فتاوى حول بعض آيات القرآن لأحمد الخليلي - الصفحة 3 - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات


العودة   منتديات نور الاستقامة > الــنـــور الإسلامي > نور الفتاوى الإسلامية

نور الفتاوى الإسلامية [فتاوى إسلامية] [إعرف الحلال والحرام] [فتاوى معاصرة] [فتاوى منوعة]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 21 )
::مشرف::
::المكتبة الإسلامية الشاملة ::


رقم العضوية : 372
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : عُمان/منطقة الظاهرة/ولاية عبري
عدد المشاركات : 448
عدد النقاط : 35

المعمري1166 غير متواجد حالياً



20- واجب المسلمين في التمسك بالقرآن وأحكامه
السؤال:
ذكرتم سماحة الشيخ سببين لقصور المسلمين وهي أنهم لم يفهموا كتاب ربهم ولم يستوعبوه أو أنهم فهموه ولم يطبقوه ، هل ترون أن هذين السببين فقط أم أن هناك أسباباً أخرى بحاجة على إعادة صياغتها من جديد ؟
الجواب :
حقيقة الأمر القرآن الكريم اتُخذ مع الأسف الشديد وسيلة للتسلي .
الأمة الإسلامية تقرأ القرآن كما تقرأ الشعر من أجل أن تتسلى به ، وهذا أمر فيه خطورة كبيرة .
الله تبارك وتعالى يقول ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24) ، إنما الأمة الإسلامية مطالبة بأن تتدبر القرآن ، بحيث إنها تحرص على تأمله آية آية وجملة جملة وكلمة كلمة وحرفاً حرفا .
عندما يتدبر الإنسان القرآن الكريم تتفتح له آفاق واسعة ، آفاق معرفية ، آفاق في الدنيا وفي الآخرة ، آفاق في عالم الروح وفي عالم الجسم ، آفاق في العالم المعنوي وفي العالم المادي ، هذا كله إنما يكون بتأمل الإنسان لكتاب الله تبارك وتعالى .
كتاب الله سبحانه وتعالى أنزله الله تعالى هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فمعنى هذا عندما يقرأه الإنسان لا يقرأه لأجل أن يتسلى بقراءته ، وإنما يقرأه لأجل أن يتدبر ما فيه ، ويمعن النظر في أوامره وتوجيهاته ونصائحه وإرشاداته .
الإنسان طاقة عظيمة ، الله تبارك وتعالى اختزل فيه مع صغر حجمه العالم بأسره ، هو العالم الأصغر:
( وتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر)
فالعالم الأكبر منطوٍ في هذا العالم الأصغر ، في هذا الإنسان ، ولكن يهدر الإنسان هذه الطاقات العظيمة التي مُنحها .
وإنما القرآن الكريم جاء من أجل تفجير هذه الطاقات العظيمة ، جاء من أجل وصل هذا الإنسان بهذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف .
الله تبارك وتعالى يمتن على الإنسان بنعم جُلى في كتابه الكريم يقول سبحانه وتعالى كما ذكرت من قبل ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: من الآية29) ، معنى ذلك أن كل ما الأرض إنما هو مخلوق للإنسان ، وهذا واضح من خلال التسخير ، ففي هذا الكون الأرضي حيوانات تشارك الإنسان الحياة والوجود في هذه الأرض ، وهي تفوق الإنسان بكثير ، بعضها أعظم حجما من الإنسان بأضعاف مضاعفة ، وبعضها أقوى قوة من الإنسان بأضعاف مضاعفة ، وبعضها أشد إقداماً من الإنسان ، ولكن مع ذلك سخرت هذه الحيوانات للإنسانية .
نجد أن الإنسان استطاع أن يستخرج الحيوانات من عمق البحار ، واستطاع أن يأتي بالحيوانات من القفار ، جاء بالأسد من الغاب وجاء بالفيل وجاء بغيرها من الحيوانات وسخرها له ، بينما هذه الحيوانات كلها لم تأخذ الإنسان إليها لتسخره لمنافعها وتستخدمه في مصالحها ، لا بل الحيوانات هي قاصرة عن ذلك ، عاجزة عن ذلك ، هذا دليل على أن الإنسان أوتي طاقات ، وأن ما في الكون إنما هو مسخر له .
ومع هذا يمتن الله تبارك وتعالى علينا بأنه سخر لنا ما في الكون بأسره ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه)(الجاثية: من الآية13) ، فإذا استطاع الإنسان أن يتصرف في أي شيء مما يوجد في هذا الكون لمصلحته فليتصرف لأن الكون كله مسخر له .
ومع هذا نجد أيضاً أن القرآن الكريم يأخذ بالعقل البشري ليطوف به في آفاق هذا الكون ، يطوف به في أرجائه ويربط ذلك بالعقيدة عقيدة التوحيد ، الله تبارك وتعالى يقول ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:163-164) .
وكم من آية جاء فيها ( أفلم يسيروا في الأرض ) ، كم من آية جاء فيها دعوة الإنسان إلى السير في الأرض والإمعان وأخذ العبر والدروس من أحوال الأمم السابقة ، في نهضتها وعثرتها ، في حياتها وموتها ، في بقائها واضمحلالها كل من ذلك فيه عبر لأولي الألباب من أجل أن يستفيد الإنسان لأن حياة البشر حياة اجتماعية ، والإنسان كائن اجتماعي ، وسنن الله تبارك وتعالى في هذه الحياة البشرية لا تتبدل ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62) ، سنة الله لا تتحول ، جعلها الله تبارك وتعالى في الأمم المتعاقبة هكذا .
فعلى الإنسان أن يعتبر بأسباب النهوض والكبوة ، بأسباب النجاح والفشل ، بأسباب التقدم والتأخر ، بأسباب الرقي والانحطاط ، كل من ذلك على الإنسان أن يعتبر به ، والقرآن الكريم يحث على هذا .
ثم إن القرآن الكريم كذلك يكشف للإنسان أغوار وجوده بنفسه ، أغوار طبعه التي لم يكن الإنسان على دراية بها ، يكشف للإنسان أبعاد هذا الكون من خلال ما يخبر به عن نظام الكائنات ، كل ذلك مما يدعو إلى الاعتبار .
فما لهذه الأمة وقد تأخرت ، هذا دليل على أنها لم تأخذ بالقرآن الكريم على أنه كتاب هداية ، وإنما اكتفت على أن يكون كتاب تسلية وإلا لكان وضع الأمة غير هذا الوضع الذي نراها عليه اليوم .

