قصص القراءن الكريم - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



الـنور الإسلامي العــام [القرآن الكريم] [اناشيد اسلاميه صوتيه ومرئيه] [السيره النبويه] [اناشيد اطفال] [ثقافة إسلامية]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  قصص القراءن الكريم
كُتبَ بتاريخ: [ 02-03-2010 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته












قصص القرآن الكريم


سأبدأ بقصة:











أصحاب الأخدود










موقع القصة في القرآن الكريم:‏

ورد ذكر القصة في سورة البروج الآيات 4-9، وتفصيلها في صحيح الإمام مسلم.‏











قال الله تعالى:

(( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ ‏عَلَى مَا

يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ

الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ ‏شَيْءٍ شَهِيدٌ

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ

جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ))‏










القصة:‏


إنها قصة فتاً آمن، فصبر وثبت، فآمنت معه قريته.‏

لقد كان غلاما نبيها، ولم يكن قد آمن بعد. وكان

يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية. وكان

للملك ساحر يستعين به. ‏وعندما تقدّم العمر بالساحر

، طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلّمه السحر

ليحلّ محله بعد موته. فاختير هذا الغلام وأُرسل ‏للساحر.‏

فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه، وفي طريقه كان

يمرّ على راهب. فجلس معه مرة وأعجبه كلامه. فصار

يجلس مع الراهب ‏في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر.

وكان الساحر يضربه إن لم يحضر. فشكى ذلك للراهب.

فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر ‏فقل حبسني أهلي،

وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.‏

وكان في طريقه في أحد الأيام، فإذا بحيوان عظيم يسدّ

طريق الناس. فقال الغلام في نفسه، اليوم أعلم أيهم أفضل،

الساحر أم ‏الراهب. ثم أخذ حجرا وقال: اللهم إن كان أمر

الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى

يمضي الناس. ثم رمى ‏الحيوان فقلته، ومضى الناس في

طريقهم. فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث. فقال له الراهب:

يا بنى، أنت اليوم أفضل ‏مني، وإنك ستبتلى، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ.‏


وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس

من جميع الأمراض. فسمع به أحد جلساء الملك، وكان قد

فَقَدَ ‏بصره. فجمع هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له:

أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني. فأجاب الغلام:

أنا لا أشفي أحدا، إنما ‏يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله

دعوت الله فشفاك. فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.‏

فذهب جليس الملجس، وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل

أن يفقد بصره. فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب

الجليس ‏بثقة المؤمن: ربّي. فغضب الملك وقال: ولك ربّ غيري؟

فأجاب المؤمن دون تردد: ربّي وربّك الله. فثار الملك، وأمر

بتعذيبه. فلم ‏يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام.‏

أمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال له مخاطبا: يا بني،

لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما، حتى أصبحت

تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل ‏وتفعل. فقال الغلام:

إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى.

فأمر الملك بتعذيبه. فعذّبوه حتى دلّ على الراهب.‏

فأُحضر الراهب وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى

الراهب ذلك. وجيئ بمشار، ووضع على مفرق رأسه،

ثم نُشِرَ فوقع نصفين. ثم ‏أحضر جليس الملك،

وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب.

ثم جيئ بالغلام وقيل له: ارجع عن دينك. فأبى ‏الغلام.

فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل، وتخييره هناك،

فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل.‏

فأخذ الجنود الغلام، وصعدوا به الجبل، فدعى

الفتى ربه: اللهم اكفنيهم بما شئت. فاهتزّ الجبل

وسقط الجنود. ورجع الغلام ‏يمشي إلى الملك.

فقال الملك: أين من كان معك؟ فأجاب: كفانيهم

الله تعالى. فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة،

‏والذهاب به لوسط البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه.‏

فذهبوا به، فدعى الغلام الله: اللهم اكفنيهم بما شئت.

فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام.

ثم رجع إلى الملك. ‏فسأله الملك باستغراب: أين من كان معك؟

فأجاب الغلام المتوكل على الله: كفانيهم الله تعالى.

ثم قال للملك: إنك لن تستطيع ‏قتلي حتى تفعل ما آمرك به.

فقال الملك: ما هو؟ فقال الفتى المؤمن: أن تجمع الناس

في مكان واحد، وتصلبني على جذع، ثم ‏تأخذ سهما من كنانتي،

وتضع السهم في القوس، وتقول "بسم الله ربّ الغلام"

ثم ارمني، فإن فعلت ذلك قتلتني.‏

استبشر الملك بهذا الأمر. فأمر على الفور بجمع الناس،

وصلب الفتى أمامهم. ثم أخذ سهما من كنانته،

ووضع السهم في ‏القوس، وقال: باسم الله ربّ الغلام،

ثم رماه فأصابه فقتله.‏

فصرخ الناس: آمنا بربّ الغلام. فهرع أصحاب الملك

إليه وقالوا: أرأيت ما كنت تخشاه! لقد وقع، لقد آمن الناس.‏

فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيها.

ثم أمر جنوده، بتخيير الناس، فإما الرجوع عن الإيمان،

أو إلقائهم في النار. ‏ففعل الجنود ذلك، حتى جاء دور

امرأة ومعها صبي لها، فخافت أن تُرمى في النار.

فألهم الله الصبي أن يقول لها: يا أمّاه اصبري ‏فإنك على الحق.‏


rww hgrvhxk hg;vdl hg;vdl





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 02-03-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه









قصة يوسف عليه السلام












موقع القصة في القرآن الكريم:‏

ورد ذكر القصة في سورة يوسف ‏

سورة يوسف [ مكية إلا الآيات 1 و2 و3 و7 فمدنية وآياتها 111 نزلت بعد سورة هود‏ ]‎
‏ ‏











القصة










بسم الله الرحمن الرحيم

‏{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ‏

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لا ‏

تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشّيْطان
‏ ‏
لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ ‏

تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا

‏ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ‏

‏ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. ‏


كان ليعقوب من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً،وإليهم تنسب أسباط ‏

بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام. ‏
‏ ‏
وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، ‏

وباقي اخوته لم يَوْحَ إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم ‏

في هذه القصة يدل على هذا القول. ‏

‏ ‏
قال المفسرون وغيرهم: ‏

رأى يوسف عليه السلام وهوصغير قبل أن يحتلم،
‏ ‏
كأن أحد عشر كوكباً (وهم إشارة إلى بقية إخوته) ‏

والشمس والقمر (وهما عبارة عن أبويه)قد سجدوا له، فهاله ذلك. ‏

‏ ‏
فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال ‏

منزلة عالية ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيث ‏

يخضع له أبواه وأخوته فيها. فأمره بكتمانها وألا يقصها

‏ على أخوته؛ كي لا يحسدوه ويبغوا له الغوائل‏

‏ ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر. ‏
‏ ‏


ولهذا جاء في بعض الآثار:‏

‏ "استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها فإن كل ذي نعمة محسود". ‏
‏ ‏

قال تعالى: ‏

‏{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي وكما أراك هذه الرؤية العظيمة،

فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي يخصك بأنواع اللطف والرحمة،
‏ ‏
‏{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي يفهمك من معاني الكلام

‏ وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك. ‏
‏ ‏
‏{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} أي بالوحي إليك {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} أي بسببك، ‏

ويحصل لهم بك خير الدنيا والآخرة. ‏

‏{كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} أي ينعم عليك ‏

ويحسن إليك بالنبوة، كما أعطاها أباك يعقوب، وجدك اسحاق، ‏

ووالد جدك إبراهيم الخليل، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}‏
‏ ‏
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، ‏

وأبو يعلى والبزار في مسنديهما، ‏

من حديث الحكم بن ظهير - وقد ضعفه الأئمة - على السُّدِّي عن‏

‏ عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال: ‏

أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ‏

يقال له: بستانة اليهودي، فقال: يا محمد أخبرني

عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماءها؟ ‏

قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء، ‏

ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها فيما بعد، ‏

قال: فبعث إليه رسول الله فقال: "هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسماءها؟"‏

قال: نعم. فقال: هي جريان، والطارق، والذيال، وذو الكتفان،

وقابس، ووثاب، وعمودان، والفيلق، والمصبح،

‏ والضروح، وذو الفرع. والضياء، والنور". ‏
‏ ‏
فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها. ‏
‏ ‏
قال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَاخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ، ‏

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ

‏ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ‏

‏ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ، قَالَ قَائِلٌ ‏

مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ

‏ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}. ‏
‏ ‏
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم،

‏ والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف لمحبة‏

‏ أبيهم له ولأخيه أكثر منهم، ‏

وهم عصبة أي جماعة يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من

‏ هذين {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي بتقديمه حبهما علينا. ‏
‏ ‏
ثم تشاوروا فيما بينهم في قتل يوسف أو إبعاده إلى أرض ‏

