الجزء السادس-فتاوى أصول الدين - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



جوابات الإمام السالمي جوابات الإمام السالمي رحمه الله,جوابات الإمام السالمي رحمه الله,جوابات الإمام السالمي رحمه الله,جوابات الإمام السالمي رحمه الله,جوابات الإمام السالمي رحمه الله,


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  الجزء السادس-فتاوى أصول الدين
كُتبَ بتاريخ: [ 03-23-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


أصول الدين

اختبار مريد الدخول في الاسلام أو في المذهب

السؤال :
ما يوجد في الأثر مما نصه اختلف سعيد بن محرز ومحمد بن محبوب في رجل يريد الدخول في الإسلام فقال سعيد أما أنا فلا أدخله في الإسلام حتى أردده وأخبره وأعرف حرصه فإذا رأيته مستحقاً له أدخلته فيه فإن قبل توليته من حين أدخلته في الإسلام ويقبله .
وقال محمد بن محبوب أما أنا فأدخله في الإسلام فإذا دخل فيه وقبله لم أتوله حتى أعلم أنه يستحق الولاية .
وعن أبي سفيان محبوب بن الرحيل أن الأشياخ كانوا يردون إلى أن ينظروا حرص الطالب فإن حدث به حدث وقد رضي بسيرته فما نقول إلا أنه يتولى والله أعلم .
وقال الوضاح بن عقبة أحب بعد ظهور الإسلام والدولة أن يردوا وإذا نسب عليه الإسلام فعلم منه خيراً قبلت شهادته بعد ذلك بيوم أو يومين وعدله قال السائل تفضل بين لنا معنى هذا الأثر وما وجه كل قول من أقوال هؤلاء الأشياخ وما المعنى الذي اختلفوا فيه .

الجواب :
الظاهر أن اختلاف هؤلاء الأشياخ إنما هو فيمن كان من أهل الخلاف من قومنا وأراد الدخول في مذهبنا وليس اختلافهم فيمن كان مشركا ثم أراد الإسلام لأنه لا يصح رد المشرك إذا طلب الإسلام ولا يصح لأحد أن يخالف فيه، كيف يصح أن يرد ورسول الله " إنما بعث ليدعو الناس إلى الإسلام وكذلك الرسل من قبله ؟ ثم أنه أمر عليه الصلاة والسلام بجهاد المشركين حتى يدخلوا في الإسلام كرهاً قال تعالى :
{ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة فخلوا سبيلهم }
(1) فهذا كتابُ الله ناطق بقتالهم على الإسلام وعليه فعله " إلى أن مات ثم مضى على ذلك من بعده من الأئمة الراشدين واجتمعت عليه جميع الأمة فكيف يصح مع هذا صد من أراد الإسلام ومنعه من ذلك حتى يختبر ويعلم حرصه كلا ليس الخلاف بينهم في هذا المعنى إنما الخلاف فيما قدمت لك من الدخول في مذهب أهل الحق لمن كان من أهل التوحيد من قومنا .
ووجه اختلافهم في ذلك هو أن المخالف إذا كان من أهل الأقدار من قومنا وكان متمذهبا بمذهب كان يزعمه أن هذا المذهب الذي خالف اعتقاده باطل فخشى الشيخ سعيد بن محرز أن يكون طلب هذا المخالف الدخول في مذهبنا إنما هو مكيدة واحتيال لكي يطلع على عورة أو يكتسب منهم علماً أو نحو ذلك ثم يرجع إلى اعتقاده فاحتاط باختباره وكذا القول فيما حكاه الشيخ أبو سفيان عن الأشياخ .
ويدلك على أن خلافهم في هذا المعنى قول أبي سفيان فإن حدث به حدث وقد رضى بسيرته فما نقول إلا أنه يتولى إذ لا يصح لهم أن يتولوا مشركا فعلمنا أنهم إنما أرادوا المخالف إذا أراد الدخول في ديننا .
وقول الوضاح أنه يجب رده في زمن الظهور فهو أن أطماع الناس متوجهة إلى نحو الغالب فإنه متى ما ظهر المسلمون رغب في الكون معهم لأجل ظهورهم من لا يرغب في دينهم فأحب الوضاح رده في هذا الوقت دون غيره اختباراً وأحب الانتظار يوما أو يومين في قبول شهادته وعدله مخافة أن ينكص على عقبيه أما الشيخ ابن محبوب فلم يجعل للانتظار وقتا محدوداً يتولاه فيه وإنما جعل الغاية في ذلك علمه باستحقاق الولاية وأصح هذه الأقوال وأعدلها قول محمد بن محبوب وهو أنه يدخله في الإسلام وينتظر بولايته إستحقاقه لها أما إدخاله في الإسلام فلما تقدم من الأدلة في إدخال المشركين في الإسلام ولا فرق بين المشرك والمسلم المخالف في ذلك لأن كل منهما طالب حق ملتمس هدي وإذا لم يجز رد المشرك عن الإسلام كذلك لا يجوز رد المخالف عنه وناهيك أن اليهود والنصارى كانوا يسعون في إطفاء نور الله وكل فرقة منهم تدعي الحق في يدها وهم مع ذلك أهل كتاب وقد قتلوا على الإسلام فكذا المخالف وبالجملة فلا وجه لرده عن الإسلام وإن نافق في إسلامه وأما الانتظار بولايته فلقوله " : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " . والله أعلم .
قال السائل :
قد عرفنا من هذا التقرير أن الصحيح هو قبول من جاء تائباً وادخاله في الحال في ديننا فما وجه رد الأشياخ له حتى يعلموا حرصه ؟ وما الفرق عندهم بين المخالف إذا أراد الدخول في ديننا وبين المشرك إذا أراد الإسلام ؟
الجواب :
إن وجه قولهم في ذلك أنهم شبهوا المخالف الطالب لديننا بالرجل الطالب للعلم فكما أن طالب العلم يختبر ويمتحن حتى يعلم حرصه وتظهر علامات قصده كذلك هذا المخالف عندهم والفرق بينه وبين المشرك أن المشرك لا يكون سالماً إلا بالدخول في الإسلام ولا ينجيه تصويب المسلمين وهو مقيم على شريكه وهذا المخالف يكون بتصويبه أهل الحق سالماً وبحبه إياهم ناجياً لأن الملة واحدة والخلاف إنما هو في أمور التصويب والتخطئة وسائر الفروع لا يكون الخلاف فيها مهلكا ومن ها هنا يتولونه إذا مات قبل أن يدخلونه في دينهم وقد علموا حرصه عليه . هذا وجه كلام الأشياخ على حسب ما ظهر لي .


ولى الانسان نفسه دائماً

السؤال :
معنى قولهم أنه لا يجوز للإنسان أن تأتي عليه حالة إلا وهو يتولى فيها نفسه كان طائعا أو عاصياً ما معنى هذه الولاية ؟ وكذلك ما معنى قول بعضهم أنه إذا كان مصراً فلا يتولى نفسه ؟ وقيل بل يتولاها حتى مع الإصرار فضلا منك بالبيان .
الجواب :
إن ولاية المرء نفسه هي أن يحملها على الطاعات ويحفظها عن الوقوع في المعاصي وهذا الحال واجب على كل بالغ عاقل في كل وقت وزمان بلا خلاف في ذلك بين أحد من المسلمين .
وليس المراد بولايته لنفسه تصويبه إياها على جميع أفعاله فإن أقام على معصية كان عاصياً لله بالإقامة عليها وبإضاعته لولاية نفسه لأن الواجب عليه الإقلاع عن تلك المعصية والرجوع إلى الحق وطلب الغفران والرحمة من الله لنفسه .
ومعنى قول من قال أنه لا يتولاها وهو مُصِرّ أي لا يطلب المغفرة والرحمة لنفسه وهو مقيم على المعصية لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفر للمُصِرّينْ وإنما يغفر للتائبين فالقائل أنه لا يتولى نفسه في حال الاصرار إنما أراد هذا المعنى .
والصحيح أنه لا يمنع من طلب الغفران لنفسه في شيء من الحال لأن رحمة الله واسعة ويمكن أن يكون طلب الغفران سبباً لوجود توبته في شيء من الأوقات والله أعلم .

الوقوف عن ولاية العالمين المختلفين لمن لا يدري المحق منهما

السؤال :
رجل سمع عالمين وليين له اختلفا في مسألة دينية لايكون الحق فيها إى عند واحد منهما وهذا الرجل ضعيف لا يدري أيهما المحق هل يسعه الوقوف عنهما حتى يعلم المحق منهما فيتولاه والمبطل فيتبرأ منه أم لا يسعه ذلك ؟
الجواب :
أما الإمام الكدمي رضوان الله عليه فلم يوسع له في الوقوف عن ولا ية المحق لأجل قوله بالحق، ووسع له الوقوف بالرأي عن المبطل منهما وجوز له البراءة منه، ووجه ذلك أن العالم المحق حجة بنفسه على من خالفه في الحق وعلى من سمع منه الحق ولا يسع جهل الحجة إذا قامت من وجهها .
وأما غير هذا الإمام من بعض أهل العلم فإنهم وسعوا لهذا الضعيف الوقوف عن ولاية العالمين حتى يسأل ويعرف المحق منهما ونسب هذا القول إلى الربيع بن حبيب ومحبوب بن الرحيل وحدث به الفضل بن الحواري عن سعيد بن محرز عن هاشم بن غيلان عن أشياخ المسلمين ثم قال هاشم بعد ذلك وعلى ذلك مضت أوائل المسلمين وكان هذا قولهم والله أعلم .
قال السائل :
إذا كان القول بجواز الوقوف صادراً عن هؤلاء الأشياخ فكيف صح للشيخ الكدمي أن يقول بخلافهم في ذلك ؟ بل كيف صح له التشديد في الوقوف عن العالم المحق حتى لم يذكر فيه خلافاً ؟
الجواب :
أما صحة القول بخلاف ذلك فإن المقام مقام اجتهاد ولكل واحد من العلماء ما رأى في ذلك .
وأما صحة التشديد في الوقوف عن المحق فلان المشايخ رحمهم الله تعالى لم يقولوا بالوقف نصاً في العالمين وإنما قالوه في الرجلين إذا اختلفا في الدين فيدخل تحت قولهم العلماء وغيرهم فيحمل الإمام الكدمي قول المشايخ في الضعيفين إذا اختلفا أو في عالم وضعيف إذا كان العالم هو المبطل .
وأجراه إبن بركة وأبو الحسن البساني على اطلاقه وجوزوا للضعيف الوقوف عن المختلفين مطلقاً إذا لم يعلم الحق مع أيهما وألزموه مع ذلك الوقوف اعتقاد السؤال عن ذلك .
وما ذهب الله الشيخ أبو سعيد أقوم سبيلاً وأوضح دليلا وهو مذهبا أبو الحواري رحمهم الله تعالى ومشا عليه جمهور المتأخرين من علماء المسلمين والله أعلم .

المراد بالفسق والشرك والنفاق

السؤال :
كفار النعمة من أهل القبلة إذا سميتهم فساقاً هل يخرجهم هذا الاسم عن الشرك أم هذا الاسم يشمل الشرك وكفر النعمة، فإن الحقير قد تلمح في النظم والنثر الذي لك إذا أردت أن تفرز الكافر المشرك سميته بالمشرك، وإذا أردت كافر النعمة سميته فاسقاً وعدلت عن ذكر النفاق إلى الفاسق، فأحببت أن تبين لي ذلك لأني عرفت أن المعتزلة يسمون بالفاسق من واقع الكبير من الكبائر فجعلوه قسما ثالثا لا يستحقه إلا صنف من العصاة، وعرفت أن أهل الاستقامة جعلوا الفاسق كل من خرج عن الحق إلى الباطل كنحو الكافر، فأحببت أن أذكرك في هذا الباب وكذلك وجدت في أثر القطب وفي تفسيره أن المنافق يمكن أن يكون مشركا وهو يحب أن المنافقين في زمن النبي مشركون وأنه قوله، ماذا ترى أنت ؟ تفضل بالايضاح موفقاً إن شاء الله.
الجواب :
اسم الفاسق شامل عندنا للمشرك والمنافق فيصدق على كل واحد منهما أنه فاسق ولا يختص عندنا اسم الفاسق بالمنافق خلافاً للمعتزلة القائلين بخصوصيته به ولا بأس فإن الخطب سهل والخلاف في ذلك بيننا لفظي صرح به صاحب المعالم رحمه الله تعالى وصرح به أيضا غيره وبيان كونه لفظياً هو أن المعتزلة يثبتون للمنافقين جميع الأحكام التي نثبتها نحن لهم من الأحكام الدنيوية والأخروية لكنهم يخصونهم بهذه التسمية ونحن نطلقها عليهم وعلى المشركين ؟ ولقد راجعت الكلام الذي تشير إليه فما وجدت فيه ذلك المعنى ونص عبارتي هنالك : " واعلم أن الأسماء على صنفين صنف منها مختص بأهل الطاعة الموفين بديون الله وهي مؤمن ومسلم ومهتد ومتقٍ وطائع وصالح، وصنف مختص بأهل الكبائر، وهذا أيضا نوعان : نوع يطلق على أهل الكبائر كلهم وهي ضالّ وظالم وفاسق وفاجر وعاص وكافر، والنوع الثاني مختص فلا يطلق إلا على أهل صبغة مخصوصة كالمشرك فإنه لا يطلق إلا على صاحب الشرك، وكالمنافق فإنه لا يطلق إلا على صاحب النفاق، وكالسارق فإنه لا يطلق إلا على صاحب السرقة وهكذا .
وهذا نص ما قلته هنالك وليس فيه شيء مما ذكرت لكنه صريح في أن اسم الفاسق من الأسماء المشتركة بين المشرك والمنافق واسم المنافق مختص بصاحب النفاق واسم المشرك مختص بصاحب الشرك فراجعه تجده واضحاً ان شاء الله تعالى وإن كان الكلام الذي اشكل عليك هو غير ما نقلته فاكتبه لي واذكر لي موضعه من الكتاب .
هذا وأما ما اشرت إليه من كلام القطب متّعنا الله بحياته فمعناه أن المنافق يمكن أن يكون عند الله مشركاً وذلك مثل أن يكذب بقلبه ويظهر التصديق بلسانه ومعنى قوله أن المنافقين في عهده " مشركون أي عند الله لأنهم مكذبون بقلوبهم وإن آمنت ألسنتهم والمراد بقولنا مشركون عند الله هو أنهم معذبون في الآخرة عذاب المشركين وإن أحكامهم عند الله أحكام المشركين كما يدل عليه قوله تعالى : { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون }(1) وقوله تعالى : { ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار }(2) وأنت خبير بأن أهل الكبائر من أهل التصديق ليسوا أشد عذاباً من المشركين .
وليس مراد القطب رحمه الله عليه أن أحكام المنافقين في عهده " أحكام المشركين كلا ولا يقول بذلك أحد من الإسلاميين كيف يصح ذلك والنبي " إنما عاملهم بأحكام أهل التصديق والإسلام إلا فيما نهى عنه من الصلاة ونحوها . والله أعلم .
ولاية المشرك قبل اسلامه

السؤال :
معنى ما يوجد في الأثر في المشرك الذي علم الله أنه يموت مؤمناً هل هو ولي لله في حال شركه أم لا .
وقد اختلف المسلمون في ذلك فمنهم من قال ولي لله يوم خلقه لأنه في علم الله من أهل ولايته وسكان جنته وعلم الله لا يتحول .
ومنهم من قال هو عدو لله وفي غضبه لأنه عمل أعمالا أمر الله بقتله من أجلها ولعنه وأحل منه ما حرم من المؤمنين لأن الله لا يتولى مَنْ عبد غيره وسجد للشمس من دونه وادعى إلهاً معه .
ومنهم من قال إنه ولي لا يوالى وعدو لا يعادى .
فما وجه هذا الخلاف الواقع في هذا المشرك، فضلاً منك بيان معنى كل قول من هذه الأقاويل وبيان الأرجح .
الجواب :
أما الخلاف في هذه المسألة فهو ناشئ عن اعتبارين مختلفين وعند التحقيق يرجع الخلاف لفظيا ووجهه أنهم اختلفوا في ولاية الله تعالى لعبده :
فمنهم من جعلها صفة ذات وفسرها بمعنى العلم بمصير العبد إلى رحمة الله في الآخرة وبنى على هذا الاعتبار القول بأن المشرك الذي علم الله أنه يموت مؤمناً هو في ولاية الله، أي عَلِم الله منه أنه يصير من أهل ولايته وكذلك قالوه في عداوة الله وفسروها بمعنى العلم بمصير العدو الى غضب الله والعياذ بالله .
ومنهم من جعل ولاية الله وعداوته من صفات الفعل وفسروا الولاية بالتوفيق والإعانة وفسروا العداوة بالخذلان وبنوا على هذا الاعتبار أن المشرك المذكور في عداوة الله، أي في خذلانه وعدم توفيقه .
ومنهم من لاحظ الاعتبارين فقالوا هو ولي لا يوالى وعدو لا يعادى ومعنى ذلك أنه ولي في علم الله لكن لا يوالى في حاله ذلك أي لا يعان ولا يوافق وعدو في حاله ذلك لظهور موجب العداوة منه لكن لا يعادى دائما بل في حاله ذلك فقط أو المراد أنه ولي في علم الله أو لا يصح لنا أن نواليه في حكم الظاهر وعدو في حكم الله تعالى ولا يصح لنا أن نعاديه في الحقيقة .
وأصح هذه الأقوال كلها هو القول بأنه عدو في حال الشرك حتى يتوب وهذا القول هو المرفوع عن أبي عبيدة رضي الله عنه وعلى صحته شواهد .
منها : أن جعل الولاية والعداوة من صفات الفعل أولى وأظهر لأن تفسيرهما بمعنى العلم خلاف ما عليه ظاهر العربية التي خاطبنا الله تعالى بها وحمل الخطاب على خلاف الظاهر لا يصح إلا بدليل ولا دليل ها هنا مع ما في ذلك من التكلف الذي يصير التأويل معه بعيداً جداً . ومنها : قوله تعالى في آل عمران { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم
- إلى قوله - إلا الذين تابوا } نزلت في الحارث بن سويد ووجه الاستدلال بذلك أنه سبحانه وتعالى رتب في هذه الآية اللعن على الكفر بعد الإيمان ثم استثنى من جملتهم الذين تابوا فلو لم يكن المشرك حال شركه عدواً لله لما كان في لعنة الله .

ومنها : قوله تعالى { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين }(1) إلى آخر الآية ووجه الاستدلال بها أنه تعالى برئ من المشركين على شركهم وأمر رسوله بالبراءة منهم بقتالهم وكيف يكون ولياً لله من كان هذا حكم الله فيه ونحو ذلك من الآيات كثير والله أعلم وبه التوفيق .

المراد بالعواقب والسوابق

السؤال :
ما معنى كلام يوجد في بيان الشرع ما نصه مسألة من تفكر في العواقب دمعت عيناه وجف قلبه ومن تفكر في السوابق دمع قلبه وجفت عيناه ؟
الجواب :
المراد بالعواقب ما يأتي على الإنسان من الأحوال المستقبلة كالموت والبعث والحشر والحساب والثواب والعقاب .
والمراد بالسوابق ما سبق في علمه تعالى وحكمه وقضائه من سعادة السعيد وشقاوة الشقي والمراد ببكاء العينين افضاء دمعهما والمراد بجفافهما انقطاع ذلك منهما والمراد ببكاء القلب توجعه وتألمه والمراد بجفاف القلب اغفاله عن ذلك .
والمعنى أنه إذا تفكر الانسان في العواقب الآتية عليه دمعت عيناه إشفاقاً وفزعاً وخوفاً مما سيأتي عليه من الأحوال التي لا يعلم حالته فيها وإن تفكر في قضاء الله وما سبق في علمه تألم قلبه وكاد أن ينفطر هيبة واشفاقاً من أن يكون ممن سبقت له الشقاوة وعند ذلك ينقطع دمع العينين لأن الأمر أعظم وأجل من أن يكون مبكياً .
وغاية الأمر أن البكاء إنما يكون في أمر مخوف يطمع في دفعه بالبكاء أما إذا تيقن أن بكاء العينين غير نافع، ولذلك المخوف غير دافع، فلا يكون بكاء أصلاً والله أعلم وبه التوفيق ومنه الهداية .

توبة الأمير من محوه اسم الإمارة لمخاطبة معارضيه

السؤال :
معنى ما يوجد في الأثر أن علي ابن أبي طالب كتب إلى معاوية : " من علي أمير المؤمنين " فكتب إليه معاوية كما بلغنا " إني لو علمت أنك أمير المؤمنين لم أقاتلك فامح أمير المؤمنين " ففعل فبلغ ذلك المسلمين فقالوا له : ما حملك يا علي على أن تخلع اسمك من اسم سماك به المسلمون فتب مما صنعت فتاب من ذلك .

قال السائل :
ما وجه استتابة المسلمين لعلي عن هذه الخصلة والظاهر أنها ليست بمعصية وأيضا فإن رسول الله " فعل مثل ذلك يوم الحديبيّة حين كتب الكاتب من محمد رسول الله فقال المشركون : لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك فمحا اسم رسول الله من الكتاب وكتب الكاتب : من محمد بن عبد الله .
الجواب :
وجه استتابة المسلمين لعلي من ذلك انما هو لمطاوعته لمعاوية لا لترك كتابة الاسم فقط، ومعاوية باغ على الامام جاحد لإمامته ملبِّس على العامة أنه ليس بأمير المؤمنين، وترك اسم الإمارة مع ذلك معصية ظاهرة لأن المطاوع للملبس ملبس، ومجيب المخادع في أموره التي يخادع بها المسلمين مخادع، فعن ذلك توبوه ولذلك تاب .
وليس قضية علي هاهنا مشابهة لقضية رسول الله " في الحديبيّة لأن الإسلام ذلك اليوم في مبدأ أمره والإسلام في خلافة علي قد انتهى إلى الغاية القصوى في الكمال وقد يتسامح في مبدأ الأمر لتربيته ما لا يتسامح عند النهاية .
وأيضا فعله " إنما كان عن وحي يوحى فالظاهر عن أمر خص به في ذلك اليوم دون ما عداه من الأيام إذ لم ينقل عنه في جميع مكاتباته مثل ذلك فالظاهر أنه حكم منسوخ لا يصح أن يعمل به .
وأيضاً فإن القوم الذين مع معاوية يقرّون بالإسلام معترفون بحقيقة الإمامة وبوجوب الطاعة للإمام لكن معاوية يلبس عليهم بأن علياً ليس بإمام وأنه هو ليس بأمير المؤمنين وقد خُدع أكثرهم بهذا التلبيس فترك التسمية بالإمارة مع ذلك ليس كترك الرسالة في جانب المشركين فإن جميع المشركين ينكرون رسالة رسول الله " من غير تلبيس على أحد منهم من رؤسائهم .
وأيضاً فالرسالة أمر إلهي لا تمحى بمحو اسمها من الكتابة والإمارة أمر بشري جُعل فيه الاختبار للمسلمين وتزول باعتزال الإمام لعذر وبعزل المسلمين لحدث .
وسأضرب لك للحالتين مثلا فمثال الرسالة كأم الرجل لا تزول عن كونها أمه ذكر أنها أمه أو لم يذكر وسواء جحدها غيره أم لم يجحدها فحقوقها ثابتة عليه ومثال الإمامة كزوجة الرجل صارت زوجة له بالعقد الصحيح ورضا المرأة وإذن الولي، وتزول عن الزوجية بطلاقه لها وبخلعها إياه وبسائر أنواع الفسوخ والله أعلم .

كلام الله من صفاته الفعلية

السؤال :
قول ابن النظر وشرح ابن وصاف عليه في قوله :


وأما كلام الله فهو كتابه


كذلك قال للطاهر الشيم


ومن شرح ابن وصاف عليه قوله : " أجمعت الأمة أن كلام الله تعالى من صفاته وكلام الله تبارك وتعالى كتابه وكتابه كلامه " أفلا تبين لي ما نَصَّهُ ابنُ وصاف وتُظهره وتُوضحه وتَكشف وجهَ القِناع عنه ؟ جزاك الله عنا خيراً .
الجواب :
معنى كلام ابن وصاف أن الأمة المحمدية أجمعت على أن كلام الله من صفاته وهوكذلك لكن الصفات قسمان ذاتية وفعلية والكلام نوعان :
أحدهما من صفات الذات وهو المعبر عنه بنفي الخرس فقولنا : الله متكلم بذاته، أي ليس بأخرس، أي ذاته تعالى متنزهة عن الخرس .
والنوع الثاني من صفات الفعل وهو الذي فسره ابن وصاف بقوله وكلامه كتابه، وإياه عني ابن النظر في قوله :

وأما كلام الله فهو كتابه


............................................


ومعنى ذلك أن الكتب المنزلة على أنبياء الله تعالى هي كلام الله أي كلامٌ خلقه الله تعالى فيما شاء كيف ما شاء وأضافه إلى نفسه تشريفا له وتعظيما كما أضاف ناقة صالح عليه السلام إلى نفسه فقال :
{ ناقة الله }
(1) وإنما هي خلق من خلقه، كما أضيفت الكعبة إليه فقيل بيت الله على قصد التشريف والتعظيم للمضاف .
ولما كانت الكتب المنزلة كلاماً مضافاً إلى الله تعالى للتعظيم والتشريف ولكونها مخلوقة له تعالى وجب أن يكون ايجادها بعض صفاته فهي من صفاته الفعلية كالايحاء والارسال للأنبياء وكالأمانة والإحياء للخلق إلى غير ذلك من أفعاله تعالى .
فالكلام المنزل من صفاته تعالى اجماعاً لكن اختلفت الأمة في كونه من أي الصفات هو، فذهب الجمهور إلى أنه من الصفات الفعلية كما ذهبنا إليه وذهبت الأشعرية إلى أنه من الصفات الذاتية فكان قولهم بذلك سبباً للتخليطات التي زعموا بها في القرآن حتى زعم بعضهم أنه لم ينزل وأن ما بين الدفتين ليس بالقرآن بل هو عبارات عن القرآن أبعده الله
من قائل، إذ يلزمه بقوله هذا انكار قول الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر }
(2) و{ إنا انزلناه في ليلة القدر }(3)، { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين }(4) في أمثالها من الآيات وحتى زعم أن بعضهم أن القرآن قديم فلزمهم بذلك ثبوت قديم غير الله تعالى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
ولأجل هذه التخليطات منع بعض أصحابنا من أن يكون الكلام صفة ذاتية، بل أوجبوا أن يكون صفة فعلية فقط واكتفوا في نفي الخرس عن الله تعالى بثبوت صفة القدرة له، لأن الخرس عجز ينافي القدرة . وحِصر ابن النظر الكلام في الكتاب يقتضي هذا المذهب وكذلك تفسير ابن وصاف له في قوله وكلام الله تعالى كتابه وإلى هذا المذهب ذهب الشيخ أبو ساكن صاحب الايضاح رحمه الله تعالى حيث قال في عقيدته "وندين بأن الله خالق لكلامه" والله أعلم .

التوسل بالرسول وبالصالحين

السؤال :
ما حكم التوسل بالرسول وبالصالحين في الحياة وبعد الممات ؟
الجواب :
إذا لم يعتقد المتوسل نفعاً ولا ضراً ولا تأثيراً للمتوسل به بل يعتقد أن النافع الضار هو الله عز وجل وطلب التوسل بجاه المتوسل به في قضاء حاجته من الله تعالى فذلك جائز وقربة إلى الله تعالى .
وإن اعتقد تأثيراً لغير الله بضر أو نفع حقيقة فهو مشرك .
دليل الجواز على الوجه الأول ما روى عن رسول الله " في أحاديث كثيرة :
منها أنه " كان من دعائه : " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك " وهذا توسل لا شك فيه ولفظ السائلين يعم الأحياء والأموات لأن كلا منهم يوصف بذلك إذا وقع منه وصح في أحاديث كثيرة أنه كان يأمر أصحابه أن يدعوا به، منها ما رواه ابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله " : " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة وانما خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ملك " وقد ذكره كثير من الرواة حتى قال بعضهم ما من أحد من السلف إلا وكان يدعو بهذا الدعاء عند الخروج إلى الصلاة .
ومما جاء عنه " من التوسل أنه كان يقول في بعض أدعيته : " بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي "
ومن ذلك قوله " : اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي وهذا الحديث قطعة من حديث رواه كثير من المحدثين وصححوه فانظر في قوله والأنبياء الذين من قبلي أهم أموات يومئذ أم أحياء ولا جواب له إلا القول بأنهم أموات وقد صح عن رسول الله " التوسل بهم فإن ألزمتم من توسل بالأموات الشرك على ذلك مطلقاً وجب عليكم أن تلزموه رسول الله " أليس هذا بالحق بلى والملكِ الحق ؟!
ومن الأحاديث الصحيحة التي جاء بها التصريح فيها بالتوسل ما رواه الترمذي والنسائي والبيهقي والطبراني بإسناد صحيح عن عثمان بن حنيف وهو صحابي مشهور أن رجلاً ضريراً أتى النبي " فقال ادعُ الله أن يعافيني فقال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت قال فادعه أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي، اللهم شفعه في فعاد وقد أبصر وفي رواية قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط ففي هذا الحديث التوسل والنداء .
وخرج هذا الحديث أيضا البخاري في تاريخه وابن ماجه والحكم في المستدرك بإسناد صحيح وذكره الجلال السيوطي في الجامع الكبير والصغير .
وقد استعمله الصحابة والتابعون أيضا رضي الله عنهم بعد وفاته " لقضاء حوائجهم فقد روى الطبراني والبيهقي أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في زمن خلافته في حاجة وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر إليه في حاجته فشكا ذلك إلى عثمان ابن حنيف الراوي للحديث

المذكور فقال ائتِ الميضاة فتوضأ ثم ائتِ المسجد فصل ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه إليك إلى ربي لتقضي حاجتي وتذكر حاجتك فانطلق الرجل فصنع ذلك ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب فأخذه بيده فأدخله على عثمان وأجلسه معه قال له اذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها ثم قال له ما كان لك من حاجة فاذكرها ثم خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال جزاك الله خيراً ما كان ينظر لحاجتي كلمته لي فقال ابن حنيف : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله
" وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره إلى آخر الحديث المتقدم فهذا توسل ونداء بعد وفاته " .
وروى البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر رضي الله عنه فجاء بلال بن الحارث رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله " وقال يا رسول الله استسق لأمتك فانهم هلكوا فأتاه رسول الله " في المنام وأخبره أنهم يسقون وليس الاستدلال بالرؤيا للنبي " فإن رؤياه وإن كانت حقاً لا تثبت بها الأحكام لإمكان اشتباه الكلام على الرائي لا شك في الرؤيا وانما الاستدلال بفعل الصحابي وهو بلال بن الحارث فإتيانه لقبر النبي " ونداؤه له وطلبه منه أن يستسقى لأمته دليل على أن ذلك جائز وهو من


أعظم القربات ولو كان فعل بلال شركاً أو غير جائز لانكر عليه جميع من بلغه خبره لشركه ومنعه من حوله من الصحابة ولم ينقل عن أحد انكار لشيء من ذلك وكذلك يقال في حديث عثمان بن حنيف .

لا يقال انا إنما منعنا التوسل بالأموات وشرّكنا عليه فاعله لأن التوسل بهم يوهم أن لهم قدرة وتأثيراً، لأنا نقول إن ذلك الأيهام لا يبلغ بصاحبه إلى معصية فضلاً عن الشرك ما لم يعلم منه اعتقاد ذلك والمسلم على الاسلام حتى يصح منه ما يخرجه عنه والتوهم لا يكفي دليلا على ذلك إن هو إلا مجرد وهم فما أبعده من اليقين .
فإن قيل قوله تعالى : { أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنيَ الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات
رحمته }
(1) وما اشبهها من الآيات دليل على أن طلب كشف الضر من غير الله شرك بالله .
قلنا : المطلوب بكشف الضر في التوسل هو الله عز وجل لا المتوسل به والآية نزلت في المشركين الذين يعبدون الأصنام من دون الله عز وجل والدعاء فيها بمعنى العبادة لها بدليل قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم }(2) ، { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً }(3) إلى غير ذلك من الآيات، والدعاء مخ العبادة فلا يجوز أن يطلب بطريق الدعاء إلا الرب تعالى فطالب غيره بهذا الطريق مشرك ولا يصح لأحد أن يقول إن المتوسلين من المسلمين اولئك من المشركين سواء لِما رأيت من الأدلة وعلمت أن المشركين يعبدون الأصنام وأن المسلمين إنما يتوسلون بفضل أولئك الصالحين إلى ربهم .
فإن قيلَ : والمشركون يقولون { إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله
زلفى }
(1) .
قلنا : قد صرح المشركون بأنهم قالوا يعبدونهم لذلك، ومن عبد غير الله فهو مشرك فإشراكهم من حيثية العبادة لأن من عبد مع الله غيره فقد جعل مع الله شريكا وأيضاً فالمشركون يعتقدون أن تلك الأصنام آلهة قال الله حكاية عنهم في انكارهم على نبيه { اجعل الآلهة }(2)،
{ لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون }
(3) .
ومن سوى بين المتوسل من المسلمين وبين هؤلاء المشركين فقد سوى بين المشركين وبين رسول الله " لأن التوسل وقع منه وكذلك صحابته كما علمت الا فليأتوني بسلطان مبين وإلا فليعلموا أنهم دخلوا في مضيق لا مخرج لهم منه الا بالتوبة والرجوع عنه .
وفي هذا كفاية لمن من الله عليه بالهداية ولكن لا تغني الآيات والنذر
عن قوم لا يؤمنون والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وعلى تابعيهم إلى يوم الدين
(1) .

المعاداة على فاعل طاعة والمعونة عليها

السؤال :
امرأة لها ولد ولا ولي لها غيره امرته أن يفعل فعلا والفعل من الطاعات التي يعملها الأنبياء والأولياء، فعملها طاعة لله وامتثالا لأمر والدته فمقتته على ذلك مقتا شديداً وتعلقت بمن هو أقوى منه وورثتهم مالها ضرراً له وقطعاً لولائه حتى لا يبقى له ولاء عليها في مال وحال ففعل ذلك من تعلقت بهم طمعاً في تلك الرشوة كيف يكون حال الفاعل والمعين له فيما بينه وبين الله ؟ أرأيت إذا كان هذا ظلماً منهم له فإذا قدر على الانتصار منهم أيجوز له ذلك أم لا ؟
الجواب :
إنه لا يحل لأحد أن يعادي أحداً على فعل فعلته الرسل والأولياء، ومن عادى على ذلك فهو ظالم لنفسه عاصٍ لربه، والمعين له مثله سواء كان برشوة أم غيرها . هذا إذا لم يقصد اضراره، ومع قصد الضرر فهو ظلم على ظلم .
وأما الانتصار فلا يصح إلا لمن ظلم ماله ولم يجد من ينصفه من ظالمه هذا ما ظهر لي والله أعلم .

الولاية مع التسمية والبراءة دون تعيين

السؤال :
الضعيف الذي لا له يد في الولاية والبراءة وقرأ في سير أهل النحلة الإباضية وآثارهم ووجد ذكر الخليفتين رضوان الله عليهما ومَن بعدهم من الأمة والعلماء إلى آخر سيرهم وولايتهم لهم، وذكر المحدِثين والجبابرة إلى آخر سيرتهم وبراءتهم منهم، أيلزم هذا الضعيف أن يتولى هؤلاء المذكورين بأعيانهم ويبرأ من الآخرين بأعيانهم ؟ وهل يسعه السكوت عنهم ما لم تقم عليه الحجة ؟ وما صفة قيام الحجة التي تلزم هذا الضعيف بين لنا ذلك .

الجواب :
نعم يسع هذا الضعيف السكوت عن المذكورين كلهم حتى تقوم عليه الحجة بولاية الولي منهم وعداوة العدو فإذا قامت عليه الحجة بشيء من ذلك وجب عليه أن يفعله .
وله أن يتولى الخليفتين رضوان الله عليهما بنفس اطلاعه على سير الأصحاب وذكرهم لخصالهم المحمودة وسيرتهم العادلة كما له أن يأخذ بآثارهم في العمليات فترى الواحد منا يفعل الفعل ويكف عن الفعل الآخر ولا علم له بأحكام ذلك إلا من حيث اطلاعه على آثارهم رحمة الله عليهم فكذلك الولاية لأهل الولاية من المسلمين فنحن نتولى الخليفتين وغيرهم من أئمة الأصحاب جملة وتفصيلا ومنهم من لم نعرف اسمه ولا سيرته إلا من الأثر رضوان الله عليهم أجمعين .
وأما البراءة فلا يجوز لأحد أن يبرأ من شخص بعينه لأجل براءة من برئ منه من المسلمين لأن براءة المتبرئ من العدو حكمٌ عليه بالخروج عن الإسلام وليس لأحد من الناس أن يحكم بحكم الحاكم العادل ما لم يصح معه في ذلك الشيء بعينه مثل ما صح عند ذلك الحاكم لكن يعتقد الواقف على السير المذكورة والبراءة من أهل تلك الأحداث المحرمة شرعاً من غير أن ينسبها لواحد بعينه .
فإذا صح معه من طريق الشهرة التي لا دافع لها أن صاحب هذه الأحداث هو فلان وفلان مثلا وجب عليه أن يقصدهما بالبراءة منهما بأعينهما وليس له الرجوع عن العلم إلى الجهل ولايسعه الشك بعد اليقين والله أعلم .

تفسير بيت في ‘‘ مشارق الأنوار ‘‘

السؤال :
قولة في مشارق الأنوار في عدد 13 في شرح هذا البيت :

حتى استووا على بساط القرب


في حضرة قدسية في القرب


إلى أن قال فالقرب الأول في البيت بمعنى التقرب وهنا بمعنى التقريب إلى أن قال لعلاقة اطلاق اسم السبب على المسبب في الأول وبالعكس في الثاني حتى قال لأن القرب الذي هو الدنو مسبب للتقرّب وسبب للتقريب قال السائل وأنا رددته في نسختي لأن القرب الذي هو الدنو سبب للتقريب وسبب للتقريب، فأخبرته في وادي المعاول مشافهة فجاوبني أن الذي وضعه في كتابه هو ذلك الذي قاله هو وليس بغلط والغلط من (هلال) فبقيت أتأمل في رد الأغلوطات فلم أجده فيها فرجعت إلى كتابي فوجدته لا يقبل قلبي إلا ما رددته بنفسي وهو أن القرب الذي هو الدنو سبب للتقرب ومسبَّب للتقريب وأرجو الجواب منك .

الجواب :
إن التقرب مصدر تقرب تقربا والتقريب مصدر قربه تقريبا والقرب الذي في البيت استعمل في المعنيين فاستعمله في أول الشطرين بمعنى التقرب وفي الأخر بمعنى التقريب، وهو حقيقة في الدنو ومجاز في التقرب والتقريب وهو الدنو من الملك ومسبَّب عن تقربنا إليه ممن تقرب إلى الملك فأدناه كان ذلك الدنو ثمرة لذلك التقرب، ثم إن أدناءَ الملك هو عين التقريب فيكون التقريب من الملك مسبَّبا عن الدنو إليه والدنو إليه مسببا عن التقرب إليه وكشف ذلك أن محاولة أحدنا القرب من الملك هو التقرب فإذا حصل القرب فذلك هو الدنو فإذا أقبل عليه الملك بالأنعام والإكرام والاحتفال فذلك هو التقريب فلا إشكال - يا هلال - بلغك الله الآمال وكشف لك عن المشكلات الأقفال وعليك السلام ورحمة
الله .


استصحاب الولاية في حال خفاء زوالها

السؤال :
الوليّان إذا اختلفا في مسألةٍ دينيةٍ لا يمكن أن يكون الحقُّ فيها معهما معاً، ما قول المغاربة فيهما ؟ إذ لم يثبت معهم وقوف الرأي . فإن قالوا بولايتها معا فهل يلزمهم أن يكونوا قد تولـوا فاسقا ؟ إذ لا بد من فسق أحدهما .

الجواب :
الله أعلم بذلك، وأنا لا أعرف لهم قولاً في ذلك، والذي تقتضيه قاعدتهم ثبوتُ الولايةِ للمحق منهما والبراءةِ من المبطِل، فإن اختفى الباطل على هذا المتولي فمقتضى قاعدتهم إبقاؤهما على الولاية السابقة حتى تتضح له الهدى من الضَّلال والرشد من الغَيّ، لأنهم لا يبرؤون إلاّ على بينة كالشمس . وهو قول أبي عبيدة وبشير رحمهما الله . ولا يلزمهما بذلك ولايةُ الفاسق، لأنهم إنما تولَّوه على ما كان، لا على ما حدث، فهم مُستَصحِبُون لتلك الولاية حيث إنها تثبت عندهم بيقين، ولا يُزيل اليَقينَ إلا يقينٌ مثلُه . والله أعلم .

البراءة على اشتراط بطلان رأيه

السؤال :
قول الكدمي رحمه الله في الوليين إذا اختلفا في الدين وكان المبطل العالم والمحق الضعيف : " أنه لم يجز للذي يتولاهما أن يثبت على الولاية بالدين إلا بوقوف الرأي، فإن تولاه على ذلك هلك إن لم يعتقد فيه بعينه براءة الشريطة " ما وجهه ؟ وكيف لا يُجزئه اعتقاد الشريطة في الجملة ؟

الجواب :
ذلك رأيه رضي الله عنه، وقد تقدم ما تقتضيه قواعد المغاربة . وقد قيل : إنّ الإنسان لا يهلك بفعل غيره، وإذا لم يصوِّبْه في خطأ فلا يخرج إلى الهلاك بالدين إذا كان إنما تولاّه على حال يوجب له الولاية فيما
تقدّم .

والوجه في القول بهلاكه أنه تولَّى مبطلاً، وولاية المبطل ضلال، فقد هلك بفعله لا بفعل غيره، على أن الجهل ليس بعذر .
فإن أنزله من ولاية الدين إلى وقوف الرأي أو ولاية الرأي وهي أن يعتقد فيه بعينه البراءة على الشريطة [ جاز ] في الجملة عند الإمام الكدمي رحمه الله، لأن الأحكام مختلفة، وذلك إن أحكام الجملة تخالف أحكام التفصيل، فإذا وجب التعبدُ في شيء من التفصيل لم يُجْزِ عنه الإجمالُ . والله أعلم .

توجيه قول تارك ولاية آكلِ القرد ومُحَلل موطوءة الحيض

السؤال :
عن وجه قول الإمام الكدمي في ترك ولاية من أكل القرد، مع أنه لانصَّ يدلُّ على تحريمه ولا إجماعَ، وقد قال بعضهم : لا نقول إن من أكله أتى كبيرة .
وأشكلُ من هذا قولُه : " إن من برئ ممن أكل القرد توليناه على براءته منه، ومن تولاّه على ذلك لم نتولّه، ومن أحلَّه نصاً لم نتولّه "
وما وجه قول بعضهم : لا نتولّى من أحلّ الموطوءة في الحيض عمداً، كيف تُترك ولايةُ من أحلّ ذلك مع أنه رأى لبعض أئِمتنا ؟ فهل يصحّ تركُ ما تعبَّدَنا الله به من أمر الولاية إلاّ بأصلٍ قويّ ؟
الجواب :
أما الشيخ أبو سعيد رحمه الله فقد حاول تخريج الإجماع في تحريم القرد قياساً على الخنزير، لكن لما كان الإجماع [ يخالف ] المنصوص فلا يحكم بفسق آكله ولا مستحلّه، ولقوة ذلك عنده ترك ولايته وتولىَّ من برئ منه، وذلك أنه يقرّب المسألة من الدين، فلم يتجاسر على الحكم فيها بالتفسيق . وتَوَلَّى من تجاسر، إذ من تشجّعَ بعلم كمن تورَّع بعلم.
وأما قول القائل بأنه لا يتولّى من أحلّ الموطوءة في الحيض، أي من قال : إنها لا تحرم على زوجها، فهو لا يتولاه، لأن هذا القول صار معروفاً بأهل الخلاف، وصار عند المسلمين قولاً متروكاً، حتى كاد أن يتفقوا في آخر الزمان على خلافه، فصار مذهبُهم في ذلك معلوماً وصار القولُ بخلافه من شعار المخالفين، فمن أظهره عند المسلمين خيف أن يكون منهم . فلذا قال : إنه لا يتولاه .
ثم إن الولاية اصطفاء، فلا تنزل مع حرج الصدور ولا مع توحش النفوس، وإنما تنزل عند الاصطفاء وصدق المؤاخاة . وأنت تعلم أن من فارق الجماعة ولو كان في مسألة اجتهادية تتوحش منه النفوس، لأنه قد صار منفرداً برأيه، وكان عليه أن يكون مع الجماعة، لا سيَّما حيث يكون نظرهم دافعاً للمفاسد كما في هذه الصورة فإن كثيراً من العوام لا يمنعهم عن الوطء في الحيض كونُه حراماً، لتجاسرهم على كثير من المعاصي، وإنما يخافون تفريق المسلمين بينهم وبين نسائهم، فقد اندفع بذلك مفسدة عظيمة وانسدَّ عن الناس بابٌ من الكبائر .
فإن كان هذا القائل يرى ما رأى الجماعةُ من التحريم فذاك، وإلا كتم رأيَه وردّ الناس إلى غيره ليكون شريكاً في دفع المفاسد وموافقاً لجماعة المسلمين .
وأقول : إنه لا يمكن تركُ ولايته بذلك، لأنها فريضة في حق كل مؤمن، ولا تترك إلا عن فاسق أو متهور في الشبهات أو مسترابٍ في أمره، فإن نزل هذا القائل بالحل في شيء من هذه المنازل كان حقيقاً بترك الولاية، وإلاَّ فهو ولينا وأخونا في الدين . والله أعلم .