توقيع :

تعلم لوجه الله واعمل لوجهه****وثق منه بالموعود فهو جدير

تـعـرض لـتـوفـيـق الإله بحبه****ودع ما سـواه فالجميع قشور





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 22 )
::مشرف::
::المكتبة الإسلامية الشاملة ::


رقم العضوية : 372
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : عُمان/منطقة الظاهرة/ولاية عبري
عدد المشاركات : 448
عدد النقاط : 35

المعمري1166 غير متواجد حالياً



21- استحضار السكينة والتدبر مع عظيم الأجر عند التلاوة
السؤال:
عندما أستمع إلى تلاوة القرآن الكريم أجد في نفسي السكينة والطمأنينة والخشوع ولكني عندما أقرأ القرآن بنفسي لا أشعر بنفس الشعور والإحساس وأتثاؤب كثيراً وتثقل أجفاني بالنوم ، فما أفعل حتى تسكن نفسي وتخشع لتلاوة القرآن الكريم ؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فيقول الله تبارك وتعالى ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21) ، في هذا القول الشريف من الله سبحانه وتعالى ما يدل على عظم شأن القرآن وأثره وتأثيره في هذه الحياة ، فإن الله تبارك وتعالى لو أنزله على جبل لتصدع الجبل من عظم ما جاء به ، فكيف بهذا الإنسان لولا قساوة قلبه البالغة ، فإن الإنسان هو أشد قسوة من الحجارة ( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)(البقرة: من الآية74) .
الإنسان يُطلب منه عندما يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى أن يقبل عليه بشعور خاص ، أن يقبل عليه بشعور أنه يتلقى عن الله ، لأن ذلك هو كلام الله سبحانه ، فيستحضر في نفسه أن الله تبارك وتعالى يخاطبه بهذا القرآن ، ولذلك عليه أن يقابل هذا الخطاب بخضوع وتذلل بين يدي الله سبحانه .
ثم إن الإنسان مطالب بأن يتدبر القرآن ولذلك قال الله سبحانه في الآية التي ذكرناها من قبل ( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، أي ليتفكروا ، فإن ضرب هذه الأمثال من أجل التفكر والاتعاظ وإقبال الإنسان بكليته على كتاب الله . ويقول سبحانه وتعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24) .
على أن الإنسان يؤمر عندما يقبل على كتاب الله تبارك وتعالى يتلوه أن يستحضر بأنه يعالج به نفسه فإن الله تعالى يقول ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَاراً) (الاسراء:82) ، فهو شفاء وهو رحمة للمؤمنين .
نعم هو شفاء لأن الله تعالى شفى به الصدور ، ذلك لأن كل ما يتعلق بحياة هذا الإنسان حله في كتاب الله .
فالله تبارك وتعالى جعل هذا الكون وهذا الوجود وهذه الحياة سراً عجيباً ولغزاً مُعمّى . فالإنسان إن لم يستهد بهدي كتاب الله تعالى فإن الحياة أمامه تكون لغزاً لا يفهم أولها وآخرها ، ولا مبدأها ولا مصيرها ، ولا ماذا يترتب على وجوده فيها .
وقد جعل الله تعالى في كتابه الكريم حل هذا اللغز ذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل في هذا الكتاب تعريفاً بهذا الإنسان من أين جاء وإلى أين ينتهي وماذا عليه أن يعمل فيما بين مبتدأه ومنتهاه ، فهو حل لغز العقيدة إذ عرّفه أولاً بربه ، عرّف القرآن الإنسان بربه سبحانه وتعالى وأنه هو الخالق وأنه هو الرازق ، وبيّن له من خلال مشاهد هذا الكون سر ربوبية الله وألوهيته ، فهو يطوف بهذا الإنسان بين أرجاء الكون على أن الكون كله مسرح لاعتبار هذا الإنسان .
فعندما يتلو الإنسان مثلاً قول الله تبارك وتعالى ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) (البقرة:163 ) ، ثم يتلو بعد ذلك قوله عز وجل ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة: 164) .
عليه أن يعتبر وأن يدرك ماذا يراد منه ، فإنه عُرفّ بأن الإله المعبود إنما هو إله واحد ، ثم أتبع ذلك ما أتبع من بيان حقائق هذا الوجود ، وأن في خلقه السموات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى آخر ذلك آيات لقوم يعقلون ، هذه الآيات إنما هي لمن تدبر وتفكر وأمعن ، فإن السموات والأرض يعني الكون كله إنما هو وحدة متكاملة ، كل جزء منه مكمل لبقية الأجزاء ، فلا يمكن أن يصدر ذلك إلا من إله واحد ، إذ لو كان هنالك تعدد في الآلهة لأدى ذلك إلى اختلاف حال الكون ، لأن لكل واحد منهم لو تعددوا إرادة مستقلة وفي هذه الحالة كل واحد منهم يستقل بمراده فيؤدي ذلك إلى الاختلاف بينهم ، ولكن هذا الانسجام بين أجزاء هذا الكون وهذا التناسق العجيب إنما هو دليل على وحدانية الله سبحانه .
