلما قويت شوكة الأمة وأصبحت يحسب لها كل حساب إذ صارت تهز عروش الأكاسرة والقياصرة بفتوحاتها العظيمة لم يعد هنالك احتياج إلى أن تتألف قلوب هؤلاء المؤلفة بل صاروا مغمورين بهذه الكثرة المؤمنة وبهذا المد الإسلامي الواسع ، فلم تعد هنالك حاجة إليهم وإنما كانت مصارف الزكاة الأخرى هي أحوج إلى هذا السهم .
فهو لم يلغ النص ، ولا نقول بأن النص ملغى ، نقول إلى الآن بأن هذا النص يطبق عندما تكون هنالك حاجة من الأمة إلى إعطاء المؤلفة قلوبهم سهماً من الزكاة فإنهم يعطون ، أما عندما يكونون مستغنين بحيث يكون أبناء الأمة الأوفياء هم بمقدرة على أن يسوسوا أمرهم من غير احتياج إلى أولئك فإنه يستغنى عنهم ويصرف هذا السهم للمصارف الأخرى التي هي بحاجة إليه ، فهكذا كان .
فإذن فقه الأمة لا بد من أن يكون متجددا ، ونحن نرى فقهائنا توسع فقههم بحسب توسع الزمن الذي عاشوا فيه ، بقدر ما يكون الزمن الذي يعيشون فيه زمناً واسعا تتجدد اجتهاداتهم نظراً إلى القضايا المستجدة.
ونحن نرى أن طبيعة البشر طبيعة متطورة ، الإنسان لم يخلق ليظل جامداً كما كان من قبل ، وإنما خلق متطوراً فلذلك تتطور البيئة من حوله بتطور عقله وبتطور فكره ، فهو يؤثر على هذه البيئة تأثيراً إيجابياً وسلبياً من حيث النهج الذي يكون عليه وبحسب العقلية التي يكون عليها .
ولئن كان هذا التطور سنة من سنة الله في جميع القرون المتتالية فإنه في قرننا هذا شهد طفرة عجيبة ، فلئن كان تطور البشرية يقاس في ذلك الوقت بالمقاييس السهلة القريبة في العصور السابقة فإنه في عصرنا هذا يكاد يكون يقاس بسرعة الضوء ، لذلك كان عصرنا بحاجة إلى تجديد الاجتهاد مع هذه التطورات المذهلة ومع المشكلات التي تفرزها هذه التطورات .
فالفقه بحاجة أن يوسع ، والنظرة نظرة الفقهاء بحاجة إلى أن تكون واسعة سواءً في المجالات الاقتصادية أو في المجالات الطبية أو في العلاقات الدولية أو في أي مجال من مجالات هذه الحياة .


السؤال(5)
يقول الله تعالى ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (العنكبوت:46)،ألا ترى سماحة الشيخ أن هذه الآية تلح كثيراً على فكرة القواسم المشتركة التي هي أمر ضروري قبل أي حوار ؟

الجواب :
لا ريب أن أهل الكتاب بما بقي عندهم من علم الكتاب يدركون ما لا يدركه غيرهم ، فلذلك كان الاحتجاج إليهم وكان الحوار معهم على أساس هذه البقية التي بقيت عندهم من علم الكتاب .
فهم يدركون أن الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يكون له شريك في ملكه وإن ذهبوا إلى تأليه المسيح عليه السلام أو القول بأنه ابن لله أو غير ذلك مما قالوه ، هم يدركون أن العقل السليم لا يمكن أن يتقبل مثل هذه الأمور المجانبة للعقل .
ونحن نجد في العصر الجديد أناساً منهم وصلوا إلى الحقيقة وكادوا أن يدخلوا في دين الله ، ولكن الله تعالى غالب على أمره .
قبل أقل من ثلاثين سنة من الآن وبالضبط في عام 1977 الشاعر الخوري الذي يعرف بالشاعر القروي ، وهو رجل له مكانة كهنوتية في الديانة النصرانية لأنه خوري ، والخوري رجل مرتبط بالدين ، كتب وصية بعدما بلغ من العمر تسعين عاماً لأنه ولد في عام 1887 وكتب وصيته في عام 1977 ، ونشرت هذه الوصية مجلة الرسالة التي كانت تصدر من لبنان ، جاء في وصيته التي كتبها ( ... لقد أثبتت المصادر التاريخية أن يسوع المسيح عليه السلام كان يعبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، واستمر على ذلك أتباعه إلى القرن الثالث الميلادي عندما تنصر قسطنطين عاهل الروم فأدخل في النصرانية بدعة التثليث ، ومالئه على ذلك بعض الأسقافة وعلى رأسهم مكاريوس الذي لقب نفسه ( أرثوذكس ) أي مستقيم الرأي ، وعارضه آخرون وعلى رأسهم آريوس ، وعقدت بين الطائفتين مجامع للحوار فاز فيها آريوس بالحجة القاطعة والحق واليقين ، ولكن السلطة التي هي مصدر البلاء وضعت ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق ، وظل الحق يتململ في قيده منتظراً آريوساً جديداً .... ثم يقول .... وكم أتمنى وأنا الأرثوذكسي المولد أن يكون هذا الآريوس بطريركاً بطلاً ينفي عن ديننا وسمة ألحقها به غرباء غربيون ، وكثيراً ما كان الغرب مصدر بلائنا الديني والسياسي معا .... ثم بعد ذلك قال ... وإيماناً مني بصدق نبوة نبينا العربي ، وإعجاباً مني بمعجزته القرآن أردت أن أكون قدوة لإخواني أدباء النصرانية فأدخل في دين الله ، ولكنني رأيت إصلاح ديننا الأول خيراً من الانتقال عنه إلى دين جديد ، وكخطوة أولى في هذا السبيل أعلن عن عزوفي عن أرثوذكسيتي المكاريوسية إلى أرثوذكسيتي الآريوسية .... )) إلى آخر ما جاء في وصيته هذه ، فالرجل بيّن الحقيقة ، وهذه حقيقة العقل ، منطق العقل هو الذي يهدي إلى مثل هذه القضايا .
فإذن حوار هؤلاء على هذه الأسس وعلى هذه المبادئ وعلى ما بقي من علم الكتاب وما في العهدين القديم والحديث أي الأناجيل الأربعة والتوراة من تبشير بالنبي صلى الله عليه وسلّم وبيان رسالته يمكن الحوار عندهم على أساس ذلك وتكون المجادلة بالتي هي أحسن .