توجيه قول مكفّر شارب النبيذ

السؤال :
قولهم : إن نبيذ الجر والدبا والمزفت حرام . قال الإمام : " وكفّر شارب نبيذ الجر والدباء والمزفت والنقير، لأن السنة جاءت بتحريمه " ما وجه القول بتحريم هذا، بل بتكفير شاربيه ؟ وهل المراد بذلك إذا سكر أم يكفر ولو لم يسكر ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، والذي يظهر لي أن مرادهم بذلك الإطلاق، لأنهم [ أطلقوا الحكم على ] نبيذ هذه الأوعية بالتحريم من تقييد بالإسكار، وقيدوه في غيرها فحرَّمُوا المسكر من غيرها وحرَّموا النبيذ منها مطلقاً .
والدليل على التحريم ما ذكره الإمام أبو سعيد، وهو أن السنة جاءت بتحريمه . والذي وجدته أنا من الأحاديث أن وفد عبد القيس قدموا عليه صلَّى الله عليه وسلّم فسألوه عن النبيذ فنهاهم أن ينبذوا في الدُّبّاء والنَقير والمزفَّت والحنتم والمزادةِ المجبوبة، وقال : " ليشرب أحدكم في سقائه ويُوكِه " والحنتم : الجرار الخضر، والنقير : هو الجذعُ ينقر وسطه نقراً وينسخ نسخاً، والدباء : القرعة . فإن كان أبو سعيد رحمه الله قد أخذ معنى التحريم من السنة من هذا النهي لأن حقيقة النهي للتحريم فذاك، وإن كان عندهم حديث مصرِّحٌ بالتحريم فالله أعلم . ولئن قلنا بالاحتمال الأوَّل فليس النّهي نصّاً في التحريم، وإنما يستفاد من معناه الموضوع له، فحَمْلُه على الحقيقةِ وإن كان هو الظاهرَ لكنه لا يفيد القطع به، لوجود الخلاف فيه هل يحمل على التحريم أو الكراهية عند عدم القرينة .
على أنه قد قيل : إن المعنى في النَّهي عن الشراب فى هذه الأوعية دون غيرها أن النبيذ فيها يكون أسرعَ إلى الفساد والاشتداد حتى يصير مسكراً، وهو في الأسقية أبعدُ منه .
وأيضاً فقد رَوى بعض قومنا ما يدلّ على نسخ هذا النهي، فقال: كان أبو هريرة يقول : سمعته صلّى الله عليه وسلّم بعد نهيه عن الانتباذ في الظروف المذكورة يقول : " كنت نهيتكم عن الأشربة إلاّ في ظروف الأَدَم، فاشربوا في كل وعاءٍ غير أن لا تشربوا مسكراً، فإن الظروف لا تحلّ شيئاً ولا تحرّمه " . وكان ابن عمر يقول لنا : نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الأوعية، قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ليس كل النّاس يجد سِقاءً، فرخّص لهم في الجرار غير المزفَّت وأن يشربوا فيما شاؤوا، غير أن لا يشربوا مسكراً .
وإن قلنا بأن معهم حديثاً نصّاً في التحريم فلا يخلو ذلك الحديث إمّا أن يكون آحاداً أو مستفيضاً أو متواتَراً .
والمتواتر في هذا غير موجود، لأنه لو كان متواتراً لما اختصَّ به أحد عن أحد . سلمنا اختصاصه باعتبار الجماعةِ الناقلين والمنقولِ إليهم فلا يلزم من لم يبلغه التواتر حكمُ التواتر، لأن الشهرة إنما تلزم من بلغته دون غيره من الناس، وليس يلزمنا من اشتهار الأمر عند غيرنا مؤونة إن لم يشتهر ذلك معنا، وليس لمن اشتهر معه أن يحكم علينا بما علم حتى نعلم مثل ما علم، وليس للعالم أن يقول للجاهل اعلمْ كعلمي وإلا قطعتُ عُذْرَك، فإن فعل قطع الله عذر العالم .
وإن كان الخبر آحاداً أو مستفيضاً فلا يفيد على الأصحّ إلاّ الظن فأين موضع التكفير في هذا كلّه ؟ على أن المسألة مسألة اجتهاد لا قطع .
فإن قيل : لعلّ الحديث قد تواتر واشتهر عند أئمّتكم فحكموا بذلك بحكم المشتهر المتواتر، والعذر للجاهل إنما يكون فيما لم يرتكبه من المحرّمات، فإن ارتكب محرّماً ضاق عليه جهله وقامت عليه الحجّة ممن كان، وهم إنّما يكفرون شاربه .
قلنا : نعم هكذا حكم المتواتر ان ثبت، لكن لا سبيل إلى اثبات التواتر في ذلك، لأن التواتر لا يختفي، كالشمس في رابعة النهار .
فإن قيل : كثير من الأحاديث كانت متواترة في أوّل الأمر ثمّ صارت أحادية بموت النقلة، فلو لم يؤخذ بحكمها السابق لزم عليه تنافي الأحكام وتداعيها من أصلها، حيث يُحكم أولا بالقطع في شيءٍ ثمّ ينقل ذلك الحكم بعينه ظنّاً في غير ذلك الزمان، فيصير القطع مظنوناً والفاسق بارتكابه مؤمناً، وهذا لا يصحّ أن يقال به .
قلنا : إن ثبت الحكم بالقطع في شيءٍ من الأشياء فلا سبيل إلى رفع القطع عنه، والدين لا يزول من مكانه، والأحكام لا تتناقض، وأنى لكم بأنه قد حكم بالقطع في هذه المسألة في العصر الأول .
فإن قيل : فإذاً ما وجه كلام الإمام أبي سعيد في تكفير شاربه؟
قلنا : الله أعلم بذلك، والذي يظهر لي أنه لم يجد خلافاً بين الأصحاب في المسألة فقال بالتكفير فيها لظنه الإجماع في المسألة، وهي وإن اتفق الأصحاب عليها فليست من مسائل الدين ولا من مسائل الإجماع . وكثيراً ما تنطبق كلمتهم على قول واحد وهم يعترفون بأنه موضع اجتهاد ومقام اختلاف، ويسوِّغون لمن جاء من بعدهم القول فيه. و كثيراً ما يتفق أهل المشرق على قول لا يذكرون فيه خلافاً ثمّ يذكر أهل المغرب في ذلك الشيء بعينه قولاً آخر، والتكفير تفسيق وتضليل لا يمكن أن يكون في شيءٍ من مسائل الاجتهاد، لأن المختلفين فيها على صواب ما لم يضلل أحدهما الآخر فيضلّ هو بالتضليل فيكون قد نصب الرأي دينا .
فإن قيل : كثيراً ما نجد في مسائل الخلاف اختلافاً في البراءة من فاعل كذا، كالوليّ إذا قتل وليّاً آخر فقد قيل ببقائه على ولايته، وقيل بالبراءة منه، وقيل بالوقوف عنه وقوفَ الرأي، ومن المعلوم أن البراءة لا تكون إلاّ لمن خرج عن الدين، فما معنى هذا الإختلاف ؟ وهل يُحمل كلام أبي سعيد على هذا المعنى ؟
قلنا : ليسا سواء فإن الإختلاف في الولي القاتل ونحوه من حيث الاحتمالات والدعاوي، فإن كل واحد من المختلفين قد سلك مسلكاً لا يخالفه فيه الآخر، وذلك أن القائل بإبقائه على ولايته إنما يتولاّه للولاية السابقة له، وذلك أصل لا يخالفه فيه غيره، فهو مستصحب لأصله . وأما القائل بالبراءة فإنه إنما تبرّأ منه لأجل ما ارتكبه من الفعل المحجور في حكم الظاهر، والحجر سبب البراءة في الظاهر لا يخالفه فيه غيره ولم يتعبدنا الله بالباطل . وأمَّا القائل بالوقوف فلتعارض الأمرين فحصل الإشكال عنده، ومن قاعدتهم أن كل مشكل موقوف . وكلام أبي سعيد إنما هو في شارب ذلك الشيء فليست المسألتان من باب واحد . والله أعلم .

من لم يجد مفتياً فأقدم على أمر فوافق مباحاً أو حراماً

السؤال :
مَنْ بلغه أن لله محرَّماتٍ ومحلَّلاتٍ، واعتقد السؤال عن هذه المحرّمات والمحلّلات، فلمّا أراد أن يُقدم على شيء طلب المعبِّر فلم يجده، فهل يصحّ له أن يُقدم مع اعتقاده السؤالَ حيث لم يجد المعبِّر، مع أنه محتاج لذلك ؟
الجواب :
إذا وافق مباحاً جاز له ذلك وهو سالم عند الله وعند الخَلق .
وقيل : ليس له أن يُقدم على شيء إلابعلم وإن وافق مباحاً،
فعليه التوبة من الإقدام، لأن حقه الوقوف، لقوله تعالى : { ولا تقفُ
ما ليس لك به علم }
(1) وفيه تشديد والأول أنسب بالحنيفية السمحة، وهوالظاهرمن أحوال الصحابة ومَن بعدَهم، فإنهم كثيراً ما يفعلون الفعل ثم يسألون عن حكمه ولم يبقِ بهم النبيّ عليه الصلاة والسلام ولا غيره ممن علمناه .
وأمَّا إن وافق محرَّماً فأكثرُ القول أنْ لا يُعذرَ بجهله، للأثر المجتمع عليه أنه يسع الناسَ جهلُ ما دانوا بتحريمه ما لم يركبوه أو يتولوا راكبه أو يبرؤا ممن برئ من راكبه .
وقيل : إذا دان بما يلزمه واعتقد موافقةَ الحلال، فوافق الحرام جهلاً إنه معذور لقوله تعالى : { ولم يُصِرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون}(1) فمفهوم الآية أن إصرارهم مع الجهل لا يستحقون به الذم .
قلنا : هذا المفهوم قد عارضته القواطع القاطعة لأعذار الجاهل كقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }(2) وقوله تعالى :
{ ولو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لَعَلِمه الذين يستنبطونه منهم }
(3) ولو كان في الجهل عذر لكان الجاهل أقربَ إلى السلامة، وهيهات، لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون !

وما عذري بجهلي عند ربِّي


وهل أنا واجد للجهل عذراً



السؤال :
إن هذا المبتلى قد طلب المعبِّر ليسأله فلم يجد أحداً من أهل الذكر، فهل يكون أعذر ممن فعل مع وجود االمعبِّر وضيع السؤال ؟
الجواب :
أما أن وافق حراماً فالخلاف المتقدم خارج في هذا أيضاً، لأن كلامهم يشمله، وأما في نفس السؤال فإن من ضيع السؤال أشد ممن لم يضيعه . ولا يشكل عليك تهليكه(1) - على رأي من يقول بهلاكه - فإن القول بذلك راجع إلى المعنى الإلزامي، وذلك أن تكليفَ اللهِ العبادَ الزامُه التكاليف، والإلزام أمرٌ ثابت عليهم علموه أو جهلوه، فيلزمهم البحثُ عمّا يلزمهم حتى يفعلوه وما حُجر عليهم فيجتنبوه .
فإن قيل : على هذا القول يهلك كثير من العوام ويكون التعذيب بغير بينة، والله يقول : { لِيهلكَ مَنْ هَلك عن بينـةٍ ويحيا من حَيَّ عن بينـةٍ }(2)
قلنا : أما هلاك العوام إن هلكوا فبتضييعهم في ترك العلم وارتكاب الجهل، والله لايُضيع عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى، وأما البينة فقد حصلتْ بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب ونصب الشرائع. والله أعلم .

توجيه قول من قيد قيام الحجة بفهم معناها

السؤال :
قول المعتبر : " تقوم الحجَّة على من بلغه خبر الجملة بأي معبِّر إن فهم معناها وعرف المراد بها " . ومفهومُه : إن لم يعرف معناها والمراد بها لم تقم عليه الحجَّة، فما القول حينئذٍ فيمن عبر له هذه الجملة فقال: لم أفهم معنى هذا ولا المرادُ به، هل بحكم بشركه أو لا ؟
الجواب :
إن كان القائل عربياً والتعبير له بلسان عربي مبين فلا عذر له، وهو جاهلٌ متمرّد على أحكام الله، والله يكفينا المستهزئين . فإن كان في دارٍ حكمُ أهلها الشركُ فهذا مشرك، والحجّة قد قامت عليه، وحربه واجبة، وإن كان في دار الإسلام فلا يعجل عليه بالقتل حتى يُعلم منه أنه أراد بذلك إنكار الجملة، أو قاله لشك فيها، أو لاستهزاء بها، فإن عُلم شيء من هذه فهو مرتد، يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وإن كان التعبير بلسانٍ غيرِ لسانه، كأعجميّ عَبَّرَ له عربي، أو العكس، أو أعجميّ عُبّر له بلغة غير لغته على كثرة اختلاف اللغات، أو عربيّ عُبّر له بلسان لا يفهمه كتميمي عُبّر له بلغة حمير أو غيرها من اللغات التي التي لا يهتدى إلى معناها في بعض الألفاظ، فهذا هو المعنى الذي عناه أبو سعيد، فإنّ تعبيرَ المعبِّر بلسان لا يفهمه أشبهُ شيءٍ بنُعاب الغراب وصِياح الطير وثُغاء الشاة، وكيف لنا بأن نعرف أصوات هؤلاء إلاَّ بإلهام من الله، كما علَّم داودَ وسليمانَ منطقَ الطّير، فكذلك فهم اللغة التي لانعرفها، ومن المعلوم أن التكليفَ بفهمِ ما لم نفهمه تكليفٌ بالمحال، لأنه لايطاق وذلك كتكليف الأعمى البصرَ، والأصمِّ السمعَ ونحو ذلك .
فإن قيل : إن الإبصار من الأعمى والسمع من الأصمّ محال في نفسه، وفهم اللغة غير محال في نفسه وإن كانت غيرَ لغته، لأنه يمكنه أن يتعلم المراد فيفهم المعنى، ولا كذلك الأعمى والأصم .
قلنا : هما سواء لأنا إنما نتكلم في فهمه قبل التعلّم، فإنكم إن لم تعذروه قبل التعلم كلفتموه ما لا يطيق، حيث ألزمتموه العلم بعد القدرة عليه، وإن عذرتموه حتى يتعلم فقد وسّعتم له في الجهل بعد قيام الحجّة في زعمكم حتى يتعلم . أرأيت إن تعلّم بعد ساعة أو ساعتين، ما يكون حكمه فيما رضى بعد سماع المعبر أهو مسلم في ذلك الحال أو مشرك ؟ فإن كان مسلماً فعلامَ يلزمه تعلمُ اللغة المذكورة بعد أن كان في حال سلامة ؟ وإن كان مشركاً فما ينفعه ذلك التعلم ؟ فسقط الاعتراض عن كل وجه وليس هو باعتراض موجود إن شاء الله، غير أني ذكرته توسيعاً للدائرة وتقوية للفهم، والله أعلم .


توجيه تعريف الكبيرة بفعل ما يشبه موجب الحد

السؤال :
عن قول بعضهم : " لا يكون العبد مرتكباً للكبيرة إلاَّ إذا أتى فعلاً يشبه شيئاً يجب فيه الحَدُّ في الدنيا " ما وجهه مع قوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين }(1) وقوله :{ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }(2) إلى قوله :
{ ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نُصليه ناراً وكان ذلك على الله
يسيراً }، صدق الله العظيم .

الجواب :
لعله أراد بقوله فعلاً يشبه شيئاً يجب فيه الحدّ في الدُّنيا كل فعل ثبت فيه الوعيد من قِبل الله تعالى، فإنَّ كل معصية عليها الوعيد أشبهت الكبائر التي فيها الحدود، لأن الوعيد جامع بينهما . وأكلُ الأموال بالباطل، وظلم الناس، وتطفيف الكيل والميزان، وأشباه ذلك، كلُّها كبائرُ يَهلك فاعلها ويُبرأ منه إن لم يتب . والله أعلم .
الأخرس من حيث الولاية والبراءة

السؤال :
الأعجم "يعني الأخرس" قيل : كالمعتوه، لا يُتَوَلَّى إذا أتى بالطاعة، ولا يُبرأ منه إذا أتى بالمعصية . وإذا حدثت عليه العُجمة وكان قبلَ ذلك وليّاً يبقى على ولايته ولو سرق وعصَى وأشرك وقتل وفسق، فما وجهُ جَعْلِه في الحالة الأولى كالمعتوه، وإبقائه في الحالة الثانية على ولايته، مع أن الآفة لم تنزل إلا في لسانه، وعقلُه صحيح وافر، وكيف يقاس بمن لاعقل له ؟
الجواب :
هو في الحالتين مقيس على المعتوه، وذلك أن المعتوه إذا لم تسبق له ولاية فهو على حال الوقوف وإن صدرت عنه المعاصي، لارتفاع التكاليف عنه وإن سبقت له ولاية، لأنها لم تصدر عن عقل . وكذلك الأعجم في الحالتين .
ووجه القياس أن الأعجم معذور بحيث إن الله تعالى قد سدّ عنه باب السَّمع فلا يصل إليه من حجّته شىء، والشرائع كلها مسموعة منقولة، نعم، تقوم الحجّة في معرفة الله تعالى من جهة عقله لكن لا سبيل لنا إلى الوصول إلى معرفة ذلك، لأن موضع المعرفة القلب ولا يدرك ذلك إلا بتعبير اللسان عمَّا في الضَّمير، وقد انسدَّ باب العبارة فهو على السلامة.
فلو رأيناه يفعل معصية أو شيئاً من الكبائر لم نحكم عليه بالكفر لكون الحجّة لم تقم عليه لانسداد بابها عنه، لأن معرفة المعاصي والطاعة جاءت من قبل السمع، فقياسه على المعتوه من حيث ارتفاع التكليف من هذه الجهة فلا يغني عنه وفورُ عقله شيئاً .
وأمَّا إن حدثت عليه العجمة فإنه يبقى على حاله لاحتمال أن تكون المعصية التي فعلها لم تقم عليه حجتها حال الصحة، وقد تعذر عليه معرفتها بعد ذلك .
واعلم أن العجمة لايمكن حدوثها، وإن حدثت بعد فليست هي العجمة الأصلية، وإنما العجمة الأصلية هي التي تكون في الإنسان من أول مرة فتمنعه من سماع الألفاظ فلا يستطيع النطق بشيء، لأن اللسان إنما ينطق بما تسمع الأذن، فإذا سمعت الأذن ووعى القلب نطق اللسان، فما حدث بعد ذلك فليس بعجمة، وإنما هو صمم في الأذن أو خرس في اللسان، فهي آفة غير العجمة، فلا أدري ما معنى القول بثبوت حكمها إذا حدثت بعد ثبوت الولاية .
وأقول إنه يمكن أن تثبت للأعجم حالة ولاية من غير نفسه، وذلك كما إذا تولاه بولاية غيره كأبيه وسيده وأمه - على قول - ثم بلغ، فإنه يبقى على حكم الولاية حتى يُحدث حدثا يخرجه منه . وقيل ينتقل إلى الوقوف . فعلى الأول يكون الأعجمي على حكم الولاية التي سبقت له بسبب غيره . فهذه الحالة هي التي يكون بها الأعجمي ولياَّ لا([1]) إذا حدثت العجمة . والله أعلم .


اقتصار نفي القذف على شهادة الأربعة ( غير العدول )

السؤال :
قول المعتبَر : " إن شهود الزِّنى إذا كانوا أربعةً غيرَ عدول إنهم لا يكونون قذفةً "، فهل الثلاثة والاثنان مثلُهم ؟ أرأيت إذا لم يكن لهم أن يشهدوا أليسوا داخلين في قوله تعالى : { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده }(1) أم لا ؟
الجواب :
ليس الثلاثة والاثنان في ذلك كالأربعةَ إنما رُدَّت شهادتهم لسقوط عدالتهم، والثلاثة ومن دونهم إنما تُردّ لقلة عددهم، وقد قال الله تعالى : { فإذْ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون }(2) فما دون الأربعة - في حكم الله - من الكاذبين، وإن كانوا في السريرة من الصادقين .
ولا يحكم بكذب الأربعة وإن ردت شهادتهم لسقوط عدالتِهم، لأن العدد قد ثبت لهم، ولا يدخل شهود الزنى تحت الآية، وهي قوله تعالى : { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده } لأن ذلك فيما طُلب أداء الشهادة فيه، ولا يلزم في الزنى أداء الشهادة إلاَّ في موضع واحد، وذلك فيما إذا كان ترك الشهادة يفضي إلى ضررٍ لغيره، كما إذا شهد أحد الشهود عند الحاكم بالزِّنى فإن على الباقين أن يشهدوا لئلا يفضيَ إلى جلده على القذف، وكذلك إذا قذف قاذفٌ أحداً فطولب بالأربعة أو يُحَدّ فإن على الشهود أن يشهدوا دفعاً للحد عنه .
والله أعلم .

العبرة في الولاية والبراءة بالظاهر

السؤال :
قول بعضهم إن ولي الحقيقة يُبرأ منه في حكم الظاهر إذا فعل ما يوجب البراءة، وكذلك العدوُّ بالحقيقة يُتَولّى في الظاهر إذا فعل ما يوجب الولاية،
ما وجه هذا القول عند قائله ؟ وهو يَلزم عليه التناقض بحيث يصير الولي وليا عدوا .

الجواب :
إن الولاية والبراءة عند هذا القائل من الأفعال المترتبة على الأفعال الدنيوية مع قطع النظر عن العواقب، فهو يتولاه لأن الله تعالى ألزمه ولاية المطيع في حكم الظاهر، ويبرأ منه لأن الله ألزمه البراءة من صاحب الكبائر في حكم الظاهر، ولم يتعبده الله تعالى بما سيكون في الآخرة من شأن هذا الولي أو العدو .

كأنه جعل الولاية والبراءة بحكم الظاهر من الأحكام الدنيوية. أَمَا تُقطع يدُه إذا سرق وإن كان في علم الله أنه يكون من أهل الجنَّة ؟ أَمَا يُحَدُّ إذا زنى ؟ أَمَا يُجلَد إذا شرب ؟ أَمَا تُقطَع يده ورجله من خلاف إذا حارب ؟ أَمَا تُضرَب عنقه إذا ارتد ولم يتب ؟ أَمَا يُحارَب إذا أشرك فحارب ؟ أرأيت لو قال النّبي " في مشرك أنه سيسلم ويدخل الجنة ألنا أن نُقره على شركه ؟ كلا بل نحكم عليه بأحكام مِثلِه، فكذلك الولاية والبراءة في حكم الظاهر . والله أعلم .
قال السَّائِل :
إن من حقوق الوليّ بالظاهر أن يُطلب له الرحمةُ الأخروية وَدُخولُ الجنَّة، ومن أحكام العدو في الظّاهر جواز لعنه والدُّعاءِ عليه بالنَّار والغضب . فهل هذا كله يجوز في حق الولي بالحقيقة إذا فعل الكبيرة وكذا العكس في عكسه ؟
الجواب :
الله أعلم، وأنا لا أحفظ هذا منصوصاً من قولهم غير أني أقول أنه إذا علم أن هذا يدخل الجنَّة فليس له أن يدعو عليه بالنار والغضب في الآخرة وإن أحدث الكبيرة، وإن علم أنه يدخل النَّار فليس له أن يدعوَ له بالجنّة وإن فعل الطَّاعة، لأن ذلك الحال إذاً لا يبدل القول لديه تعالى ولا يختلف علمه، وطلب ذلك يقتضى طلب خلافِ معلومِ الله وهو باطل قطعاً، فلا يجوز سوى له .
فإن قيل هذا المعنى هو معظم أحكام الولاية والعداوة فإذا امتنعا صار ذلك الولي غير ولي والعدو غير عدو فما وجه القول بالولاية والبراءة بعد ذلك ؟
قلنا : وجههما إعطاءُ الحقوق والأحكام الدنيوية فإن لفاعل الطَّاعة حقوقاً لا بُدَّ من أدائها إليه، وعلى فاعل المعصية أحكاماً لا بُدَّ من انفاذها فيه، فهو وليّ أو عدوّ بهذا المعني .
وكأني بصاحب هذا القول يقول إن أحكام الولاية كلها ثابتة لهذا الطائع، وأحكام البراءة كلها ثابتة لهذا العدو، وإنما يمتنع الدُّعاء بأمور الآخرة للعارض المتقدم، فلا ينفي ذلك بقية الأحكام ولا يخرجه عن الأصل . والله أعلم .

الصلاة على المشرك في حكم الظاهر

السؤال :
الوليُّ بالحقيقة إذا مات في حكم الظاهر مشركاً، هل يجوز لمن يتولاّه بالحقيقة أن يُصلّيَ عليه بعدَ موته ؟ أرأيت إذا خفي ذلك عن غير المطَّلع من الناس على ولايته الحقيقية، هل يكون الحكم فيه سواء أو الإخفاء أرخص ؟

الجواب :
لا يجوز ذلك لا في السرّ ولا في العلانية، لأن الصَّلاةَ عليه والدفنَ له حكمُ الميراث وهي تابعة لأحكام الدنيا وهي أشياء تترتب على أسباب في الحياة، فإذا حصلت الأسباب تبعتها الأحكام، وعلى كل مسلم أن يُنْزِلَه حيث أنزلَ نفسه، عَلِمَ بحكمه في الآخرة أو جَهِل، إذ لايجوز أن تُترك الأحكام الدنيوية لأجل الأحكام الأخروية، لأن أحكام الدنيا أحكام تعبُّد وأحكام الآخرة أحكام جزاء،
فإن قيل : إذا قُطع في هذا الولي بأنه من أهل الجنة لوجوب صدق المخبِر وجب عليه أن يُقطع أنه لايموت إلا مسلماً، لثبوت القواطع في وعيد الكفار، وإذا وجب عليه القطع بإسلامه حالَ الموت فما بالُه لايُعامله معاملةَ المسلمين ؟
قلنا : القطع بإسلامه من أحكام الغيب التي أطْلَعه الله عليها، ولا يترتب على أحكام الغيب شيءٌ من الأحكام الظاهرة، فالصلاة عليه وأشباهها تابعة للأسباب الظاهرة .
ومن هنا حصل ضلال الصوفية فإنهم يفعلون أشياء تخالف الشرع ويزعمون أنهم علموا فيها ما لم يعلمه غيرهم من طريق المكاشفة ويحتجُّون في ذلك بأفعال الخَضِر مع موسى عليه السلام، وهم مع ذلك ضالون مبطلون جاهلون بطريق الاستدلال، فإن الخَضِر عليه السلام قد خُصَّ بشريعةٍ غيرِ شريعةِ موسى عليه السلام، ولم يثبت لهؤلاء شيء من تلك الخصوصيَّة، بل الواجبُ على هذه الأمّةِ كلِّها اتباعُ طريقةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخذُ بأحكامه، فلا يجوز لهم مخالفةُ شيءٍ من أحكامه لا في السِّر ولا في العلانية، فمن خالف شيئاً لا تسعه فيه المخالفة فهو ضالٌّ مبطل، وإن خُرقت له العادات ومشت وراءه الجبال وفُلق له البحر ومشى على الهواء .

ومن تَرَهُ يمشي علىالماء في الهوا


لم يعتبر بالشرع حرماً ولا حِلاّ


فذلك دجـــــال فكذِّبْـــه إن روى


فما هـو في أخبــاره إن روى عـــدلا


هذا إذا قدَّرنا أن ما ظهر لهم علم وكشف كما يزعمون، وليس الأمر كذلك، وإنما هو خيالات وأوهام وأباطيل يلقيها الشيطان في قلوبهم فيظنون أنها الكشف والعلم، مالهم بذلك من علم، إن هم إلا يخرصون . والله أعلم .

البراءة ممن ترك السنن الشعائر دون السنن الأخرى

السؤال :
قول ابن جعفر حيث فرق بين من ترك الفطر والأضحى والصَّلاة على الجنازة وركعتي الفجر، وبين من صَلَّى بعد العصر وبعد الفجر قبل الطلوع وترك صلاة الجماعة، فقال في الأُولى : بُخِست منزلتُه، ولا تُترك ولايته، وفي الثانية : يستتاب، فإن تاب وإلا برئ منه، لأنه قد ترك السُّنَّة .
قال السائل : أليس في الأول قد ترك السنة أيضاً ؟ فما الفرق بين الأمرين ؟ وهل قد قيل بغير ذلك أوْ لا ؟
الجواب :
الله أعلم بهذا الفرق، والعلة التي عَلَّل بها تقتضي دخولَ الأمرين تحت الحكم إذ في الجميع تركُ للسنة، ولعل الفرق الذي ذكره إنما هو في المُصَلّي عند طلوع الشمس وعند غروبها فإنّ المُصَلِّي في هذين الوقتين يستوجب البراءة إن لم يتب، لحديث أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لايفجر أحدكم أن يُصَلي عند طلوع الشمس أو عند غروبها" وذلك أنَّ تحريم الصَّلاة في هذين الوقتين مُجمَعٌ عليه لهذا الحديث . وأيضاً ففي هذا الحديث إطلاق الفجور عليه، والفجور لايطلق إلاَّ على فعل الكبيرة .
وأما النهي عن الصَّلاة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر فليس كالنهي في الأولين، حتى إن بعضهم اختار أن تقضى فيها الفوائت والمَنْسِيّات والتي نام عنها، وكذلك الصَّلاة التي لها سبب مِن قِبَلِ الله، كصلاة الميت والزلزلة والكسوف . بخلاف ركعتَي الطواف فإن سببها الطواف وقد صدر باختيار الإنسان، فيمتنعان كسائر النوافل .
وإذا ظهر لك هذا المعنى عرفت أنه لاوجه للقول بالبراءة ولا معنى للتفرقة، اللهم إلاَّ أن يكون فاعل ذلك مُعَانِداً للمسلمين ومكابراً للحق فيستحق البراءة بالمعاندة والمكابرة وللقائم بالأمر أن يَزْجُرَ من خالف السُّنَن ويحملهم على الجادة الواضحة، ويهددهم علىذلك ويعاقبهم، لأنَّه الحافظ للشريعة وهو المخاطَب بأوامرها، وكلُّ راعٍ مسئولٌ عن رعيته . والله أعلم .

أداء الفرائض بمقتضى العقل لمن جهل الكيفية المشروعة

السؤال :
قولهم فيمن قامت عليه الحُجَّة بشيء من الفرائض ولم يعرف كيفية الأداء ولم يجد المعبِّر أنه إنْ خاف الفوت فعليه أن يؤدي ذلك كما حَسُنَ في عقله، فإن وجد المعبِّر بعد ذلك ورأى فعله موافقاً فذلك كافٍ، وإن رأى فعله مخالفاً ففي لزوم البدل عليه قولان .
قال السائل : أرأيت القول بلزوم البدل أهو ناشئ عن القول بأنه يؤدي كما حسن في عقله أو مبني على غير ذلك ؟ فإن كان ناشئاً عنه فما معنى القول الثاني ؟ بأنه لا بد عليه ؟ وإن كان غير ناشئ عنه فما وجه القول به ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، والذي يظهر لي من فحوى كلامهم أن كِلا القولين ناشئ عن القائلين بلزوم الأداء كما حَسُنَ في عقله .
فمن قال بعدم وجوب البدل منهم جعل الفعلَ الأولَ مُجزياً له، لأنه هو الذي في وُسْعِه في ذلك الحال و{ لا يكلف الله نفساً إلا
وسعها }
(1) وأنه لو مات قبل وجود المعبِّر لمات سالماً باتفاق الكل، فعلم من ذلك أنَّ الفعل الأول مُجز له .
وأمَّا القائل بوجوب البدل فكأنه لم يعتبر الفعل الذي لم يطابق الشرع، وأنه وإن أدَّى كما حسن في عقله فذلك الأداء غيرُ مُجزٍ عنه، لكن لايهلك لكونه لا يستطيع غيرَه، فهو معذور لاستحالة التكليف بما لايطاق . فإذا وجد المعبِّر وانكشف الأمر وجب عليه القضاء، فهو كالنَّاسي إذا ذَكَر، وكالنَّائم إذا انتبه .
وإنما ألزمه الفعلَ الأولَ مع كونه غير مُجزٍ معذرةً إلى ربه، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتُكم بشيء فَأْتوا منه ما استطعتم "، وهذا يستطيع فِعْلَ ما حَسُنَ في عقله .
قلنا : وإن استطاع ذلك فليس هو من الشيء المأمور به، لأنه إنما أُمر بالصَّلاة مثلا على وجهها، فإذا حَسُن في عقله أن الصلاة سعيٌ وهرولة، أو وقوف في مكان، أو أكل لمباحٍ، أو نحو ذلك من الأحوال فليس الذي حسن في عقله من الصلاةِ المأمورِ بها، فلا يلزمه إلاَّ ما عَلم من ذلك بطريق السمع، أو ما يقوم مقامه كالنظر في الكتاب، أو الإشارة إذا عقلها . وأما غير ذلك فلا يلزمه .
وإن وفقه الله واهتدى إلى فعل ذلك من قِبل نفسه فهو من العناية والتسديد، وليس من العلم في شيء . ومحال أن يَعقل المسموع من قبل نفسه قبل سماعه، وهيهات إدراك الشريعة المحمدية إلاَّ بنقل !
والله أعلم .
قال السَّائِل :
إذا لزم المكلفَ الأداءُ كما حَسُنَ في عقله -عند القائلين به- فكيف له بالوصول إلى معرفة أوقات ذلك الفرض ومعرفة تفاصيله وكيفية أدائه ؟
الجواب :
لم يُلزموه الفعلَ في الوقتِ نفسِه، ولا التفصيلَ على الوجه المخصوص، لأن ذلك لايستطيعه . وإنما ألزموه أن يفعل ما حَسُن في عقله من الأفعال في الوقت الذي حَسُن في عقله أنه وقت الأداء، سواءٌ وافق ذلك أم لم يوافق، بدليل اختلافهم في البدل إذا لم يوافق . والله أعلم .
قال السَّائِل :
هل عليه مع هذا الأداء الدَينونةُ بالسؤال أو لا ؟
الجواب :
نعم، عليه ذلك، لأن الدينونة بالسؤال من تمام الإذعان، والمطلوب منه فعل الطاعة على التَّمام، وهو قد فعلها على غير علم، فلا يدري تمامَها ونقصانَها، فالدينونة بالسؤال تجبر النقصان وتُتِمُّ الإذعان . والله أعلم .
قال السائل :
هل هذه المسألة عندهم مبنية على القول بتحكيم العقل أو لا ؟ فإن كانت غيرَ مبنيةٍ على ذلك فما أصلها ؟ وإن كانت مبنيةً عليه فما الفرق بين هذا القول وبين قول المعتزلة بتحكيم العقل أيضاً ؟
الجواب :
هي مبنية عليه بلا شك .
وليس القول بذلك مُضاهياً لقول المعتزلة، فإن المعتزلة يحعلون تحكيمَ العقل ديناً من الدين، وبَنَوا عليه قواعدَ تهدم الشرعَ من أصله لو صحَّت، لكنها باطلة . وذلك أنهم يقولون إن الشرع لا يَرِدُ بما يخالف العقل، فالشرع إمَّا مُؤكِّد لحكم العقل، أو مبيِّنٌ لما خَفِي عليه، كصفة الصَّلاة ومقادير النِّصاب في الزكاة وأفعال الحج وأشباه ذلك وهم يردُّون جميع الشرع إلى العقل وأنت خبير أن العقل لاحكم له في شيء من هذا كله وإن حَسَّن وقَبَّح لأغراضٍ عرضت له فليس ذلك التحسين والتقبيح بحكم لايختلف باختلاف الأغراض .
وأما القائلون بتحكيمه من أصحابنا فإنهم إنما يقولون به عند عدم الشرع وإذا ورد الشرع وجب المصير إليه إجماعاً . والله أعلم .


العذر بالجهل لغير من قامت عليه الحجة

السؤال :
قول الإمام الكدمي : " يلزم المكلفَ التوبةُ من الإقدام على الشيء المحرَّم في دين الله إذا قامت عليه الحجة بالتحريم لكنه جهله ولم يجد معبِّراً قبل الإقدام " ما وجهه مع قوله : " لايهلك ولو ارتكب جميع المحارم إن لم يجد المعبِّر واعتقد السؤال " ؟
الجواب :
ليس القولان بمتناقضين .
لأن القولَ الأول فيمن قامت عليه حجة التحريم بذلك الشيء فارتكبه بجهل منه للتحريم بعد قيام الحجة، فإن هذا جهل لايُعذر به، وعليه أن يتوب من فعله لأنه تضييع بعد الحجة، وهو تجاهل لاجهل، ولا تجاهلَ في الإسلام .
وأمَّا القول الثاني ففيمن لم تقم عليه حجة التحريم، فإنه معذور، لأن الله تعالى لم يكلف العباد إلا بعد قيام الحجة، ولا حجة في المسموعات إلاَّ بالسَّماع، وأمَّا في المعقولات فتكون الحجة من السمع والعقل .
واعلم أن هذه الأحكام إنما تُتَصَوَّر في ناشئ نشأ في جزيرة لا يسمع فيها كتاباً ولاسُنَّةً ولا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فأمَّا ناشئٌ بين ظهرانَي المسلمين مخالطاً لعامتهم وهو مدركٌ لعلمائهم لو طلبهم فليس له أن يعمل بجهله جميعَ ما حسن بباله ويعتذر في ذلك بجهله وتجاهله، كلا والله، ولا نعمةَ عين، ولو كان ذلك لاختير الجهل على العلم .
والله أعلم .

الزام المكلف السؤال والخروج في طلب العلم

السؤال :
قول من قال : " لا يسعُ جهلُ ضلالة المرتكب لحرام " هل يلزمه أن يُلزم المكلفَ السؤالَ والخروجَ في طلب علم ذلك ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، ولعله يكتفي باعتقاد السؤال عنه دون الخروج في طلبه، إذ لا يهلك أحد بفعل غيره ما لم يصوبه عليه فيهلك بالتصويب، أو يشك في ضلاله على القول بأنه لايسع الشكُّ فيه .
وأما الخروج في طلب علم ذلك فلا أعرف أن أحداً قال به إلا ما يوجد عن فرقة أبي محمد حيث ألزموا عوامَّ الناس الخروجَ في طلب العلم عن أحكام موسى وراشد بن النظر .
وقد شنَّع عليهم أبو سعيد غايةَ التشنيع وجعل السؤال عن ذلك من باب التجسس المحرم شرعاً .
أجاب بعضهم عن ذلك بأن التجسس السؤال عن الحدث نفسه لا عن حكمه، وهم إنما أُمِرُوا بطلب معرفة الحكم بعد العلم بالحدث، فليس بتجسس .
قال أبو سعيد : هذا الحدث إما أن يسع الناسَ جهلُه أو لا يسع : فإن كان يسع فعلامَ يُلزمون الخروجَ ؟ وإن كان لا يسع جهلُه كان كل من عبَّر لهم الحق حجةً عليهم فكيف يتركون المعبِّر القادرين عليه ويطلبون المعبِّر البعيد ؟ أرأيت إن ماتوا في الطريق قبل الوصول إلى المعبِّر البعيد أيموتون هالكين أم سالمين ؟ فإن قلتم بسلامتهم علمنا أن الحكم يسع جهلُه وإلزامهم إياهم باطل، وإن قلتم بهلاكهم توجَّه الهلاك إليكم حيث إنكم كتمتموهم ما لا يسع جهلُه .
وبالجملة فكان تلزيمهم للسؤال عن حكم ذلك ناشئاً عن القول بأنه لايسع جهلُ ضلالة المصر، غير أنهم أخطَؤوا في تلزيم الناس للخروج مع أن للناس أن يتمسكوا بغير قولهم، لأنها مسألة رأي لو صحّ التحريج في الإلزام .
وأيضاً فقد كتموهم العلم وألزموهم الخروج في غير موضعه إذ لو صحَّ لزومُ الخروج لما كان إلا إلى المعبِّر القريب .

وعلى كل حال فالقول بتلزيم السؤال قابل للرأي غير أن فرقة أبي محمد لم يصيبوا موضعه، ولعلهم يتبرؤون ممن لم يخرج في طلب ذلك، كما تَدُلُّ عليه بعض الآثار فيكونون قد نَصَبوا الرأيَ دينا . والله أعلم .

ولادة الجن أيضا على الفطرة

السؤال :
قولهم في مولود الجن : " إنه على الفطرة الإسلامية "، ما الدليل عليه ؟ وهل يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة " ؟
الجواب :
نعم، هو داخل تحت الحديث المذكور . والله أعلم .

مصير أولاد المشركين في الآخرة

السؤال :
قول بعضهم في أولاد المشركين والمنافقين : " إنهم في الآخرة عند
آبائهم " ما دليله ؟


الجواب :
لعله استدل على ذلك بمفهوم قوله تعالى :{ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتَهم }(1) وبمفهوم حديث : " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لِتَقَرَّ بها عينُه " ثم قرأ : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } .
وبيان ذلك أنه إن دلت الآية والحديث على أن ذريات المؤمنين عندهم بسبب إيمانهم كان عكس ذلك في ذرية غيرهم، واستدل بعضهم في أولاد المشركين بأن خديجة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدَيها ماتا في الجاهلية فقال : " في النّار " فرأى الكراهية في وجهها فقال : " لو رأيت مكانَهما لأبغضتِهما " قالت : يا رسول الله، فولدي منك ؟ قال : " في الجنَّة، إن المشركين وأولادَهم في النَّار، والمؤمنين وأولادَهم في الجنّة " وقرأ الآية .
قال القطب : والله أعلم بصحة هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم . قال : والحديث الصحيح قوله : " واللهُ أعلمُ بأولاد المنافقين والمشركين كيف يعملون لو عملوا " . قال : والظاهر أنهم للجنة أقرب منهم إلى النّار، لأنه تعالى يَمُنُّ بالرحمة ولا يظلم بالعذاب، ولولادتهم على الفطرة قال والقول باختبارهم باقتحام نار توضع لهم يوم القيامة ضعيف . انتهى . والله أعلم .
حكم أهل الملل، وحقيقة الردة

السؤال :
من بلغته الدعوة التي كان يدعو إليها رسولُ الله " فشك فيها أو ردّها بعد بلوغها إليه، هل يكون مرتداً فيُقتل إن لم يتب ولا يُقبل منه غير ذلك ؟ أو لا يكون مرتداً فيقبل منه الصلح والجزية إن كان كتابيًّا ؟
الجواب :
لا يكون مرتدًّا إلا من دخل في الإسلام بعد بلوغه، أو أسلم أبوه وهو صبيّ ثمّ رجع عنه بوجه من الوجوه التي تخرجه عن الإسلام . فأماَّ من كان على ملة من الملل فدُعي إلى الإسلام فأبى أو شك فيه، فحكمه حكمُ أهل ملته من ثبوتِ المحاربة وحكمِ المصالحة .
وكيف لا ولم يكن قتاله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الدعوة والانذار والإعْذار والمجادلة بالتي هي أحسن، ومع ذلك فهم يقولون شاعرٌ أو مجنون، ومرة يقولون ساحر وكاذب أو كاهن { أتواصوا به بل هم قوم طاغون }(1) وأن أهل الكتاب يعرفون نبوته ومع ذلك يجحدونها حسداً وعناداً { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون }(2) .
فأحكام الملل على حالها من عارفٍ بالأمر، أو جاهل به، أو شاك فيه، ولا يُحكم على أحدٍ بالارتداد إلاّ بعد الدخول في الإسلام والارتداد عنه، وإن المشركين من أهل الأصنام من العرب لا يُقبل منهم إلاَّ الإسلام أو السّيف، لأنهم ليسوا على دين وإنما يعبدون أهواءهم، فلا يُقَرُّون على زندقتهم، فإن اشتد أمرهم فللإمام أن يصالحهم إن رأى ذلك أصلح للإسلام . والله أعلم .

تقسيم كلام الله إلى نفسي، ولفظي

السؤال :
قول بعض الأشعرية : " إن الأمر النفسي نهيٌ عن ضده الوجوديِّ، أو يستلزمه على الأصح، والأمر اللفظي ليس نهياً عن ضده الوجودي ولا يستلزمـه على الأصح " ما معنى اعتبارهــم هذا في الأمريـــن ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، ومذهبهم الفاسد أن القرآن قرآنان :
أحدهما : الكلام القائم بذات الله تعالى المعبَّر عنه بالقرآن، المكتوب في المصاحف بأشكال الكتابة وصور الحروف الدالة عليه، المحفوظ في الصدور بألفاظه المتحلية المقروء بالألسنة بحروفه الملفوظة المسموعة .
والقرآن الثاني : الألفاظ الدالة على ما في نفس الأمر ومنه قوله تعالى : { فأجِرْه حتى يسمعَ كلام الله }(1) والمسموع - قالوا - هو العبارات، وهو محل نظر الأصوليين والفقهاء وغيرهم . والأول عندهم يسمى الكلام النفسي . ومن أقسام الثاني الأمر اللفظي .
وأنت خبير أن الأول بجميع أوصافه التي وصفوه بها لا وجود له أصلاً، مع أن تلك الصفات ينقض بعضها بعضاً، كما لا يخفى على عاقل منصف وأنه لا قرآن إلا هذا النظم المنزَل الذي تعلق به نظر الأصوليين والفقهاء وغيرهم، وهوالذي تُعُبّدْنا بتلاوته . وإثبات قرآن غيره مكابرةٌ بغير دليل، فلا معنى لاشتغالنا ببيان ما فرَّعُوه على اثبات ذلك من الأحكام مع بطلان أصله . والله أعلم .