وكذلك ما ذكر مما يقع في هذا الكون من اختلاف الليل والنهار بنظام رتيب عجيب ، وما ينزله الله سبحانه وتعالى من السماء من ماء وما يترتب على ذلك من نبات هذه الأرض بحيث جعل في ما ينزله من ماء خاصية الإنبات وجعل في هذه الأرض خاصية النبات ، وبهذا النزول يتم التلاقح ما بين الخاصيتين فيؤدي ذلك إلى أن تنبت الأرض ما تنبته ، وما يتبع ذلك من بيان الفلك التي تجري في البحر وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض كل من ذلك يدعو الإنسان إلى الاعتبار ، فهذا الذي يقرأ كتاب الله إنما يطلب منه أن يعتبر ، ويطلب منه أن يتملاه .
كذلك عندما يأتي إلى نحو قول الله سبحانه ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل:59) ، عليه أن يعتبر بأن عليه حقوقاً واجبة وفروضاً لازمة لخالقه سبحانه وتعالى الذي هو الإله الواحد ، وأنه وحده هو الذي يستحق العبادة ، وكل إله يعبد من دونه ليس له أي شيء من حق هذه العبادة ، وإنما إشراكه مع الله تبارك وتعالى إنما هو إنقلاب إلى الضلال وحيرة في هذه الحياة وانطماس لبصيرة العقل ، ثم ما يتبع ذلك من قوله سبحانه وتعالى ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل:60-64) .
كل من ذلك يستدعيه أن يقف عند كل كلمة من هذه الكلمات ، وعند كل جملة من هذه الجمل ، وأن يتملى ما فيها ويستذكر ما انطوت عليه حتى يكون موصولاً بربه سبحانه .
كذلك هو أيضاً شفاء من حيث تعريف الإنسان بسنة الله تعالى في خلقه لأن الله تبارك وتعالى يبين في كتابه سننه في هذا الخلق ، فهو يدعو إلى الاعتبار بمصير القوم الظالمين .
ففي مصير القوم الذين ظلموا أنفسهم وانقلبت عاقبتهم إلى السوء عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين ، فكم من أحد منهم كان يخيل أنه ينطح السماء بقرنيه ويطأ الجوزاء بنعليه وإذا به ينقلب إلى مصير فيه عبرة للمعتبرين ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (النازعات:26) ، كما كان لفرعون وقارون وهامان وغيرهم من الأمم التي بادت ، عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ، كل هؤلاء في مصيرهم عبرة للمعتبرين ، والله تبارك وتعالى يدعو الناس إلى الاعتبار بمصير القوم الظالمين في القرآن الكريم ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (الأنعام:6 ).
فإذاً عندما يقرأ قصص الأمم الماضية عليه أن يعتبر ، وأن يقف وقفة المشاهد لمصيرهم ومنقلبهم وما كانوا عليه .
ثم كذلك بالنسبة إلى العبادات وبالنسبة إلى الأحكام والمعاملات والوصايا المتعلقة بالأخلاق وبغيرها في كل من ذلك ما يدعوه إلى الاعتبار ، وأن يتكيف وفق تعاليم القرآن الكريم .
فإذن لو حاول أن يعد نفسه لتلقي هذا البيان الإلهي على هذا النحو لطار عنه ما يجده من الكسل وما يأتيه من التثاؤب عندما يتلو كتاب الله تبارك وتعالى بنفسه .
فعليه الاعتبار أي أن يقرأ القرآن قراءة متدبر معتبر متعظ مدّرك ، وبحول الله تبارك وتعالى يتغلب على هذه المشكلة .
------------------------------------------
السؤال:
توجد هناك أحاديث كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلّم تبين فضل تلاوة القرآن الكريم من ذلك ما ورد أن الحرف بعشر حسنات ، فهذا الثواب هل هو للتلاوة مجردة أم للتلاوة بشرط التفكر ؟
الجواب:
لا ريب أن الإنسان لا يطلب منه أن يتلو القرآن لاهياً غافلاً ، هذه التلاوة ليست لها قيمة ، هذه التلاوة ليست فيها روح ، هي بمثابة الجسم المتعفن الذي لا أثر له ولا حراك له بل ربما يضر ولا ينفع ، فهو لا ينفع قطعاً ولكن ربما يضر لأن تعفنه يؤدي إلى النتن ، نتن رائحته وإضراره بالناس ، فكذلك شأن العبادة الفاقدة للروح كالصلاة التي تفقد الخشوع وكذلك تلاوة القرآن عندما لا يكون هنالك تدبر وإمعان ، إنما على الإنسان أن يقاوم الوسوسة . لا ريب أن كل أحد تعتريه الوسوسة ، وكل أحد تعتريه الغفلة ، وكل أحد يحاول الشيطان أن يلبس عليه أمره وأن يبعده عن التفكر والإمعان لكن عليه مغالبة ذلك وأن يحرص على أن يعالج نفسه ويداوي أدوائه بهذا القرآن الكريم عندما يتلوه .

