تنبيه هام |
الإهداءات |
نور الحج والعمرة شرح كيفية الحج والعمرة بالفديو و صور , نصائح , إرشادات , تعليمات |
| أدوات الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
| ||||||||||||||||
| ||||||||||||||||
فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-=فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي-= فتاوى فضيلة الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي في أحكام الحج والعمرة طبعاً وضعت الفتاوى في قسم الحج والعمرة وليس في قسم الفتاوى لأن هذا القسم مختص بالحج والعمرة نسأل الله التوفيق والسداد أحكام وجوب الحج والوصية به السؤال: يبدو أنّ الأخت أشكل عليها بين الوصية وبين القيام بتنفيذ الصيام عن طريق الوصية-أيضا-أو الحج .. صحيح أنه لا وصية لوارث لكن هل عندما يوصي الوارث لموروثه أن يصوم عنه أو أن يحج عنه، هل له أن يحج عنه أو يصوم عنه ؟ الجواب: ... وأما بالنسبة إلى هذه المسألة وهي ما إذا أوصى رجل بحج أو صيام أو ما شابه ذلك فهل لبعض ورثته أن يقوموا بتنفيذ هذه الوصية وأن يأخذوا مقدارا من المال مقابل تنفيذ تلك الوصية ؟ فالجواب: نعم، لأنّ هذه الوصية ليست لذلك الوارث بسبب أنه قريب للمتوفى وإنما بسبب قيامه بهذا العمل الذي قام به بل الأولى أن يقوم بإنفاذ هذه الوصية وأن يقوم بتأديتها أقارب المتوفى، لأنّ الحديث قال: ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه )، وجاء-أيضا-في الحديث الذي فيه أنّ النبي-صلى الله وسلم وبارك عليه-سمع رجلا يقول: " لبّيك عن شبرمة " قال: ( من شبرمة ؟ ) قال: " قريب لي " أو " أخ لي "، حتى أنّ بعض العلماء ذهب إلى أنه لا تصح العبادة من شخص بعيد لشخص بعيد عنه؛ ولذلك تعرف الأخت السائلة بأنّ هذه القضية لا تدخل ضمن الحديث الثابت عن النبي صلى الله وسلم عليه؛ والله-تعالى-أعلم. السؤال: رجل نذر أن يحج عن والدته ولكن والدته ضعيفة في السّن .. كبيرة تحتاج إلى أن يقوم برعايتها والعناية بها، فهل له أن يذهب ليحج عنها ويترك المهمّة على أخواته ليقمن بذلك وأخواته لا يستطعن أن يقمن بالمهمّة التي ترضي الوالدة لأنها تحتاج إلى رجل يستطيع حملها إلى دورات المياه وغيرها ؟ الجواب: الله أعلم, إذا كانت الأخوات يستطعن أن يقمن بهذه المهمّة فعليه أن يذهب لتأدية الحج الذي نذر به، وأما إذا كانت الأخوات لا يستطعن على ذلك فهو معذور إلى أن يمكنه أن يقوم بتأدية هذه الفريضة ولكن الذي أراه أنّ الغالب لا يشقّ على النساء من أن يأخذن هذه المرأة إلى دورات المياه وما شابه ذلك؛ والله-تعالى-أعلم. السؤال: البعض يكتب وصيته فيطالِب ورثته بالصيام عنه أو كفارة شهرين أو الحج. الجواب: مَن أوصى بشيء فلابد مِن أن يُنفِّذ الورثة وصيتَه ولا يَجوز لهم أن يَتركوا ذلك إذا كان ماله يبلغ المقدار الذي يمكنهم أن ينفذوا منه تلك الوصية، فمَن أوصى بحج أو بصيام سواء كان ذلك كفارة أو كان غير ذلك فلابد مِن إنفاذ وصيته، ومِن المعلوم أنّ الوصية بالحج وبالكفارات والصيام إذا كان ذلك واجبا عليه أنه يخرج مِن رأس المال، لا مِن الثلث، أما إذا كان ذلك ليس واجبا عليه فإنه يَختلِف؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: هل يَجوز لِلرجُل أن يَحجّ عن والدته إذا كانت عاجزة ؟ وإذا كانت قد أصيبت بالعمى كذلك ؟ الجواب: نعم، إذا كانت عاجزة يَصحّ له أن يَحجّ عنها، وكذلك إذا كانت ميّتة، فقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه أجاب بذلك لِمَن سأله عن من مات أحد أوليائه .. جاء في بعضها: " رجُل "، وفي بعضها: " امرأة "، وهل الكل صحيح أو البعض صحيح والبعض شاذ ؟ لِذلك موضع آخر، ولكن القول بالجواز هو القول الصحيح، لِصحّة السنّة. ودعوى مَن ادّعى بأنها خاصّة بذلك الشخص أو بأولئك الأشخاص دعوى لا تقوم عليها حجّة. أما بالنسبة إلى العَمى فإن كان يُمكِن أن يَأخذها معه وتَأتي بأعمال الحج .. أي يَأخذها معه ويَقُودُهَا عند تأدية المناسك فلا يَصحّ لها الترك، أما إذا كانت لا تَتمكّن مِن الفعل أبدًا ففي هذه الحالة يَصحّ لها ذلك، فكثير مِن الناس لا يُبْصِرون ولكنّهم يُمكنُهم أن يُؤَدُّوا ذلك بِمساعدة غيرهم. السؤال: من أراد الذهاب إلى الحج وليس لديه مال، هل له أن يقوم بجمع تبرعات ... ؟ الجواب: الحقيقة؛ ليس للإنسان أن يسأل الناس لا في الحج ولا في غيره إلا إذا وصل به الحال إلى أن يخشى على نفسه الهلاك يسأل شيئا يأكله وهذا بعد أن يطرق الوسائل ولم يجد مخرجا من ذلك فهنالك حاجة ضرورية جدا جدا فيباح له بمقدار ما يسد حاجته، ومن المعلوم أن ذلك قد لا يحتاج له الإنسان في حياته اللهم إلا لبعض الأفراد النادرين، أما بالنسبة إلى الحج فليس له ذلك ولا لغير الحج كما أشرت، والحمد لله والمنة والفضل أن الله-تبارك وتعالى-لم يفترض الحج إلا على المستطيع من عباده فما دام هذا الشخص لا يجد الاستطاعة فإنه لا يجب عليه الحج وإذا وجدها في يوم من الأيام فليبادر إلى ذلك؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: كانت لديه-ربما هو أو غيره-نية أن يَذْهب إلى الحج ولكن جاءتْه فرصة عمل، فما الذي يُقَدِّمُه ؟ الجواب: لا أدري-أوّلا-هل هو حجَّ حجَّ الفريضة أو لا. أما إذا كانت هذه الحجَّة حَجّة نافلة فالأمر سهْل. وأما إذا كانت هذه الحجَّة حَجّة فريضة فإن كان يَخْشى على هذا العمل بِأنه إذا ذهب إلى تَأْدية الحج ألاّ يَحصُل بعد ذلك على هذا العمل ولا يَحصُل على غيره وهو مُحتَاجٌ لِهذا العمل فبِإمكانه أن يَعمَل ويَنوي أن يَذْهبَ عندما يُيَسِّر الله-تبارك وتعالى-له، وعسى أن يَكُونَ ذلك في السنَة القادمة .. هذا إذا مُحْتاجا لِهذا العمل ويَخشَى بِأن يَفُوتَه هذا العمل، ولكن أَظنُّ أَنَّه يُمْكن أن يُوقِّع بِالموافَقة على العمل وأن يَشْرَع في العمل بعدَ رجوعِه مِن الحج .. لا أَظنُّ أنّ هناك مانعا مِن هذا. السؤال: وفترة الإجازة تكفي. الجواب: نعم. السؤال: ربما يكون في القطاع الخاص هناك شيء مِن التشديد. الجواب: فعلى كل حال هذا .. إذا كان يَخشى على ألاّ يَجِد عملا وهو بِحاجة إلى العمل وإذا تَرَكَ هذا العمل لن يَجِدَ هذا العمل ولا غيْرَه في المستقبَل القريب .. وإلا فالعمل بِيد الله تبارك وتعالى .. يَعْني الله سبحانه وتعالى تَكَفَّلَ بِالرزق وهو قادِر على أن يُيَسِّر له عملا كهذا العمل أو أفضل كما يَسَّرَ له هذا العمل ولكن الإنسان يَأخذ بِالأسباب، فإذا كان مُحْتَاجا إليه ويَخشى إذا لم يَعمل فيه بِأن يَفوتَه هذا العمل ولا يَحصُل على ذلك في القريب-مثلا-فيُرَخَّص له ويُوصِي بِالحج، ولْيَذهَب إن شاء الله في السنة القادمة. حكم من حج وعليه دين السؤال: مَن عليه دَيْن، هل يَذهب إلى الحج أم لا يَذهب ؟ الجواب: إذا كان على الإنسان دَيْن فلا يَخلو ذلك مِن أحد أمريْن: إما أن تكون لديه أموال تَكفي لِقضاء ذلك الدَّيْن الذي عليه وتكفي أيضا لِمؤونة أهله حتى يَرجع إليهم فإن كان عليه دَيْن ولديه هذه الأموال التي تَكفي لِقضاء هذا الدَّيْن فإنه لابد مِن أن يَقوم أوَّلا بِقضاء ذلك الدَّيْن إذا كان ذلك الدَّيْن حالاًّ أو في حكم الحالِّ ثم بعد ذلك يَذهب إلى الحج، وإن كان مُؤَجَّلاً فلْيُوص بِذلك ولْيَتْرُك وصيته بِذلك الدَّين إما عند شخصٍ أمين ويُخبِر ذلك الدائن بِأنه قد وَثَّق له دَيْنَه ووَضَعَه مع فلان وإما أن يَضع-تلك الوثيقة أو-ذلك الصك مع صاحب المال الأصلي. أما إذا كان لا يَملك شيئا مِن المال يَكفي لِسَدِّ ما عليه مِن الدَّيْن فإنه لا يَجِب عليه الحج، لأنّ الحج يَجِب على المستطِيع وهذا لا يَستطِيع سبيلا إلى ذلك، و-طبعا-لا أريد بِالأموال الدراهم إذ قد يَقول شخص إنه لا يَملك شيئا مِن الدراهم ولكنه يَملِك عقارات أو ما شابه ذلك فهي تَقوم في مقام الدراهم، فالحاصل هل يَملك شيئا مِن الأموال تَكفي لِسَدِّ ذلك الدَّيْن أو لا يَملِك شيئا .. هذا وإذا كان الدَّيْن مُحَرَّما فلابد مِن التّخلص أوَّلا مِن الحرام والتوبة والرجوع إلى الله-تبارك وتعالى-حتى يَفِدَ بعد ذلك وقد تَطَهَّر مِن هذه القاذورات وهذا كله إذا كان يُريد أن يَتوب إلى الله-تبارك وتعالى-وأن يَرجِع إليه سبحانه، أما إذا كان لا يَهتَم بِهذه الأمور ولا يُبالي بِها فإنه إذا قيل له: " لا تَذهب إلى الحج " سيَبقى هنا وهو يَملِك الأموال التي يُمكِن أن يَقوم بِقضاء تلك الديون التي عليه وإنما يُريد أن يَشتري الأرض الفلانية والعقار الفلاني وما شابه ذلك فهذا-على كل حال-يُقال له: " اذهب إلى الحج " ولكنّ الله-تبارك-لا يَتَقبَّلُ منه، إذ إنه سبحانه وتعالى لا يتَقَبَّل إلا مِن المتّقين وهو ليس بِمتّقٍ لِربِّه بل هو مُحارِب له سبحانه وتعالى .. هذا هو الحكم، فحجُّه صحيح مِن حيث الفِعْل ولكنّ الله-تبارك وتعالى-لا يَتقبَّل منه .. لا يَتقبَّل منه الحج ولا يَتقبَّل مِنه شيئا مِن الأعمال الصالحة، لأنّ القبول يَكون مِن الصالِح لا مِن الطالِح؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: من أراد الحج وعليه دين ربوي ؟ الجواب: إذا كان ربويا فعليه أن يتخلص من ذلك عليه أن يتوب إلى الله-تبارك وتعالى-من محاربة الله-تبارك وتعالى-ورسوله: { ... فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ... } ( سورة البقرة، من الآية: 279 ) عليه أن يتوب إلى الله-تبارك وتعالى-وأن يتخلص من هذه المعاملة قبل أن يخرج من هذه الدنيا إلى عذاب الله-تبارك وتعالى-فهذا إن كان يريد أن يتوب، أما إذا كان لا يريد أن يتوب في حقيقة الواقع ولا أعني بذلك ما يلقلق به كثير من الناس ألسنتهم يدعي الواحد يقول: "أريد أن أتوب" وهو لا يسلك طريق التوبة يجلس السنوات الطويلة وهو لا يتخلص من هذه المعاملات فإن كان لا يريد أن يتخلص الآن فليذهب لتأدية الحج حتى لا يجمع بين معصيتين بين معصية إقامته على محاربته الله-تبارك وتعالى-ورسوله بأخذ هذا المال الحرام أو بالتعامل بهذه المعاملة المحرمة وبتأخير الحج وإن كان هذا الحج لا يتقبل منه لأن الله-تبارك وتعالى-لا يتقبل إلا من المتقين(1) وكيف يكون هذا متقيا لله وهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب لله-تبارك وتعالى-بنص كتابه سبحانه ؟! ولكنه قد أدى هذه الفريضة بمعنى أنه لا يطالب بها بعد ذلك مرة أخرى؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. السؤال: من عليه دين وليس عنده الوفاء لكن جهة عمله تتكفل بإرجاع الحق لأصحابه على تقدير وفاته ؟ الجواب: إذا ثبت هذا حقا بأن تلك الجهة تقوم بعد ذلك بتأدية هذا المال إلى أصحابه وكان هذا الدين مؤجلا أو كان صاحبه يرضى بالتأخير فلا بأس بذلك بمشيئة الله-تبارك وتعالى-أما إذا كان هذا الدين حالا فلابد من أن يدفع المال إلى صاحبه إلا إذا أذن له بذلك، ثم أيضا لا ينبغي للناس أن يحرجوا غيرهم تجد الواحد يذهب إلى غيره "يا فلان أنا أريد الحج وأريد منك أن تؤخرني" أو ما شابه ذلك فكثير من الناس على كل حال سيقولون لهذا السائل "اذهب إلى الحج" لكن هل هم راضون بذلك حقا ؟ قد يقول قائل العبرة بما ذكروه والله أعلم بما صدورهم نقول له لابد من النظر والتأمل في هذا الأمر فقد يقول لك الإنسان بلسانه وهو لا يرضى بذلك، الأصل أن تؤدي هذا المال إلى صاحبه ولا تذهب إلى الحج إلا بعد أن تؤدي ما عليك لكن إذا كنت واثقا من صاحبك مطمئنا إليه تمام الاطمئنان كما يعرف عند أهل العلم بالتعارف أو ما شابه ذلك فلا بأس بهذا بمشيئة الله-تبارك وتعالى-أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فلا، وكثير من الناس يدعون بأن هذا من الأمور التي يتعارفون عليها أو بأنه واثق من أمر صاحبه ولكن الأمر بعكس ذلك يتساهلون في هذه الأمور يدَّعون أن هنالك عُرفا بينهم في هذه القضايا وفي غيرها من القضايا وليس هنالك عرف في حقيقة الواقع، إذن لابد من أن يكون واثقا من ذلك تمام الثقة أما إذا كان مجرد ظن وتخمين أو ما شابه ذلك فهذا مما لا يُلتفت إليه. السؤال: ما حُكم الذهاب إلى الحج لِمَن عليه دَيْن ؟ الجواب: لا يَخلو ذلك مِن أَحَد أمريْن اثنين: إما أن يَكون هذا الدَّيْن مُحَرَّما، وإما أن يَكون هذا الدَّيْن مُحَلَّلا. فإن كان مُحَرَّما فليس لَه أن يَذهَب إلى تأديةِ الحج إلا بعدَ أن يَتطَهَّر مِن هذه المعصية التي وَقَعَ فيها ويَتُوبَ توبةً نصوحا إلى ربِّه تبارك وتعالى .. هذا إذا كان يُرِيدُ أن يَتُوب، أما إذا كان لا يُرِيدُ أن يَتوب في حقيقة الواقع .. وعلامةُ الذي يُرِيدُ أن يَتُوب أن يَبْذُل الغالِي والرخِيص في سبِيلِ التوبةِ والرجوعِ إلى الله تبارك وتعالى، أما إذا كان يُرِيدُ أن يَشترِي العِمَارَات ويَشترِي الأراضي أو ما شابه ذلك ويُلَقْلِقُ بِلسانِه يَقول: " أُرِيدُ أن أَتُوب " فهذا في واقِعِ الأمْر لا يُرِيدُ أن يَتُوب فليَذهَبْ إلى الحج لِئلا يَجْمَعَ بيْن معصِيَتَيْن .. معصيةِ الوقوعِ في مَحظُورِ الدَّيْنِ الـمُحرَّم ومَحظورِ عدمِ تأدِيَةِ الحج ولكن لِيَعْلَم عِلْمَ اليقِين بِأنّه ليْسَ مِن المتّقِين وأنَّ الله-تبارك وتعالى-لا يَتَقَبَّلُ إلا مِن المتّقِين وإنَّما تَكون حَجّتُه صحِيحة بِحيثُ إنه لا يُطالَبُ بِها إذا تاب-مثلا-في المستقبَل. أما الدَّيْن إذا كان مُحَلَّلا فلا يَخْلُو: إما أن يَكون مُوَقَّتا بِوَقت، وإما أن يَكون في حُكْمِ الموقَّت، وإما أن يَكون مُؤَجَّلا. فإن كان مُوقَّتا بِوقت فلابد مِن أن يَقضِي ذلك الدَّين. وهكذا بِالنسبةِ إلى الدَّيْن الذي هو في حُكْمِ الموقَّت-أي الذي لَم يُقَيَّد بِوقتٍ مِن الأوقات-فلابد مِن أن يَقضِي ذلك إلا إذا وَضَعَه مع شخصٍ على سبِيلِ الأمانة بِحيثُ يَدْفَعُه إلى صاحبِه. وأما الدَّين المؤجَّل فلا إشكال فيه إذا كان يَجِدُ ما يُمكِن أن يُقضَى بِه ذلك الدَّيْن عنه أَنْ لو أَصابَه مَحْذُورٌ أو مَا شابه ذلك .. مثلا إنسانٌ عليه ألفُ ريال لِشخص وهو يَملِك مقدار ما يُساوِي ذلك الألف فلْيُوَثِّق ذلك الدَّين بِصَك شرعِي يُشهِدُ عليه شاهِدَيْ عَدْل ويَضَع ذلك الصك مع صاحبِ الحق أو يَضَعُه مع أَمِينٍ يَثِقُ بِه ولْيُخْبِر صاحبَ الحق بِأنَّه قد وَضَعَ الصك الذي يُثْبِتُ لَه ذلك الحق مع فلان بن فلان الفلاني أو ما شابه ذلك، لأنّ كثيرا مِن الناس-ولِلأسَف-يُؤمَرُون بِأن يُؤَدّوا بعضَ الأمانات إلى أَصحابِها ثم يَتَأَخَّرُون في ذلك وقد يَمضِي العام أو أَكثَر مِن ذلك ولا يُوصِلُون تلك الحقوق إلى أصحابِها ثم يَأتِي صاحبُ الحق يَسأَل مَن عليه الحق ويُخبِرُه بِأنَّه قد أَرسَلَه منذُ فترةٍ مِن الزمان مع شخص ولَم يُؤَدّ ذلك الشخص ولِلأسَف الشديد، ومِنْ هنا نَقُول إنَّ مَن أَرسَلَ حقّا لِشخصٍ مع شخصٍ آخَر أنَّه لابد مِن أن يَسأَل ذلك الذي لَه الحق هل وَصَلَه ذلك الحق الذي لَه أو لَم يَصِلْه مَخافَةَ النسيان أو التفرِيطِ أو ما شابه ذلك؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. الهامش : 1) قال الشيخ: " لا يتقبل مِن المتقين " وهو سبق لسان. أحكام الإجارة بالحج السؤال: ما هي شروط استئجار الحج ؟ وهل يصح أن يُستأجر أو أن يُحج عن غير الولي وهو من لم يكن على طاعة ؟ الجواب: على كل حال؛ الإنابة في الحج ثابتة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا لا شك فيه، فقد جاء ذلك من عدة طرق عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ودعوى من ادعى بأن ذلك خاص بأولئك أو ما شابه ذلك مما ذكره بعض أهل العلم مردود على صاحبه ولا داعي للإطالة بالأجوبة التي أجيب بها عن ذلك، فالإنابة إذن ثابتة لا إشكال فيها فمن كان عاجزا بسبب مرض أو كبر سن ولا يستطيع أن يذهب في الحال ولا في المستقبل إلى الحج بحسب الظاهر فإن له بل عليه أن ينيب غيره لتأدية فريضة الحج عنه سواء كان ذلك بسبب مرض لا يرجى الشفاء منه بحسب الظاهر أو بسبب كبر السن، أما إذا كان يرجو الشفاء من ذلك المرض فلا، وهكذا بالنسبة إذا أوصى شخص بالحج عنه وقد مات فإنه يؤدى عنه ذلك الحج هذا لا إشكال فيه، أما بالنسبة إلى هل للإنسان أن يذهب بتأدية الحج عن شخص لا يتولاه ؟ هنالك أمران الأول أن بعض أهل العلم يمنع من ذلك وبعضهم يجيز ذلك، والقول بجواز ذلك بشرط أن لا يدعو له هو الأقرب إلى الصواب فليس له أن يخصه بدعاء وإنما يدعو لعموم المسلمين فإن كان ذلك الشخص داخلا في عموم المسلمين بأن تاب وأناب إلى ربه-تبارك وتعالى-ولم يعلم هو بتوبته فإنه يكون داخلا في ذلك العموم وإن كان بخلاف ذلك فإنه لم يدع له بخير الآخرة، نعم إذا كان ذلك الشخص حيا فيمكن أن يدعو له بالهداية إلى الطريق المستقيم لأنه بالإمكان أن يرجع إلى الله-تبارك وتعالى-أما الميت فقد انتهى أمره ولا يمكن أن يهتدي بعد انتقاله من هذه الحياة الدنيا، لكن بقي أن الإنسان قد يكون لا يتولى شخصا لأنه لم تقم عليه الحجة بولاية ذلك الشخص فإذا ذهب لتأدية الحج عنه فإنه لن يدعو له على سبيل الاستقلال ويكون ذلك الشخص في حقيقة الواقع من أهل الصلاح ولكن هو لم تقم عليه الحجة فمثل هذا لا ينبغي أن يذهب هذا الشخص أن يحج عنه إلا إذا أخبره أو ما شابه ذلك ولكن قد يكون في الإخبار شيء من الأمور التي ستعقب ذلك مما ينبغي أن لا يقع فيه الإنسان فإنه إذا قال له: "لن أدعو لك" أو "أنا لا أدري بحالك" أو ما شابه ذلك فإنه مما لاشك فيه بأنه سيقع في نفس ذلك الشخص من هذا الإنسان، نعم إذا دعاه إلى التوبة إلى الله والرجوع إليه سبحانه وتعالى أو ما شابه ذلك وتاب ورجع إليه سبحانه وتعالى وثبتت ولايته فالأمر لا إشكال فيه، فإذن من حيث الجواز هنالك شيء لكن-كما قلت-يمكن أن نقول بجواز ذلك ولكن بقي ما ذكرناه من الملاحظة التي لابد من اعتبارها، بقي هناك أن كثيرا من الناس يهتمون بجمع حطام الدنيا الفانية فتجد الواحد منهم يذهب يبحث عن شخص يحج عنه ويراعي المبلغ، إذا كان هذا المبلغ أكثر من غيره فإنه يحج عن ذلك الشخص ولو كان ذلك من أعصى العصاة أما إذا وجد رجلا صالحا ولم يبذل له ما يريد من المال فإنه لن يلتفت إليه مثل هذا في حقيقة الواقع لا يمكن أن نقول إنه يجوز له أن يحج عن غيره، ذلك لأن الإنسان ينبغي له عندما يذهب أن يحج عن غيره أن ينوي بذلك أن يصل إلى تلك البقاع وأن يدعو له ولعموم المسلمين ولذلك الشخص الذي يحج عنه إن كان من أهل الصلاح وكذلك أن يعين ذلك الشخص على طاعة الله-تبارك وتعالى-أما أن يكون قصده أن يجمع هذا الحطام الفاني فهذا مما لم يقل به أحد من أهل العلم؛ والعلم عند الله. السؤال: هل يَجوز لِلإنسان أن يُؤَجِّر بِحجّة وهو بِصحّة وعافية ؟ الجواب: لا، لا يَجوز له ذلك أبدا، بل ولا يَجوز له أن يَنتظِر حتى يُصبح شيخا لا يَتمكّن مِن تأدية ذلك، بل عليه أن يَذهب الآن ما دام واجِدا لِلمال وهو يَستطيع على تأدية الحج، ولا يَجوز له أن يَتأخَّر، كما يَفعله كثير مِن الناس: وأغلبُ الناس يُؤخِّرون ***** وأنه كَالدَّيْنِ يَزعمون وهم لَعَمْرُ الله مَغرورون ***** بِزُخْرُف القول مُخادِعون يَبقى يَنتظِر الواحد سنة ثم سنة ثم ثالثة ويَدَّعي بأنّ أهل العلم قالوا: " يَجوز التأخير في الحج " .. ما أراد أهل العلم هذا الأمر، وكثير مِن الناس شَاهدناهم يَمْكثون السنين الكثيرة ويَمْلِكُون الأموال الطائلة وهم في صحّة تامّة يقول: " سأذهب بعد مدّة مِن الزمان " ثم بعد ذلك لا يَتمكّن ثم يَأتيه الموت .. فأخشى على هذا مِن الهلاك والعياذ بالله تعالى. السؤال: امرأةٌ كبيرَة في السن لَم تَذهَب إلى الحج لِظروفِها الـمَرضية لكنّها تُرسِل في كلِّ عامٍ خَمسين ريالا عُمانيا، فهل تُؤْجَر على ذلك ؟ مِن أجْل أن تُوَزَّع هناك على الفقراء. الجواب: على كل حال؛ نَحن نَدعو الناس .. نَدعُوهم أن يَسألوا أهلَ العلم في مثلِ هذه القضايا مِن قبلِ أن يَفعَلوا بعضَ الأمور التي قد تَكون مُخالِفة لِلشرع أو قد يَكون الأوْلَى بِخلافِ ما فََعَلوه، وقد قالَ أهلُ العلم: عِبَادَةٌ لَيْسَ بِها تَفَقُّهُ ***** لا خَيْرَ فيها إنَّها لَبَلَهُ فكان الأوْلَى لِهذه المرأةِ أن تَجمَعَ هذه الأموال وبعدَ ذلك تَقوم بِإِيـجَارِ مَن يَقوم بِتأديةِ هذه الحجّةِ عنها، و-على كلّ حال-وجوهُ الخيْرِ والبِر كثيرة، فإن كانتْ هذه الأموال تُوَزَّع هناك على الـمُحْتَاجِين إليها فلا مانِع في ذلك وفي ذلك خيْر بِمشيئة الله تبارك وتعالى، وإن كانتْ تُوَزَّع على مَن هَبَّ ودَبَّ فهُنَالِك وُجُوه في هذه البلاد أَوْلَى .. مِن نَشْرِ عِلم .. يُعانُ بِها بعضُ الفقراء أو تُطْبَعُ بِها بعضُ الكتب أو بعضُ الأشرطة أو ما شابه ذلك .. نَحن لا نقولُ طبعا: " إنَّ هذه المرأة يَجِب عليها أن تُجَمِّع هذه الدراهم مِن أجْلِ أن تَصِل إلى مبلغٍ مِن المال ثُم بعدَ ذلك تَقُوم بِتأجِير مَن يَقوم بِتأدِيةِ الحج " لأنَّها ما دامتْ غير مستطِيعة في هذا الوقت وتَملِك مبلغا مِن المال فلا يَلزَمها أن تَترُك هذا المال إلى مَا بعدَ سِت سنوات أو عشر سنوات أو ما شابه ذلك حتى تَجْتَمِع إليها هذه الأموال التي تَصِل إلى أُجْرَةِ الحج، فإمَّا أن تَجْمَع إذا شاءَتْ أو أن تَقومَ بِتأدِيَةِ ذلك إلى أَحْسَنِ وجهٍ مِنْ وُجوهِ البِر والصلاح، لأنَّنَا نُشاهِد كثيرا مِن الناس يَقومون بِإِرسالِ بعضِ الأموال إلى مكة المكرمة ولكن كثيرا مِن الناس الذين يَقومون بِتوزيعِ تلك الأموال لا يَعْرِفُون الوجوهَ الصحيحة التي تُوَزَّع فيَقومون بِإِعطاءِ فلان أو فلان أو ما شابه ذلك .. طبعا ذلك الإنفاق لا يَكونُ حَرَاما ولكن الإنسان ينبغِي لَه أن يَبحَثَ عن أَحْسَنِ الوجوهِ وأوْلاهَا؛ والله أعلم. السؤال: مَن لا يستطيع أداء الحج إما لكبر سنه أو لمرض ألم به، هل الأوْلى له أن يؤجر في حياته أو أن يوصي بالحج ؟ وهل هو مطالب أساسا بأن يؤجّر أو يوصي وهو على هذا الحال ؟ الجواب: أما إذا كان قد وجب عليه الحج من قبل وفرَّط فيه فإنه لا شك بأنه يجب عليه أن يؤجِّر في الوقت الحاضر-أي في وقت حياته-أو أن يوصي بذلك، أما إذا لم يكن واجبا عليه من قبل فإن لأهل العلم خلافا، وقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الإنسان إذا كان واجدا للمال ولم يكن قادرا في يوم من الأيام أن يذهب إلى الحج أنه لا يلزمه أن يؤجّر أو أن يوصي بالحج وذلك لأن من شرط ذلك أن يكون قادرا على الذهاب إلى تلك الأماكن المقدسة ولا يكفي أن يكون واجدا للمال، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن ذلك يجب عليه واستدلوا بظواهر الأحاديث فعلى هذا الرأي الثاني من كان واجدا للمال ولو لم يكن مستطيعا في وقت من الأوقات على الذهاب إلى الحج أو كان قادرا على الذهاب-على الركوب مثلا أو ما شابه ذلك-ولكنه لم يكن في ذلك الوقت واجدا للمال ولم يجد المال إلا بعد أن صار عاجزا عن الذهاب فإنه يجب عليه الحج على هذا الرأي، ولا شك بأن هذا الذي تؤيده ظواهر النصوص وإن كانت ليست بصريحة في ذلك ومهما كان فهذا القول أحوط وأسلم، فلا ينبغي للإنسان الذي منَّ الله-تبارك وتعالى-عليه بالمال الطيب الحلال أن يفرِّط في ذلك لأن في مثل هذه المسائل التي يشتد فيها الخلاف ولاسيما عندما تكون الأدلة أقرب ما تكون إلى ذلك الرأي فأن الإنسان لا ينبغي أن يفرِّط فيه، أما من حيث هل الأفضل للإنسان أن يؤجر في حياته إذا كان يعرف من نفسه أنه لا يستطيع أن يذهب أبدا إما لكبر سنه أو لأنه آيس من الشفاء بحسب الظاهر .. هل الأفضل له أن يؤجِّر في حياته أو أن يوصي بذلك ؟ لاشك أن الأفضل له أن يؤجّر في حياته ذلك، بل الأفضل للإنسان أن يؤدي ما عليه من جميع الحقوق في حياته وإنما يؤخر الوصية للأقارب الذين لا يرثونه فإن الوصية للأقارب لا يمكن أن يؤديها الإنسان في حياته بل لابد من أن تنفَّذ بعد وفاته، أما ما عليه من كفارات أو ديون أو ما يريد أن يتبرع به أو ما شابه ذلك فإن الأولى أن يأتي به في حياته، ذلك لأن الإنسان لا يدري ماذا عسى أن يعرض للورثة أو للوصي أو ما شابه ذلك وهل سيؤدون ذلك على الطريق المطلوب أو لا ثم الإنسان أيضا لا يضمن أن يبقى معه المال إلى أن يموت فقد يضيع منه أو قد تصيبه جائحة أو ما شابه ذلك ثم إن الإنسان لاشك أنه إذا أداه في حياته .. لا شك أن هنالك فرقا بينما إذا أداه في حياته أو أداه بعد ذلك لأن الإنسان قد لا يبالي بالمال بعد وفاته أما في هذه الحياة يكون حريصا عليه غاية الحرص فإذا أداه في حياته فلا شك أنه أولى من جميع هذه الوجوه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. __________________ أحكام الاستعداد للذهاب للحج السؤال: ماذا يَنبغي على الذي يُريد أن يَحُج إلى بيت الله الحرام ؟ ماذا عليه أن يَصنع كاستعداد لهذه الفريضة ؟ الجواب: إنّ الحج فريضة مِن فرائض الإسلام بل هو رُكن مِن أركانه، والأدلّة على وجوبه متعدِّدة مِن كتاب الله-تبارك وتعالى-ومِن سنّة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وقد أجمعت على ذلك الأمّة الإسلامية بل هو مِن الأمور المعلومة مِن الدِّين بالضرورة لعامّة المسلمين، ولذلك لا أرى حاجة للإطالة بذِكر تلك الأدلة. والحج يَجب على الفور على القول الصحيح الراجح، وهو الذي ذهب إليه ابن بركة والشيخ إسماعيل، وهو الذي يُفهَم مِن كلام الإمام نور الدين السالمي-رضي الله تبارك وتعالى عنه-في " جوهر النظام "، وهو الذي تُؤيِّده الأدلّة، على أنّ الإنسان لا يَدري متى يَأتيه الموت فما مِن لحظة مِن لحظات حياته إلاّ ويمكن أن يَموت فيها وإذا كان الأمر كذلك وكان الحج واجِبا-كما أشرنا إلى ذلك مِن قبلُ-على المستطيع عليه فإنه ليس لأحد وجد الاستطاعة أن يَتأخّر عن الحج بل يَجب عليه أن يُبادِر إلى ذلك فورا، فمَن وجَد الاستطاعة عليه أن يَستعِدّ لذلك وأن يَقوم بتأدية هذه الفريضة العظيمة التي أوجبها الله-تبارك وتعالى-على المستطيع مِن عبادِه، والتي جاءت الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-التي تدلّ على عظيم فضْلها. فمَن أراد أن يَقوم بأداء هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة وأن يُؤدِّيَ هذه الفريضة التي افترضها الله-تبارك وتعالى-عليه فعليه أوَّلاً أن يتخلّص مِن الديون التي عليه إذا كانت حاضِرة، وإن لم تَكن حاضِرة فعليه أن يَقوم بتوثيق تلك الديون التي عليه، وذلك بأن يَكتب ذلك عند كاتب ثِقَةٍ صالِح يُؤخذ بكتابته وأن يُشهِد شاهديْن عَدْلَيْن على ذلك ثم بعد ذلك يَقوم بوضْع ذلك الصكّ الشرعي إما عند صاحب الحقّ-وهو الأَوْلى-أو أن يَضع ذلك مع ثقة أمين ثم يُخبِر صاحب الحقّ بأنه قد وضَع الصكّ الذي وثّق به ماله مع فلان بن فلان وأن يَصِفَه بصفة لا تَخفى على صاحب ذلك الحق .. هذا بالنسبة إلى حقوق العباد التي عليه .. نعم إذا كانت تلك الحقوق حاضِرة وسَمَحَ له مَن له ذلك المال بأن يُسافِر وبعد ذلك يَقوم بتأدية ذلك الحقِّ إليه وكان هو يَملِك ذلك المال الذي يُساوِي ما عليه مِن الحقوق فإنه لا مانع مِن ذلك لكن لا يَنبغي له أن يَقوم بمطالبة الناس أن يَسمحوا له بذلك. فإذن إذا كانت عليه حقوق فلابد مِن أن يَكون يَملِك مِن المال ما يُساوي تلك الحقوق التي عليه ولابد مِن أن يُوثِّق ما عليه مِن مال. ثم عليه-أيضا-أن يَكتُب وصِيَّتَه، بل الوصية وتوثيق الحقوق مِن الأمور التي لابد منها سواءً أراد الإنسان الحج أو لم يُرِد وسواءً كان ذلك في وقت الحج أو لا، وذلك لِما ذكرناه مِن أنّ الإنسان لا يَملك متى يأتيه الموت فلا يَدري متى يأتيه ومتى يَعرِض له وقد تَضيع حقوق الناس بموته وعدم عِلم ورثتِه أو بتساهلِهم أو تساهلِ بعضِهم بتأدية ما عليه مِن الحقوق، والحديث قد نصّ-وهو صحيح ثابت-على أنّ الإنسان لابد مِن أن يَقوم بكتابة وصيتِه وأنه لا يَجوز له أن يَبيت ثلاث ليال إلا ووصيتُه مكتوبة، أو ما هذا معناه، وهو حديث صحيح ثابت، وذكرناه بمعناه لا بلفظه. و-كذلك-عليه أن يُهيِّئَ مِن المال ما يَكفيه لِسدّ حاجتِه مِن الوقت الذي يَخرُج فيه مِن بلادِه إلى أن يَرجِع إلى بلدِه ويَأخذُ مقدارا مِن المال يَكفيه لسدِّ بعض الأمور التي قد تَعرِض له مِن مرض أو مِن وجوب فِديةٍ أو جزاءٍ، لأنّ الإنسان قد يَقع في بعض الأمور التي يَجب عليه بسببها الفِدية أو يَجب عليه بسببها الجزاء، وهي أمور سيأتي توضيحها في مناسبة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى. و-كذلك-عليه أن يَقوم بتعلّم أمورِ الحج، لأنّ كثيرا مِن الناس-وللأسف الشديد-يَذهبون لتأدية هذه الفريضة وهم لا يَعرِفون عن كيفية أدائها شيئا .. منهم مَن يَعتمِد على أنه سيُرافِق فلانا أو فلانا أو أنه سيَبحث عن مُطَوِّفٍ أو ما شابه ذلك، وهذا أمر لا يَنبغي، ولستُ أريد بالتعلّم أن يَتعلّم الإنسان الدقائِق الفقهية التي ذكرها العلماء في كتبهم، فإنّ هذا الأمر مِمّا لا يَقوى عليه إلا قلّة قليلة مِن الناس، وإنما أريد أن يَتعلّم الإنسان أهمّ المناسك، وهي أمور سهلة بمشيئة الله تبارك وتعالى، فلابد مِن أن يَعرِف مِن أين يُحرِم، وما هو الذي يَجوز له في الإحرام وما هو الذي لا يَجوز له في الإحرام، و-كذلك-لابد مِن أن يَعرِف كيف يَقوم بتأدية الحج .. مِن إحرام وطواف وسعي وإحلال بِالنسبة إلى العمرة، وكَذلك بالنسبة إلى الحج .. يُضاف إلى ذلك الوُقوف بِعَرَفَة والمبيت بالمزْدَلفَة مَعَ الدُّعاء في ذلك المَوْضع الشريف، والـمَبِيت بِمنى مع الرمي، والذَّبح بِالنسبة للمتمتِّع والقَارِن .. أي ذبح الهدي والحلق، إلى غير ذلك مِن الأمور، وهِيَ أُمُور يَسِيرة سَهلة، وقد كَتب فِيها كثير مِن أهل العلم بعضَ المؤلَّفات، ومِن المؤلَّفات المفِيدة المختصَرة التي كَتَبها العلماء-جَزاهم الله تبارك وتعالى خيرا-للمُبْتَدئين الكِتاب المعْروف الـمُنتشِر المشهور بِكتاب " تَلقِين الصبيان "، فإنّ الشيخ الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-ذَكَرَ أمورا مهِمّة بالنسبة إلى الحج في هذا الكِتاب، ولا يَنبغي للإنسان أن يَشتغِل بِتِلك الأذكار التي ذَكَرَها كَثير مِن أهل العلم وبعضها موجود في " تلقين الصبيان " .. نعم إذا كان يَحْفظها فهي حسنَة جِدا، أما أن يَشتغِل بِفَتْح كتاب أو بِمتابَعَة فلان أو فلان ولا يَخشَعُ في دُعَائه-وما شابه ذلك-فهذا مِمّا لا يَنبغي، بَل يَنبغي أن يَأتِي بِالأدْعية التي يَحفظها ويَكون عند الإتيان بِهَا خَاشِعًا لله تبارك وتعالى، أَمَّا ما عدا ذلك فلا يَنبغي له أن يَتكلَّف ذلك .. كثير مِن الناس يَهْتَمّون ببعض الجزئيات البَسيطة ولكنهم لا يَدرون شيئا عن الأمور المهمّة التي تترتّب على ذلك، فإذن تَعَلُّّم المسَائل المتعلِّقة بِالحج مِن قَبْلِ الذهاب إلى الحج مِن الأمور المهمّة التي لا يَنبغي التَّفْرِيط فيها .. وكثير مِن الناس-كما قلتُ-يَجْهَلون حتى الأمور البَسيطة كالتلبية، فكثير مِن الناس-وخَاصَّة مِن الكبار ومِن النساء-لا يَعرِفون التَلْبية، وإنما يَذهبون إلى الحج فإذا رَكِبوا في السيارة-مثلا-قَام واحد مِن الناس بِقِراءة تلك التَّلبية وهم يُتَابِعونه عليها ونظرا لعاميتهم قد تَفوتُهم بعضُ الكلمات مِن التلبية ولا يَأتون بِها على وجهها الصحيح المشْرُوع الثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه. كذلك هنالك أُمُور .. بِأن يُودِّع الإنسانُ أقارِبه، وبأن يُؤدِّي ما عليه مِن كفارات ونُذُور أو ما شابه ذَلك أو يَقوم بِتَوْثيق ذلك، فَهذا مِن الأمور التي تَدخل في ضِمْن الوصية فالأوْلى للإنسان أن يُكَفِّر مَا عَليه من أيْمان سواء كانت عَن تَرك صيام أو كان بِسبب حِنْثِهِ في بَعض الأيْمَان مثلا، و-كذلك-إذا كان قد أفْطر شيْئا مِن شهر رمضان أو وَجَبَ عليه صومٌ بسبب نذْر أو بِغير ذلك مِن الأمور فلابد مِن أن يَقوم بِتَأدِية ذلك، مخافة أن يُصيبه حادثٌ-لا قدّر الله تبارك وتعالى-عند تَأْدِيَتِه للحج، ولا يَنبَغي للناس أن يَخافوا مِن تَأْدية المناسك بِذِكْرِنا لِهذا الكلام أو بِذِكْرِ بَعض الناس لِذلك، فالحج سَهْل بِمشيئة الله، لأنني أعرِف بعضَ الناس يَخافون مِن تأدية الحج لِمَا يَسمعونه مِن زِحام-أو ما شابه ذلك-عند تأدية المناسك وخاصة عند الرمي، فهذه أمور سَهْلَةٌ يَسِيرَةٌ في حقيقة الواقع، وإنَّما الناس يَجْهَلُون ذَلك .. يَظنّون بأنه لابد مِن تأدية النُّسُكِ الفُلاني في الوقت الفلاني فيُزاحِمون الناسَ ويُصيبُهُم بَعضُ التَّعَب أو تُصِيبُهم مَشَقَّة أو ما شابه ذلك .. لا .. مثلا الرَّمي-بِحمد الله تبارك وتعالى-في اليوم العاشر يَبدأ مِن طُلُوع الشمس على قَوْل كثرة كَاثِرَةٍ مِن أهل العلم بَلْ لم يَقل أحد بِأنه يَبدأ بَعد طُلُوع الشمس وإنَّما الخِلاف هَل يَجوز قبْل طُلوع الشمس أو لا ؟ أمَّا إذا طلعت الشمس فَهُو مَشروع باتّفاق الأمّة الإسلامية قاطبة، ويَمتدّ الوقت-عند طائفة مِن أهل العلم-إلى منتصَف النهار .. كثير مِن الناس لابد عندما يَأتون إلى موضِع الرمي لابد مِن أن يَقوموا بتأدِية ذلك النُّسُك في ذلك الوقت ولا معنى لذلك، فإذا وَجَدَ الإنسان مَشَقَّة بإمكانه أن يَتَرَيَّثَ ساعة أو ساعتين أو أكثر، بل ذهب بعض العلماء إلى أنّ الوَقْت يَمتدّ إلى غروب الشمس، وبعضهم إلى طلوع الفجر، ونحن وإن كنَّا نقول: إنّ الأوْلى ألاَّ يُؤخِّرَ الإنسان لِغير المشقّة إلى ما بعد منتصَف النهار وإن كانت هنالك مَشَقّة ولو بَسِيطة مُمكِن أن يَتأخّر إلى غروب الشمس، أمَّا ما عدا ذلك .. أي عند عدم وجود المشقّة الشديدة فلا يَنبغي له أن يتأخّر عن ذلك، وهكذا بالنسبة إلى الرمي في اليوم الثاني .. أي في اليوم الحادي عشر وكذا في اليوم الثاني عشر وفي اليوم الثالث عشر لِمن أراد أن يَتَأَجَّل .. أي أراد أن يَمْكُث ذلك اليوم فهو يَبدأ بِمنتصَف النهار ويَمتَدّ إلى غروب الشمس بل لليوم الحادي عشر والثاني عشر .. لِمن لم يَستطِع يَمتدّ إلى مَا هو أبعد مِن ذلك، وشَرْحُ ذلك في موضعه بمشيئة الله، وإنَّما نُريد أن نُبَيِّن للناس بأنّ الأمر يَسير، وبأنه لا يَنبغي لهم أن يَتزاحَموا في وقت-مثلا عند منتصف النهار-ويَتركون الوقتَ الممتدّ الطويل ويُتعِبون أنفسهم و-كذلك-يُتعبون غَيْرَهم، فهذا مِن الأمور التي لا تَنبَغِي. فهذا مِِن الأمور التي يَنبغي للإنسان أن يَعرِفها عندما يَذهب إلى تأدية الحج، ومِن أهَمِّها-كما قلتُ-أن يَعرِف مناسك الحج، وأن يُوثِّق ما عليه مِن ديون، وأن يَقوم بالتَّوْبَة والإنابة إلى الله، وذلك بِأن يَفِدَ إلى ربه-تبارك وتعالى-وقد تَخلّص مِن كل ما عليه مِن حقوق الله-تبارك وتعالى-وحقوق عبادِه وتاب وأناب إليه وإذا كانت بينه خصومات وبين غيره مِن عبادِ الله-تبارك وتعالى-لابد مِن أن يُصَالِحَهُم بَل لَيْسَ للمسلم أن يَهجُر أخاه فوق ثلاثٍ يَلتقيان يُعرِض هذا ويُعرِض هذا عن صاحبه، كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه. وهنالك أمور أخرى تَتعلّق بِهذا الموضوع .. أيْ بِكيفية الحج مِن الوقْت الذي يَخرج مِن بيته .. فيه مَاذَا يَصنع إلى أن يَرجع إلى بَيْته مِن أذكار إلى غير ذَلك، سنُؤجِّل الكلام عليها إلى مناسبة أخرى، وعسى أن يكون ذلك في الأيام القريبة إن شاء الله تعالى. السؤال: ذكرتم بِأنّ الإنسان إذا كان يَملِك مِن الـمَتَاع ومِن المال مَا يَسُدُّ دُيُونَه فيما لو حدث له مكروه-لا قدّر الله-فَلَو كان يَمتلِك بَيْتَه فقط وسَيَارته، فهل ذلك يَكفي لكي يُضَمِّنَه الوَصِيَّة ؟ الجواب: هذه أَمُور ضرورية، فلا يُمكن أن يَقوم أولادُه بِبَيْع بَيْتِهم وبعد ذلك في أيّ موضع سيسكنون ؟! لا .. وإنَّما إذا كان ذلك يَفضُل عن حاجته وحاجة أولادِه الضرورية، و-أيضا-هذا في ديون الحلال، أمَّا في الأمور المحرَّمَة فعلى الإنسان أن يَتخلّص مِنْها ولو باع الغَالِي والرَّخِيص .. فهذا في الأمور الحلال، أمَّا في الأمور المحرَّمَة لابد مِن أن يَتخلّص وليس له أن يَتَأَجَّل .. نعم إذا كان لا يَهمُّه بأن يَبقى على معصية الله-تعالى-فنقول له: " اذهب إلى الحج ولكنّ الله-تبارك وتعالى-لا يَتقبّل إلا مِن المتقين "، أمَّا أن يُقال لَه بأن يَترُك الحج ويَبقى على معصيته فهذا مِمّا لا يَصح، فإذا وجد الناس في قول بعض أهل العلم بأنّ " مَن كانت عليه ديون محرَّمَة ليس له أن يَذهب إلى الحج بل عليه أن يَتخلّص ويَتوب " .. يُريدُون ذلك إذا كان هَذَا الشخص يُريد حقًّا أن يَتخلّص، أمَّا بعض الناس يَملِكون بعض الأراضي أو بعض العقارات أو ما شابه ذلك مِن الأمور ويَقولون: " نَحْن نريد أن نتخلّص ولكن لا يُمكن أن نَبيع هذه بل نَتأجّل حتى نَجِد ثمنا كبيرا أو نَبني عليها وبعد ذلك نَقُوم بِبَيْعِها " أو ما شابه ذلك فهؤلاء-في حقيقة الواقع-لا يُريدون أن يَتخلّصوا فعليهم أن يَذهبوا إلى الحج لئلا يَجمعوا بين معصيتين .. معصية تَرْكِ الحج ومعصية البقاء على الحرام؛ والله المستعان. السؤال: إذا تُوفي الإنسان ولم يَحُج مع أنه كان قادِرا على الحج في حياته، فما الحكم ؟ وإذا قلنا بِوجوب الحج عنه، فهل يُحْرَم عنه مِن مكانه أم مِن مكان الذي يَستأجِر عنه ؟ الجواب: على كل حال؛ مَن وَجَدَ الاستطاعة على الحج فإنه يَجِب عليه أن يَذهب إلى ذلك فوْرا على مذهب الـمُحَقِّقِينَ مِن أهل العلم، وقد نَسَبَه بعضُ أهل العلم إلى جمهور الأمّة: مَن وَجَدَ استطاعةً عليه ***** بِالفَوْرِ أَن يُعَجِّلَن إليه (1) ولكنّ الناسَ كما قال هذا الشيخ-أعني الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى: وأكثرُ الناس يُؤخِّرون ***** وأنه كَالدَّيْنِ يَزْعُمُون وهُم لَعَمْرُ الله مَغْرُورُون ***** بِزُخْرُف القَوْلِ مُخَادِعُون (2) فتجد الواحد منهم يَجِد المال وهو في صحة تامّة ولكنه يُسَوِّفُ .. لا يَذهب في هذه السنة ولا في التي تَليها ويَمْكُثُ عشرات السنين وهو لا يَذهب وإذا سُئل فيقول إنه سيَذهب، والحج ليس على الفور، أو ما شابه ذلك مِن الخُرافات، والذين قالوا: " إنه على التراخي " ما أرادوا بِذلك هذا المعنى الذي يُعبِّر عنه هؤلاء الجهلة بِهذا الكلام، فينبغي لِلإنسان بل يَجِب عليه إذا وَجَدَ الاستطاعة أن يَذهب إلى الحج فوْرا وليس له أن يُسَوِّف في ذلك أبدًا ولْيَتَّقِ الله-تبارك وتعالى-فهو لا يَعلم إلى متى سيَبقى في هذه الحياة فربما يُفاجِؤه الموت ولم يَأتِ العامُ القادمُ الذي يَزعم بِأنه سيَذهب فيه إلى الحج فما مِن أحدٍ مِنّا يَملِك بِأنه سيَبقى لَحظةً مِن اللحظات فضْلاً مِن أن يَزعُم بِأنه يَبقى إلى السنة القادمة أو التي تَليها أو ما شابه ذلك. وأنا قلتُ في بعض الفتاوى: إنّ المرأة إذا منعها زوجُها مِن الحج فلا طاعةَ له في ذلك إذا كانتْ تَجِد مَن يُرافِقها مِن مَحارِمها، وهكذا بِالنسبة إلى الوَلَدِ إذا مَنَعَه أبوه أو أمه أو كِلاهما عن الحج-وأعني بِذلك طبعا حجَّةَ الفريضَة-فليس له أن يَسمَعَ لَهما فلا طاعة لَهما ولا كرامة، لأنّ الطاعة تَكون في الـمَعروف وهذا النهي منهما أو مِن أحدِهما ليسَ في المعروف بل هو نَهي عن طاعة الله سبحانه وتعالى . أما بالنسبة إلى مَن مات ولم يَأت بِفريضة الحج مع أنه قادِر على الإتيان بِها فعلى كل حال أمرُه إلى ربِّه تبارك وتعالى. فإن كان قد أوصى بِذلك فلابد مِن تنفيذ وصيته، وقد اختلف العلماء في هذه الوصية هل تكون مِن رأس المال أو مِن الثلث ؟ فذهب بعضهم إلى أنها تكون مِن رأسِ المال، وهذا القول هو القول الصحيح عندي، لِحديث: ( فدَيْنُ الله أَحَقُّ أن يُقْضَى ) وما شابه ذلك. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تكون مِن الثلث. وفائدةُ ذلك إذا استَغْرَقَتْ الوصايا الواجبة الثلث ولم يَبقى منه بقية هل تُخرَج عنه الزكاة(3) أو لا ؟ وهذا على رأي مَن يَقول: " إنّ حقوقَ العباد تُقدَّم على حقوق الله تبارك وتعالى "، وهو أحد الأقوال في المسألة. وبعض العلماء يقول: إنّ حقوقَ الله تُقدَّم، وذلك لِحديث: ( فدَيْنُ الله أَحَقُّ أن يُقْضَى ). وبعض العلماء يقول: إنه يُحاصَصُ بيْنها. والحقُّ أنّ دَيْنَ العباد يُقَدَّم، وذلك لأنه مبني على الـمُشَاحَّة، أما ديونُ الله-تبارك وتعالى-فالله-تبارك وتعالى-غَنِيٌّ عنها .. وإن كانت واجبة لكن لا يُمكِن أن تُقَدَّم على ديونِ العباد، وحديثُ: ( فدَيْنُ الله أَحَقُّ أن يُقْضَى ) لا يُرادُ بِه أنه يُقَدَّمُ على دَيْنِ العباد، وإنما يُرادُ مِن ذلك الوجوب .. أي أنه لابد منه-طبعا-وذلك إذا أَمْكَن. ونَحن قد قُلنا: إنّ حقوقَ الله-تبارك وتعالى-سواء كانت حَجّا أو غيْرَه تُخرَج مِن أصل المال، فما دام المال يَفِي بِذلك فلابد مِن إخراج ذلك، أما إذا لم يَكن هنالِك شيء مِن المال بعدَ أداءِ حقوقِ العباد-فلا حول ولا قوة إلا بِالله-فيَنبغي لأقاربه أن يَحُجّوا عنه. أما إذا كان لم يُوصِ بِذلك فإنّ أهل العلم قد اختلفوا في ذلك: والذي عليه جمهور أصحابنا هو أنه لا تُخرَج عنه الحجّة، لأنه لم يُوصِ بِذلك. وذهب بعضُ المتأخِّرين إلى أنه تُخرَج عنه، لِلحديث الذي ذَكَرْنَاه. وهذه المسألةُ-في حقيقة الواقع-ليس فيها دليلٌ واضِح على أحدِ الأمْرَيْن والحديثُ مُحتمِل، وأنا أقول: إنه يَنبغي أن يُحَثَّ الورثة إما أن يَذهبوا لأداء الحجِّ عنه أو أن يُخرِجوا ذلك مِن مالِه والمال فَانٍ وكما مات هو عنه فإنهم سيَموتون عن ذلك .. بَقي إذا كان في الورثة بعضُ الصِّغار الذين لم يَصِلوا إلى مرتبة التكليف فيُمكِن أن يُنْتَظَر هؤلاء ويَقوم بعض أهل العلم بِحَثِّهِم على ذلك فإن لم يَرْضَوا بِذلك فإنّ لنا كلاما في ذلك بِمشيئة الله، أما الآن فإننا نُحِبُّ هذا، لِعدم وجودِ دليلٍ صريحٍ في المسألة وهذا الحديث الذي ذَكَرْنَاه مُحتمِل؛ وسأتكلّم على هذه المسألة بِتوسُّع في الدروس القادمة بِمشيئة الله. الهامش : 1- الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب: الحج، باب: النيابة في الحج. 2- الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب: الحج، باب: النيابة في الحج. 3-لعل الشيخ قصد أن يقول: " يُؤدّى عنه الحج " بدلا مِن " تُخرَج عنه الزكاة ". أعمال الحج السؤال: نريد منكم أن تُحَدِّثُونا-باختصار-عن صفة الحج .. ما الذي يأتيه الحاج وما الذي يذره ؟ الجواب: إنه لا يَخفى على أحَد أنَّ الحجَّ مِن أَفْضَل الطاعات وأَعْظَم القُرُبات التي يَتَقَرَّب بِها الإنسان إلى ربه تبارك وتعالى، ولذلك يَجب أن تَكون وِفْقَ سنّة رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-التي ثبتتْ عنه، فالرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-حَجَّ وبَيَّن للناس كيفية الحج بِفِعله وبَيَّن بعضَ الأمور المتعلِّقة بِذلك بِقولِهِ وبَعْد أن فَعَل تلك المناسك قال: ( خذوا عني مناسِككم، لَعَلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا )، وقد اتّفقتْ الأمّة في كثير مِن تلك الأمور، واختلفتْ في بعض الأمور هل هي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فما اتّفقتْ عليه الأمّة الإسلامية فلا إشكال فيه، وما اختلفتْ فيه الكَلِمَة فإنه يَنبغي لِلإنسان أن يَأخذ بِما ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. والكلام في صِفَة الحج يَطول، وقد أَفْرَدَهُ كثير مِن أهل العلم بِمؤلّفات مُطَوَّلَة وبَحثوه في كتبٍ أُلِّفَت في التفسير أو في شروح الأحاديث أو في غير ذلك مِن الأمور، ولا بأس أن أُلَخِّصَ ذلك بِتلخيصٍ شديد بِكلامٍ مختصَر. ومِن نَافِلَة القول أنّ الحج واجبٌ بل هو ركن مِن أركان الإسلام، وأنه لا يَنبغي لِلإنسان إذا استطاع سبيلا إلى ذلك أن يُؤَخِّرَه بَعْد وجوبه عليه، لأنه لا يَدري ماذا سيَحدث له في المستقبل، فقد يَأتيه الموت ولا يَتمكّن مِن تأدية هذا الفرْض وقد يَمرض ولا يَتمكّن مِن ذلك أيضا، وقد تَذهب أمواله فلا يَتمكّن مِن تأدية هذا الركن العظيم، فلذلك إذا وَجد استطاعةً عليه فليس له أن يَتأخَّر عن ذلك، كما يَفعله كثير مِن الناس وللأسف الشديد. ومِن أهمّ الأمور أن يَقْصِدَ الإنسان بِحَجِّه وبِعُمرته وجهَ الله تبارك وتعالى .. لا يَقصد بذلك رياءً ولا سُمعةً، فكثير مِن الناس يَرغبون في أن يُقال: " إنّ فلانا ذَهب إلى الحج " أو ما شابه ذلك ويَزْعُمُون بِأنهم يَقصِدون الله-تبارك وتعالى-والدار الآخرة وفي الواقع ذلك مِمّا لا يَصح، بل لابد مِن أن ينوِيَ الإنسان نيةً صحيحةً لا يَشوبُها شَوْبُ رياءٍ أو سُمعةٍ، وبَعْد ذلك يُهَيِّئُ ما يسَّره الله-تعالى-له مِن الرزق الحلال فيَذهب به إلى تأدية الحج، وقد تكلمنا على بعض الشروط المتعلِّقة بذلك، ولا أريد أن أطيل الكلام بذلك في هذا الوقت، وإنما أريد أن أتكلم على ما يَفعله الإنسان مِن الوقت الذي يَخرُج فيه مِن بيته إلى أن يَقوم بِتأدية هذا الركن العظيم. فإذا أراد الإنسان الخروج إلى الحج فَلْيُوَدِّع أهلَه وأقاربه وليُخْلِص النية إلى الله-تبارك وتعالى-بعد توبةٍ صادقةٍ إلى الله-تبارك وتعالى-وتأديةٍ للحقوق التي عليه وتَوْثِيق ما لم يُؤَدِّه مِن الحقوق بصكّ شرْعِيٍّ مع شهادة شهودٍ عُدولٍ ولْيَضعه مع أمين أو مع صاحب الحق وإذا وضعه مع أمين فلابد مِن أن يُخبِر صاحبَ الحق بِذلك، ثم لِيَخرُج إلى مكّة المكرّمة-شَرَّفها الله تبارك وتعالى-وينبغي له أن يَبحث عن أصحابٍ صالحين يُعينهم ويُعينونه على طاعة الله تبارك وتعالى، فإذا بَلَغ واحداً مِن المواقيت .. والمواقيت خمسة: 1-ذو الحُلَيْفَة لأهل المدينة ولِمَن مَرّ بها. 2-وذاتُ عِرْق لأهل العراق ومَن كان في ناحيتهم. 3-والجُحْفَة لأهل الشام ومَن جاء على طريقهم. 4-وقَرْنُ المَنَازِل لِمَن جاء مِن نَجْد. 5-ويَلَمْلَم لِمَن جاء مِن اليَمَن أو مَن كان طريقه عليها. فمَن كان مِن أهل هذه البلدان أو كان طريقُه على ذلك الميقات فلْيُحرِم مِن هذه المواقيت، ولا ينبغي له أن يُحرِم قبلها، إذ إنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يُحرِم قبل ذلك، فقد أحرم مِن الميقات في حجّة الوداع، وأَحرَم كذلك في العُمرة التي صَدَّه عنها كفار قريش، وكذلك في العُمرة التي قضى بها تلك العُمرة التي صُدَّ عنها، بل وقَّت ذلك بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولو كان هنالك فضْل-أي في التقدم على ذلك-لَفَعَلَه النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أو لصَرَّح بذلك، أمَّا وأنه لم يَفعل شيئا مِن ذلك ولم يُصَرِّح بشيء منه فلا ينبغي لأحد أن يقول بأنّ ذلك أفضل، وأما الجواز فلا إشكال فيه. وما جاء مِن الأحاديث مِن أنَّ الأفضل أنْ يتقدَّم الإنسان على الميقات فذلك مِمّا لا يَصح عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وفِعل الناس لا حُجَّة فيه .. هذا إذا صح عن أحد مِن الصحابة أو غيرهم، ولستُ أريد أن أطيل الكلام على صحّة وعدم ثبوت تلك الروايات التي رُويت عن بعضهم. فإذا وَصَل إلى الميقات وكان يُريد حجّا أو عُمرة فإنه يُحرِم مِن ذلك. والعُمرة تكون في سائر السنة إلا ما استُثني مِن الأيام التي يكون الإنسان فيها في الحج، فلا يمكن أن يَعتمِر في اليوم العاشر أو في اليوم الحادي عشر أو في اليوم الثاني عشر وكذلك قبل أن يَنتهي مِن الرمي في اليوم الثالث عشر لِمَن تأخَّر. أما الحج فإنه لا يكون إلا في أشهر الحج وأشهر الحج معلومة فهو يكون في شوال وفي ذو القعدة وفي الأيام الأولى مِن شهر ذي الحجّة. أما بالنسبة إلى بقية شهر ذي الحجّة فإنه وإن قال مَن قال مِن أهل العلم بأنه مِن أشهر الحج لكنهم لا يريدون بذلك أنّ الإحرام يَصح فيه، إذ إنَّ مَن لم يَقف بعرفة قبل طلوع الفجر مِن اليوم العاشر مِن شهر ذي الحجّة .. أي قبل طلوع فجر ليلة اليوم العاشر منه فإنه لا حج له باتفاق العلماء قاطبة وبنصّ الحديث قبلَ ذلك .. أي بنصّ الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإذا جاء إلى الميقات فإنه ينبغي له أن يَغتسِل، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد اغتسَل وأمرَ بالاغتسال بل حتى أنّ الحائض والنفساء تَغتسِلان، فقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه أمرَ زوجَ أبي بكر-أمّ محمد بن أبي بكر-بأن تَغتسِل مع أنها نفساء، فمَن كان يستطيع على الغُسل فيُشرَع له الغُسل، وهو وإن لم يكن واجبا ولكنه سنّة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي التفريط فيها، أما مَن كان مريضا لا يقوى على الغُسل لِشدّة البرد-مثلا-أو لم يَجِد ماءً-والحمد لله الآن موجود بالنسبة لِمَن مَرّ على المواقيت-فإنه لا بأس عليه بِترك الاغتسال، إذ لا قدرة له عليه، ولا يُشرَع في حقِّه التيمم على القول الصحيح الراجح، لأنه لم يَرِد حديثٌ عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يَدلّ على التيمم، ولا يمكن قياسُه على التيمّم لِلوضوء للصلاة ولغسل الجنابة .. نعم إذا كان لا يَقوى على الوضوء وأراد أن يُصلِّي فإنه يَتيمّم لِلصلاة لا لإرادة الإحرام، فإذا اغتسَل وتوضّأ فإن كان الوقتُ وقت فريضة فإنه يُصلِّي الفريضة ويُحرِم بعد ذلك كما سيأتي إن شاء الله، أما إذا لم يَكن الوقتُ وقت فريضة أو قد صلّى قبل ذلك فاختلف أهل العلم هل يُصلِّي نافلةً ويُحرِم بعدها ؟ ولم يَثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يَدلّ على ذلك، إلا أنه إذا دخل المسجد فإنه يُصلِّي ركعتي التحية ويُحرِم بعد ذلك-كما سيأتي بمشيئة الله تبارك وتعالى-أو كان الوقتُ وقت الضحى وكان يُصلِّيها مُطلَقا أو في بعض الأحيان-أعني يُصلِّي سنّة الضحى-فإنه يُحرِم بعدها أو أراد أن يُصلِّي ركعتي السنّة التي تُصلَّى بعدَ الوضوء فإنه يُحرِم بعدَ ذلك كما سيأتي بمشيئة الله تبارك وتعالى، أما أن يُخصِّصَ ركعتين لِلإحرام فالصحيح أنه لم يَثبت في ذلك شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما دام لم يَثبت شيءٌ في ذلك فلا يُمكِن أن نقول بمشروعية شيءٍ ولا نملك دليلا يَدلّ عليه، فإذا صلى-إذا أراد الصلاة-فإنه يُحرِم-في ذلك الوقت على رأي بعض أهل العلم، وفي رأي بعض أهل العلم أنه يُحرِم-إذا رَكب راحلته، وهذا هو الذي دَلّ عليه الحديث الصحيح الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وأما بعد الصلاة فإنه قد ورد حديثٌ عن ابن عباس وقوّاه بعض الناس ولكنه لا يَثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن جهة الإسناد. وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل، وأما مِن حيث الجواز فالأمر جائز ولا إشكال فيه. والإحرام يَكون بِلبْس ثوبَي الإحرام بالنسبة لِلرجُل .. يَلبس إزارًا ساترًا ولابد مِن أن يكون ساترا لِعورته. وكثير مِن الناس-هداني الله تعالى وإياهم-يُخرِجُون ما هو أسفل مِن السرة مع أنّ ما بيْن السرة والركبة عورة-وهذا الكلام بالنسبة إلى الرجل، وسيأتي ما يتعلّق بالمرأة بِمشيئة الله تعالى-فهذا أمر لا يَصح .. لابد مِن أن يَستر ما بيْن السرة والركبة، وإنما الخلاف في السرة نفسها وفي الركبتين .. نعم يُوجَد خلافٌ في ما هو أعلى مِن الركبتين ولكنّ الصحيح ما ذكرناه، أما ما هو أسفل مِن السرة فلا يمكن أن يُرَخَّص فيه، فلابد مِن أن يَنتبِه الإنسان. ويَلبس-أيضا-رِداءً، ويَنوي الإحرام وذلك يكون إما أن يُحرِم: 1-بِحج مُفْرد. 2-أو بعُمرة ثم بعدَ ذلك يُحرِم بالحج عندما يَنتهي مِن العُمرة كما سيأتي إن شاء الله. 3-أو يَجمَع بيْن العمرة والحج. فالأمور ثلاثة: إِفراد، وقِران، وتَمتُّع. فالإفراد هو أن يُحرِم بالحج، فإذا أتى مكّة المكرّمة طاف لِلقدوم وسَعى بيْن الصفا والمروة ثم يَبقى على إحرامه حتى يَنتهي مِن رمي جمرة العقبة وفي ذلك يُحِلُّ .. أي في اليوم العاشر. وأما بالنسبة إلى التمتُّع فإنه يُحرِم أوَّلا بعُمرة، فإذا أتى مكّة المكرّمة طاف بالبيت وسعى بيْن الصفا والمروة وأحَلَّ مِن إحرامه. وصِفَة الطواف أن يَبتدِئَ الطواف مِن ركن الحجَر .. يُقابِل الحجَر ويَنوي الطواف ويَطوف سبعة أشواط ويُرْمِل في طوافه في الثلاثة الأشواط الأولى وكذلك يَضْطَبِع ولكنَّ الاضْطِبَاع-على الصحيح-يَكون في الأشواط السبعة كلِّها، كما ثبت ذلك في السنّة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك بِأن يَجعل وسَط الثوب تَحت إِبْطه الأيْمن ويَجعل طَرفَي الرِّداء على يَده اليُسرى، فإذا انتهى مِن الطواف فعليه أن يُرجِع ثَوب الإحرام على ما كان عليه حتى يُؤدِّي الركعتين وقد سَتَرَ عاتِقَه، فإنّ ذلك أمر لابد منه، كما ثبت ذلك مِن أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والحجَر إن تَمكَّن مِن تقبيله فإنه يُقَبِّلُه وإن لم يَتمكَّن مِن تقبيله فإنه يَلمسُه بيدِه اليُمنى ويُقَبِّل بعدَ ذلك يدَه اليُمنى فإن لم يَتمكَّن وكان في يدِه عصا-وهو صعبٌ في هذا الزمان-فإنه يَلمسه بعصاه فإن لم يَتمكَّن أشار إليه بيدِه وإذا أشار فلا يُقَبِّل يدَه، وأما بالنسبة إلى الرُّكن اليَماني فإنه يَلمسه بيدِه إن تَمكَّن ولا يُقبِّلها وأما إذا لم يَتمكَّن فإنه لا يُشير إليه، لِعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بالنسبة إلى الرُّكْنين الشامِيين وهما الرُّكن العراقي والشامي فإنه لا يُقَبِّلهما ولا يَلمسهما بيدِه ولا يُشير إليهما، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وعند مقابلة الحجَر يُكبِّر .. يقول: " الله أكبر ". واستحب بعض العلماء أن يَقول: " بسم الله .. الله أكبر "، وذلك لم يَثبت في حديثٍ مرفوع، وإنما الثابت التكبير .. نعم ثبتت التسمية عن ابن عمر رضي الله-تعالى-عنهما، أما الحديث المرفوع فهو ما ذكرتُه. وعند طوافه يَدعو بِما تيَسَّر له، وإذا دعا بشيءٍ مِن كتاب الله .. أي مِن الآيات التي جاء فيها الدعاء أو بشيءٍ مِن الثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-فذلك أفضل، أما أن يَشغِل بترديد الأدعية والأذكار خلْف مُطَوِّف ولا يَفْقَه شيئا مِن تلك الأذكار أو تلك الأدعية فهذا مِمّا لا يَنبغي لأحد أن يشتَغِل به، ولْيَحْذَر الإنسان مِن مزاحمة النساء ومِن لَمْسِهِن فإنّ ذلك مِمّا يُنهَى عنه النهي الشديد، فإذا انتهى مِن الطواف-كما ذكرتُ-فَلْيُصَلِّ ركعتين خَلْف المقَام وإن لم يَتمكَّن خَلْفه مباشَرة-وفي ذلك صعوبة شديدة ولاسيما في أيام الحج-فإنه يُصلِّي في بُقْعة بعيدة عنه ولْيَجعله أمامه وإن لم يَتمكَّن مِن ذلك فَلْيُصَلِّ في أيِّ مكانٍ مِن البيت ولو لم يَكن خلْف المقَام، ثم بعدَ أن يُصلِّي يَأتي إلى الحجَر ويَدعو ثم يَتَوجَّه بعدَ ذلك إلى الصفا ولْيَسْعَ بيْن الصفا والمروة سبعةَ أشواط .. مِن الصفا إلى المروة يَعُدُّه شوطا وهكذا مِن المروة إلى الصفا، ولابد مِن أن تكون البداية مِن الصفا وأن تكون النهاية بالمروة، فلابد مِن أن يَنتبِه الإنسانُ لِذلك، وَلْيَذكُر مولاه-تبارك وتعالى-وهو مُستقبِلاً لِلبيت في حالة صعوده على الصفا والمروة يقول: " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أَنْجزَ وعْدَه ونَصَرَ عبْدَه وهَزَمَ الأحزابَ وحْدَه " ويَدعو بعد ذلك ثم يَأتي بالذِّكر السابق ويَدعو بعد ذلك ثم يَأتي بعد ذلك بالذِّكر السابق، فإذا انتهى مِن ذلك أحَلَّ بِالحلْق أو التقصير، والحلْق أفْضل إلا في حالة أن يَكون أراد الإحلال مِن عُمرته في العشْر فلِقُرب الإحرام بالحج فإنّ الأفضل له أن يُقَصِّر حتى يَتمكَّن مِن الحلْق عند إحلاله مِن الحج، وقد أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير في هذه الحالة، وذلك لأجل أن يَبقى شعرُه طويلا حتى يَتمكَّن مِن حلْقه-كما قلتُ-عند الإحلال مِن الحج. والنوع الثالث: القِرَان، وذلك بأن يُحرِم بالعمرة والحج معاً، فإذا فَعل ذلك فإنه عندما يَأتي البيت يَطوف طواف القدوم ويَسعى ويَبقى على إحرامه حتى اليوم الثامن(1) ويَتوجه بعدَ ذلك إلى مِنى ويَبقى على إحرامه-كما قلتُ-حتى يَرمِيَ جمرة العقبة ويَذبح هدْيه، فإذا ذَبح الهدْي فإنه يُحِل بالتَقصير أو بالحلْق، والحلْق أفضل، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( رَحِمَ الله المحلِّقِين ) .. قال ذلك ثلاث مرات وفي الرابعة قال: ( والمقصِّرِين ). وبذلك تُلاحِظون أنّ الفَرْق بَيْن القِرَان والإِفْرَاد هو أنّ القارِن يَذبح الهدْي بِخلاف المفرِد فإنه لا هدْي عليه إجماعا، أما القارِن فإنّ عليه الهدْي على مذهب جمهور الأمّة. وسيأتي الكلام بمشيئة الله-تبارك وتعالى-على أفعال الحج على الثلاثة الأنواع. وفي حالة التلبية يقول: " لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريك لكَ لَبَّيْكَ، إنّ الحمد والنعمة لكَ، لا شريكَ لكَ ": وإذا كان مُفْرِدا قال: " لَبَّيْكَ بِحجَّة " أو " لَبَّيْكَ حجًّا " أو " لَبَّيْكَ حجَّة ". وإذا كان مُتَمَتِّعا قال: " لَبَّيْكَ بعُمرة " أو " لَبَّيْكَ عُمرة " أو ما شابه ذلك. وإن كان قَارِنا قال: " لَبَّيْكَ بعُمرة وحجَّة " أو قال: " لَبَّيْكَ عُمرة وحجًّا "، ويمكن أن يُقَدِّم العُمرة على الحج، ويمكن أن يُؤَخِّر، واستحبَّ كثير مِن أهل العلم أن يُقَدِّم العُمرة على الحجَّة، وهذا مِن باب الاستحباب-على رأيهم-لا مِن حيث الوجوب، والأفضل ألاّ يَزيدَ الإنسانُ على تلبية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأما مِن حيث الجواز فإنّ ذلك جائز، إذ إنّ بعض الصحابة كانوا يَزيدون على مسمعٍ ومرأى مِن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولم يُنْكِر عليهم، ولكنّ الفضْل في التزام التلبية التي كان يَأتي بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويَنبغي لِلإنسان أن يُكْثِر مِن التلبية وأن يَرْفَع بها الصوت إذا كان رجُلا، أما المرأة فإنها تُسِرّ ولا تُسْمِع الرجالَ الأجانب، ويُكْثِر مِن التلبية-كما قلتُ-ولاسيما عند إِقبالِ الليل أو النهار أو إذا صَعَدَ شَرَفًا أو نَزَلَ أو ما شابه ذلك .. أي في حالة تَغيُّر الأحوال، و-على كل حال-يَنبغي أن يُكْثِر منها وأن يَرْفَع بها الصوت، كما فَعل أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. في اليوم الثامن يُحرِم المتَمتِّع بالحج-وهذا على الاستحباب وإلا فإنه يَجوز الإحرام للمُتَمَتِّع قبل ذلك-ويَكون ذلك مِن أَيِّ موضعٍ مِن الحَرَم، والنبي صلى الله عليه وسلم أَحرَم مِن المَوْضِع الذي أَقام فيه، ولا يَنبغي لِلإنسان أن يَذهب إلى " مسجد الجنّ " أو إلى " البيت الحرام " أو ما شابه ذلك، لِعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والظاهر أنّ العلماء عندما قالوا: أَحرَم النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مِن الموضع الذي مَكَثَ فيه .. أي أنّ أصحابه على مسمعٍ ومرأى فعلوا ذلك، وإلا فهو كان قَارِناً ولم يُحِل مِن إِحرامِه، فلم يُحرِم في ذلك اليوم إحراما جديدا، فيَنبغي أن يُتفَطَّن لِذلك. هذا ومِن الجدير بالذِّكر أنّ أهل العلم قد اختلفوا في الأفضل مِن الأمور الثلاثة، والصحيح عندنا أنّ الأفضل التَّمَتُّع إلا لِمن ساق الهدْي فإنّ الأفضل له أن يُقْرِن بيْن الحج والعُمرة .. بقي الكلام هل الأفضل أن يَتمتَّع الإنسان أو أن يَسوق الهدْي وأن يُقْرِن بينهما ؟ والثاني هو الصحيح، لِفعل النبي صلى الله عليه وسلم . كما قلتُ إنّ الأفضل القِرَان لِمَن ساق الهدْي والتَّمَتُّع لِمَن لم يَسُق الهدْي، وبقي الخلاف هل الأفضل للإنسان أن يَسوق الهدْي ويكون قارِنا بيْن حجِّه وعُمرته أو الأفضل له أن يَتمتَّع ؟ والأول هو الصحيح، لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالله اختار لنبيه ذلك ولم يكن لِيَختار له إلا الأفضل، وأما تَمنِّي النبي صلى الله عليه وسلم لِلتمتع فإنه إنما تَمَنَّى ذلك لِمَا رأى مِن حُبِّ أصحابه-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-للبقاء على الإحرام فتمنَّى حتى يُوافِقَ أصحابَه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَترُك العملَ الأفضل لأجل موافَقة أصحابِه رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم، وتَحرير ذلك يَحتاج إلى بَحثٍ مُطَوَّل، وموضعه آخر بمشيئة الله تعالى. فإذا ذَهَب الناس في اليوم الثامن إلى مِنى فإنهم يُصلُّون الصلوات الخمس هناك، وبعد ذلك يَخْرُجُون بَعْد طلوع الشمس، ومَن خَرج قَبْل ذلك فلا شي عليه ولكنّ السنّة أن يَخرُجوا بعد طلوع الشمس ويَتوجَّهون إلى عرفة .. لو أَمكَن البقاء بنَمِرَة فذلك هو الذي فَعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنّ هذا الزمان فيه مِن الصعوبة ما فيه لِكثرة الحجاج، فيَبْقَوْنَ هنالك على ذِكْر الله تبارك وتعالى .. مَن شاء أن يُكَبِّر فلْيُكبِّر ومَن شاء أن يُلَبِّي فلْيُلَبِّ، ويَنبغي لهم أن يُكثِروا مِن الدعاء والذِّكْر ما استطاعوا ولْيَتركوا كلام الدنيا، وإذا زالت الشمس فيَنبغي لهم مباشَرة أن يُصَلُّوا الظهر والعصر .. يَقوم الإمام خطيبا ولْيَخطب خطبة مختصَرة ثم بَعْد ذلك يَقومون بِتأدية الصلاتين جَمْعا .. يَقْصُرُون الظهر ركعتين وكذلك العصر(2).. يَجمعونَهما جَمْع تقديم، ويُؤَذِّن المؤَذِّنُ أذانا واحدا ويُقيم إِقامتين، فإذا صَلّوا فليَذْكروا الله-تبارك وتعالى-ولْيُكثِروا مِن الدعاء ويُكثِروا مِن قول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، ولْيُكثِروا بِما شاؤوا مِن الدعاء ولاسيما مِن الأدعية التي وَرَدَت في كتاب الله أو صَحّت عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإنّ هذا الوقت مِن أفضل الأوقات فلا يَنبغي للإنسان أن يُفَرِّطَ فيه بِنوْم أو بِكلام أو ما شابه ذلك، ولْيَبْقَوا على ذلك حتى يَتحقَّقوا مِن غروب الشمس تَحقُّقا لا لَبْس فيه، وليس لأحد أن يَخرُج قَبْل ذلك، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولأنه بَقِي في عامِه ذلك حتى تَحقَّق غروب الشمس تَحقُّقا لا لَبْسَ فيه ولا غُموض وبَعْد ذلك أَفاض وقال: ( خذوا عني مناسِككم ). ولِلأسف نَجد كثيرا مِن الناس يَخرُجون قَبْل ذلك، وهذا مِمّا يُخالِف السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مخالَفة صارِخة، ولا يَنبغي لِلإنسان الذي ذَهب إلى تلك المواطن المقدَّسة أن يُخالِف هذه المخالَفة والعياذ بالله-تعالى-مِن ذلك. ثم لِيَذهبوا إلى المُزدلَفَة ولْيَبِيتُوا ليْلتَهم بِها ولْيَجمَعوا بيْن المغرب والعِشاء .. يُصَلُّون المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين(3) -وطبعا هذا لِلمسافِر-ويكون ذلك بأذان وإقامتين على الصحيح الذي دَلّ عليه الحديث الصحيح، فإذا قاموا في الصباح فلْيُصَلُّوا صلاة الفجْر في أوّل وقتها ثم لِيَذْكروا الله-تبارك وتعالى-هناك ذِكْرا كثيرا ولْيَبْتَهِلوا إليه ولْيُكْثِروا مِن السؤال مع تَضَرُّعٍ وخُشُوعٍ إليه سبحانه وتعالى ، ثم لِيَخرُجوا بَعْد ذلك قَبْل طلوع الشمس، وإذا مَرُّوا بِوادي مُحَسِّر إِن أَمْكَنَهُم أن يُسْرِعوا السيْر فذلك هو المطلوب، وإن لم يَتمكَّنوا مِن ذلك فلا حَرَجَ-بِمشيئة الله تبارك وتعالى-مع شدّة هذا الزحام الذي نراه الآن. __________________ وأقول: " شدّة الزحام " .. لا أريد أن يَتَخَوَّف الناس مِن ذلك، وإنما أَذْكُر أنّ ذلك هو الواقع ولكنّ الأمر يَسير بمشيئة الله تبارك وتعالى .. يَرى الناسَ أفواجا ولكنه يَمرّ بِسهولة ويُسر ولا يَجِد مشقّة في ذلك، ومَن ذهب إلى تلك المواطن عَرَف ذلك حقّ المعرفة، فلا يَنبغي لأحد أن يَتَخَوَّف مِن ذلك فالأمر أَيْسَر مِمّا يَتصوّره كثير مِن الناس. ومَن لم يَتمكَّن مِن مجاوزة الوادي إلا بعد طلوع الشمس لِزحام أو ما شابه ذلك فلا شيء عليه على الرأي الصحيح الراجح. وأَلْزَمَه بعضُ العلماء الدم، ولا يَجب عليه، لِعدم وجود دليلٍ على ذلك .. هذا هو الصحيح عندي. فإذا وصلوا إلى مِنى فَلْيَرْموا بِها الجَمْرَة بِشرْط أن يَكون ذلك بعد طلوع الشمس-كما هو مذهب كثير مِن أهل العلم-وهو الذي يُؤْخَذُ مِن حديث ابن عباس رضوان الله-تعالى-عليهما. الضَّعَفَةُ يُمكِنهم أن يَخرُجوا مِن المزدَلَفة بعد غروب القمَر مِن ليلة العاشِر ولكن لِيَنتظِروا الرمي حتى تَطلع الشمس، وأما القادِر فليس له أن يَخرُج إلا بعد صلاة الفجْر، كما فَعل النبي صلى الله عليه وسلم ، والرمي في هذا اليوم يكون لِجمْرة العقَبة فقط، فلْيَرْمِها الإنسان بِسبع حَجَرات وليُكَبِّر مع كل رَمية ولْيَقْطَع التلبية عند إرادة الرمي .. هذا هو القول الصحيح الثابت الذي دلّت عليه السنّة الصحيحة، ثم بَعْد الرَّمْي لا يُشْرَع الدعاء في هذا المَوطِن، بل يَذهب الناس إلى الذبح بالنسبة إلى مَن كان قارِنا أو كان متمتِّعا .. فليَذْبَحوا الهدْي ولْيَكن قد بَلَغ السِّن وسَلِم مِن العيوب، ولا يُمكن أن أُطيل بِأكثر مِن ذلك في هذا الوقت، فإذا ذَبَحوا فيُشْرَع في هذا الوقت الحلْق والتقصير لِلرجال، والحلْق أفضل، وأما النساء فإنهن يُقصِّرن بِمقدار أنْمُلَة، وبَعْد ذلك مَن شاء أن يَطوف فلْيَذهب إلى الطواف وليَطُف بِالبيت على الصفة التي ذكرناها إلا أنه لا يُشرع فيه الاضْطِبَاع ولا الرَّمَل على حسب ما ذكرنا بل يَطوف طوافا عاديا، وبعد ذلك بالنسبة إلى المُتَمَتِّع فإنّ عليه أن يَسْعى، كما هو مذهب جمهور الأمّة الذي دَلَّ عليه صحيح السنّة، وأما القَارِن والمُفْرِد فإن كانا قد سعيا مِن قَبْل فلا سعي عليهما، أما إذا كانا لم يَسعيا مِن قَبْل-لِعدم تَمكُّنهما مِن ذلك أو أنهما شاءَا تأخيرَ ذلك، إذ إنّ التأخير جائز وإن كان التقديم أفضل-فعليهما-أيضا-السعي، وإذا فعلوا ذلك فإنهم يَرجِعون إلى مِنى مباشَرة ولْيَرموا الجمرات الثلاث في اليوم الثاني والثالث، فمَن أراد أن يَتَعجَّل فلْيَتَعجَّل بعد الرمي مِن اليوم الثالث وهو الثاني بالنسبة إلى أيام التشريق، ومَن شاء أن يَمكث الثالث-وهو اليوم الرابع مِن أيام الرَّمي كُلِّها-فليَمْكُث، والرمي يكون في هذه الأيام بَعْد زوال الشمس، ولا يُجْزِي قَبْلها. وما يَفعله كثير مِن الناس مِن التَقَدُّم على ذلك فهو مخالِف للسنّة الصحيحة الثابتة، ولا يُجزِيهم أنهم يُقلِّدون فلانا أو فلانا، فالعبرة بالصحيح الثابت، كما نصَّ على ذلك أهل العلم بل هو الذي نصّت عليه الأدلة، ويُعجبني كلام الإمام السالمي-رحمه الله-حيث يقول: المصطفى يَعتبِر الأوصاف ***** ونحن نحكي بَعْده خلافا لا نَقبَل الخلاف فيما ورد ***** فيه عن المختار نصٌّ أُسند فإذا وَرد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وصَحَّ فلا شيء إلا التسليم، ولْنَترك بقية الأقوال، فإذا انتهوا مِن ذلك فلْيَبْقوا بمكة ما شاءوا وإذا أرادوا الانصراف منها فليَنصرِفوا ولكن بعد أن يَطوفوا طواف الوداع ولْيكن ذلك هو الخِتَام، وتُعْذَر مِنه الحائض والنفساء ومَن لم يَتمكّن لِشِدَّة المرض الذي لا يُمكن مَعَه أن يَطوف بنفسه أو مَحمولا، أما إذا أمكن أن يَطوف ولو مَحمولا فلا يُعذَر مِن ذلك، والحائض تُعذَر مِن هذا الطواف أما مِن طواف الحج وطواف العُمرة فلا تُعذَر، فلابد أن تُؤَخِّر ذلك حتى تَطهُر وتَغتسِل ولْتَطُف بَعْد ذلك. هذا مختَصَرٌ فيما يَتعلّق بِصفة الحج، وهنالك أحكام كثيرة تركتُها لِضيق الوقت واختصرتُ الكلام في بعضها؛ والله ولي التوفيق. الهامش: 1-قال الشيخ: " الثامن عشر " وهو سبق لسان. 2-يبدو أنّ هذا القصْر خاص بالمسافِر. 3-قال الشيخ: " ثلاثا " بدلا من " ركعتين "، وهو سبق لسان نبّه عليه فيما بعد. أولا: الإحرام حكم ركعتي الإحرام السؤال: امرأةٌ أَحْرَمَتْ بِالعمرة مِن غيْر أن تُصلِّي ركعتيْن، وإنَّما لبستْ لباس الإحرام ثم أحرمتْ ؟ الجواب: لم يَقُل أحدٌ مِن أهل العلم بِوجُوبِ هاتيْن الركعتين، وإنما الخِلاف بيْن أهل العلم في مشروعيتهما .. أي أنّ الإنسان إذا لم يُحْرِم بعد فريضة هل يُشْرَع له أن يُصَلِّيَ ركعتيْن لِلإحرام أو لا ؟ ذَهَب بعضهم إلى أنه لا يُشْرع له ذلك، إذ إنّه لم يَأتِ دليل يَدُل على ذلك، فإن أراد الإحرام بعد فريضة فلْيُحْرِم بعدَها، وإن كان الوَقْتُ ليس وقت فريضة فإذا كان يَصحّ فيه التنفّل فيُمكن أن يُصَلِّي ركعتيْن بعد وُضُوئِه بِنِية ركعتَي الوضوء، أو كان الوقت وقت صلاة الضحى فليُصَلِّ صلاة الضحى، وهكذا إذا أراد أن يَتَنَفّل، أمّا أن يُصَلِّي صلاةً خاصّةً بِالإحرام فإنه-عند هذه الطائفة مِن أهل العلم-لا يُشرَع له ذلك. وذَهبتْ طائِفة مِن أهل العلم إلى مشروعية ذلك. و-على كل حال-أنَا لَم أَجِد دليلاً يَدلّ على مشروعية هذه الصلاة ولكن-كما قلتُ-إذا دخل الإنسان المسجد فلْيَرْكَع ركعتيْن ولْيُحْرِم بعد ذلك .. أي بعد أن يَركَب في سيارته، وإذا أراد أن يُصَلِّيَ بعد الوضوء أو أراد أن يُصَلِّيَ صلاة الضحى أو شيئا مِن النَّوافل التي اعْتاد عليها وكان ذلك الوقت-طبعا-مِمّا لا يُنهَى عن الصلاة فيه-ولا يُمْكن طبعا لِلإنسان أن يَعْتَاد على الصلاة في وقتٍ يُنْهَى عن الصلاة فيه-فإذا صلى فلا بأس بذلك بِمشيئة الله؛ والعلم عند الله. أنواع الإحرام السؤال: مَن أدّى العُمْرة مِن قبل، ما الذي أفضل له أن يَصْنَعَهُ عندما يُريد أن يحج ؟ الجواب: هو مخيَّر: 1-إن شاء أن يَتَمتَّع فليَتَمتَّع .. أي أن يُحْرِم بِعُمرة أوّلا ويَطوف ويَسعى لَها ثم يُقَصِّر ويَبقى مُحِلاًّ إلى أن يُحْرِم في اليَوم الثامن مِن ذي الحجة، وعليه هدْي-طبعا-في هذه الحالة، والصحيح أنه لا مانع مِن أن يَتَمتَّع الإنسان بِعُمرة النَّفل إلى الفريضة .. هذا ما ذهب إليه الجمهور، وهو واضِح. 2-وله-أيضا-أن يَكون قارِنا .. أن يُقْرن بيْن الحج والعمرة، ولا مانع-أيضا-مِن أن تكون العُمرة عُمرة نفل ويكون الحج حج فريضة، وعليه-أيضا-الهدْي عند أكثر أهل العلم في هذه القضية. 3-وبيْن-أيضا-أن يُفرِد الحج، ولا هدْي عليه إذا أفرد. الأفْضل ما هو ؟ الأفْضل لا شك التَّمتع. السؤال: في حال الإقران بِالحج والعُمرة، هل يَكْتَفِي القارِن بِسَعْيٍ واحد بِنية الحج والعُمرة-كما وَرَد في بعض الفتاوى-يُؤَدّيه متى ما شاء سَوَاء عند طَواف القُدوم أو يُؤَخِّره عند طَوَافِ الإفاضة ؟ الجواب: اختَلفَ العلماء في القَارِن هل يَجِب عليه أن يَطُوف طوافَيْن وأن يَسْعى سَعْيَيْن أو أَنّه يَكْتَفي بِطوافٍ واحد وسعيٍ واحد ؟ والصحيح عندي أنه يَكفِيهِ ِطوافٌ وسَعيٌ واحد بل لا يُشرَع لَه أن يَطوفَ طوَافَيْن وسَعيَيْن اللهم إلا إذا جاءَ أوّلا إلى مكّة المكرّمة فإنه يُشرَع له أن يَطُوف طَوافَ القُدوم ويَسعى وهذا السعي يَكون لِحجِّه وعُمرتِه ثم بعد أن يَنتَهي مِن عَرفة ومِن المزدلفة ومِن رمي الجمْرَة والذبْحِ والحلْقِ أو التَقصيرِ إذا كان رجُلا-والتَقصيرِ إذا كانت امرأة-فإنه لابد مِن أن يَذهب ويَأتي بِطواف الزيارة، وذلك الطواف الذي أتى بِه مِن قبل لا يجْزِيه لِحَجّته لأنه لِلقُدوم .. أي أنه يُشرَع لِمَن أتَى إلى مكّة وهو يَنْوِي الحج أو يَنْوي أن يَكُون قارِنا بَيْن الحج والعُمْرة، أما إذا كان يُريد العُمرة فإنه يَطُوف طَواف العُمرة وذلك يُجزِيه عن طواف القُدُوم .. فإذن إذا أتى إلى مكّة الـمُكرّمة وكان قارنًا فَلْيَطُفْ طوافَ القُدُوم، وهذا الطواف: 1-سنّة عند جُمهور الأمّة مَن تَركه لا شيء عليه إلا أنه تَرَكَ الفَضْلَ، ولا يَنبغي لِلإنسان أن يَتْرُكَ مَا ثَبتَ عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إلا إذا كان مَريضًا أو مَا شَابَه ذلك. 2-وذَهَبت الـمَالكِية إلى أنّه وَاجِب وأوجبوا على مَن تَرَكَه الدّم. والصحيح القَول الأول. وإذا طَاف لِلقُدوم فإنه يَسْعَى في ذلك الوقْتِ وذلك السعي يَكُونُ-كما قلتُ-لِلحج والعُمرة ثم عِنْدَما يَنْتَهِي مِن الوُقُوف بِعرفة والـمَبيت بِالـمُزْدلفة والرّمي والذّبح أو النّحْر، والحلْق أو التّقصِير على ما فَصَّلْتُ(1) فإنّه لابد مِن أن يَأتِيَ ويَطُوف طوافَ الزيارة، فالطواف السابق-إذن-لَمْ يَقُلْ أحدٌ أنه يُجْزِيه عن طَوَاف الزّيارة؛ والله أعلم. السؤال: ولكن يُجْزِيه السّعْي ؟ الجواب: السَّعْي نعم، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طَافَ طواف القُدُوم وسَعى ثم عندما رَجَعَ صلوات الله وسلامه عليه بَعْد الذَّبح والحَلق طَاف لِلزيارة ولم يَسْعَ، ولَنَا فِيه أُسوة حَسنَة. السؤال: هَل يَصْدق هذا-أيْضًا-على الـمُفرد ؟ الجواب: نعم، الـمُفْرِد كذلك إذا جاء وَطَاف أوّلا طواف القُدُوم وسَعَى فإنه بعد الرّمي والتقصير أو الحلق فإنه يَأتِي ويَطوف وقد سَعى مِن قبل وذلك السَّعي هو سعي الحج، أما إذا كان لم يَأتِ مَكّة أبَدًا بِأن أتى إلى مِنى أو إلى عَرَفة مباشَرة أو أنَّه أتى إلى مَكّة ولكنه لم يَطُف ولم يَسْعَ فلابد هَاهُنَا مِن الطواف والسعي بل الطَّواف لاَبُدّ مِنه على كل حال؛ والله أعلم. الهامش : 1- أي: والحلْقِ أو التَقصيرِ إذا كان رجُلا، والتَقصيرِ إذا كانت امرأة. __________________ أحكام إحرام الصبي السؤال: يَأخُذُ بعض المسلمين أَطفالهم مَعَهُمْ للعُمْرة ومِنْهُم الرضيع ومنهم الـمُمَيّز، فما هي الأحكام المُتَعَلِّقَة بِهؤلاء الأطفال ؟ نرجوا التَفصِيل في هذه القَضِيَّة .. يَعْنِي هَلْ لَهم أن يُحْرِموا لَهم وأن يُؤَدّوا العُمْرة وهَكَذا الحج ؟ الجواب: أما الطفل إذا كان صَغِيرا جدا فهذا في الوَاقِع قد تَكُون هنالك مشكلة في الإحرَامِ لَه، أمَا إذا كَان هَذَا الطفل يُمَيِّز ولَو قليلا فقد ثَبت في السنَّة الصحيحة الثابتة-مِن عِدّة طُرُقٍ-عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مِنْهَا مِن قَوْله ومِنْها مِن إقراره: فقد سَألتْه امرأة: " هَل لِهذا حج ؟ "-أي لِصبي مَعَها رفعَتْهُ-فَقَال لها صلى الله عليه وسلم : ( نعم ولَكِ أجر ). وذَهَب طَائِفَة مِنَ الصّحَابة-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-مَعَ رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-إلى الحج وَهُم لم يَصِلوا إلى مَرْتبة البُلُوغ وأَقَرَّهُم رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على ذلك. نعم .. هُمْ يُطالَبون بَعد ذلك بِفريضة الحج ويُطالَبُون بِالعُمرة على القول بِوجُوبِها، أو يُطَالبُونَ بِها حتى عَلى القَوْل بِأَنَّها سنَّة وإنَّما تَختلِف الدرجة. فإذا كان هَذا الصبِي يُحافِظ على طَهَارَتِه على أَقَلِّ تَقْدِير أو يُمْكن أنْ يُسأَل أو ما شابه ذلك فلا يَنبغي أن يُحْرَم مِن ذلك، ففي ذلك فَضْلٌ عظيم لِذلك الصّبي بِمشيئة الله تبارك وتعالى، وفي ذلك أَجْر وثَوَاب بِمشيئة الله لِمَن أحْرَمَ لِذَلِك الطِّفْل إذا كان قَاصِدًا بِذلك وَجْهَ الله تبارك وتعالى. أما إِذا كَانَ صَغِيرا جدًا جدًا فَهَذَا قد تَكُونَ فِي الإحْرَام لَه مُشْكِلة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: إذا ارتَكَبَ هَذا الصّبي المميِّز-الذي يَستطيع أن يَفهم ما يُقال له-شَيئا مِن المحْظُورَات، مَن الذِي يَتَحَمَّلُ مَا يَترتب على ذَلك ؟ الجواب: في هذه المسألة خِلافٌ بَيْن أهل العلم: 1-منْهم مَن يَقُول: إنّه لاَ شَيءَ عليه ولا على مَن أَحْرَمَ له، فذلك مَعْفُوٌ عَنه بِمشيئة الله تبارك وتعالى. 2-ومِنْهُم مَن يَقول: يُخاطب بِه مَن أحْرَم له. والقول الثاني مَشهور، والقَوْل الأول قد قَالت به طَائَفة مِن أهل العلم وله وَجْه وَجِيه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. __________________ أحكام قطع التلبية السؤال: متى يَقْطَع الـمُحْرِم التَّلْبِيَة ؟ الجواب: أما إذَا كَان مُحْرِما بِالحج فإنه يَقْطَعُ التَلْبِيَة إذا أرَادَ أن يَرمي جَمْرَة العَقَبَة .. أي عند إرادة رَمي أوّل حَصَاة على الصحيح. وذَهَب بَعضهم أنّه يَتْرُك التلبية بِانتِهائه مِن رمي جَمْرَة العَقَبَة أيْ بَعد الرّمي بِالحِجَارَة السَابعة، واستدلوا على ذلك بِرواية صريحة عِندَ ابن خُزَيْمة، ولكن تلك الرواية فيمَا يَظْهَرُ لِي شَاذَّة، ذلك لأنّ الإنسان يُؤْمَر عنْد الرَّمْي بِذِكْرٍ آخر وَهُوَ التَّكْبِير فَكَيْف لَه أنْ يَجْمَع بَيْن التَكبير وبيْن التَلبية ؟! فإذن يَنْتَهِي مِنَ التَلْبِيَة بِمُجرّد إرادة الرّمي، فإذا أراد أن يَرْمِي بِالحجارة الأولى فَيَترك في ذلك الوَقْت التَلْبِيَة .. هذا هُو القَوْل الصحيح، الذِي يَدل له الحديث الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وإلا فإنّ هُنَاكَ أقْوَالاً مُتعدِّدة في وَقْت الانتِهاء مِن التَلْبِية في الحج، ولا أُطِيلُ المقام بِذكر تِلك الأقْوَال ومَا لَها مِن حُجَجَ فإنّها وإن اعتَمَدَ أَصْحَابُهَا على بعض الأدلة ولكِنها مُخَالِفة لِهذا الحديث الصحيح الصَرِيحِ الدال على ذلك وهُو حديث ثَابِت لا شَك في ثُبُوتِه؛ والله أعلم. أمَا بِالنِّسبة إلى العُمرَة فإنه لم يَأْتِ حَديثٌ صحيح صَرِيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يَدلّ على وقت الانتِهَاءِ مِن التَلْبِية، ولِذلك كَثُرَ فيها الخلاف بيْن أهل العلم، وقد جاءت أحاديثُ عِدّة تدلّ على أنّ المعتمِر يَنتهي مِن التَّلْبِيَةِ عِنْدَ إرادة الطَوَاف ولكنّ تِلْك الأحاديث لا تَثْبُتُ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وذَهَبَ بَعْضُ أهل العلم إلى أنّ الآفاقيّ .. أيْ الذي جَاءَ مِن مكانٍ بَعيد وأحْرَمَ مِن الـمِيقَات أو مِن دُونِه فإنه يَتْرُك التَلْبِيةَ عِنْد الوُصول إلى الـحَرَم .. أيْ عِنْد الوُصول إلى أدنى الـحَرَم، واحتجُّوا على ذلك بِروايةٍ عن ابن عمر رضي الله-تبارك وتعالى-عنهما، وهذا القول قول قوي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. أما مَن أحْرَمَ مِنَ " التَنْعِيمِ " أو نَحْوِه فإنّه يَتْرك التَلْبِية على رأَيِ هَؤُلاَءِ عِنْدما يَكُونُ قريبا مِن المسجد الحرَام؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. وَهُنَا أريد أن أنبِّه على مسألة مُهِمَّة جِدا وهي أنّ كَثيرا مِن الناس يَذهبون إلى تأْدِية الحج والعُمرة وهُمْ لا يَعْلَمون عن أحكَامِهما شيئا .. يَسمعون أَنّ الناس يَذْهُبُونَ إلى الحج والعُمْرة ويَذهبون إلى ذلك، ولا شك أنّ في الذهاب إلى تِلك البِقاع فضْلا عظيما بل الذّهاب لِتَأدِيَة الحج مِن الأمور الوَاجبة المتحتِّمة، و-أيضا-قد ذَهَبَت طائفة كَبِيرَة مِن أهل العلم إلى وُجُوبِ العُمْرة، وهُوَ قَوْلٌ له أدَلَّتُه التي تُؤيِّده فَلاَ يَنْبَغِي لِلإنسان أن يُفَرِّط فيها، والحج وَاجِبٌ على الفَوْر على مَن وَجَد الاستطاعة إِليْه-كَما هَو رأي جماعة مِن أهل العلم-وهُو الذي تُؤَيِّدُه الأدِلة؛ لكنّ كَثيرا مِن الناس-كما قلتُ-يَذهبون ولا يَعْرِفون عَن أَحكَامِ الحج والعُمرَة شَيئا. والأمر الذي أُرِيدُ أُنبِّه عليه في هذا الوَقْت: أنّ كثيرا مِن النّاس يَصِلُون إلى مَكّة المكَرّمَة شَرّفَهَا الله-تبارك وتعالى-مِن غَيْرِ إِحَرَام، وَقَد التَقَيْتُ بِبَعضٍ منهم أتى إلى مكّة المكرّمة مِن غيْر إحرام ويُريد أن يَخرُج بَعد ذلك إلى " التَنعيم " يَقول: " عندما أصل إلى مكّة وأَقُوم بِإنزال الأمتعة-ومَا شابه ذلك-سأذهب إلى ' التَنْعيم ' وأُحْرِم مِنْ هُناك " وهذا خَطأ جَسِيم .. مُخالِف لِسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإجمَاع الأمّة المحمدية قَاطِبة، فإنّ مَن ذَهَبَ إلى مكّة المكرّمة شَرفها الله-تبارك وتعالى-وهو يُريد حجّا أو عُمرة ليس له أن يَتَجاوز الـمِيقَات إذا كَان مِن خَارِج الميقَات إلا وَهُو مُحْرِم، بِنَصّ الأحاديث الثابتة وإجماع الأمّة-كما قلتُ-ومَن جَاوَزَ ذلك فَقَد تَعَدّى حدودَ الله-تبارك وتعالى-وعَلَيه أن يَتُوبُ إلى رَبِّه وأن يَرْجع مرّة أُخرَى إلى الـمِيقات وأن يُحْرِمُ مِن ذلك المكان، أما مَن كَان دُون الـمِيقات فإنه يُحْرِمُ مِنَ المكان الذي فِيه إلا إذَا كَان مِن أهْلِ(1) الحرَمِ فإنه لابد مِن أن يَخرُج إلى الـحِل .. إلى أيِّ مَوْضع مِن الموَاضِع مِنْه، واختَلفوا في الأفْضل، ولا أريد أن أطِيلَ بِذلك، والحَاصل أَنَّه لَيْس لأحَد أن يَتَجَاوَزَ الميقات إذا كان يُريد حَجًّا أوْ عُمرة وإنَّما العلماء اختلفوا فِيمن لم يُرِد الحج ولا العُمرة ولم يَكُن مِن المُتَرَدِّدِين على مَكّة المكرّمة هَل لَه أن يَتَجَاوزَ الميقات مِن غَيْر إِحرام ؟ ونَحنُ نَقُولُ: إنّ القَوْل الصحيح أنّ مَن لم يُرِد الحج ولا العُمرة لَه أن يَتجاوز الميقات مِن غَيْر إحرَام، بِنَصّ الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا ثَبَتَ الحديث فَلا كَلام: المصطفى يَعتبِر الأوصَاف ***** ونَحن نَحكي بَعده خِلافا لا نقبل الخلاف فيما وَرد ***** فيه عن المختار نصّ أُسنِد وأما مَن أراد الحج أو العمرة فَلا، ومَن أخطأ بِجهله ودخل إلى مكّة المكرمة مِن غير إحرام فإنه يُؤمَر بِأن يَرجِع إلى الميقات الذي جَاء منه، لا إلى مِيقات آخر ولاَ إلى أَدْنى الحِل أو أيِّ مَوْضع مِن مَوَاضع الحِل .. كَلاّ بل يُؤمَر بِأن يَرجِع إلى الميقَات الذَي جَاء مِنه وأن يُحرِم مِن ذَلك المكان ويَتُوبَ إلى الله-تبارك وتعالى-إلا إذا كَان الوَقْتُ ضَيِّقا بِأن كان يَخشى مِن فَوَات الحج فَإنه يُحْرِم مِن الموْضِع الذِي هُو فيه ويُؤمَرُ بِالتوبة وبِأن يَذبَح ذَبيحةً لِفُقَرَاءِ الحرَم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. كذلك بَعْض الناس يُحْرِمُون لِلعُمرة مِن الحَرم وهذا خطأ .. لَم يَقُل أحدٌ مِن العلماء المتقدِّمين: " إنّ الإنسان يُمْكِن أن يُحْرِم مِن الحَرِم وأن يُؤدّي العمرة ويَكون مُوَافِقًا لِلصَّواب " بل أجْمَعُوا على خِلاف ذلك وإن خَالَف بعض المتأخِّرين، وإنما اختلَفوا هَل تِلك العُمرة: 1-تَكون صحيحة ويُؤمَرُ بِالفِدية. 2-أو أنَّها لا تَكُونُ صَحيحة بَلْ يُؤمَرُ بِالخُروج إلى الحِل وإن كان قد طَاف وسَعَى مِن قَبْل ؟ وهَذَا القَوْلُ هُو القَوْلُ الصحيح، أما أَن يَكْتَفِي بِالإحْرَامِ مِن الحَرَم فَقط مِن غَيْر أن يَخرُج ويَظُنّ بِأنّ ذلك مُوَافق لِلسنَّة أو أنّه مأمُورٌ بِه فَهَذا مِمّا لم يَقُل بِه أحدٌ مِن العلماء المتقدِّمين-كما قلتُ-بل أجمعوا على خِلاف ذلك. فينبغي أن يُنتبَه لِمثل هذه الأمُور، وأن يَقرَأَ الإنسانُ ولو مُختصَرا مِن المختصَرات إن كان يَسْتطيع على القَراءة، وأنْ يَسأَل أهل العلم عن أحْكَامِ شَرْع الله-تبارك وتعالى-في هذه القضية وفي غيرها، وليس له أن يَتَقدَّم على شَيءٍ بِغَيْر عِلم فإنّ ذلك-والعياذ بِالله تبارك وتعالى-قد يُوقِعُه في بَعضِ الأمور المخَالِفة لِشَرْع الله بَلْ الإتْيَانُ بِأمر مِن الأمور ولا يَعرِف الإنسانُ حُكْمَه .. هذا الأمرُ نَفْسُه مِمّا لا يَنبغي لأحد أن يَذهبَ إليه وإن اختلَف العلماء في هلاكه في التَّقَدُّم مِن غَيْر عِلم إذا صَادَفَ الحق، أما إذا لم يُصادِف الحق فإنه لم يَقُل أَحَدٌ بِسَلاَمتِه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. الهامش: 1- يُنظَر مع الشيخ لعلّه قصد أن يقول: " إذَا كَان في الحرَمِ " بدلا مِن قوله: " إذَا كَان مِن أهْلِ الحرَمِ ". __________________ أحكام محظورات الإحرام السؤال: ما حكم مَن قَتَلَ الصيْدَ في الحرَم مِن غير عَمْد ؟ وهل حَجّه صحيح أو لا ؟ الجواب: قَتْلُ الصيْدِ لِلْمُحْرِم سواءً كان في الـحِلِّ أو في الحرَم وهكذا بِالنسبة إلى قَتْلِ الصيْد في الحرَم .. الصيْدُ لِلْمُحْرِم حرام في الـحِل وفي الحرَم، والصيْد في الحرَم حرام على الـمُحِل والـمُحْرِم، فليس لِلإنسان أن يصيد مِن الحرَم ولو كان مُحِلاًّ، كما أنه ليس لِلْمُحْرِم أن يصيد ولو كان مِن الـحِل .. هذا أمرٌ يَنبغي أن يُنْتَبَهَ إليه، لأنّ بعضَ الناس لا يُفَرِّقُ بيْن الأمْريْن وقد يَقَعُ في خطإٍ في هذه المسألة، فتَعمُّد ذلك حرام ومعصيةٌ مِن معاصي الله بل كبيرةٌ مِن كبائر الذنوب، فمَن فَعَلَ ذلك فعليه أن يَتوب إلى ربِّه وأن يَرجِع إليه-تبارك وتعالى-وأن يُؤَدِّيَ ما عليه، وبِما أنّ السائل لم يَسأل عن ذلك لأنه بِحمد الله-تبارك وتعالى-لم يَتعمَّد ذلك فلا حاجة لِلكلام عليه ولاسيما أنني قد تَكَلَّمْتُ على ذلك بِالأمس(1). وأما بِالنسبة إلى المخطئ فإنه لا ذَنْبَ عليه، لأنه لم يَتعمَّد ذلك، وذلك-طبعا-لا يُؤَثِّرُ في حَجِّه ولا في عُمرته أن لو كان معتمِرا-بل حتى الـمُتَعَمِّد لا تَفسُد حَجّته أو عُمرته بِذلك على ما ذهب إليه جمهور الأمّة-وأما بِالنسبة إلى وجوبِ الجزاء على هذا السائل-الذي وَقَعَ ما وَقَعَ منه على سبيل الخطإِ-فقد اختلَف العلماء فيه: ذهبت طائفة مِن أهل العلم-وهو مذهب جمهورهم-إلى أنه عليه الجزاء. وذهبت طائفة مِن أهل العلم-ورَجَّحَه قطبُ الأئمة رحمه الله تبارك تعالى في " الجامع الصغير " كما ذكرتُ ذلك في " قُرّة العَيْنَيْن "(2) ، وهو أيضا مذهب جماعةٍ مِن أهل العلم-إلى أنه لا جزاء عليه، وهذا القول هو القول الصحيح عندي، فإن شاء أن يَأخذ بِهذا الرأي-وهو مبني على أصلٍ أصيل-فلا حرج عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى، وإن شاء أن يَحتاط وأن يَخرُج مِن الخلاف في هذه المسألة فلابد مِن أن يَحْكُمَ في هذه القضية حَكَمَان عَدْلاَن، إذ إنّ مسائل الجزاء في الصيْد لابد فيها مِن الـحُكْم، ولا تَكفي فيها الفُتْيَا، فلابد مِن أن يَحْكُمَ فيها حَكَمَان عَدْلاَن إلا أنّ العلماء قد اختلفوا هل ذلك على الإطلاق أو في ما لم يَأتِ فيه حكمٌ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فذهب بعضهم إلى أنه إذا وُجِدَ في تلك القضية حُكْمٌ لاثنيْن مِن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حَكَمَا بِه على بعضِ الناس الذين وَقَعَ منهم مثلُ الذي وَقَعَ فيه هذا الإنسان فيَكفيه أن يَأخذ بِذلك الحكم. وذهب بعضُ العلماء إلى أنه لابد مِن الـحُكْم في تلك القضية مَرّة أخرى. وأنا قد ذكرتُ أنّ هذا الشخص لا بأس عليه بِمشيئة الله ولكن إن شاء الاحتياط فلابد مِن أن يَبْحَثَ عن حَكَمَيْن عَدْلَيْن حتى يَحْكُما له في هذه القضية. السؤال: يَحْكُمَا له بِالجزاء ؟ الجواب: نعم .. يَحكما عليه بِالجزاء في هذه القضية، لأنّ هذه القضية تَحتاج إلى حُكْمٍ، بِنصّ الكتاب العزيز. السؤال: وهم يُبَيِّنُون له معنى الجزاء ؟ الجواب: ما هو الذي يَلزمه لكن-كما قلتُ-نَحن نَعتمِد الرأي الآخر وهو أنه لا شيءَ على المخطِئ ولكن الرأي الثاني هو مذهب الجمهور ومَن احتاط وأخذ بِه فلا شك أنّ فيه سلامة. السؤال: مِن المعلوم أنّ الطِّيب مِن الأمور التي يُمنَع منها الحاج غير أنّ كثيرا مِن النَّاس قد يَلْتَبِس عليهم الأمر ولَربما يُضَيّقُون على أنفُسِهم أمورا قد وسَّع الله-تعالى-عليهم فيها مِن ذلك ما يَتعلق بِالنّظافَة فنجِد بعضَ الناس يَمْتَنِعون عن الاستحمامِ أو السِّواك طيلة أيام الإحرام، وسؤالنا عن مَشروعية استخدام المواد التالية لِلمُحْرِم: 1-استخدام بعضِ أنواع الصابون كالذي به رائحة " الديتول " أو رائحة اللّيمون أو رائحة الفواكه الأخرى .. فهل استخْدام مثل هذه الأنواع لِلمُحْرِم سوَاء غسل الأيْدِي أو الاستحمام أثْنَاءَ فترة الإحرام مِن الممنوع ؟ الجواب: لا، هذا ليس مِن الممنوع، فهذه الأشياء لا مانع لِلإنسان مِن الاستحمام بِها أو مِن غسل اليدين أو ما شابه ذلك. وهكذا بِالنسبة إلى السواك لا مانع منه، سواء كان ذلك بالأراك أو كان ذلك بِالمعاجين العصرية-وقد حَكى بعضُ أهل العلم الإجماعَ على ذلك-ولا بأس عليه حتى لو خَرَج دمٌ مِن لثَّته-مثلا-أو ما شابه ذلك .. هذا لا مانع منه بل السواك مطلوب .. الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يقول: ( لولاَ أن أَشُقَّ على أمّتي لأَمَرْتُهم بِالسواك عند كل صلاة ) وفي بعض الروايات: ( عند كل وضوء ) وفي بعضها الجمع بينهما، فحتى لو خَرج دم مِن اللثَّة-مثلا-لا مَانع مِن ذلك لكن إن كان ذلك بَعد وُضوء فلْيُعِدْ وضوءَه لأنّ الدم نَاقِضٌ لِلوضوء عند أكثر أهل العلم. وهكذا بِالنسبة إلى الصابون العادي الذي ليستْ فيه رائحة أو فيه شيءٌ مِن الروائح التي ليستْ مِن العِطْر في شيءٍ كالأشياء التي وَرَدَ ذِكْرُها في السؤال. فلا يَنبغي لِلإنسان أن يُشَدِّدَ على نَفسِه وأن يُلْزِم نَفْسَه بِما لم يُلْزِمْه الله-تبارك وتعالى-بِه، فما الداعي أن يَبقى الإنسان لا يَستَخدم السّواك ويَتْرُك السنّة الثابتة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بَدعوى خَوْف الـمَحذور مع أنه لا مَحذور في ذلك أبدا ؟! والله أعلم. السؤال: 2 ـ معنى ذلك أنّ اسْتِخدام المعاجين التي بِها رائحة لا بأس ؟ الجواب: هذه الرائحة ليستْ بِرائحة عِطْر في واقع الأمر فلا مانع منها. السؤال: 3 ـ استخدَام الدِهان كالكريمات مثل زيت الزيتون وزيت النَارْجيل والحبة السوْادء أيضا. الجواب: هو-حقيقة-لا دَاعي لِمثل هذه الأمُور في أيام الحج .. لا داعي إلى مِثْل هذه الأمور لأنّ ذلك لم يَثْبتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم .. النبي صلى الله عليه وسلم استخدَمَ ذلك في المدينة عندما أراد أن يَخرُج إلى ذي الحُلَيْفَة وهو في طريقه إلى مَكّةَ، أما في أيام الإحرام لم يَسْتخدم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولنا فيه أسوة حسنة. الهامش : 1-عند الجواب على السؤال 1 من حلقة 15 رمضان 1424هـ ( 10/11/2003م ). 2 -كتاب " قرّة العينَيْن في صلاة الجمعة بِخطبتين " ص47، وهذا ما ذكره الشيخ فيه: ' اختار-رحمه الله تعالى-في " الجامع الصغير " أنه لا جزاء على مَن قتل الصيد ناسيا، واختار في بقية كتبه وجوب الجزاء على العامِد والناسي، قلتُ: والقول بِعدم وجوب الجزاء على الناسي هو الصحيح، لِعدم الدليل الدال على الفدية، والأصل عدم ذلك؛ والله-تعالى-أعلم. __________________ أحكام الدماء السؤال: ذكرتُم في حلقة ماضية(1) أنّ الدماء التي تَجب على الحاج أو المُحْرِم إذا ما أخطأ في أمر مِن الأمور أو فعل أمرا مِن الأمور تَحتاج إلى تفصيل وليس كل ما أخطأ فيه الحاج يُوجِب الدم وهناك أمور تأتي على التخيير .. كل هذه نريد فيها شيئا مِن التفصيل باختصار. الجواب: ... أما بالنسبة إلى المسألة التي طُرِحَت الآن فإنها-في حقيقة الواقع-تَحتاج إلى كلام طويل جدا جدا، وسأتكلم على شيء منها بمشيئة الله في الدروس القادمة، ولكن لا بأس مِن الكلام على جزئية واحدة وهي الدماء التي تَجب على مَن حَدَثَ له شيء في الحج أو وقع منه شيء أو ما شابه ذلك .. متى تَجب على التخيير ؟ ومتى تَجب على الترتيب ؟ نَحن نَعلم أنّ العلماء قد اختلفوا في كثير مِن هذه الدماء هل تَجِب أو لا تَجِب مع اتّفاقهم على وجوب بعضها، لِوجود نصوص صريحة دالّة عليها. فالدماء التي اتّفقت الأمّة على وجوبها هي: 1-هدْي التَمَتُّع، فمَن تَمَتَّع بِالعُمرة إلى الحج فإنه يَجِب عليه الهدْي إن كان واجِدا لِذلك بِشروطٍ معروفة تَصِل إلى عشرة أو تَزيد على خلافٍ كثير بيْن أهل العلم في هذه الشروط، وسأُبَيِّنُها أو أُبَيِّنُ أَكثَرَها بِمشيئة الله في الدروس القادمة، فالمُتَمَتِّع إذا تَوافَرَتْ فيه تلك الشروط يَجِب عليه الهدْي بِاتّفاق الأمّة، وذلك لأنّ هذا الهدْي منصوص عليه في كتاب الله-تبارك وتعالى-فلا يُمكِن أن يَقع فيه خلافٌ بيْن المسلمين، فمَن وَجَدَ الهدْي فعليه الهدْي، ومَن لم يَجِد فعليه أن يَصوم عشرة أيام .. يَصوم ثلاثةَ أيام في الحج ويَصوم البقية المتَبَقِّيَة-وهي سبعة-إذا رجع إلى بلده(2) على تفصيلٍ في وقت الصيام في الحج، ولا داعي لِذِكْر ذلك، لأنه يَطول به المقام جدا، لِوجود الخلاف ولِلخلاف-أيضا-في بعض الأدلة الواردة في المسألة، وسوف أتكلم عليها بمشيئة الله في الدروس القادمة، فهذا الدم مُتَّفَقٌ عليه بيْن أهل العلم، وإنما اختلفوا في القارِن هل عليه هدْي أو لا ؟ فالذي ذهب إليه جمهور الأمّة-وكاد بعض العلماء يَحكي عليه الاتفاق-أنه يَجِب عليه الهدْي. وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى عدم وجوب الهدْي عليه. ولا شك أنّ القول بوجوب الهدْي أحْوط وأسْلم، وسأبَيِّنُ دليله-أيضا-بمشيئة الله-تبارك وتعالى-في وقتٍ لاحِق، والكلام في هذا الهدْي كالكلام في هدْي التمتُّع مِن حيث إنه يُقَدَّمُ الهدْي، وليس لأحد أن يَصوم إلا إذا لم يَجِد الهدْي. 2-والدم الثاني هو فِدية مَن حَلَقَ رأسَه، فمَن حَلََقَ رأسَه لِوجود عذرٍ فإنه يَجِب عليه الهدْي وهذا الهدْي على التخيير فإما أن يَذبحَ الإنسانُ شاةً وإما أن يَصوم ثلاثةَ أيام وإما أن يُطعِم ستّةَ مساكين .. يُعطي كل مسكين نصفَ صاعٍ سواء كان مِن البُر أو الأرز أو ما شابه ذلك مِن الحبوب، خلافا لِمَن قال: إنه يَدفَع مِن البُر رُبْعَ صاع وهو المعروف بِالـمُد، فهذا قولٌ ضعيف، مخالِف لِلحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإنسان مُخيَّر في هذه الفِدية. وقد أَلْحَقَ جمهور الأمّة بِفِدية الرأس ما شابه ذلك مِن الأمور التي يُنْهَى المُحْرِم عَنْ فِعْلها، وذلك كلباس المَخِيط .. يعبِّرون بالمَخِيط ولي في ذلك نظرٌ-سأُبيِّنه قريبا بمشيئة الله تبارك وتعالى-وكاستعمال الطِيب وكقصِّ الأظافر وما شابه ذلك مِن الأمور التي وَرَدَ فيها النهي: فإن كانت هذه على سبيل العُذْر فهي على التخيير، بِاتّفاق أهل العلم، لِنصِّ الكتاب(3) والسنّة على ذلك. أما إذا كانت على سبيل العمْد مِن غيْرِ عُذْرٍ شرعي فقد اختلف العلماء في ذلك: ذهب بعضهم إلى أنها على التخيير، وذلك لأنّ الدليل الذي دلَّ على ذلك هو الدليل السابق، فإذن هي على التخيير. وذهب بعضهم إلى أنها على الترتيب، فمَن وَجَدَ الدم فليس له أن يَعْدِلَ إلى غيره، وذلك لأنّ هذا قد تَعمَّد وفَعَلَ ذلك مِن غيْرِ عُذْرٍ شرعي فلابد مِن أن يُشَدَّدَ عليه، كمَن قَتَلَ عمْدا، فإنه يُشَدَّدُ عليه في الكفارة مِن نَاحِيَتَيْن، كما هو معلوم في ذلك الباب. والذي أراه أنه لا يُمكِن أن يُفَرَّقَ بينهما، إذ لم يَأتِ دليل يَدلّ على التفريق، والقياس على الكفارات وما شابه ذلك لا يُمكِن أن يُصار إليه في مثل هذه القضية، وبيان ذلك في غير هذا الموضع بِمشيئة الله تبارك وتعالى، ويُسْتَثْنَى مِن هذا الأمر مَن وَطِئَ زوجتَه في الحج فإنه لا يُخَيَّر بيْن هذه الأشياء بل وليس له أن يَفتدِي بِواحدٍ مِن الثلاثة المذكورة وإنما عليه أن يَذبح بَدَنَة على تفصيل بيْن العلماء في ذلك إذا كان ذلك قَبْل التحلُّلِ الأصغر أو مطلقا: فمنهم مَن يقول: ذلك يكون قَبْلَ التَحَلُّلِ الأصغر. وبعضهم يقول: ذلك مطلقا. وبيان ذلك-أيضا-ليس في هذا الموضِع، وهذا قد ذهب إليه كثير مِن أهل العلم، وإن كان الدليل عليه ليس قطعيا. 3-ومِن ذلك جزاءُ الصيد، فإنه منصوص عليه بنَصٍّ قاطعٍ مِن كتاب الله تبارك وتعالى(4)، وهو على التخيير، إما أن يَذبح الإنسان ذبيحةً تُساوي ذلك الصيد الذي صَادَه، وذلك معلوم في كتب الفقه، وإما أن يُقَوِّمَ ذلك بالدراهم ثم يَشتري بِقيمة تلك الدراهم طعاما ويَدفع لكل مسكين نصف صاع مِن ذلك الطعام، وإما أن يَصوم بِمقدار يوم بِمقابل إطعامِ مسكين فإذا كان الطعام يُساوي طعامَ ثلاثين مسكينا فعليه أن يَصوم ثلاثين يوما أو كان ذلك أكثر فعليه أن يَصوم بعدد ذلك وهكذا إذا كان أقل وليس له أن يَدفع قيمة الطعام بل عليه أن يُقَوِّمَ ذلك بالدراهم ثم يشتري بذلك طعاما ويَدفعه وليس له أن يَدفع القيمة، وفي هذه المسألة تفاصيل كثيرة، لا أريد أن أبيِّنها الآن(5). 4-ومِن ذلك هدْي المُحْصَر، فمَن أُحْصِرَ عن الحج أو العُمرة فعليه الهدْي .. عليه أن يَذبح ذبيحة(6)، واختلفوا إذا لم يَستطع على الهدْي هل يَجب عليه الصيام ؟ فذهب كثير مِن أهل العلم إلى أنه يَجِب عليه الصيام .. عليه أن يَصوم عشرة أيام. وذهب بعضهم إلى أنه لا يَجِب عليه صيام، وذلك أنه لا يُوجَد دليل صريح يَدُلُّ على ذلك، وإنما قال مَن قال مِن أهل العلم بِذلك اعتمادا على القياس على هدْي التمتُّع. وهذا القياس فيه نظر، فالصحيح عندي أنه لا يَجب عليه الصيام، فإن لم يَجِد الهدْي فلا شيء عليه-بمشيئة الله-وهذا إذا لم يَشترِط، أما إذا اشترَط فلا هدْي عليه على الصحيح. خلافا لِمَن قال: " إنّ الاشتراط منسوخ "، ولِمَن قال: " إنّ الاشتراط لا يَكفي في عدم وجوب الهدْي "، فهذان القولان ضعيفان على التحقيق، وأوَّلُهُمَا أضعف مِن الثاني، لأنه لا يُوجَد هنالك ناسخ لِهذا الحديث البتّة، وهو حديثٌ-أعني حديث " الاشتراط " حديث-صحيح ثابت. فهذه الدماء مُتَّفَقٌ عليها، لِنصوص صريحة مِن الكتاب عليها، وهي على حسب ما بَيَّنْتُ، ولكنْ-نَعَمْ-يُوجَد خلافٌ في فِدية الأذى، فالمتّفَق عليه هو فِدية الحلْق لِمَن كان معذورا .. أي اضطُر إلى ذلك فهو متّفَق عليه، أما البقية فهي مُلْحَقَةٌ بِذلك على خلاف بيْن أهل العلم في ذلك. وبقي الكلام في المخطِئ: فمنهم مَن يقول: عليه الفِدية. ومنهم مَن يقول: لا فدية عليه، وهو الصحيح عندي. ومنهم مَن يُفَرِّقُ بيْن بعض الأمور فيُوجِب الفِدية فيها ولا يُوجِب الفِدية في البعض الآخر، فلباس الثياب الممنوعة والعطر وما شابه ذلك .. هذه الأمور لا فِدية فيها .. أعني على الناسي ومَن كان في حكمه، وأما بعض الأمور التي فيها إتلاف أو ما شابه الإتلاف .. الإتلاف: مثلا كتقليم الأظافر أو كجذْب الشعر أو حلْق الشعر أو ما شابه ذلك .. في ذلك إتلاف، وما شابه الإتلاف: الوطء، فإنه وإن لم يكن إتلافا فهو بيْنه وبيْن الإتلاف مشابَهة، كما لا يَخفى، كما هو مُبَيَّن في هذا الباب. وبقي الخلاف في الجاهل: بعضهم يُوجِب عليه الفِدية. وبعضهم لا يُوجِبها. وبعضهم يُفَصِّل بيْن ما فيه إتلاف وما شابه الإتلاف وبيْن ما لم يكن فيه ذلك كما قدمتُ. والجاهل الذي لم يُفَرِّط في أحكام شرع الله-تبارك وتعالى-الصحيح لا فِدية عليه، وسأقيم الدليل على ذلك بمشيئة الله في الدروس القادمة. بقي هنالك مَن فَعَلَ شيئا مِن الأمور المتعلِّقة بِالحج ولا تَتَعَلَّق بِالجسد، كمَن قَدَّمَ شيئا على شيء أو تَرَكَ ِشيئا مِن الواجبات أو ما شابه ذلك، وذلك-مثلا-كمَن جَاوَزَ الميقات ولم يُحرِم ولم يَرجع إليه أو رَجَعَ على رأي بعض أهل العلم، أو تَرَكَ شيئا مِن الرمي على خلاف طويل في ذلك، وما شابه هذه الأمور، فهل تكون هذه على التخيير أو تكون على الترتيب ؟ أوَّلا: أنا لم أَجِد دليلا يَدُلُّ على إِيجاب الدماء في هذه الأمور مِن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحديث الدال على ذلك حديث لا يَصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما تُوجَد في ذلك رواية عن ابن عباس-رضي الله تعالى عنه-وقد اختلف العلماء هل هي محمولة على الرفع معنًى وإن كانت موقوفة في اللفظ: فذهب بعضهم إلى ذلك. وذهب بعضهم إلى أنّ المسألةَ اجتهادية وليستْ مِن ذلك الباب. والأمر مُحتمِل، وعلى القول بِإيجاب الدماء في هذه المسائل-كما هو مذهب الجمهور على تفصيل فيها-فهي على الترتيب، أوَّلا يَجِب على الإنسان أن يَذْبح دَمًا فإن لم يَستطِعْ على ذلك هل عليه شيء أو لا يقال: " يَجِب(7) عليه شيء " ؟ منهم مَن يَذكر هذا ولا يُوجِب عليه شيئا بعد ذلك. ويُؤخَذ مِن كلام بعضهم أنه عليه أن يَصوم عشرة أيام. __________________ والصيام لا نراه أبدا، والدم نَحكم به إذا حكَمنا به في بعض المسائل القليلة النادِرة جدا. وقد أَسْرَفَ كثير مِن الناس في إِيجاب الدماء على عباد الله-تبارك وتعالى-بِما لم يُوجِبه عليهم المولى تبارك وتعالى .. " مَن فَعَلَ كذا عليه دم " .. لا يَذكرون التخيير فيما فيه التخيير، ويُوجِبُون في كثير مِن الأمور التي لم يَأتِ عليها دليل، وفي أكثرِها لم يَقل به أحد مِن علماء المسلمين أو قال به قِلّة قليلة مِن أهل العلم، وأنا-حقيقة كما قلتُ-لم أَجِد دليلا على ذلك، وإنما-كما قلتُ-أَخذوه مِن كلام ابن عباس وهو مُحتمِلٌ لِلأمْريْن وجانب الاجتهاد أقوى، وقد يُؤخَذ ذلك-أيضا-مِن باب الإِحْصَار خاصّة في مَن تَرَكَ بعضَ الأمور فإنه أُحْصِر عنها إذا كان ذلك لِسبب مِن الأسباب فقد يُؤخَذ ذلك مِن الإِحْصَار ويُقال: " عليه بِالدم " ولكن-كما قلتُ-ذلك في أمور بسيطة جدا، سأُفَصِّلُ الكلام عليها بمشيئة الله-تبارك وتعالى-في الدروس القادمة، فليتّقِ الله أولئك الذين يُوجِبون كثيرا مِن الدماء على عباد الله سبحانه وتعالى ولا دليل لهم على ذلك، بل كثير مِن تلك الأمور لم يَقل بها أحد مِن علماء المسلمين أو شذَّ مَن قال بذلك، و-أيضا-لِيتّقوا الله-تبارك وتعالى-في تلك الأمور التي لا يُخَيِّرُون عباد الله-تبارك وتعالى-فيها مع أنه قد وَرَدَ فيها التخيير مع أنّ التخيير أسْهل بِكثير .. هذا لا يَجِد ما يَشتري به شاةً .. مثلا قيمةُ الشاة تُساوي ثلاثمائة ريال سعودي أو أكثر وهو لا يَجِد ذلك ومِن الأسْهل عليه أن يَصومَ ثلاثة أيام أو أن يُطعِم ستّةً مِن المساكين أو يَجِد المال ولكنه لا يَعرف المساكين فيَخشى أن يَضعها في غير الموضع الصحيح بينما إذا صام .. ذلك أسْهل عليه مِن حيث إنه لا قيمة عليه ومِن حيث إنه يَعلم بِأنه قد أدّى ما أَوْجَبَه الله-تبارك وتعالى-عليه، فعلينا-إذن-أن نَفْعَلَ بِحسب ما دَلَّ عليه الدليل إن وُجِد هنالك دليل، وما لم يُوجَد فيه دليل فإذا قال به بعض العلماء فلا بأس مِن تقليدِهم بِالنسبة لِمَن لا قدرة له، أما إذا أفتى علماء المسلمين الذين يُوثَق بهم وبَيَّنُوا أنه لا دليل على ذلك وأنّ الإنسان لا يُمكِن أن يُكَلَّفَ بِذلك اللهم إلا إذا أراد أن يَأتي بِذلك على سبيل الاحتياط فلا يَنبغي لِلجُهَّال أن يُكَلِّفُوا عبادَ الله-تبارك وتعالى-بِما لم يَأْمُرْهم بِه المولى تبارك وتعالى. هذا وهنالك بعض الأمور التي تَحتاج إلى تنبيه فلا يُمكِن أن تُؤخَذ مِن هذا الجواب الإجمالي، لأنّ بعض الأمور-أيضا-لا فِدية فيها على مذهب جمهور المسلمين، وذلك كَعَقْدِ النكاح لِلْمُحْرِم فإنّ العلماء قد اختلفوا هل يَجوز له أن يَعْقِدَ النكاح أو لا يَجوز له، وعلى القول بِعدم الجواز فإنّ الجمهور لا يَرَوْنَ عليه الفِدية، فلا يُمكن-أيضا-أن نُوجِب عليه الفِدية. هذا ومِن الجدير بِالذِّكر أنّ بعضَ أهل العلم قالوا: إنّ مَن أَوْجَبَ على شخصٍ شيئا لَم يُوجِبْه عليه المولى ولم يَقْتَدِ بِأحدٍ مِن علماء المسلمين وهو يَتظاهر بِأنه مِن أهل العلم وهو ليس في العِير ولا في النَّفِير أنه يَجِب عليه أن يَقوم بِغُرْمِ ما أفتى بِه بعضَ الناسِ الجُهَّال الذين ظنُّوا فيه بِأنه مِن أهل العلم وهو ليس مِن ذلك الباب، وهو قولٌ سائغ قوي، ولو كنتُ قاضيا لَحَكَمْتُ عليه بِذلك وأَلْزَمْتُهُ أن يُنَفِّذَ ذلك حتى يَرْتَدِعَ أولئك الجهال الذي يُفتُون عبادَ الله-تبارك وتعالى-بِغير علم. أما أولئك الجهلة الذين لا دِراية لهم بِشيء مِن العلم ولم يَتظاهَروا بِذلك وهم معروفون بِذلك فإذا أَفْتَوْا بِشيءٍ فلا يُمكِن أن نَحْكُمَ عليهم بِغُرْمِ ذلك، وذلك لأنهم لا يُعْرفُ عنهم العلم، فمَن سألهم فقد عَرَّضَ نفسَه لِمِثل هذه الأمور، وقد ذَكَرَ الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-في باب أصول الفقه مِن " جوهر النظام " القولَ الذي قال به بعض أهل العلم بِوجوب الغُرْمِ على مَن أفتى بِغيْر علم وهو يَتظاهر أنه مِن أهل العلم، فمَن شاء ذلك فلْيَرْجِع إليه(8): وجاهل أفتى فليس يَغْرُم ***** ......................... إلى أن قال الشيخ: .................... ***** وإنما يَضمَن في ذاك الوسط لأنه غَرَّ الذي يُسائِل ***** بِحاله وإنه لَجاهل .. هو جاهل ولكنه غَرَّ غيْرَه .. يَتَزَيَّى بِزيّ أهل العلم وهو ليس منهم فالجاهل قد اغتَرَّ به .. مأمور بِالسؤال فسَأَلَ وأفتاه هذا الجاهل فمِن حقِّه أن يُطالِب بِحقِّه، وأنا أنصح الناس جميعا بألاّ يَسألوا إلا مَن يَثقون بِعلمه ودينه، لأنهم مأمورون بِسؤال أهل الذِّكْر ولأنهم مأمورون بِرَدِّ المسائل إلى كتاب الله-تبارك وتعالى-وسنّة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وبِما أنهم لا يَستطيعون ذلك فإنهم يَرُدُّون ذلك إلى أهل العلم الذين يَستنْبِطون ذلك مِن الكتاب والسنّة؛ ومعذرة على هذه الإطالة مع أنني لم آتِ بِشيءٍ كبير، لأنّ المسألة طويلة، وعسى أن تكون في ذلك فائدة؛ والله أعلم. وما مسألة ذلك الجاهل الذي قال لِرجل أعمى لبس نِعالا مَخيطة .. قال له: " إنّ حَجَّكَ باطل " ونَسَبَ ذلك إلى بعضِ علماء المسلمين، وذلك كلامٌ باطل لم يَقل بِه أحد مِن علماء المسلمين البتّة وإنما الكلام هل الأفضل أن يلبس هذه أو تلك ؟ ولا دليل-أيضا-حتى على تفضيل أن يلبس غير الـمَخيطة-أعني النعال-بل الدليل قد دَلَّ على جواز ذلك، فهذا الجاهل الغِر قد قال: " إنّ حَج ذلك المسكين باطل " فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. السؤال: هَل يُخَيَّر بَيْنَ الدَّم والإطعام والصِّيام في حَق مَن قَطَعَ شيئا مِن الشَّجَر وَهُو مُحْرِم ؟ الجواب: إنَّه لَم يَأْتِ دَليلٌ في كتابِ الله-تبارك وتعالى-ولا في سُنَّةِ رسولِه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يَدُلُّ عَلَى أنَّ الـمُحرِم لا يَجوز لَه أن يَقطَع شيئا مِن الشجر أو ما شابه ذلك .. أي مِمَّا يَتَعلَّق بِالشجر، ولم يَقُل بِذلك-أيضا-أحدٌ مِن علماءِ المسلِمِين، وإنَّما هذا هو مُجرّد ظنٍّ مِن بعضِ العَوَام، فإذن الـمُحرِم لا يُمنَع مِن شيءٍ مِن ذلك وإنَّما يُمنَعُ الإنسانُ مِن قَطْعِ أو قَلْعِ أو مَا شابه ذلك مِن الأمور مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِشجَرِ الحرَم سواء كان ذلك الشَّخْصُ مُحْرِما أو كان مُحِلا، فإذن الـمَمْنُوع هو شَجَرُ الحرَم ولا فَرْقَ في ذلك بَيْن الـمُحرِم والـمُحِل، وعليه فإن قَطْعَ شخصٌ مُحِل أو مُحرِم شجراً مِن غيْرِ الحرَم كعرفة-مثلا-فَلا شيءَ عليه بناء على أنَّ عَرَفَة لَيْسَتْ مِن الحرَم كما هُو قولُ جمهورِ الأمّة ولا عبْرَةَ بِخِلافِ مَن خَالَف فِي ذلك. أمَّا بِالنِّسبَة إلى شَجَرِ الحرم فإنَّه مَمْنُوعٌ بِنَصِّ السنَّةِ الصحيحة الثابِتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وبِإجْماعِ الأمَّة إلاّ ما وَرَدَ استثناؤه. وأمَّا بِالنِّسْبَة إلى مَاذَا يَجِبُ على مَن قَطَعَ شيئا مِن شَجَرِ الحرَم سواء كان مُحِلا أو مُحْرِما ؟ فإنَّ العُلَماء قَد اختلَفُوا في ذلك: 1-مِنهم مَن ذهبَ إلى أنَّه لا شيءَ عليه-أيْ مِن حيثُ الجزاء أو الفِدْيَة أو ما شابه ذلك-وإنَّما يَجِب عليه أن يَتوبَ إلى الله-تبارك وتعالى-لأنَّه ارتكَبَ مَا حَظَرَهُ الله-تبارك وتعالى-عليه، وهذا القول قالتْ بِه طائفة مِن أهلِ العلم. 2-وذهبَ جُمهورُ الأمّة إلى أنَّه يَجِب عليه الجزاء إلا أنَّهم اختلَفوا في ذلك: منهم مَن ذهب إلى أنَّ حكمه كحمِ صَيْدِ الحرَم-وقد تكلّمنا على ذلك-وعليه فإنه لابد مِن حُكُومَة في ذلك. ومنهم مَن فَرَّق بيْنه وبيْن صَيْدِ الحرَم وَقَال: " إنَّه تَجِب فيه القِيمة ". ومنهم مَن قَال بِخلافِ ذلك. والذي يَظهَر لِي في هذه القضية أنَّه لا يَجِب عليه شيءٌ مِن حيثُ الجزاء أو الفِدية وإنَّما عليه التَّوبَةُ إلى الله تبارك وتعالى، وذلك لأنَّه لَم يَأتِ دَليلٌ مِن كتابِ الله ولا مِن سنَّةِ رسولِه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-الصحيحة الثابِتة ولَم تُجْمِع الأمّة على ذلك، ومِن المعلومِ أنَّ أموالَ المسلِمِين مَعْصُومَة بِعصمةِ الإسلامِ لَها فَلا يُمكِن أن نُوجِب شيئا على أحد إلا بِدلِيلٍ شرْعِي، ونَحنُ لا نَملِكُ دَلِيلا في ذلك وإنَّما جاءتْ بعضُ الرواياتِ عن بعضِ صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعلى تقدِيرِ ثبوتِ تلك الرَّوايات فإنَّه لا حُجّة فيها، إذ إنّ مذهب الصحابي ليس بِحُجّة على القولِ الراجِح الصحيح، فإذن الصحيحُ-كما قلتُ-هو أنَّه لا جزاءَ على مَن قَطَعَ شيئا مِن شَجَرِ الحرَم وإنَّما عليه التَّوبة والإنَابَة إلى الله-تبارك وتعالى-وإن فعل شيئا مِن الخيْرِ فإنَّ ذلك حَسَن، أمَّا الوجوب فلا وجوب؛ والله أعلم. __________________ السؤال: امرأة مُحْرِمَة بِالعُمرة أُصيبت بِجُرح في أصبعها نتيجةَ استخدام السكين-وكانت حائضا-فخَرَجَ منها دم ليس بِالكثير، فماذا عليها ؟ الجواب: اشتهر عند كثير مِن الناس: " في الدم دم " وهذه قاعدة ليست بِصحيحة، أي أنّ الإنسان إذا خَرَجَ منه دم في الحج فعليه دم .. هذه القاعدة ليست بِصحيحة .. مثلا لو كان الإنسان يَتسوّك وخَرَجَ منه دم فهل يُقال عليه دم ؟ لا دم عليه بِإجماع الأمّة الإسلامية قاطبة، على ما حكاه غيْرُ واحدٍ مِن أهل العلم، ولذلك لا ينبغي لِلإنسان أن يَترك السواك بعد ثبوت السنّة الصحيحة الثابتة عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-الدالة على فضْله: ( لولا أن أَشُقَّ على أُمّتي لأَمَرْتُهم بِالسواك عند كل صلاة )، وفي بعض الروايات: ( عند كل وضوء )، وفي بعضها جاء الجمْع بينهما، فلا يَنبغي لِلإنسان أن يَتْرُكَ السواك مَخافة-مثلا-أن يَخرُج منه دم ولاسيما إذا كان مِن عادته أنه يَخرُج منه الدم .. هذا-على كل حال-مِن الاحتياطات البارِدة .. يَنبغي لِلإنسان أن يُطَبِّقَ السنّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ولا تُناظِر بِكتاب الله ***** ولا كلام المصطفى الأوّاه معناه لا تَجْعَل له نظيرا ***** ولو يَكون عالِما خبيرا فعلى كل حال هذه المرأة التي كانت تَقطَع بِهذا السكين شيئا-مثلا-ما كانت تُرِيد أن تَقْطَعَ يَدَها أو أن يَخْرُجَ منها الدم أو ما شابه ذلك فلا حرج عليها بِمشيئة الله تبارك وتعالى ولكن لِتَحْذَر مِن خروج الدم في الطواف، وهكذا بِالنسبة إلى قضية الحيض .. الحائض ليس لَها أن تَطوف بِالبيت، وإنما الكلام في السعي .. هل لها أن تَسعى أو لا ؟ السعي قد أجْمعت الأمّة أنه لا بأس على الحائض منه .. أي لا بأس على الحائض أن تسعى وإنما الأفْضل أن يَكون الإنسان على طهارة والحائض-طبعا-لا يُمكِنها أن تَكون على طهارة، وإنما الكلام في وقتنا هذا هل المسعى مِن المسجد أو لا ؟ لأنّ الحائض والجنب و-طبعا هكذا-النفساء ليس لهم أن يَدخُلوا المسجد .. هل المسعى الآن مِن المسجد ؟ فإن كان مِن المسجد فليس لِلحائض أن تَدخُل وتَسعى لِلنهي عن دخولها المسجد، لا لأجل أنّ الحيض لا يَصحّ معه السعي، والذي يظهر لي أنّ المسعى ليس مِن المسجد فلا بأس عليها-أو على غيرها مِن الحُيَّض-في قضية السعي، فإذن تَنتظِر حتى يَنتهي هذا الحيض وتَطْهُرَ منه وتَتَطَهَّر .. أي تَغتسِل مِن الحيض ولُتطف بعد ذلك، وكذلك بِالنسبة إلى الدم إذا كان يَخرج مِن ذلك الجرح الذي أصابها لابد مِن أن تُزيل ذلك الدم وتُعيد الوضوء، ولا تَطوف إلا وهي طاهرة، أما إذا كان ذلك قبل الطواف بِفترة أو ما شابه ذلك فأمره بيِّن لأنها ستتوضّأ بعد ذلك بِمشيئة الله. الهامش : 1- عند الجواب على السؤال 6 مِن حلقة 8 رمضان 1424هـ ( 3/11/2003م ). 2- قال الله تعالى: { ... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... } [ سورة البقرة، من الآية: 196 ]. 3- قال الله تعالى: { ... وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ... } [ سورة البقرة، من الآية: 196 ]. 4- قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } [ سورة المائدة، الآية: 95 ]. 5- وقد بيّن الشيخ تفاصيل أخرى في هذه المسألة عند الجواب على السؤال 5 مِن حلقة 16 رمضان 1424هـ ( 11/11/2003م ). 6- قال الله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... } [ سورة البقرة، من الآية: 196 ]. 7- قال الشيخ: " لا يجب " ويبدو أنّ " لا " هنا زائدة. 8- هذا ما قاله الإمام نور الدين السالمي في باب: أصول الفقه، مِن كتابه " جوهر النظام ": وزلّة العالِم في فتواه ***** مرفوعةٌ عنه وما أوْلاه وذاك أن يَخرُج مِن لسانِه ***** خلافُ ما يَقصدُ في جَنانِه مثالُه أن يُعْطِيَنَّ الأمّا ***** مع البنينَ ثلثًا أَتَمّا وإنما الضمانُ لِلذي عَمل ***** بِقوله إذ لِلخطا منه قَبل وجاهلٌ أفتى فليس يَغْرُم ***** إن خالَف الحقَّ ولكن يَأثَم لأنه يُعرَف بِالجهل فقط ***** وإنما يَضمَن في ذاك الوسط لأنه غَرَّ الذي يُسائِل ***** بِحاله وإنه لَجاهل ولا ضمان إن يَكن لم يَخرُج ***** مِن قولِ كلِّ العلماءِ الـحُججِ أحكام عامة في الإحرام السؤال: ما حُكْمُ الاشتِراطِ في الإحرام ؟ الجواب: إنّ هذه المسألة قد اختلَف العلماءُ فيها. ومِن المعلوم أنه إذا وُجِدَ خلافٌ بيْن علماءِ المسلِمِين في مسألةٍ مِن المسائل فإنه يَنبغِي لِلعالِم أن يَرجِعَ إلى كتابِ الله-تبارك وتعالى-وإلى سنّةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أو ما يَرجِع إليهما بِوجهٍ مِن وجوهِ الحجّية حتى يَتبَيَّنَ لَه ما هو الراجِح في تلك القضية. وقد نَصَّ المحقِّقون مِن أهلِ العلم أنه ليس لأحدٍ أن يُخالِفَ ما جاء في كتابِ الله-تبارك وتعالى-وسنّةِ رسولِه-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولو قال بِخلافِ ذلك مَن قال مِن العلماءِ الكِبار. وقد أَحْسَنَ الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-حيثُ قال: ولا تُنَاظِر بِكتاب الله ***** ولا كلامِ المصطفى الأوّاه معناه لا تَجعل له نظيرا ***** ولو يَكون عالِما خبيرا وأَحْسَنَ حيثُ قال في قضيةٍ مِن القضايا: المصطفى يَعتبِر الأوصاف ***** ونحن نَحكي بعدَه خِلافا لا نَقبَل الخلافَ فيما وَرَدَ ***** فيه عن المختار نصّ أُسْنِدَ وقال: حسبُك أن تَتّبِعَ المختار ***** وإن يَقولُوا خالَفَ الآثار وأَحْسَنَ الإمام سعيد بن خلفان-رحمه الله تبارك وتعالى-حيثُ قال لِسائلٍ اعتَرَضَ عليه حيثُ خالَفَ قولا مشهورا عندَ العلماءِ السابِقِين .. فقالَ لَه الإمام رحمه الله تبارك وتعالى: " ومِن العَجَبِ أن أَنُصَّ لَك عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأنتَ تُعارِضُنِي بِعلماءِ بيْضَةِ الإسلام بِغيْرِ دليلٍ ولا واضِحِ سبِيل، أَلَيْس هذا في العيَانِ مِن الهذَيَان ". وأَحْسَنَ الإمام الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-حيثُ قال: " وقولٌ بِخِلافِ الحدِيث يُضرَبُ بِه عرض الحائط "، وقال-رضوان الله تبارك وتعالى عليه-في قضيةٍ مِن القضايا: " وما مِن عالِم إلا في قولِه المقبولُ والمردود ما خلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ... " إلى آخِرِ كلامِه رحمه الله تبارك وتعالى. ولِلعلماءِ في ذلك نُصوصٌ كثِيرَةٌ في هذا المقام، لا حاجَةَ لِلإطالةِ بِها في هذا الوقت. ونَحن إذا نَظَرْنا إلى قضيةِ الاشتراط فإننا نَجِد العلماءَ قد اختلَفوا في هذه القضية: منهم مَن قال بِمشروعيةِ ذلك. ومنهم مَن قال بِعدمِ مشروعيتِه. وإذا أَتْيْنا إلى معرفةِ الراجِحِ مِن هذيْن القوليْن فلا شك أنّ القولَ بِمشروعيةِ الاشتراطِ في الإحرامِ هو القولُ الصحِيح، وذلك لِما جاء في الحديثِ عن السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-أنّ الرسولَ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قال لِضُبَاعَة بنةِ الزبيْر .. ابنةِ عمِّه صلى الله عليه وسلم: ( حُجِّي واشتَرِطِي )، وذلك بِأن تَقول: " مَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي " عندَما تُرِيدُ الإحرام، وهذا الحديثُ حديثٌ صحِيحٌ ثابِتٌ عنه صلى الله عليه وسلم .. رواه الإمام البخاري والإمام مسلم، ورواه-أيضا-النسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، ورواه أحمد وإسحاق والطبراني في " الكبير " والطحاوي في " المشكِل " والدارقطني والبيهقي والبغوي، وهو حديثٌ صحِيحٌ ثابِت. ولا عبرةَ بِإِعلالِ الأَصِيلِيِّ لَه، والأَصِيلِيُّ هذا فيما يَظهَر أنه مُتَسَرِّعٌ في إِعلالِ بعضِ الأحاديث بل ليستْ لَه تلك الدرايَة بِمعرفةِ أئمةِ الحديث فضلا عن الرواةِ العادِيِين، ويَكفِي في التدلِيلِ على ذلك أنه حَكَمَ بِجَهالةِ الإمامِ الشهِير الجبلِ الراسِي جابرِ بن زيد-رحمه الله تبارك وتعالى-الذي وَثَّقَه كِبارُ الصحابة فضْلا عن أئمةِ الحديث. والعَجَبُ مِن القاضي عِياض حيثُ إنه ذَكَرَ أنّ هذا