الدعاء لغير الولي بموهم الولاية

السؤال :
الدعاء بموهِم الولاية لغير الولي، كجار و صاحب لا يتولاه، هل يصح ذلك ؟ أرأيت إذا حصل التلبيس على الغير، هل الحكم فيه سواء أم مختلف ؟
الجواب :
قد أجازوا ذلك ولم يقيدوه بموضع دون موضع، ووكلوا الداعي إلى نيته .
وأقول لا بُدَّ من تقييد، فإن كان ذلك الداعي عالماً تؤخذ منه الولاية فلا يصح له أن يوهِم على الناس ثبوت الولاية لغير الولي، لقوله تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَتُبَيِّنُنَّه للناس ولا تكتمونه }(1) فالتبيين للناس على العلماء واجب، والتّلبيس ينافي
التَّبيين .

وإنما ذلك في حق من لا يُؤخَذ عنه الولاية .
وكذلك يجوز أيضاً في حق العالم إذا قامت القرائن على مراده، كما صنع أبو المؤثر رحمه الله في الكتابة لبعض الجبابرة، وإخوانُه يعرفون منه ذلك . والله أعلم .

وصف الملائكة بالأنوثة ونحوها

السؤال :
قول بعضهم : إن الشاكّ في الملائكة هل فيهم إناث وصبيان ومجانين موحد، ما وجهه ؟ مع قولهم إن من وصفهم بشيء من ذلك مشرك، وهل الشك والوصف بمعنًى أو بينهما فرق ؟


الجواب :
ليسا سواء، فإن الشك تردد في الحكم من غير جزم بشيء . وأما الوصف فهو الجزم بتلك الصفة، فالواصف لهم بالأنوثة مصادم لقوله تعالى في الانكار على المشركين :{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم }(1) ومن أثبت فيهم الصبيان والمجانين فقد افترى عليهم كَذِباً وقال فيهم زوراً وخطأً في وصفهم، وتقوَّل بما لم يعلم .
وأما الشاكّ في ذلك فلم يثبت حُكماً دون حكم غاية ما فيه أن يلزمه السؤال حتى يعلم الحق في ذلك . والله أعلم .

المتأول المخالف للدليل القاطع

السؤال :
المتأول إذا خالف في تأويله الدليلَ القاطع متمسكا بشبهة ضعيفة جدا، كالاستدلال بمفهوم الصفة ومفهوم اللقب أو نحو ذلك من الأدلة الظنية، أيُشَرَّك بذلك أو لا؟
الجواب :
لايشرك ما دام متستراً بالتأويل، لكنه يكفر كفر نعمة، فهو فاسق لخروجه عن الدين بمخالفة القاطع . والله أعلم .
قال السَّائِلُ :
رأيتك تُشرِّك قوماً من أهل التأويل كالقائلين بفناء الجنة والنار بعد فناء أهلِ كلٍّ فيها، ولم تجعل لهم عذراً في التأويل فما وجه ذلك ؟
الجَوَاب :
قد شَرَّكتهم، ولم يشرِّكهم غيري بل فسَّقُوهم فقط لتمسكهم بالشبهة، وإنما شرّكتهم إذ لم أر شبهتهم شيئاً، فهم في حكم المصادم للنصوص .
غايةُ الأمر أن التشريك ها هنا على قول ولا يكون مجمَعاً عليه إلاَّ إذا رَدَّ حرفاً من كتاب الله أو حكماً من أحكام الله الثابتة بالقواطع، أو كذَّب نبياًّ من الأنبياء، أو رد حَرْفاً من كتبهم، أو نحو ذلك . فهذا هو الذي يكون مشركاً إجماعاً، وفيما دون ذلك خلاف . والله أعلم .

علم الله ومعلوماته

السؤال :
معلومات الله أمتناهية هي أم غير متناهية ؟ فإن قلت متناهية تناهى علمه تعالى وإن قلت غير متناهية لزم احاطة علمه بجميعها وكلا اللزومين باطل .

الجواب :
إن معلومات الله منها ما هو متناهٍ وهو ما عدا ذاته تعالى، ومنها ما هو غير متناهٍ وهو ذاته تعالى لأنها من جمله معلوماته، وما ذكرته من لزوم تناهي علمه تعالى بتناهي معلوماته فهو غير مسلم لأن ذلك اللزوم إنما يتوجه عليه أن لو كان عالماً بغير ذاته والمذهب أنه عالم بذاته لا بعلم يتعلق بالمعلوم يتناهى بتناهيه وقد قرر بيان فساده في فنه ولزوم احاطة علمه بجميع معلوماته غير باطل بل هو الواجب في حقه تعالى لأنه أحاط بكل شيئا علماً .
لا يقال على هذا يلزم أن تكون ذات الله تعالى محاطا بها والمحاط به متناه ضرورة لأنا نقول أن الاحاطة التي يلزم عليها التناهي هي الاحاطة الحقيقية كاحاطة الحائط بالدار وأما إحاطة العلم بالمعلوم فلا يلزم عليها تناهٍ لأنها مجاز استعاري شبه فيه العلم بالشيء الحائط على ما احتوى عليه بجامع أن كلا منهما لا يشذ عنه شيء مما أحاط به فالعلم لا يغرب عنه شيء من معلوماته كما أن الحائط لا يخرج عنه شيء مما احتوى عليه .
وفائدة التجوز التنبيه على أن علمِ الله لا يغرب عنه شيء وفائدته أيضا تقرير ذلك المعنى في عقول الناس حيث شبه بما شاهدته الحواس والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والسلام .

عدم تناهي الجنة والنار شرعا لا عقلا

السؤال :
جعلت الجنة والنار متناهيتين وقد أخبر الشارع بدوامهما فإن كنت عينت أنهما متناهيتان عقلا فلا حكم للعقل مع ورود الشرع .
الجواب :
فأجاب بما نصه نعم عينت أنهما متناهيتان عقلا كغيرهما من سائر المخلوقات . وإخبار الشارع عن بقائهما على الأبد لا ينقلهما عن حكمهما العقلي بيانه أن جميع المخلوقات قابل للتناهي في نفسه لكن منها ما استحال تناهيه لإرادة الله له عدم التناهي وهما الجنة والنار وأهلوهما ومنها ما بقي على أصله الأول من جواز التناهي وليس هذا محل ما قالوه "لا حكم للعقل مع ورود الشرع" وتقسيمنا الأول منسحب على المتناهيان من حيث ذاتها والله أعلم .
وأجاب :
أيضا عن هذا الإعتراض بما نصه لا نسلم أن الجنة والنار غير متناهيتين وقد وصفتا بالطول والعرض ووصف أهلوهما بذلك أيضا وهذا هو عين التناهي وأخبار الشارع عن دوامهما وبقاء ما فيهما وهو معنى عارض عليهما وعلى ما فيهما قابل للتناهي عقلا أيضاً لو لم يخبر الشارع بعدم تناهيه فلا يشذ عن تقسيمنا شيء أصلاً لدخول هذا المعنى تحت المتناهي عقلا بحسب ذاته وعدم التناهي لعارض عليه وهو تأثير إرادة الله فيه عدم التناهي فيقال في مثل هذا متناه عقلاً غير متناه شرعاً فبقي حكم العقل فيه بحسب ذاته على ما كان كما رأيت وبهذا تعرف أنه ليس هذا محل " لا حكم للعقل مع ورود الشرع " وانما محله هو في ما إذا أقدرنا إنساناً مكلفاً لم تبلغه الحجة الشرعية في تحليل الأشياء وتحريمها فعليه عند المحكمين للعقل أن يفعل ما حسن في عقله ويترك ما قبح فإذا ورد الشرع بتحسين ما استقبحه أو تقبيح ما استحسنه رجع إليه وترك حكم عقله والله أعلم .

معنى الحقيقة والشريعة

السؤال :
معنى قولهم حقيقة بلا شريعة باطلة، وشريعة بلا حقيقة عاطلة، تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
اعلم أن علوم التكليف ثلاثة علم العقائد وعلم الأخلاق وعلم الأعمال .
فالأول يسمى علم الكلام وتعريفه هو معرفة النفس مالها وما عليها اعتقاداً .
والثاني يسمى علم الحقيقة وتعريفه هو معرفة النفس مالها وما عليها خلقا وإنما سمي هذا العلم علم الحقيقة لأنه يبحث عن محبطات الأعمال ومصلحاتها في الباطن ويسمى علم الأخلاق لأنه يبحث عن أخلاق النفس الذميمة كالعجب والكبر والرياء والحسد والحسنة كإخلاص العمل.
وأما الثالث فيسمى علم الفقه وتعريفه هو معرفة النفس مالها وما عليها عملا .
ولا بد للمكلف من هذه العلوم الثلاثة فيجب عليه أن يأخذ من كل منها مقدار ما لزمه من ذلك ويندب للاستعداد لما لم يلزمه بعد وهذا معنى قولهم حقيقة بلا شريعة باطلة أي إذا تركت الأعمال الواجبة عليك فتهذيبك لنفسك بعلم الحقيقة باطل وقولهم شريعة بلا حقيقة عاطلة أي لا حليّ لها فلا يقبلها من أهديت إليه والمراد أن الأعمال بلا تهذيب النفس عن المحبطات غير مقبولة عند الله عز وجل .
وإنما وصف الحقيقة عند خلوها من الشريعة بالبطلان لأن فسادها ظاهر للخلق، ووصف الشريعة العارية من الحقيقة بالعطالة لكون خللها مستورا عن أعين الناس فهي حينئذ كأنها صورة تامة لكن لا حليّ لها، فإذا أهديت إلى السيد ردها لعطالتها ولأن السيد لا يقبل إلا ما كان كاملاً ولو كان محتاجاً لأخذ جميع ما يهدى إليه وإن زيفاً . هذا ما ظهر لي والحمد لله رب العالمين .

تسمية صاحب الكبيرة بالمنافق

السؤال :
قول أصحابنا أن فاعل الكبيرة غير كبيرة الشرك منافق وقد قال الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }(1) المفهوم من هذا أن فاعل الكبيرة أشد عذابا من المشرك مع أنه لا كبيرة فوق الشرك ومن مذهبهم أن العذاب على قدر الأعمال وكثيراً ما يرد في الأحاديث أن من فعل كذا وكذا حشر مع فرعون وهامان والفعل كبيره لا كبيرة شرك، تفضل عليّ ببيان
ذلك .

الجواب :
إن تسميتهم صاحب الكبيرة بالمنافق اصطلاح منهم على ذلك فالمنافق عندهم صنفان : أحدهما أظهر الإيمان وأخفى الشرك، والثاني أظهر الإيمان وطابقه اعتقاده لكنه نقض ما أقر به فالآية خاصة بأهل الصنف الأول وإنما كان أهل ذلك الصنف أشد عذابا من المشركين لأنهم زادوا على الشرك لمخادعة المؤمنين في إظهار الإيمان وهم كاذبون .
لا يقال أن هذا الاصطلاح ممنوع لايهامه أنه حقيقة شرعية لأنا نقول أنه لا يتوهم ذلك إلا من لم يطلع على قواعدهم التي مهدوها وليس في الاصطلاح مشاحة ولو لم يكن لهم فيه اصطلاح لقلنا إنه مجاز مشهور في صاحب الكبيرة علاقته التشبيه وذلك أن كل واحد من مخفي الشرك وصاحب الكبيرة ناقض ما أقرّ به في الجملة وذلك النقض هو في مخفى الشرك أشد فصح استعارته لصاحب الكبيرة وعلى هذا المجاز المشهور يحمل ما ورد في الأحاديث من اطلاق اسم المنافق على من نقض ما أقربه بفعل الكبيرة غير الشرك .
ولك أن تقول أن اسم المنافق حقيقة شرعية فيمن أخفى الشرك وأظهر الإيمان وفيمن نقض ما أقربه بفسق فيكون مشتركاً بينهما وتحمله في الآية على أول المعنيين بقرينة أن صاحب الكبيرة ليس بأشد عذاباً من المشركين .
وإنما قدمنا التوجيه الأول تنبيها على أن المجاز أولى من الاشتراك فيدفع أعني الاشتراك ما أمكن .
وما ورد أن فاعل نوع من الكبيرة يحشر مع فرعون وهامان فهو مبالغة فائدتها تهويل الأمر وتعظيم المعصية وزجر النفوس عن طبعها الردي وصدق ذلك أنه يحشر مع فرعون وهامان في النار لا في منازلهم منها فالإيهام للنكتة المذكورة والله أعلم هذا ما ظهر لي فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والسلام .
معنى أن الله موجود في الخارج

السؤال :
هل يجوز أن يقال إن الله موجود في الخارج أم لا .
الجواب :
يجوز أن يقال ذلك لأن الموجود في الخارج هو عبارة عن الوجود في نفس الأمر ولا شك أن الله موجود وجودا واجبا لذاته والله أعلم .

الدعاء بالرحمة لغير المتولّى

السؤال :
هل يجوز أن يسلم على غير المتولى حتى يصل إلى ورحمة الله وبركاته أو يرد عليه السلام كذلك إذا لم ينو بالرحمة والبركات إلا الدنيوية .
الجواب :
ذكر صاحب القواعد رحمه الله في جواز الدعاء بخير الدنيا لغير المتولى خلافاً والوجه عندي التفصيل :
فإن كان غير المتولى عدواً للمسلمين قد أباح الشرع سفك دمه وتضييع ماله فهذا لا يجوز أن يدعى له بخير الدنيا لأن في الدعاء له بذلك مخالفة لما أمر الشرع به فالواجب على كل مكلف بلغه علمه أن ينكر عليه وأن يسعى في إتلافه إن قدر على ذلك وإن لم يقدر فالواجب عليه أن لا يحب بقاءه فأين محل جواز الدعاء له بخير الدنيا .
وإن كان غير عدو للمسلمين في ظاهر الأمر وإنما هو مجهول الحال مثلا فيصح القول بجواز الدعاء بخير الدنيا لمثل هذا فيدخل في ذلك جواز الدعاء بالرحمة والبركات الدنيويتين والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .
التأمين على دعاء غير المتولّى

السؤال:
هل يجوز أن يؤمن على دعاء غير المتولى إذا دعا للمتولى أو دعا لنفسه بما يجوز أن يدعى به لغير المتولى أم لا ؟
الجواب :
نعم يجوز ذلك إذ ليس في التأمين إلا طلب الإجابة من الله تعالى لدعاء الداعي والإجابة ليست هي القبول حتى يمنع من طلبها لغير المتولى بيان الفرق بينهما أن إجابة الدعاء من الله تعالى هي فعل الله للعبد ما طلبه إياه والقبول إثابته تعالى للعبد في الآخرة على عمله والممنوع طلب القبول لغير المتولى لا طلب إعطاء الله العبد ما هو من الأمور العاجلة والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .
تخطئة المخالف والبراءة منه

السؤال :
النونية التي أولها :
يا من يقول بفطرة القرآن


جهلاً ويثبت خلقه بلسان


فإنها قد اشتهرت أنها عن الشيخ ابن النظر وأنت خبير بأن فيها التصريح بتضليل من قال أن القرآن مخلوق وفيها التصريح بتكذيبه وتخطئته إلى غير ذلك من التشنيع فهل يجوز لأحد أن يخطئ من خالفه برأي أم لا وتكون هذه ضلالة لا تصح ولاية ابن النظر معها ؟ ومن تولى الشيخ ابن النظر مع صحة تلك النونية عنه فما حكمه ؟ فضلاً منك برفع الحجاب عن واضح الصواب مأجوراً إن شاء الله تعالى والسلام من صغيرك العبد الفقير إلى الله تعالى حمد بن سيف البوسعيدي .
الجواب :
والله الهادي إلى طريق الصواب لا يحل لأحد أن يضلل من خالفه برأي ومن فعل ذلك فهو ضال منافق لقوله " : " أيما إمرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " وفي تلك النونية ما ذكرته من التضليل والتفسيق .
فعلي تقدير صحتها عن الإمام ابن النظر تلزم البراءة منه حاشاه ومن تولاه مع علمه بأن تلك النونية عنه ولم يعلم أنه تاب منها ورجع عنها فهو ضال منافق لقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }(1)
وقوله
" : " من أحب قوماً فهو منهم " .
لكن ليست تلك النونية عن ذلك الإمام رحمه الله تعالى وإن اشتهرت أنها عنه فتلك الشهرة إنما هي شهرة دعوى لا شهرة حق لاحتمال أن يكون منشؤها آحادياً ولا دليل على أنه ليس بآحادي كيف تكون شهرة حق وما كان مستندها إلا نسخة ثم انتشرت هذا الانتشار وعدم النكير من المسلمين لا يزيدها صحة لاحتمال أن يكون سكوتهم عن عدم اطلاع على منشأها .
وعلى تقدير أن منشأها حق فلا يصح قبوله من واحد لما فيها من موجب التكفير لقائلها بل يشترط في قبولها أحد الطرق الاربعة التي تنادي بها موجب البراءة وهي المشاهدة والاقرار وشهادة وشهرة الحق وما عدا هذه الاربعة الطرق لا يصح قبول موجب البراءة منه واحترزوا بشهرة الحق عن شهرة الدعوى وضربوا لذلك مثلا بشهرة الشيعة بالبراءة من الصديق والفاروق ونحوهما فشهرة النونية عن ابن النظر من الشهرة التي خرجت عن تلك الطرق الاربعة هذا ما ظهر لي والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته من الفقير إلى الله عبد الله بن حميد الضرير .

اظهار العمل الذى أخلص فيه الدعاء أو الاقتداء

السؤال :
من قصد بايمانه وعمله من الطاعات أن يوسع الله جاهه وأن ينشر فضله في الدنيا وأن يقويه وينصره على أعدائه وأن يثيبه على هذا وغيره من صالح أعماله في الآخرة هل يقدح في ايمانه شيئاً ؟ وهل يكون عمله خالصاً على
ذلك ؟ افتنا مأجوراً إن شاء الله .

الجواب :
قد سألت شيخنا عن هذه المسألة فأجاب بأن العمل لله ولغرض آخر لا يجوز لأنه من باب الاشراك مع الله في العمل وهو الرياء المحرم لكن يجوز أن يعمل لله مخلصاً ثم يظهر ذلك العمل لتكون له المنزلة عند المسلمين فيدعوا له بخير وعند العوام ليقتدوا فيكون قائدهم إلى ربهم وطلب الجاه والمنزلة عند المسلمين إذا لم يكونا لقصد الثناء والسمعة جائز.
وحاصل ما أجاب به : أن فعل الطاعة لقصد الجاه والثواب حرام وأن اظهارها بعد أن عملت خالصة لوجه الله جائز إذا قصد باظهارها شيئاً من الامور المتقدم ذكرها وهو عندي صواب لا غبار عليه والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .

المقتول ميت بأجله

السؤال :
المقتول ميت بأجله أو بغير أجله هل مسألته من باب الدين أم من باب الرأي ؟ وما الحجة في ذلك ؟

الجواب :
إن المقتول ميت بأجله الذي قدره الله عندنا وعند الاشعرية ودليلنا على ذلك قوله تعالى : { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون }(1) وقوله تعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }(2) فدلت هاتان الآيتان على أن الأجل لا يسبق ولا يستأخر فوجب أن يكون المقتول ميتا بأجله .
وخالفت في ذلك المعتزلة فمنهم من ذهب إلى أن للمقتول أجلين وأنه لو لم يقتل لبقي إلى الأجل الثاني ومنهم من ذهب إلى أن له أجلا واحدا وأن القاتل قطعه عليه فمات قبله واحتج الفريقان بحجج لا طائل تحتها قد ذكرناها مع الجواب عليها في " المشارق " .
وأما قولك هل هذه المسألة من باب الدين أو الرأي فاعلم أنه إن أرادوا أن لهذا المقتول في علم الله أجلاً فمات قبل ما في علم الله تعالى فهي من باب الدين لأنه يلزم عليه نسبة الجهل لله تعالى عن ذلك وكذا إن أرادوا أن الله قد أراد أن يموت هذا المقتول في أجل غير الأجل الذي قتل فيه لما يلزم عليه من نسبة العجز والاكراه لله عز وجل أما إن أرادوا أن الله قد علم موت هذا المقتول في هذا الأجل وأراده فلا يلزم عليه تفسيق لكن يكون قولهم بأنه ميت قبل أجله خطأ لعدم الدليل عليه وإنما قلت لا يلزم عليه تفسيق مع ورود الآي بخلافه لاحتمال أن يتأولوا الآيات لأنها محتملة للتأويل والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .

العفو عن الوسوسة في الاعتقاد بالله

السؤال :
من يأتيه الشيطان بوسوسة في سب الاله وشتمه وهو يردها بالآيات الباهرة كـ { لا تدركه الابصار }(1) و { ليس كمثله شيء }(2) و { تعالى عما يقولون علواً كبيراً }(3) ومع ذلك يريد أن يكون تراباً لا يعقل شيئاً وهذا الرجل لا يثبت لله ما لا يثبته الله لنفسه ولا ينفي عن الله ما أثبته الله لنفسه ماذا عليه من هذا ؟ أيهلك بها أم لا ؟
الجواب :
ليس عليه من هذا شيء ولا يهلك بذلك لأنه فعل بمدافعته تلك الوسوسة ما يجب عليه وهو باعتقاده الحق في حق مولاه سالم والذي أحب لهذا المبتلي أن لا يغرق النظر في مثل هذه الأمور لشدة خطرها وأن يتناسى ذلك فإني أرجو أن يكون في تناسيه شفاء من داءه والله أعلم .

اختلاف الصفات في ثبوتها بالعقل أو السمع

السؤال :
في " المعالم " أن صفات الذات منها ما طريق معرفته العقل ومنها ما طريق معرفته السمع فالأول كالعلم والقدرة والثاني كالسمع والبصر حسب ما فهمت منه ولا أدري أن الذي ذكرته في المدارج موافق لهذا أم لا ؟
الجواب :
الذي ذكره في المعالم إنما هو أن بعض صفاته تعالى ما يكون العقل دليلا على ثبوتها كالعلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك ومنها ما يكون السمع دليلا على ثبوته له تعالى وذلك كالسمع والبصر والكلام .
وليس الأمر حسب ما فهمت فإن المعرفة شيء غير الثبوت والاثبات فلا يشكل عليك وليس هذا مثل ما ذكرته في المدارج ثم اسقطته منها فـتـفـطـن له والله أعلم .

توجيه القول بأن المعدوم ليس بشيء

السؤال :
هل يلزم من قال أن المعدوم ليس بشيء القول بأن الله لا يعلم
المعدومات أم لا .


الجواب :
لا يلزمه ذلك لأن المراد من هذا القائل أن المعدوم ليس بشيء أي ليس بشيء موجود في الخارج لا في الذهن وهو مع ذلك يسلم أن أشياء وجدت وقد كانت معدومة وأشياء ستوجد وهي الآن معدومة فلا يلزم على هذا المعنى القول بأن الله لا يعلم المعدوم .
وإنما يلزمه ذلك لو صرح بأن المعدوم ليس بشيء موجود ولا سيوجد ولا هو شيء قد وجد ولا هو مما يمكن وجوده وهذا الالزام إنما هو على طريقه من ينفى تعلق علمه تعالى بالمستحيل وجوده لا على طريقة من يثبت تعلق علمه تعالى بجميع الأشياء موجودة كانت أو معدومة ممكنة الوجود أو مستحيلة فـتـفـطـن له والله اعلم .

توجيه القول بأن المعدوم ثابت وشيء

السؤال :
هل يلزم من قال " أن المعدوم الممكن ثابت وشيء " القول بقدم العالم أم لا إن لم يقيده بأنه ثابت في الذهن كالمعتزلة أو قيده بذلك كالحكماء .
الجواب :
أما إنه إن أراد هذا القائل أن المعدوم شيء ثابت ماهية وجوده فيلزمه القول بقدم العالم سواء قيد وجوده بالذهن أو أطلق وبيان ذلك أنه متى قال أن للمعدوم ماهية موجودة فقد أثبت أن هذا العالم كله موجود في القدم لأنه كان معدوماً وللمعدوم عنده ماهية موجودة وبيان هذا الالزام في حق من قيد وجود المعدوم بالذهن هو أن المعدوم قد كان قبل في الاذهان فيلزمه وجود الأذهان في الأزل فيثبت فيها ماهية المعدوم والكل باطل .
وأما إن أراد بقوله أن المعدوم شيء أي شيء يصح الإخبار عنه لا أن له ماهية موجودة كما ذهب إليه الأصحاب فلا يلزمه شيء مما ذكر .
وبهذه التوجيه تعرف خروج أصحابنا رحمهم الله عن الالزامات التي توجهت على المعتزلة والحكماء في قولهم أن المعدوم شيء فإنهم وإن وافقوهم في هذه العبارة فقد خالفوهم في المراد منها فإن مراد الأصحاب منها إنما هو نفس التسمية ليس إلا فـتـفـطـن له والله أعلم .

كفر القائل بأن الله لا يعلم المعدوم

السؤال :
هل يلزم من قال أن علم الله لا يتعلق بالمعدوم مطلقاً القول بأن الله لا يعلم المعدوم ؟ وهل يلزمه الشرك إن قال بذلك ؟

الجواب :
يلزمه ذلك لأن معنى قولهم يتعلق علمه تعالى بكذا أي يعلم كذا وكذا قولهم لا يتعلق علمه تعالى بكذا أي لا يكون ذلك الشيء معلوماً له تعالى فالقائل بأن علمه تعالى لا يتعلق بالمعدوم مطلقا يلزمه القول بأن الله لا يعلم المعدوم مطلقا لأنهما عبارتان عن معنى واحد .
وكذا يلزمه أيضا الشرك على هذه المقالة فإنه قد وصف الرب تعالى بالجهل ومن وصفه بذلك فهو مشرك ولأنه قد خالف النص القرآني فكابره هكذا ومن خالف النص القطعي بلا تأويل فهو مشرك وذلك النص مثل قوله تعالى { علم أن سيكون منكم مرضى }(1) ، { علم الله أنكم ستذكرونهن }(2) ونحوها تبين الآيتين أنه تعالى علم ما سيكون بعد ولا شك أن ما سيكون معدوم في حال الاخبار ولا ينفعه ما تخيله في ذهنه من الخيالات الباطلة حتى يعد بذلك متأولاً .
أما ما ذهب إليه أصحابنا من أهل المغرب فهو شيء غير ما هنا وذلك أنهم قالوا : إن علمه تعالى يتعلق بالموجود، وبالمعدوم الممكن وجوده، ولا يتعلق بالمستحيل وجوده، فهم يعلقون العلم بالمعدوم والممكن وجوده، وينفون تعلقه بالمستحيل لأن المستحيل وجوده عندهم لا شيء أصلا فلا يصح أن يكون معلوماً لأن العلم لا يتعلق بلا شيء ومع ذلك فهم يستدلون بأدلة تطلب من مواضعها .
ولا ينافي مذهبهم قوله تعالى { ولو ردوا لعادوا }(1) لأن عودتهم بعد ردهم من المعدوم الممكن وجوده، وهم يقولون بتعلق علمه تعالى بمثل هذا .
والصحيح عندي هو ما ذهب إليه الأصحاب من أهل المشرق من أن علمه تعالى متعلق بكل ممكن ومستحيل والاستدلال مقام يطول ومثلك من يكتفي بالاشارة فـتـفـطـن له والله أعلم .

تمحيص الدعوى ان علم الله بالمعدوم من حيث عدمه فقط

السؤال :
هل يعلم الله المعدوم من حيث هو معدوم أم يعلم عدم المعدوم ليس إلا، فإني قد رأيت في كتاب لبعض الشيعة أنه لا خلاف ولا إشكال في أن النفي بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم فكذلك المعدوم لأنه بمعناه، وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود كالوجود الذهني مثلا انتهى وهذا القائل مذهبه أن علم الله لا يتعلق بالمعدوم .
الجواب :
علم أنه تعالى عالم بعدم المعدوم، وعالم بماهية المعدوم من حيث هو معدوم، وعالم بماهية المعدوم من بعد وجوده كيف يكون، وعالم بماهية المعدوم من حيث إمكان وجوده، وعالم بماهية المعدوم المستحيل وجوده أن لو كان كيف كان يكون، فعلمه تعالى محيط بجميع ذلك { قد أحاط بكل شيء علماً }(1) .
وما رأيته في كتاب بعض الشيعة من دعوى عدم الخلاف في أن النفي بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم فدعوى غير مسموعة، نعم إن أراد العلم الحادث فلا يصح أن يكون النفي المحض متعلقا له أما علمه تعالى فسواء في جانبه النفي والوجود لأنه ليس بشيء زائد على الذات كما تكرر، وقد ثبت أن الذات العلية قد انكشفت لها الأشياء انكشافاً تاماً فسواء في حق انكشافها لها الوجود والعدم والثبوت والنفي .
وأما قوله وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود الذهني مثلا انتهى فجوابه أن أصحابنا قد ذهبوا إلى تعلق علمه تعالى بالمعدوم لا على تقدير ذلك الوجود الذي ذكره فلا تتم له دعوى عدم الخلاف هذا مع أن الوجود الذهني لا يكون شرطاً لتعلق العلم القديم وإنما هو شرط لتعلق العلم الحادث فقط فتفطن له فإنه مخلط والله أعلم .

توجيه منع تعلق الأمر والنهي بالمعدوم

السؤال :
قلتم أن علم الله تعالى متعلق بالموجودات والمعدومات التي ستوجد

والمستحيلات وقلتم أنه تعالى متكلم بذاته وعالم بذاته ومنعتم تعلق الأمر والنهي بالمعدوم فما وجه ذلك .

الجواب :
إن تعلق علمه تعالى بالمعلومات الممكنة والمستحيلة لا يستلزم تعلق أمره ونهيه بالمعدوم لأن معنى تعلق علمه بالأشياء مطلقاً انكشاف الأشياء لذاته العلية انكشافاً تاماً ومعنى تعلق الأمر والنهي بالأشياء هو كون ذلك الشيء مأموراً ومنهياً ولا يكون المعدوم مأموراً ولا منهياً فلا يصح تعلق الأمر والنهي به لأن المعدوم لا يصح خطابه لأن خطابه عبث والرب تعالى متصف بالحكمة فلا يجوز اتصافه بالعبث تعالى الله عن ذلك نعم يصح خطابه بواسطة من يبلغه عند وجوده وليس هو مما نحن بصدده .
وقولنا أنه تعالى متكلم بذاته لا يستلزم أن يكون آمراً بذاته وناهياً بذاته لأن معنى متكلم بذاته أي ذاته متكلمة أي متصفة بنفي الخرس عنه تعالى فلا يكون هذا الكلام بهذه الاعتبار متنوعاً إلى الأمر والنهي وغيرهما وإنما المتنوع إلى ذلك هو الكلام الفعلي .
فالأمر والنهي صفتا فعل له تعالى لا صفتا ذات بخلاف الكلام فإنه يكون مرة صفة ذات كما تقدم وأخرى صفة فعل وهو خلقه تعالى الكلام المتلو المسموع والله أعلم فانظر في جميع ما كتبه لك والسلام .

تعلق الأمر والنهي بالمعدوم اعتباري لا حقيقي

السؤال :
هل يصح أن يتعلق الأمر والنهي بالمعدوم تعلقا معنوياً أي اعتبارياً لا حقيقيا موجوداً في الخارج أم لا .
الجواب :
يصح ذلك عندي إذ لا بأس بالقول به وإن جعلته الأشاعرة والماتريدية ذريعة إلى امكان القول بقدم الكلام الفعلي ووجه جعلهم إياه ذريعة لذلك هو أنه لما قالوا بقدم الكلام الفعلي وكان من أنواعه الأمر والنهي ولم يكن في الأزل مأمور ولا منهي فيتعلق به الأمر والنهي قالوا هما متعلقان بالمعدوم الذي سيؤمر وينهى أي هما متعلقان به في االمعنى فلا يلزم على هذا من قدم الأمر والنهي قدم المأمور والمنهي .
ونحن نمنع قدم الأمر والنهي ونقول هما حادثان فيتعلقان بالموجود تعلقاً حقيقياً فلم تحتج إلى ما ذكروه من التعلق المعنوي ومن كان من المأمورين لم يوجد حال حدوث الأمر وتوجيهه إلى المخاطبين فلا يكون في ذلك الحال مأموراً ولا منهياً لأنه إنما يتعلق به الأمر والنهي بعد وجوده وبعد بلوغه رتبة المخاطبين وكفى بوجود بعض المكلفين حال حدوث الأمر وتوجيهه إليهم متعلقاً ثم نقل ذلك الخطاب الواسطة التي تبلغه إلى من بعدها فيكون عند بلوغه إلى مخاطبين غير الأولين متعلقا بهم أيضا تعلقا حقيقياً وهكذا والله أعلم .

الجهل بقراءة بعض الآيات وأثره

السؤال :
الجاهل بقراءة القرآن إن سمع منه مد فتحة اللام الأولى حتى صارت الضامن لا يعلمن من قوله تعالى : { وليعلمن الله الذين صدقوا }(1) ومد فتحة اللام حتى صارت الضامن { لتبعثن ولتنبؤن بما عملتم }(2) أو مد فتحة القاف حتى صارت الضامن قوله عز وجل : { وخلق منها زوجها }(3) أو حذف الألف من خالق من قوله تعالى : { هل من خالق غير الله }(4) أو الوقوف على خالق من قوله تعالى : { هل من خالق غير الله } أو على إله من قوله سبحانه وتعالى : { ما لكم من إله غيره }(5) ونحو ذلك فهل يحسن به الظن أم يحكم عليه بالشرك ؟ فإن قلتم أنه غير معذور ومحكوم عليه بالشرك وكان رجل قد سمعه من زوجه فجامعها قبل أن يستتيبها من ذلك وقالت له : أنها كانت قد تابت إلى الله جل وعلا ووحدت الله العظيم قبل جماعه لها فهل له تصديقها في ذلك أم تحرم عليه ؟
الجواب :
يحسن به الظن في بعض هذه الأمور فلا يحكم عليه بشيء ولا يحسن به الظن في البعض الآخر ويحكم عليه فيه بالارتداد .

فأما البعض الذي لا يحتمل له فيه بشيء فهو مد فتحة اللام حتى صارت الفا من تلك الآيات ونحوها فإن في جعل فتحها الفا نفيا لما وجب ثبوته قطعاً فهو شرك قطعا ولا يعذر الجاهل بجهله في الشرك .
وأما البعض الذي يحسن به فيه الظن فهو مد فتحة القاف من خلق وحذف الألف من خالق والوقوف على خالق واله في الايتين ونحو ذلك .
ووجه الاحتمال في هذا البعض دون ما قبله هو أن العرب كانت تطلق على المفرد خطاب الاثنين فلا يلزم من قراءته خلقا اثبات إلهين وأن العرب تحذف الفعل وتبقي الفاعل موفوعاً فيحتمل أن غير في الآية رفعها بفعل محذوف تقديره هل من خلق خلقه غير الله .
ويصح الوقوف بين النفي والاثبات من نحو تينك الآيتين لعذر في الواقف كعطاس أو ضيق نفس أو نحو ذلك فلا يحكم بشركه في هذه المواضع لهذه الاحتمالات .
أما الذي سمع من زوجته ما تشرك به فجامعها قبل أن يصح معه رجوعها إلى الإسلام فجماعه زنى بها فإن قالت له قد رجعت إلى الإسلام قبل أن يقع ذلك الجماع فعندي أنه ليس له أن يصدقها لأنها عنده في حكم المشركين ولا يكون المشرك مصدقاً في شيء من أمور الدين هذا ما عندي فيه والله أعلم فانظر في جميع ما كتبته لك والسلام .

الدعاء لغير الولي بحسن الخاتمة

السؤال :
هل يجوز الدعاء بحسن الخاتمة لغير الولي ؟ وهل يجري فيه الاختلاف في جواز الدعاء له بالهداية أم لا ؟
الجواب :
لا يجوز الدعاء لغير الولي بحسن الخاتمة ولا يجري فيه الإختلاف الموجود في جواز الدعاء له بالهداية فإنه وإن كان حسن الخاتمة مستلزماً لحصول الهداية ومترتباً عليها بمعنى أنه لا يعطى حسن الخاتمة إلا من هدي إلى التقوى فليس كل ما جاز في الملزوم جاز في اللازم .
على أنا نقول أن حسن الخاتمة ثمرة الهداية وحصول المغفرة ثمرة الهداية ودخول الجنة ثمرة الهداية وكل واحد من هذه الثلاثة مستلزم لهذه الهداية وقد وقع الاتفاق على منع الدعاء بالمغفرة ودخول الجنة لغير الولي فكذا القول في حسن الخاتمة والله سبحانه وتعالى أعلم .

الاعتراف بالعجز عن ادراك ذاته تعالى ادراك

السؤال :
معنى قول الصديق رضي الله عنه العجز عن الادراك إدراك تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
معنى ذلك أن الاعتراف بالعجز عن الوصول إلى معرفة ذاته تعالى هو المعرفة لأن ذاته تعالى لا تدرك بالأفهام ولا تتصورها الأوهام، فمن تخيل له أنه سيصل إلى معرفة ذات الله تعالى أو أنه واصل إلى ذلك فهو عن معرفة الله بمعزل، ومن اعترف بأنه تعالى لاتدرك ذاته العلية بشيء من الطرق العلمية وإنما تدرك آثار صفاته العلية وبها يعرف سبحانه وتعالى فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون }(1) . والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال السائل :
فإذا كان المعنى هكذا فما معنى الإخبار عن العجز بأنه إدراك وإن العجز والإدراك شيئآن متنافيان ؟
الجواب :
إن في كلام الصديق رضي الله عنه مبتدأ محذوفاً تقديره الاعتراف بالعجز عن الإدراك إدراك فقوله إدراك خبر عن الاعتراف وهو
المبتدأ المحذوف ولا منافاة بين الاعتراف بالعجز المذكور وبين الإدراك والله أعلم .


حكم الزواج لمن تحول عن مذهبه

السؤال :
امرأة من أهل نخلتنا تزوجها رجل اباضى ثم انه تحول إلى مذهب أهل الخلاف فمكثت هي ولم تتبعه هل عليها بأس أم لا وهي فقيرة محتاجة ؟ بين لنا ذلك .
الجواب :
لا بأس عليها في ذلك والله أعلم .

عموم العلة، وتعدي العلة

السؤال :
عموم العلة المعلق عليها الحكم، ويتعلق البحث بمعنيين أشكلا على وهذا شروع البحث فيهما بعد ذكر الحكم والعلة قال في المنهاج : وتعليق الحكم بعلة يعم كلما حصلت تلك العلة قياسا لا لفظا وهو معنى قول شيخنا في شمسه :

كذلك العلة في أفرادها


جميعها تم باطرادها


الخ .....
فظاهر ما في المنهاج وما في شرح الشمس أن العلة المعلق عليها الحكم عامة بمعنى أنها تقتضي بوجودها وجود الحكم قياسا في ذلك إذا نص الشارع على حكم بعلة وجب عموم تلك العلة باقتضائها ذلك الحكم حيثما وجدت قياساً على ذلك النص كتحريم الخمر لعلة الاسكار فحيثما وجد الاسكار وجد الحكم قياساً على الخمر لأنه منصوص عليها وهذا العموم من جهة المعنى فإن من لازم العلة الاطراد وهو ثبوت حكمها حيث ما ثبتت كذا قال في المنهاج والشمس .
بيان الاشكال الداعي للبحث أنهم قالوا حرمت الخمر لاسكارها فما أسكر فهو حرام ولو من غير خمر قياساً عليها لعموم العلة وظاهر كلامهم أن العلة مستقلة بنفسها من حرمت الخمر لاسكارها، ثم لم يوجبوا عتق سودان عبيد المعتق غانماً لسواده، فما الفرق بين العلتين في اقتضائهما الحكم، مع أنهم يقولون العلة مستقلة باقتضاء الحكم فمهما وجدت وجد فوجدت ولم يوجد فحصل الاشكال المتعلق بالمعنى الأول .
ثم قال صاحب المنهاج في مسألة النص على العلة أن مجرد النص عليها لا يكفى في تعديها إذ العلة الشرعية إنما هى داعية الحكم ولا يلزم فيما دعى إلى أمر أن يدعو إلى أمثاله فلا يلزم من قوله : حرمت السكر لكونه حلوا تحريم كل حلو لجواز أن تصحب الحلاوة في غيره .
أقول الظاهر : من كلامه أن العلة لا تتجاوز إلى غير السكر وإلى غير الخمر، إذ النص على السكر من الشارع وعلى الخمر منه وهذا مثل ما مر عنه في عموم العلة ونقض له وظاهر كلامه أيضا أن العموم مستفاد من قوله " كل مسكر حرام لا من خصوص حرمت السكر لكونه حلوا وحرمت الخمر لاسكارها إذ ورد عن الشارع، فعلى هذا فعموم تحريم المسكر لفظى لا معنوى فحصل الاشكال بالفرق بينهما، فاكشفه لنا .
الجواب :
لا اشكال في الجانبين والعموم في العلة معنوى لا لفظى لأن ثبوت الحكم في افراد العلة إنما ثبت بالقياس على الفرد المنصوص عليه وذلك أمر معنوي كما ترى .
فأما ما ذكره صاحب المنهاج من مجرد النص على العلة لا يكفى في تعديلها .. الخ فغير ناقض لهذا المعنى لأنه إنما يتكلم ها هنا في بيان تعدى العلة لا في بيان عمومها ووجه ذلك أن العلة الشرعية تكون متعدية كالاسكار وتكون قاصرة كالنقدية في الذهب والفضة فإذا نص الشارع على تعليل حكم بعلة كان ذلك النص دليلاً على أن ذلك الوصف علة لذلك الحاكم لا غير وكون ذلك الوصف متعديا أم غير متعد أم زائد على معنى النص فيحتاج في اثباته إلى دليل آخر غير الدليل الناص على التعليل فإذا ثبت التعليل بالنص وقام دليل على تعدى تلك العلة كان ثبوت ذلك الحكم في جميع أفراد العلة المتعدية عموما معنويا فهذا معنى قولنا أن عموم العلة قياسيّ لا لفظى فلا يشكل عليك ولا يظهر من كلام المنهاج أن العلة لا تتجاوز غير السكر لأنك قد عرفت معناه [ النص ] على العلة لا يدل على ثبوت تعديها فافهم ذلك .
وأما قولهم أن من لازم العلة الاطراد فمعناه أنه إذا ثبت بالدليل أن العلة متعدية كان من لازم العلة اطرادها وإنما لم يوجبوا عتق جميع سودانه بقوله اعتقت غانما لسواده فلأن الوصف لا يصلح علة لذلك الحاكم وبيان ذلك أن من شرط اطراد العلة أن تكون متعدية لا قاصرة ولا يخفى أن سواد غانم مقصور عليه بمعنى أنه لا يوجد في غيره فذلك الوصف الموجود في غير غانم مثيل لوصف غانم لا عينه فمن ثم قصر الاعتاق على غانم اتفاقا .
ولا يشكل عليك هذا بأن السكر القائم بالخمر مثلا هو غير السكر الناشئ عن النبيذ مثلا لأنا نقول أن صفة السكر واحدة وأن الاختلاف في المؤثر وهو الخمر والنبيذ لا في السكر .
حاصل المقام أن سواد غانم وصف مقصور عليه موجود في ذاته فلا يمكن أن يوجد في غيره وإن السكر هو تغيير العقل فتارة يوجد بالخمر وأخرى بنظيرها فافهم ذلك والله أعلم .

صحة اسلام من تلفظ باسم ( محمد ) حسب لهجته في الشهادتين

السؤال :
قوله في مشارق الأنوار حيث حكى الأقوال الثلاثة في الاجتراء بالتلفظ باسم محمد في الشهادتين إذا تلفظ الناطق بها بفتح الميم أو باعجام الحاء وذكر أن ثالث الأقوال هو اختيار شارح النونية . ونحن لم نجد شيئا من هذه الأقوال الثلاثة اكشف لي عنها القناع ؟
الجواب :
الأقوال الثلاثة فيما إذا قال المشرك عند إسلامه : " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بفتح الميم وبالحاء المهملة أو قال أشهد أن مخمداً بضم الميم وبالخاء المعجمة وهو يعنى بذلك رسول الله " اختلفوا هل يقبل منه ذلك ويكون به مسلما على أقوال ثلاثة :
أحدها : أنه يجزئه ذلك مطلقا، كانت تلك لغته أو لم تكن .
والقول الثانى لا يجزئه ذلك مطلقا.
والقول الثالث يجزئه إذا كانت تلك لغته ولا يجزئه إذا لم تكن تلك لغته وهذا القول هو الذي اختاره شارح النونية وهو الصحيح عندي ومعنى ذلك أنه إذا كان أحد من العرب لغتهم فتح الميم في محمد أو كان لغتهم النطق بالخاء المعجمة مكان الحاء المهملة وعرف منهم ذلك أجزأ منهم الاسلام بلغتهم وأما إذا كان لغتهم غير ذلك فلا يجزئ منهم إلا باللغة الصحيحة أو بلغتهم المعروفين بها والله أعلم .