توقيع :

تعلم لوجه الله واعمل لوجهه****وثق منه بالموعود فهو جدير

تـعـرض لـتـوفـيـق الإله بحبه****ودع ما سـواه فالجميع قشور





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 23 )
::مشرف::
::المكتبة الإسلامية الشاملة ::


رقم العضوية : 372
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : عُمان/منطقة الظاهرة/ولاية عبري
عدد المشاركات : 448
عدد النقاط : 35

المعمري1166 غير متواجد حالياً



22- تكذيب الكفار بالبعث ومجادلة القرآن لهم
السؤال:
من خلال تأملي لكتاب الله تعالى لاحظت أن الكفار يكذبون بالبعث أكثر من تكذيبيهم بالخالق سبحانه وتعالى ؟
الجواب :
نعم هم يعتقدون وجود الله ولكنهم يشركون معه آلهة أخرى ، فلذلك يسلبونه سبحانه وتعالى ما هو خاص به وحده ، ومن هنا يقيم الله تبارك وتعالى عليهم الحجج في كتابه فهو يقول ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38) .
أما بالنسبة إلى المعاد فهم يتجاهلون آيات الله تبارك وتعالى الكبرى التي تدل على المعاد ، وإنما الفطرة دعتهم إلى الاعتراف بوجود الله ، فالإنسان الذي ينكر وجود الله تعالى إنما يكابر فطرته ويغالب عقله ، إذ كل ما في الكون يدل على وجوده سبحانه ولذلك قال الله سبحانه وتعالى ( أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(إبراهيم: من الآية10) يعني أن كل ما في هذا الكون من أجزاء السموات والأرض دال عليه سبحانه ، فكل ذرة من ذرات الوجود إنما هي كلمة من كلمات الله ناطقة بتوحيده سبحانه وتعالى وناطقة بتسبيحه ودالة على وجوده ، كما قال الأعرابي عندما سئل بم عرفت ربك ؟ فقال : البعرة تدل على البعير ، وأثر القدم يدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلي بهذه الكثافة ألا يدلان على الصانع الخبير .
وبالنسبة إلى يوم القيامة فإن الله تبارك وتعالى أقام عليهم الحجج لأنهم لقصور عقولهم استبعدوا أن يبعث الإنسان بعد أن يموت وتتحول خلاياه إلى ذرات ترابية متبعثرة بحيث تتلاشى في هذه الأرض وتغيب فيها فرأوا من المستبعد أن يجمع الله تبارك وتعالى هذا الشتات وينفخ في الإنسان هذه الروح مرة أخرى ، ولذلك ضرب الله تبارك وتعالى لهم الأمثال وبيّن لهم آياته الدالة على أن ذلك ليس عسيراً وليس شاقاً بل هو هين في حقه سبحانه وتعالى ، وكل شيء هين في حقه ، وإنما هذا أهون من نشأة الكون ، فقد قال سبحانه وتعالى ( أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يّس:77-83) .
الله تعالى هنا ضرب هنا مثلاً لهؤلاء الذين يكابرون في حقيقة البعث ويمارون فيه ، ضرب لهم مثلاً إذ بيّن أن هذا الإنسان هو خلق من نطفة ، ما هي هذه النطفة ؟ هي جزء حقير ، بلغ في حقارته أنه ينظر بالمجهر ولا يكاد يبصر ، ومع ذلك توجد فيه جميع خصائص البشرية العامة التي يشترك فيها البشر ، وتوجد أيضاً في هذه الخلية جميع الخصائص البشرية الأسرية الخاصة ، أي الخصائص الأسرية التي تتوارث من أسرة إلى أسرة ، هذه موجودة فيها ، ولذلك يكون الشبه حتى إلى جدود بعيدين بسبب هذه الخصائص المتوارثة التي تنطوي عليها تلك الخلية .
ثم مع ذلك طور الله تبارك وتعالى هذا الإنسان أطوارا حتى أخرجه إنساناً بهذا القدر ، جعل هذه الخلية تخرج منها ملايين الملايين من الخلايا ، وهي متنوعة ومع ذلك نفخ فيه من روحه ، ومع ذلك جعل الله تبارك وتعالى له السمع والبصر والمشاعر والحواس والعلم والقدرة إلى آخره من هذه الأمور العجيبة .
كل من ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى ليس بعزيز عليه أن يعيد هذا الإنسان مرة أخرى كما خلقه أول مرة .
وبيّن سبحانه مع ذلك أن الذي يحي العظام وهي رميم هو الذي أنشأها أول مرة بهذه الحالة ، وأنه هو الذي خلق السماوات والأرض ، فمن خلق السماوات والأرض لا يعجزه أبداً أن يعيد خلق الإنسان كما كان أول مرة لأن السماوات والأرض لم تكن موجودة من قبل وقد أخرجها من عدم ، كل هذا الكون أخرجه الله تبارك وتعالى من عدم ، ولئن كان أخرج هذا الكون المترامي الأطراف من عدم فكيف بالإنسان الذي وجد وتكون وصار سميعاً بصيراً ألا يقدر الله تبارك وتعالى الذي أوجد هذا الكون من عدم على إعادته مرة أخرى ، بل ذلك أهون والكل في حق الله هين ، والله تعالى أعلم .