لا يرجع منها ليخلو لهم وجه أبيهم أي لتتمحض محبته لهم ‏

وتتوفر عليهم، وأضمروا التوبة بعد ذلك. ‏
‏ ‏
فلما تمالأوا على ذلك وتوافقوا عليه {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} ‏

قال مجاهد: هو شمعون، وقال السُّدِّي: هو يهوذا،

‏ وقال قتادة ومُحَمْد بن إسحاق: هو أكبرهم روبيل: ‏

‏{لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}‏

‏ أي المارة من المسافرين {إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ} ما تقولون لا محالة،

‏ فليكن هذا الذي أقول لكم، فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه. ‏

فأجمعوا رأيهم على هذا، فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا ‏

عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ، أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا

‏ لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ‏

وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ، قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ}.‏
‏ ‏
طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم ‏

يريدون أن يرعى معهم وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليم. ‏

‏ ‏
فأجابهم أباهم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم: ‏

يا بني يشق عليَّ أن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا ‏

أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه، فيأتي الذئب

‏ فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه. ‏

‏ ‏
‏{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ}‏
‏ ‏
أي لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، أو اشتغلنا عنه

حتى وقع هذا ونحن جماعة،إنا إذن لخاسرون،أي عاجزون هالكون. ‏

‏{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا ‏

إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَجَاءُوا أَبَاهُمْ ‏

عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ

‏ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ، وَجَاءُوا ‏

عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ

‏ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. ‏
‏ ‏
‏ ‏
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه،

‏ فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه‏

‏ في غيابت الجب، أي في قعره على راعونته، وهي الصخرة التي ‏

تكون في وسطه يقف عليها المائح، وهو الذي ينزل ليملي الدّلاء، ‏

إذا قلَّ الماء، والذي يرفعها بالحبل يسمّى الماتح. ‏
‏ ‏
فلمّا ألقوه فيه أوحى الله إليه: أنه لا بدّ لك من فرجٍ ومخرج من

‏ هذه الشدة التي أنت فيها،ولتخبرن أخوتك بصنيعهم هذا، ‏

في حالٍ أنت فيها عزيز، وهم محتاجون إليك

‏ خائفون منك {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}. ‏
‏ ‏
قال مجاهد وقتادة: وهم لا يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك. ‏

وعن ابن عبَّاس {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، أي لتخبرنهم بأمرهم

‏ هذا في حال لا يعرفونك فيها. رواه ابن جرير عنه. ‏
‏ ‏
فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطّخوه بشيءْ ‏

من دمٍ ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون، أي على أخيهم.‏

‏ {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي ثيابنا ‏

‏{فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي في غيبتنا عنه في استباقنا، ‏

وقولهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي وما أنت بمصدق

‏ لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، حتى وان كنّا غير متهمين عندك،‏

‏ فكيف وأنت تتهمنا في هذا؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب، ‏

وضمّنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك ‏

فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}‏

‏ أي مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى ماعز ذبحوه فأخذوا من دمه‏

‏ فوضعوه على قميصه ليوهموه أنه أكله الذئب، قالوا:‏

‏ ونسوا أن يخرّقوه، وآفة الكذب النسيان. ولما ظهرت عليهم ‏

علائم الريبة لم يَرُجْ صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم

‏ له، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم، ‏

لما كان يتوسّم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في

‏ صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته.‏

‏ ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن ‏

عينيه وجاؤوا وهم يتباكون، وعلى ما فعلوا يتواطؤن ولهذا ‏

‏{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. ‏

‏ ‏
‏قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى ‏

هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، وَشَرَوْهُ ‏

بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ، وَقَالَ

الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا ‏

أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ

تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا ‏

يَعْلَمُونَ، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. ‏
‏ ‏
يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب أنه جلس ‏

ينتظر فرج الله ولطفه به فجاءت سيّارة- أي مسافرون-قال ‏

أهل الكتاب: كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم،من الشام ‏

قاصدين ديار مصر، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر، ‏

فلما أدلى أحدُهم دلوه، تعلَّق فيه يوسف. ‏

فلما رآه ذلك الرجل: {قَالَ يَا بُشْرَى} أي يا بشارتي ‏

‏{هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي اوهموا انه معهم غلام من

‏ جملة تجارتهم، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي هو عالم بما ‏

تمالأ عليه اخوته وبما يُسِرُّهُ واجدوه، من انه بضاعةٌ لهم، ‏

ومع هذا لا يغيّره تعالى، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة، ‏

والقَدَر السابق، والرحمة بأهل مصر، بما سيُجري الله على يدي ‏

هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير رقيق، ثم بعد هذا يملّكُه ‏

أزمّة الأمورِ، وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يُحَدّ ولا يوصف. ‏
‏ ‏
ولما استشعر أخوة يوسف بأخذ السيارة له، لحقوهم وقالوا: ‏

هذا غلامنا أبق منا فاشتروه منهم بثمن بخس،‏

‏ {وشروه بثمن بخس دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ}. ‏
‏ ‏
قال ابن مسعود وابن عبَّاس ونوف البكالي والسُّدِّي وقتادة ‏

وعطية العوفي: باعوه بعشرين درهماً اقتسموها درهمين.‏

‏ وقال مجاهد: اثنان وعشرون درهماً. وقال عكرمة ‏

ومُحَمْد بن إسحاق: أربعون درهماً، فالله أعلم.‏








عزيز مصر
‏ ‏





قال تعالى:

‏{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}‏
‏ ‏
أي أحسني إليه {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} ‏

وهذا من لطف الله به ورحمته وإحسانه إليه بما يريد ‏

أن يؤهله له، ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة. ‏
‏ ‏
قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها، ‏

وهو الوزير بها الذي تكون الخزائن مسلمة إليه.‏

‏ قال ابن إسحاق: واسمه أطفير بن روحيب،‏

‏ قال: وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد، ‏

رجل من العماليق، قال: واسم امرأة العزيز راعيل ‏

بنت رعاييل. وقال غيره: كان اسمها زليخة، والظاهر ‏

أنه لقبها. وقيل: "فكا" بنت ينوس، رواه الثعلبي عن

‏ ابن هشام الرفاعي.‏

وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، قال: ‏

أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته اكرمي مثواه، ‏

والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى: ‏

‏{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}‏

‏ وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ‏
‏ ‏
‏ ‏
ثم قيل: اشتراه العزيز بعشرين ديناراً. وقيل: بوزنه مسكاً،

‏ ووزنه حريراً، ووزنه وَرِقاً. فالله أعلم. ‏
‏ ‏
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} أي كما

قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به، مكنّا له ‏

في أرض مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي فهمها. ‏

وتعبير الرؤيا من ذلك {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، أي إذا أراد

شيئاً فإنه يقيض له أسباباً وأموراً لا يهتدي إليها العباد،
‏ ‏
ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. ‏
‏ ‏
‏{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ‏

فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد، ‏

وهو حد الأربعين الذي يوحي الله فيه إلى عباده ‏

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ‏
‏ ‏
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد،

‏ فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشَّعبي: هو الحلم، ‏

وقال سعيد بن جبير، ثماني عشرة سنة، وقال الضحاك: ‏

عشرون سنة، وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة، ‏

وقال السُّدِّي: ثلاثون سنة. وقال الحسن أربعون سنة.‏

‏ ويشهد له قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.‏









إمرأة العزيز‏










قال تعالى:

‏{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ ‏

لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، ‏

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ‏

السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ

قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ ‏

بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ ‏

نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ ‏

وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ،‏

‏ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، ‏

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ}. ‏
‏ ‏

يذكر الله تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه ‏

السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، ‏

وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وقد غلقت ‏

الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له، وتصنعت ولبست أحسن ثيابها ‏

وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير.‏

‏ قال ابن إسحاق:و إبنة أخت ملك مصر. ‏
‏ ‏
‏ سيدنا يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء، ‏

إلا انه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه ربُّه عن الفحشاء. ‏

وحماه عن مكر النساء. فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء. ‏

المذكورين في "الصحيحين" عن خاتم الأنبياء. في قوله عليه ‏

الصلاة والسلام: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ‏

إمام عادل ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه ‏

بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا ‏

عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ‏

ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة ‏

ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله". ‏
‏ ‏
‏ ‏
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص، ‏

فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} - يعني زوجها صاحب المنزل ‏

سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي احسن إلي واكرم مقامي عنده ‏

‏{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ‏

وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} بما فيه كفاية ومقنع في التفسير. ‏

‏ ‏
والذي يجب أن يُعتقد به أن الله تعالى عصمه وبرّأه ونزّهه عن
‏ ‏
الفاحشة وحماه عنها وصانه منها. ولهذا قال تعالى: ‏

‏{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. ‏
‏ ‏
‏{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي هرب منها طالباً الباب ليخرج منه فراراً منها ‏