عدم صحة اسلام من تشهد بلفظ ( أشد ) للعجمة

السؤال :
النطق بكلمة الشهادة إذا لم يأت فيها بالهاء عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله بل قال ( أشد ) في الصلاة وغيرها هل يجزئه ذلك أم لا ..
الجواب :
لا يجزئه ذلك إذا كان ذلك باختيار منه وإن كان أعجمياً أو في لسانه لكنه لا يستطيع إلا ذلك فهو معذور إن شاء الله والله أعلم .
أسماء الله وصفاته

السؤال :
ذات الله تعالى هل وضع لها اسم غير الله وباقى الأسماء صفات أو لا ؟ وهل تسمى الصفات أسماء ؟
الجواب :
أما التسمية فإن الصفات تسمى أسماء قال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى }(1) ولا تسمى الأسماء صفات لأن الصفة ما دل على معنى وذات كالعليم فإنه دال على ذات متصفة بالعلم والإسم لا يدل إلا على الذات كزيد في أسماء المخلوقين فإنه لا يدل إلا على ذات المسمى من غير اعتبار لشيء من صفاته .
وأسماء الله تعالى منها العلم ومنها الصفة فأما العلم فهو اسم الجلالة لا غير عند الأكثر وقيل الرحمن الرحيم أيضا علمان وما عدا ذلك فهو صفة وقيل أن كل صفة فيها ال فهى اسم كالعليم والكريم وما ليس فيه ال فهو صفة كعليم وكريم وهذا ضعيف .
وأنكر بعضهم العلمية في أسماء الله تعالى وجعلها كلها مشتقات لأن العلم عندهم لا يوضع إلا لذات معينة وذات الله تعالى لا تتصور حتى يوضع لها العلم ونحن نقول أن وضع العلم لا يتوقف على تصور الذات بل يمكن وضعه لكل ما صح وجوده والله أعلم .

افتراق الأديان والمذاهب فِتَن

السؤال :
حديث ابن عباس لكل أمة أجل وأجل أمتي مائة سنة فإذا مرّ على أمتي مائة سنة أتاها ما وعدها الله يعني كثرة الفتن ما معنى هذه الفتن ؟
الجواب :
المراد بالفتن هنا افتراق الأديان والمذاهب وتشتت الآراء وتشعب الأهواء وكفى بها فتنة يحار فيها البصير إلا إذا أدركه التوفيق .
وقد وقعت هذه الفتنة بعد القرن الأول فأظهر الله صدق نبيه فكان منه ذلك عليه الصلاة والسلام من جملة الإخبار بالغيب والله أعلم .

تفسير عبارة ابن القيم في الأمر والإرادة

السؤال :
ما في كتاب تفليس ابليس قال : " رأيت رائدة السعادة والشقاوة تدور على خط الأمر ومركز الارادة، وبينهما طريق يدق عن التحقيق ويفتقر سالكه إلى رفيق العون والتوفيق، فالأمر يهب والارادة تنهب، فما وهبه الأمر لك افعل والارادة وهي المشيئة تقول لك لا تفعل والفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، فقوم تعلقوا بالأمر فضلّوا، وقوم تمسكوا بالمشيئة فزلّوا، وقوم جمعوا بين الأمر والمشيئة فهدوا إلى صراط مستقيم " بين لنا معنى هذا الكلام وما معنى قوله فالأمر يهب والإرادة تنهب فما وهبه الأمر نهبته الإرادة ؟ وما هذا الطريق الذي بين خط الأمر ومركز الإرادة ؟ ومن القوم الذين تعلقوا بالأمر فضلوا ؟ ومن القوم الذين تعلقوا بالمشيئة فزلوا ؟ ومن القوم الذين جمعوا بين الأمر والمشيئة فهدوا إلى صراط مستقيم ؟
الجواب :
معنى ذلك أن الله تعالى أمر عباده بأوامر ونهاهم عن مناهٍ وأوجب عليهم طاعته وحرم عليهم معصيته وهو مع ذلك لم يرد الامتثال من جميعهم وإنما أراد الامتثال من الممتثلين منهم، فإنه لو شاء لهدى الناس جميعاً فمن لم يمتثل من الناس فقد نهبته الارادة والأمر منه تعالى متوجه إلى ذلك العبد بطلب الامتثال وإن الإرادة تنهبه الامتثال وهو سبحانه وتعالى فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون .
والطريق الذي بين الأمر والإرادة هو عبارة عن حال اجتماعهما في شخص بعينه وبيان ذلك أنه إذا أمر الله تعالى العبد بأمر وأراد منه الامتثال فقد حصل له الحال الذي يجمع بين الأمر والإرادة وهذا الحال لا يحصل إلا بالتوفيق من الله تعالى لمن أراد أن يمن عليه من عباده .
ولما كان الأمر والإرادة متغايرين على حسب ما ذكرنا اختلف فيهما نظر الأمة وكان ذلك سبباً لافتراق الأمة إلى ثلاث فرق هلكت منها فرقتان بسبب ذلك ونجت الثالثة .
فذهب قوم منهم إلى التعلق بالأمر فضلوا وهؤلاء هم المعتزلة بجميع فرقهم وتعلق قوم بالإرادة فزلوا وهؤلاء هم الجبرية أصحاب جهم بن صفوان حملوا جميع أفعالهم على إرادة الله تعالى وزعموا أنهم مجبورون على فعل ما فعلوا .
وذهبت بقية الأمة إلى الجمع بين الإرادة والأمر وقالوا إن رخمنا فبفضل الله وإن عذبنا فبعدل الله فهؤلاء هم الذين هدوا إلى صراط مستقيم والله أعلم .

مناقشة مسألة رؤية الله في الآخرة

السؤال :
قول أحمد المالكى في كتاب الانتصاف في الرد على الكشاف في تفسير قوله تعالى { لا تدركه الأبصار }(1) " قال أحمد : ولم يذكر الزمخشرى على إحالة الرؤية عقلا دليلا ولا شبهة فيحتاج إلى القدح فيه، ثم معارضته بأدلة الجواز ولكنه اقتصر على استبعاد أن يكون المرئى لا في جهة فيقتصر معه على الزامه استبعاد أن يكون الموجود لا في جهة إذ اتباع الوهم يبعدهما جميعاً والانقياد إلى العقل يبطل هذا الوهم ويجيزهما معاً وهذا القدر كاف بحسب ما أورده في هذا الموضع " قال السائل قد حصل في هذا الكلام شبهة لمن لا بصيرة له فما جواب هذه الشبهة ؟
الجواب :
نقول إن وجود الله تعالى صفة من صفات ذاته وأن الرؤية التى يزعمها القوم صفة من صفات خلقه فقاس أحمد صفة الخلق على صفة الخالق وهو قياس باطل، لأن صفات الخلق مباينة لصفات الخالق فرؤية الخلق تستلزم أن يكون المرئى في جهة مقابلة للرائى من غير حائل بين الرائي والمرئى إذ العقل يحيل أن يدرك البصر مرئيا على غير هذه الصفة وهذا الوصف في حق الله محال عقلا فظهر استحالة رؤيتنا إياه عقلا لا وهما .
وأما وجود الله تعالى فقد قام الدليل القاطع عقلا ونقلا على أنه موجود لا في مكان ولا في جهة فتوهم غير ذلك الوهم الفاسد وقد وقع القوم فيه حيث قاسوا صفات الله بصفات خلقه في قولهم أنه تعالى عالم بعلم هو غيره وقادر بقدرة هي غيره .
فلو أنصف هذا المالكى لقاس سائر الصفات الذاتية بالوجود ولم يقس رؤيتنا على وجود الله والله أعلم .

تأويل أحاديث رؤية الله في الآخرة

السؤال :
وسئل بما نصه :

الحمدلله الذي قد أنزلا

قرآنه مفصلا ومجملا


على النبى المصطفى الهادي الذي


قد ارتضاه الله من بين الملا


صلى عليه ذو الجلال ربنا


وآله وصحبه ومن تلا

وبعد ذا أنهى سؤالي للذي


حاز الفخار آخِراً وأولا

شمس سماء الفقه محي دار


بين العلم الذي حاز المقامات العلى



السالمى بن حميد ما ترى

جزاك ربى نعمة في يوم لا

ما جاء في الآثار عن أصحابنا


مقيدا عن الكرام الفضلا

أن النبى المصطفى قد قال في


رب العباد جل ذكرا وعلا


مصرحاً بأنكم ترونه

عند القيام مثل بدر انجلا


هل ذا يصح عن رسول الله أم

تراه عنه مفترى مؤولا


إن قلت صح القول ما تأويله


أرجو جوابا كاشفا ما اشكلا


الجواب :

هاك جوابا من ضعيف امتلا

عجزا ولم يدر مقامات العلى

كيف يكون جاهل شمسا لما


قد شرع الله وما قد أنزلا


لو علم الأسلاف حالى ما رضوا


مثلى مجالساً لأدناهم علا


فكيف أرضى أن أكون قدوة

موضحاً مبينا ما أشكلا


لو علم السائل شأنى لانثنى


بطلب غيرى إن يشأ أن يسألا




أو علم المادح وصفى لاشتكت


كفاه من عض الضروس مثلا


لكننى أرجو من الرحمن أن

يغفر كل ما اقترفت ذللا


أما حديث الرؤية الذي غدا


بين ذوى الخلاف شمسا وهولا


فذاك أمر خالف الكتاب في


ظاهره يستوجب التأولا

لم يروه أصحابنا لكنهم

قد ذكروه ليزيحوا العللا


فافترقوا صنفين في توجيهه

أسقطه بعض وبعض أولا

من قال بالتأويل قالوا أنه

أراد أنكم ترون ذا العلا

أي تعلمون وصف فعله الذي


أخركم وقوعه علما جلا


إذ لم يكن يقيننا عن رؤية

مثل يقين عن سماع حصلا

والمسقطون نظروا ظاهره


قد خالف المعقول والمنزلا

فاطرحوه غضباً لربهم


لم ينظروا الراوى له وإن علا


من يعرف الرجال بالحق فلا


تلقاه في الأمور إلا بطلا




والحمد لله على بيان ما

عليك من هذا الحديث اشكلا


ثم الصلاة والسلام دائما


على الذي حاز المقامات العلا


والال والصحب الكرام كلما


بين مِن كلامه ما اجملا .


تأويل آيات وأحاديث الصفات

السؤال :
حديث الشارع " أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء قال السائل فظاهر الحديث غير جائز عن الشارع فإن جاز فكيف معناه ؟
الجواب :
هذا كناية عن قدرة الله تعالى وأن القلوب في قبضته وقد خاطب الشارع العرب بما يعقلون من اللغة { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه }(1) والعرب كانت تعقل الكنايات والمجاز وغير ذلك من أحوال الخطاب فإذا سمعوا مثل هذا الحديث علموا أنه كناية عن نفوذ قدرة الله في قلوبهم ولم يلتبس عليهم ذلك مع قوله تعالى { ليس كمثله شيء }(2) كما يعلمون أن المراد بقول القائل زيد كثير الرماد أن المراد بذلك الكناية عن جوده فإنه يطبخ للأضياف فيكثر رماده من ذلك ومثله قول الله تعالى { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه }(1) وقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى }(2) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث فإن العرب كانت تعقل معنى الخطاب في هذا كله وإن المراد منه الدلالة على القدرة الباهرة وأن الأفعال العظام التى تتحير فيها الإفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه تعالى ولا يصل السامع إلى الوقوف على هذا المعنى إلا بإجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل .
قال الزمخشرى ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا أرق من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطى تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء فإن أكثره وعليته تخييلات قد زلت فيها الإقدام قديما وما أُتى الزالون إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير حتى يعلموا أن عداد العلوم الدقيقة علما لو قدروه حق قدره لما خفى عليهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه إذ لا يحل عقدها المؤرية ولا يفك قيودها المكربة إلا هو وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضم وسيم السخف بالتأويلات الضعيفة والوجوه الرثة لأن من تأول ليس من هذا العلم في عير ولا نفير، ولا يعرف قبيلا من دبير انتهى كلام الزمخشرى والله أعلم .


hg[.x hgsh]s-tjh,n Hw,g hg]dk Hs,H hg]dk hg[.x hgsh]stjh,n





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس

كُتبَ بتاريخ : [ 03-23-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



المتواتر والآحاد في السابق والحاضر

السؤال :
نبحث في قولك في مشارق الأنوار لما ذكرت تواتر الأخبار قلت إن تواتر الأخبار لا تكون في دهرنا متواترة أي هى باعتبارها الآن كلها أحادية وإنما التواتر وغيره إنما هو بالنظر مع من تقدم وجميعها الآن في منزلة الأخبار الأحادية انتهى وليس هذا لفظه ولكن على ما نفهمه من كلامك ولا وسع للمطالعة، لأنه على هذا فيكون ما ورد فيه خبر الاحاد وما ورد فيه الخبر المتواتر سواء قوة وضعفا مع كثرة ما يكون في محاورة العلماء ومعارضة بعضهم على بعض بأن ما ركن إليه قولك خبر آحاد وما قلته يقويه خبر التواتر، والآحاد والخبر غير المتواتر ليس لنا سبيل في الاطلاع اليها إلا بقول واحد وإن كان وجد في كتب عديدة فيمكن تواطؤ مثلهم على الكذب نعم وهذا مشاهد وكثير كخبر الرؤية ولكن إن لو قلنا بهذا فجميع الأخبار بمنزلة فيلزم التعارض في أخبار عديدة ولم يبن في أحاديث جمّة ناسخها من منسوخها لعدم العلم بالمتقدم منها وليس بعضها بأقوى متنا من بعض وبالجملة فانظر شرح بيتك مما جاء به تواتر الأخبار حقا فانتبه فإني أظن هذا الكلام وارداً هناك وصاحب البيت أدرى بالذي فيه هذا .
الجواب :
لم أطالع شرح البيت لضيق المقام غير أنى أحفظ المعنى الذي تشير إليه وذلك أن صاحب المرآة من الحنفية ذكر أن التواتر والآحاد إنما يكون معتبرا في القرون الثلاثة قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم فما كان هنالك متواترا فهو متواتر وماكان هنالك آحاديا فهو آحادى ولا يلزم من هذا معارضة الاحادى للتواتر فإنه إذا كان دليل أحد المختلفين متواترا في القرون الثلاثة تقاصر عن معارضته خبر الآحاد .
ولا عبرة بما صار إليه الحال في الاخبار في زماننا هذا لقلة ضبط الناقلين ولا سبيل إلى معرفة المتواتر الآن إلا ما يوجد في الكتب ولا يقطع بمدلول شيء فيها إلا ما أطبقت الأمة على نقله عن رسول الله " فكل حديث اتفقت الأمة على أنه عن رسول الله " ولو نقلته بالمعنى بمدلوله وكل خبر ليس على هذا الوصف فلا نبلغ به درجة القطع .
وبالجملة فالمتواتر لا يختص به أحد دون أحد بمعنى أنه لايكون متواترا وبعض الأمة تنكره فإن ظهر فيها الانكار عن بعض الأمة كان ذلك دليلا على كونه غير متواتر والله أعلم .

تأويل ( الوجه ) في صفات الله

السؤال :
الوجه في قوله تعالى { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }(1) أن وجهه هو ذاته فكان عندهم هذا من تسمية الكل باسم الجزء فإن اعترض معترض ان قولكم هذا يقتضى التجزؤ تعالى الله عن ذلك حيث قلتم من تسمية الكل باسم الجزء وانتهى تفضل بالجواب .
الجواب :
هذا الاعتراض غير مسموع لأن مفهوم الالفاظ لا تصدق عليه تعالى فاطلاق الوجه على جميع الذات في حق غير الله تعالى من إطلاق اسم الجزء على الكل وإذا صح هذا الإطلاق في حق المخلوق لم يمتنع إطلاقه في حق الغير أيضا وبيان ذلك أنه إذا ثبت التجوز في هذه اللفظة فلا مانع من اطرادها حيث لا كل ولا جزء .
وحاصل المقام أن صفاته تعالى إلا بالألفاظ المعروفة عند الناس فعبر عنها بالالفاظ المعروفة فما كان حقيقة ثبت حقيقة وما كان من الألفاظ مجازا ثبت مجازا وصحة التجوز العلاقة المعهودة في حق غير الله تعالى .
وبالجملة فلا يتوقف التجوز في الالفاظ على وجود مفهوماتها بل إذا صح المجاز في موضع لعلاقة صح في غير ذلك الموضع لتلك العلاقة ما لم يمنعه مانع والله أعلم .

حكم من زعم دخول الملائكة الجنة

السؤال :
مما وقع من المسائل أن بعض الأصحاب زعم إن الملائكة من أهل الجنة فقال له عبيد : من زعم مثل زعمك هذا وأن جزاء أعمال الملائكة الجنة فهو كافر فان لم تتب فأنت كافر فسأل عن هذا الوالد فقال قيل بذلك ولا أرى تكفيره على كلا القولين ما لم يعتقد قوله ذلك دينا فيخطئ من خالفه في ذلك انتهى .
قال السائل :
فعلى ما نقلوا فما أرى وجه قول الأصوليين لا يجوز أي عقلا أن يكون أمر ونهى ولا ثواب ولاعقاب فلا شك أن الملائكة مأمورون منهيون فإن لم يكن لهم ثواب فقد وجد الأمر والنهى ولا ثواب فإن كان الجزاء جاء من أجل التكليف الذي هو المشقة فينبغى أن يقال لا يجوز أن يكون تكليف بأمر ونهى ولا جزاء وهذا غير ظاهر في كلامهم لأجل تعليلهم أنه لو لم يعاقب على فعل المنهى عنه وعلى ترك المأمور به لصار مباحا أي جائز الترك والفعل ولعل مراد أهل الأصول غير هذا فلم تصل إليه القرائح فانظر فيه .
الجواب :
أما ما قاله عبيد فلا أعرفه والخلاف الذي حكاه الشيخ لا أحفظه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وعلى تقدير ثبوت الخلاف فلا يصح التكفير في المسألة على كل حال ما لم ينصب أحد المختلفين رأية دينا يخطئ عليه من خالفه فإن انتهى إلى هذه الحالة كفر بجعل الرأى دينا وتخطئه من خالفه من المسلمين ويكون كفره بذلك كفر نعمة وهو المخصوص باسم الفسق عند المعتزلة .
وما ذكروه لا ينافي قول الأصوليين باستحالة التكليف الا مع المثوبة والعقوبة أو أحداهما لأن الثواب والعقاب غير منحصرين في الجنة والنار للعاصين من البشر والجن وأما الملائكة فقد قيل أن ثوابهم ما يناسب أطباعهم لا أنه أكل وشرب وجماع وغير ذلك من الأحوال الموافقة لأطباع البشر والجن والله أعلم .

حكم العصاة من الأمة إذا ذكروا الله

السؤال :
حديث " أوحى الله إلى موسى عليه السلام قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة " أيكون الحديث خاصاً بتلك الأمة أم يتناول أمة نبينا محمد " لقوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين }(1) ولقد رفع لي بعض من أثق به أن امرأة سألت عن أبيها فقالت هو يلعن نفسه فوجد يقرأ القرآن العظيم . تفضل ببيان ذلك ؟
الجواب :
إن صح هذا الخبر عن الله تعالى فهو يتناول جميع الأمم ولا يختص بأمة دون أمة لأن الله تعالى لا يبدل القول لديه والأخبار لا يمكن نسخها وصفات الله لا تتبدل .
ويمكن أن يقال إن ذكر العاصي باللعنة اخبار خاص بالعصاة من أمة موسى عليه السلام لقوله في أول الحديث قل لعصاة أمتك ثم قال في آخره فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة فيكون هذا الضمير عائداً إلى العصاة من أمة موسى وأن الخبر الذي لا يجوز نسخه ولا يصح تبديله هو ما في قوله فإني آليت أن من ذكرني ذكرته فيكون الذكر في حق العصاة من غيرهم مجملاً وفي حقهم معلوماً أنه باللعنة .
ولقائل أن يقول أن هذا التخصيص غير مناسب للأحكام فإن حكم الله في العصاة من جميع الأمم واحد فيجب أن يتساوى في ذلك .
ويمكن الجواب بأن حكم الله المتحد في العصاة هو حكمه عليهم في الآخرة دون احكام الدنيا فإن احكام الدنيا تختلف تخفيفاً وتشديداً ألا ترى أنه جعل توبة العاكفين على العجل قتل أنفسهم وحرم ذلك على هذه الأمة .
وبالجملة فيحتمل أن يكون الذكر باللعنة خاصاً بأولئك العصاة وأن يكون عاماً لهم ولغيرهم من سائر الأمم .
وأما قول المرأة في أبيها أنه يلعن نفسه فمرادها أنه يقرأ قوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين }(1) { ألا لعنة الله على الكاذبين }(2)
{ أولئك الذين لعنهم الله }
(3) { أولئك عليهم لعنة الله }(4) ونحو ذلك من الآيات فإنها جعلت القارئ لذلك في منزلة اللاعن لنفسه إذا كان من أهل تلك الصفة . والله أعلم .

معنى تطويل العمر

السؤال :
ما ذكره في المشارق من كلام عبد االعزيز في معنى تطويل العمر من أنه يمكن أن يكتب في صحف الملائكة أن عمر فلان كذا وهو في علم الله مقيد بما إذا لم يفعل كذا أو أنه إن فعل ذلك طال عمره إلى كذا . لم يتضح لي معنى هذا الكلام لأنه يقضي إلى اختلاف الأخبار ولقائل من الأشاعرة أن يقول لا فرق بين أن يخبرنا أو يخبر الملائكة بتخليد الفساق ويكون في علم الذي لم يطلعنا عليه أن لا عذاب أو لا خلود ونحن لا نشك إن أخبر به الصادق لا يكون خلاف ما أخبرنا ففسر لنا ذلك .
الجواب :
أما الذي ذكره عبد العزيز من الاحتمال في تطويل الأجل فليس هو اخبار عن الله تعالى بنفس الواقع وإنما هو كتابة الشيء المقيد مع اهمال القيد وقد وقع منه في القرآن كثير فإنك ترى آيات الوعد والوعيد مطلقة في مواطن كثيرة وهي في خكم الله مقيدة وقد ذكر القيد في آية أخرى والاطلاق كما في قوله تعالى { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً }(1) وقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمداً }(2) الآية فإن هذا وأمثاله من الآيات مقيد بما إذا لم يتب كما يدل عليه قوله تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن }(3) وبالجملة فقد يثبت الحكم مطلقا في موضع ومقيدا في آخر ولا يلزم من ذلك اختلاف الأحكام بل يحمل مطلقها على مقيدها فكذلك ما في صحف الملائكة ما يثبت مطلقا وهو عند الله مقيد فلا يكتب في صحفهم القيد ابتلاء لهم .
هذا توضيح المنقول عن عبد العزيز وفيه نظر لا يخفى فالحق أن الأخبار عن الله تعالى إذا كتبت أو نقلت بلسان الوحي فأنا نقطع بصدقها فإن نقلت مطلقة قطعنا باطلاقها أو مقيده فكذلك ولا يصح غير هذا وإلا لالتبس الصدق بالكذب والحق بالباطل واليقين بالشك فأما اطلاقات القرآن في الوعد والوعيد فإن لم ترد كذلك إلا بعد استقرار القيده وبعد التيقن بقبول التوبة فهم يفهمون أن الاطلاقات متوجهة على أهل تلك الصفة إن لم يتوبوا منها وليس استقرار القيد في الأذهان كاخفائه عن العيان والله أعلم .

الفرق بين الضدين والنقيضين في صفات الله تعالى

السؤال :
ما في " مشارق أنوار العقول " في النقيضين والضدين أن الضدين لا يجتمعان ويرتفعان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فهما إذاً أقوى من الضدين ووجدنا عنك وعن غيرك في الصفات السبع أن الله حي مريد سميع بصير عليم قدير أن هذه المذكورة كل واحدة تنفي ضدها وعبر هنا بالضد فلا ارتفاع بلا ثبوت واحدة وهي الحياة والقدرة والعلم والإرادة وفي " الوضع " : ومتكلم ليس بأخرس إلى أن قال : الأشاعرة المعتزلة في هذا المعنى فتوقف بعضهم ورجع بعضهم إلى قول الأشاعرة إلى أن قال : وتفطن لها أحدهم فأجاب منتصراً أن الكلام نقيضه الخرس لا ضده إلى أن قال الضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والنقيضان لا يجتمعان ويرتفعان وأن المتكلم يكون ساكتا وهو قادر على الكلام فهنا سماه نقيض الكلام وعبر عنهما أنهما لا يجتمعان ويرتفعان فما وجه هذا الكلام ؟ وهل هو مخالف لقولك : النقيضان هما الذان لا يرتفعان ويتعاقبان وكذلك صاحب جمع الجوامع وصاحب شرع الوضع قال : النقيضان لا يرتفعان والضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان . بين لنا ذلك .
الجواب :
قد وقفت على كلام محشي الوضع في الضدين والنقيضين قبل أن أؤلف المشارق بزمن طويل، وقد راجعت النظر فيه والتمست له شيئاً يوافقه من أقوال أهل الفن فلم أجد له موافقاً، ويحتمل أنه بنى على اصطلاح لم نقف عليه وعامة العلماء على ما ذكرته في المشارق .
وقد قال الجرجاني في التعريفات : الضدان صفتان وجوديتان يتعاقبان في موضع واحد، يستحيل اجتماعهما كالسواد والبياض . وقال المرشدي : التضاد تقابل بين أمرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد بينهما غاية الخلاف، كالبياض والسواد في المبصَرات، والهمس والجهر في المسموعات، والطيب والنتن في المشمومات، والحلاوة والمرارة في المذوقات، والملاسة والخشونة في الملموسات، وكالتحرك والسكون، والقيام والقعود في المفعولات . قال الجرجاني : والفرق بين الضدين والنقيضين أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود، والضدين لا يجتمعان ولكن يرتفعان كالسواد والبياض " اهـ " .
ومعنى قولهم " يرتفعان " أى يمكن ارتفاعهما وإن لم يرتفعا بالفعل وأما صفات الله تعالى الذاتية فإنها دالة على نفي أضدادها لأن ضد الكمال النقصان، وضد العلم الجهل، وضد القدرة العجز، وضد الكرم البخل، وضد الحكمة العبث، وهكذا وأنت خبير أن العلم والجهل تضاد لا تناقض فإنهما لو كانا في غير الله لأمكن ارتفاعهما معاً فلا يوصف الفرس بأنه عالم لا جاهل، وكذا الأسد وسائر الحيوانات، وإنما وجب ثبوت العلم لله تعالى من حيث إنه تعالى كامل الذات والصفات فوجوب العلم هنالك لأمر آخر غير معنى الضدين وكذا القول في سائر الصفات .
وأضرب لك مثالاً يقرب لك المعنى فإنهم قالوا : إن الخير ما احتمل الصدق والكذب لذاته، فكل كلام احتمل ذلك فهو خبر، وأنت خبير بأن اخبار الله تعالى واخبار أنبيائه لا تحتمل الصدق والكذب لوجوب القطع بصدق المخبر ولم يخرجه ذلك من تسميته خبراً، فكذا العلم في حق الله تعالى واجب ولم يخرجه عن كونه ضداً للجهل فتفطن له فإنه بحث دقيق ومعنى لطيف والله أعلم .


وجوب الولاية وعدم وجوب تبادل الولاية

السؤال :
المتولى هل يسعه إن لا يتولى المتولى وليس في عصر الإمام العدل ؟
الجواب :
للولاية أسباب إذا حصلت في شخص تامة وجبت له ولا تتوقف على عصر الأئمة لوجودها في كل زمان، ولا يلزم كل أحد أن يتولى من تولاه فإن الأئمة العادلين وعلماء المسلمين تجب ولايتهم على الخاص والعام والطائع والعاصي وأنت خبير بأنهم لا يتولون جميع من تولاهم بل لا يتولون إلا من استحق الولاية عندهم والله أعلم .

نزول عيسى مع ختام النبوة بمحمد "

السؤال :
قول رسول الله " : " لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم " قال السائل ووجدت في جامع الشمل : من اشراط الساعة خروج االدجال وينزل النبي عيسى عليه السلام في عصره فكيف معنى الحديثين أم بينهما تنافٍ ؟
الجواب :
لا تنافي بينهما إن صح الخبران معاً لأن نبوة عيسى عليه السلام كانت قبل محمد " وأن نزوله آخر الزمان علامة للساعة لا لتجديد النبوة وقد قيل أنه يحكم بشرع محمد وعلى هذا فلا اشكال لأنه يكون بمنزلة عالم من علماء الأمة، ويؤيده حديث " لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي "
وأما خروج يأجوج ومأجوج فقد دلت عليه ظواهر الآيات منها قوله تعالى { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج }(1) ومنها في ذلك
{ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا }
(2) ومع ذلك فليس يأجوج ومأجوج أمة بعدنا لأنهم لا يقومون في أرضنا بل يرسلون إلى الدنيا ويكون ذلك من مقدمات الحشر .
واعلم أن الحديث في نزول عيسى عليه السلام لم يثبت عند المشارقة لكن أولى بما رووا وليس لمن لم يسمع أن يكذب من سمع ولا من قال أنه سمع لا سيما وقد ثبت ذلك عند أشياخنا المغاربة وأن للعلم عندهم حمله عن الثقات العلماء كما أن لأهل المشرق كذلك، وقد ينفرد أحد الحاملين بشيء لم يسمعه الآخرون لا سيما وأن عندهم مسند أبي صفرة عن ضمام عن جابر بن زيد وهذا المسند لا يوجد عند المشارقة بل الموجود مسند الربيع عن أبي عبيدة عن جابر وقد انفرد كل واحد من المسندين بفوائد ونحن نقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير والله أعلم .

تعريف المنافق

السؤال :
حد من يستحق أن يطلق عليه اسم المنافق هل بالكبيرة يستحق ذلك إن لم يتب منها أم لا ؟
الجواب :
نعم يستحق عندنا اسم المنافق بفعل الكبيرة لقوله " : " آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان " وكل واحدة من هذه الأشياء كبيرة .
وأما قومنا فإنهم يخصونه بمن أخفى الشرك وأظهر الإسلام ونحن نطلقه على هذا الصنف وعلى من خالف عمله واعتقاده فإطلاقنا أعم وهو مطابق لحكم الشرع وموافق للأحوال المعلومة في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، وقد قال عمر لرسول الله " دعني أضرب عنقه فقد نافق، يقول ذلك في حق رجل لا تظهر منه إلا كلمة وتخصيص قومنا موافق لمقتضى اللغة . والله أعلم .


ارسال النبي مع الله على برسم إلى الملائكة أيضا

السؤال :
ما وجد في المشارق أن في ارسال النبي " إلى الملائكة قولين فلا أعرف برهان المثبت الرسالة ولا الذي أرسل به إليهم، فضلا أوضح لي ذلك لأطلع على سره بعد أن كنت جاهلا به .
الجواب :
وجدت الخلاف على ذلك فنقلته كما وجدته ولم أطلع على حجج المختلفين، ولعل القائلين بإرساله إلى الملائكة أيضا يحتجون بعموم رسالته وأن الملائكة قد أمروا بنصرته وقاتلوا معه يوم بدر وشهدوا يوم حنين وأفزعوا يوم الخندق وزلزلوا االحصون على بني قريظة فهم من جملة انصاره وأعوانه، ولعل رسالته إليهم على هذا القول كانت ايصاء بطاعة الله تعالى وتحريضا لهم على امتثال الأوامر والوقوف دون المناهي وهم عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . والله أعلم .

مصير حفظة العبد من الملائكة بعد موته

السؤال :
الحفظة الكرام بعد موت المحفوظ أيبقون بعده وأجلهم في علم الله أم فناؤهم بفناء المحفوظ ؟ وإن كان الأولى الوقوف عن هذا السؤال عرفني ذلك جزاك الله خيراً ؟
الجواب :
فناء الملائكة إنما يكون عند النفخ في الصور لا قبل ذلك حتى قيل أن فنائهم دفعة واحدة وقيل بل متفاوتون . والله أعلم أين يذهبون وفي حديث عن أنس وأبي سعد أن النبي " إذا قبض الله روح عبده المؤمن صعد ملكاه إلى السماء قالا ربنا وكلتنا بعبدك المؤمن نكتب عمله وقد قبضته إليك فأذن لنا أن نسكن السماء فقال سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحونني، فيقولان ائذن لنا أن نسكن الأرض فيقول أرضي مملؤة من خلقي يسبحونني، ولكن قُوما على قبر عبدي فسبحاني وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة واكتباه لعبدي . وزاد في رواية من طريق آخر وأما العبد الكافر إذا مات صعد ملكاه إلى السماء فيقال لهما ارجعا إلى قبره وألعناه والله أعلم .

أقوال المخالفين في المذهب

السؤال :
الأقوال التي ذكرها أهل المذاهب عن المخالفين في المسائل الدينية ما عدا الرؤية والخلود وصفات الذات الأخذ والعمل بها، أفدنا جزاك الله خيراً ؟

الجواب :
لا يخلو ذلك إما أن يكون موافقا للحق أو مخالفا له فالحق مقبول والباطل مردود .
واعلم أن الخلاف بيننا وبين قومنا غير منحصر فيما ذكرت بل خالفوا في كثير من أصول الدين وقد ذكر أصحابنا عنهم ذلك وبينوا باطله { فماذا بعد الحق إلا الضلال }(1) وإن كنت تريد مسائل الرأي فإن الرأي من أهله مقبول فإذا ذكره أصحابنا عنهم وصوبوه أو استحسنوه جاز الأخذ به لأنه رأى للمصوب أو المستحسن، وإن ذكروه على جهة الانكار لم يجز الأخذ به، وإن ذكروه وسكتوا عنه فمحمول على قاعدة الناقل، فإن كان من عادته السكوت في كل موطن فلا يجوز الأخذ به إلا لمن عرف حقه وإن كان من عادته انكار المنكر ورد الضعيف فالسكوت حيث يرضى فهو في حكم الأقوال المسكوت عنها الموجودة عن أصحابنا والحق تثلج له الصدور ويطمئن له القلب والله أعلم .
من قال ما يوهم نفاد رحمة الله

السؤال :
من قال اللهم صلّي على محمد حتى لا يبقى من صلاتك شيء هل هذا جائز أم لا ؟
الجواب :
لا يجوز ذلك ولا يصح، لأنه يوهم أن لصلوات الله غاية وأن رحمة الله تنفد وهو خلاف قوله تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله
باق }
(1) وفضل الله عظيم ورحمته واسعة، وأخشى على هذا القائل أمراً عظيماً والله أعلم .

حكم التحول إلى مذهب المشبّهة

السؤال :
من صبأ منا ـ والعياذ بالله من ذلك ـ إلى المشبّهة، هل لنا قتله مع القدرة عليه بناء على هذا القول بتشريك المشبهة ولا ينفعهم تسترهم بالتأويل إذا صح منهم تشبيه المولى جل وعلا، وأخذا من عموم قوله عليه الصلاة والسلام " من بدل دينه فاقتلوه " أم ليس لنا ذلك ؟ وذلك خاص بالمشركين من أهل الكتاب إن ارتد المسلم إلى دينهم بعد اسلامه ولا شك أن الذين ذكرتهم لك مشبهة .
الجواب :
لا يجوز قتله بذلك، وليس هو كالمرتد إلى الشرك فإنه وإن قيل بتشريك المشبّهة فإنما هو قول مبني على محض الاجتهاد، وقد قال محبوب بغير ذلك .
وعلى كل حال فليس المختلف في شركه كالمجتمع عليه، وأن الأمه قد اختلفت بعد نبيها وأن منهم المشبه الصريح في التشبيه، ولم نعلم أن أحدا من الأمة على اختلاف مذاهبهم حكم فيه بحكم المرتد إلا أن تكون الأزارقة ومن كان على رأيهم من الخوارج، ولا عبرة بهم فإنهم يحكمون بأحكام المشركين . والله أعلم .

حكم من قال ‘‘ لا إله ‘‘ للتعجب

السؤال :
جهال زماننا إذا تعجبوا من أمر، أو استعظموا علما قالوا " لا اله " أيخرجه هذا من الإسلام إلى الشرك ؟ وما الواجب على من سمع أحدهم يقول ذلك إذا كان هذا القائل غير معتقد لنفي الألوهية ؟
الجواب :
اختلفوا في ذلك فمنهم من شرك القائل حكما عليه بمقتضى لفظه، ومنهم من أحسن الظن به لعلمه أنه لا يريد حقيقة اللفظ ولكونه في الأصل مسلما ويجرى عليه أحكام المسلمين فتحمل ألفاظه على مقتضى حاله فيكون قد قال " إلا الله " بالباطن .
والواجب على من سمعه أن ينكر عليه إذا قدر لأن القول بذلك منكر اجماعا، وإنما اختلفوا في صورة الحكم عليه بالتشريك لا في جواز النطق به، وإن الشيطان يلهم الجهلة خصال الشرك من حيث لا يعلمون فيهلكهم مع الهالكين { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(1) أعاذنا الله والمسلمين من شره . والله أعلم .

حكم ولاية علي وعثمان ومعاوية ( رضي الله عنهم )

السؤال :
حكم من صوب المخالفين أهل المذاهب الأربعة في ولايتهم لعلي وعثمان ومعاوية جهلا منه وغرورا بما وجده عن عدو الله دحلان من الحمية والعصبية لمذهبه العاطل ومعتقده الفاسد الباطل، وهل هذا منه رجوع عن معتقده إذا كان معتقدا قبل ذلك عداوتهم ؟ وهل يسعه عدم الجزم بمعتقد الأباضية الوهبية فيهم ؟
الجواب :
لا يحل لأحد تصويب هولاء المخالفين فيما خالفوا فيه المسلمين من أمر الدين فمن صوبهم على ذلك فهو منهم وحكمه حكمهم { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }(2) ورأس الولاية التصويب وعليه أن يتولى المسلمين وأن يعتقد أنهم على الحق في ولايتهم لأوليائهم وبراءتهم من أعدائهم وليس الاغترار بقول دحلان على رسول الله " خصوصا في حضرة مذهبهم فإنهم يدعون ذلك قربة ويحتسبونه في الآخرة ولقد رأيت في سيرة دحلان نوعا من الكذب لم يسبقه إليه أحد فيما علمت فليأخذ المرء حذره { ولا تسألون عما كانوا يعملون }(1) والله أعلم .

رخص دعوى سقوط التكليف عن المكاشفين

السؤال :
ما يوجد في كتاب الدليل والبرهان : " فمن بلغ إلى هذه الدرجة زال العمى عن بصره والغطاء عن قلبه حصل في علم المكاشفة وهو العلم الذي فاق علم المرسلين والملائكة المقربين والأنبياء أجمعين، فأسألك سيدي هل يبلغ علم النبيين والمرسلين أحد ؟ وهل يحصل لأحد في زماننا العلم الذي يجوز له ما يجوز للخضر عليه السلام وترتفع عنه الأحكام الظاهرة ؟ وإذا بلغ هذه المنزلة تنحط عنه جميع الأحكام الشرعية ؟ وربما اطلعت عليها فاكشف لنا عن نقابها، فإن في هذه المسألة ما يوهم أن كل من بلغ هذه االدرجة يكون كذلك وأنها ليست مقصورة على أحد معلوم . وقال بعض في كلامه : فإذا بلغ هذه المنزلة رفع الله تعالى الحجاب بينه وبين خلقه وانكشف له الغطاء عن جميع ما أراد الله أن يحدثه أثره بعلم ذلك وخصه به . هل الخضر حي ؟ وإذا كان حيا هل يكون مخصوصا من بين خلق الله أن لا تلزمه شريعة محمد " وهو مرسل إلى الثقلين من جن وإنس ؟

الجواب :
لعل صاحب الدليل حكى هذا الكلام عن أحد من أهل الضلال، فلم تتبع أوله، فإني وجدته حكى مثل هذا المعنى في كتاب العدل والانصاف عن أهل الباطن وهم القرامطة، ولهم أسماء غير ذلك، قالوا : إذا بلغ الولى إلى معرفة بواطن الأشياء ارتفعت عنه التكاليف فلا صوم ولا صلاة ولا حرام . قالوا : ولا فرق بين هذا وبين من دخل الجنة لأنه قد بلغ من الرتبة ما لو مات فيها دخل الجنة . قالوا : ولم يمت " إلا وقد أحل الله له جميع المحرمات . قالوا : وهذه التكاليف الظاهرية عقوبة لمن لم يصل إلى معرفة العلم الباطن ويحتجون على ذلك بقوله تعالى { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب }(1) .
وقد أطبقت التواريخ أن القرامطة إنما أظهروا ذلك مكيدة للإسلام، لأن أصلهم من الفرس، فذكروا الدولة التي كانت لهم وحسدوا المسلمين على ما آتاهم الله من الدين والفتح المبين، فعملوا المكيدة وخدعوا بها قلوب الجهال من العوام، فأصابوا الغرض في بعض الأمكنة في ناس لم يبارك الله بهم، وكان ملكهم من البحرين مغربا إلى العراق ومشرقا إلى ادم، حتى قيل أن منهم العامل الذي بنزوى في زمن أبي الحوارى وقد هم بقتل أبي الحوارى فقتله المسلمون، وقد ذهبت دولتهم من عمان في عصر أبي المؤثر ولعل أول ذهابها قتل هذا العامل، وأبو الحوارى قد أخذ عن أبي المؤثر وعن نبهان فكأنهم في عصر واحد .
وإذا عرفت أن هذا مذهب الباطنية وأنه عمل مكيدة للإسلام تبين لك من أول وهلة بطلانه . ومن ذا الذي يدعى علما فوق علم النبيين والملائكة المقربين ؟ والله تعالى يقول { فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول }(1) .
أما الخضر فقيل : إنه نبى، وقيل : إنه ولى . وعلى القولين فقد اختصه الله بالعلم اللدنى اتفاقا فمن أين لغيره مثل ما له ؟ وقد اختصه الله بأحكام وشريعة في خاصة نفسه دون شريعة موسى، وذلك مما يؤكد القول بنبوته إذ ليس للولى أن يخالف النبي .
ثم اختلف في بقائه إلى اليوم فقيل : انه حي، وقيل غير ذلك وعلى القول بحياته فيكون من جملة المكلفين بشرع محمد " لأنه من جملة المبعوث إليهم أو يكون مختصا بشرع في خاصة نفسه كما اختص بذلك في زمن موسى، على أن موسى قد بعث إلى الكافة أيضا، ولا بعد في هذا فإن الملائكة مختصون بأحكام في أحكام التكليف تخالف أحكامنا فلا يبعد أن يكون الخضر مثلهم .
هذه مجرد احتمالات ولا دليل على شيء منها وقولنا قول المسلمين ورأينا رأيهم، على ذلك نحيا وعليه نموت، وعليه نلقى الله غدا إن شاء الله والله أعلم .

داود وسليمان نبيان رسولان

السؤال :
داود وسليمان عليهما السلام هما نبيان أم رسولان ؟ وإذا كانا رسولين فما الدليل على رسالتهما ؟
الجواب :
نعم هما نبيان رسولان عليهما وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام، والدليل على ذلك قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل، وآتينا عيسى بن مريم البينات }(1) ومن المعلوم أن أشهر الرسل ما بين موسى وعيسى داود وسليمان، وأما داود فقد أرسل إلى الكافة بالسيف وسليمان خليفته .
والفرق بين النبي والرسول أن النبي انسان أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بالتبليغ فهو رسول أيضا . والله أعلم .

المفاضلة بين القرآن ونبينا عليه السلام

السؤال :
قد كثر القيل والقال وطال الجدال في ترجيح الأفضلية بين القرآن ونبينا عليه السلام من الأفضل منهما ؟ ولا طائل تحت ما قالوه، ففضلا منك أن تبين لنا وجه الأفضلية بينهما .
الجواب :
لم يشتركا في الصفات حتى يميز الأفضل من غيره، بل اختص كل واحد منهما بصفات لم تكن في الأخر، فللقرآن صفات الكلام الكاملة وللنبي " صفات الإنسانية الكاملة، وقد وصف ربنا تعالى كل واحد منهما بصفات أقسم عليها فقال في حق نبينا " { إنك لمن
المرسلين }
(1)، { وإنك لعلى خلق عظيم }(2)، وقال تعالى في حق القرآن { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون }(3) .
وإن أردت علو الدرجة وعظم المنزلة عند الله فلا شك أن القرآن إنما أنزل معجزة لمحمد " فهو بعض معجزاته وبعض آياته وذلك يقتضي أن يكون حسنة من حسناته وكرامة واحدة من كراماته وناهيك أنه أنزل لأجله .
وقل لمن فضله على محمد " يلزمك أن تفضل ناقة صالح عليه وأن تفضل عصا موسى عليه وأن تفضل سفينة نوح عليه وهكذا يلزم في جميع المعجزات .
فإن قال : إن القرآن كلام الله قلنا وكذلك وصف الله الناقة فقال ناقة الله وسقياها فالإضافة كالإضافة والكل للتشريف .
وإن قال : إن الكلام صفة من صفات الله وليست الناقة كذلك قلنا الكلام الذي هو صفة من صفات الله نوعان صفة ذات وهي شيء غير القرآن، وصفة فعل وهي الكلام المنزل ومن جملته القرآن وهذا النوع والناقة وغيرها من جميع المخلوقات مشتركة في كونها مفعولة لله وإن فضل بعضها بعضا .
ويدل على تفضيله " قوله تعالى { ورفعنا لك ذكرك }(1) وذلك أنه قيل أنه قرن ذكر محمد بذكره في كلمة الشهادة وفي الأذان وفي التشهد فهذا يدل على أن ذكره " بمنزلة لفظ القرآن لأنه قد رفع ذكره كما رفع ذكر القرآن فكيف شخصه الكريم " .
هذا ما حضرني وأستغفر الله من مخالفة الحق وأتوب إلى الله مما خالف رضاه .