توقيع :

تعلم لوجه الله واعمل لوجهه****وثق منه بالموعود فهو جدير

تـعـرض لـتـوفـيـق الإله بحبه****ودع ما سـواه فالجميع قشور





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 24 )
::مشرف::
::المكتبة الإسلامية الشاملة ::


رقم العضوية : 372
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : عُمان/منطقة الظاهرة/ولاية عبري
عدد المشاركات : 448
عدد النقاط : 35

المعمري1166 غير متواجد حالياً



23- حوار الحضارات وموقف القرآن منه
السؤال:
كثر الحديث خصوصاً في السنوات الأخيرة عن حوار الحضارات وأعدت هناك الكثير من الدراسات والاطروحات وعقدت الكثير من المؤتمرات .
وهو موضوع يمكن بحثه من جوانب مختلفة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية ، ونحن في هذا اللقاء ننظر إلى حوار الحضارات من خلال رؤية شرعية مستمدة من هذه الشريعة الغراء ، وباعتبار أننا أمة تستمد تصوراتها وأفكارها وتهتدي في سلوكياتها وتصرفاتها بهدي الكتاب العزيز ، فهل هناك من نصوص أو إشارات في كتاب الله أو في سنة الرسول صلى الله عليه وسلّم يمكن أن نستلهم منها مشروعية الدخول في حوار الحضارات ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الله تبارك وتعالى بعث عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلّم كما بعث إخوانه من الرسل من قبل برسالة الحق ، رسالة الهدى ، رسالة الإنقاذ لهذه الإنسانية ، رسالة وصل الدنيا بالآخرة ووصل المخلوق بخالقه تبارك وتعالى أولاً ، رسالة وصل هذا الإنسان المستخلف في هذه الأرض ببني جنسه ، ووصله بهذا الكون بأسره ، لأن الإنسان مستخلف في جزء منه وهو الأرض ، وممكن في الانتفاع بجميع أجزاء هذا الكون .
فلذلك كانت هذه الرسالة رسالة عقل . والله سبحانه وتعالى شرف الإنسان بالعقل ، وميزه به على غيره ، وجعله مناط تكليفه وسبب هدايته . ونجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ما يدل على تكريم العقل ورفع قدره فالله تعالى يقول ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، ويقول ( لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) ، و( لقوم يذكرون ) ، و ( لقوم يتفكرون ) ، و( لقوم يعلمون ) ، مما يدل على أن العقل عندما يستخدم استخداماً سوياً سليماً يؤدي بهذا الإنسان إلى أن يهتدي بفضل الله تبارك وتعالى وتوفيقه .
ولما كان العقل هو مناط تكريم الإنسان والإسلام جاء بهذه الرسالة مبنية على أسس من العقل السليم والشرع الصحيح فإن خطابه للعقلاء من الأمم مبني على هذا الأساس .
ولذلك نحن نجد في كتاب الله تعالى حواراً لجميع الفئات من البشر ، للضالين من مختلف الفئات .
الله تبارك وتعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلّم بمحاورة المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة أخرى ، ويبين له من خلال النظرة العقلية الفاحصة لهذا الكون وسننه ونواميسه التي طبعه الله تبارك وتعالى عليها ما يدل على وحدانية الله سبحانه ، فالله تعالى يقول ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (الرعد:16) .
ويقول سبحانه وتعالى أيضاً موجهاً لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم إلى محاورة أولئك الذين ضلت عقولهم ، وانحرفوا عن سواء الصراط ، واتخذوا مع الله آلهة أخرى ، وعوّلوا على مخلوقات لا تنفع ولا تضر في طلب قضاء الحاجات وفي التوصل إلى الرغائب ، وفي الوصول إلى المقاصد ، فالله تبارك وتعالى يقول ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (النمل:59-64) .
فهذا كله حوار مع الإنسان على أسس العقل . فإن القرآن الكريم يفتح مدارك هذا العقل ، ويبين لهذا الإنسان أن حقائق الوجود كلها تنبئ بلسان حالها أنها مفتقرة إلى واجب الوجود لذاته ، وأنها لا يمكن أن تقوم بنفسها . ولذلك يقول أحد علمائنا ( إن كل ذرة من ذرات الكون هي كلمة من كلمات الله ناطقة بوجوده سبحانه وما عداها فهو كالشرح لتلك الكلمة ) .
فالقرآن الكريم جاء بخطاب العقل ، جاء بتوجيه الإنسان إلى الخير ، جاء بمحاورة هذا الإنسان الذي آتاه الله تبارك وتعالى ما آتاه من عقل ، ولكن طمس هذا العقل بضلاله وبانحرافه ، بمخلفات أسلافه التي جعلها مقدمة على العقل ، ورأى أن سلامته في أن يغمض عينيه ويسد أذنيه ولا يعول إلا على ذلك الموروث الذي ورثه هدى كان أو ضلالاً ، حقاً كان أو باطلاً .
وكما أنه يحاور المشركين من العرب هذا الحوار بحيث إنه يوقفهم على الحقيقة التي يجب أن يسلّموا لها إن كانوا عقلاء وهي وحدانية الله سبحانه وتعالى فإنه يحاور أيضاً أهل الكتاب ويبين لهم أن الحق يقتضي أن يفردوا الله تبارك وتعالى بالعبادة وأن لا يشركوا معه غيره ، فالله تبارك وتعالى يقول ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) ، هذا هو منطق العقل .
الله سبحانه وتعالى يدعوهم إلى أن يجتمعوا إلى كلمة سواء بين المؤمنين وبين أهل الكتاب ، وهذه الكلمة السواء أن لا يشركوا بالله ما لم يأذن به ، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أرباباً ، وأن لا يدعوا مع الله إله آخر .
هذا كله هو حوار جاء به الإسلام دين الله تعالى الحق .
فالإسلام يفتح مجالاً واسعاً للحوار مع أي أحد ، ولكن لا يعني ذلك أن هذا يعني التشكيك في أي قضية من قضايا الإسلام .
الإسلام جاء من عند الله ، ليس لأحد فيه دخل ، فلا يعني هذا أن ينزل الإنسان عن شيء من قضايا الإسلام ، من عقيدة الإسلام ، من موروث الإسلام ، مما جاء في كتاب الله ، مما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، لا يمكن أن يكون لأي أحد في ذلك دخل ، ولا يملك أي أحد أن ينزل عن أي شيء من ذلك ، وكل من رد شيئاً من ذلك فهو ناقض للإسلام من أساسه .
وإنما هذا الحوار من أجل أن هذه الرسالة رسالة الإسلام هي رسالة عالمية ، هي رسالة لا تقف عند حدود الزمان والمكان ، جاءت لتكون هدى للناس ، جاءت لتكون هدى للعالمين ( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً )( الفرقان: من الآية1) ، جاءت هذه الرسالة من أجل إخراج هذا العالم بأسره من فساده وانحرافه وباطله إلى الصلاح والحق والاستقامة على سواء الصراط .
الله تبارك وتعالى أخبر فيما أنزله في مكة المكرمة في الآيات المكية أن هذا الإسلام هو رحمة للعالمين ، الله تعالى يقول ( إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ )(يوسف: من الآية104) (التكوير:27) (صّ:87) ، ويقول ( وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) (القلم:52) ، جاء ذلك كما نرى في سورة يوسف وهي سورة مكية ، في سورة ص ، في سورة القلم ، في سورة التكوير ، هذه كلها سور مكية .
وكثير من الناس حاولوا أن يكابروا أولئك الذين كبر عليهم أن تكون دعوة الإسلام دعوة عالمية حاولوا أن يكابروا ويزعموا بأن عالمية الإسلام ما كانت مذكورة في الدعوة المكية وإنما دعا إليها رسول الله صلى الله وسلّم أو نادى بها بعدما انتقل إلى المدينة المنورة ولاحت له علائم النصر فرجا أن تكون دعوته دعوة عالمية . هذا من كذبهم وافترائهم والكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلّم ، وإلا فالآيات المكية تدل على هذا .
الدعوة الإسلامية قامت على أساس أن تكون دعوة عالمية من أول أمرها .