فاتبعته في أثره {وَأَلْفَيَا} أي وجدا {سَيِّدَهَا} أي زوجها {لَدَا الْبَابِ}،

‏ فبادرت بالكلام وحرّضته عليه {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً ‏

إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ‏

ونزهت ساحتها، لهذا قال يوسف عليه السلام:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} ‏
‏ ‏
‏{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} قيل: كان صغيراً في المهد، ‏
‏ ‏
وقيل: كان رجلاً قريباً إلى بعلها. وقيل قريباً إليها. ‏

فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ}. ‏

أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدَّت مقدم قميصه ‏

‏{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ} ‏

أي لأنه يكون قد هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك، ‏

وكذلك كان. ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ ‏

مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي جرى من مكركن، أنتِ ‏

راودتيه عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل.‏
‏ ‏
‏{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد، لأنَّ كتمان مثل هذه الأمور ‏

هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة ‏

إلى ربِّها فإنَّ العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه. ‏

وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلاّ انهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ‏

ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها ‏

من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا انه عفيف نزيه ‏

برئ العرض سليم الناحية، فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِين}.‏

‏ ‏
‏{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا ‏

حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ‏

وَاعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ‏

فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا ‏

إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ، قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ ‏

فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ ‏

رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ ‏

إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ ‏

هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.‏
‏ ‏

يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء، وبنات ‏

الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها والتشنيع عليها، في ‏

مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من ‏

الموالي، وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}‏
‏ ‏
أي في وضعها الشيء في غير محله.‏
‏ ‏
‏{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة ‏

إليها بالعيب، والمذمة بحب مولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً،وأحبت
‏ ‏
أن تبسط عذرها عندهن، وتتبيّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا ‏

من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، واعتدت لهن ‏

ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين،

وأتت كل واحدة منهن سكّيناً، وكانت قد هيّأت يوسف عليه السلام و

ألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج ‏

عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أجمل من البدر لا محالة.‏
‏ ‏
‏{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه،وما ظَنَنّ أن يكون مثل هذا ‏

في بني آدم، وبهرهن حسنه، حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن ‏

يقطعن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح ‏

‏{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.‏
‏ ‏
‏{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت:‏
‏ ‏
‏{وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي امتنع {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ‏

آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}. ‏

وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشدّ
‏ ‏
الآباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعى الله رب العالمين:‏

‏{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ‏

أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}. يعني إن وكلتني إلى نفسي ‏

فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً ‏

ولا ضراً، إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف، إلاّ إن قويتني وعصمتني وحفظتني
‏ ‏
وأحطتني بحولك وقوتك.‏
‏ ‏

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 02-03-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً










سجن يوسف









‏قال تعالى:‏

‏{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثُمَّ بَدَا ‏

لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ ‏

فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ ‏

فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ،
‏ ‏
قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا ‏

عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، ‏

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ ‏

شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ، ‏

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ ‏

دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ ‏

إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، ‏

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ‏

الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.‏
‏ ‏

يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم، أي ظهر لهم من الرأي، ‏

بعد ما علموا براءة يوسف، أن يسجنوه إلى وقت، ليكون ذلك أقل ‏

لكلام الناس، في تلك القضية، وأخمد لأمرها، وليظهروا أنه راودها ‏

عن نفسها، فسجن بسببها، فسجنوه ظلماً وعدواناً.‏
‏ ‏
وكان هذا مما قدر الله له. ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن ‏

معاشرتهم ومخالطتهم.‏
‏ ‏
قال الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} قيل كان أحدهما ساقي ‏

الملك، واسمه فيما قيل: "نبوا". والآخر خبازه، يعني الذي يلي طعامه، ‏

وهو الذي يقول له الترك (الجاشنكير) واسمه فيما قيل: "مجلث". ‏

كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما. فلما رأيا يوسف ‏

في السجن أعجبهما سمته وهديه، ودلّه وطريقته، وقوله وفعله،

وكثرة عبادته ربه، وإحسانه للناس، فرأى كلّ واحد منهما رؤيا، ‏

قال أهل التفسير: رأيا في ليلة واحدة، أما الساقي فرأى كأن ثلاث ‏

قضبان من حبلة، وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها، فاعتصرها ‏

في كأس الملك وسقاه. ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، ‏

وضواري الطيور تأكل من السّلِّ الأعلى.‏
‏ ‏
فقصّاها على يوسف وطلبا منه أن يفسرها لهما، وقالا: ‏

‏{إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها ‏

‏{قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}‏

قيل: معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول.‏

وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام، قبل مجيئه حلواً أو ‏

حامضاً، كما قال عيسى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}‏
‏ ‏
وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع ملة ‏

آبائي الكرام إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ ‏

مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أي بأن هدانا لهذا {وَعَلَى النَّاسِ} ‏

أي بأن أمرنا ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}.‏
‏ ‏
ثم دعاهم إلى التوحيد، وذمّ عبادةِ غيراللهِ عزَّ وجلّ وصغّر أمر الأوثان، ‏

وحقّرها وضعّف أمرها، فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ ‏

اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا ‏

أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} أي المتصرف في خلقه الفعال
‏ ‏
لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أي ‏

وحده لا شريك له و {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، أي المستقيم والصراط القويم ‏

‏{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره.‏
‏ ‏
وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال، لأن نفوسهما معظمة ‏

له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما، ‏

مما سألا عنه وطلبا منه. ‏

ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال ‏

‏{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} قالوا: وهو الساقي
‏ ‏
‏{وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: وهو الخباز ‏

‏{قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}. أي وقع هذا لا محالة ‏
‏ ‏
‏{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشّيْطان ‏

ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.‏
‏ ‏
يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجياً منهما ‏

وهو الساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعني أذكر أمري وما أنا فيه من ‏

السّجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السّعي في

الأسباب. ولا ينافي ذلك التوكل على ربِّ الأرباب.‏
‏ ‏
‏{فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ}، أي فأنسي الناجي منهما الشّيْطان،

‏ أن يذكر ما وصّاه به يوسف عليه السلام. ‏
‏ ‏
‏{فَلَبثَ} يوسف {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} والبضع ما بين الثلاث ‏

إلى التسع. وقيل إلى السبع. وقيل إلى الخمس. وقيل ما دون العشرة،

فلولا الكلمة التي قالها "اذكرني عند ربك" ما لبث في السجن ما لبث.‏
‏ ‏

‏{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ ‏

سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا ‏

تَعْبُرُونَ، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ، وَقَالَ الَّذِي نَجَا ‏

مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ‏

فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ ‏

سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ ‏

تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُون،

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ، ‏

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.‏
‏ ‏
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن
‏ ‏
وذلك أن ملك مصر رأى هذه الرؤيا.‏

قيل انه: رأى كأنه على حافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان،

فجعلن يرتعن في روضةٍ هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، ‏

فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلتهن فاستيقظ مذعوراً،ثم نام فرأى سبع ‏

سنبلات خضر في قصبة واحدة، وإذا سبع أُخر دقاق يابسات، فأكلنهن ‏

فاستيقظ مذعوراً. فلما قصها على ملأه وقومه، لم يكن فيهم من يحسن ‏

تعبيرها بل {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} أي أخلاط أحلام من الليل، لعلّها لا تعبير لها، ‏

ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك، ولهذا قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} ‏

فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصّاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه ‏

إلى حينه هذا. وذلك عن تقدير الله عز وجل، وله الحكمة في ذلك، فلما ‏

سمع رؤيا الملك، ورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما ‏

كان أوصاه به من التذكير.‏
‏ ‏
‏{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} أي تذكر {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد مدة من الزمان، ‏

وهو بضع سنين، {وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد نسيان، فقال لقومه وللملك
‏ ‏
‏{أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}، أي فأرسلوني إلى يوسف، فجاءه فقال:‏
‏ ‏
‏{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ‏

وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.‏
‏ ‏
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب ‏

الخروج سريعاً، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبّر لهم ما كان من منام الملك
‏ ‏
الدّال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبهما سبع جدب: ‏

‏{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني يأتيهم الغيث والخصب ‏

والرفاهية {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب ‏

والزيتون والسمسم وغيرها. ‏

فعبّر لهم. وعلى الخير دلّهم وأرشدهم، إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم ‏

وجَدْبِهم وما يفعلونه من ادّخار حبوب سنين الخصب في السبع الأول في سنبله، ‏

إلاّ ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سنين الجدب في السبع الثانية، ‏

إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل. ‏

وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم.‏
‏ ‏

‏{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ‏

النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ ‏

رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ ‏

الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ ‏

أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ ‏

النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.‏
‏ ‏
لما أحاط الملك علماً بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام وتمام ‏

عقله ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضاره ليكون من جملة خاصته، ‏