عدم تبدل المقضي في الأزل

السؤال :
عما يوجد في الأخبار أن عيسى بن مريم عليه السلام مر على رجل يبكي على قبر وقال هذا قبر زوجتي، وبالجملة سأله أن يحييها بإذن الله، ففتح على القبر فإذا هو برجل أسود فصح أنه كان من أهل النار، فسأل عيسى أن يسأل الله تعالى ليحييه ويعمل بالطاعة فسأل الله عيسى فأعطى، فعمل عمل أهل الخير، والمرأة بالعكس كانت على خير فلما أحييت عملت عمل أهل النار، فأخبرنا هل الذي يحييه عيسى عليه السلام يبقى ويعيش ويولد له أم يموت من حينه ؟ وهل رزق في الدنيا لمن مات ؟ وكيف تبديل الخواتم أم هذا لا يصح ؟
الجواب :
الخواتيم لا تبدل إنما هي وفق ما قضى الله في الأزل، فمن قضى له بالسعادة فهو سعيد أو بالشقاوة - والعياذ بالله - فشقي، ولم نعلم فيما رأينا من التواريخ والسيرات شيئا من الشرائع السابقة مخالفاً لهذه الشريعة في هذا المعنى، فهو تعالى لا يبدل القول لديه وقد قال { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا }(1) وقد رد الله إيمان فرعون وهو من الأمم السابقة بقوله
{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين }
(2) .
فعليك بالركن الوثيق والعروة الوثقى ودع عنك ما قيل ويقال من زخارف الأقوال على أن أكثر الأخبار الموجودة عن الأمم السابقة منقولة عن أحبار اليهود الموصوفين في كتاب الله عز وجل بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، وأنهم يكتبون الكتاب بأيديهم ليشتروا به ثمنا قليلا، وأنهم يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، أخزاهم الله ولعنهم وعافى المسلمين من شبهاتهم .
فإن قيل : إن اليهود لم تنقل عن عيسى عليه السلام لكونهم لم يعترفوا بنبوته، قلنا : يمكن أن ينقلوا عنه مع انكارهم لنبوته ليضلوا المسلمين بأخبارهم كما هو المعروف من أحوالهم في هذه الأمة، فإن الواحد منهم يدخل في الإسلام ليضل المسلمين . والله أعلم .

تسميته تعالى غياث المستغيثين

السؤال :
هل يصح للداعى أن يقول في دعائه يا غياث المستغيثين أم لا ؟
الجواب :
أما قول الداعى يا غياث المستغيثين فالموجود في كتب المذهب المنع، وهو مبنى على القول بأن أسماء الله توقيفية، وذلك أنه لم يثبت عندهم رحمة الله عليهم إطلاق هذا الاسم على الله تعالى من الكتاب ولا من السنة وكل ما لم يثبت إطلاقه من هناك فلا يصح أن يسمى الله به، فهو تعالى المخبر عن أسمائه مرة في كتبه وأخرى على لسان أنبيائه وليس لغيره أن يسميه باسم من عنده هذا وجه القول بالمنع .
وأقول لا بأس به لأنه قد جاء في الكتاب العزيز قوله عز من قائل
{ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم }
(1) وجاء في بعض التفسير أنهم قالوا يا رب انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا .
وفي المستغيثين قولان : أحدهما رسول الله " والمسلمون معه قاله الأزهرى، والقول الثانى رسول الله " وحده وإنما ذكر بلفظ الجمع على سبيل التعظيم، وعن ابن عباس قال حدثنى عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر النبى " إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فاستقبل نبى الله " القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه يقول اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم آتنى ما وعدتنى اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين } وهذا يؤيد القول الثانى ولا يدل على أن باقى المسلمين لم يستغيثوا بل يمكن أنهم استغاثوا أيضا وهو ظاهر الآية غير أن عمر لم يذكر إلا استغاثة النبى " .
وعلى كل حال فالغياث بكسر الغين اسم لمن فعل الإغاثة بكسر الهمزة يقال : أغاثه إذا أعانه ونصره فهو مغيث وغِياث بالكسر ولا بأس بإطلاق هذا الاسم على الله تعالى لأن مرادف لبعض الأسماء الحسنى وهو جائز عندى حتى على القول بأن أسماءه تعالى وتوفيقيه لما تقدم من معنى الآية والله أعلم .

معنى النور المحمدي قبل الخلق

السؤال :
النور المحمدى الموجود قبل خلق العالم يكون هذا النور من سيدنا محمد هل هو علامة أم يصير من شخصه عند وجوده مع كونه خلق من طين أم تكون منه ؟
الجواب :
الجواب لا أعرف معناه وإن صح فلعله نور روحه الشريف عليه الصلاة والسلام والله أعلم .

تسمية الكبيرة شركاً مجازاً

السؤال :
يوجد في " الذهب الخالص " ما نصه : الثالث عشر تجب معرفة الحريم سلب الموحد إلخ إلي أن قال ومعرفة ذلك توحيد وجهله شرك وأمثالها كثير ما يوجد في كتاب الذهب، وقال في موضع آخر ما نصه : وقد صح أن من أخر الولاية أو البراءة بعد وجوبهما فقد نافق فإنهما طاعتان واجبتان إلا إن كانتا من المنصوص عليه فهما توحيد يشرك قاركهما إذا وجبتا اهـ ما معنى هذا الإشراك فإن قلت لكونه صادم النص فمفهوم إن كان المنصوص عليه سقط الذي يطلق عليه إن طاعته توحيد وإن كان قولهم توحيد يطلق على غير المنصوص بقي الإشكال، وقوله في المسألة الأولى معرفة ذلك توحيد وجهله شرك وأمثالها ما حكم هذا الجاهل تجرى عليه أحكام المشرك كما نص عليه صاحب النونية أم ارتكب خصلة شرك ولا تجب عليه أحكام المشرك في مواضع كثيرة ؟ وما معنى التوحيد هنا ؟
الجواب :
إذا عرفت اصطلاح المغاربة رحمهم الله في باب التوحيد سهل عليك هذا الأمر وانزاح عنك هذا الإشكال وذلك أنهم يسمون الكبيرة من كبائر العقائد المعلومة بالنص القاطع شركا جزئيا ونحن نسميه نفاقا، والخلاف في اللفظ دون المعنى فإنهم لا يحكمون على صاحب ذلك الحال بأحكام المشركين بل يحكمون له وعليه بأحكام المنافقين كما نفعل نحن في الحكم عليهم فتسميتهم ذلك شركا، كتسمية الرياء شركا ولا محظور في التسمية وإنما المحظور في ترتيب الأحكام على الأسماء كما صنعت الأزارقة والصفرية في أحكامهم على أهل القبلة بأحكام المشركين .
وكذلك اصطلحوا على تسمية الخصال الواجب اعتقادها بالنص توحيدا، فالتوحيد في اصطلاحهم العام اسم لمجموع الخصال الثابت اعتقادها نصا والايمان أعم منه فهو عندهم اسم لجميع خصال الطاعة كما هو في حديث شعب الايمان وفيه : أدناه إماطة الأذى من الطريق .
وقد تسمى الخصلة الواحدة توحيداً أو إيمانا تسمية للجزء باسم الكل مجازا عرفيا وبهذا ينحل إن شاء الله إشكالك ويتم جوابه والعلم عند الله .

تسمية المخطئ أو الجاهل مشركا مجازاً

السؤال :
يوجد في كتاب القواعد : وإنّ جاهل موت سيدنا محمد والشاك فيه مشرك أي مرتكب كل منهما الخصلة من خصال الشرك لأنه جاحد أو مساو وتجرى عليه أحكام الشرك أهـ ومثل الخطأ في صفة الملائكة وجهل الملل الست وأحكامهن على قول، ما الفرق بين هذا ومن جهل الجنة والنار مثلا أو شك فيهما ؟

الجواب :
لا فرق في ذلك بل جميعه سواء، ولا يلزم المصنف في حكم نوع من الأنواع أن يستقصى جميع أفراد ذلك النوع إذ ليس الغرض عد الأفراد وإنما الغرض بيان حكم النوع فيكفي أن يمثل ببعض أفراده .
وهذا النوع عند المشارقة يعرف بتغير الجملة والحدث فيه دون الحدث فيها فإنهم اختلفوا في الجهل به مع الإقرار بالجملة ولم يختلفوا في الجهل بشيء من الجملة بل اتفقوا على شرك الجاهل بها بعد الخطور بالبال ولم يوسعوا له في السؤال وأما تفسيرها فقيل نقيس له حتى يسأل وليس المختلف فيه كالمجمع عليه والله أعلم .

معنى الاستغفار للملائكة

السؤال :
يوجد في كتاب القواعد أيضا : ويتولى الملائكة ويخص جبريل ويتولاه بالترحم والاستغفار أهـ وفي غيره لا يستغفر للملائكة لأن لا ذنب لهم .
الجواب :
لا دليل يمنع الاستغفار للملائكة، ولا يلزم من ثبوت العصمة لهم منع الاستغفار فإن محمدا " والأنبياء ومن قبله عليه السلام معصومون قطعا ومع ذلك فقد قال عز من قائل { واستغفر لذنبك وللمؤمنين }(1) وقال تعالى { فسبح بحمد ربك واستغفره }(2) ولا يلزم من الاستغفار ثبوت الذنب إذ قد يكون عن تقصير في الخدمة وقد يكون عن ظنه التقصير وإن لم يقصر وقد يكون الشيء الواحد تقصيراً في حق الخواص دون العوام كما جاء في كلام بعض السلف وليس بحديث - كما زعم بعضهم - قال : سيئات المقربين حسنات الأبرار والله أعلم .

معنى الثلاثة المنحصر علم حدهم فيه تعالى

السؤال :
في القواعد أيضا : قيل ثلاثة لا يعرف حدهم إلا الله الأول في البلوغ، والحقيقة في المكيال، والميزان .
الجواب :
معنى ذلك أن الحد الكائن بين الصبا والبلوغ شيء خفى لا يمكنه الاطلاع عليه لخفائه وذلك لأنه انقلاب حال إلى حال وهذا الانقلاب يكون في زمان يسير يخفى على الخلق فإذا انقلب ظهرت العلامات الدالة على البلوغ وبهذه العلامات يتعلق علم البشر وهى شيء بعد الانقلاب فهى مقارنة لحال البالغ مفارقة لحال الصبا والحد بين الحالين من الغيب الذي لا مطمع لنا في الاطلاع عليه .
وكذلك القول في حقيقة المكيال والميزان فإن حقيقتهما في نفس الأمر مما لا يمكن الوقوف عليه إلا من الشارع وقد انسد باب الوحى فلهذا ترى كثرة الاختلاف في تقدير المكيال والميزان على اختلاف النواحى والبلدان، فيجب على كل أهل بلد الوفاء بالمقدار الذي عرفوه بينهم في الكيل والوزن وذلك هو الوفاء في حقهم والنقصان عن المعروف عندهم حال العطاء والزيادة عليه حال الأخذ وهو التطفيف الذي جاء في قوله تعالى { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون }(1) ومن فعل ذلك بخس الناس أشياءهم وعثا في الأرض الفساد، وصارت له أسوة بقوم شعيب عليه السلام واستحق بذلك الوعيد الذي جاء به الكتاب العزيز و{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }(2) { وعلى الله قصد السبيل }(3) والله أعلم .

الولاية بحكم الظاهر

السؤال :
هل الولاية بالظاهر من الواجب الذي يلزم نافيه التكفير والتفسيق أم لا ؟
الجواب :
الولاية بحكم الظاهر واجبة باجماع أصحابنا، ووافقنا على ذلك الشيعة وسائر فرق الخوارج، فلا يجوز تركها عند حصول شرائطها . ولا يسع الوقوف عن أحد من المؤمنين مع تحقق إيمانه فهو من فرائض الله على عباده { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }(1) فمن قال إنها غير واجبة فقد انخلع من الدين والعياذ بالله، نسأل الله تعالى أن يجعل لنا منها النصيب الوافر والحظ الكامل والله أعلم .

حكم الجهل بالجنة والنار ونحوهما

السؤال :
ما رفعه صاحب الدليل عن الإمامين الجليلين عمروس بن فتح وعزان بن الصقر . أما مقالة عمروس بما نصه عما رفعه صاحب الدليل عنه : " ووَسِع جهلُ الجنة والنار والثواب والعقاب والبعث والحساب والملائكة والكتب والرسل في أمثالها " اهـ ومذهب عزان بما نصه عما رفعه : " من شك في التوراه والانجيل والزبور والجنة والنار فإنه يسع جهله ما لم يذكّر، فإذا ذكّر لم يسع جهله، فإن شك في الثواب والعقاب فواسع ما لم يذكّر، فإذا ذكر معه أو قامت عليه الحجة لم يسع جهلهما " تركت كلاما للاقتصار وبالجملة فمذهبهما التوسعة ما لم تقم الحجة على ما قال صاحب الدليل، فإن كان مرادهما بهذا الجهل البسطى الذي لم يتصور له شيء قط، وبقيام الحجة فهمه بوجه ما، فلا إشكال، وإن كان ليس مراده الجهل هذا فهنا محل الاشكال . وأظن مرادهم غير البسطى على ما تبادر في فهمي، لأن ذلك معلوم لهم وغيرهم من الأئمة، وهذا عزاه مذهبا لهم صاحب الدليل . فالمراد أن توضحوا لى بهذه المسألة وصحيح اعتقادكم فيها وفي غيرها وأجركم على الله .
الجواب :
إن ما ذكره الإمامان عمروس وعزان رحمة الله عليهما من التوسعة فمرادهما به ما لم تقم الحجة كما صرح بذلك صاحب الدليل رحمة الله عليه، وكما بينه الشيخ عزان في قوله : " ما لم يذكّر معه " وقوله : " فإذا ذكر " فهذا يدل على أن مراده أن الجهل واسع ما لم تقم عليه الحجة وأن قيام الحجة في ذلك بالسماع .
وحاصل المقام أنهم اختلفوا في تفسير الجملة الاعتقادي من البعث والحساب والجنة والنار وغيرها .
فمنهم من أوجب معرفة ذلك مع الجملة ولم يوسع في جهل شيء منها وهو قول أكثر المغاربة ولهذا عد صاحب الدليل القول بخلافه توسعة
ومنهم من قال أنه يسع جهل ذلك ما لم يذكر معه وهو قول أكثر المشارقة والإمام عبد الرحمن بن رستم وعمروس بن فتح وأبى خزر من المغاربة رضي الله عن الجميع ورحمنا ببركتهم آمين راجع المشارق في باب الجنة تجد الشفاء إن شاء الله والسلام عليك .

التوفيق بين ما يوهم التعارض من آيات القدر

السؤال :
قوله تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }(1) وقال أيضا في موضع آخر { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }(2) فهذا المعنى الأول بمعنى التقييد والثاني بمعنى الإطلاق والإباحة أم كيف ؟
الجواب :
لا إباحة في الآية الثانية وإنما تهديد وتخويف، والمعنى : قد بين لكم الهدى من الضلال وعلمتم عاقبة الحالين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا الآية .
وأما قوله { وما كان لمؤمن } الآية فمعناها فيما قضى الله ورسوله من الأمر فإنه ليس لمن اتصف بالإيمان أن يخالف أمر الله ولا أمر رسوله بل الواجب الانقياد والإذعان فهو في معنى قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول }(3) والله أعلم .



المفاضلة بين الولاية والبراءة والتوقف في على وأهل النهروان

السؤال :
علي بن أبي طالب وأهل النهروان هل يجوز فيهم ما يجوز في الوليين المقتتلين والمتلاعنين من الوجوه الثلاثة الولاية والبراءة والوقوف لمن جهل الحكم فيما جرى بينهما، كما يجوز في الصلت بن مالك وراشد بن النظر ومن معه، أو ليس الأمران سواء أم لا يجوز إلا تصويبه المحق منهم وهم أهل النهروان ؟ فإن قلت بذلك فمن أين تتبين معرفة المحق منهما لأمثالنا وبيننا وبينهم ثلاثة عشر قرنا ؟ فإن قلت بالشهرة والمتابعة للعلماء ألهم أم لا وهل يجوز التقليد المتقدمين قلنا وهل هذا الأتباع الذي نحن نتبعهم فيه ونحسن الظن بهم فيه يكون من باب التقليد لهم أم لا ؟ وهل يجوز التقليد في ذلك ؟ بين لنا وجه الحق في ذلك ولك الأجر .
الجواب :
ليس المسألتان من باب، أما مسألة الوليين المقتتلين فإنما هى حيث لم يدر المحق منهما من المبطل وأصلها مسألة عبد العزيز وعبد الجبار كانا وليين قاما بالعدل في نواحى طرابلس، قيل كانا محتسبين وقيل كان أحدهما إماما والآخر وزيرا فوجدا قتيلين سيف كل واحد منهما في جثة الآخر ولم يُدر السبب في ذلك، فانتشر البحث عن قضيتهما في المغرب فاختلفوا في إبقائهما على الولاية التى كانا عليها، ثم وصلت المسألة المشرق فاختلفوا فيها أيضا كاختلاف المغاربة . وابقاؤهما على الولاية هو الصحيح لاحتمال أن يكونا قد التقيا فلم يعرف أحدهما الآخر، ويحتمل أن العدو فعل بهما ذلك مكيدة للمسلمين طمعا في الفرقة والاختلاف، وقيل بالوقوف للإشكال، وقيل بالبراءة وهو ضعيف جدا .
وأما مسألة موسى وراشد فإنها كانت مسألة دعاوى وذلك أن كل فرقة تدعى وصفا في خروجهما على الصلت، ولو صحت تلك الدعوى لكانت مصيبة ولم تقم بينة على بطلان دعوى فرقة منها، فالمتبرئون يدعون البغى في الخروج، والمتولون يدعون الاحتساب، والواقفون أشكل عليهم الأمر لتعارض الدعاوى .
وأما مسألة علي وأهل النهروان فإن الحكم فيها واضح وذلك أن عليا قلد أمر الإمامة الحكمين على عهود ومواثيق يحكمان فيها كيف شاءا عليا أو معاوية أو غيرهما فأمر ذلك إليهما فعاتبه المسلمون على ذلك وبينوا له خطأه في القضية فلم يعتبهم وناظروه فغلبوه، وأرسل إليهم ابن عباس فخصموه أي غلبوه في الخصومة وأظهر لهم التوبة ودخلوا معه الكوفة، ثم كتب معاوية إلى أمراء العراق أنه لا يضركم أي رجل من قريش ملك وإنى أعطيكم وأعطيكم فنهضوا عليه نهضة رجل واحد حتى أزلوه عن بصيرته وأضلوه عن طريقته، وخطب على المنبر بين مجامع الناس أن التحكيم صواب وهدد من يخالفه في ذلك بالقتل فخرج عنه المسلمون بعد الإياس منه وقدموا عليهم إماما عبد الله بن وهب الراسبى وخرجوا إلى النهروان، ولما اتفق الحكمان على خلع علي واختلفا في معاوية وتبرأ بعضهما من بعض تبرأ منهما علي وكتب بذلك إلى المسلمين وطلب منهم الرجوع إليه فكتبوا له بأنهم قد قدموا عليهم إماما فإن شاء أن يكون معهم فله ما لهم وعليه ما عليهم فأنف من ذلك تمسكا بإمامته التى طوقها الحكمين واتفقا على نزعها منه وسار إليهما بالجموع التى أعدها لقتال أهل الشام فكانت وقعة النهروان .
والقضية في ذلك مشهورة عند الموافقين والمخالفين لكن المخالفين يكثرون الاعتذار لعلي مع اعترافهم بالواقع، فإمامة عبد الله بن وهب إنما كانت بعد خلع على نفسه من الإمامة وتطويقها الحكمين وبعد الإياس من رجوعه ظنا منه أن الحكمين لا يختاران غيره، فلما حكما بخلعه قدموا عليهم عبد الله بن وهب ولم يدر أن هناك عمروا صاحب المكائد العظمى فلو كان التحكيم جائزا لما جاز أن يحكّم عمرو وهو يقاتل المسلمين ويستحل دماءهم فكيف لا يستحل مخادعتهم على أنه قد باع دينه بمصر وهى يومئذ في يد عليّ وقال لمعاوية والله لا أعطيك شيئا من ديني حتى تعطيني شيئا من دنياك فجعل له مصر مأكلة، فأهل النهروان هم المحقون ومن قاتلهم هم المبطلون فمن أدرك علم ذلك وجب عليه ولايتهم بلا خلاف بين المسلمين، وكذلك أيضا تلزمه البراءة ممن قاتلهم، ومن لم يبلغ علمه إلى ذلك فيكفيه أن يتولى المطيعين في الجملة ويبرأ من المبطلين في الجملة { تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون }(1) وليس من ديننا السب ولا من مذهبنا الطعن وقد نشأنا بين الخاصة والعامة فما رأينا من يطعن في من مضى أو يسب أو يلعن فالناس في سلامة من ذلك إلا من انتهى إليه علم القضية بطريق الشهرة فإن كان يعتقد ولاية أهل النهروان والبراءة ممن قاتلهم أداء للواجب من دين الله تعالى من غير سب ولا فحش ولا تقبيح إلا ما وقع لابن النظر في لاميته وكان قصده عفا الله عنه إظهار الحق فحمله الغضب في الله على تأثير اللعن والشتم في منظومته وكان اللائق بالمذهب تبيين المحق من المبطل فقط وقد أفرط في قوله " ذاك على في القرار الأسفل ألخ " فإنه وإن أراد به الدعاء والحكم بمقتضى الظاهر فعبارته قد خرجت عن مراده وأوهمت الحكم بالغيب والله أعلم وبه التوفيق والهداية .

حجة القول بتكفير أهل الكبائر

السؤال :
الحجة للقول بتكفير أهل الكبائر ومن خالف هذا المذهب من سائر الملل مع أن النبي " قال : " فرق ما بين العبد والكفر ترك الصلاة "، فإن قلتم منزلة النقاق بين منزلة الإيمان والشرك، قلنا أن هذا القول مردود عليه عند من يقول بعدم المنزلة وأن لا منزلة بين الإيمان والشرك إذ الناس مؤمن ومشرك فقط، وقد قال صاحب كتاب التعريفات في تعريف الإيمان هو في اللغة التصديق بالقلب وفي الشرع الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، قيل من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق، ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر انتهى لفظه . وهو صريح على أن المؤمن لا يسمى كافرا وإن احتججتم بالأحاديث الواردة كحديث " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن " وأمثاله فكذلك محمول على انحطاط درجة الفاعل وسمى حينئذ عاصيا وفاسقا، وقول أصحابنا كافر كفر نعمة فيه ما فيه وبالجملة هذه التسمية بشعة وهى أكبر مما عيب بها على أصحابنا تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
دعني من كلام صاحب التعريفات فإنه أشعري المذهب، والأشعرية يخصون اسم الكافر بالمشرك ويجعلونه مقابلا للمؤمن فما عدا الكافر عندهم مؤمن، وحملوا على ذلك أحاديث الوعد للمؤمنين فجعلوها شاملة لأهل العصيان فوقعوا في الإرجاء، أجازوا تأخير العذاب عمن مات مصرا على فسقه وهو مذهب باطل عاطل، فالحق ما عليه الأصحاب أن اسم الكافر شامل للمشرك والفاسق من المسلمين، والمشرك كافر كفر شرك والفاسق من أهل التوحيد كافر كفر نعمة .
وقد جاء الكتاب والسنة بإطلاق الكفر على أهل الكبائر من أهل التوحيد من ذلك قوله تعالى { أكفرتم بعد إيمانكم }(1) فإن الكفر بعد الإيمان هو ارتكاب الكبائر، وقوله تعالى { ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين }(2) فإنه أطلق اسم الكفر على تارك الحج، وقوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }(1) فإنه أطلق اسم الكفر في هذه الآية على تارك الحكم بما أنزل الله .
وأما السنة فمنها حديث ابن عباس عن النبي عليه السلام قال " لا إيمان لمن لا صلاة له " رواه الربيع في مسنده متصلا بسنده العالى ومن انتفى عنه الإيمان دخل في الكفر، ومنها قوله " " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " رواه الجماعة إلا البخارى والنسائى عن جابر بن عبد الله، وروى الربيع بسنده عن ابن عباس يرفعه " ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة " ومنها ما رواه البخارى ومسلم وأحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله " سباب المسلم فوق وقتاله كفر، ومنها ما رواه أيضا البخارى ومسلم وأحمد عن أبي ذر أنه سمع رسول الله " يقول " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار، وروى الربيع عن ابن مسعود يرفعه : المدعى ما ليس له والمنكر لما عليه كافران، وروى مسلم وأحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله " : اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت، ومنها ما ثبت في الصحيح عنه " : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "، وحديث " أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم "، وحديث " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب وهو عند الربيع أيضا، وحديث " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها " ومعناه أيضا عند الربيع، فكل هذه الأحاديث في الصحيح . وقد ورد من هذا الجنس أشياء كثيرة لا يمكن الخصم دفعها ولا حملها على غير كفر النعمة .
وإذا ثبت إطلاق اسم الكفر على فاعل الكبيرة من الكتاب والسنة ظهر لك صواب ما عليه الأصحاب من جعل الكفر شاملا للشرك وفعل الكبيرة فهو مقابل عندهم للإيمان، فلا منزلة بين الإيمان والكفر فمن خرج عن الإيمان دخل في الكفر وبالعكس، ويجب إثبات المنزلة بين الشرك وبين الإيمان وهى منزلة النفاق المعروفة عند المعتزلة وعامة الناس بالفسق، إذ ليس كل فاسق مشركا ولا كل كافر مشركا وكل مشرك كافر، فافهم الفرق واتبع الحق . والله أعلم .

تولي الأئمة المنصوبين بعمان

السؤال :
عن الأئمة المنصوبين بعمان من لدن الجلندى بن مسعود والإمام الوارث بن كعب وغسان بن عبد الله وعبد الملك والمهنا والصلت وهلم جرا إلى الإمام عزان بن قيس البوسعيدى وهل كان راشد بن النظر إماما صحيح الإمامة تفضل بين لنا طرفا من ذلك لنكون على بصيرة من أمورهم خوف الهلكة .
الجواب :
أجمع المسلمون على صحة إمامة الجلندي والوارث وغسان وعبد الملك والمهنا والصلت وسعيد بن عبد الله وراشد بن الوليد والخليل بن شاذان وعمر بن الخطاب وناصر بن مرشد وخليفته سلطان بن سيف وابنه يلعرب بن سلطان وعزان بن قيس .
واختلفوا في إمامة راشد بن النظر وعزان بن تميم وكثير من الأئمة الذين كانوا في أيام الاختلاف الذي بليت به عمان في الزمان الأول، وكذلك إمامة سيف بن سلطان قيد الأرض لأن مبدأ امره بغى على أخيه بلعرب بن سلطان فلما استوت له الأمور استقام كما ينبغى وناصره المسلمون بعد ذلك ووازروه لأهليته للأمر وقيامه بحق الأمة وسموه إماما ولعلهم توبوه عما صدر منه في أول أمره .
وعند أكثر المسلمين صحة إمامة عزان بن تميم وفساد إمامة راشد بن النظر وأمر الأئمة يحتاج إلى بسط كبير ويكفيك أن تتولى جملتهم والله أعلم .
عصمته عليه السلام قبل النبوة

السؤال :
الحديث الموجود عن النبى " في بنيان الكعبة الشريفة قال له العباس اجعل إزارك على عاتقك فامتثل " ما أمره العباس حتى نودى، ما معناه ؟ وهل هو صحيح ؟ وكيف يليق به " مثل هذا ؟ أزح عنا غيمة ونحن نعتقد ما يليق به .
الجواب :
بنيان قريش للكعبة كان قبل النبوة وكانت الجاهلية تستحسن أشياء قبحها الشرع فأفصح الخبر بذلك والله أعلم بصحته فهو من الأمور السمعية التى لا تقوم حجتها من العقول ولم يبلغه " في ذلك سمع فهو على البراءة الأصلية فلا كلفة عليه فيه ولا يصح أن ينسب إلى المعصية حيث لا تكليف عليه ولعناية الله به ولطفه قيض له من يسدده ويرشده فنهاه عن ذلك لطفا إلهيا ومدداً سماويا والله أعلم .

الاستتابة للولي قبل البراءة . ومعنى الولاية والبراءة

السؤال :
فيما ورد في بعض الآثار أن الولى إذا ارتكب الكبيرة لا يعجل عليه بالبراءة حتى يستتاب إلا في الزنى، وإن كان غير متولى فلا تجب له استتابة، ما وجه الفرق بين الزنا وغيره في ذلك ؟ وما الفرق بين الولى وغيره ؟ وهل يسع جهل الولاية والبراءة أم لا ؟ فضلا منك بالجواب .

الجواب :
أما الزنى فلأنه من أكبر الكبائر، ويجب على هذا القائل أن يقول بذلك في الموبقات من الدماء والفروج وعقوق الوالدين لأن الكل من أكبر الكبائر ولعله ذكر الزنى تمثيلا لما شابهه .
وأما الولى فله حق بخلاف من لا ولاية له ومن حقه النصح والاستتابة وغير ذلك، وأيضا فهو قد بُلي بولايته وليس له أن يتركها مع احتمال بقائها والاستتابة تبين ذلك .
ولا يسع جهل معاني الولاية والبراءة ويسع جهل أسمائها . ومعناهما الذي لا يسع جهله مركوز في ذهن كل عاقل فكل مؤمن يحب الإيمان وأهله ويبغض الكفر وأهله أمر ضروري لا يستطاع دفعه، فأمر الولاية والبراءة غير مجتلب .
فقول بعض العوام لا أقدر أن أتولى أو أتبرأ جهل بمعاني الولاية والبراءة وجوابه : إن كنت مؤمنا فقل توليت وتبرأت بل وغير المؤمن أيضا كذلك يتولى أوليائه من أهل طريقته ويناصرهم ويعاونهم ويحب لهم الخير { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض }(1)، { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا }(2) وتطويل الكلام في أحكام القضايا الواقعة بين الأوائل هو الذي أغلق على الناس الباب عن إدراك حقيقة ذلك والله أعلم .

الخلاف في حكم أهل الفترة

السؤال :
هل لأهل الخلاف دليل على دعواهم إعذار أهل الفترة أم هو من جملة تقولهم على الله بما لم يعلموا ؟ وهل كلهم مطبقون على ذلك أم بعض منهم دون بعض ؟ فضلا منك بالجواب .
الجواب :
أهل الخلاف فرق كثيرة، والمخالف في المسألة الأشاعرة فقط ولعلهم أيضا لم يتفقوا كلهم على ذلك بل أكثرهم عليه، ولا دليل لهم على ذلك إلا أنهم تمسكوا بقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }(1) مع قوله عز من قائل { لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون }(2) قالوا والغافل غير مكلف .
وقد جاءت أخبار يعترفون بصحتها مصرحة بتعذيب أشخاص ماتوا في زمان الفترة فقصروها على أولئك الأشخاص وعذروا من بعدهم فيقال لهم إن كان العذر واقعا لغيرهم لأجل الفترة فالمنصوص على تعذيبهم ماتوا فيها والحكمة إلهية تقتضى عدم الفرق مع اتحاد المعنى . أما قوله تعالى
{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فمسوق في معرض هلاك الدنيا أي لا يهلك الله قوما بالخسف والصيحة أو الإغراق أو نحو ذلك من آثار الغضب إلا بعد أن يبعث إليهم رسولا يخوفهم عقوبة ذلك، كما أرسل نوحا إلى قومه وكذلك هود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام .

وإن قلنا أن الآية عامة في عذاب الدنيا والآخرة فإن الله سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وقامت على الناس بهم الحجة ودعوتهم واحدة في تحريم الشرك ووجوب الإيمان والعقول شاهدة بذلك فالعذاب إنما كان بعد بعث الرسل .
وأما قوله تعالى { ما أنذر آباؤهم } فمعناه أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل إلى العرب في خاصة أنفسهم نذيرا قبل محمد " .
والمراد بالعرب آباء المنذرين من قريش ونحوهم فإنهم لم يأتهم نذير ( رسول ) يخصهم وإن كانت دعوة الرسل عامة والحجة بذلك قائمة .
وقوله { فهم غافلون } ذم على حد قوله عز وجل { وهم في غفلة معرضون }(1) .
وليس المراد بالغفلة ما يظنه قومنا من الذهول المقتضى لعدم قيام الحجة ولو كان المراد ذلك ماذمهم به فكيف وقد عقبه بقوله
{ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون }
(1) وكيف تكون الغفلة والرسول يدعوهم إلى الاسلام ويتلو بينهم القرآن ويظهر لهم المعجزات والله أعلم .

سبب القول بقدم القرآن

السؤال :
هل يكفر من قال بقدم القرآن وتجب البراءة منه أم لا ؟ ومن أين مثار الخلاف في ذلك ؟ تفضل بالجواب .
الجواب :
مثار الخلاف في ذلك الغلط في معنى كلام الله عز وجل، وشرح المسألة يطول ولا حاجة إلى فتح الباب في هذا الجواب، غير أني أقول : إن القائلين بقدمه من أشياخنا ما قصدوا إلا معنى صحيحا وذلك أنه نشأ قوم في الزمان الأول يُقال لهم ( الجهمية ) زعموا أن صفات الله محدثة فلما ظهرت مسألة القرآن حسبوها من مقالاتهم وظنوا أن المراد حدوث شيء من صفات الله فسارعوا إلى ردها فذلك مرادهم .
وقد أشار إلى هذا المعنى أبو سعيد في مسألة بسط فيها قال رضي الله عنه ما معناه : إن أرادوا حدوث علم الله تعالى فهذا كفر، وإن أرادوا خلق الحروف الملفوظة والمعانى الملحوظة فإنها حادثة، فمن قال أنها غير مخلوقة متأولا فهو فاسق منافق بتأويله، ومن قال ذلك مواجهة بغير تأويل فهو كافر مشرك . ذكرت المعنى دون لفظه والمسألة في الأول من بيان الشرع وهو حكم منصف من ماهر متيقن يعترف الكل بفضله، فدعني وقصده :
............................................


ومن قصد البحر استقل السوافيا


والله أعلم .

أثر العلم بالاستغفار من الشخص على ولايته

السؤال :
فيمن علم من شخص لم تثبت عنده له ولاية موجب البراءه ثم سمعه يتلفظ بالاستغفار من غير تعيين ذنب هل يسع هذا الاستمرار على البراءة منه على هذا أم لا وإن استثمر على البراءة منه أخذا بظاهر قوله عليه السلام :
" أحدث لكل ذنب توبه " الحديث فحمل الأمر بالوجوب أواسع ذلك له أم
لا ؟ وهل الأمر هنا للوجوب أم للندب ؟ تفضل عليّ بالكشف وإن تردد في التوبة منه هل تاب أم لا وكان ذلك مثلا بعد موت المرتكب هل يسع هذا مع الشك في توبته الوقوف عنه حتى يعلم يقينا أنه لم يثبت فيما عنده أم يلزمه الاستمرار على براءته حتى يستيقن بثبوت توبته ؟ أرأيت لو سبقت لهذا المرتكب عنده ولاية كيف الحكم فيه مع هذا كله أم هما سواء أم لا ؟

الجواب :
كثر من الناس الاستغفار باللسان دون القلب حتى صار ذلك عادة في غالبهم وأورثنا شبهة في المستغفر هل كان صادقا في ذلك أم لا، ولا يعرف الصادق من غيره إلا بالوحي الإلهي لأنه من الأمور الباطنة لكن يستدل عليه بقرائن الأحوال، ولولا الشبهة الناشئة عن استغفارهم الحادث لكان الواجب الأخذ بالظاهر ولله ما خفى، ولما حصلت الشبهة اعتبرنا الأحوال واحتجنا إلى القرائن فإن دل الحال على أن هذا المستغفر من جملة التائبين عن ذلك الذنب قبلنا منه توبته ورددناه إلى منزلته، وإن استراب القلب ونفرت النفس فهو باق على حال البراءة إلا إذا صرح بالتوبة عن ذلك الذنب بعينه فهنالك يجب قبول توبته وأمره إلى ربه . والاستمرار على البراءة منه مقتضى مذهب المغاربة أما المشارقة فإنهم يرخصون في الوقوف عن مثل هذا عند الإشكال تقدمت له ولاية أم لا . أما الحديث فالأمر فيه للوجوب والمخاطب الجاني، والتوبة المجملة كافية عند كل ذنب إذا كان الحامل عليها ذكر ذلك الذنب فإن يصدق عليه أنه أحدث لذلك الذنب توبة لأن التوبة المجملة تأتي على ذلك الذنب وغيره إلا المستحل فإنه لا بد أن تفصل التوبة مما استحل بعينه .


القول بأن الصراط على شفير جهنم

السؤال :
هل يكفر عندنا من اعتقد أن الصراط متن على شفيرجهنم أعاذنا الله منها كما يعتقد قومنا أم لا ؟ وهل هذه من مسائل الدين التي لا يسع جهلها ؟ وما دليل من كفّر معتقد ذلك من أصحابنا ؟ فضلا منك بالجواب لأني أجد القطب أبقاه الله يقول بعدم تكفير معتقد ذلك .
الجواب :
الاعتقاد للشيء فرع القطع به بالشيء إلا مع الدليل القاطع وأنت خبير أن وصف الصراط لم يثبت عند قومنا إلا بأخبار الآحاد وهي ظنية لا يبنى عليها الاعتقاد . على أن الأمة قد اختلفت في صحتها وصار الاعتقاد بذلك شعار المخالفين . فمن قال بالبراءة ممن اعتقد ذلك فقد أراد البراءة من المخالفين لأن هذا شعارهم، وأما المسألة فليست من مسائل الدين التى لا يسع جهلها بل جهلها واسع . فإن صدق بها مصدق على جهة تصديق أخبار الآحاد فلا يُبرأ منه إذا لم يخطّئ المسلمين. [ واشترط ] بعضهم أن تصديقه بذلك لم يبلغ درجة الاعتقاد، وذلك أن الإعتقاد يستلزم تخطئة من خالفه فمن جعلها معتقدا كما هي عند قومنا فقد أخطأ السبيل في نفس الجعل وهو الوجه في القول بالبراءة منه والله أعلم .

ثواب المقيم على ذنب عما عمله من صالحات

السؤال :
فيمن فعل محبط الأعمال ثم تاب لله نادما مما فعله هل يرد له عمله ويثاب على ما فعل من البر في حال الإقامة على الذنب بعد التوبة منه أم لا يقبل منه رأسا لقوله تعالى { إنما يتقبل الله من المتقين }(1) أم معناه لا يقبل منه حال الإقامة فقط ويقبل منه حال التقوى ؟ تفضل بالجواب .
الجواب :
في كلا المسألتين خلاف، ومن قال أنه يعطي ثواب عمله قبل معصيته أو حال إصراره إذا تاب منه ذنبه فإنه رأى أن الاحباط متحقق بالموت على الإصرار، وأما الآية فتحتمل للوجهين . والله أعلم .

هل تجدد التوبة من الكفر عند تذكّره

السؤال :
من تاب من الكفر هل يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكره ؟ وهل خطوره بالقلب من غير قصد منه - بل الشيطان يذكره به - مضرة به في دينه؟ وما يلم به القلب من أمور مكفِّرة من غير قصد منه ولم يشرح بها صدرا بل يدفع ذلك عن نفسه ويستعيذ بالله من كل كيد الرجيم اللعين هل يضره في دينه ؟ وهل تجب عليه التوبة من مثل هذا ؟ تفضل بالجواب .
الجواب :
ليس عليه في مثل هذا إلا المدافعة مع الاستعاذة ولا يؤاخذه الله تعالى بما يلم بقلبه من غير قصد فإنه من حديث النفس المعفو عنه بالنص، ولا يلزم تجديد التوبة كلما ذكر الذنب بل يستحب له ذلك فقط، وتجديد التوبة لا يلزم إلا مع حدوث الذنب " أحدث لكل ذنب توبة " ولم يقل : لكل تذكّرٍ توبةً والله وأعلم .

حكم من نفى علم الله

السؤال :
ما ورد في المعلقات الذي رتبه القطب إن مزج لبن بلبن غيره فإن قال الله يعلم لبنى من لبنك فقد كفر وإن قال لا يعلم لبنى من لبنك فقد أشرك ما وجه هذا وإنى لفى عجب من قلة فهمي هذا تفضل بالبيان الشافي ولك الأجر .
الجواب :
أما المعنى الثانى فظاهر فإنه نسب إليه تعالى الجهل حيث نفى عنه العلم الخاص بذلك الشيء وأما المعنى الأول فمبنى على قول عند المغاربة وهو أن علمه تعالى لا يتعلق بالمستحيل وإذا امتزج اللبنان فقد استحال التمييز .
وبالجملة فالمقال بشع والكلام شنيع والواجب الإمساك عن الحكم في ذلك وعن الخوض فيه والرجوع في قوله تعالى وهو بكل شيء عليم وقد ضل كثير بالبحث عما لا يعنى كمسألة صاحب الجزيرة وكالخوض في حكم الأشياء قبل ورود الشرع وكالقول في ثبوت الصفات الزائدة على الذات وأشباه ذلك كثير كان الناس في غنى عن التكلم فيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله أعلم .

حكم المعتقد بالشك لغير الصواب في السمعيات

السؤال :
الإنسان إذا عرضت له مسألة في التوحيد التى تقع بها الحجة من العقل ولا اهتدى فيها على الحق عند العلماء ويقول هو على سبيل الاجتهاد والظن ان هذا يسع أو لا يسع وكان الحق مخالفا فيها لقوله الذي لا يعتقده جزما بل الظن وتحرى وكان على العمد يبلغ به إلى الشرك عند العلماء وهو في عزمه واعتقاده مسلم موحد مقر لله بالعبودية وينفى عنه الأشباه ويعتقد الحق واعتقاده الإيمان قول وعمل ونية وليس عنده خلة عند نفسه أن يطيع الله فيما أمره وينتهى عما نهاه وكانت هذه الخصلة التى ذكرناها لا تحقق فيها ولا اعتقدها ولا تاب منها بعينها بل في الجملة هذا اعتقاده ودينه يقبل الحق ويعمل بما أوجب الله عليه ومات على هذا تراه يموت هالكا مشركا أم يموت مسلما لأنه غير جازم بذلك الذي أخطأ فيه ؟ وتفضل بالجواب .

الجواب :
لو جزم بذلك لهلك قطعا وهو شأن أئمة المخالفين لأهل الحق فإنهم أيضا ينزهون الله في الجملة غير أنهم نقضوها باعتقاد الباطل في تفصيلها وحجة النقل والعقل قائمة عليهم في ذلك والمسلمون إنما عذروا المخطىء في السمعيات إذا لم يهتد فيها إلى الصواب قالوا إن التوبة في جملتها مجزئة دون العقليات غير أنك ذكرت أن الرجل لم يعتقد ذلك جزما فيشبه أن يكون هذا شكا في صواب المسألة وليس الشك في تفصيل الجملة مثل الشك في نفس الجملة فإنهم عذروا الشاك في تفصيلها حتى يسأل ولم يعذروا من شك في الجملة نفسها وبعضهم يشدد في التفصيل أيضا .
وعلى كل حال فليس الرجل بمشرك لأن حالته دون حالة المخالف المعتقد وهو عندهم منافق فقط، وما اختلف فيه المسلمون من الرأى فلا هلاك فيه لأن العامل به يتبع من قال به، والقائل والعامل كلاهما على هدى من الله ولو أراد الله في المسألة وجها واحداً لبينه وهو لا يكلف العباد ما لا يطيقون، فحيث تركهم واجتهادهم علمنا أنه لا هلاك في ذلك والله أعلم .

القول بخلق القرآن

السؤال :
عن النونية الموجودة بكتاب الدعائم لابن النظر، لا نعلم أنها عنه أو عن غيره، رد على من قال أن القرآن مخلوق وإن لم يرجع عن قوله فهو هالك ووجدت عن الشيخ محمد بن محبوب أنه واقف لا يقول أنه مخلوق ولا غير مخلوق إلا أنه تنزيله ووحيه، والأصحاب أهل المغرب يقولون من قال بغير خلق القرآن ليس منا ونحن الآن نقول قولنا فيه قول المسلمين حتى يظهر لنا معنى في ذلك فضلا منك، بين لنا هذا .
الجواب :
ذكر القطب رحمه الله الخلاف في نسبة تلك النونية إلى ابن النظر فقيل أنها عنه وقيل ليست عنه، وهى ناظمة للسيرة المضافة إلى أبى معاوية عزان بن الصقر . وسبب الإغلاظ في ذلك أن قوما من المخالفين وهم الجهمية يقال أنهم زعموا أن صفات الخالق عز وجل محدثة كلها وهو كفر بين فلما ظهرت مسألة خلق القرآن وكان أول ظهورها بالبصرة ثم وصلت إلى عمان في زمان المهنا بن جيفر ظن بعض العلماء أنها نشأت عن مقالة الجهمية وأنها فرع عن أصلهم الفاسد فبادروها بالإنكار وأغلظوا القول في ذلك، وألهم محمد بن محبوب وجه الحق فيها فقال أن القرآن مخلوق وكادت أن تقع فرقة فاصطلحوا على الإمساك عن القول بشيء من ذلك، فما ذكرته في السؤال عن محمد بن محبوب إنما كان بعد الصلح وذلك كله في أيام المهنا .
وأما المغاربة فإنهم حققوا القول في المسألة وأظهروا فيها الصواب الذي لا شبهة معه وقطعوا عذر من خالفهم في ذلك القطع بأن ما سوى الخالق فهو مخلوق .
والمشارقة يقولون بذلك وإنما يخطئون مقالة الجهمية فالاعتقاد واحد والغلط في المروى ظنوا أن القرآن علم الله وهو كذلك لكن بمعنى معلوم الله كالخلق بمعنى المخلوق وظنوا أنه من صفات الذات لأنه كلام الله وهو من صفات الفعل والإضافة للتشريف والاختصاص كروح الله وبيت الله وناقة الله ألهمنا الله وإياكم الصواب ووفقنا للعمل به والله أعلم .

قيام الحجة بخاطر القلب

السؤال :
ما معنى قولك في " المشارق " أن مسألة قيام الحجة بخاطر القلب عند من جعله كذلك وبالمعبر ونحوه أنها من مسائل القدر ؟ فإنى لم أفهم ذلك، وكيف معنى كونها من مسائل القدر ؟ تفضل علي بالكشف .