توقيع :

تعلم لوجه الله واعمل لوجهه****وثق منه بالموعود فهو جدير

تـعـرض لـتـوفـيـق الإله بحبه****ودع ما سـواه فالجميع قشور





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 25 )
::مشرف::
::المكتبة الإسلامية الشاملة ::


رقم العضوية : 372
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : عُمان/منطقة الظاهرة/ولاية عبري
عدد المشاركات : 448
عدد النقاط : 35

المعمري1166 غير متواجد حالياً



24- ( وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ )( الأعراف: من الآية46)
السؤال:
ما معنى الأعراف ، وما المقصود بهم ؟
الجواب :
أصحاب الأعراف فيهم خلاف كثير بين أهل العلم ، فمنهم من قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وقد نص المفسرون على أن المراد بذلك الصغائر لا الكبائر كما في تفسير القرطبي وغيره من كلام المفسرين وجاءت بذلك ورايات إلا أنها هذه الروايات لم تصل إلى درجة الصحة التي يعتمد عليها ، ومع هذا أيضا فإنه من المعلوم أن الحديث الآحادي لا يترتب عليه الأخذ بشيء من القضايا العقدية لأن الاعتقاد ثمرة اليقين ، واليقين لا يكون إلا بدليل قطعي ، والدليل القطعي لا يكون إلا نصاً متواتراً وذلك إما أن يكون نصاً في كتاب الله أو في رواية متواترة عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام .
وهناك آراء أخرى متعددة تصل إلى اثني عشر رأياً ، منهم من قال هم الأنبياء ، ومنهم من قال هم الملائكة ، ولكن القول بأنهم ملائكة بعيد لأن الله تعالى وصفهم بأنهم رجال ، ومنهم قال هم الشهود الذين يشهدون على الخلق يوم القيامة ، ومنهم من قال هم شهود الأنبياء الذين يشهدون لهم بالتبليغ ، ومنهم ومنهم هناك آراء متعددة .
ولعل أقرب هذه الآراء إلى الترجيح قول من قال بأنهم شهود يشهدون على الناس ، لأنهم يخاطبون أهل الجنة ويخاطبون أهل النار جميعا ، وهذا دليل على أنهم شهود ، فلو كانوا كما قيل قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وأنهم محبوسون عن دخول الجنة ثم يؤذن لهم بدخولها ، فإن الموقف يقتضي أن يكونوا مشغولين بأنفسهم لا أن يكونوا مشغولين بمخاطبة هؤلاء تارة ومخاطبة أولئك تارة أخرى ، وهؤلاء هم على الأعراف .
والأصل في الأعراف أنها الأماكن المرتفعة ، فالعرف هو المكان الناتئ المرتفع الذي هو في ارتفاع عن غيره ، ولذلك سمي عرف الديك عرفاً لأجل سبب ارتفاعه .
فإذاً هذا دليل على أنهم في مكان مرتفع ويشرفون على هؤلاء وهؤلاء ، فلا يبعد أن يكون القول بأنهم الشهود الذين يشهدون على الناس بما عملوه يوم القيامة هم أصحاب الأعراف ، هذا من غير قطع ، لأن القطع ثمرة الدليل القطعي ، ولا يوجد دليل قطعي كما ذكرنا ، وإنما نقول ذلك من باب التفسير بما يتبين من القرائن من غير أن نقطع به ، والله تعالى أعلم .