فلما جاءه الرَّسول بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد انه ‏

حبس ظلماً وعدواناً، وأنه بريء السَّاحة مما نسبوه إليه بهتاناً ‏

‏{قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ ‏

أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي
‏ ‏
مما نسب إليّ، فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعي الشديد عند ‏

مراودتهن إياي؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد؟ ‏

فأمر الملك بجمع النسوة، ولما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر، ‏

وما كان منه من الأمر الحميد و{قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}.‏
‏ ‏
فعند ذلك {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} وهي زليخة: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}. أي: ‏

ظهر وتبيّن ووضح،{أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ} أي صدق فيما ‏
‏ ‏
يقوله من أنه بريء وأنه لم يراودني وأنه حبس ظلماً وعدواناً وزوراً وبهتاناً.‏
‏ ‏
وقوله {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} ‏

قيل إنه من كلام يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه

‏ بظهر الغيب. وقيل إنه من تمام كلام زليخة، أي: إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي

‏ أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة.‏
‏ ‏
‏{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} ‏

قيل: إنه من كلام يوسف، وقيل: من كلام زليخة،وهو مفرع على ‏

القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخة أظهر وأنسب وأقوى، والله أعلم.‏
‏ ‏

‏{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا ‏

مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا ‏

لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ ‏

أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}. ‏

لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما ‏

نسبوه إليه قال {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي اجعله ‏

من خاصّتي ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلمّا كلمّه وسمع ‏

مقاله وتبين حاله {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} أي ذو مكانة وأمانة. ‏

‏{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} طلب أن يوليه النظر فيما
‏ ‏
يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سنين الخصب، لينظر فيها ‏

بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك إنه ‏

حفيظ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه، عليم بضبط الأشياء ومصالحهم.‏
‏ ‏
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة. ‏

قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} ‏

أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر،
‏ ‏
‏{يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي أين شاء حل منها مكرماً معظماً. ‏

‏{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} هذا كله من جزاء الله‏

‏ وثوابه للمؤمن، مع ما يدّخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل.‏
‏ ‏
ولهذا قال: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.‏











أخوة يوسف









‏قال تعالى:‏

‏{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون، ولَمَّا جَهَّزَهُمْ ‏

بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ ‏

الْمُنزِلِينَ، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِي، قَالُوا سَنُرَاوِدُ ‏

عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ، وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ ‏

يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.‏
‏ ‏
يخبر تعالى عن قدوم أخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون ‏

طعاماً، وذلك بعد إتيان سنين الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد، ‏

وكان يوسف عليه السلام حينها الحاكم في أمور الديار المصرية ديناً ودنيا،
‏ ‏
فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف ‏

عليه السلام من المكانة والعظمة فلهذا عرفهم وهم له منكرون.‏
‏ ‏
قال الله تعالى {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته ‏

في إعطاء كلّ إنسان حِمْلَ بعيرٍ لا يزيده عليه {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} ‏

وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم، فقالوا: كنا إثني عشر رجلاً، فذهب منا ‏

واحد وبقي شقيقه عند أبينا، فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم. ‏

‏{أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} أي قد أحسنت نزلكم وقِرَاكم،‏

فرغَّبهم ليأتوه به، ثم رهّبهم إن لم يأتوه به، ‏

قال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ} ‏

أي فلست أعطيكم ميرة، ولا أقربكم بالكلية، عكس ما أسدى إليهم أولاً. ‏
‏ ‏
‏{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن ‏

‏{وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} أي وإنا لقادرون على تحصيله. ‏

ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم، وهي ما جاؤا به يتعوّضون به عن الميرة،
‏ ‏
في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ‏

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم. ‏

وقيل: خشي أن لا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية. ‏

وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن الميرة. ‏

وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم. ‏


‏{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا ‏

نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ ‏

مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا ‏

بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ‏

وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى ‏

تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُنَنِّي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ ‏

عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ ‏

مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ‏

وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي ‏

عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ ‏

لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.‏
‏ ‏
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له:‏
‏ ‏
‏{مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، ‏

فإن أرسلته معنا لن يمنع منا.‏
‏ ‏
‏{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} ‏

أي:أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نمتار لهم، ‏

ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومَحْلِهم {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ}بسببه {كَيْلَ بَعِيرٍ}.‏

قال الله تعالى: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي في مقابله ذهاب ولده الآخر. ‏

وكان يعقوب عليه السلام يحبه لأنه كان يشمّ فيه رائحة أخيه، ويتسلّى ‏

به عنه، ويتعوض بسببه منه،فلهذا قال تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى ‏

تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي إلاّ أن تغلبوا كلكم ‏

عن الإتيان به {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}. ‏

أكدّ المواثيق، وقرّر العهود، واحتاط لنفسه في ولده، ولن يغني حَذَرٌ من قَدَر. ‏

ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعث الولد العزيز، ولكنَّ الأقدار لها أحكام، ‏

والرب تعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم. ‏

ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من بابٍ واحد، و ليدخلوا من أبواب متفرقة.قال ابن

عباس ومحمد بن كعب وقتادة: أراد يعقوب عليه السلام أن لا يصيبهم أحد بالعين ‏

وذلك لأنّهم كانوا بديعي الصورة وذو وجوه حسنة المنظر،ولهذا قال: ‏

‏{وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}. ‏

وقال تعالى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ ‏

مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ‏

وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.‏
‏ ‏


‏{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا ‏

يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا
‏ ‏
الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَ‏

لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ‏

الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي ‏

رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا ‏

مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ ‏

اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ ‏

لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم ‏

بِمَا تَصِفُونَ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ ‏

الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ}.‏

‏ ‏
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم على شقيقه يوسف وإيوائه ‏

إليه وإخباره له سرّاً عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاّه عما كان ‏

منهم من الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم، فأمر ‏

فتيانه بوضع سقايته- وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها الناس الطعام- عن غرة ‏

في متاع أخيه، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صُواع الملك، ووعدهم جعالة على ‏

ردِّه حِمْل بعير- أي من يجده له حمل بعير - وضمّنه المنادي لهم، فأقبلوا على ‏

من اتهمهم بذلك فأنبوه وهجّنوه فيما قاله لهم: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا ‏

لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} أي: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا له ‏

من السّرقة،{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ ‏

جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. وهذه كانت شريعتهم أن السّارق يدفع إلى ‏

المسروق منه ولهذا قالوا: {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.‏
‏ ‏
قال الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}‏
‏ ‏
ليكون ذلك أبعد للتهمة، وأبلغ في الحيلة، ثم قال الله تعالى: ‏

‏{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي لولا اعترافهم ‏

بأنّ جزاءه {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} لما كان يقدر يوسف على أخذه ‏

منهم في سياسة ملك مصر، ‏

‏{إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} أي في العلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.‏
‏ ‏
وذلك لأنّ يوسف كان أعلم منهم، وأتم رأياً، وأقوى عزماً وحزماً، وإنما فعل ما ‏

فعل عن أمر الله له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك

‏ من قدوم أبيه وقومه عليه، ووفودهم إليه. ‏

فلما عاينوا استخراج الصّواع من حمل أخيهم{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}‏

‏" ‏‎أي- يوسف- وكان سرق لأبي أمه صنما من ذهب فكسره لئلا يعبده‏‎ "‎فأسرها يوسف

‏ في نفسه ولم يبدها‏‎" ‎يظهرها‎ ‎‎"‎لهم‎" ‎والضمير للكلمة التي في قوله قالوا

‎ "‎قال‎" ‎في نفسه‎ "‎أنتم شر مكانا‎" ‎من يوسف وأخيه لسرقتكم أخاكم من أبيكم

‏ وظلمكم له‏‎ "‎والله أعلم‎" ‎عالم‎ "‎بما ‏تصفون‎" ‎تذكرون من أمره


‏{أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم يوسف سرّاً لا جهراً، حلماً وكرماً ‏

وصفحاً وعفواً، فدخلوا معه في الترفق والتعطف، فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً ‏

شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا ‏

مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ} أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء، هذا‏

‏ ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.‏
‏ ‏


‏{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ ‏

مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ‏

أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ‏

وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ ‏

الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى
‏ ‏
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى ‏

يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ ‏

حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ ‏

مَا لا تَعْلَمُونَ، يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ‏

إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}. ‏


يقول تعالى مخبراً عنهم: إنهم لما استيأسوا من أخذه منه خلصُوا يتناجون فيما ‏

بينهم، قال كبيرهم: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ} ، لتأتنني
‏ ‏
به الا أن يحاط بكم؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف ‏

من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} أي لا أزال مقيماً ها هنا ‏

‏{حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في القدوم عليه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بأن يقدّرني على ‏

ردِّ أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. ‏

‏{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي: أخبروه بما رأيتم من الأمر في

‏ ظاهر المشاهدة {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي
‏ ‏
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}الأمر الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق – ‏

أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}. ‏

‏{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي: ليس الأمر كما ذكرتم، لم يسرق‏

‏ فإنه ليس سجية له، ولا هو خلقه، وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}. ‏
‏ ‏
ثم قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} يعني يوسف وأخوه المتهم والأخ الأكبر

الذي رفض العودة، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة، ‏

‏{الْحَكِيمُ} فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة. ‏

‏{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن أبناءه { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}ذكّره حزنه ‏

الجديد بالحزن القديم، وحرّك ما كان كامناً. فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم ‏

الفراق {قَالُوا} له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه: ‏

‏{تَا للَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ}أي: لا تزال تتذكره

حتى ينحل جسدك، وتضعف قوّتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك

‏{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} يقول لبنيه: ‏

لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس، ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل،
‏ ‏
واعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجاً ومخرجاً، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن
‏ ‏
تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى {وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}. ‏

ثم قال لهم محرضاً :{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ ‏

رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} أي: لا تيئسوا من الفرج بعد ‏

الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه ومايقدره من المخرج في الضيق إلا القوم الكافرون.‏
‏ ‏


‏{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ ‏

لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ ‏

وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ، قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ‏

اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ‏

اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ، قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ‏

الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}. ‏


يخبر الله تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيما لديه من ‏

الميرة والصدقة عليهم بردّ أخيهم إليهم {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا ‏

وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي:‏

ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنّا قيل: كانت دراهم رديئة. وقيل: قليلة،

وقيل حب الصنوبر، ونحو ذلك. وعن ابن عبَّاس: كانت خَلَقَ الغِرَائِرِ والحبال، ونحو ذلك.‏
‏ ‏
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاؤا به مما لم يبق عندهم سواه، من ضعيف ‏

المال، تعرف إليهم وعطف عليهم، قائلاً: لهم عن أمر ربه وربهم، وقد حسر لهم ‏

عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ ‏

بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}، {قَالُوا} وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مراراً ‏

عديدة، وهم لا يعرفون أنه هو {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ }.‏
‏ ‏
‏{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي}أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم
‏ ‏
فيه ما فرطتم، {وَهذَا أَخِي} تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا اضمروا لهما من ‏

الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال،{قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بإحسانه إلينا وصدقته ‏

علينا، وإيوائه لنا وشدّه معاقد عزّنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا، وصبرنا على ‏

ما كان منكم إلينا وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا:‏

‏ {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. ‏

‏{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي فضلك، وأعطاك ما لم يعطنا {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}‏

أي فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك. ‏

‏{قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ} أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ‏

ثم زادهم على ذلك فقال: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. ‏
‏ ‏
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذي يلي جسده فيضعوه على عيني أبيه، ‏

فإنه يرجع إليه بصره- بعد ما كان ذهب- بإذن الله، وهذا من خوارق العادات ودلائل ‏

النبوات وأكبر المعجزات. ‏

ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل.

بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.‏ ‏

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 02-03-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



قال تعالى:

‏{وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي، قَالُوا تَاللَّهِ ‏

إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ ‏

أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ، ‏

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.‏

‏{وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ}‏ أي: لما خرجت العير هاجت ريح، فجاءت يعقوب بريح قميص ‏

يوسف فقال: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي} قال: فوجد ريحه من مسيرة ‏

ثلاثة أيام. وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به. ‏

وقال الحسن البصري:كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخاً، وكان له منذ فارقه ثمانون سنة.‏
‏ ‏
وقوله {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي} الفند: وهو الخرف، وكبر السن. قال ابن عبَّاس ومجاهد ‏

‏{تُفَنِّدُونِي}أي: تسفّهون.. ‏

‏{‏‎ولما فصلت العير‎ { ‎خرجت من عريش مصر‎}"‎‏ قالَ أبوهُم } ‏‎لمن حضر من بنيه وأولادهم

‎‏{إني لأجد ريح يوسُف‎{ ‎أوصلته إليه الصبا بإذنه تعالى من ‏مسير ثلاثة أيام أو ثمانية أو

‏ أكثر‏‎ "‎لولا أن تفندون‎" ‎تسفهون لصدقتموني

‎"‎قالوا‎" ‎له‎ "‎تالله إنك في ضلالك‎" ‎خطئك‎ "‎القديم‎" ‎من إفراطك في محبته ورجاء لقائه على بعد العهد

‏ ‏
‏{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً} أي بمجرّد ما جاء ألقى القميص ‏

على وجه يعقوب، فرجع من فوره بصيراً بعد ما كان ضريراً، وقال عند ذلك ‏

‏{أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي أعلم أن الله سيجمع شملي ‏

بيوسف وستقر عيني به وسِيرِيني فيه ومنه ما يسرني.‏

فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} طلبوا منه أن يستغفر ‏

لهم الله عز وجل عما كانوا فعلوا، ونالوا منه ومن أبيه، وما كانوا عزموا عليه، ولما ‏

كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقّهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم
‏ ‏
أبوهم إلى ما سألوا قائلاً: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}أي:‏

قال{ سوفَ أستغفرُ لكم ربي إنهُ هوَ الغفورُ الرحيم‎ { ‎أخر ذلك إلى السحر ليكون ‏

أقرب إلى الإجابة أو إلى ليلة الجمعة ثم توجهوا إلى مصر وخرج يوسف ‏والأكابر لتلقيهم.‏



‏{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ، وَرَفَعَ ‏

أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا ‏

رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ ‏

الشّيْطان بَيْنِي وَبَيْنَ اخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، رَبِّ قَدْ ‏

آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ

‏ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}. ‏


هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل: إنها ثمانون سنة،

‏ وقيل: ثلاث وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقال قتادة:خمس وثلاثون سنة،

‏ وقال مُحَمْد بن إسحاق: ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة. ‏

وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.‏


قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} رفعهما على العرش أي أجلسهما معه ‏

على سريره {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} أي سجد له الأبوان والأخوة الأحد عشر تعظيماً ‏

وتكريماً، وكان هذا مشروعاً لهم، ولم يزل ذلك معمولاً به في سائر الشرائع ‏

حتى حرم في ملّة الإسلام.‏‎
‏ ‏‎
‎‎‏{ورفع أبويه‎ {‎‏ أجلسهما معه { ‏‎على العرش‎{ ‎‏ السرير { ‏‎وخروا‎{ ‎‏ أبواه وإخوته{له سجداً}‏‎

‏ ‏‎سجود انحناء لا وضع جبهة وكان تحيتهم في ذلك الزمان‎ ‎‎‎وقال يا أبتي هذا تأويل رؤياي ‏

من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي {‏‎إذ أخرَجَني مِنَ السِّجْن} ‏‎لم يقل من

‏ الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته‏‎ ‎‏{وجاء ‏بكم من البدو‎{ ‎‏ البادية‏‎} ‎من بعد أن نزغ‎‏} أفسد
‏ ‏
‏"‏‎الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم‏‎ {‎بخلقه‎}‎الحكيم‎‏}‏

في صنعه، وأقام عنده أبوه ‏أربعاً وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة، وكانت مدة‏‎ ‎فراقه

‏ ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة.‏

‏{وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ} أي هذا تعبير ما كنت قصصته عليك: ‏

من رؤيتي الأحد عشر كوكباً، والشمس والقمر، حين رأيتهم لي ساجدين وأمرتني
‏ ‏
بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك ،

‏{قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ}. أي: بعد الهمِّ والضيق ‏

جعلني حاكماً، نافذَ الكلمة، في الديار المصرية حيث شئت {وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ} ‏

أي البادية {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشّيْطان بَيْنِي وَبَيْنَ اخْوَتِي}. ‏

ثم قال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} أي: إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه ويسّرها وسهلها ‏

من وجوه لا يهتدي إليها العباد بل يقدّرها وييسّرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته ‏

‏{إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} أي بجميع الأمور {الْحَكِيمُ} في خلقه وشرعه وقدره.‏


‏{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ‎ ‎وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ‎ ‎وَالْأَرْضِ

‏ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي‏‎ ‎مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‎‏ {‏

‎"‎رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث‎" ‎تعبير الرؤيا‎ "‎فاطر‎" ‎خالق‎

‏ "‏‎السموات والأرض أنت ولي‎" ‎متولي مصالحي‎ "‎في الدنيا والآخرة ‏توفني مسلماً

‏ وألحقني بالصالحين‏‎" ‎من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون ‏

سنة وتشاح‎ ‎المصريون في قبره فجعلوه في صندوق ‏من مرمر ودفنوه في أعلى النيل ‏

لتعم‎ ‎البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه


‏{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}‏‎‏ ‏

‎"‎ذلك‎" ‎المذكور من أمر يوسف‎ "‎من أنباء‎" ‎أخبار‎ "‎الغيب‎" ‎ما غاب عنك يا محمد‏‎ "‎نوحيه ‏