السؤال (6)
المسلم العادي ألا يمكن أن يكون طرفاً في معادلة الحوار بحكم احتكاكه بالمنتمين إلى الثقافات الأخرى وإسهامه بشكل مباشر في عملية التواصل الحضاري والثقافي ؟

الجواب :
المسلم العادي إنما يتأثر بالمؤثر العام ، فإن كان المؤثر العام هو الوعي والإدراك والاستقامة والرشد والصلاح وتطبيق قيم الإسلام فإنه بطبيعة الحال يسهم إسهاماً فعالاً ، وهذا الذي كان عند الرعيل الأول ، كان الرجل العادي يخرج إلى أي مكان في هذه الأرض فتتجاوب الأمم معه بسبب ما يرونه من صلاحه واستقامته ورشده ، أما عندما يكون الجو السائد مخالفاً لذلك بحيث لا تكون حقيقة الدين بارزة إلا مع قلة قليلة من الناس فلا ريب أن تأثير المسلم العادي الذي لا إدراك له لقيم الدين ، ولا فهم له لحقيقة الدين يكون تأثيراً سلبياً في هذه الحالة .
على أن الحوار هو دعوة ، والدعوة لا يمكن أن تكون إلا على بصيرة فالله سبحانه وتعالى يقول ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (يوسف:108) ، ولذلك نحن نرى في كتاب الله تعالى أن الدعوة نيطت بالفقه في دين الله تعالى ، فالله سبحانه وتعالى ربط ما بين الإنذار والفقه عندما قال ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122) ، فالتفقه في الدين هو سبيل هذا الإنذار أي معنى ذلك أنه وسيلة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .


السؤال(7)
للشيخ علي يحيى معمر نظرية في تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية وهي تقوم على ثلاث مرتكزات المعرفة والتعارف والاعتراف . هل يمكن أن تلقوا الضوء على هذه المرتكزات الثلاثة ؟