توقيع :

تعلم لوجه الله واعمل لوجهه****وثق منه بالموعود فهو جدير

تـعـرض لـتـوفـيـق الإله بحبه****ودع ما سـواه فالجميع قشور





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 26 )
::مشرف::
::المكتبة الإسلامية الشاملة ::


رقم العضوية : 372
تاريخ التسجيل : Jan 2011
مكان الإقامة : عُمان/منطقة الظاهرة/ولاية عبري
عدد المشاركات : 448
عدد النقاط : 35

المعمري1166 غير متواجد حالياً



25- ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض)(الأنعام: 75)
السؤال:
ما هو تفسيركم للآية( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض)(الأنعام: من الآية75) ، وما هي أبعادها الباطنية ؟
الجواب :
إن الله تبارك وتعالى ألهم عباده ما ألهمهم من الخير ، وأقام عليهم الحجة من خلال آياته التي في هذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف ، لأن هذا الكون كما يقول أحد علمائنا وهو الشيخ ناصر بن أبي نبهان يقول ( كل ذرة من ذرات الوجود هي كلمة من كلمات الله ، ناطقة بمعرفته سبحانه وما عداها فهو كالشرح لتلك الكلمة ) .
يعني بذلك أن الوجود بأسره كل ذرة من ذراته إنما يعرب بلسان حاله عن افتقاره إلى واجب الوجود لذاته ، فكل ما في هذا الكون من ذراته الدقيقة إلى مجراته الواسعة إنما يعرب بلسان حاله عن افتقاره إلى واجب الوجود لذاته .
فالذرات الدقيقة في تراكيبها العجيبة توحي بأنه لا يمكن أن تكون وجدت هكذا إلا من قبل صانع خبير عليم بكل شيء ، محيط بكل موجود في هذا الكون ، ثم بعد ذلك ما زاد على تلك الذرة ، فالعناصر والمركبات والجزئيات قبل ذلك ، كلها في تناسقها وترابط بعضها مع بعض يدل على وجود الله سبحانه .
فإبراهيم أراه الله تعالى ملكوته في السماوات والأرض ، وقد كان عليه السلام على مقربة من قوم يقدسون النار ويعبدون الأجرام السماوية ، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجري على لسانه من دلائل الحق على أن هذه الكائنات التي يعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى ليست هي من الألوهية في شيء ، يقول الله سبحانه وتعالى فيما يحكيه عنه ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) (الأنعام:76) ، لما رأى الكوكب قال هذه الكلمة لا لأنه يعتقد أن الكوكب هو الإله ، ولكنه أراد أن يقيم بذلك الحجة على هؤلاء بأن الكوكب يظهر ويختفي وما كان كذلك فليس هو بإله ، لا يمكن للإله أن يكون بهذه الحالة ، بحيث تعرض له العوارض وتمر به الحالات وتختلف معه الأعراض ، بل الإله هو ثابت سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(الشورى: من الآية11) ، ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103) .
فلذلك قال: ( لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) أي لا يمكن أن يكون هذا الآفل هو الإله ، كيف ظهر أولاً ثم اختفى ثانياً ، إختفاؤه دليل على أنه ليس بإله لأنه مرت به أحوال تدل على أنه تحول من حال إلى حال ، فهذا التحول دليل على عدم ألوهيته .
ثم بعد ذلك كذلك ( فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (الأنعام:77) ، كيف يمكن أن يكون القمر هو الإله مع أنه يأفل كسائر الأجرام السماوية ، أي تعرض له الحالات بحيث يظهر ثم يختفي .
ثم بعد ذلك عندما بزغت الشمس ( فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:78-79) .
أراد بهذا كله عندما قال هذا ربي في رؤيته للكوكب وفي حال رؤيته للقمر وفي حال رؤيته للشمس أن يقيم الحجة على قومه .
هذا هو التفسير الصحيح ، وإن ذهب آخرون إلى غير ذلك ، ولكن هذا التفسير هو الذي يتفق مع دلائل العقل ، فإن إبراهيم عليه السلام على الفطرة السليمة ، ولما كان على الفطرة السليمة فلا يمكن أن يدّعي الألوهية لغير الله سبحانه وتعالى ، ودليل ذلك قوله ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:79) ، فهو يعلم أن هنالك فاطراً للسماوات والأرض ، وما هي السماوات إنما هذه الأجرام الفلكية هي أجزاء من هذه السماوات ، فهو يعلم أن لهذه السماوات والأرض فاطراً ، فالفاطر لهذه السماوات والأرض هو المعبود بحق ، وكل ما يعبد مما عداه إنما يعبد بغير حق .
وهذه فيها دلالة للإنسان بأنه عليه أن يلتمس الحق من طريقه ، وأن يسلك إلى الحقيقة نهجها الذي يؤدي إلى إليها ، فالله سبحانه وتعالى جعل ما في هذا الكون بأسره بكل ما فيه شاهداً على وحدانية تعالى .