إليك وما كنت لديهم‎" ‎لدى إخوة يوسف‎ "‎إذ أجمعوا أمرهم‎" ‎في ‏كيده أي عزموا عليه

‎ "‎وهم يمكرون‎" ‎به أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها وإنما حصل لك ‏

علمها من جهة الوحي
‏ ‏

وقال تعالى في كتابه العزيز: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا ‏

تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً
‏ ‏
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} يوصي بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء
‏ ‏
عليهم السلام. ‏

‏ وحضر يعقوب الموت فوصى يوسف أن يحمله‏‎ ‎ويدفنه ‏

عند أبيه ‏فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا‎ ‎وعشرين سنة.‏

وقد ذكر أهل الكتاب: أنه أوصى بنيه واحداً واحداً، وأخبرهم بما يكون من أمرهم، ‏

وبشّر يهوذا بخروج نبيّ عظيم من نسله، تطيعه الشعوب وهو عيسى بن مريم والله أعلم. ‏
‏ ‏
وحين حضرت يوسف عليه السلام الوفاة أوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من ‏

مصر فيدفن عند آبائه، فحنّطوه ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه معه ‏

موسى عليه السلام، فدفنه عند آبائه. ‏

قالوا: فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين. ‏


‏{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا ‏

يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا

الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَ‏

لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ‏

الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي ‏

رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا ‏

مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ ‏

اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ ‏

لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم ‏

بِمَا تَصِفُونَ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ ‏

الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ}.‏

‏ ‏
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم على شقيقه يوسف وإيوائه ‏

إليه وإخباره له سرّاً عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاّه عما كان ‏

منهم من الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم، فأمر ‏

فتيانه بوضع سقايته- وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها الناس الطعام- عن غرة ‏

في متاع أخيه، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صُواع الملك، ووعدهم جعالة على ‏

ردِّه حِمْل بعير- أي من يجده له حمل بعير - وضمّنه المنادي لهم، فأقبلوا على ‏

من اتهمهم بذلك فأنبوه وهجّنوه فيما قاله لهم: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا ‏

لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} أي: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا له ‏

من السّرقة،{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ ‏

جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. وهذه كانت شريعتهم أن السّارق يدفع إلى ‏

المسروق منه ولهذا قالوا: {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.‏
‏ ‏
قال الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}‏
‏ ‏
ليكون ذلك أبعد للتهمة، وأبلغ في الحيلة، ثم قال الله تعالى: ‏

‏{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي لولا اعترافهم ‏

بأنّ جزاءه {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} لما كان يقدر يوسف على أخذه ‏

منهم في سياسة ملك مصر، ‏

‏{إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} أي في العلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.‏
‏ ‏
وذلك لأنّ يوسف كان أعلم منهم، وأتم رأياً، وأقوى عزماً وحزماً، وإنما فعل ما ‏

فعل عن أمر الله له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك

‏ من قدوم أبيه وقومه عليه، ووفودهم إليه. ‏

فلما عاينوا استخراج الصّواع من حمل أخيهم{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}‏

‏" ‏‎أي- يوسف- وكان سرق لأبي أمه صنما من ذهب فكسره لئلا يعبده‏‎ "‎فأسرها يوسف

‏ في نفسه ولم يبدها‏‎" ‎يظهرها‎ ‎‎"‎لهم‎" ‎والضمير للكلمة التي في قوله قالوا

‎ "‎قال‎" ‎في نفسه‎ "‎أنتم شر مكانا‎" ‎من يوسف وأخيه لسرقتكم أخاكم من أبيكم

‏ وظلمكم له‏‎ "‎والله أعلم‎" ‎عالم‎ "‎بما ‏تصفون‎" ‎تذكرون من أمره


‏{أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم يوسف سرّاً لا جهراً، حلماً وكرماً ‏

وصفحاً وعفواً، فدخلوا معه في الترفق والتعطف، فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً ‏

شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا ‏

مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ} أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء، هذا‏

‏ ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.‏
‏ ‏


‏{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ ‏

مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ‏

أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ‏

وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ ‏

الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى
‏ ‏
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى ‏

يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ ‏

حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ ‏

مَا لا تَعْلَمُونَ، يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ‏

إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}. ‏


يقول تعالى مخبراً عنهم: إنهم لما استيأسوا من أخذه منه خلصُوا يتناجون فيما ‏

بينهم، قال كبيرهم: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ} ، لتأتنني
‏ ‏
به الا أن يحاط بكم؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف ‏

من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} أي لا أزال مقيماً ها هنا ‏

‏{حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في القدوم عليه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بأن يقدّرني على ‏

ردِّ أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. ‏

‏{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي: أخبروه بما رأيتم من الأمر في

‏ ظاهر المشاهدة {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي
‏ ‏
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}الأمر الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق – ‏

أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}. ‏

‏{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي: ليس الأمر كما ذكرتم، لم يسرق‏

‏ فإنه ليس سجية له، ولا هو خلقه، وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}. ‏
‏ ‏
ثم قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} يعني يوسف وأخوه المتهم والأخ الأكبر

الذي رفض العودة، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة، ‏

‏{الْحَكِيمُ} فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة. ‏

‏{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن أبناءه { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}ذكّره حزنه ‏

الجديد بالحزن القديم، وحرّك ما كان كامناً. فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم ‏

الفراق {قَالُوا} له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه: ‏

‏{تَا للَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ}أي: لا تزال تتذكره

حتى ينحل جسدك، وتضعف قوّتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك

‏{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} يقول لبنيه: ‏

لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس، ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل،
‏ ‏
واعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجاً ومخرجاً، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن
‏ ‏
تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى {وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}. ‏

ثم قال لهم محرضاً :{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ ‏

رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} أي: لا تيئسوا من الفرج بعد ‏

الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه ومايقدره من المخرج في الضيق إلا القوم الكافرون.‏
‏ ‏


‏{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ ‏

لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ ‏

وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ، قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ‏

اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ‏

اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ، قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ‏

الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}. ‏


يخبر الله تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيما لديه من ‏

الميرة والصدقة عليهم بردّ أخيهم إليهم {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا ‏

وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي:‏

ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنّا قيل: كانت دراهم رديئة. وقيل: قليلة،

وقيل حب الصنوبر، ونحو ذلك. وعن ابن عبَّاس: كانت خَلَقَ الغِرَائِرِ والحبال، ونحو ذلك.‏
‏ ‏
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاؤا به مما لم يبق عندهم سواه، من ضعيف ‏

المال، تعرف إليهم وعطف عليهم، قائلاً: لهم عن أمر ربه وربهم، وقد حسر لهم ‏

عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ ‏

بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}، {قَالُوا} وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مراراً ‏

عديدة، وهم لا يعرفون أنه هو {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ }.‏
‏ ‏
‏{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي}أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم
‏ ‏
فيه ما فرطتم، {وَهذَا أَخِي} تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا اضمروا لهما من ‏

الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال،{قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بإحسانه إلينا وصدقته ‏

علينا، وإيوائه لنا وشدّه معاقد عزّنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا، وصبرنا على ‏

ما كان منكم إلينا وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا:‏

‏ {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. ‏

‏{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي فضلك، وأعطاك ما لم يعطنا {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}‏

أي فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك. ‏

‏{قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ} أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ‏

ثم زادهم على ذلك فقال: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. ‏
‏ ‏
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذي يلي جسده فيضعوه على عيني أبيه، ‏

فإنه يرجع إليه بصره- بعد ما كان ذهب- بإذن الله، وهذا من خوارق العادات ودلائل ‏

النبوات وأكبر المعجزات. ‏

ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل ‏

بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.‏ ‏


‏{وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي، قَالُوا تَاللَّهِ ‏

إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ ‏

أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ، ‏

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.‏

‏{وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ}‏ أي: لما خرجت العير هاجت ريح، فجاءت يعقوب بريح قميص ‏

يوسف فقال: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي} قال: فوجد ريحه من مسيرة ‏

ثلاثة أيام. وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به. ‏

وقال الحسن البصري:كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخاً، وكان له منذ فارقه ثمانون سنة.‏
‏ ‏
وقوله {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِي} الفند: وهو الخرف، وكبر السن. قال ابن عبَّاس ومجاهد ‏

‏{تُفَنِّدُونِي}أي: تسفّهون.. ‏

‏{‏‎ولما فصلت العير‎ { ‎خرجت من عريش مصر‎}"‎‏ قالَ أبوهُم } ‏‎لمن حضر من بنيه وأولادهم

‎‏{إني لأجد ريح يوسُف‎{ ‎أوصلته إليه الصبا بإذنه تعالى من ‏مسير ثلاثة أيام أو ثمانية أو