الجواب :
تعلم أن حجة الله إذا قامت على الإنسان ارتفع العذر ولم يكن له في الجهل حجة، وهو معنى قولهم أن الحجة حجة علمها من علمها أو جهلها من جهلها، فلا يقال كيف يعذب بحجة لا يعلم أنها حجة، لأن ذلك من الخوض في القدر وإذا منح الله الإنسان عقلا صحيحا فقد أهّله لمعرفة خالقه فإذا خطر ذلك بباله ولا بد أن يخطر فقد قامت عليه حجة العقل فلا يقال كيف كان ذلك حجة عليه لأنه ذلك من الخوض في القدر وهو معنى كلام " المشارق " وقد سبقني إلى ذلك الشيخ أبو يعقوب فلست أول قائل به فقلت الفضل للمتقدم والله أعلم .

معنى كون الاصرار على الكبيرة شركا

السؤال :
ما قاله الإمام الكدمى في معتبره أن الإصرار على الكبيرة شرك فما معنى هذا ؟ وهل هذا شرك جحد أو مساواة أم معناه من خصال الشرك ولا يوجب عليه أحكامهم ؟ أم كيف ذلك ؟ ارشدني أرشدك الله .
الجواب :
معنى ذلك - والله أعلم - أن الإصرار على الكبائر من شأن المشركين فهو خصلة من خصال الشرك أما المسلم فإن إسلامه يمنعه من الإصرار على شيء من الكبائر، ونفس الإصرار مع الإقرار ليس بشرك إلا إذا كان على وجه الاستحلال المصادم للنصوص القطعية والله أعلم .

مسألة الوعد والوعيد من الله تعالى

السؤال :
فيمن قال إذا وعد الله بشيء أو أوعد صار بعد الوعد واجباً لأن وعده حق هل يكفر هذا ؟ وهل فرق بينه وبين المعتزلة ؟
الجواب :
القول بوجوب ذلك هو المذهب الحق فكيف يكفر قائله ؟ ومعنى وجوبه ثبوته بحيث لا يمكنه فيه الاختلاف ولا التبديل ؟ وهو خلاف قول المعتزلة في حكمهم على الرب بمراعاة الصلاحية والأصلحية فهم يلزمونه أشياء أوجبتها عليه عقولهم ونحن نقول يستحيل عليه الكذب فما وعد عليه أو أوعد وقع كما قال فهذا معنى وجوب ذلك فأين هذا من ذاك .
والمعتزلة يشاركوننا في هذا المعنى لقطعهم بتعذيب الفاسق إن لم يتب والله أعلم .

الفرق بين الولاية بالظاهر وولاية الدين

السؤال :
ما الفرق بين الولاية بالظاهر وولاية الدين أهى هى أم بينهما فرق ؟ وكذا بينهما وولاية الرأى لأنها عرفت بأن سبق لأحد ولاية ثم يحدث حديثا جهل المتولى حكمه فألزم اعتقاداً لا ولاية ما كان وفي الشريط إن كان على الإسلام أليس المتولى بالظاهر يعتقد كذلك لاجتماع ولاية الجملة وولاية الظاهر واختلافهما وهل تصح الولاية إلا بهذا غير ولاية الحقيقة التى ورد التواتر بنصها . وما الفارق الجلى بينهما ؟ وفي الضعيف إذا رأى رجلا مواظبا لفرائض الإسلام تاركا للمناهى فأراد أن يتولاه فأخذه رجال من المسلمين بأن عالماً معتبراً يعيب عليه أمورا منها افتاؤه للناس للحلال والحرام وهو ليس من العلماء العارفين بالفتوى وصنوفهم واحد لهم ولم يقولوا أنكر عليه مسألة كذا ولا مسألة دينية إلا قولهم هكذا أله أن يتولاه على هذا أم الوقف أسلم له وإن تولاه وتولى المسلمين من العلماء والضعفاء ولم يقف عن أحد برأي ولا بدين من أحد قولهم هكذا أيسعه ذلك ويكون سالما أم لا وهل العالم الواحد المشتهر يكون حجة في مثل هذا وقوله كذلك يصير براءة للمعيب عليه أم لا اكشف لنا ذلك كشف الله عنك الهموم دنيا وأخرى .
الجواب :
ولاية الظاهر وولاية الدين بمعنى واحد، اسمان لمسمى، وأما ولاية الرأي فإنها خاصة بولى أشكل عليك حكم حدثه فإنك تتولاه وتعتقد منه البراءة إن كان حدث يخرجه من الولاية وهذا غير الاعتقاد في الجملة المصاحب لولاية الدين وذلك أن هذا الاعتقاد خاص بمعين وذلك لم يختص بمعين .
وأما الضعيف فليس له أن يتولى ببصر نفسه لعجزه عن معرفته الأحداث وإذا انتهى إلى معرفة ذلك فليس هو من الضعفاء وتكفى الضعيف ولاية الجملة وبراءة الجملة ويتولى من شهر بالفضل والعدل وكذلك يبرأ بالشهرة لأن الشهرة يستوى فيها العالم والضعيف وذلك إذا عرف معنى الشهرة ومن قيل فيه أنه يفتى الناس بغير علم واشتهر ذلك عنه فلا ينزل في الولاية لأن أقل حاله أنه متهم في دينه والولاية اصطفاء وقول العالم في الفتوى مقبول وأما قوله إن فلانا في البرارة أو أنه أحدث حدثا ونحو ذلك من المكفرات فليس بحجة في ذلك وما قوله أن فلانا في الولاية ففيه خلاف والله أعلم .

هل تجوز الكبائر على الأنبياء

السؤال :
هل تجوز على الأنبياء الكبائر قبل النبوة وأولاد يعقوب كلهم أنبياء وابن آدم هل صار نبيا ورسولا .

الجواب :
نعتقد عصمة الأنبياء من حين كانوا أنبياء، والله أعلم بحال ابني آدم وأولاد يعقوب ونشهد لهم بالتوبة التى ذكرها الله تعالى عنهم في كتابه والله أعلم .

الخطأ فيما يترتب عليه الكفر

السؤال :
من قطع كلمة التوحيد عمدا ووصف الله بشيء لا يليق به جهلا منه بذلك وجامع زوجته على ذلك هل يقع عليه تحريم .
الجواب :
لا تحرم زوجته بالشرك خطأ وعليه أن يرجع ويتوب ويوحد الله ويصفه بالكمال والله أعلم .

تأويل معنى الرؤية لله

السؤال :
قول صاحب " المعالم " قال السائل أنه أراه يسلم أن الرؤية هنا بمعنى العلم من غير اعتراض، وأنت تمنعه في " المشارق " إذ قلت لا نسلم أن الرؤية هنا بمعنى العلم لأنه الرؤية لا تستعمل بمعنى العلم إلا لقرينة ولا قرينة هنا أيضا ولا بد من تصور المعلوم في ذهن العالم إلى آخر ما قلت هذا معنى كلامك وكلا كما تكلم على أثر كلام الفخر والغزالى .
الجواب :
إنما سلم ذلك لظنه أن الفخر والغزالى يريدان بالرؤية العلم بأثر صفات الله من كشف أحوال الآخرة، ولم أكتف بذلك منهما خشية أن يكون مرادهما بالعلم انكشاف حقيقة الذات في أذهانهم، وذلك معنى ما يزعمه بعضهم أن الرؤية بالقلب وهذا باطل والأول صحيح لو أراده لكن الظاهر من أحوالهم أن مرادهم الثانى دون الأول والله أعلم .

معنى كون العبد مطبوعا على فعل ما علمه الله

السؤال :
ما وجه ما عليه أصحابنا من أهل الجبل رحمهم الله أن العبد مجبول ومطبوع على فعل ما علم الله فعله منه قبل أن يخلقه، فإذا كان العبد مجبولاً أو مطبوعاً على فعل ما فعل من خير وشر فأين الاختيار هنا من العبد إذا كان مجبولا على ذلك ؟ وبم يفارق هذا القول مذهب الجبرية ؟ تفضل علينا بالايضاح الشافي لا عدمناك .
الجواب :
قولهم مجبول ومطبوع على كذا عبارة عن انقياد العبد إلى ما علم الله منه، فإنّ علم الله فيه لا يتخلف، فهو منقاد إلى ذلك باختياره، وذلك بخلاف الجبر فإن الجبر حمله على خلاف الاختيار وإلزامه خلاف ما يرضى وهذا محال باطل . والله أعلم .

المطلوب تركه فعله حرام

السؤال :
ما معنى قول الشيخ عمر بن رمضان التلاتى في " الحبل المتين من أصول تيغورين " ما نصه : " ومطلوب منه طلبا جازما الكف عن فعل ما في الكف عنه كلفة أي مشقة كالشرب قائما والبول قائما " . كيف يكون هذا تركه واجبا وما تركه واجب فعله حرام بلا خلاف ؟ كيف يحرم ذلك وقد فعله منبع الشرع ومهبط الوحى الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى صلوات الله وسلامه عليه، وإن كان البول لعذر، لكن الشرب لغير عذر ولو كان لعذر لنقل لنا كما نقل لنا العذر في غيره . وأيضا قد فعل ذلك أعنى الشرب قياما الخلفاء الراشدون من بعده والعلماء خلفا وسلفا ما وجه قوله ؟ تفضل علي بالايضاح الشافي .
الجواب :
حاشا منبع الشرع وحاشا ورثة الأنبياء أن يصنعوا ما ذكرت، فلا تسمع كل ما قيل، وقد وصف الله محمد " بأنه على خلق عظيم، أترى البول قائما من هذا الخلق ؟ كلا وحاشا إنما هو من خلق الحمير ! والله المستعان سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
قال السائل :
نعم جواب مسألة البول والشرب ( أي المتقدم ) لم يوفّ بالمقصود فإنك لم تتكلم على الشرب وعلى معنى قوله بالوجوب أترى من فعل ذلك يكفر وتجب منه البراءة ؟ فإني أرجو في ذلك مزيد بيان .
الجواب :
أما البول قائما فقد تقدم أنه ليس من أخلاق الأنبياء وأقل ما يكون حاله أنه خلاف الأدب المشروع، وعبارة الشيخ عمر تقتضي وجوب الترك ولعله لأجل ما يترتب على ذلك من المفاسد كتنجيس الطاهر من الثياب والبدن فإن البائل قائما لا يمكنه غالبا التحرز من نحو ذلك .
وأما الشرب قائما فقد ثبت النهى عنه وثبت أن النبى " شرب قائما من زمزم واختلف الناس في وجه الجمع وذكرت أقواله في شرح المسند فراجعه في القطعة الثانية في آداب الطعام والشراب، وأحسن ما حمل عليه أن فعله " لبيان الجواز، وأن النهي للكراهية .
والمسألة بأسرها مسألة رأي لا تمكن البراءة فيها واختلافهم في الرأي رحمة، وفاعل المكروه لا يبرأ منه حتى يستخف بالنهي والله أعلم .

معنى تقييد العمر أو العمل في علم الله تعالى

السؤال :
ما معنى قولهم وهو مقيد في علم الله تعالى بأن يفعل طاعة كذا الخ فالبحث في هذا من وجهين الأول ما معنى هذا الاطلاق والتقييد ؟ وكيف يصح أن يكون علمه تعالى بالشيء الواحد مطلقا مقيدا مثبتا منفيا ؟ الوجه الثانى هل العلم المقيد بالا يفعل هو العلم السابق بأنه يفعل قطعا أم لا فإن كان هو أليس من التناقض الذي لا يليق بعلمه تعالى والشك الذي هو عدم الجزم بأن يفعل أو لا يفعل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإن كان غيره أليس خلاف قواعد المذهب فعلمه تعالى لا يتعدد بتعدد المعلومات ولا تبدو له البَدَوات وقولهم في "المعتبر" في العمر هو ما تعلق العلم الأزلى بالوصول إليه فأى فائدة وحكم في إثبات عمر غير معتبر ؟ وقدروا أن النطفة إذا وقعت في الرحم أوصى الله إلى ملك الأرحام أن اكتب أجله ورزقه الخ فيلزم على ما قالوا من كتابة الأجل عدم الفائدة لأن ذلك الأجل المكتوب لا يموت له صاحبه فكيف يصح أن يأمر الله بما لا فائده فيه والله تعالى متنزه عن العبث والجهل فعلمه تعالى لا يتخلف . فضلا منك بين معاني هذا لك الأجر إن شاء الله لا عدمناك .
الجواب :
هذه المسألة في غاية من الإشكال، وهى التي أوقعت محبك في مسألة اللوح الممحوة من المشارق لا أبقى الله لها ذكرا وليس إشكالها من قبل تعذر علم الله ولا من قبل الإطلاق والتقييد فإنها لاتستلزم تعدد العلم والإطلاق والتقييد موجود إن قطعا في نصوص الوحى وإنما إشكالها من حيث التبدل { ما يبدل القول لدي }(1) .
لكن بقي هنالك معنى أن تأملته هان الخطب وسهل الأمر وقرب البعيد وذلك أن يكون قد أمر بكتابة ستين سنة عمراً لزيد من غير أن يقال عمره ذلك وفي الخبر أن يقال : اكتب أجله، وهو أمر لا يدل على الواقع في الخارج لأنه إنشاء وإنما يدل على الخارج الخبر لا الإنشاء، وتقييد الأوامر غير مستنكر كما هو شأن كثير من الآيات القرآنية فإذا أمر الملك بكتابة الأجل المعلوم ثم فعل ذلك الإنسان ما يوجب له زيادة العمر فيزيده الله تعالى ما شاء علم الملك أن عمره قد زاد بسبب .
والحكمة في ذلك ابتلاء الملائكة وحاشاهم من الشك وحث المؤمنين على أفعال البر وصلة الرحم، وما وراء ذلك أمر عظيم يجب على أمثالنا الكف عن الخوض فيه، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير هذا ما حضرنى ذكره في الحال فعساه ينفع به الله على كل حال، والعلم عند الله، والسلام من محبك عبد الله السالمي .

صفات الذات مصدرها العقل أو السمع

السؤال :
قد رأيت في أثناء قراءتي في المعالم أن صفات الذات منها ما طريق معرفته العقل، ومنها ما طريق معرفته السمع، فالأول كالعلم والقدرة، والثاني كالسمع والبصر حسب ما فهمت منه ولا أدرى أن الذي ذكرته في المدارج موافق لهذا أم لا ؟
الجواب :
الذي ذكره في المعالم إنما هو أن بعض صفاته تعالى ما يكون العقل دليلاً على ثبوتها كالعلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك، ومنها ما يكون السمع دليلاً على ثبوته له تعالى وذلك كالسمع والبصر والكلام، وليس الأمر ما فهمت فإن المعرفة شيء غير الثبوت والإثبات فلا يشكل عليك وليس هذا مثل ما ذكرته في المدارج ثم اسقطته منها فتفطن له والله
أعلم .


أثر القول بأن المعدوم ليس بشيء على علمه تعالى به

السؤال :
هل يلزم من قال إن المعدوم ليس بشيء القول بأن الله لا يعلم المعدومات أم لا ؟
الجواب :
لا يلزمه ذلك، لأن مراد هذا القائل أن المعدوم ليس بشيء أي ليس بشيء موجود في الخارج ولا في الذهن وهو مع ذلك يسلم أن أشياء وجدت وقد كانت معدومة وأشياء هي الآن معدومة، فلا يلزمه على هذا المعنى القول بأن الله لا يعلم المعدوم وإنما يلزمه ذلك إن لو صرّح بأن المعدوم ليس بشيء موجود ولا سيوجد ولا هو شيء عدمي مما يمكن وجوده .
وهذا الالزام إنما هو على طريقة من ينفى تعلق علمه تعالى بالمستحيل وجوده لا على طريقة من يثبت تعلق علمه تعالى بجميع الأشياء موجودة كانت أو معدومة ممكنة الوجود أو مستحيلة فتفطن له والله
أعلم .


أثر القول بأن المعدومشيء على القول بقدم العالم

السؤال :
هل يلزم من قال إن المعدوم الممكن ثابت وشيء القول بقدم العالم أم لا ؟ إن لم يقيده بأنه ثابت في الذهن كالمعتزلة أو قيّده بذلك كالحكماء .

الجواب :
أما إنه إن أراد هذا القائل إن المعدوم شيء ثابت، إن المعدوم ماهية موجودة فيلزمه القول بقدم العالم سواء قيد وجوده بالذهن أو أطلق وبيان ذلك إنه متى قال للمعدوم ماهية موجوده فقد أثبت أن هذا العالم كله موجود في القدم لأنه كان معدوما وللمعدوم عنده ماهية موجودة وبيان هذا الإلزام في حق من قيد وجود المعدوم بالذهن هو أن المعدوم قد كان قبل الأذهان فيلزمه وجود الإذهان في الأزل ليثبت فيها ماهية المعدوم والكل باطل وأما إن أراد بقوله إن المعدوم شيء أي شيء يصح الإخبار عنه لا أن له ماهية موجوده كما ذهب إليه الأصحاب فلا يلزمه شيء مما ذكر وبهذا التوجيه تعرف خروج أصحابنا رحمهم الله عن الإلزامات التى توجهت على المعتزله والحكماء في قولهم إن المعدوم شيء فإنهم وإن وافقوهم في هذه العبارة وقد خالفوهم في المراد منها فإن مراد الأصحاب منها إنما هو نفس التسمية ليس إلا فتفطن له والله أعلم .

حكم من قال علم الله لا يتعلق بالمعدوم

السؤال :
هل يلزم من قال إن علم الله لا يتعلق بالمعدوم مطلقا القول بأن الله لا يعلم المعدوم ؟ وهل يلزمه الشرك إن قال بذلك ؟

الجواب :
يلزمه ذلك، لأن معني قولهم يتعلق علمه تعالى بكذا أي يعلم كذا، وكذا قولهم لا يتعلق علمه تعالى بكذا أي لا يكون ذلك الشيء معلوماً له تعالى فالقائل بأن علمه تعالى لا يتعلق بالمعدوم مطلقا يلزمه القول بأن الله لا يعلم المعدوم مطلقا لأنهما عبارتان عن معنى واحد، وكذا يلزمه أيضاً الشرك على هذه المقالة فإنه قد وصف الرب تعالى بالجهل ومن وصفه بذلك فهو مشرك ولأنه قد خالف النص القرآني مكابرة هكذا ومن خالف النص القطعى بلا تأويل فهو مشرك وذلك النص مثل قوله تعالى
{ علم أن سيكون منكم مرضى}
(1)، { علم الله أنكم ستذكرونهن}(2) ونحو هاتين الآيتين فإنه تعلى علم ما سيكون بعد ولا شك أن ما سيكون معدوماً في حال الاخبار ولا ينفعه ما تخيله في ذهنه من الخيارات الباطلة حتى يعدّ بذلك متأولاً .
أما ما ذهب إليه أصحابنا من أهل المغرب فهو شيء غير ما هنا وذلك أنهم قالوا إن علمه تعالى يتعلق بالموجود والمعدوم الممكن وجوده ولا يتعلق بالمستحيل وجوده، فهم يعلقون العلم بالمعدوم الممكن وجوده وينفون تعلقه بالمستحيل وجوده، لأن المستحيل وجوده عندهم لا شيء أصلاً فلا يصح أن يكون معلوماً لأن العلم لا يتعلق بلا شيء ومع ذلك فهم يستدلون بأدلة تطلب من مواضعها .
ولا ينافي مذهبهم قوله تعالى { ولو رُدُّوا لعادوا }(1) لأن عودتهم بعد ردهم المعدوم الممكن وجوده وهم يقولون بتعلق علمه تعالى بمثـل
هذا .

والصحيح عندي هو ما ذهب إليه الأصحاب من أهل المشرق من أن علمه تعالى متعلق بكل ممكن ومستحيل والاستدلال مقام يطول ومثلك من يكتفي بالإشارة فتفطن له والله أعلم .

صفة علمه تعالى بالمعدوم

السؤال :
هل يعلم الله المعدوم من حيث هو معدوم أم يعلم عدم المعدوم ليس إلا، فإني قد رأيت في كتاب لبعض الشيعة أنه لا خلاف ولا إشكال في النفي بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم، فكذلك المعدوم لأنه معناه وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود كالوجود الذهني مثلا انتهى وهذا القائل مذهبه أن علم الله تعالى لا يتعلق بالمعدوم .
الجواب :
اعلم أنه تعالي عالم بالمعدوم وعالم بماهية المعدوم من حيث هو معدوم، وعالم بماهية المعدوم من حيث إمكان وجودها وعالم بماهية المعدوم من بعد وجوده كيف يكون وعالم بماهية المعدوم المستحيل وجوده أن لو كان كيف كان يكون، فعلمه تعالى محيط بجميع ذلك قد أحاط بكل شيء علما .
وما رأيته في كتاب بعض الشيعة من دعوى عدم الخلاف في أن النفى بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم فدعوى غير مسموعة نعم إن أراد العلم الحادث فلا يصح أن يكون النفي المحض متعلقاً له أما علمه تعالى فسواء في جانبه النفي والوجود لأنه ليس بشيء زائد على الذات كما تقرر وقد ثبت أن الذات العلية قد انكشف لها الأشياء انكشافاً تامًّا فسواء في حق انكشافها لها الوجود والعدم والثبوت والنفى .
وأما قوله وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود الذهني مثلاً انتهى فجوابه - إن أصحابنا قد ذهبوا إلى تعلق علمه تعالى بالمعدوم لا على تقدير ذلك النوع الوجودى الذي ذكره فلاتتم له دعوى عدم الخلاف هذا مع أن الوجود الذهني لا يكون شرطاً لتعلق العلم القديم وإنما هو شرط لتعلق العلم الحادث فقط فتفطن له فإنه مخلط والله تعالى أعلم .
كيفية تعلق الأمر والنهي بالمعدوم

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 03-23-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



نوع تعلق الأمر والنهي بالمعدوم

السؤال :
هل يصح أن يتعلق الأمر والنهي بالمعدوم تعلقا معنويًّا أي اعتباريًّا لا حقيقيا موجوداً في الخارج أم لا ؟
الجواب :
يصح ذلك عندي، إذ لا بأس بالقول به وإن جعلته الأشاعرة والماتريديه ذريعة إلى إمكان القول بقدم الكلام الفعلى، ووجه جعلهم إياه ذريعة لذلك هو أنه لما قالوا بقدم الكلام الفعلي وكان من أنواعه الأمر والنهي ولم يكن في الأزل مأمور ولا منهي يتعلق به الأمر والنهي قالوا هما متعلقان بالمعدوم الذي سيؤمر وينهى أي هما متعلقان به في المعنى فلا يلزم على هذا من قدم الأمر والنهى قدم المأمور والمنهي ونحن نمنع قدم الأمر والنهي ونقول هما حادثان فيتعلقان بالموجود تعلقا حقيقيا فلم تحتج إلى ما ذكروه من التعلق المعنوي ومن كان من المأمورين لم يوجد حال حدوث الأمر وتوجيهه إلى المخاطبين فلا يكون في ذلك الحال مأموراً ولا منهياً لأنه إنما يتعلق به الأمر والنهي بعد وجوده وبعد بلوغه رتبة المخاطبين وكفى بوجود بعض المكلفين حال حدوث الأمر وتوجيهه إليهم متعلقا ثم نقل ذلك الخطاب بالواسطة التي تبلغه إلى من بعدها فيكون عند بلوغه إلى مخاطبين غير الأولين متعلقا بهم أيضا تعلقا حقيقياً وهكذا والله أعلم .

التكليف بما لا يطاق هل هو قبيح

السؤال :
هل يصح أن يعد ما قالته المعتزلة من أن الله لا يكلف العباد ما لا يطيقونه وليس هو في وسعهم لقبح ذلك في العقل رأيا حسنا فلا يخطئ من قال به لا على سبيل الدينونة أم لا ؟ .
الجواب :
إن ما قالته المعتزلة من التعليل لمنع تكليف الله العباد ما لا يطيقون مبني على قاعدة لهم فاسدة خرجوا بها عن الوفاء بالإسلام وهي تحكيم العقل على الشرع فلا يرد الشرع عندهم بما يخالف العقل أصلاً فجعلوا العقل قاضيا على الشرع يقبلون منه ما وافق حكم العقل ويردون منه ما خالفه .
وقد فرعوا على هذه القاعدة فروعا منها ما ذكرته من قولهم إن الله لا يكلف الناس ما لا يطيقون لقبح ذلك في العقل، والرب تعالى منزه عن القبيح فوجب أن لا يفعل ما هو قبيح، ونحن نقول إنه ليس شيء من أفعاله تعالى قبيحا لأنه لا معارض له في فعله ولا مناد، فجميع أفعاله تصرف في ملكه والمتصرف في ملكه مع عدم المعارض له لا يقال إنه فعل قبيحا لأن القبيح والحسن إنما هما باعتبار مخالفة الأمر والنهى وموافقتهما والرب تعالى لا يَصِحّ أن يكون مأموراً ولا منهيًّا .
وعلى هذا فلا يجوز أن يكون ذلك التعليل اجتهاديّا لما ترى من فساد أصله الذي بني عليه .
نعم لو قال به محق يخالف المعتزلة في اعتقادهم إن الحكم للعقل لا للشرع وأن الشرع مؤكّد لما في العقل ومبين لما خفي عليه فلا يخطئ لذلك التعليل ما لم يعتقده دينا والله أعلم .

التكليف بما لا يطاق هل يجوز

السؤال :
هل يجوز أن يكلف الله العباد ما لا يطيقونه أم لا ؟
الجواب :
إن ما لا يطاق أنواع :
منه يخرج عن طوق البشر لاستحالة وجوده لذاته كالتكليف بجمع الضدين .
ومنه ما يكون ممكنا في ذاته لكن للعبد فيه مشقة عظيمة كإزالة الجبل والصعود إلى السماء . وكلا النوعين يجوز التكليف به في حكمة الله عند الأشاعرة وبعض متأخرى أصحابنا، ومنعته المعتزلة وجمهور أصحابنا لأن التكليف بما لا يطاق عندهم من العبث والرب تعالى يستحيل عليه العبث فلا يجوز في حكمته أن يكلف بما لا يطاق قلنا يجوز ذلك في حكمته لاحتمال أن يكون كلفهم بذلك إختباراً، فيثيب الممتثل على تهيؤه للامتثال ويعاقب من لم يتهيأ منهم لذلك، ولاحتمال أن يخرق لهم العادة في فعل بعض ذلك فلا عبث ولا استحالة .
ومنها ما يكون ممكناً في ذاته وليس في تحصيله مشقة للمكلف لكن علم الله تعالى أنه لا يقع منه فوجوده منه مستحيل لذلك كتكليف من علم الله أنه يموت على الكفر بالإيمان فهذا النوع جائز التكليف به بإجماع الأمة إذ ليس علمه تعالى هو المانع من تحصيل ذلك الفعل من المكلف به لكن علم الله تعالى متعلق بالأشياء كلها فليس علة ما وجد منها علمه بوجوده ولا علة ما لم يوجد منها علمه بعدم وجوده فتفطن لهذا المعنى فإنه دقيق والله أعلم .

هل يتعلق التكليف بكل عاقل

السؤال :
هل يتعلق التكليف بكل عاقل أم لا ؟ فإن قلت : نعم لزم عليه لازمان أحدهما تكليف الصبيّ العاقل وهو خلاف المذهب لحديث " رُفِع القلم عن ثلاثة منهم الصبي " وثانيهما كون العقل حاكما إذ به ثبت التكليف فكأنه هو الذى أثبته وأنتم لا تقولون به وإنما هو مذهب المعتزلة .

الجواب :
كل عاقل مكلف بإجماع الأمة لكن لا يكون العقل عقلا صالحاً لأن يناط التكليف به إلا إذا بلغ حدًّا يعلمه الله تعالى وقد خفى علينا غاية ذلك الحد، فنصب لنا ربنا عز وجل علامة تدل عليه هي البلوغ .
فالصبي وإن كان له من العقل ما يظن معه أنه بلغ الرتبة القصوى من رتبة العقلاء لا يكون عقله صالحا لاناطة التكليف ولم أعلم فيه خلافا إلا لجماعة من الماتريدية قالوا بتكليف الصبي بمعرفة الله إذا عقل ولا يلزم من جعل العقل علة للتكليف كونه حاكماً وإلا للزم أن يكون العقل علة لشيء حاكما به، وهو باطل لأن الحاكم بالشيء هو غير علته . والله أعلم .

معنى العلة، والحاكم

السؤال :
ما معنى العلة وما معنى الحاكم ؟
الجواب :
إن العلة هي ما يوجد بوجوده الموجود وينعدم بانعدامه، كالشمس علة للنهار يوجد بوجودها وينعدم بانعدامها، والحاكم هو فاعل الحكم للشيء أي هو الذي أثبت للأشياء الأحكام وهو الربُّ عز وجل لأنه هو الذي حكم في الأشياء بما أراده منها فلا حكم لسواه خلافا للمعتزلة القائلين بتحكيم العقل حتى غلوا في ذلك وجعلوا العقل حاكما على الله عز وجل حيث أوجبوا عليه مراعاة الصلاحية والأصلحية والله أعلم .
فإن قلت هذه العلة العقلية فما العلة الأصولية ؟ الجواب : إن العلة الأصولية هي وصف ظاهر منضبط مناط للحكم كالاسكار لتحريم الخمر، فالاسكار وصف ظاهر أي تأثيره ظاهر في معلولاته منضبط أي غير مضطرب وقد علق به حكم التحريم فحيثما وجد الإسكار وجد التحريم، وبين العلة العقلية والعلة الأصولية فرق من وجوه تعلم بالاطلاع على الكتب الأصولية والله أعلم .

تغيير النطق للآيات، وما يترتب عليه

السؤال :
الجاهل بقراءة القرآن ان سُمِع منه مدّ فتحة اللام الأولى حتى صارت ألفاً من ( ليعلمن ) من قوله تعالى { فليعلمن الله الذين صدقوا }(1) ومدّ فتحة اللام حتى صارت ألفا من ( لتبعثن ) و( لتنبؤن ) من قوله تعالى { قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما علمتم }(2) أو مدّ فتحة القاف حتى صارت ألفا من قوله عز وجل { وخلق منها زوجها }(3) أو حذف الألف من ( خالق ) من قوله تعالى { هل من خالق غير الله }(1) أو الوقوف على ( خالق ) من قوله تعالى { هل من خالق غير الله } أو على ( إله ) من قوله سبحانه وتعالى
{ ما لكم من إله غيره }
(2) ونحو ذلك فهل يحسن به الظن أم يحكم عليه بالشرك ؟ فإن قلتم إنه معذور ومحكوم عليه بالشرك وكان رجل قد سمعه من زوجه فجامعها قبل أن يستتيبها من ذلك، وقالت له أنها كانت قد تابت إلى الله جل وعلا ووحّدت الله العظيم قبل جماعه لها فهل له تصديقها في ذلك أم تحرم عليه ؟

الجواب :
يحسن به الظن في بعض هذه الأمور فلا يحكم عليه بشيء ولا يحسن به الظن في البعض الآخر ويحكم عليه فيه بالارتداد .
فأما البعض الذي لا يحتمل له فيه بشيء فهو مد فتحة اللام حتى صارت ألفا من تلك الآيات ونحوها فإن في جعل فتحتها ألفا نفيا لما وجب ثبوته قطعا فهو شرك قطعا ولا يعذر الجاهل بجهله في الشرك .
وأما البعض الذي يحسن به فيه الظن فهو مد فتحة القاف من (خلق) وحذف الألف من (خالق) والوقوف على (خالق) و(إله) في الآيتين ونحو ذلك ووجه الاحتمال في هذا البعض دون ما قبله هو أن العرب كانت تطلق على المفرد خطاب الاثنين فلا يلزم من قرآته اثبات الهين وإن العرب تحذف الفعل وتبقى الفاعل مرفوعا به فيحتمل أن غير في الآية رفعاً بفعل محذوف تقديره : هل من خالق (خلقه) غير الله .
ويصح الوقوف بين النفي والإثبات من نحو تينك الآيتين لعذر في الواقف كعطاس أو ضيق نفس أو نحو ذلك فلا يحكم بشركه في هذه المواضع لهذه الاحتمالات .
أما الذي سمع من زوجته ما تشرك به فجامعها قبل أن يصح معه رجوعها إلى الإسلام فجماعه زنى بها، فإن قالت له قد رجعت إلى الاسلام قبل أن يقع ذلك الجماع فعندي أنه ليس له أن يصدقها لأنها عنده في حكم المشركين ولا يكون المشرك مصدقا في شيء من أمور الدين هذا ما عندي فيه والله أعلم فانظر في جميع ما كتبته لك . الله
أعلم .


أثر ارتداد أحد الزوجين على النكاح

السؤال :
إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام فأى القولين أصح عندكما إذا تاب ورجع إلى الإسلام أنهما يجددان النكاح أم بنفس الرجوع إلى الاسلام يرجع إلى زوجه ؟ والسلام .

الجواب :
الصحيح عندي أنه لا يجب تجديد النكاح وأنها تصير زوجته بنفس الرجوع إلى الإسلام لكن بشرطين :
أحدهما - أن يكون ذلك الارتداد الواقع من أحدهما بعد أن صح الدخول بها لأنه إذا ارتد أحدهما بعد العقد وقبل الدخول انفسخ النكاح كذا قال الإمام أبو اسحاق رضي الله عنه في نكاح المشركين إذا أسلم أحدهما أولاً ثم أسلم الآخر، وهو نظير مسألتنا، فالدخول معتبر هنا كما اعتبر في العدة وغيرها،
وثانيهما - أن يكون إسلام المرتد منهما قبل أن ينتقل الآخر إلى حالٍ لا يحل اجتماعهما معه . مثال ذلك فيما إذا كانت المرأة هي المرتدة فأسلمت وقد تزوج أختها أو قد تزوج غيرها أربعا ونحو ذلك، ومثاله إذا كان الرجل هو المرتد فأسلم وقد تزوجت بغيره فلا يدركها بشيء والله أعلم .

العجز عن ادراك ذاته تعالى ادراك

السؤال :
معنى قول الصديق رضى الله عنه " العجز عن الإدراك إدراك، تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
معنى ذلك أن الاعتراف بالعجز عن الوصول إلى معرفة ذاته تعالى هو المعرفة، لأن ذاته تعالى لا تدرك بالافهام ولا تصورها الأوهام، فمن تخيل له أنه سيصل إلى معرفة ذات الله تعالى أو أنه واصل إلى ذلك فهو عن معرفة الله بمعزل، ومن اعترف بأنه تعالى لا تدرك ذاته العلية بشيء من الطرق العلمية وإنما تدرك آثار صفاته العيلة وبها يعرف سبحانه وتعالى { فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها }(1) { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآياتٍ لقوم يعقلون }(2) والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال السائل :
فإذا كان المعنى هكذا فما معنى الإخبار عن العجز بأنه إدراك وإن العجز والإدراك شيئان متنافيان ؟
الجواب :
إن في كلام الصديق رضى الله عنه مبتدأ محذوفاً تقديره الاعتراف بالعجز عن الإدراك إدراك، فقوله إدراك خبر عن الاعتراف وهو المبتدأ المحذوف ولا منافاة بين الاعتراف بالعجز المذكور وبين الإدراك والله
أعلم .


أثر الدعاء في المقدور على الداعي

السؤال :
وذكرت لي أن أمحو مسألة اللوح من المشارق فقد وجدت عين مسألتك في كتاب دلائل الخيرات ونصها اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مُقَتَّرا عليّ في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتى وحرماني وطردى واقتارى، واثبتنى عندك في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب }
(1) انتهى بلفظه وفي جامع ابن جعفر أن الدعاء على الشريطة جائز فإن كنت هذا لا تراه صواباً فعرفنا إن شاء الله لنمحوه وهل يسأل السائل إلا محض الخير فقط ويتعوذ من الشر وكلاهما مقرر في اللوح والحكمة جارية على مشيئة الله تعالى لا على دعوة الداعى { لا يُسْأَل عما يفعل وهم يُسألون }(2) إن عذبنا فبعدله، وإن رحمنا فبفضله، أُمرنا أن ندعوه فدعوناه، وقد وجدت أن من أراد الرزق فليكتب كذا وكذا أو يدعو بكذا فالرزق مكتوب قدره في اللوح لا يزيد ولا ينقص فما فائدة هذا
المذكور ؟ تفضل علينا بإيضاحه أدامك الله .


الجواب :
قد كتبت لك أن تمحو مسألة اللوح من المشارق وقد كنت كتبتها يوم كتبتها وأنا لا أرى إلا ظهور صوابها ووضوح حقها مع ما وقع فيها في ذلك الحال من النزاع بيني وبين شيخنا الصالح رضوان الله عليه وأخينا الراشدي رحمة الله عليه، فأما شيخنا فلا يرى صحة ما كتب هنالك أصلا وأما الراشدي فإنه أول من قال بثبوت ما كتب هنالك ثم وافقته عليه فكان ما جرى والمسألة بعينها صرح بها الخازن في تفسيره ولها في كتب أصحابنا أهل المغرب رحمهم الله تعالى نظائر ولنا عند قولنا بثبوتها تشبثات كنا نظنها حججاً ثم ظهر لي بعد مناظرة طويلة من إخواننا المتعلمين صواب ما قاله شيخنا في تغيير ما كتب في اللوح فرجعت عما كتبته في المشارق، وأحببت أن لا أكون رأسا في أمر لم يتقدمني فيه أحد من أصحابنا وإن لم يفض ذلك إلى خطأ في الدين والحمد لله، ولهذا كتبت إلى أهل الآفاق بإبطال مسألة اللوح من نسخ المشارق وأما ما نقلته من دلائل الخيرات فهو من المسألة المذكورة محتاج بنفسه إلى دليل، وما في الجامع من جواز الدعاء على شرط لا يكفي حجة لذلك فقد طال ما تشبثنا بمثلها فصارت هباء منثورا فالحق الذي لا مرية فيه أن ما كتب في اللوح لا يصح تبدله والله أعلم .

زيادة الإيمان ونقصه

السؤال :
ما معنى قوله " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم فاسألوا الله أن يجدده مع أن معتقدنا معشر الأباضية الإيمان لا ينقص بل يزيد . فما معنى هذا الخَلَق الذي هو البلى الموصوف به الإيمان . أهو انعدامه أصلاً فيبقى الشخص غير مؤمن أم نقصه حين يضعف المرء عن الزيادة فيه غير ذلك أفتني مأجوراً .
الجواب :
معنى ذلك أن الإيمان يصير في جوف المرء قديماً بعد أن كان جديداً وهو عبارة عن ضعفه بعد قوته، والمرء يجد في أول إيمانه من الحال ما لا يجده بعد ذلك فالداخلون في الإسلام ابتداء أرق قلوبا ولهذا تراهم عند سماع التنزيل يكثرون التأوه والبكاء بخلاف من طال زمانه في الإسلام، وبكى رجل جديد الإسلام في حضرة الصديق إذ سمع التلاوة فقال الصديق : كذلك كنا ثم قست القلوب أو قال حتى قست . والإيمان يقوى ويضعف ولا شك أن إيمان الأنبياء أقوى من إيمان غيرهم والصديق أرجح الصحابة إيمانا .
وذلك غير الزيادة والنقص الذي وقع فيه الخلاف بين الأمة فإنما ذلك شيء غير القوة والضَّعْف بل المراد بالزيادة زيادة الفرائض فالإيمان عندنا يزيد ولا ينقص بمعنى أنه قد تأتي على الإنسان حالة يزيد عليه فيها التكليف، فإيمانه القيام بالواجبات كلها وإذا ترك بعض الواجبات لا يبقى له إيمان بل يدخل في حيز الكفر ويكون كافر نعمة مرة ومشركا أخرى، وقال مخالفونا بل يبقى له إيمان ناقص فهو عندهم مؤمن لكنه ناقص الإيمان، وبنوا على هذا القول بدخوله الجنّة وإن عصى لأنه مؤمن في زعمهم والجنة دار المؤمنين وفي شرح المسند تحرير حسن فراجعه من أول باب الإيمان والإسلام وباب الكفر . والعلم عند الله والسلام .

أصحاب الأنبياء معهم في الجنة

السؤال :
هل أصحاب الأنبياء والمتقربون عندهم في الدنيا بالعلم والعمل أصحابهم في الجنة على قدر تقربهم في الدنيا كأبي بكر وعمر رضوان الله عليهما لسيدنا ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، أم درجة الأنبياء لا ينالها أحد ولو كانوا هؤلاء، أم الصحبة والقربة تكون في الدارين ؟ وأهل الجنة يسمون بأسمائهم في الدنيا ويعرفون بعضهم بعضا كل واحد باسمه ونسبه هذا فلان بن فلان الفلاني أم لا حاجة إلى ذلك ؟ عرفنا ذلك .
الجواب :
اقرأ قوله تعالى : { أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا }(1) تعرف بذلك مجاورة هؤلاء لبعضهم بعضاً، ولا تستلزم المجاورة تساوى الدرجات فالوزير يجاور الملك والرتب متفاوتة، وأهل الجنة يتعارفون ويتزاورون ويتجالسون وذلك من تمام نعم الله عليهم . واقرأ قوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سرر متقابلين }(1) فإنك تعرف أن الحال الذي كانوا عليه في الدنيا من الغلِّ الطبيعي ينزع في الجنة وذلك لا يكون إلا في المتعارفين، وكذلك قوله تعالى : { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون }(2) إلى آخر الآية فإنها تدل على تساؤلهم عن الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا، ولذلك قال قائل منهم إني كان لي قرين الخ ... فأمَّا أسماؤهم فإنهم يدعون بأشرف أسمائهم ويظهر أنه من تمام النعمة والعلم عند الله والسلام . والله أعلم .

معنى صفة الكلام لله تعالى

السؤال :
وقفت على عبارة في المشارق وعَظُمت عليَّ أكبر ما يكون، وأشكلت غاية الإشكال فالمراد تبيينها وتوضيحها، وهي هذه : قال المصنف اعلم أن الكلام تارة يضاف لله تعالى على معنى نفي الخرس فيكون صفة ذات، وتارة يضاف إليه على معنى أنه فعل له فيكون صفة فعل، فمعنى كونه متكلما على الأوَّل أي ليس بأخرس، وعلى الثاني خالق الكلام . والدليل على أنه متكلم إجماع الأنبياء عليهم السلام فإنه تواتر عنهم أنهم كانوا يثبتون له الكلام ويقولون أنه تعالى أمر بكذا ونهى عن كذا وأخبر بكذا وكل ذلك من أقسام الكلام فثبت المدعى . فإذا تقرر هذا عن الأنبياء فكيف يسعنا الخروج عن طريقتهم ونقول لا نسلم إليهم ذلك مع قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }(1)، وأعاد العامل مرتين في طاعتهما ولم يعده في طاعة أولى الأمر فتبين بهذا أن طاعتهما وجبت استقلالاً وطاعة أولى الأمر مفروضة عليهما . تفضّل أزل عنّا ما أشكل علينا لتتم الفائدة وتعود الفائدة .
الجواب :
لم أعلم إلى الآن أنكم خرجتم عن إجماع الأنبياء، كنت أظنكم غير ذلك وإن كنت تعرّض بنا فراجع نفسك فإن قصرت عن فهم العبارة فنحن نثبت ما أثبته الله لنفسه في كتبه وعلى لسان أنبيائه فهو متكلم عندنا إجماعاً بلا خلاف، والدليل على اثبات ذلك ما ذكره في المشارق من إجماع الأنبياء في إثبات الكلام إلى آخره، والعجب منك كيف خفى عليك ذلك مع وضوحه وتجعل العبارة علينا وهي لنا ..

عليّ صبُّ المعاني في قوالبها


وما عليّ لكم أن تفهم البقر


والعلم عند الله والسلام .


بعض المسائل المدرجة في أصول الدين للتنبيه

السؤال :
القول بجواز الرؤية والخروج من النار والشفاعة لأهل الكبائر وكون صفات الله الذاتية غير ذاته وتحليل نكاح الزاني بمزنيته من الأصول أم لا ؟
الجواب :
تلك أمور أحدث القول بها علماء قومنا وهي من بدعهم الشنيعة وأحداثهم القبيحة، وكان المسلمون في سلامة من ذلك فالمسلم يكون مسلماً ولو لم يعرف شيئاً منها وحين ابتدعها قومنا وأدخلوها في عقائدهم وجب علينا أن ننبه على غلطهم ونبين وجه ضلالهم، فإن كنت تعني بقولك من مسائل الأصول إن الدين لا يتم إلا بمعرفتها واعتقادها فإن الدين يتم مع جهلها وعدم معرفتها وهى طريقة عامة المسلمين وعليها سلف من سلف من صد هذه الأمة، وإن كنت تعني أن معتقدها هل يخطئ أم لا ؟ فنعم نخطئه في دينه لأنها بدعة ضالة مضلة وفي الحديث عن رسول الله " " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " والله أعلم .

مناقشة مسألة الرؤية، لدى الزمخشري وابن المنير

السؤال :
ما يقال لأحمد المعترض على صاحب الكشاف بتأويله قوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }(1) قال هو : " فلما فغرت فاه هذه الآية صنع في مصادمتها بالاستدلال على أنه لوكان المراد الرؤية لما انحصرت بتقديم المفعول لأنها حينئذٍ غير منحصرة على تقدير رؤية الله تعالى، وما يعلم أن المتمتع برؤية الله جمال الله تعالى لا يصرف عنه طرفه ..." إلى آخر كلامه .
الجواب :
استدلال الزمخشري على نفيها بتقديم المفعول غير سديد واعتراض أحمد عليه أوهى ضعفا منه، وكل إناء بما فيه يرشح والقوم جهلوا معاني التنزيل فضلوا في وجه التأويل، ونحن نعرف معانيه - ولله الحمد - من غير تبيين الزمخشري ونعرف الحجة من غير احتجاجه، فما يضرنا أن وهى استدلاله ما هو إلا رجل يصيب ويخطئ كغيره من الناس،
وغلط القوم في فهم الآية نشأ من وجهين : أحدهما اعتقادهم المفاسد بثبوت رؤية الباري تعالى، وهو إنما نشأ من مخالطة اليهود دسوا لهم دسيسا ليضلوهم عن دينهم ويزلوهم عن استقامتهم فقبلوه منهم فهم في ذلك اتباع يَهُود والوجه الثاني : جهلهم بأساليب العربية حيث حصروا النظر في الرؤية وهو إنما يكون لها ولغيرها وهو في الآية بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى { فنظرة إلى ميسرة }(1) والمعنى أن وجوههم مشرقة بانتظارها رحمة الله ودخول الجنة كما كانت وجوه الأشقياء باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة فهذه مشفقة من خوف العذاب وتلك مشرقة بانتظار الثواب والله أعلم .