الله سبحانه وتعالى عندما خاطبنا بأعظم حقيقة في هذا الوجود وهي وحدانيته حيث قال ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة:163) ، أتبع ذلك ما يؤكد هذه الوحدانية ويدل عليها من دلائل هذا الكون حيث قال ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) .
نعم في هذه الكائنات بأسرها آيات لقوم يعقلون ، كيف والإنسان يرى أن هذه الكائنات على بعد ما بينها ، على بعد ما بين هذا الكون الواسع الأرجاء المترامي الأطراف هو وحدة متكاملة ، كل جزء منه مكمل لبقية الأجزاء لأنه في تناسقه البديع وترتيب نظامه العجيب يكمل بعضه بعضاً ، فكان بمثابة الجسم الواحد الذي له أعضاء متعددة ، كل عضو منها مكمل لسائر الأعضاء .
فهكذا شأن هذا الكون في تباعده وفي ترامي أطرافه من حيث هذا التناسق العجيب الذي يشد بعضه إلى بعض ، والترتيب في نظامه بحيث أصبح كله يشكل منظومة واحدة في سلك واحد ، فلذلك كانت في ذلك آيات لقوم يعقلون ، لأن الإنسان من خلال هذا يتوصل بأن هذا الكون وحدته تدل على وحدانية خالقه سبحانه ، فهو وحدة متكاملة ، ووحدته تدل وحدانية خالقه ، فلو كان له أكثر من إله لأدى ذلك إلى أن يكون لكل إله من هؤلاء الإلهة إرادة مستقلة دون إرادة الآخر ، وفي هذا ما يؤدي إلى التنازع والاختلاف والتنافر فيما بينهم وذلك يؤدي إلى أن تتغير هذه الصنعة عما عليه بحيث لا تكون متناسقة هذا التناسق العجيب ، وهذا ما يعنيه قول الله سبحانه ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )(الانبياء: من الآية22) .
فالسماوات والأرض هي عبارة عن هذا الكون الذي نراه والذي لا نراه من حيث إنه متناسق مترابط بعضه مع بعض بهذا الرباط الوثيق الذي هو بمثابة البناء الواحد كما قال سبحانه وتعالى ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً)(البقرة: من الآية22) .
وكذلك ما يجري في هذا الكون ، فالله سبحانه وتعالى جعل أحوالاً نشاهدها في هذا الكون كلها تدل على وحدانيته تبارك وتعالى ، فالله تعالى ينزل من السماء ماء ، ثم بعد ذلك يترتب على نزول الماء النبات ، هنالك خاصية الإنبات في الماء وخاصية النبات في التراب ، وعندما تجتمع الخاصيتان يحصل النبات هذا مما فيه مصلحة ( وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض)(البقرة: من الآية164) .
كل من ذلك إنما يؤدي إلى إدراك الإنسان أن لهذا الكون مكوناً واحداً ، وهذا الذي رآه إبراهيم من خلال رؤيته لملكوت السماوات والأرض ، فهو ما كان مشركاً ، وإنما أراد أن يقيم الحجة على المشركين الذين كانوا يتخذون مع الله آلهة أخرى .
وإن كان من المفسرين من يذهب إلى آراء مختلفة ، منهم من يقول بأن هذه مراحل للتوصل إلى الحقيقة ، ومنهم من يقول بأن الكلام إنما هو على تقدير أداة استفهام أي أهذا ربي ، ومنهم من يقول غير ذلك . هذه أقوال ما عليها من دليل ، وإنما القول الحق هذا الذي ذكرناه .

توقيع :

تعلم لوجه الله واعمل لوجهه****وثق منه بالموعود فهو جدير

تـعـرض لـتـوفـيـق الإله بحبه****ودع ما سـواه فالجميع قشور





رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-31-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 27 )
::مشرف::
::النور الإسلامي العام ::


رقم العضوية : 2506
تاريخ التسجيل : Nov 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 298
عدد النقاط : 186

أبو الشعثاء غير متواجد حالياً



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:

جهد رائع منك خي,

أسأل الله لك التوفيق’

وااصل جهودك الطيبة.

توقيع :

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
آآحلى , آداب , الخليلي , القرآن , بعض , يوم , فتاوى


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
[كتاب إلكتروني] كتاب إلكتروني "جوابات الإمام السالمي" بأجزائه الستة عابر الفيافي الكتب الالكترونية والأعمال الأخرى 23 09-20-2015 11:18 AM
دروس الاتقان لقراءة القراءن للشيخ أيمن سويد المشتاق الـنور الإسلامي العــام 1 12-28-2011 02:27 AM
الإعجاز القرآني الامير المجهول الإسلامية 0 10-06-2011 06:30 AM
الموسوعه من السؤال والجواب ف الثقافه الاسلاميه cdabra الـنور الإسلامي العــام 0 02-24-2011 07:53 AM
تفسير سورة الفاتحة (القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 12-31-2010 08:29 PM


الساعة الآن 09:52 PM.