‏ أكثر‏‎ "‎لولا أن تفندون‎" ‎تسفهون لصدقتموني

‎"‎قالوا‎" ‎له‎ "‎تالله إنك في ضلالك‎" ‎خطئك‎ "‎القديم‎" ‎من إفراطك في محبته ورجاء لقائه على بعد العهد

‏ ‏
‏{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً} أي بمجرّد ما جاء ألقى القميص ‏

على وجه يعقوب، فرجع من فوره بصيراً بعد ما كان ضريراً، وقال عند ذلك ‏

‏{أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} أي أعلم أن الله سيجمع شملي ‏

بيوسف وستقر عيني به وسِيرِيني فيه ومنه ما يسرني.‏

فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} طلبوا منه أن يستغفر ‏

لهم الله عز وجل عما كانوا فعلوا، ونالوا منه ومن أبيه، وما كانوا عزموا عليه، ولما ‏

كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقّهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم
‏ ‏
أبوهم إلى ما سألوا قائلاً: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}أي:‏

قال{ سوفَ أستغفرُ لكم ربي إنهُ هوَ الغفورُ الرحيم‎ { ‎أخر ذلك إلى السحر ليكون ‏

أقرب إلى الإجابة أو إلى ليلة الجمعة ثم توجهوا إلى مصر وخرج يوسف ‏والأكابر لتلقيهم.‏



‏{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ، وَرَفَعَ ‏

أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا ‏

رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ ‏

الشّيْطان بَيْنِي وَبَيْنَ اخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، رَبِّ قَدْ ‏

آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ

‏ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}. ‏


هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل: إنها ثمانون سنة،

‏ وقيل: ثلاث وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقال قتادة:خمس وثلاثون سنة،

‏ وقال مُحَمْد بن إسحاق: ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة. ‏

وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.‏


قال الله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} رفعهما على العرش أي أجلسهما معه ‏

على سريره {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} أي سجد له الأبوان والأخوة الأحد عشر تعظيماً ‏

وتكريماً، وكان هذا مشروعاً لهم، ولم يزل ذلك معمولاً به في سائر الشرائع ‏

حتى حرم في ملّة الإسلام.‏‎
‏ ‏‎
‎‎‏{ورفع أبويه‎ {‎‏ أجلسهما معه { ‏‎على العرش‎{ ‎‏ السرير { ‏‎وخروا‎{ ‎‏ أبواه وإخوته{له سجداً}‏‎

‏ ‏‎سجود انحناء لا وضع جبهة وكان تحيتهم في ذلك الزمان‎ ‎‎‎وقال يا أبتي هذا تأويل رؤياي ‏

من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي {‏‎إذ أخرَجَني مِنَ السِّجْن} ‏‎لم يقل من

‏ الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته‏‎ ‎‏{وجاء ‏بكم من البدو‎{ ‎‏ البادية‏‎} ‎من بعد أن نزغ‎‏} أفسد
‏ ‏
‏"‏‎الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم‏‎ {‎بخلقه‎}‎الحكيم‎‏}‏

في صنعه، وأقام عنده أبوه ‏أربعاً وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة، وكانت مدة‏‎ ‎فراقه

‏ ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة.‏

‏{وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ} أي هذا تعبير ما كنت قصصته عليك: ‏

من رؤيتي الأحد عشر كوكباً، والشمس والقمر، حين رأيتهم لي ساجدين وأمرتني
‏ ‏
بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك ،

‏{قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ}. أي: بعد الهمِّ والضيق ‏

جعلني حاكماً، نافذَ الكلمة، في الديار المصرية حيث شئت {وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ} ‏

أي البادية {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشّيْطان بَيْنِي وَبَيْنَ اخْوَتِي}. ‏

ثم قال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} أي: إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه ويسّرها وسهلها ‏

من وجوه لا يهتدي إليها العباد بل يقدّرها وييسّرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته ‏

‏{إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} أي بجميع الأمور {الْحَكِيمُ} في خلقه وشرعه وقدره.‏


‏{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ‎ ‎وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ‎ ‎وَالْأَرْضِ

‏ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي‏‎ ‎مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‎‏ {‏

‎"‎رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث‎" ‎تعبير الرؤيا‎ "‎فاطر‎" ‎خالق‎

‏ "‏‎السموات والأرض أنت ولي‎" ‎متولي مصالحي‎ "‎في الدنيا والآخرة ‏توفني مسلماً

‏ وألحقني بالصالحين‏‎" ‎من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون ‏

سنة وتشاح‎ ‎المصريون في قبره فجعلوه في صندوق ‏من مرمر ودفنوه في أعلى النيل ‏

لتعم‎ ‎البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه


‏{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}‏‎‏ ‏

‎"‎ذلك‎" ‎المذكور من أمر يوسف‎ "‎من أنباء‎" ‎أخبار‎ "‎الغيب‎" ‎ما غاب عنك يا محمد‏‎ "‎نوحيه ‏

إليك وما كنت لديهم‎" ‎لدى إخوة يوسف‎ "‎إذ أجمعوا أمرهم‎" ‎في ‏كيده أي عزموا عليه

‎ "‎وهم يمكرون‎" ‎به أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها وإنما حصل لك ‏

علمها من جهة الوحي
‏ ‏

وقال تعالى في كتابه العزيز: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا ‏

تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً
‏ ‏
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} يوصي بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء
‏ ‏
عليهم السلام. ‏

‏ وحضر يعقوب الموت فوصى يوسف أن يحمله‏‎ ‎ويدفنه ‏

عند أبيه ‏فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا‎ ‎وعشرين سنة.‏

وقد ذكر أهل الكتاب: أنه أوصى بنيه واحداً واحداً، وأخبرهم بما يكون من أمرهم، ‏

وبشّر يهوذا بخروج نبيّ عظيم من نسله، تطيعه الشعوب وهو عيسى بن مريم والله أعلم. ‏
‏ ‏
وحين حضرت يوسف عليه السلام الوفاة أوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من ‏

مصر فيدفن عند آبائه، فحنّطوه ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه معه ‏

موسى عليه السلام، فدفنه عند آبائه. ‏

قالوا: فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين. ‏

هذا نصهم وفيما حكاه ابن جرير أيضاً. وقال مبارك بن فضالة عن الحسن: ‏

ألقي يوسف عليه السلام في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه

‏ ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة. ‏

ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة- صلوات الله عليه وسلامه.‏




رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 02-03-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه

















قصة أصحاب الفيل



















موقع القصة في القرآن الكريم

ورد ذكر القصة في سورة الفيل

سورة مكية - الآيات 1-5.‏




















بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم


‏ ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ({2}

وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ ‏طَيْرًا أَبَابِيلَ {3} تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ({4} فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ({5} ))‏





















القصة








كانت اليمن تابعة للنجاشي ملك الحبشة. وقام والي اليمن (أبرهة) ببناء كنيسة عظيمة،

‏وأراد أن يغيّر وجهة حجّ العرب. فيجعلهم يحجّون إلى هذه الكنيسة بدلا من بيت الله ‏الحرام.

فكتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان ‏قبلك, و

لست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب. إلا أن العرب أبوا ذلك، وأخذتهم عزتهم ‏بمعتقداتهم

وأنسابهم. فهم أبناء إبراهيم وإسماعيل، فكيف يتركون البيت الذي بناه آباءهم ‏ويحجّوا لكنيسة

بناها نصراني! وقيل أن رجلا من العرب ذهب وأحدث في الكنيسة تحقيرا ‏لها. وأنا بنو كنانة قتلوا

رسول أبرهة الذي جاء يطلب منهم الحج للكنيسة.‏

فعزم أبرهة على هدم الكعبة. وجهّز جيشا جرارا، ووضع في مقدمته فيلا مشهورا عندهم ‏يقال

أن اسمه محمود. فعزمت العرب على تقال أبرهة. وكان أول من خرج للقاءه، رجل من ‏أشراف من

اليمن يقال له ذو نفر. دعى قومه فأجابوه، والتحموا بجيش أبرهة. لكنه هُزِم ‏وسيق أسيرا إلى أبرهة.‏


ثم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي، وحارب أبرهة. فهزمهم أبرهة وأُخِذَ نفيل أسيرا، وصار ‏دليلا

لجيش أبرهة. حتى وصلوا للطائف، فخرج رجال من ثقيف، وقالوا لأبرهة أن الكعبة ‏موجودة في

مكة –حتى لا يهدم بيت اللات الذي بنوه في الطائف- وأرسلوا مع الجيش ‏رجلا منهم ليدلّهم

على الكعبة! وكان اسم الرجل أبو رغال. توفي في الطريق ودفن فيها، ‏وصار قبره مرجما عند العرب.