التوفيق بين البراءة ممن له فضائل ومناقب

السؤال :
ما يُقال في الأحاديث التى رواها قومنا في فضائل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسبطيه وابن أبى سفيان معاوية ووزيره عمرو بن العاص وطلحة والزبير والأصح فيهم البراءة أو الوقوف لهذا الإشكال، وهل يقال أن على بن أبي طالب تاب لأنه ذكر أنه بعد قتله أهل النهروان كان يظهر الندم والتوبة .
الجواب :
أكثر هذه الأحاديث مكذوب كما صرَّح به نقاد الحديث راجع المناقب من " اللآئي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " تجد بغيتك وتظفر بطلبتك، والبراءة من أهل الأحداث واجبة على من بلغ علمه إلى معرفة حكم ذلك، والمسلمون قد حكموا فيهم بحكم الله تعالى فمن علم فيهم مثل علمهم جاز له الحكم بمثل حكمهم، ومن قصر علمه عن ذلك كان سبيله الوقوف، وعليه أن يتولى المسلمين على ولايتهم لمن تولوا وبراءتهم ممن برئوا، وطريقتهم واضحة كالشمس الطالعة لا يكدرها غبار، وكذب الكاذب لا يورثنا إشكالاً فنحن على بصيرة من أمرنا وخبرة من ديننا لا تميل بنا الأهواء ولا تستميلنا الرجال نعرف الرجال بالحق، فمن وافقه فهو الرجل وإن صغر قدراً عند الناس ومن خالف الحق فهو الصغير الحقير وإن عظمه أهل الدنيا، ولله در هذا الميزان الذي أنزله الله تعالى ونبّه عليه في كتابه بقوله { والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان }(1) وهو وإن تناول ميزان المعاملة فإنه شامل له ولغيره وما هو إلا فرد من أفراد الحق .
وندم علي إنما كان على قتل أصحابه وضياع أمره وانتقاض دولته ولا يوجب ذلك توبة، لو كان تائباً لأذعن للحق وجمع المسلمين وطلبهم حيث كانوا وخلع الأمر على أيديهم فإن شاؤوا قدموه وإن شاؤوا أخروه، والغيب لله وحكمنا على ما ظهر فإن كان قد تاب توبة نصوحاً فالله أعلم بها ولا ينافى في ذلك حكم المسلمين فيه وقاتل أربعة آلاف مؤمن في معركة واحدة حقيق بالبراءة، ومن خرج على الإمام العادل بغيا وعدوانا كالجمل وصفين حقيق بالبراءة، وكأنى بك قد جاورت المخالفين أو طالعت كتبهم فاحذرهم أن يضلوك فوالله الذي لا إله إلا هو إن الحق واضح عند هذه العصابة التى نظر إليها أهل الدنيا بنظر الاحتقار وذلك بعد ما انقرضت دولتنا وظهرت دولة الأراذل، والأيام دول وغلبة الدنيا غير معتبرة، والله ربى والأيادي شاهدة والله أعلم .

الفرق في البراءة بين الشرك والفاسق

السؤال :
هل براءتنا للمشرك هي براءتنا للموحد الفاسق، أو لكل واحد براءة بحسب أفعاله ؟ وهل تكون الولاية كذلك ؟
الجواب :
لا شك أن المشرك أبعد من الموحد الفاسق، أما اللعن فواقع على الصنفين هذا بشركه وهذا بفسقه لكن جوّز الشرع في الفاسق أشياء منعها في المشترك كالنكاح والذباح والميراث والسلام وتشميت العاطس والصلاة خلفه والصلاة عليه إذا مات ومعاملته في جميع أمور الدنيا بمعاملة الموفى من المسلمين إلا الولاية والشهادة وما يتعلق بها من أحكام،
فإذاً يظهر لك أن الموحد الفاسق ليس كالمشرك في ذلك فلو رأينا مشركا يستطيل على موحد فاسق وجب علينا أن نناصر الموحد الفاسق ونكون معه على عدو الدين وقد احزن المسلمين انتصار الفرس على الروم في أول الاسلام مع أن الطائفتين كليهما على الكفر غير أن الروم أهل كتاب والفرس على المجوسية ونزل في ذلك قوله تعالى { ألم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين }(1) وهي تسلية للمؤمنين وقمع للمشركين حيث فرحوا بنصرة الفرس والله أعلم .

متولى المشرك هل يشرك

السؤال :
ما الذي تراه في المتولى للمشرك لشركه لجحده وشكه هل هو مشرك أوكافر نعمة ونفاق فإني وجدت عن أبي سعيد الكدمي رحمه الله الإجماع على كفره نعمة ونفاقا، وكنت قدما قبل اطلاعي على هذا الإجماع ولعلي قد اطلعت عليه قدما - ولكن رشحه الاناء - أقول بشركه وإنه بمنزلة المتولي جحداً ومساواة لقوله جلَّ من قائل { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله }(2) الآية وقوله { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }(3) وقوله " " من أحب قوما فهو منهم " وفي حديث آخر " حُشِر معهم " فهذه الآيات والأحاديث تدل على ما كنت أقوله، ولأن المصوب للمشرك لشركه راد للتوحيد بطريق اللزوم وإن كان يقر بالجملة ولوازمها لأن من صوب فاعل شيء خطّأ فاعل ضده، ومن خطأ ذا التوحيد لتوحيده فهو مشرك، وما معنى الإجماع والأثر المغربي ناطق بشرك هذا المتولى، وإن كانت عبارتهم بالشرك عن ارتكاب خصلة منه، لكن ظاهر عباراتهم في هذا المقام تقتضي تشريك المتولى والله أعلم أرجو منك كشف الغطاء عن هذه النازلة .
الجواب :
نزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء }(1) الآية في المنافقين الذين كانوا في زمان النبى " بدليل قوله في آخر الأية { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم }(2) أي في موالاتهم ومعاونتهم { يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة }(3) وسبب ذلك أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله " إن لي موالي من اليهود كثر عددهم وإنى أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم، أو إلى الله ورسوله، فقال ابن أبيّ إنى رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالى فنزلت الآية ورسول الله " لم يحكم على أولئك المافقين بحكم اليهود والنصارى بل عاملهم بمعاملة أهل التوحيد ووكل سرائرهم إلى الله .
فذلك أصل الإجماع الذي ذكره أبو سعيد رحمه الله تعالى فإطلاق الآية غير مراد في كل شيء غير أنهم محسوبون منهم في الموالاة والمناصرة ويحشرون معهم يوم القيامة ونفى الإيمان عمن يوالى من حادّ الله ورسوله في سورة المجادلة لا يستلزم الشرك لثبوت المنزلة بين الشرك والإيمان وهي النفاق وكفر النعمة .
فنحن نثبت المنزلة بين الشرك والإيمان خلافا للخوارج، وننفى المنزلة بين الكفر والإيمان خلافا للأشاعرة في اثباتهم منزلة بينهما سموها الإيمان الناقص، ولا شك أن تصويب المشرك شرك في الباطن كما أن الشك في التوحيد شرك أيضا غير أن إظهار الإسلام هو المعتبر في المعاملة كما في الحديث عن رسول الله " قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله تعالى رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر فتراه قال وحسابهم على الله إشارة إلى ما أظهروه من الكفر في بواطنهم، وأولئك هم المنافقون الذين أخفوا الشرك وأظهروا الإسلام ولهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار بسبب ما أخفوا من الشرك . صار الجزاء موافقا للعمل أخفوا فأخفوا في المضيق الأسفل .
وقد ذكر الله المنافقين بما يصرح بشركهم في الباطن ومع ذلك فالنبيّ " وأصحابه يعاملونهم معاملة أهل الإسلام من الطهارة والنكاح والذباح والميراث ودخول المساجد والمعاملة والمخالطة، واقرأ قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين }(1)
إلى قوله : { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن }(2) وقوله تعالى : { وإذا لقوكم قالوا آمنَّا وإذا خلوا عَضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ }(3) وقوله تعالى : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا }(1) إلى آخر ما ذكر الله عنهم في سورة التوبة وأمثالها من الآيات تجد الشرك فيما أضمروا وفيما أظهروه عند بعضهم بعضاً غير أنهم أخفوه عن المسلمين، فلم يعاملوا بما دسوا من ذلك، فهذه الأحوال مستند الاجماع الذي ذكره أبو سعيد رحمه الله تعالى .
فإن رأيت قولاً في مثل هؤلاء بالتشريك فإنما المراد به حكمهم في الآخرة وفيما عند الله في السريرة دون الأحكام الطاهرة فإنهم في الباطن مشركون كما بينته لك غير مرة وبذلك استحقوا الدرك الأسفل من النار أعاذنا الله والمسلمين، راجع الأثر وطالع التفسير فالجواب في موضع بعدت عينى فيه الكتب للمطالعة والعلم عند الله والسلام والله أعلم .

حكم النصارى واليهود المحاربين

السؤال :
أكل ذبائح النصارى في هذا الوقت أيجوز إذا عنا ذبائحهم وكذلك طعامهم الرطب مثل الحليب الذي يباع في آنية مختوم عليها لأنى سمعت أحدا من الناس يتكلم بتحريم ذبائحهم وأطعمتهم الرطبة، والله تعالى لم يخص وقتا دون وقت أباح لنا أكل طعامهم، وهل هذه الإباحة مقيدة بحال صلحهم أم في صلحهم وحربهم ؟ وهل هم الآن حرب للمسلمين أو لا ؟
الجواب :
صدق ذلك القائل، فذبائحهم إذا كانوا حربا للمسلمين حرام ورطوباتهم نجسة، وطعام الذين أوتو الكتاب يحل لنا إن كانوا صلحا لا حربا والمراد بالطعام ذبائحهم ولا أدري ما هؤلاء النصارى يزعمون أنهم أهل كتاب وكتابهم قد نزع من أيديهم بتحريفهم له وبتبديلهم فعندهم من الإنجيل جملة نُسخ بعضها يخالف بعضا والمنزل من عند الله واحد وهم لا يعلمون ما هو فأين كتابهم ؟ وكذلك التوراة مع اليهود، فما النصارى واليهود يومئذ إلا كالمجوس الذين كان لهم كتاب فرفع في ما قيل، نعم بقيت لهم التسمية أنهم أهل كتاب وليسوا من أهل الكتاب في شيء
{ يا أهل الكتاب لستم علىشيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم }
(1) .
قالوا نحن أتباع عيسى عليه السلام وفي كتابه العزيز يقول الله
{ وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة }
(2) ونحن الغالبون عليكم وعلى غيركم، قلنا صدق الله فيما أخبر وقد جعلكم فوق الذين كفروا بعيسى وهم اليهود وذلك مكافأة لكم على اتباع عيسى في أول الأمر لا على تبديلكم الأخير فإنكم بالتبديل قد استوجبتم العقاب والله يستدرجكم من حيث لا تعلمون .
وأما غلبتكم على المسلمين في بعض النواحي فلا يدل على حقكم ما ذاك إلا تسليط علينا بفعل ما حرّم، الله علينا، كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام بأنه إذا ترك الأمر والنهى أديلت الكفار فهي عقوبة عاجلة وتسليط مقدر، فأنتم أشباه كفرة المجوس الذين سلطوا على بني اسرائيل حين عملوا بمساخط الله، والله المستعان والله أعلم .

معنى القدرة والمشيئة لفعل المخلوق

السؤال :
الخلق ألهم قدرة ومشيئة في أفعالهم أم لا ؟ فإن كان ذاك هل يكونان مؤثرتين في الفعل أم لا ؟ ما معنى تسميتهما بذلك وقد علمنا بأن مشيئته جل وعلا هي المؤثرة، لكني سائل أهي قبل وقوع الفعل أم عند وقوعه ؟ عرفنى بذلك .
الجواب :
هل للسكين أثر في عنق الذبيحة وهل بنفسها فعلت ذلك أم بحركة الذابح، فقدرة العبد في فعله كالسكين في عنق الذبيحة والله سبحانه وتعالى هو الذي أقدره على ذلك وذلك كحركة الذابح، فالسكين تكون حادة وكليلة وتمدح وتذم على ذلك وتحد ويبدل عنها غيرها وكل ذلك لطلب التأثير والفاعل للذبح على الحقيقة هو الذابح .
وهذا مثال يكشف لك المعنى فالله سبحانه وتعالى هو المريد لكل ما يكون من خير أو شر، والعبد وإن كان مصرفا في جميع أموره فالله سبحانه وتعالى قد جعل له قدرة واختياراً : أما الاختيار فيقوده إلى الأشياء من غير إكراه وإنما هو حبّ للشيء وتلذذ به ولحبه لا نيفك عنه { أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا }(1)، وأما القدرة فإنها تؤثر في الفعل تأثير التسبب فالله عزّ وجل يخلق ذلك الفعل عند حركة العبد إليه فتكسبه قدرة العبد، فللفعل جهتان : جهة إيجاد وخلق وهى الله عز وجل لا غيره وجهه اكتساب وهى للعبد، وكلا الجهتين يكونان في حال واحدة .
ولخفاء هذا الحال ودقة هذا المعنى زلت فرقتان المعتزلة والمجبرة وأما المعتزلة، فظنت أن الجهتين جهة واحدة وزعمت أن العبد خالق لفعله الاختياري فجعلوا لله شريكا في الخلق { إذا لذهب كل إله بما
خلق }
(2) وشابهت المجوس في ذلك في جعلهم أن للخير خالقا وللشر خالقا ومن ها هنا قيل لهم مجوس هذه الأمة :

ما خلقت أفعالها المعتزلة


ولا اقتضت من القضايا خردلة


وأما المجبرة فإنهم نفوا الاكتساب رأسا مع إثباته في قوله تعالى { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }(3) وأضافوا أفعال العبد من خير أو شر إلى خالقها وجعلوا العبد مجبوراً على فعل ما صدر منه ملزمهم بذلك تعذيب المجبور على الفعل في زعمهم .
والله سبحانه وتعالى من لطفه ورحمته قد شرع لنا التقية في حق خلقه إذا أكرهنا على الكفر قلناه باللسان ولم يعذبنا الله على ذلك، أفيصدر منه الجبر لنا ويعذبنا عليه حاشاه، ولو صح ما ذهب إليه هؤلاء لبطلت الحكمة في بعثة الرسل وإنزال الكتب، ولا يكون للترغيب والترهيب ولا للأمر والنهي معنى، ولكان للعبد على ربه حجة أن يقول ما فعلته عن اختياري لكن جبرتني على فعله فلِم تعذبنى ؟ والله قد أرسل الرسل وأنزل الكتب لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فعلمنا بطلان ما زعموه من الجبر .
ومذهب أهل الاستقامة وسط بين الإفراط والتفريط لم ينفوا الفعل عن العبد رأساً بل أثبتوا له الاكتساب وبه يثاب ويعاقب، كما دلّ عليه القرآن الكريم ولم يضيفوا خلق الفعل إليه لأن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، فالحمد لله الذي ألهم أمتنا الصواب ووفقنا وإياهم على الهدى
{ فبهداهم اقتده }
(1) والله أعلم .

الخير والشر من قدر الله تعالى

السؤال :
قال أبو محمد في الجامع : " ولا يجوز أن يأمر الحكيم أحدا بشيء وهو يريد منه خلافه " هل ترى هذا يصح عندنا أم لا ؟ فإن كان الضمير في منه عائداً إلى الشيء المأمور به فهو معنى صحيح إذ إن من المعلوم أنه لا يصح قول الحكيم لزيد قم وهو يريد بقوله قم القعود لا القيام، لأنه لو كان كذلك لعد ذلك منه عبثا لا حكمة بالغة . وأما إن كان الضمير في منه عائدا إلى أحد من قوله ولا يجوز أن يأمر الحكيم أحدا إلى آخره فهذا غلط منه لأنه لا ينافي الحكمة أن يأمر الحكيم بشيء وهو يريد خلافه، لأنه لو كان كما زعم للزم منه أن يكون العاصي فعل المعصية بغير إرادة من الله تعالى لأن الله تعالى لم يأمره بذلك بل نهاه عن ذلك { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي }(1) والله لا يرضى لعباده الكفر فيئول إلى أن الله جل ثناؤه يعصى باستكراه، وإليه الإشارة بقول أبي عبيدة رحمه الله لواصل بن عطاء : أنت الذي تقول إن الله يعصى باستكراه ؟! لأن واصلاً يزعم أن الله لم يرد عصيان العاصى فنقول : إن الله أراد كفر أبي جهل وغيره ولم يأمرهم به ولم يرضه منهم، ولكن الله خلق الأفعال خيرا أو شرا أمر بالخير ونهى عن الشر والله وأعلم .
الجواب :
نظرت في كلامك فرأيته صوابا وكلام أبى محمد إن كان متعلقا بشيء قبله فينبغي أن يحمل على متعلقه، كما إذا كان قد حكاه عن غيره فإنه عين مذهب المعتزلة ولا يوجد في الأصحاب من يوافقهم عليه، وإن كان كلام أبي محمد منقطعاً تاماً فلا يرضاه عنه إباضيّ حتما، فهو حرىّ بما كتبت بعده والله أعلم .

القطع للطفل بأنه من أهل جنة

السؤال :
هل يجوز أن يقطع الرجل لأحد من الأطفال عند موته أنه من أهل الجنة قطعا وما يبلغ به إذا صنع .
الجواب :
الغيب لله، والأطفال على القول المختار من أهل الجنة إن ماتوا قبل التكليف، ولا شيء على من قطع بذلك لقوة رجائه وحسن ظنه بالله ما لم يضلل من خالفه، فإن ضلل فهنا يهلك لأنه جعل الرأى دينا والله أعلم والسلام .

البراءة سرًّا من بعض الأئمة

السؤال :
ما يُوجَد في الأثر أن الشيخ محمد بن محبوب وبعضا من العلماء يبرؤن من الإمام المهنا سريرةً، وربما قيل أنه تبرأ رجل من المهنا عند الشيخ محمد بن محبوب فأنكر عليه ذلك، فكيف شيخنا إن كان الشيخ ابن محبوب وواحد عنده من العلماء قد اطلعوا على ما يوجب البراءة منه أما يجوز لهم أن يقيموا عليه الحجة بالعالمين أم حتى يشهر عند الخاص والعام ؟ وكيف سبب البراءة في الأحكام الظاهرة التى تصدر منه أم فيما هو مصدق فيه عند الناس من تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود ؟ أشكل علينا هذا الأمر يبرءون وهم في طاعته وعمله ولا يظهرون عليه الحجة ؟! تفضل اشرح لي ذلك شرحا كافيا شافيا .
الجواب :
نعم يوجد في الأثر أن محمد بن محبوب وسعيد بن المبشر كانا يبرآن من المهنا سريرة، وأن ابن محبوب أراد أن يخطب في الناس بعد موت المهنا بالبراءة منه فناشده الله أبو المؤثر وخوفه وقوع الفرقة بين الناس فإن المهنا إمام عند العامة وأنهم يتولونه ويدينون لله بطاعته حيث أنهم لم يطلعوا على خلاف ذلك منه، ولعل الشيخين قد اطلعا على موجبها في آخر عمر المهنا فلم يتسع الحال لإقامة الحجة عليه وعزله إن أصر، ولعلهم خافوا في حياته وقوع الفرقة بين المسلمين فسكتوا على ما عندهم لأن الناس كانوا في سلامة من طاعته، ولكل فيه علمه، ولا تنس قضية الصحابة فإنهم عاملوه بعد الاعوجاج ست سنين .
هذا كله إن قلنا إن العالمين حجة على الإمام في موجب البراءة ومقتضى العزل، وفي قول آخر ليس لهم عزله عن أمانته حتى يظهر حديثه بين الخاص والعام وعلى هذا القول فلا إشكال في المسألة . وبراءة ابن محبوب من الرجل المتبرى وجهها أن الرجل قد أباح من نفسه البراءة حيث تبرأ من إمام تجب على العامة ولايته فهو كمن تبرأ من وليّ لك عندك، وذلك أن الرجل لم يعلم أن ابن محبوب يبرأ من المهنا لأنه كان يسر ذلك فكأنه تبرأ معه من وليه، والحدث الموجب للبراءة منه فيما قيل إن صح ذلك أنه قيّد صبيًّا حتى انقطعت رجله، فإن صح هذا فهو من كبائر الذنوب كما ترى، وكان المهنا شديدا ولم يصح هذا الحدث عند عامة المسلمين فهو على حكم السلامة عندهم غفر الله لنا ولهم والله أعلم .

التبرؤ ممن امتنع من حكم الامام ظاهراً ولو كان بريئا

السؤال :
ما يوجد في كلام الشيخ أبى سعيد إن طالبه الإمام بحق ولو كان عند نفسه أنه ليس عليه ذلك الحق فلا يمتنع من حكم الإمام في الظاهر، لأنه يبيح من نفسه البراءة وإن فعل فقد هلك، فهذا فيما بينه وبين الناس أم فيما بينه وبين الله، وهل فرق بين أن يقوم عليه شهود أنه قتل فلانا عمدا عدوانا أو زنى وهو محصن وكان هو بريئا من القتل ومن الزنى ؟ أما يجوز له أن يمتنع من إتلاف نفسه ويهرب لأنه غير فاعل لما شهد عليه الشهود لاحتمال التشابه بغيره، فإن كانت إباحة البراءة تهلكه بينه وبين الناس فذلك واضح وإن كان بينه وبين الله فتفضل بين لي الحجة في ذلك .
الجواب :
هو هالك عند الله وعند عباده لأن الله تعالى قد أوجب عليه أن يطيع إمامه وحرم عليه الامتناع، فإذا امتنع فقد خالف أمر الله وفعل ما حرم الله عليه ولو كان في السريرة غير مستوجب لذلك، فإن حكم الظاهر يوجب عليه ذلك، ولهذا استحق البراءة عند المسلمين ولا تنس قولهم ليس للمرء أن يبيح من نفسه البراءة فإذا أباحها من نفسه فهو هالك حجة الله كقول أنت مبطل عاص وهو يقول أنا أعلم بخاصة نفسي، أتراها تترك الحجة لقوله ذلك، ولو جاز له هذا التعلل لتمشى في جميع فرق الأمة وفي كل من خالف الحق في الظاهر، إذ لكل واحد منهم أن يقول حينئذ أنا أعلم بخاصة نفسى فيتلاشى الأمر ويصير الناس فوضى وتترك الحجة ويختلط الحق بالباطل وكفى بها مفسدة في الناس وبلية في الإسلام، كلا لا يسمع من هذا التعلل وإن كان صادقا في السريرة بل هو في حكم الله من الكاذبين .
واذكر هنا مسألة القاذف فإن الله تعالى قد أوجب عليه ثمانين جلدة إن لم يأت بأربعة شهود وسماه كاذبا عند الله ولو كان في نفسه صادقا فإن لم يأت بأربعة شهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون، فأحكام الظاهر لا يصح خلافها إجماعا وتاركها لما في نفسه هالك عند الله وعند الناس إجماعا، ويوجد عن أبي سعيد رحمه الله قول بجواز هروب من وجب عليه حد إذا كان في نفسه غير فاعل، وذلك فيما إذا كان هروبه من غير امتناع عن الإمام مثل أن يهرب قبل أن يطلب فإن طلب فليس له الهروب والامتناع والعلم عند الله .

نزول عيسى عليه السلام

السؤال :
نزول عيسى بن مريم أثابت هو أم لا ؟
الجواب :
وسع من قبلنا السكوت فلا يضيق علينا والله أعلم .

انكار معرفة محمد "

السؤال :
قول أبي عمران أن معرفة محمد " ليست بتوحيد أو ليست بفرض كفر كفر نفاق ما وجه هذا الكلام ؟
الجواب :
لا أعرف هذا الكلام ومن لم يعرف محمداً " بعد بلوغ دعوته فهو كافر ولا يصح الخلاف في ذلك، ولا أعرف هذا الرجل الذي ذكرته ولا أعرف قوله فلا تجمع كل ما سمعت ولا تكن ممن مهما يجد شيئا يضم فإنه ربما ضم أفعي تلسعه والله أعلم .

معنى تعلق المعلم بالمعلومات

السؤال :
معنى قوله فإن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه فإذا كان ممكنا علمه ممكنا وإذا كان واجبا علمه واجبا، ولفظة علمه بصيغة الماضى أم بالمصدر اشكل عليّ ذلك .
الجواب :
هي بصيغة الماضى والمعنى أنه سبحانه وتعالى يعلم جميع الأشياء موجودها ومعدومها ومستحيلها، يعلم كل شيء منها على ما هو عليه والله أعلم .

العلم بالمستحيل والتكليف به، وعلاقة العلم بالجبر

السؤال :
إذا علم الله عدم شيء هل يمكن وجوده ؟ وإذا كان هذا العدم واجبا هل يكون قضاء من الله تعالى ؟ وهل يكون التكليف به تكليفا بالعدم ؟ وهل يكون التكليف بالعدم جبراً ؟
الجواب :
مستحيل الوجود على نوعين : أحدهما مستحيل لذاته كانقلاب الحقائق وهذا النوع لا يتعلق به التكليف أصلا . والنوع الثانى مستحيل لأمر خارج عن ذاته وهو علم الله بعدمه، مثل إيمان أبي جهل وإيمان فرعون وأشباههما ممن علم الله أنه لا يؤمن فالإيمان من هؤلاء ممكن في ذاته لكنه مستحيل لعلم الله فيهم أنهم لا يؤمنون، والتكليف بهذا أمكن بل أوقع وليس هو بجبر على الكفر، لأن علم الله تعالى لا يجبر أحدا على شيء غير أن الجهل منتف عنه سبحانه وتعالى فهو يعلم جميع الاشياء علما تاما، وقد كلف الناس بما يطيقون وعلم المؤمن منهم، والكافر إنما اختار الكفر من تلقاء نفسه لا بجبر من الله والله قد علم أنه سيختار الكفر وعلمه بذلك ليس بجبر، فافهم المعنى والمقام ضيق وفيه زلت أقدام كثير من الناس والله المستعان وبيد الله التوفيق . والله أعلم .

الولاية والبراءة سرًّا لا علنا للاختلاف

السؤال :
الباعث لمعرفة البحث عما أشكل علينا من أمر المختلفين في رجل قتل رجلاً فقالت فرقة من العلماء إن القاتل قتله بحق وادعوا له صفة تجوز، مثلا أن المقتول بغى على القاتل أو قتل وليّا له أن يقتله به ونحن نصوبه على ذلك، وقا آخرون من العلماء إن القاتل قتل ظلما بغير حق ونحن لا نصوبه على فعله هذا وإنما قدم عليه بباطل وانبهم أمر القاتل والمقتول على بقية العلماء فما منزلة هؤلاء العلماء المصوبين له في فعله والمخطئين له على قتله وكل يدّعى صفة تجوز له القول بذلك، ما منزلتهم في أحكام الولاية والبراءة فيما بينهم أنفسهم دون الجهر عن بقية العلماء الذين لم يشاهدوا الحدث من هؤلاء المختلفين، لأن دعوى الفرقتين متضادة . أيبرأ الفريق المحق عند نفسه من الفريق المبطل في هذه الدعوى سريرة لا علانية عند أوليائهم . وإن طلب وليّ المقتول الانصاف عند الحاكم أيكون له القود بالدية أم لا قود ولا دية ؟ وهل فرق بين هذه ومسألة موسى بن موسي وراشد بن النظر والصلت بن مالك لقول فرقة من العلماء إن موسى وراشد خرجا باغين على الصلت مزيلين لإمامته هو إمام لم يعتزل عنها وهم يبرؤون من موسى وراشد، والقائلون أن موسى وراشد خرجا محتسبين لله في فعلهما ذلك وأن الصلت قد اعتزل عن الامامة وادعوا صفة جائزة لهما، أترى الفريقين يبرؤون من بعضهم بعضاً في السر لا في العلانية من غيرهم من بقية العلماء الذين لم يشاهدو الحدث لأن أمورهم متضادة، وكل من يدعى صفة توجب له صدق دعواه، لأنا علمنا من المذهب أن اختلاف هؤلاء اختلاف دعاوى لا اختلاف بدع ولا اختلاف رأي، وهم متسالمون من البراءة من بعضهم بعض عند من يعلم كعلمهم، فذلك عقائدهم في سرائرهم أنهم يتولون بعضهم بعضا أم يبرؤون فيما بينهم دون غيرهم ممن لم يعلم كعلمهم يبرؤون من بعضهم بعضاً ؟ تفضل بين لنا ذلك بيانا لا غياب عليه لأن في الأثار إجمالا وتفصيلا ففي كتاب مشارق أنوار العقول بعد كلام ما نصه : وكل واحدة من هذه الفرق تتولى الأخرى على ولاية من تولوا وبراءة من تبرؤوا لذلك الاحتمال الواقع فلم يزالوا على ذلك، وفي كتاب الاستقامة بعد كلام ما نصه : فمن أجل هذه العلل وغيرها جاز الولاية للمتظاهرين بالولاية والبراءة والوقوف حتى يعلم أنهم مبطلون وأن أحدا منهم مبطل بما يصح به باطله بما لا يحتمل له مخرج من مخارج الحق، بين لنا .
الجواب :
من ادعى في ولاية أو براءة دعوى يمكن صدقها فهو منزلته وهو أمين في دينه عند من لم يعلم أنه ادعى كذبا وباطلا فقول القائل إن فلانا قتل فلانا ظلما يحتمل صدقه عند من لم يعلم الحال، وكذلك قول ضده فالكل دعوى محتملة وكل واحدة من الطائفتين تنزل الأخرى منزلتها قبل الدعوى فليس لهؤلاء أن يبرؤوا من هؤلاء لا سرّا ولا علانية إلا إذا اطلع بعضهم على كذب بعض ولم تكن له بينة تشهد بكذبه فإنه يلزم هذا أن يبرأ في السريرة من هذا الذي علم كذبه وله أن يظهر ذلك عند غير أوليائه .
وهي شبيهة بمسألة موسى وأشد لأن اختلاف المسلمين فيهما إنما كان اختلاف دعاوى فمن تولاهما يدعى صوابهما في خروجهما ومن تبرأ منهما يدعى بغيهما على الإمام ولم تقم حجة تكذب واحدة من الدعاوى ومن وقف عنهما فإنما وقف للإشكال، هذا حكم الولاية والبراءة والوقوف في المسألتين معا .
وأما حق العباد فلا يسقط بالدعاوي بل القاتل مأخوذ بمن قتل حتى تقوم بينه عادلة على صحة ما ادعاه من جواز القتل وإنما لم يتفق المسلمون على بغي موسى ولا راشد لشبهة حصلت في ذلك وهو أن الإمام ترك النكير عليهما واعتزل بيت الإمامة ودفع إليهما العمة والخاتم وترك النكير ممن له النكير حجة عليه في حكم الظاهر ودفع الكمة والخاتم من غير حرب مقوٍ لذلك فلو أظهر الإمام النكير وطلب الدفع والمدافعة واستعان بمن أمكنه على دفعهم لانحسمت الدعوى وظهر الحق من المبطل وارتفع الاشكال وأبى الله إلا أن يكون ما كان ليقضي الله أمراً كان مفعولا . والله أعلم .

الولاية والترحم على منافق مع جهل حاله

السؤال :
عما يوجد عن بعض أهل العصر من سؤال الرحمة والمغفرة لناس ماتوا وعلامة النفاق في وجوههم، ما وجه ذلك ؟
الجواب :
لا أعرف ما عنى، فإن كان المترحم جاهلاً فلا عبرة بأفعال الجاهل وإن كان عالما فلعله لم يعرف مِن وليه ما عرفت وكل مخصوص بعلمه وإن اعترف بنفاق الرجل ومع ذلك فهو يستغفر له فهذا منافق مثله
{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم }
(1) والله أعلم .

الاغراء على الإسلام بالزواج إن أسلمت

السؤال :
من يسافرون إلى البر إذا احتاجوا إلى نساء واعدوا نساء مشركات بالتزويج إذا أسلمن، وإذا امرأة ترغب في ذلك الزوج أسلمت وتزوجها وهل حكم هذه الآية باق أو منسوخ { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات
فامتحنوهن }
(1) وفي الظن لو لم يواعدها بالتزويج لما أسلمت .

الجواب :
له أن يحتال على إسلامها بالمواعدة وغيرها من الأحوال الجائزة، وذلك من الدعوة إلى الإسلام ومن النصيحة للخلق وله بعد إسلامها أن يتزوجها، وليست الآية في هذا المعنى وإنما هي في المهاجرات اللوتى هاجرن في هدنة الحديبية ولتلك الهدنة أحكام خاصة بها زالت بزوالتها، فلا بقاء لها فهي في حكم المنسوخ والله أعلم .

من نطق بالنفي في الشهادتين، وشغل عن الاثبات

السؤال :
من أراد أن يأتى بالجملة وقال " لا إله " فيتشاغل عن تمامها ولم يقل " إلا الله " ماذا ترى عليه إذا فعل ذلك من غير عذر مانع وترك تمامها تعمُّداً مثلا ؟ كإذا حدثه أحد في حال نطقه بها فآثر جواب المحدّث على تمامها ولم يرجع ليتمها فما قولك فيه هل يدخل عليه النقض في إيمانه أم لا ؟
الجواب :
في ذلك قولان : قيل يكفر بذلك لأنه نفى الإله في ظاهر لفظه، وقيل لا يكفر لأنه لم يقصد الكفر . وعلى القولين فلا يعامل بمعاملة المشركين من تحريم الزوجة ونجاسة الجسد لأنه لم يشرك قصدا وإنما أشرك خطأ . والله أعلم .

زيادة الإيمان ونقصه

السؤال :
ما في القطعة السابعة من كتاب الهميان عند تفسير قوله تعالى : { وإذا تُلِيت عليهم آياته زادتهم إيمانا }(1)فقد قال قائل إن الإيمان يزيد وينقص ورأينا في المشارق في باب الإيمان ما يخالف ذلك، تفضل أوضح لنا صحة ذلك .
الجواب :
لعلَّ مراد الشيخ بزيادة الإيمان ونقصه نفس وصفه بذلك، فإن الإيمان يقوى بقوة اليقين ويضعف بضعفه فيكون قد سمّى ضعفه نقصانا، فإن كان هذا هو المراد فلا بأس به والخلاف فيه لفظي يعنى أنه راجع إلى اللفظ .
والذى في المشارق هو المذهب الحق وعليه الأصحاب أجمع وبه قالت المعتزلة، وهو أن الإيمان يزيد وينقص والمراد بالإيمان في هذا الموضع القيام بالواجبات أجمع، والمراد بزيادته زيادة الفرائض على المكلف الواحد وذلك أن الانسان يأتي عليه حال لا يلزمه فيه إلاّ التوحيد فإذا وجد فهو مؤمن ثم يأتى عليه الحال الثاني يلزمه فيه مع التوحيد فرض الصلاة ثم يأتى عليه حال ثالث يلزمه فيه فرض الصيام ثم يلزمه فرض الزكاة ثم الحج إلى غير ذلك من الواجبات فإيمانه يزيد بزيادة الفرائض وكلما صار في مرتبة من مراتب الإيمان الواجبة لم يكن له أن ينزل عنها إلى ما دونها فهذا معنى قولهم الإيمان يزيد ولا ينقص يعنى أن الفرائض تزيد وإذا زادت فليس للعبد أن ينقص منها فإن نقص شيئا منها فليس بمؤمن بل هو كافر نعمة وهذا بإجماع ولا خلاف فيه من أحد من الأصحاب وإنما خالفت فيه الأشعرية ومن قال بقولهم وذلك أنهم أثبتوا الإيمان لم أخَلّ بالواجبات وفعل المحرمات ما دام موجب وسموه الإيمان الناقص، وأوجبوا له به دخول الجنة لزعمهم أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق، فالمسألة بهذا النظر من مسائل الدين، وليس مراد الشيخ هذا وإنما مراده المعنى الأول وهو نفس التسمية أو أنه أراد يزيد بزيادة الطاعات غير الواجبة ونقص بنقصانها وهذا أيضا لا بأس به فإن ترك النقل جائز . والله أعلم .

عدم القطع بالنار لمسلم ظالم

السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم سؤال لعلمائنا أهل الاستقامة، ونخص جلالة سيدنا العالم العلامة عبد الله بن حميد السالمي دام مجده .

يا أيها العلماء في الأمصار

والسادة العظماء بالاقطار

ما قولكم أهل الرشاد ورأيكم

فيما بليت به من الأقدار

حلف امرؤ بطلاق زوجته ما


الحجاج قطعا إنه في النار

ماذا عليه وهل تبين بحرمة

في قوله في القطع بالإصرار

إن قلتمو بانت فما معنا كمو

ببراءة الكفار والفجار

وهو الذي سفك الدماء وقد نفى

أهل الهدى من سادة أبرار

روت الرواة ببغيه وفساده


بصحيح قول ثابت الأخبار


لو لم يكن في قتله لكفى إذا

بسعيد نجل جبير ذى الأنوار

في المؤمنين الله أنزل وحيه

بوعيد قاتلهم دخول النار

هذا دليل واضح من ربنا

أم ذاك حكم خص بالكفار

إن قلتمو هذا المقال مخصص

بالشرك قلنا كيف معنى الباري

ولقد برئتم من على ذي القفا

ر وسبطه آل النبي الأطهار

فرميتموهم بالضلال وقلتمو

هم أهل تحريف بلا انكار

ورضيتمو عن ابن ملجم الذي

جمع الكتاب مصحح الآثار

ولعنتمو آل ابن مروان الذي

منهم أبو حفص حليف الجار

هذا سؤالى لم أزل في حيرة

متعسفا من كثرة الأفكار


قسما بربي لم أكن متعرضا

لكن بليت بفتنة الأشرار


خاضوا وضلوا يخبطون بقولهم

عملوا بسنة أحمد المختار


أنّا على غير الصواب وإنهم

هم حجة في سائر الأمصار


افتوا فتى قد أوقعته ظنونه

بمقال أهل الزيغ في أخطار

ثم الصلاة على النبي وآله

أهل الهدى مع صحبة الأبرار

ما حن رعد أو تألق بارق

ليلا وغنى الطير بالأشجار

الجواب :
من حلف أن الحجاج في النار فقد حلف على غيب، ومن علق طلاقة امرأته بغيب وقع الطلاق وألغى التعليق لأن الشرط في هذا في حكم الملغى لتعذر الوقوف عليه في هذا الدنيا فكأنه قد جزم بطلاقها وله أن يراجعها فلا تبين بحرمة بل بطلاق واحد .
وقولنا بعدم القطع بالغيب لا يخالف الوعيد القاطع في عذاب من قتل مؤمنا وكذلك لا ينافى الوعيد في عذاب مطلق الفسقة ولا المشركين لأن الوعيد الوارد في ذلك إنما ورد على عموم الصفة فليس لنا أن نقطع به في شخص بعينه إلا بقيد نعتقده وهو قولنا إن كان لم يتب لأن باب التوبة مفتوح وقد جاءت بقبول التوبة الأدلة القاطعة، فعدم قطعنا بشخص واحد أنه في النار مأخوذ من مجموع أدلة الوعيد وأدلة التوبة وإن كان في الظاهر لم يتب فيمكن في علم الله أنه تاب من حيث لا نعلم نحن فنبرأ منه من حيث إنه قد اقترف المعاصى ولم نعلم أنه تاب منها، ولا نقطع بكونه في النار من غير شرط لاحتمال أن يكون قد تاب عند الله .
فالحكم بالبراءة إنما يكون على حكم الظاهر والقطع بدخوله النار يشترط أن يكون عن تعاطى علم الغيب الذي استأثر الله به فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فقد عملنا في البراءة منه بحكم الله الذي أوجبه علينا في البراءة من المصرين المحادين في حكم الظاهر، ولم نتعاط فيه الغيب إذ ليس ذلك إلينا وإنما هو إلى عالم السر والنجوى فأهل الأحداث المضلة في عصر الصحابة ومن بعدهم من قبلهم إنما نبرأ فهم بسبب ما أحدثوا من المعاصى التى أوجب ربنا تعالى مفارقتهم عليها والبراءة منهم بسببها ولا نقطع أنهم في النار إلا إذا كانوا قد ماتوا على ما علمناه منهم في حكم الظاهر فنحن نبرأ منهم بموجب حكم الله ونتأدب عن القطع في الغيب بموجب حكم الله .
والبراءة حكم من أحكام الله ولا تنافى دخول الجنة لمن تاب فإن الحد قد يقام على الشخص وهو في علم الله أنه من أهل الجنة، فمن قطع يده بحكم الله لا يكون مخالفا ولا مضيعا بل قائم فيه ومؤد فيه فرضه الذي أوجبه الله عليه . والله أعلم .

كفر من تشاءم بالقرآن

السؤال :
هل يجوز التشاؤم بشيء من القرآن ؟ وما منزلة المتشائم بشيء منه عند المسلمين ؟
الجواب :
التشاؤم بالقرآن أو ببعض القرآن كبيرة، بل كفر بل شرك، لا أراه إلا قد عادى القرآن وتطيّر به، فهو تبع لإخوانه القائلين : { قالوا اطّيرنا بك وبمن معك }(1) وهذه خدعة من خدع ابليس ومكيدة عظيمة من مكايده نسأل الله العافية والله أعلم .

التحذير من تعظيم غير الله كعظيم النافع الضار

السؤال :
المعظمون لأمكنة مخصوصة عندهم كشجرة وينذرون لها ويقولون تضر وتنفع وتبلى وتشفع، ما حكمهم عند المسلمين إذا أصروا على ذلك ؟ وهل يضر الزوجين سير أحدهما إلى هذه المواضع والتعظيم لها أو سار كلاهما ؟ وهل تحرم الذبيحة التى تذبح لها والطعام والمصنوع لذلك ؟
الجواب :
لا نافع ولا ضار إلا الله، فمن عظم شجرة أو عينا أو قبرا ومسجدا ونحوها تعظيم النافع الضار فهو عابد صنم قد خرج عن الإسلام إلى الكفر، وحكمه حكم عبدة الأصنام إن لم يتب وما أشركت الجاهلية إلا بمثل ذلك كانوا يعظمون الحجارة ومنهم من يعظم النار كالمجوس واعتقدوا أن ذلك نافع وضار ومنهم من اعترف أن الأصنام لا تنفع ولا تضر ولكن قالوا نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فهم يعبدون الأصنام ويعتقدون أنها غير نافعة من ذاتها إلا أنهم يرجون القرب بها من الله فلم ينفعهم ذلك وحكم عليهم القرآن بحكم الشرك وكذلك حكم عليهم نبي الله "، ومرّ رسول الله " على شجرة تذبح لها الجاهلية وتعلق فيها جلود الذبائح كما تفعل بعض الجهلة اليوم ويسمون تلك الشجرة ذات أنواط فلما رآها المسلمون قال بعض من لا علم له منهم يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فكبر ذلك على رسول الله " وأغلظ القول في انكاره وقال : لتسلكن سنن من كان قبلكم حتى أنهم لو دخلوا حجر ضَبّ لدخلتموه يشير بذلك إلى قصة بنى اسرائيل حين مروا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا يا موسى اجعل لنا إلَها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، وما ذبح على هذا الحال فهو كالذي ذبح على النصب وهو الذي أهل به لغير الله وذلك فِسق والله أعلم .

ترك العبادات وارتكاب المحرمات اعتقاداً أو عملا

السؤال :
قوم لا يقرؤون القرآن ولا يصومون رمضان ولا يصلون ويأكلون الربا وهم الخوجة ما تقول في طعامهم حلال أم لا ؟

الجواب :
لا أعرف هؤلاء القوم، فإن كانوا قد تركوا هذه الأشياء زعماً منهم أنها غير واجبة فهم مشركون، ورطوباتهم نجسة، وذبائحهم حرام، وإن كانوا يعتقدون لزوم ذلك وإنما يتركونه انتهاكا فإنهم فساق وحكمهم حكم فساق الأمة وبعض المسلمين شرّكهم حتى على هذا الوصف والله أعلم .

الفرق بين الإرادة والمشيئة

السؤال :
الفرق بين الإرادة والمشيئة فإنى لم يتقرر معى الفرق بينهما وما ذاك إلا لسوء الفهم ارقب الجواب .
الجواب :
أما بحسب اللغة فيستعمل كل منهما مقام الآخر، وأما بحسب استعمال الشرع، فإن المشيئة تستعمل في إيجاد المعدوم أو إعدام الموجود، والإرادة تستعمل في إيجاد المعدوم فالمشيئة أعم من وجه من الإرداة . ومن تتبع مواضع استعمالات المشيئة والإرادة في القرآن يعلم ذلك والله أعلم .