الجواب :
الأمة الإسلامية بينها روابط وقواسم مشتركة ، ومما يؤسف أن نرى أن الأمة الإسلامية شُغلت بما اختلفت فيه ، ولم تشغل بما اتفقت عليه . وهذا ناتج عن جهل بعضهم ما عند البعض الآخر .
نحن لو جئنا إلى أركان الإيمان لوجدنا أن أركان الإيمان الستة خمسة منها ليس بين الأمة خلاف في أصولها ، وإنما الخلاف في جزئيات منها ، فالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين هذه لا يمكن أن تختلف فيها الأمة ، أي في أصولها .
ليس هنالك من ينفي وجود الله تبارك وتعالى مثلاً ، أو من يقول بأن الله تعالى غير موصوف بالكمالات ، أو من يقول بأن الله تعالى حادث تعالى الله عن ذلك ، أو بأن الله فان سبحانه عن ذلك وتعالى علواً كبيرا ، ليس هنالك من هذه الأمة من يزعم ذلك أو يدعي ذلك .
وكذلك ليس هنالك من هذه الأمة من يزعم أن مع الله إلهاً آخر ، هذه قضية مسلم ، كذلك بالنسبة إلى الإيمان باليوم الآخر ليس من الأمة من يشكك في البعث أو في الحساب أو في المجازاة بالثواب أو العقاب ، وإن وقع اختلاف في جزئيات ولكن هنالك إيمان متفق عليه باليوم الآخر .
كذلك بالنسبة إلى الملائكة وإلى الكتب المنزلة وإلى النبيين ليس بين الأمة اختلاف في ذلك ، الكل مجمعون على هذا الإيمان .
لا بد من أن يكون اختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا ، ولكن مهما يكن فإن الأصول مشتركة .
بقي الإيمان بقضاء الله وقدره ، من الأمة من يقول بأن في هذا الأمر نظراً ، وأن الله تعالى لم يكتب المعصية على العباد ، ولكن مع ذلك كله فإن الكل يثبت أن الله تعالى هو الذي يصرف الكون ، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء كما أخبر سبحانه وتعالى بذلك . فإذن هناك ما يجمع هذه الأمة .
كذلك إذا جئنا إلى أركان الإسلام ، ليس في هذه الأركان خلاف ، لم تختلف الأمة في الشهادتين ، ولم تختلف الأمة في إقام الصلاة ، ولم تختلف الأمة في إيتاء الزكاة ، ولم تختلف الأمة في صيام رمضان ، ولم تختلف الأمة في حج بيت الله الحرام . الأمة مجمعة على هذه الأركان .
كذلك بالنسبة إلى الكتاب العزيز ، الأمة مجمعة على أنه هو الذي يجب أن يهتدى به ويعول عليه وهو الحكم .
كذلك بالنسبة إلى ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم واتفقت هذه الأمة على ثبوته لا خلاف في أنه حجة على الجميع .
كذلك بالنسبة إلى الاستقبال فإن الأمة بأسرها إنما تتجه إلى قبلة واحدة ، وتحج نحو هذه الكعبة المشرفة التي تتجه إليها .
فالأمة عندها ما يجمع شتاتها ، وما يؤلف بين فئاتها ، وما يوحد صفها .
فعندما يدرك بعضنا بعضا بأننا متفقون على هذه الأصول ولا نختلف فيها فإن هذا مما يردم الهوة ويقرب .
فالمعرفة هي الأساس ثم التعارف بحيث إن كل فريق يبدي ما عنده للفريق الآخر ثم بعد ذلك يتم الانسجام ما بين الجميع .
فالأمة بحاجة إلى أن تأخذ بهذه الوسائل للتوصل بمشيئة الله إلى الوحدة العامة الشاملة التي تجمع فئاتها وتجمع شتاتها ، والله تعالى الموفق .

تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه

schg Hig hg`;v 14 lk [lh]n hgehkdm 1425iJ K 1L8L2004l--hgl,q,u : p,hv hgpqhvhj 1425iJ lhgl,q,u lil lk hg`;v hgehkdm hgpqhvhj [lh]n p,hv schg





توقيع :

رد مع اقتباس

كُتبَ بتاريخ : [ 01-02-2017 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 8095
تاريخ التسجيل : Dec 2016
مكان الإقامة : صدق المحب في ثلاثة خصال...يختار كلام حبيبه على كلام غيره، ويختار مجالسة حبيبه على مجالسة غيره..
عدد المشاركات : 29
عدد النقاط : 10

بقايا غرامك غير متواجد حالياً



موضوع حلو وطيب بطيب طرحك الراقي
اسئل الله عز وجل ان يتغمدك بالخير والصلاح والفلاح في الدارين ..
واسئل الله ان يوفقك ويجعل من طلبت العلم ومن اكبر علمائهم ..
بارك الله فيك وسدد للخير خطاي وخطاك
تحياتي :~ بقايا غرامك

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
14 , 1425هـ , مالموضوع , مهم , من , الذكر , الثانية , الحضارات , جمادى , حوار , سؤال , ،


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سؤال أهل الذكر 26 من ربيع الأول 1425هـ ، 16/5/2004م-- الموضوع : عام جنون حلقات سؤال أهل الذكر 4 01-03-2012 12:37 AM
سؤال أهل الذكر 30 من جمادى الأولى 1425هـ ، 18/7/2004م-- الموضوع : الوحدة الاسلامية جنون حلقات سؤال أهل الذكر 0 02-19-2011 05:18 PM
سؤال أهل الذكر 24 من ربيع الثاني 1425هـ ، 13/6/2004م-- الموضوع : عام جنون حلقات سؤال أهل الذكر 0 02-19-2011 05:15 PM
سؤال أهل الذكر 17 من ربيع الثاني 1425هـ ،6/6/2004م-- الموضوع : القرآن الكريم والصيف جنون حلقات سؤال أهل الذكر 0 02-19-2011 05:14 PM
سؤال أهل الذكر 21 من صفر 1425هـ ، 11/4/2004م-- الموضوع : عام عابر الفيافي حلقات سؤال أهل الذكر 0 02-19-2011 05:07 PM


الساعة الآن 09:21 PM.