وفي مكان يسمى المغمس بين الطائف ومكة، أرسل أبرهة كتيبة من جنده، ساقت له ‏أموال

قريش وغيرها من القبائل. وكان من بين هذه الأموال مائتي بعير لعبد المطلب بن ‏هاشم،

كبير قريش وسيّدها. فهمّت قريش وكنانة وهذيل وغيرهم على قتال أبرهة. ثم ‏عرفوا أنهم

لا طاقة لهم به فتركوا ذلك‎ .‎

وبعث أبرهة رسولا إلى مكة يسأل عن سيد هذا البلد, ويبلغه أن الملك لم يأت‎ ‎لحربهم ‏وإنما

جاء لهدم هذا البيت, فإن لم يتعرضوا له فلا حاجة له في دمائهم! فإذا‎ ‎كان سيد البلد ‏لا يريد

الحرب جاء به إلى الملك. فلما أخب الرسول عبد المطلب برسالة الملك، أجابه: ‏والله ما نريد

حربه وما لنا بذلك من طاقة. هذا بيت الله الحرام. وبيت‎ ‎خليله إبراهيم عليه ‏السلام.. فإن يمنعه

منه فهو بيته وحرمه, وإن يخل بينه وبينه‎ ‎فوالله ما عندنا دفع عنه.‏

ثم انطلق عبد المطلب مع الرسول لمحادثة أبرهة. وكان عبد المطلب أوسم الناس ‏وأجملهم

وأعظمهم. فلما رآه أبرهة‎ ‎أجله وأعظمه, وأكرمه عن أن يجلسه تحته, وكره أن ‏تراه الحبشة

يجلس معه على سرير‎ ‎ملكه. فنزل أبرهة عن سريره, فجلس على بساطه ‏وأجلسه معه إلى

جانبه. ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك? فقال: حاجتي أن يرد علي ‏الملك مائتي بعير أصابها لي.

فلما قال ذلك, قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني ‏حين رأيتك, ثم قد زهدت‎ ‎فيك حين

كلمتني! أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا ‏هو دينك ودين آبائك قد‎ ‎جئت لهدمه

لا تكلمني فيه? قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل. ‏وإن للبيت رب‎ ‎سيمنعه. فاستكبر

أبرهة وقال: ما كان ليمتنع مني. قال: أنت وذاك!.. فردّ ‏أبرهة على عبد المطلب إبله.‏


ثم عاد عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم بما حدث، وأمرهم بالخروج من مكة والبقاء في ‏الجبال

المحيطة بها. ثم توجه وهو ورجال من قريش إلى للكعبة وأمسك حلقة بابها، وقاموا ‏يدعون الله

ويستنصرونه. ثم ذهب هو ومن معه للجبل.‏

ثم أمر أبرهة جيشه والفيل في مقدمته بدخول مكة. إلا أن الفيل برك ولم يتحرك. فضربوه ‏ووخزوه،

لكنه لم يقم من مكانه. فوجّهوه ناحية اليمن، فقام يهرول. ثم وجّهوه ناحية ‏الشام، فتوجّه. ثم

وجّهوه جهة الشرق، فتحرّك. فوجّهوه إلى مكة فَبَرَك.‏

ثم كان ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده, فأرسل عليهم جماعات من الطير، مع كل ‏

طائر منها ثلاثة أحجار: حجر في منقاره, وحجران في رجليه, لا ‏تصيب منهم أحدا إلا هلك.

فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة. فهاج الجيش وماج، ‏وبدوا يسألون عن نفيل بن حبيب;

ليدلهم على الطريق إلى اليمن. فقال نفيل بن حبيب ‏حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:‏

أين المفر والإله الطالب * * * والأشرم المغلوب ليس الغالب

وقال أيضا:‏

حمدت الله إذ أبصرت طيرا * * * وخفت حجارة تلقى علينا

فكل القوم يسأل عن نفيـل * * * كأن علي للحبشان دينـا


وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يتساقط لحمه قطعا صغيرة تلو الأخرى،‎

‎حتى ‏وصلوا إلى صنعاء, فما مات حتى انشق صدره عن قلبه كما تقول الروايات.‏



إن لهذه القصة دلالات كثيرة يصفا الأستاذ سيّد قطب رحمه الله في كتابه (في ظلال ‏القرآن):‏

فأما دلالة هذا الحادث والعبر المستفادة من التذكير به فكثيرة‎ . . ‎

وأول ما توحي به أن الله - سبحانه - لم يرد أن يكل حماية بيته إلى المشركين، ولو أنهم ‏كانوا

يعتزون بهذا البيت, ويحمونه ويحتمون به. فلما أراد أن يصونه‎ ‎ويحرسه ويعلن حمايته ‏له وغيرته

عليه ترك المشركين يهزمون أمام القوة المعتدية. وتدخلت القدرة سافرة لتدفع ‏عن بيت الله الحرام,

حتى لا تتكون للمشركين يد على بيته‎ ‎ولا سابقة في حمايته, ‏بحميتهم الجاهلية.‏


كذلك توحي دلالة هذا الحادث بأن الله لم يقدر لأهل الكتاب - أبرهة وجنوده - أن‏‎ ‎يحطموا ‏البيت الحرام

أو يسيطروا على الأرض المقدسة. حتى والشرك يدنسه, والمشركون هم ‏سدنته. ليبقي هذا

البيت عتيقا من سلطان المتسلطين, مصونا من كيد الكائدين.‏‎ ‎

والإيحاء الثالث هو أن العرب لم يكن لهم دور في الأرض. بل لم يكن لهم كيان قبل الإسلام.

‏كانوا في اليمن تحت حكم الفرس أو الحبشة. وكانت دولتهم حين تقوم هناك أحيانا تقوم

‏تحت حماية الفرس. وفي الشمال كانت الشام تحت حكم الروم إما مباشرة وإما بقيام ‏

حكومة عربية تحت حماية الرومان. ولم ينج إلا قلب الجزيرة من‎ ‎تحكم الأجانب فيه.

ولكنه ‏ظل في حالة تفكك لا تجعل منه قوة حقيقية‎ ‎في ميدان القوى العالمية.

وكان يمكن أن ‏تقوم الحروب بين القبائل أربعين سنة, ولكن‎ ‎لم تكن هذه القبائل متفرقة

ولا مجتمعة ذات ‏وزن عند الدول القوية المجاورة. وما حدث في عام الفيل كان

مقياسا لحقيقة هذه القوة ‏حين تتعرض لغزو أجنبي.‏

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 02-04-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
::مشرفة سابقة::
رقم العضوية : 19
تاريخ التسجيل : Feb 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 716
عدد النقاط : 10

لؤلؤة الجنة غير متواجد حالياً



مشكوور على القصصص المفيدة والرائعةةة ,....
بارك الله فيك وجزاك الله خيرفي ميزان حسناتك انشاء اللله ..

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 03-12-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
رقم العضوية : 45
تاريخ التسجيل : Mar 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 65
عدد النقاط : 10

سيباوي كوول غير متواجد حالياً



قصص راااائعه

سلمت يمناكـ أخي الفاضل على نقلها لنا

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 03-24-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 8 )
رقم العضوية : 13
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : السعودية
عدد المشاركات : 231
عدد النقاط : 10

الكريري غير متواجد حالياً



جزاك الله خير الجزاء وأثقل به ميزان حسناتك .. وجعله سبباً لدخولك الجنة بإذن الواحد الأحد .
آمين آمين آمين يارب العالمين

توقيع :

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 05-03-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 9 )
رقم العضوية : 33
تاريخ التسجيل : Feb 2010
مكان الإقامة : بعيدة عن القلوب
عدد المشاركات : 141
عدد النقاط : 10

برنسيسة الأحزان غير متواجد حالياً



جزاك الله ألف خير على هذا المجهووود
تسلم خيوووو

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 06-02-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 10 )
::مــراقــبــة::
::الـــــمــــنــــتـــــدى::
رقم العضوية : 351
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : █▓▒ لآ جـغرآفيــ×ــة تحكمُـنـي ! ▒▓█
عدد المشاركات : 2,341
عدد النقاط : 732

صاحبة الإمتياز غير متواجد حالياً



وكمآ عهدنآهآ مليئة بالعبـرة والعـظة
جـزآكـ الله خيـر الجـزآء ووفقكـ |~

توقيع :






[ الَلَهّمً إنِ فُيِ الَقُبًوٌر أحًبًآبً يِتٌقُطِعٌ الَقُلَبً لَفُقُدٍهّمً فُأکرمً نِزٍلَهّمً يِآ ربً ]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القراءن , الكريم , قصص


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القران الكريم كاملا بصوت جميع القراء بصيغة mp3 الكريري الـنور الإسلامي العــام 5 01-08-2011 07:59 AM
(مكتبة دينية) اسد الغابة الـنور الإسلامي العــام 4 11-14-2010 01:23 AM
القواعد الذهبية لحفظ القرآن الكريم الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 4 03-24-2010 07:57 AM
برنامج القرآن الكريم أسير الأندلس نـور الـجـوال ومـلـحـقـاتـه 3 02-22-2010 08:00 PM


الساعة الآن 08:52 PM.