لا يقطع بالجنة إلا لمعصوم

السؤال :
قول أبى عيسى للعجوز هل توليت أبا حسن ؟ قالت نعم قال هل تدعين له بالجنة ؟ قالت نعم قال هل تدعين له أن يشاركك معه في المنزل في الجنة ؟ قالت نعم قال لها توبي إلى الله ليس للعبد أن يدعو بالمشاركة إلا مع المعصوم، نقول ما الفرق بين المعصوم وغيره في هذه المسألة والكل دعاء بالجنة وكذلك هي غير معصومة .
الجواب :
لعلّ لأبي عيسى في ذلك من العلم ما ليس لنا فإن باب العلم النقل الصحيح ولم أطلع على نقل يمنعه من غير المعصوم والقياس يسوى بينهما، وإن كان قد لاحظ ما في علم الله من إمكان شقاوة المدعى له فيستلزم ذلك الدعاء بالمشاركة في منزلته فإنا نقول إن ذلك غير مراد للداعى . والتقييد بالجنة ناف للاحتمال { والله يعلم المفسد من المصلح }(1) ولعلَّ أبا عيسى لاحظ أن الدعاء بذلك يستلزم القطع بالجنة ولا يكون القطع بها إلا لمعصوم ونحن نقول لا يستلزم القطع وإنما هو طلب لها وله والله أعلم .


معلوماته تعالى متناهية أم لا

السؤال :
ما قولك في معلومات الله أمتناهية هى أم غير متناهية ؟ فإن قلت متناهية تنافي علمه تعالى وإن قلت غير متناهية لزم إحاطة علمه بجميعها وكلا اللازمين باطل .
الجواب :
إن معلومات الله منها ما هو متناه وهو ما عدا ذاته تعالى، ومنها ما هو غير متناه وهو ذاته تعالى لأنها من جملة معلوماته . وما ذكرته من لزوم تناهي علمه تعالى بتناهى معلوماته فهو غير مسلم لأن ذلك اللزوم إنما يتوجه عليه أن لو كان عالماً بغير ذاته، والمذهب أنه عالم بذاته لا بعلم يتعلق بالمعلوم يتناهى بتناهيه وقد قرر بيان فساده في فنه . ولزوم إحاطة علمه بجميع معلوماته غير باطل بل هو الواجب في حقه تعالى إنه أحاط بكل شيء علما .
لا يقال على هذا يلزم أن تكون ذات الله تعالى محاطا بها والمحاط به متناه ضرورة، لأنا نقول إن الإحاطة التى يلزم عليها التناهي هي الإحاطة الحقيقية كإحاطة الحائط بالدار وأما إحاطة العلم بالمعلوم فلا يلزم عليها تناه لأنها مجاز استعاريّ شبه العلم بالشيء الحائط على ما احتوى عليه، بجامع أن كلا منهما لا يشذ عنه شيء مما أحاط به فالعالم لا يغرب عنه شيء من معلوماته، كما أن الحائط لا يخرج عنه شيء مما احتوى عليه . وفائدة التجوز التنبيه على أن علم الله لا يغرب عنه شيء وفائدته أيضا تقرير ذلك المعنى في عقول الناس حيث شبه بما شاهدته الحواس والله أعلم .
واعترض عليه بأنه قد يقال إنك جعلت الجنة والنار متناهيتين وقد أخبر الشارع عن بقائهما فإن كنت قد عنيت أنهما متناهيتان عقلاً فلا حكم للعقل مع ورود الشرع . ويجاب عنه : نعم انهما متناهيتان عقلا كغيرهما من سائر المخلوقات وإخبار الشارع عن بقائهما على الأبد لا ينقلهما عن حكمها العقلى، بيانه أن جميع المخلوقات قابل للتناهي في نفسه لكن منهم ما استحال تناهيه لإرادة الله له عدم التناهي وهما الجنة والنار وأهلوهما، ومنها ما بقى على أصله الأول من جواز التناهى وليس هذا محل ما قالوه : لا حكم العقل مع ورود الشرع، وتقسيمنا الأول منسحب على المتناهيات من حيث ذاتها والله أعلم .
ويجاب أيضا عن هذا الاعتراض بأننا لا نسلم أن الجنة والنار غير متناهيتين وقد وصفتا بالطول والعرض ووصف أهلوهما بذلك أيضا، وهذا هو عين التناهى، واخبار الشارع عن دوامهما وخلودهما لا يفيد عدم تناهيهما وإنما يفيد بقاءهما وبقاء ما فيهما وهو معنى عارض عليهما وعلى ما فيهما قابل للتناهى عقلا، وأيضا لو لم يخبر الشارع بعدم تناهيه فلا يشذ عن تقسيمنا شيء أصلا لدخول هذا المعنى تحت المتناهى عقلا بحسب ذاته، وعدم التناهى بعارض عليه وهو تأثير إرادة الله فيه عدم التناهى فيقال في مثل هذا متناه عقله غير متناه شرعا فيبقى حكم العقل فيه بحسب ذاته على ما كان كما رأيت .
وبهذا تعرف أنه ليس هذا محل لا حكم للعقل مع ورود الشرع، وإنما محله هو فيما إذا قدرنا إنسانا مكلفا لم تبلغه الحجة الشرعية في تحليل الأشياء وتحريمها فعليه عند المحكمين للعقل أن يفعل ما حسن في عقله ويترك ما قبح، فإذا ورد الشرع بتحسين ما استقبحه أو تقبيح ما استحسنه رجع إليه وترك حكم عقله والله أعلم .
تسمية مرتكب الكبيرة منافقا

السؤال :
ما تقول يا شيخنا في قول أصحابنا إن فاعل الكبيرة غير كبيرة الشرك منافق وقد قال الله تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }(1) ؟ فالمفهوم من هذا أن فاعل الكبيرة أشد عذابا من المشرك مع أنه لا كبيرة فوق الشرك، ومن مذهبهم أن العذاب على قدر الأعمال وكثير ما يرد في الأحاديث أن من فعل كذا وكذا حشر مع فرعون وهامان والفعل كبيرة لا شرك، تفضل ببيان ذلك .


الجواب :
إن تسميتهم صاحب الكبيرة بالمنافق اصطلاح منهم على ذلك، فالمنافق عندهم صنفان أحدهما أظهر الإيمان وأخفى الشرك والثاني أظهر الايمان وطابقه اعتقاده لكنه نقض ما أقر به، فالآية خاصة بأهل الصنف الأول وإنما كان أهل ذلك الصنف أشد عذابا من المشركين لأنهم زادوا على الشرك بمخادعة المؤمنين في إظهارهم الإيمان وهم كاذبون .
لا يقال : إن هذا الاصطلاح ممنوع لا يهامه أنه حقيقة شرعية لأنا نقول : إنه لا يتوهم ذلك إلا من لم يطلع على قواعدهم التي مهدوها وليس في الاصطلاح مشاحة، ولو لم يكن لهم فيه اصطلاح لقلنا إنه مجاز مشهور في صاحب الكبيرة علاقته التشبيه وذلك أن كل واحد، من يخفى الشرك وصاحب الكبيرة، ناقض ما أقر به في الجملة وذلك النقض هو في مخفى الشرك أشد فصح استعارته لصاحب الكبيرة .
وعلى هذا المجاز المشهور يحمل ما ورد في الأحاديث من إطلاق اسم المنافق على من نقض ما أقر به بفعل الكبيرة غير الشرك ولك أن تقول ان اسم المنافق حقيقة شرعية فيمن أخفى الشرك وأظهر الإيمان وفيمن نقض ما أقر به بفسق فيكون مشتركا بينهما، وتحمله في الآية على أول المعنيين بقرينة أن صاحب الكبيرة ليس بأشد عذاباً من المشترك وإنما قدمنا التوجيه الأول تنبيها على أن المجاز أولى من الاشتراك فيدفع أعني الاشتراك ما أمكن وما ورد أن فاعل نوع من الكبيرة يُحشر مع فرعون وهامان فهو مبالغة فائدتها تهويل الأمر وتعظيم المعصية وزجر النفوس عن طبعها الردى، وصدق ذلك أنه يحشر مع فرعون وهامان في النار لا في منازلهم منها، فالابهام للنكتة المذكورة والله أعلم هذا ما ظهر لي فلينظر فيه ولايؤخذ إلا بعدله والسلام والله أعلم .

اثبات صفة الوجود في الخارج لله تعالى

السؤال :
هل يجوز أن يقال إن الله موجود في الخارج أم لا ؟
الجواب :
يجوز أن يقال ذلك لأن الوجود في الخارج هو عبارة عن الوجود في نفس الأمر، ولا شك أن الله موجود وجودا واجبا لذاته والله أعلم .

الدعاء بالرحمة لغير المتولى

السؤال :
هل يجوز أن يسلم على غير المتولى حتى يصل إلى ورحمة الله وبركاته أو يرد عليه السلام كذلك إذا لم ينو بالرحمة والبركات إلا الدنيوية .

الجواب :
ذكر صاحب القواعد رحمه الله في جواز الدعاء بخير الدنيا لغير المتولى خلافا، والوجه عندى التفصيل فإن كان غير المتولى عدواً للمسلمين قد أباح الشرع سفك دمه وتضييع ماله فهذا لا يجوز أن يدعى له بخير الدنيا لأن في الدعاء له بذلك مخالفة لما أمر الشرع به، فالواجب على كل مكلف بلغه علمه أن ينكر وأن يسعى في إتلافه إن قدر علىذلك وإن لم يقدر فالواجب عليه أن لا يحبّ بقاءه، فأين محل جواز الدعاء له بخير الدنيا ؟ وان كان غير عدو للمسلمين في ظاهر الأمر وإنما هو مجهول الحال مثلا فيصح القول بجواز الدعاء بخير الدنيا لمثل هذا، فيدخل في ذلك جواز الدعاء بالرحمة والبركات الدنيويين والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .

التأمين على دعاء غير المتولى

السؤال :
هل يجوز أن يؤمن علىدعاء غير المتولى إذا دعا المتولى أو دعا لنفسه بما يجوز أن يدعى به لغير المتولى أم لا ؟

الجواب :
نعم يجوز ذلك إذ ليس في التأمين إلا طلب الإجابة من الله تعالى لدعاء الداعي، والإجابة ليست هى القبول حتى يمنع من طلبها لغير الولى بيان الفرق بينهما أن إجابة الدعاء من الله تعالى هي فعل الله للعبد ما طلبه إياه والقبول اثابته تعالى للعبد في الآخرة على عمله، والممنوع طلب القبول لغير الولى لا طلب إعطاء الله العبد ما هو من الأمور العاجلة والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والله أعلم .

قصيدة ابن النظر بتضليل القائل بخلق القرآن

السؤال :
ما تقول شيخنا في النونية التى أولها :

يامن يقول بفطرة القرآن


جهلا ويثبت خلقه بلسان

فإنها قد اشتهرت إنها عن الشيخ ابن النظر، وأنت خبير بأن فيها التصريح بتضليل من قال إن القرآن مخلوق، وفيها التصريح بتكذيبه وتخطئته إلى غير ذلك من التشنيع، فهل يجوز لأحد أن يخطئ من خالفه برأي أم لا وتكون هذه ضلالة لا تصح ولاية ابن النظر معها ؟ ومن تولى الشيخ ابن النظر مع صحة تلك النونية عنه فما حكمه ؟ فضلا منك برفع الحجاب عن واضح الصواب مأجورا إن شاء الله تعالى .
الجواب :
والله الهادى إلى طريق الصواب، لا يحل لأحد أن يضلل من خالفه برأى، ومن فعل ذلك فهو ضال منافق لقوله " : أيما امرءا قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه وفي تلك النونية ما ذكرته من التضليل والتفسيق فعلى تقدير صحتها عن الإمام ابن النظر تلزم البراءة منه حاشاه من ذلك، ومن تولاه مع علمه بأن تلك النونية عنه ولم يعلم بأنه تاب منها ورجع عنها فهو ضال منافق لقوله تعالى { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }(1)وقوله " : " من أحب قوماً فهو منهم " .
لكن ليست تلك النونية عن ذلك الإمام رحمه الله تعالى وإن اشتهرت أنها عنه، فتلك الشهرة إنما هى شهرة دعوى لا شهرة حق لاحتمال أن يكون منشؤها أحاديا ولا دليل على أنه ليس بأحادي كيف تكون شهرة حق ما كان مستندها إلا نسخة ثم انتشرت هذا الانتشار، وعدم النكير من المسلمين لا يزيدها صحة لاحتمال أن يكون سكوتهم عن عدم اطلاع منشئها على تقدير أن منشأها حق فلا يصح قبوله من واحد لما فيها من موجب التكفير لقائلها، بل يشترط في قبولها أحد الطرق الأربعة التى تنادى بها موجب البراءة، وهي : المشاهدة والإقرار وشهادة العدلين وشهرة الحق وما عدا هذه الأربعة الطرق لا يصح قبول موجب البراءة منه واحتزوا بشهرة الحق عن شهرة الدعوى وضربوا لذلك مثلا بشهرة الشيعة بالبراءة من الصديق والفاروق نحوهما فهذه النونية عن ابن النظر من الشهرة التى خرجت عن تلك الطرق الأربعة . هذا ما ظهر لي والله أعلم والسلام عليك ورحمة الله والله أعلم .

العمل بقصد الجاه، والاخبار عن العمل للاقتداء

السؤال :
من قصد بإيمانه وعمله من الطاعات أن يوسع الله جاهه ونشر فضله في الدنيا وأن يقويه وينصره على أعدائه وأن يثيبه على هذا وغيره من صالح أعماله في الآخرة، هل يقدح في إيمانه شيئا ؟ وهل يكون عمله خالصا على ذلك ؟ أفتنا مأجور إن شاء الله .
الجواب :
قد سألت شيخنا عن هذه المسألة فأجاب بأن العمل لله ولغرض آخر لا يجوز لأنه من باب الإشراك مع الله في العمل وهو الرياء المحرم . لكن يجوز أن يعمل لله مخلصا ثم يظهر ذلك العمل لتكون له المنزلة عند المسلمين فيدعوا له بخير وعند العوام ليقتدوا به فيكون قائدهم إلى ربهم وطلب الجاه والمنزلة عن المسلمين إذا لم يكن القصد الثناء والسمعة جائز وحاصل ما أجاب به أن فعل الطاعة لقصد الجاه والثواب حرام، وأن إظهارها بعد أن عملت خالصة لوجه الله جائز إذا قصد بإطهارها شيء من الأمور المتقدم ذكرها وهو عندي صواب لاغبار عليه والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والله أعلم .

مسألة المقتول ميت بأجله

السؤال :
المقتول ميت بأجله أو بغير أجله هل مسألة من باب الدين أم من باب الرأي وما الحجة في ذلك ؟
الجواب :
إن المقتول ميت بأجله الذى قدره الله عندنا وعند الأشعرية، ودليلنا على ذلك قوله تعالى { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون }(1) وقوله تعالى { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }(2) فدلت هاتان الآيتان على أن الأجل لا يسبق ولا يستأخر فوجب أن يكون المقتول ميتا بأجله . وخالفت في ذلك المعتزلة فمنهم من ذهب إلى أن للمقتول أجلين وأنه لو لم يقتل لبقى إلى الأجل الثاني ومنهم من ذهب إلى أن له أجل واحد وأن القاتل قطعه عليه فمات قبله واحتج الفريقان بحجج لا طائل تحتها قد ذكرناها مع الجواب عليها في المشارق .
وأما قولك هل هذه المسألة من باب الدين أو الرأي ؟ فاعلم أنه إن أرادوا أن لهذا المقتول في علم الله أجلاً فمات قبل ما في علم الله تعالى فهى من باب الدين، لأنه يلزم عليه نسبة الجهل لله تعالى عن ذلك، وكذا إن أردوا أن الله قد أراد أن يموت هذا المقتول في أجل غير الأجل الذي قتل فيه لما يلزم عليه من نسبة العجز والإكراه لله عز وجل . أما إن أرادوا أن الله قد علم موت هذا المقتول في هذا الأجل وأراده فلا يلزم عليه تفسيق لكن يكون قولهم بأنه ميت قبل أجله خطأ لعدم الدليل عليه، وإنما قلت لا يلزم عليه تفسيق مع ورود الآية بخلافه لاحتمال أن يتأولوا الآيات لأنها محتملة للتأويل والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله . والله أعلم .

الوسوسة في مسائل العقيدة

السؤال :
من يأتيه الشيطان بوسوسة في سَبّ الإله وشتمه وهو يردها بالآيات الباهرة { لا تدركه الأبصار }(1) و{ ليس كمثله شيء }(2) و{ تعالى عمَّا يقولون عُلُوَّا كبيرا }(3) ومع ذلك يودّ أن يكون ترابا لا يعقل شيئا وهذا الرجل لا يثبت لله ما لا يثبته الله ولا ينفى عن الله ما أثبته الله لنفسه ماذا عليه من هذا أيهلك بها أم لا ؟
الجواب :
ليس عليه من هذا شيء ولا يهلك بذلك لأنه فعل بمرافعته تلك الوسوسة ما يجب عليه، وهو باعتقاده الحق في حق مولاه سالم، والذي أحبه لهذا المبتلى أن لا يغرق النظر في مثل هذه الأمور لشدها خطرها وأن يتناسى ذلك فإني أرجو أن يكون في تناسيه شفاء من دائه والله أعلم .

الخلاف في مسألة خلق القرآن

السؤال :
عرض عليه جواب مسألة عن شيخنا أحمد بن شيخنا سعيد بن خلفان الخليلى ونصها مسألة عن الاختلاف الموجود في آثار الأصحاب في خلق القرآن هل هو اختلاف رأي أم دين وما الحق فيها ؟ قال : " الله أعلم، وأنا ضعيف عن الخوض في هذه المسائل مخافة الغرق في بحارها بالتغلغل في تيارها إلا ما وجدناه خصوصاً عن أهل العلم منصوصاً فإن كان ولا بد من التشبث بأذيالها فأقول :
أما المسألة المسماة بمسألة خلق القرآن والاختلاف فيها فليس الاختلاف الموجود في آثار الأصحاب في خلق هذه الألفاظ الملفوظة والحروف الملحوظة وإن جرى الاصطلاح بتسميتها بمسألة خلق القرآن فلا مشاحة في الاصطلاح فإن ذلك لم يقل بعدم خلقه أحد من الموافقين والمخالفين فيما علمنا إلا بعض الحنابلة والمخالف في ذلك مقطوع العذر لجعله المخلوق غير مخلوق، وقد نزل في القرآن وصفه بصفات الحدوث من كونه منزلا ومحدثا وفي صدور الذين أوتوا العلم ونحو ذلك مما وصفه الله به، فالقائل بعدم خلقه واصف له بغير ما وصفه به الله من صفات الحدث هالك في دين الله، ولهذا ذهب بعض العصريين كالشيخ الضرير السالمى إلى أن المخالف في هذه المسئلة مقطوع العذر وهى مسألة دين على معنى قوله، ونفى عن الشيخ ابن النظر أن تكون القصيدة النونية المنسوبة عنه في ديوانه ان تكون عنه نظرا إلى هذا، وأما ما وراء ذلك من علم الله فهو الذي وقع الخلاف فيه، فالمذهب أن علم الله الذي هو القرآن أنزله بعلمه كما قال تعالى أي بعلمه الذي هو صفة ذاته ولهذا قال والدنا رحمه الله على أثر كلام الشيخ السماحى ما نص لفظه : " قد تأملت ما أورده الشيخ سعيد بن قاسم في مباحث خلق القرآن من الاحتجاج، فعلمت أنه على صراط مستقيم لا زيغ فيه ولا اعوجاج، وقد اكتفينا عن الإعادة، بما فيه الإفادة، لأنه قد جاء بالحسنى وزيادة، وبالجملة فلم نر فيما تعلق به المختلفون إلا شبها لفظية لا تصلح لتقويم البراهين، فأنّى يصح أن نأتيه بها على غير دليل واضح مستبين، وإنما ارتبك فيها بعض الأكابر كالشيخ ابن النظر ومن في طبقته من الأقدمين فتداولتها الآثار وملئت فيها الاسفار وعدّت في زمانهم مسألة رأي لا دين، وما ذلك إلا لظهور النزاع وعدم تأتي الاجماع في كل حين، وعلى كل حال من عرف الحق وأبصر الصدق أن يأخذ بالعدل تاركا للهزل فإنه من غير ما لبس ولا مين، عين فرض له على الأصح وفرض عين، وإنما عد اختلافا كما شاع في مثله من المسائل الخلافية كالقول بطهارة دم الباغى في الآثار المغربية وتحريم قهوة البن في الآثار المشرقية، وقد اثبت رأيا ورسماً على ما لهما من وهن في البرهان، ووضوح الحق في خلافهما للعيان، وفي أقوال السلف من الصحابة والخلف من نظر هذا من النوازل الفقهية ما لا يحصى عدده ولا يكاد يحصر حده وكفى به عن الإطالة والله أعلم " انتهى كلامه .
فانظر كلام والدنا رحمه الله فإنه جعل الشيخ ابن النظر من القائلين بعدم خلق القرآن ولم ينف عنه ما ورد عنه وعن غيره من بعض الأكابر فالأقرب ما أشرنا إليه في كلام الشيخ العلامة أبي سعيد رحمه الله ايماء إلى طرف من هذا كما هو موجود في جزء بيان الشرع وغيره والله أعلم .
قال انظر أيها الأخ عيسى في هذا الكلام فإنه هو زبدة الجواب الذي أجبت به الغينى وطلبته مني فما ساعد القدر باسعافك به حينئذ فاعرضه على شيخنا الضرير وأنا راجع إلى الله عن كل ما خالف الحق فيه خصوصاً، وفي جميع كلامي عموماً، وتائب إليه مما لا يرضاه مني قولا وعملا ونية، وقولى قول المسلمين ومعترف بجهلى وحيرتى وعدم أهليتى للفتوى وجوابه أرجوه منك فيما يراه فيه وعليك السلام من أخيك البليد أحمد بن سعيد الخليلى بيده .
الجواب :
ليس الخلاف الموجود في الآثر المعروف بمسألة خلق القرآن في علم الله تعالى إذ لم يقل أحد من أمة محمد " بأن علم الله مخلوق حتى يكون الخلاف في ذلك وإنما الخلاف في خلق القرآن المنزل .
فمنهم من قال بخلقه نظرا إلى صفاته اللازمة للحدوث من كونه منزلا ومتلوا مجعولا ومحدثا وأنه مركب من حروف ملفوظة ومعان ملحوظة إلى غير ذلك .
ومنهم من زعم قدمه نظرا إلى أنه كلام الله وكلام الله قديم وأنه علم الله وعلم الله قديم إلى غير ذلك من الشبه الواهية التي يخجل الواقف عليها من النظر إليها فإنه وإن كان كلام الله قديما وعلمه تعالى قديما فليس القرآن من الكلام القديم وإنما هو من الكلام الفعلى واطلاق العلم عليه مجاز فهو علم الله بمعنى معلومه ومنه ما في حديث العلم لما خلقه الله تعالى قال له اكتب علمي في خلقي أي معلومى .
ولما كان القدماء يعلمون من بعضهم بعضا أنهم لا يريدون اثبات قديم غير القديم الواحد توقف بعضهم من قطع العذر في المسألة لعلمه أن الخلاف لفظي وتشجع آخرون فتبروا من القائل بأن القرآن قديم عملا بظاهر اللفظ فتناقلت الأسفار آثارهم وعميت على المتأخرين أخبارهم فوجد القولان في الآثر فاشكلا على العوام، ولعمرى أن في بقائها على أشكالها لخطراً عظيماً لأنه يفضي إلى اعتقاد العامة أن هذا القرآن المتلو قديم فكان توضيحها فرضاً على القادر على بيان الحق فيها .
وأما النونية المنسوبة لابن النظر فقد أنكر نسبتها إليه بعض من كان قبلى ولم تصح بالبينة أنها عن ابن النظر ولا يخفى ما فيها من قبيح الكفر ولا يصح أن ينسب إلى مسلم شيء من الكفر إلا بصحة شرعية فإن نسبة الكفر إلى المسلم بغير صحة شرعية بهتان فلذلك أنكرت نسبة النونية إلى ابن النظر مع أنها مخالفة لكلامه في ميميته ورائيته . والله أعلم .

المقتول ميت بأجله

السؤال :
عما ذكره في المشارق بناء على مسألة الآجال التى مضى البحث فيها تخريجا لمسائل المعتزلة على وجه حق أنه قد يكون للمقتول أجلان أجل يقتل فيه وأجل يموت فيه حتف أنفه وقد مر البحث في تصويرها أليست هذه المسألة هى عين المسألة الممحوة منه أم ثم فرق تفضل بالجواب .
الجواب :
تعذر حمل قول المعتزلة على الصواب في تلك المسألة لأن قولهم فيها ناشىء عن اعتقادهم الفاسد في الإراده حيث زعموا أن الله لم يرد جميع ما يقع من الإنسان فلزمهم أن يعصي باستكراه والقاتل العاصى عندهم لم يرد الله قتله فهو قد فعل خلاف ما أراد الله في زعمهم، تعالى الله وكون المقتول له أجلان أجل يعيش إليه إن لم يقتل وآخر يموت فيه إن قتل وقد علم الله أن الواقع أحد الأريين بشبه الأرواق المقدرة على الأسباب فهى دون مسألة اللوح لأن المشكل هنالك كتابة شيء على الأطلاق فيظهر تقييده وليس في هذه المسألة شيء من ذلك فهي تقديرات مسببة إن صح القول بذلك ولا حاجة إلى القول به قالوا اجب امعان النظر في معانى الكتاب والسنة دون معاني القدر ولا بد للشباب من غره نسأل الله أن يكفينا وإياكم شرها والله أعلم .

عدم القطع بالنار لمسلم ظالم

السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم سؤال لعلمائنا أهل الاستقامة، ونخص جلالة سيدنا العالم العلامة عبد الله بن حميد السالمي دام مجده .

يا أيها العلماء في الأمصار

والسادة العظماء بالاقطار

ما قولكم أهل الرشاد ورأيكم

فيما بليت به من الأقدار

حلف امرؤ بطلاق زوجته ما


الحجاج قطعا إنه في النار

ماذا عليه وهل تبين بحرمة

في قوله في القطع بالإصرار

إن قلتمو بانت فما معنا كمو

ببراءة الكفار والفجار

وهو الذي سفك الدماء وقد نفى

أهل الهدى من سادة أبرار

روت الرواة ببغيه وفساده


بصحيح قول ثابت الأخبار

لو لم يكن في قتله لكفى إذا

بسعيد نجل جبير ذى الأنوار

في المؤمنين الله أنزل وحيه

بوعيد قاتلهم دخول النار


هذا دليل واضح من ربنا

أم ذاك حكم خص بالكفار

إن قلتمو هذا المقال مخصص

بالشرك قلنا كيف معنى الباري

ولقد برئتم من على ذي القفا

ر وسبطه آل النبي الأطهار

فرميتموهم بالضلال وقلتمو

هم أهل تحريف بلا انكار

ورضيتمو عن ابن ملجم الذي

جمع الكتاب مصحح الآثار

ولعنتمو آل ابن مروان الذي

منهم أبو حفص حليف الجار

هذا سؤالى لم أزل في حيرة

متعسفا من كثرة الأفكار


قسما بربي لم أكن متعرضا

لكن بليت بفتنة الأشرار


خاضوا وضلوا يخبطون بقولهم

عملوا بسنة أحمد المختار


أنّا على غير الصواب وإنهم

هم حجة في سائر الأمصار

افتوا فتى قد أوقعته ظنونه

بمقال أهل الزيغ في أخطار

ثم الصلاة على النبي وآله

أهل الهدى مع صحبة الأبرار



ما حن رعد أو تألق بارق

ليلا وغنى الطير بالأشجار

الجواب :
من حلف أن الحجاج في النار فقد حلف على غيب، ومن علق طلاقة امرأته بغيب وقع الطلاق وألغى التعليق لأن الشرط في هذا في حكم الملغى لتعذر الوقوف عليه في هذا الدنيا فكأنه قد جزم بطلاقها وله أن يراجعها فلا تبين بحرمة بل بطلاق واحد .
وقولنا بعدم القطع بالغيب لا يخالف الوعيد القاطع في عذاب من قتل مؤمنا وكذلك لا ينافى الوعيد في عذاب مطلق الفسقة ولا المشركين لأن الوعيد الوارد في ذلك إنما ورد على عموم الصفة فليس لنا أن نقطع به في شخص بعينه إلا بقيد نعتقده وهو قولنا إن كان لم يتب لأن باب التوبة مفتوح وقد جاءت بقبول التوبة الأدلة القاطعة، فعدم قطعنا بشخص واحد أنه في النار مأخوذ من مجموع أدلة الوعيد وأدلة التوبة وإن كان في الظاهر لم يتب فيمكن في علم الله أنه تاب من حيث لا نعلم نحن فنبرأ منه من حيث إنه قد اقترف المعاصى ولم نعلم أنه تاب منها، ولا نقطع بكونه في النار من غير شرط لاحتمال أن يكون قد تاب عند الله .
فالحكم بالبراءة إنما يكون على حكم الظاهر والقطع بدخوله النار يشترط أن يكون عن تعاطى علم الغيب الذي استأثر الله به فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فقد عملنا في البراءة منه بحكم الله الذي أوجبه علينا في البراءة من المصرين المحادين في حكم الظاهر، ولم نتعاط فيه الغيب إذ ليس ذلك إلينا وإنما هو إلى عالم السر والنجوى فأهل الأحداث المضلة في عصر الصحابة ومن بعدهم من قبلهم إنما نبرأ فهم بسبب ما أحدثوا من المعاصى التى أوجب ربنا تعالى مفارقتهم عليها والبراءة منهم بسببها ولا نقطع أنهم في النار إلا إذا كانوا قد ماتوا على ما علمناه منهم في حكم الظاهر فنحن نبرأ منهم بموجب حكم الله ونتأدب عن القطع في الغيب بموجب حكم الله .
والبراءة حكم من أحكام الله ولا تنافى دخول الجنة لمن تاب فإن الحد قد يقام على الشخص وهو في علم الله أنه من أهل الجنة، فمن قطع يده بحكم الله لا يكون مخالفا ولا مضيعا بل قائم فيه ومؤد فيه فرضه الذي أوجبه الله عليه .

حكم أطفال الكفار

السؤال :
أطفال أهل الشرك والفسق إذا ماتوا قبل التكليف كيف حالهم في الآخرة؟ إن قلت هم في الجنة قلنا لك ما معنى قوله تعالى { ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً }(1) وقوله تعالى { ألحقنا بهم ذريتهم }(2) ومن السنة قوله " لزوجه خديجة وقد سألته عن أولادها الصغار من غيره وقال : لو شئتي لأسمعتك ثغائهم في النار .
وإن قلت هم في النار قلنا لك ما معنى قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى }(1) وآية أخذ الميثاق، ومن السّنة قوله " : " كل مولود يولد على الفطرة " و" رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم " وما معنى هذا الالحاق دينا وأخرى أم أحدهما ؟ وإذا كانت أم الصبي مسلمة والأب كافراً أو العكس مَن الأولى بالالحاق ؟ تفضل أوضح لي هذه المسألة لما بها من أمور مشكلة وقضايا معضلة مأجوراً والسلام وهل فرق بين أحكام أطفال أهل الشرك وأهل الفسق أم لا .
الجواب :
جميع الأطفال عندنا في الجنة وهو المذهب المختار وإن قيل في أولاد المشركين والفساق بغير ذلك من الوقوف وغيره فهذا القول هو المذهب الصحيح لتلك الآيات وذلك الحديث اللواتي ذكرتهن .
فأما قوله تعالى { ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً }(1) فحكاية عن نبيه نوح عليه السلام قال ذلك في قومه لما رأى من حالهم بطول انتظاره لأولادهم رجاء أن يسلم منهم أحد فكلما جاءت ذرية خرجت بعد البلوغ كافرة وساروا سيرة آباؤهم فانقطع رجاء نبي الله منهم ووصفهم بالكفر والفجور لما رأى منهم بعد البلوغ وليس المراد بأنهم فجار كفار في حال الطفولية .
وأما الحديث فقد قال فيه المدقق الخليلي رحمة الله عليه أنه متأوّل إذ لم يقل أنهم في النار ولكن أبهم الجواب وعلقه بمشيئتها علماً بأنها لا تشأ ولم يصرح بشيء لئلا تكون بإذاعته تسلية للكفار تأسياً بالمولى في ترك ذكرهم . والله أعلم .

ذات الله تعالى لا يحدّها فكر

السؤال :
لا يخفى أن الحد هو المعروف الجامع المانع فيلزم من ذكره تصور المحدود، وكذلك يلزم من ذكره التعريف الذي هو اللفظ الموضوع بإزاء مفهوم اجمالي شامل له التصور بل لا بد عند ذكر اللفظ الموضوع لمعنى حصول أحد شيئين مثلا إذا قلت في تعريف النبي أنه انسان أوحى إليه بشرع فقد حصل عند ذلك هيئته في النفس من ذكر النبي وهو المعنى وحصل من ذلك اللفظ أيضاً شيء يعرفه السامع وهو المدلول عليه في الخارج .
وقد عرفوا الذات العلية بأنها حقيقته الخاصة التي لا يعلمها إلا هو ثم قالوا وغاية العلم بها أنها ذات لا كالذوات ولا شك أنّ هذا اللفظ لم يحصل به تلك المعاني المذكورة بل لم يحصل به تصور شيء أصلاً .
أفلا تحسر لنا في كشف نقاب هذه المهمة عن ساعد الهمة، فعسى أن تجد أجر ذلك غداً إن شاء الله تعالى .
الجواب :
والله الهادي، نعم يتحصل من التعريف تلك المعاني المذكورة، والرب تعالى لا يتصوره ولا يحيط به فكر، فامتنع حد ذاته لذلك .
وقولهم أن ذاته هي حقيقته الخاصة التي لا يعلمها إلا هو ليس بحد للذات العلية بل ولا رسم لها، لأن الحد كما عرفت إنما يكون بالفصل إذا كان الحد ناقصاً، وبه بعد الجنس إذا كان كاملاً، والرب تعالى لا جنس له ولا فصل، والرسم انما يكون بالخاصة إذا كان ناقصاً وبها بعد الجنس إذا كان كاملاً، والخاصة إنما هي عبارة عن عارض مختص بالنوع وذاته العلية لا تحلها الأعراض .
فظهر أن ذلك القيل ليس بحد ولا رسم للذات العلية تعالى ربنا، وإنما هو كلام معناه أن ذاته تعالى لا يعلمها إلا هو، ألا تراهم حيث أقروا بالعجز عن الادراك وقالوا غاية العلم بها أنها ذات لا كالذوات ؟ وفي هذا القدر كفاية إن كنت من أهل الدراية ومن الله العون والهداية والله أعلم .

هل تدخل الملائكة الجنة ؟

السؤال :
ما وجد في كتاب كرسى الأصول تأليف الإمام العالم سعيد بن خلفان رحمه الله تعالى في من وجبت له ولاية الحقيقة من كتاب أو سنة على من علم فيه ذلك أن يحكم له بالجنة إلا الملائكة عليهم السلام فأشكل على هذا الاستثناء، لأن الملائكة عليهم السلام قد ورد القرآن بسعادتهم في الأزل وأحكام الله في عباده لا تتبدل وعلم الله في خلقِه لا يتحول، وأنا لقلة علمي ورقاقة فهمي لا أعرف تأويل هذا الاستثناء والمراد بمراده فيه رحمة الله من المحتملات أو التفسيرات، أو أنه وضع الاستثناء موضع شيء من الحروف العطفية . تفضل بين لنا ما يذهب مشكلة ويرد عليه عقله .
الجواب :
استثناء الملائكة من الحكم بالجنة لا من الولاية وذلك أن الجنة ثواب لكل ولي من البشر، وأما الملائكة فلا بحكم لهم بالجنة إذ لا غرض لهم في الأكل والشرب والجماع، وإنما يحكم لهم برضا الله عنهم وأن يعطيهم من الثواب ما يوافق طباعهم كخدمة أولياء الله، كما في قوله تعالى حكاية عنهم { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة }(1) وكإيصال الهدايا إلى الأولياء والتسليم عليهم { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار }(2) فهم أولياؤنا ولا نحكم أن الجنة لهم ثوابا بل ثوابهم إنفاذ أوامر ربهم والقيام بالخدمة ويا لها منزلة يفتخر أحدكم بالقرب من ملك الدنيا فكيف يكون لهم الفخر بالقرب لهم من ملك الملوك :

.............................................


تبصر خليلى هل ترى من ضغائن


والله أعلم .

بحث لشيخنا العلامة أبي محمد عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي ما ذكره المتكلمون في كتبهم كالإمام عبد العزيز في شرح النونية والباجورى في حواشى الجوهرة وغيرهما في تأويل أحاديث زيادة العمر بأعمال البر ما نصه أو بالنسبة ما تثبته الملائكة في صحفهم لأنه قد تثبت فيها الشيء مطلقا وهو في علم الله مقيد ثم يؤول إلى موجب علمه تعالى إلى أن قالوا كأنه يكون الموجود في صحفها أن عمر زيد خمسون سنة مثلا وهو مقيد في علم الله تعالى بألا يفعل طاعة كذا وأنه إذ فعلها كان عمره ستين سنة مثلا وسبق في علمه تعالى أنه يفعلها فإن يفعلها ويعيش ستين سنة، فالمعتبر في العمر هو ما العلم الأزلى بالوصول إليه ما قيل فأقول وبالله أستعين على فهم ما صعب وكشف ما خفى علي فهل ما تثبته الملائكة عليهم السلام في صحفها تثبته بأمر الله جل وعلا أم من أنفسهم فإن كان بأمر الله عز وعلا فهل يصح أن يأمر بشيء وهو في علمه خلافه؟ وأي حكمه في هذا ؟ فإن في النفس من هذا الأمر شيئا . قال الله تعالى { ما يبدل القول لدى }(1) ولا يصح أن يقال أن ذلك من عند أنفسهم حاشابه أن يثبتوا ما لم يؤمروا به لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

(1) سورة التوبة، الآية 5

(1) سورة المنافقون، الآية 1

(2) سورة النساء، الآية 145

(1) سورة التوبة، الآية 1

(1) سورة الشمس، الآية 13

(2) سورة الحجر، الآية 9

(3) سورة القدر، الآية 1

(4) سورة السجدة، الآية 1

(1) سورة الزمر، الآية 38

(2) سورة الأنبياء، الآية 98

(3) سورة المائدة، الآية 76

(1) سورة الزمر، الآية 3 (2) سورة ص، الآية 5 (3) سورة النحل، الآية 20







(1) في المخطوطة بعد الجواب ما نصه : ومر هذا الشيخ المجيب على هذه المسألة يوماً على قبر الامام المنير ابن النير الجعلاني فزاره وتوسل به إلى ربه، وسلم عليه ثم ذكر بعد ذلك تشريك الوهابية لمن فعل ذلك فقال :
زُرْ منيراً يا ذا وسلم عليه


واقتد بالرسول في كل فعل


زار اهل البقيع خيرُ البرايا


وكذا امه فدَعْ كل عـــذل


قل لعذالنا الأولى شَرَّكونا

فعل خير الورى فشَرِّكْه قبلى


فإذا قلت : مشرك قلت : حسبي

منزل حلَّه النبي كمثلي






(1) سورة الاسراء، الآية 36

(1) سورة آل عمران، الآية 135

(2) سورة النحل، الآية 43

(3) سورة النساء، الآية 83

(1) أي الحكم بهلاك من لم يجد مفتيا وأقدم على أمر وكان حراما ..

(2) سورة الأنفال، الآية 42

(1) سورة هود، الآية 18

(2) سورة النساء، الآيات 29 و 30

([1]) في الأصل " إلا " والصواب " لا " .

(1) سورة البقرة، الآية 140 .

(2) سورة النور، الآية 13

(1) سورة البقرة، الآية 286

(1) سورة الطور، الآية 21

(1) سورة الذاريات، الآية 53
(2) سورة البقرة، الآية 146



(1) سورة التوبة، الآية 6

(1) سورة آل عمران، الآية 187

(1) سورة الزخرف، الآية 19

(1) سورة النساء، الآية 145

(1) سورة المائدة، الآية 51

(1) سورة الحجر، الآية 5

(2) سورة النحل، الآية 61

(1) سورة الأنعام، الآية 103

(2) سورة الشورى، الآية 11

(3) سورة الاسراء، الآية 43

(1) سورة المزمل، الآية 20

(2) سورة البقرة، الآية 235

(1) سورة الأنعام، الآية 28

(1) سورة الطلاق، الآية 12

(1) سورة العنكبوت، الآية 3

(2) سورة التغابن، الآية 7

(3) سورة الأعراف، الآية 189

(4) سورة فاطر، الآية 3

(5) سورة الأعراف، الآية 65

(1) سورة البقرة، الآية 164

(1) سورة الأعراف، الآية 180

(1) سورة الأنعام، الآية 103

(1) سورة ابراهيم، الآية 4

(2) سورة الشورى، الآية 11

(1) سورة الزمر، الآية 67

(2) سورة طه، الآية 5

(1) سورة الرحمن، الآية 27

(1) سورة هود، الآية 18

(1) سورة هود، الآية 18

(2) سورة آل عمران، الآية 61

(3) سورة النساء، الآية 52

(4) سورة البقرة، الآية 161

(1) سورة الجن، الآية 23

(2) سورة النساء، الآية 93

(3) سورة طه، الآية 82

(1) سورة الأنبياء، الآية 96

(2) سورة الكهف، الآية 98

(1) سورة يونس، الآية 32

(1) سورة النحل، الآية 96

(1) سورة فاطر، الآية 6

(2) سورة المائدة، الآية 51

(1) سورة البقرة، الآية 141

(1) سورة الحديد، الآية 13

(1) سورة الجن، الآيتان 26 و 27

(1) سورة البقرة، الآية 87

(1) سورة يس، الآية 3

(2) سورة ن، الآية 4

(3) سورة الواقعة، الآية 79

(1) سورة الشرح، الآية 4

(1) سورة الأنعام، الآية 158

(2) سورة يونس، الآية 91

(1) سورة الأنفال، الآية 9

(1) سورة محمد، الآية 19

(2) سورة النصر، الآية 3

(1) سورة المطففون، الآيات 1 - 3

(2) سورة البقرة، الآية 286

(3) سورة النحل، الآية 9

(1) سورة التوبة، الآية 71

(1) سورة الأحزاب، الآية 36

(2) سورة الكهف، الآية 29

(3) سورة محمد، الآية 33

(1) سورة البقرة، الآية 141

(1) سورة آل عمران، الآية 106

(2) سورة آل عمران، الآية 97

(1) سورة المائدة، الآية 44

(1) سورة التوبة، الآية 67

(2) سورة الحشر، الآية 11

(1) سورة الاسراء، الآية 15

(2) سورة يس، الآية 6

(1) سورة الأنبياء، الآية 1

(1) سورة يس، الآية 7

(1) سورة المائدة، الآية 27

(1) سورة ق، الآية 29

(1) سورة المزمل، الآية 20

(2) سورة البقرة، الآية 235

(1) سورة الأنعام، الآية 28

(1) سورة العنكبوت، الآية 2

(2) سورة التغابن، الآية 7

(3) سورة النساء، الآية 1

(1) سورة فاطر، الآية 3

(2) سورة الأعراف، الآية 59

(1) سورة الروم، الآية 50

(2) سورة البقرة، الآية 164

(1) سورة الرعد، الآية 39

(2) سورة الأنبياء، الآية 23

(1) سورة النساء، الآية 69

(1) سورة الحجر، الآية 47

(2) سورة الصافات، الآية 50

(1) سورة النساء، الآية 59

(1) سورة القيامة، الآيتان 22 و 23

(1) سورة البقرة، الآية 280

(1) سورة الرحمن، الآية 7

(1) سورة الروم، الآيات 1 - 3

(2) سورة المجادلة، الآية 22

(3) سورة المائدة، الآية 51

(1) سورة المائدة، الآية 52

(2) سورة المائدة، الآية 53

(3) سورة المائدة، الآية 53

(1) سورة البقرة، الآية 8

(2) سورة البقرة، الآية 14

(3) سورة آل عمران، الآية 119

(1) سورة التوبة، الآية 154

(1) سورة المائدة، الآية 68

(2) سورة آل عمران، الآية 55

(1) سورة فاطر، الآية 8

(2) سورة المؤمنون، الآية 91

(3) سورة البقرة، الآية 286

(1) سورة الأنعام، الآية 90

(1) سورة النحل، الآية 90

(1) سورة المائدة، الآية 51

(1) سورة الممتحنة، الآية 10

(1) سورة الأنفال، الآية 2

(1) سورة النمل، الآية 47

(1) سورة البقرة، الآية 220

(1) سورة النساء، الآية 145

(1) سورة المائدة، الآية 51

(1) سورة الحجر، الآية 5

(2) سورة الأعراف، الآية 34

(1) سورة الأنعام، الآية 103

(2) سورة الشورى، الآية 11

(3) سورة الاسراء، الآية 43

(1) سورة نوح، الآية 27

(2) سورة الطور، الآية 21

(1) سورة فاطر، الآية 18

(1) سورة نوح، الآية 27

(1) سورة فصلت، الآية 31

(2) سورة الرعد، الآيتان 23 و 24

(1) سورة ق، الآية 29

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسوأ , الدين , الجزء , السادسفتاوى


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[كتاب إلكتروني] كتاب إلكتروني "جوابات الإمام السالمي" بأجزائه الستة عابر الفيافي الكتب الالكترونية والأعمال الأخرى 23 09-20-2015 11:18 AM
صلاح الدين الايوبي أبو الطيب نــور عـلـمـاء الأمــة 7 10-29-2011 10:14 PM
كتاب : الفتاوى كتاب الصلاة ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي عابر الفيافي نور الفتاوى الإسلامية 8 10-26-2011 09:29 PM
الجزء الثاني- فتاوى الزكاة عابر الفيافي جوابات الإمام السالمي 0 03-10-2011 12:52 PM


الساعة الآن 02:47 PM.