سؤال أجاب عنه علامة المعقول والمنقول إمام السنة والأصول القنوبي -حفظه الله-.
س9: قفزت هذه الأيام إلى أوساط الناس وإلى معلوماتِهم معلومة مفادها أن المسيح الدَّجال ظهر في إحدى البلدان الإسلامية ونشرت إحدى الجرائد خبرا عن هذه الشخصية التي ظهرت تَحمل عينا في الوسط وتقوم ببعض الأعمال الخارقة، هل وردت أحاديث تؤكد ظهور المسيح الدجال بالفعل ؟ وهل هو حقيقة أم يقصد بِها أشياء أخرى ؟
ج: على كل حال؛ لَم يأت في كتاب الله-تبارك وتعالى-ما يدل على خروج المسيح الدجال ولكن وردت أحاديث كثيرة تُنْسَب إلى النبي-صلوات الله وسلام عليه-تَدل على أنه سيخرج في أواخر الزمان المسيح الدجال، وقد حكم كثير من أهل العلم بتواتر تلك الأحاديث عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ولكننا نعلم أن العلماء قد اختلفوا في المتواتر كثيرا ثم إن كثيرا من تلك الأحاديث لا تثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وإن كنا لا نقوى على القول بعدم ثبوتِها جميعا لأن طائفة من تلك الأحاديث على ما يظهر لنا صحيحة ثابتة عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وظاهر تلك الأحاديث الصحيحة أن المسيح الدَّجال رجل والأصل أن يؤخذ بالظاهر ولا يصار إلى معنى باطن إلا إذا وُجِدت قرائن قوية يُمكن أن يُصَار بواسطتها إلى مَعنى بَاطن؛ وقد ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أن الدَّجال عبارة عن مَا يقع من الفتن والمخالفات الشرعية في آخر الزمان وقد حدث كثير مِن مِثل هذه الأمور في هذا الزمان وقبل هذا الزمان والعياذ بالله تبارك وتعالى، فنظرا لعدم وُجُود دليل قاطع في هذه القضية أرى أن التَّوقف فيها أسلم فنكل أمر ذلك إلى المولى تبارك وتعالى، والإنسان إذا لَم يُصَادم دليلا قاطعا فإنه لا شيء عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى، ويُعجبني ما جاء عن الإمام نور الدين السالمي-رضي الله تعالى عنه-عندما سئِل عن نزول المسيح - عليه السلام - قال: " وسع السكوت مَن قَبْلَنا فلا يَضِيق علينا "، فإذا نزل المسيح - عليه السلام - فالإنسان لا يكون قد صَادم ذلك وإذا لَم ينزل-كذلك-لا يكون قد صادم، فنظرا لعدم وجود دليل قاطع في مثل هذه الأمور الأولى أن يتوقف المسلم وأن يَكِل أمر ذلك إلى الخالق تبارك وتعالى، ولا ينبغي للإنسان أن يشتغل بِهذه الإشاعات التي تُنْشَر في الجرائد والمجلات وما شابه ذلك فقد اطلعنا على كثير من الأمور التي تدل بأنه قد خرج فلان أو خرج المسيح أو أنه سيخرج في المدة الفلانية أو في الوقت الفلاني أو عند ظهور كذا أو ما شابه ذلك أو أنه سيخرج المهدي أو سيخرج فلان أو كذا أو ما شابه ذلك من الأمور، وتلك الأمور لا دليل عَليها وقد احتجوا على كثير من تلك الأمور ببعض الخرافات وببعض الأحاديث المكذوبات التي تروى عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد ذكرنا أكثر من مرَّة بأن ما يُروجه هؤلاء لا ينبغي للمسلم أن يشتغل به أبدا وينبغي له أن يقوم بنفي كثير من الخرافات التي يعتقدها كثير من العوام وتؤثر في دينهم والعياذ بالله تبارك وتعالى، فمثلا ما يُذْكَر عن المهدي بأنه خرج أو بأنه سيخرج في المكان الفلاني أو على حين وقوع كذا أو ما شابه ذلك تلك خُرَافة؛ فَكل ما يُذْكَر عن قضية المهدي لا يثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه .. أكثر تلك الأحاديث لا تَصح من جهة أسانيدها وما ثبت من جهة الإسناد-وهو قليل جدا جدا-باطل مِن جهة مَتْنِه، فينبغي للإنسان أن يَتَثبت من الأحاديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقد كُذِبَ عليه-صلوات الله وسلامه عليه-في كثير من تلك الأحاديث، ونَحن نَجد الناس يَنقسمون إلى فِرَق: منهم من يتسرع في رد الأحاديث المروية عن رسول الله-صلوات الله وسلامه عليه-بِمُجرد أن عقله لا يقبل تلك الأحاديث أو ما شابه ذلك .. قلت إن كثيرا من الناس يحكمون بكذب وبطلان كثير من الأحاديث المروية عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-بِمجرد أنَّها لا تتفق مع عقولهم أو بِمجرد ظنِّهم أنها مُخالفة لكتاب الله - سبحانه وتعالى - أو ما شابه ذلك، مع أنه يمكن أن يُجمع بين تلك الأحاديث وبين كتاب الله تبارك وتعالى، والعلماء وإن كانوا قالوا: إنه إذا تصادم الحديث مع القرآن الكريم فإنه يُحكم ببطلان ذلك الحديث وكذبه على النبي-صلوات الله وسلامه عليه-إذا لَم يُمكن أن يُقال إنه منسوخ، لكنهم اشترطوا لذلك شروطا لا يفقهها أمثال هؤلاء.وكذلك كثير من الناس يصححون ما هب ودب بِمجرد أنه صحيح الإسناد فينبغي للإنسان أن يتقي الله-تبارك وتعالى-وأن يَخاف من وعيد الكذب على النبي صلوات الله وسلامه عليه، فالتَّصحيح والحكم بكذب الأحاديث على النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ليست من الأمور الهَيِّنة البسيطة كما يعتقد ذلك-أو يظن على أقل تقدير-كثير من الناس بل ينبغي للإنسان أن يَحسب ألف حساب قبل أن يَحكم بثبوت حديث عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-أو بعدم ثبوته فهذا الأمر-كما قلت-ليس بالهَيِّن؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. وأعود مرة ثانية فأقول إنه لا يوجد دليل قاطع بأن المسيح الدَّجال شخص سيأتي في آخر الزمان فالأمر مُحتمل والسلامة في مثل هذه الأمور أن نَكل ذلك إلى الحق تبارك وتعالى؛ والله أعلم.