الحديث تَفَرَّدَ بِه مَعْمَر عن الزُّهْرِي كما نَقَلَ ذلك عن الإمامِ النسائي، والنسائي-فيما يَظهَر-لَم يُرِد بِذلك إِعلالَ الحدِيث، وذلك لأنّ هذا الحديث قد جاء مِن غيْرِ طرِيقِ مَعْمَر عن الزُّهْرِي، وبِغَضِّ النظَرِ عن هذه الروايَة-فإنّنِي لستُ أُرِيدُ أن أُطِيلَ المقال بِالكلامِ عليها، وإلا فإنّ لَنا مقالا معرُوفا في ذلك-فإنّ هذا الحديث قد جاء مِن طُرُقٍ أخرى عن الراوي عن السيدةِ عائشة رضي الله-تبارك وتعالى-عنها، وجاء عن غيْرِها مِن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فلَو سُلِّمَ جدَلا بِإِعلالِ هذه الرواية التي ذَكَرَها القاضِي عِياض-مثلا-فإنّه لا يَضُرّ ذلك ما دام الحديثُ قد ثَبَتَ مِن غيْرِ هذه الطرِيق. والحديثُ قد جاء-أيضا-مِن طرِيقِ ابنِ عباس رضي الله-تبارك وتعالى-عنهما، رواه مسلم وأبو عوانة والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجة، ورواه أحمد وإسحاق وابن حبان وابن الجارود والطبراني في " الكبير " والطحاوي في " شرح مشكل الآثار "، ورواه ابن عَدِي وأبو يعلى وأبو نعيم في " الحلية " وأبو علي الطوسي في مُسْتَخْرَجِه على الترمذي، وهو حديثٌ صحِيحٌ ثابِت عنه صلوات الله وسلامه عليه. وقد جاء لِهذيْن الطرِيقيْن شواهِدُ مِن طُرُقٍ أخرى عن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد جاء ذلك مِن طرِيقِ أم سلمة ومِن طرِيقِ جابر بن عبد الله، وذَكَرَ الترمذي بِأنه جاء مِن طرِيقِ أسماء، وجاء-أيضا-مِن طرِيقِ سُعْدَة بنتِ قيْس جدّةِ ابن الزبير، وجاء عن غيْرِ هؤلاءِ مِن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. إنْ صَحَّتْ الرواية فقدْ جاء عن ذُؤَيْب الأسلمي، ولستُ أُرِيدُ أن أُطِيلَ الكلام على صِحَّةِ هذه الروايات، فإنّ بعضَها حَسَن وبعضُها صالِحٌ لِلاستشهادِ بِذلك، وعلى تقدِيرِ عدمِ ذلك-إذا تَشَدَّدَ مُتشدِّدٌ في بعضِها-فإنّ الطريقيْن السابقَيْنِ صحِيحانِ ثابِتانِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقد اعتَرَضَ كثِيرٌ مِن الناسِ على هذه الأحادِيث: منهم مَن اعتَرَضَ بِأنها ضعِيفة، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ على ذلك، فلا حاجَةَ لإعادَتِه. ومنهم مَن ادّعَى بِأنّ ذلك خاصٌّ بِالعمرةِ وليس في الحج، والحديثُ يُنادِي بِأعلى صوت ويَصرُخ بِأقوى حُجّة بِأنّ الحديثَ وارِدٌ في الحج، ثم ليْتَ شِعرِي ما الفرْقُ بيْن الحج والعمرةِ في هذا ؟! فما صَحّ في العمرةِ فإنه يَصِحّ في الحج إلا إذا دَلَّ دلِيلٌ على الفرْقِ بينهما وليس هنالِك دَلِيلٌ البتّة، ومَن ادَّعَى خِلافَ ذلك فعليه الدلِيل ولا سبِيلَ إليه. وادَّعَى بعضُهم بِأنّه خاصٌّ بِضُبَاعَة، وهذا باطِلٌ كما وَصَفَه الإمام النووي، وهو حَقِيقٌ بِذلك. ومنهم مَن ادَّعَى بِأنّ ذلك إذا ماتَتْ فيُحمَل الحديثُ على ذلك، وهو قولٌ كَلِيلٌ ودَلِيلُه عَلِيل فلا يَنبغِي أن يُلتَفَتَ إليه ولا أن يُعَوَّلَ عليه. وادَّعَى بعضُهم بِأنه منسوخ، وهو كلامٌ باطِل وعن الدلِيلِ عاطِل، فهذا الحديثُ كان في حَجَّةِ الوداع ولم يَأْتِ حدِيثٌ آخَر يَدُلُّ على خِلافِ ذلك. وادَّعَى بعضُهم-كالطحاوي في " شرح المشكل "-بِأنه مُخَالِفٌ لِلإجماع، وهو كلامٌ عجِيب غرِيب، فإنّ العلماءَ قد اختلَفوا-مِن قبلِ أن يُولَدَ الطحاوي-في هذه القضية، وقد رُوِيَ القولُ بِالاشتراط عن طائفةٍ كبِيرةٍ مِن صحابةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وإن كان لَم يَصِح عنهم جَمِيعا، فقد رُويَ ذلك عن عمر وعن عثمان وعلي وابن مسعود وعمّار وعائشة وأم سلمة، وإن كان-كما قلتُ-لا يَصِحُّ عنهم جميعا، وقالتْ بِه طائفةٌ كبِيرةٌ مِن أهلِ العلم، فكيف يَدَّعِي بعدَ ذلك مُدَّعٍ بِأنّ العلماء قد أَجْمَعُوا على خِلافِه ولا يَجُوزُ لأحدٍ أن يُخالِفَ الإجماع ؟! ونَحنُ عندَما نَنظُرُ في كتبِ الفقْه وكتبِ الأصول فإننا نَجِدُ كثِيرا مِن دَعَاوَى الإجماع .. يَدَّعِي مُدَّعٍ بِأنّ هذه القضية قد أَجْمَعُوا عليها وقد يَكونُ جُمهورُ الأمّة على خِلافِ ذلك، وسَمِعتُ أَحَدَ الناس يَذكُرُ مسألةً وذَكَرَ فيها قولا وادَّعَى بِأنّ هذا القولَ مُجمَعٌ عليه وأنا قدْ رأيتُ في المسألةِ عشرة أقوال مِن غيْرِ أن أبْحثَ عن ذلك، وبعضُهم حكى الإجماعَ في بعضِ القضايا وحكى بعضُهم الإجماعَ على عكسِ ذلك القول تَماما، فلا يَنبغِي لأحدٍ أن يَرْهَبَ هذه الحكايات التي يَحكِيها بعضُ أهلِ العلم مِن غيْرِ أن يَتَثَبَّتُوا في ذلك، ولنا كلامٌ طوِيل عرِيضٌ في الإجماع الذي هو حُجّة، لا أُطِيلُ بِه المقام. وبعضُهم احتَجَّ على عدمِ مشروعيةِ ذلك بِما ثبتَ عن ابن عمر-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-حيثُ قال: " حسبُكم سُنَّة نَبِيِّكُم " .. معناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَشترِط، وهذا غرِيب، فمِن المعلوم أنه ما مِن عالِم-وإن بَلَغَ السماء وناطَحَ الجوزاء-إلا وقد خَفيَتْ عليه بعضُ أحادِيثِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فإذا كان ابن عمر لَم يَعلَم بِذلك وقد عَلِمَ بِه طائفةٌ مِن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهل يُمكِن أن نَرُدَّ بعدَ ذلك الرواية التي ثبتتْ عن أولئك بِدَعْوَى أنّ بعضَ الصحابة لَم يَسْمَع بِذلك ؟! هذا مِمّا لا يُمكِن أن يُحْتَجَّ بِه. وأما عدمُ اشتراطِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فلا يَدُلُّ ذلك على بطلانِ الاشتراط، لأنه إذا وُجِدَتْ أدِلةٌ مُتعدِّدة في قضيةٍ مِن القضايا فإنه يَنبغِي أن يُجْمَعَ بيْن تلك الأدِلة، ويُنظَر تارة يُمكِن أن يُجمَعَ بينها على أنّ هذا مسنون وهذا جائز أو أنّ هذا لِبيانِ الجواز أو هذا لِعِلّة أو هذا يُحمَل على كذا مِن الـمَحَامِل إلى غيْرِ ذلك، فالنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لَم يَكن يَعلَم بِأنّ قريشا ستَصُدُّه عن الحرَم حتى يَشتَرِط، وأما في حَجَّةِ الوداع فإنه لَم يَكن بِحاجةٍ صلوات الله وسلامه عليه إلى ذلك. وعلى كل حال؛ فإنّ مَجالَ القولِ يَطُولُ في هذه القضية، وأَرَى أن أَكتَفِيَ بِهذا المختصَر، ولنا عودَة إلى ذلك في مناسبةٍ أخرى بِمشيئة الله تبارك وتعالى، لأنّ في هذا الأمر مِن التيسِيرِ ما لا يَخفَى، فإنّ كثيرا مِن الناسِ قد يَحتاجُون إليه فلِماذا يُمنَعُونَ منه بِدَعْوى أنّ بعضَ الناس يَقول بِخِلافِ ذلك ؟! وقد يَدَّعِي مُدَّعٍ بِأنّ العلماء قد اختلَفوا في هذه القضية فالأحْوَط تَرْكُ ذلك، وأقول: إنّ الاحتياط يُصَارُ إليه عندَما تَتَعارَضُ الأدِلّة ويَصْعُبُ الترجِيح وقد يُمكِنُ الترجِيح ولكن ذلك بِأمْرٍ مُحتمِل، أما عندَما تَكونُ الشمسُ طالِعَةً واضِحَةً لِكلِّ ذِي عَيْنيْن فلا يَنبغِي أن تُتْرَكَ السنَن الثابِتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاسيما عندَما يَحتاجُ إليها الإنسان في مِثلِ هذه القضية بل السنَن التي لا تُفعَل .. في وقتِ الحاجَة لا يَنبغِي أن تُتْرَك لِمَقولَةِ قائِلٍ بِخِلافِ ذلك لِعدمِ إِطّلاعِه عليها أو لإطِّلاعِه عليها مِن طرِيقٍ لا تَثْبُتُ بِها الـحُجَّة. وقد أَحْسَنَ الإمام الشافعي حيثُ عَلَّقَ ذلك على ثبوتِ هذا الحديث، والحديثُ قد ثَبَتَ وصَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ والعلمُ عندَ الله تعالى. __________________ السؤال: ولكن ما فائدة هذا الاشتراط في الإحرام ؟ الجواب: العلماء قد اختلَفوا في ذلك، منهم مَن قال: إنّ هذا لا فائدة لَه وإنما هو لفظٌ يُتَعَبَّدُ بِه كغيْرِه مِن الألفاظ التي يُتَعَبَّدُ بِها، وهذا كلامٌ غرِيب .. قولٌ علِيل لا قيمةَ لَه وحكايتُه تُغْنِي عن ذِكْرِه، فإنَّ ضُباعةَ-رضي الله تعالى عنها-قد ذَكَرَتْ لِلنبي صلى الله عليه وسلم أنها تُرِيدُ الحج-وفي بعضِ الروايات أنّ النبي صلى الله عليه وسلم اقْتَرَحَ لَها ذلك وأَخْبَرَتْه بِأنها مرِيضة-فذَكَرَ لَها النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه-ذلك، فإذا كان لا فائدةَ لَه فما قيمة أن تأتِيَ بِه ضُباعة ؟! فهذا كلامٌ غرِيبٌ لا قيمةَ لَه، وإنَّما الصوابُ أنّ لِذلك فائدةً سأبَيِّنُها بعدَ قليلٍ بِمشيئةِ الله تبارك وتعالى. مِن المعلومِ أنّ مَن أَحْرَمَ وصُدَّ عن ذلك بِعدُوٍّ أو لَم يَتَمَكَّن مِن فِعْلِ ذلك بِسببِ مرضٍ أو نَحوِه وتَعَذَّر عليه الوصولُ إلى الحرَم وتأدِيةِ العمرةِ أو تَعَذَّرَ عليه أن يَأتِيَ بِالحج في وقتِه .. أما تأدِيةُ الحج في وقتِه ففيها كلامٌ طوِيلٌ، لا أَتَعرَّضُ لَه في هذا الوقت، وإنما أَتَعَرَّضُ لِمَن لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك رَأْسًا .. قد اختلَفَ العلماءُ فيه: مِنْهُم مَن ذَهَبَ إلى أنه إذا لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك أبدا فعليه أن يَذْبَحَ ذَبِيحةً كما هو ظاهِرُ كتابِ الله تبارك وتعالى: { ... فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... } ( سورة البقرة، من الآية: 196 ): وإذا كان سائِقًا لِلهدْي فإنّ الأمْرَ متّفَقٌ عليه بيْن العلماء. أما إذا كان لَم يَسُق الهدْي فإنّ العلماءَ قد اختلَفوا في ذلك: منهم مَن قال: لا هدْيَ عليه في هذه الحالة، وهو قولٌ مُخالِفٌ لِظاهِرِ الكتابِ العزيز. ومنهم مَن قال: عليه أن يَشترِيَ ذلك، وهذا هو الحق .. هذا إذا كان واجِدا لِلقِيمة التي يُمكِن أن يَشتَرِيَ بِها الهدْي فإن كان لَم يَجِد فقد اختلَف العلماء في ذلك: منهم مَن قال: عليه أن يَصومَ عشرة أيام كحالِ مَن لَم يَجِدْ الهدْي(1). ومنهم مَن ذََهَبَ إلى أنه لا شيءَ عليه. ومنهم مَن ذََهَبَ إلى أنه لا شيءَ عليه في ذلك الوقت وعندَما يَتَيَسَّرُ لَه الهدْي فإنه يَهدِي. ومنهم مَن ذَهَبَ إلى أنه يَصومُ ثلاثةَ أيام. ومنهم مَن قال: إنه يُقوِّمُ الذبيحةَ بِالطعام ثم يُخرِجُ بعدَ ذلك طعاما-والواقِع أنَّه إذا قَوَّمَها وكان يَجِدُ الطعام فهو يَستطِيعُ أن يَشترِيَ ذبيحة وإنما يَكونُ ذلك إذا كان لا يَجِدُ ما يَشترِيه ففي مثل تلك الحالة يُقَالُ ذلك-أما إذا كان لا يَستطِيعُ على شراءِ الطعام فإنه يُقوِّم ذلك .. يَصُومُ عن كلِّ مُد، وهذا فيه مِن المشقّة ما فيه، فإنّ ذلك يَقتضِي أن يَصومَ ستّ مئة يوم أو أكثَر، لأنّ الذبيحة تُقارِب ثلاثِين رِيالا-مثلا-أو ما شابه ذلك فإذا قدَّرَها بِالأَمْداد فلا شك بِأنه يَصِلُ إلى عَددٍ كبِير ومعنى ذلك أنه يَصومُ عن كلِّ مُدٍّ يوما ففي هذا مِن المشقّة ما فيه، والدِّينُ أَيْسَرُ مِن ذلك. ومنهم مَن قال: لا يُطعِم وإنما يَصومُ مِن أوّلِ وهْلَة. ومنهم مَن ذَهَبَ إلى غيْرِ ذلك مِن الآراء. و-على كلِّ حال-هذه الأقوال لا دليلَ عليها، فإذا كان لَم يَجِد هدْيا فإنه ليسَ في كتابِ الله-تبارك وتعالى-ولا في سنّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم ما يَدُلّ على أنه يَصنَع شيئا مِن تلك الأقوال التي ذَكَرْناها، وإنَّما عليه أن يَحلِق أو يُقَصِّر وإن تَمكّنَ بعدَ ذلك مِن الهدْي ففي ذلك خير. على أنّ أقوى تلك الأقوال التي قِيلَتْ بعدَما ذَكَرْناه قولُ مَن قال بِأنه يَصومُ عشرة أيام، ولكن فيه ما فيه، فلا يُمكِن أن نَحكُمَ بِه، ، فليس لأحدٍ أن يُلزِمَ عبادَ الله-تبارك وتعالى-بِما لَم يُلزِمهُم الشارِع بِه وإنما يُمكِن أن يَذْكُرَ ذلك لِمَن شاء أن يَأخُذَ بِه مِن باب الاحتياط في الدِّين والخروجِ مِن الخِلاف إن أَمْكَنَ وإن كان لا يُمكِن أن يَخرُج بِذلك مِن الخِلاف لِكثرةِ ما ذَكَرْناه في هذه المسألة. و: 1-كذلك عليه بعدَ أن يَذبَح أن يَحْلِقَ أو يُقَصِّر. 2-وقيل: لا يَلزَمُه أن يَحْلِقَ أو يُقصِّر بل يَذبَح إن وَجَد وَإلا فلا شيءَ عليه-أو عليه ما ذَكَرْناه مِن تلك الأقوال-وهو قولٌ ضعِيفٌ جِدا، مُخَالِفٌ لِظاهِرِ الكتابِ العزيز، وكذلك هو مُخالِفٌ لِلسنّةِ الصحِيحةِ الثابِتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيثُ إنه صلوات الله وسلامه عليه حَلَقَ وأَمَرَ أصحابَه بِالحلْقِ أو التقصِيرِ وحَثَّ على الحلقِ ودعا لِلحالِقِين أوَّلا ثلاثا ثم بعدَ ذلك لِلمقَصِّرِين، فإذن هذا ثابِتٌ بِظاهِرِ الكتاب ونصِّ السنّةِ الصحِيحةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم . إذا علِمنا ذلك فمَن اشترَطَ في إِحرامِه إن لَم يَتمكَّن مِن تأدِيةِ حَجِّه أو عُمرتِه فإنه يَحِلُّ بِذلك مِن غيْرِ أن يَحتاجَ إلى هدْي، فهذه إذن فائدةُ الاشتراط(2) -خِلافا لِمَن زَعَمَ أنه لا فائدةَ لِذلك-وإنَّما هنالِك فرْقٌ في الصيغة .. إذا قال: " فمَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي " أو ذَكَرَ بِأنه إذا حُبِسَ سيَحِلُّ مِن إِحرامِه، فإن قال: " ... مَحِلِّي ... " فبِمجرّدِ عدم قدرتِه على إِتمامِ ما أَحرَمَ بِه فإنه يَكونُ حَلالا بِذلك، وإذا عَلَّقَ ذلك بِإرادتِه لِلإحلال فمعنَى ذلك أنه لابد مِن أن يَنوِيَ ذلك. فإذن: مَن لَم يَشترِط عليه أن يَنوْيَ الإحلال ويَذبَح ما استطاع ويَحلِق أو يُقَصِّر. ومَن قال: " مَحِلِّي حيثُ حَبَسْتَنِي " لا شيءَ عليه. ومَن عَلَّقَ ذلك بِأنه سيَفعَلُ ذلك فهو إذا نَوَى الإِحلال فإنه يَكون بِذلك حلالا. هذه هي فائدةُ الاشتراط. هذا وقد اختلَفَ العلماءُ في حكمِ الاشتِراط: منهم مَن قال: هو واجِب، وهذا قولُ الظاهِرِية الذين يَأخُذُون بِظاهِرِ الألفاظ، ولَيْتَهُم يَأخذُون بِظاهِرِ الألفاظ بعدَ أن يَنظُرُوا إلى الأدِلّةِ جميعا، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم والجمهورَ الأعظَم-حتى أنّ بعضَ العلماء ذَكَر أنه قد بَلَغَ عَدَدُ الحجّاج في تلك السنة إلى مئة ألف، ونَحن لا نُرِيد أن نُقَدِّر العَدَد ولكنهم كانوا بِعشراتِ الألوف-لَم يَشترِطوا لِعدمِ حاجتِهم إلى ذلك، فهل يُمكِن أن يُقال بِوجوبِ ذلك أو أنَّه لَم يَرِد عنهم ذلك ؟! هذا ما لا يُمكِن أن يُقالَ بِه. ومِن العلماء مَن قال: هو سنّة مستحَبّة. ومنهم مَن قال: هو جائِز وليس بِمستحَب إلا لِمَن كان مُحتاجا إليه، وهم وإن كانوا لَم يَذكُروا هذا الشرط ولكن لابد منه. ومنهم مَن قال: هو سنّة لِمَن كان مُحتاجا إليه وأما مَن لَم يَكن مُحتاجا إليه فهو ليس بِسُنَّة في حَقِّه، وهذا هو الصحِيحُ عندِي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لَم يَكن مُحتاجا إلى ذلك فلَم يَشترِط، وهكذا بِالنسبةِ إلى الصحابةِ الكِرام رضوان الله عليهم وإنما كانَتْ ضُباعَة هي الـمُحتاجَة إليه فأَرْشَدَها النبي صلوات الله وسلامه عليه. بَقِيَ على رأيِ مَن يَقول بِعدمِ سُنّية ذلك إلا لِمَن كان مُحتاجا إليه، فما حُكْمُ مَن اشترَطَ ولَم يَكن مُحتاجا إليه ثم احتاجَ بعدَ ذلك إليه .. هل يَستفِيدُ مِن ذلك أو لا ؟ قيل: لا فائدة له مِن ذلك، لأنّ هذا مُخالِفٌ لِسنّةِ النبي صلى الله عليه وسلم -أعني الاشتراطَ مع عدمِ الحاجةِ إليه-فعندَما يَحتاجُ إلى التّحلُّل فلابد مِن أن يَنوِيَ ذلك وأن يَذبَح إن كان معه الهدي أو كان معه ما يَشترِي بِه الهدْي ويَحلِق أو يُقصِّر. وقيل: يَنفعُه ذلك. وبِذِكْرِ الاشتراط تَنْحَلُّ كثِيرٌ مِن المسائِل: كثِيرٌ مِن النساء يَذهَبْنَ في مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ لِتأدِيةِ العمرةِ-مثلا-ويُمكِن أن يَأتِيَها الحيض في تلك المدّة وهي تَعرِفُ مِن نفسِها بِأنَّها لَن تَتَمَكّن مِن البَقَاءِ في مكة المكرمة إذا أَتَاهَا الحيض فتَضطَرُّ إلى الرجوعِ بِسببِ أنّ رفْقَتَها لا تُسَاعِفُهَا على البقاءِ في تلك البقاع فهنا يُمكِن أن تَشترِط ذلك، وعليه إذا اشترَطَتْ ولَم تَتمَكَّن مِن ذلك فلَها الإحلالُ بِذلك. وهكذا مَن كانتْ تُصِيبُهُ بعضُ الأمراض .. مثلا في موسِمِ الشتاء أو ما شابه ذلك أو تُؤثِّرُ عليه الأسْفار يُمْكِنُه أن يَشترِط ويَكون مُستفِيدا مِن ذلك. ولِلأسف أنّ كثِيرا مِن النساء يَذهَبْنَ إلى تأدِيةِ العمرةِ أو الحج وتَأتِيهِنَّ العادة الشهرِية المعروفَة وبعدَ ذلك لا يَعرِفْن ماذا يَصْنَعْن فتَرجِع الواحِدة بِإِحرامِها وهي تَظُنّ أنَّها قد أَحَلَّتْ .. تَذهَبُ وتَسعَى، لأنَّها قَد سَمِعَتْ بِأنّ المرأة إذا أتاها الحيض لا تَطُوف فتَظُن أنّ الطواف يَسقُطُ عَنْهَا، وقد تَسمَع بِالحديثِ الذي فيه أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أَسْقَطَ الطواف عن إِحدَى أَزواجِه عندَما أتاها الحيض ولكنّ ذلك في طوافِ الوداع وليس في طوافِ العمرة أو في طوافِ الزيارة أو الإفاضة-الذي هو طوافُ الحج-فهذا رُكن .. أعني طوافَ الزيارة وكذلك بِالنسبة إلى طوافِ العمرة فهما لا يَسقُطانِ بِحيضٍ ولا غيْرِه ولكن يُؤجَّلانِ حتى تَطهُر المرأة وتَتَطَهَّر وفي تلك الحالة تَطوفُ ثم بعدَ ذلك تَسعَى .. فتَذهَب وتَسعَى وتُقَصِّر وتَرجِع بعدَ ذلك وهي مُحْرِمَة-وقد وَقَعَ كثِيرا هذا على حسبِ ما سَمعت، وقد سألنِي عن ذلك غيْرُ واحِد-فهذا مِمّا لا يَصِح .. إذا وَصَلَتْ لابد مِن أن تَبقَى هناك حتى تَطهُر وتَتَطَهَّر وبعدَ ذلك تَطوفُ ثم تَسعَى، فالطوافُ ركنٌ مِن أركانِ العمرة بل هو ركنُها الأعظَم، وكذلك هو ركنٌ مِن أركانِ الحج-أعني طوافَ الزيارة-لا يَسقُطانِ أبدا، وإنما يَسقُطُ طوافُ القدوم لِلحاج وطوافُ الوداع لِلمرأةِ الحاجّة أيضا، أمَّا مَا عدا ذلك فلا، فيَنبغِي أن يُنتَبَهَ لِذلك جيِّدا. وأن يَتعلَّم الواحِد قبلَ أن يَذهَب إلى تلك البِقاع ما هو الذي يَجوزُ لَه وما هو الذي يَجِبُ عليه وما هو الذي يَحْرُم عليه وما هو الذي يُكْرَه في حَقِّه وما هو الذي يُباحُ لَه. و-كذلك-بعضُ الجهلةِ الأغْمار يُفتُون .. بعضُ الناس عندَما تأتِيهِ المرأة: " أنا أَتَتْنِي الدورَة .. ماذا أَصنَع ؟ ": " اسْعَي وقَصِّرِي "، مِن أَيْن لَك ذلك ؟! لِماذا تَتَقَوَّلُ على الله بِغيْرِ عِلم ؟! فليَتَّقِ الله-تبارك وتعالى-مَن لا يَعرِفُ شرْعَ الله-تبارك وتعالى-ثم بعدَ ذلك يَتَقَوَّلُ عليه سبحانه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. ومِن المسائِلِ التي أُنَبِّهُ عليها-وتَقَعُ لِبعضِ الناس في بعضِ الأحيان-أنّ الوضوءَ قد يَنتقِض بِخروجِ رِيحٍ أو ما شابه ذلك ويَستحيِي ذلك الطائف ولاسيما إذا كانتْ امرأة .. تَستحِي أن تَقول بِأنها قد انتَقَضَ وضوؤها-ومع أنّ الوضوء قد يَنتقِض بِهذا أو غيْرِه مِن النواقِض-ولاسيما إذا كانتْ قد ذهبَتْ مِن غيْرِ مَحرَمٍ منها أو زوجِها فتَرجِع وهي لَم تَطُفْ وهي على إِحرامِها فتَرتكِب الـمَحذُور، فالطوافُ مِن شرْطِه الطهارة، فهي شرطٌ مِن شروطِ صِحّتِه، فإذا انتَقَض فلا يَجوزُ إلا بِطهارة، وإذا انتَقَضَتْ لابد مِن الوضوء وإعادة الطواف بعدَ ذلك .. هذا أمرٌ لابد منه، ولا عبْرَةَ بِالحياء .. هذا الحياء لا خيْرَ فيه .. الحياءُ الذي فيه الخيْر هو الذي يُوافِقُ شرعَ الله تبارك وتعالى، أما هذا فهو باطِلٌ وَزُور .. مُنكَرٌ مِن المنكَرَات يُؤدِّي إلى الوقوعِ في معصيةِ الله-تبارك وتعالى-على أنّ المرأة عندَما تُرِيدُ أن تَذهَب إلى حَجٍّ أو عُمرَة فلتَذهَب مع زوجِها أو مع مَحْرَمٍ منها، لا مع أَجنبِي عنها؛ والله ولي التوفيق. __________________ السؤال: مَن خرج مِن مكة بعد أداء عمرة التمتع، هل يلزمه أن يدخل إليها بعد ذلك محرما بالحج ؟ الجواب: قد اختلفت كلمة أهل العلم فيمن أراد أن يدخل إلى مكة المكرمة ولم يكن يريد في ذلك الوقت حجا ولا عمرة هل يجب عليه أن يدخلها بإحرام أو أنه يجوز له أن يدخلها بغير إحرام، وقد استدل كل فريق بأدلة متعددة وقد ذكرنا ذلك في مناسبات سابقة فلا داعي لإعادتها مرة ثانية والقول الصحيح الذي تشهد له الأدلة الصحيحة الثابتة أن الإنسان إذا كان يريد أن يدخل إلى مكة المكرمة ولا يريد حجا ولا عمرة أنه لا يلزمه الإحرام، وذلك لأن الحديث الذي جاء من طريق بن عباس-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-نص صريح ولم يعارضه معارض معتبر فكل ما استدل به من قال بخلاف هذا الرأي لا تقوم به الحجة لضعفه وعدم ثبوته عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وما جاء عن غيره-صلوات الله عليه وسلامه عليه-فإنه لا تقوم به الحجة إذ لا تقوم الحجة إلا بكتاب الله وبسنة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أو ما يرجع إليهما بوجه من وجوه الحجية المعروفة عند أهل العلم، وأيضا فإن من قد أدى فريضة الحج من قبل وقد أدى العمرة الواجبة على القول بوجوبها فإنه إن ألزمناه أن يدخل بإحرام فإما أن نلزمه بعمرة أو بحجة أو أن نلزمه أن يدخل بإحرام ويطوف أو يدخل بإحرام ثم بعد ذلك يقوم بخلع إحرامه، ولا دليل على شيء من هذه الأمور لأن الطواف يصح من دون إحرام ثم إنه أيضا ليس بواجب أي لا يجب مستقلا من دون أن يكون لحج أو عمرة ومجرد الدخول لا يحتاج إلى إحرام، فإذن القول الصحيح هو عدم وجوب الإحرام لمن أراد أن يدخل مكة المكرمة ولم يكن يريد في ذلك الوقت حجا ولا عمرة، نعم من لم يحج من قبل وكان ذلك الوقت وقتا للحج فإنه عليه أن يدخل بإحرام للحج اللهم إلا إذا كانت هنالك ظروف تمنعه من الحج في تلك السنة ويريد أن يرجع-مثلا-فالأمر يختلف، وكذلك من لم يؤد العمرة الواجبة على القول بوجوبها أو العمرة المسنونة فإنه لا ينبغي له أن يفرِّط ويدخل من غير إحرام ثم إنه إن كان أيضا لا يشق عليه وإن كان قد أدى من قبل الحج والعمرة فإنه إذا دخل بعمرة فإن في ذلك من الفضل ما لا يخفى فلا ينبغي لطالب الخير والفضل أن يفرِّط فيه أما الوجوب فشيء آخر، أما من دخل أوَّلا بعمرة التمتع-مثلا-وأدى العمرة ثم إنه رجع إلى المدينة المنورة لقصد إحضار أصحابه أو لأي أمر من الأمور أو ذهب إلى جدة-والمدينة خارج الميقات وجدة داخلة في الميقات-أو ذهب إلى أي موضع من المواضع أو ذهب لعرفة أو لغير ذلك من المواضع وأراد أن يرجع إلى المكان الذي قد استقر فيه من قبل فإنه لا يلزمه أن يدخل بالحج في ذلك الوقت، لأنه وإن كان يريد أن يحج في تلك السنة ولكنه لا يريد أن ينشئ الحج في ذلك الوقت بل هو راجع إلى موضعه الذي هو فيه ذهب لإحضار حاجة أو للنظر في أي أمر من الأمور أو ما شابه ذلك، فالذي عندي أنه لا يلزمه الإحرام في ذلك الوقت وهذا لا شك بأن فيه من الرفق ما لا يخفى والدين بحمد الله-تبارك وتعالى-يسر، فينبغي أن ييسر على عباد الله-تبارك وتعالى-في الأمور التي لا تصادم دليلا من الأدلة الشرعية أما إذا كان ذلك مصادما لدليل فإنه لا يمكن أن يدعى بأن فيه تيسيرا إذ لا يمكن لأحد أن يخالف الدليل ولو كان يظهر للإنسان أن فيما يخالفه .. أن فيه اليسر أو ما شابه ذلك فالعبرة بما دل عليه الدليل، فإذن من ذهب إلى المدينة أو إلى جدة أو إلى عرفة أو إلى أي موضع من المواضع وكان قصده أن يرجع إلى الموطن الذي كان مستقرا فيه أو ما شابه ذلك ولم يرد أن ينشئ الحج في ذلك الوقت بأن رجع في اليوم الثالث أو الرابع أو الخامس أو السادس وهو يريد أن يحرم بالحج في اليوم الثامن فلا يلزمه الإحرام هذا ما أراه والعلم عند الله تبارك وتعالى. السؤال: ما حكم استخدام حقيبة النوم بالنسبة للمحرم ؟ الجواب: هي ليست من اللباس في شيء فلا نرى مانعا من استخدامها .. هذا مِن حيث الجواز وعدمه، وأما مِن حيث الاحتياط فإن احتاط الإنسان ولم يستخدمها إلا على طريق بأن قام بوضعها عليه أو ما شابه ذلك فذلك أحوط لكن من حيث المنع فلا نقوى عليه لكن بشرط ألاّ يضع ذلك على رأسه لأنّ إحرام الرجل يكون في رأسه .. نعم إذا اضطر الرجل لتغطية رأسه اضطرارا بأن كان يخشى من البرد الشديد أو ما شابه ذلك فلابد من الفدية هاهنا، أما إذا لم يضطر فلا ولو قال شخص مثلا: " أنا لا بأس سأعمل الفدية .. أصوم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أذبح ذبيحة-وطبعا الإطعام والذبح يكونان لفقراء الحرم-فهذا أمر يسير " نقول له: هذا-أوَّلا وقبل كل شيء-ممنوع .. ليس لك ذلك وإنما يكون ذلك في حالة الضرورة .. عندما لا يستطيع الإنسان مِن شدّة البرد إلا بأن يضع شيئا على رأسه فهنا هذه ضرورة وفي هذه الحالة نقول له: " اصنع ذلك وافتد "، أما إذا كان يستطيع أو قد يجد شيئا مِن المشقة اليسيرة أو ما شابه ذلك فليس له ذلك، والحاصل إذا غطى رأسه لضرورة لابد منها فلابد له من أن يفتدي أما إذا لم يكن مضطرا فليس له ذلك أبدا، وهكذا المرأة ليس لها أن تغطي وجهها أما ما عدا ذلك فلا مانع مِن ذلك .. هذا ما يظهر لي، والعلم عند الله تعالى. الهامش : 1-{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ سورة البقرة، الآية: 196 ]. 2- قال الشيخ: " الهدي " بدلا مِن " الاشتراط " والظاهر أنه سبق لسان. __________________ ثانيا: الطواف السؤال: هل يستحب أن يكون الطواف حول الكعبة بين الكعبة ومقام سيدنا إبراهيم عليه السلام أو أنه لا يوجد ما يعيب الطواف مِن خلف مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام ؟ الجواب: كلما كان الطائف أقرب إلى الكعبة فإنّ ذلك أفضل إذا كان لا يؤذي غيره ولا يؤذيه غيره، أما إذا تأذى بذلك وأذهبَ ذلك الخشوع فإنّ الأوْلى له أن يطوف أبعد مِن ذلك، فإذن إذا كان لا يؤذي غيره ولا يتأذى هو فالأفضل له أن يطوف بالقرب مِن الكعبة فكلما قرب مِن الكعبة فإنّ ذلك أوْلى، أما إذا كان بخلاف ذلك فإنه لا ينبغي لأحد أن يؤذي غيره بل ذلك لا يصح؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: إذا تحلَّلَ شخص مِن الحج أو العُمرة ثم شك في طوافه بأنه قد طاف ستّة أشواط، ماذا يَجب عليه ؟ الجواب: إذا انتهى الإنسان مِن الطواف فلا يَلتفِت بعد ذلك إلى الشكوك، فكيف إذا كان قد انتهى مِن السعي ومِن الحلْق أو ما شابه ذلك ؟! فهذا شك لا عبرة به .. نعم إذا شك وهو في الطواف فهاهنا يَبني على الأقل .. إذا شك هل طاف ستّة أو سبعة فليَعتبِرها ستّة ويأتي بالشوط السابع، وإذا شك بيْن الخمسة والستّة فليَعتبِرها خمسة .. هذا إذا لم يَترجّح لديه شيء، أما بعد أن يَنتهي مِن الطواف فلا شيء عليه بمشيئة الله. السؤال: هل يَصحّ لِلطائف أن يَعتمِد على شخصٍ آخر في العَدّ ؟ والذي يُصَلِّي ونَسِيَ كم صَلَّى، هل يَعتمِد على مَن بِجَنْبِه ؟ الجواب: على كل حال؛ الإنسان لابد مِن أن يَعتمِد على نفسه .. هذا هو الأصل، لأنه قد يُخطِئ ذلك الشخص الذي اعتمَد هو عليه، فلماذا لا يَعتمِد على نفسه ويَعتمِد على غيره ؟! إذا كان قد وَقَعَ لِهذا الإنسان مِن قبل واطمأنّتْ نفسُه إلى فِعْلِ صاحبِه وهو لم يُفارِقه أبدا فإنه يُمكِن أن يُرخَّصَ له في الماضي، أما في المستقبَل فليَعتمِد على نفسه، ولا يَعتمِد على غيره. أما بِالنسبة إلى الصلاة فالكلام فيها كالكلام في الحج .. الأصل في الإنسان أن يَعتمِد على نفسِه ولكن إذا وَقَعَ منه خطأٌ-مثلا-واطمأنّتْ نفسُه إلى فِعْلِ صاحبِه فإذن يَجْعَل ذلك مِن باب الـمُرَجِّحَات في الحج وفي الصلاة، ومِن المعلوم أنّ الإنسان إذا تَرَجَّحَ لديه أحدُ الجانبين فإنه يَأخذ بِما تَرَجَّحَ له، فإذن يَكون فِعْلُ ذلك الشخصِ الذي معه مِن الـمُرَجِّحَات لا أنه يَعتمِد عليه فإن لم يُعارِضه معارِض في طواف الحج أو العُمرة أو في الطواف مطلَقا ولا في الصلاة فيُمكِن-كما قلتُ-أن يَجْعَل ذلك مِن الـمُرَجِّحَات ولكن في المستقبَل يَنبغي له أن يَعتمِد على نفسِه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: مع شدّة الزحام، ما حكم الطواف والسعي فوق السطح ؟ الجواب: على كل حال؛ لِلعلماء في هذه القضية خلاف: منهم مَن يُشَدِّد في ذلك ويَقُولُ: إنّ الطواف لا يَصِح، وذلك لأنه لا يُحاذِي شيئا مِن البيت، فَمَنْ طَافَ عليه أن يُعِيد ذلك الطَوَاف، وإذا رَجَعَ إلى بَلَده فلابد مِن أن يُعِيد ذلك وأن يُعِيد السعيَ معه، لأنه سعى قبل الطواف الشّرْعِي الـمُعْتَبر. وَذَهب أكْثَر أهل العلم إلى أَن طَوافَه ذلك صحيح، وذلك لأنه وإن كان لا يُحَاذِي شيئا مِن البيت ولكنه يُحَاذِي هَوَاءَ الكعبة والكُل .. الكَعْبة مِن أصْلِها إلى السّمَاء تُعْطَى نَفْسَ الحُكم. وأقول: إنّ مَن وَقَع في الـمَاضي فلا شيءَ عليه، وأما في الـمُستَقْبَل فالأحْوط لِلإنسان أن يَحتاط لأمر دِينه، وأن يُخْرِج نَفْسَه مِن الخلاف في مثل هذه الـمَسأَلة؛ والعِلم عند الله. أما السعي فأَمرُه أسْهل. السؤال: ذَكَرتُم في أَكْثَر مِن مَوْضِع بِأنّه لا يُصَلِّي إنسان عن إنسان وإنَّما قد يصوم إنسان عن آخَر، لكن هَذَا السَّائِل يَقُول: كُنتُ أُصَلِّي ركعتَيْ الطَّوَاف وأَنْوِي أنَّهما عن الشَّخص الذي أَحُج عنه ثُم رَأَيْتُ أنَّه لا يصلي أحد عن أحد، فماذا عَلَيَّ ؟ وماذا أفعل الآن ؟ هل أُصَلِّيهِمَا أولا ؟ الجواب: نعم، قَد ذكَرْنَا-وذَكَرَ غيرنا-أنَّه لا يصلي أحد عن أحد، وقد حَكَى بعض العُلماء اتفاق أهل العلم على ذَلك ... أمَّا بالنَّسبة إلى الصَّلاة فقد قُلت إنَّه لا يُصَلِّي أحد عن أحد إذا كان ذلك استقلالا، أمَّا إذا كانت تلك الصلاة تَابِعَة لأمر آخرَ .. دَاخِلَة في ذلك الأمر فإنَّ الأمر يَختلف في هذه القضية، وذلك لأنَّه يُشْرَع تَبَعا مَا لا يُشْرَع استقلالا كما هو مُقَرَّرٌ عند الفقهاء، وهي قَاعِدة فقهية مشهورة تدخل تَحتها مسائل مُتَعَدِّدة، فالصَّلاة إذا كانت مستقلَّة لا يُمْكن أن يَقُوم أحد بِقضاء فريضة مِن الصلوات كالظهر أو العصر أو المغرب أو ما شابه ذلك عن شخص آخر، كما أنَّه لا يُمكن أن يَتَنَفَّل عنه .. أن يصلي ركعتين نافلة وَيَنْوي أنَّهما عن فلان أو فلانة أو ما شابه ذلك .. هذا أمر مُتَّفق عليه كما حكاه غير واحد، ومَا رُوِي عن بعض المتَقَدِّمين مِمَّا يُخالِف ذلك فلعَلَّه لا يَصِحُّ عنه، وإن صَحَّ عنه فإنَّه لا دليل لَه على ذلك. أمَّا بالنسبة إلى صلاة الطواف .. أو إلى سُنَّة الطَّوَاف-لأنَّ الصحيح أنَّها سنَّة-فالأمر جَائِز باتِّفَاق أهل العلم، وذلك لأنَّ هذه دَاخِلَة في الحج أو دَاخِلَة في العُمْرَة إذا كان ذلك الشَّخص يَعْتَمِر عن شخص آخر .. فهي تَابِعَة لأعمال الحج أو تَابِعَة لأعمال العمرة، وعليه فما فَعَلَه هَذَا الشَّخص فعل صحيح، وفي المستقبل ينبغي له إن شاء أن يَعْتَمِر أو أن يقوم بأداء الحج عن غيره فإنه يفعل ذلك أيضا. وكما قلت هذه المسألة وهي أنَّه يُشرع بالتَّبَعِيَة ما لا يُشْرَع استقلالا تندرج تَحْتَها مَسَائل متعدِّدَة، مِن ذلك مثلا: ... وَمِن المسائل المهمة-أيضا-أنَّ الإنسان إذا أحْرَمَ بعمرة فإنَّه لا يَجُوز له أن يَحْلِق أو أن يَقُصَّ رأسه إلا بعد الطواف والسَّعي ولكن إذَا جَمَعَ بَينَ الحج والعمرة وهو ما يُعْرَف عند العلماء بالقران .. إذا قَرَن بين الحج والعمرة فإنه يُشْرَعُ لَه الحلق أو التَّقْصِير-والحلق أفضل-بعد رَمْيِ الجمرة قبل أن يطوف وقبل أن يسعى، فذلك لتَبَعِيَّة العمرة للحج لأنَّ الذي يُفْرِد الحج-مثلا-يُشْرَع له الحلق أو التَّقصير في ذلك الوقت فشُرِع للعمرة-أيضا-لأجل تبعيتها للحج وهذَا أَمر مُهِم، وقد قَال بعض العُلَماء: إنَّه ليس له أن يَحلق أو أن يُقَصِّر إلا بعد أن يطوف ويسعى، واختُلِفَ في هذا هل ذلك إذا كان لَم يَطُفْ طواف القُدُوم ولَم يَسْع أو حَتَى إذا طَاف طَوَاف القُدُوم .. الأول-مثلا-إذا جَاء إلى مكة مُتَأَخِّرا أو لَم يطف ولَم يسع لسبب مِن الأسباب أو حتى تَرَك ذلك متعمِّدا-فإنَّه جَائز على الصحيح وإن كان خلاف الأفضل-أو جاء مُتَأخِّرا إلى عرفة فهو لَم يطف طواف القدوم ولَم يسع، أو طاف طواف القُدُوم ولَم يسع ولكنَّه لَم يطف طواف الرُّكن ؟ فالصحيح في الحالتَيْنِ معا أنَّه يَجوز له أن يَحلق أو يُقَصِّر-خلافا لِمن قال بِخلاف ذَلك في المسألتين مَعًا أو في إحداهُمَا-وذلك ظاهر مِن فعل النبي فإنَّه حَلَقَ-صلوات الله وسلامه عليه-بَعد أن رَمَى، وأيضا تَعَطَّر بعد أن رَمَى مَعَ أنَّه لَم يطُف طواف الرُّكن وقد عطَّرَتْهُ السَّيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-وهي لَم تَطُف وَلَم تَسْعَ، فذلك دليل على المسألتين معًا، فإذن يَختلف الحكم في هاتَيْن القضيَّتَيْن، وهنالك مسائل أخرى لا داعِي لذكرها الآن. فلابُد مِن أن يُنْتَبَه لِمِثل هذه المسائل، وإذا سَمِع الإنسان كَلاما في مسألة ليس له أن يَحكم به على بعض المسائل وإن رأى بأنَّها قريبة مِن تلك المسألة، وهو معنى ما ذكره بعض أهل العلم أن الإنسان إذا كان ضعيفا في العلم ليس له أن يَقِيس مسألة على مسألة ولو رَأَى بأنَّهما قد تَشَابَهتا مِن كل الوُجوه .. أي على حسب ظَنِّه هو لأنه قد تكون هنالك بعض الأمور التي لَم يلحظها هو وفي واقع الأمر تَخْتَلف هذه المسألة عَن تلك المسألة، والمسألة أمَامَنَا فهذا الشَّخص-مثلا-سَمِع أو رأى في بعض الكتب-أيضا-بأنه لا يصلي أحد عن أحد فظنَّ بأن ذلك ينْطَبِق على هذه المسألة وذلك لا ينْطَبِق عليها في حقيقة الواقع. __________________ ثالثا: السعي السؤال: نُشاهِد بعضَ الناس يُصلُّون بعدَ السعي، فهل تُشرَع صلاةٌ في ذلك الوقت ؟ الجواب: إنّ الذي عليه جمهورُ الأمّة أنه لا تُشرَعُ صلاةٌ بعدَ السعي، لِعدمِ ثبوتِ شيءٍ في ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا القول هو القولُ الصحيح. وذهبتْ طائفةٌ قليلةٌ جدا مِن العلماء إلى مشروعيةِ الإتيانِ بِركعتيْن بعدَ السعي، وقد احتَجَّ لذلك العلاّمةُ الكمالُ بن الهمام بِحديثٍ مروي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذَكَرَ فيه العلاّمةُ الكمال بِأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُصلِّي بعدَ سعيِه، ولكنّ هذه الرواية لَم تَثبتْ عن رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل لم يَرْوِها ابنُ ماجة بِهذا اللفظ وإنما رواها بِلفظ: " بعدَ سبع " .. أي بعدَ سبعةِ أشواط، وذلك يعني أنّ ذلك بعدَ الانتهاءِ مِن الطوافِ بِالبيت. فهاتان الركعتان بعدَ الطواف، وليستا بعدَ السعي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: لقد نَصَّت كتب الفِقه المبيِّنَة لأحكام الحج والعمرة بِأنّ الدعاء الذي يُقال على الصفا والمروة يُرَدَّدُ هناك ثلاث مرات في كل شوط على كل منها، فهل ذلك على الوجوب أم الاستحباب ؟ وماذا على مَن لم يَستطِع أن يَأتِيَ به على الصفة المنصوص عليها في تلك الكتب نتيجةَ الزحمة الشديدة والارتباك ؟ هل يَصحّ الاقتصار على ألفاظ معيّنة بِذاتها ؟ الجواب: على كل حال؛ ما كل ما ورد في الكتب الفقهية ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا الدعاء وكذا الذِّكْر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس واجبا وإنما هو مندوب، ويَنبغي لِلإنسان أن يَعتنِيَ بِالمندوبات إذا استطاع سبيلا إلى ذلك لكن بِشرْط أن لا يُؤْذِي أحدا مِن عباد الله تبارك وتعالى، فعندما تكون هنالك زحمة شديدة خاصّة في أيام الحج فيَنبغي أن يَقتصِر على القليل ويَأتِي بِما ثَبَتَ عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ويَأتِي بِدعاءٍ جامع مِن غيْر أن يُطِيل حتى لا يُؤْذِي عبادَ الله تبارك وتعالى، فعندما تكون هنالك سعة يَأتِي بِالذِّكْر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يَدعو ثم يَأتِي بِالذِّكْر ثم يَدعو ثم يَأتِي بِالذِّكْر وقد اختلفوا في الدعاء بعد الذِّكْر في المرة الثالثة هل هو مشروع أو لا ؟ مِنهم مَن قال بِمشروعية ذلك. ومنهم مَن قال بِعدم المشروعية. ومَن قال بِالمشروعية في كل هذه القضية-طبعا كما قلتُ-إنما يَقول بِالندبية لا بِالوجوب؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: لقد اعتمَرتُ مع والدي وعند السّعي بدأنا بِالصفا ولكننا كُنّا نَعُدُّ ذهابنا مِن الصفا إلى الـمَرْوة نصفَ شوْط، بِحيث كنّا نَعُدُّ ذهابَنا مِن الصفا إلى المروة ثم رجوعَنا إلى الصفا مرّة أخرى شوطا واحدا بدلاً مِن كونه شوطين فقد كان الـمَجموع بِذلك خمس عشر شوطا ؟ الجواب: هو أربعة عشر إذا كانوا اختَتَمُوا بِالصفا إلا إذا كانوا زَادُوا مرة ثانية إلى المروة. على كل حال؛ هذا رأيٌ لِبعضِ أهل العِلم وهو أنّ الشّوْط الواحد يَكُون مِن الصفا إلى الصفا، وقال بِه الشيخ إسماعيل-رحمه الله تبارك وتعالى-مِن أصحابِنا في " مناسِك الحج "، وقالت بِه جماعةٌ مِن أهل العلم-أيضا-مِن الشافعية وغيرهم؛ ولكنه قوْلٌ ضعيفٌ جدا. والصحيح الثابت هو أنّ مِن الصَّفا إلى المروة يُعَدُّ شَوْطا ومِن المروة إلى الصَّفا يُعَدُّ شوْطا، فالشوط الواحد يَكون مِن الصفا إلى المروة. وبِما أنهم فعلوا ذلك لا شيء عليهم-بِمشيئة الله تبارك وتعالى-في الـماضي، وفي المستقبَل يَنْبَغِي لَهم أن يُطَبِّقُوا السنّة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ إنّ خيْر الهدْي هدْي محمد صلى الله عليه وسلم . السؤال: ما حكم السعي بين الصفا والمروة بالنسبة لحجة الإفراد ؟ الجواب: السعي لابد منه .. اختلف العلماء في السعي هل هو ركن من أركان الحج وكذا العمرة أو هو من الواجبات، وعلى كل رأي من الرأيين لا يصح ترك ذلك على سبيل العمد وإنما الفرق بين ذلك أن لو تركه الإنسان لسبب أو لآخر هل لابد من الإتيان به وإلا فإن حجه يعد فاسدا باطلا وهكذا بالنسبة إلى عمرته إن لم يأت به في وقت يصح الإتيان به فيه أو أنه يُجبر بغير ذلك، أما أن يترك الإنسان ذلك فلا، وأخشى ما أخشاه أن يكون قد التبس الأمر على هذه المرأة .. سمعَت بعضا من أهل العلم يذكر أن الإنسان يمكن أن يأتي بسعي الحج بعد طواف القدوم مباشرة وأنه إذا أتى به في ذلك الوقت فليس عليه أن يسعى بعد طواف الزيارة، وهذا حق وقد قالت به طائفة من أهل العلم وهو الذي أراه وهو الذي تؤيده الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالإنسان عندما يكون مفرِدا للحج إما أن يطوف طواف القدوم وبعد ذلك يسعى ولا سعي عليه بعد طواف الزيارة لأنه قد أتى به من قبل، وإما أن يؤخر السعي ويأتي به بعد طواف الزيارة .. هذا لا إشكال فيه، بقي ما هو الأفضل ؟ قد يقول قائل: الأفضل أن يؤخر الإنسان السعي إلى ما بعد طواف الزيارة، ذلك لأنه يكون صحيحا بإجماع الكل بينما إذا قدمه يكون قد دخل في خلاف أهل العلم لأنّ بعض العلماء يقول: " إنه لا يقدم الإنسان السعي على طواف الزيارة " .. بقي هل يمكن أن نقول بتفضيل هذا خروجا من عهدة الخلاف قد يقول بذلك بعض أهل العلم وقد لا يقال بذلك بل يقال الأفضل أن يأتي الإنسان بما ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته-ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح كان قارنا فهو عندما أتى بالسعي بعد طواف القدوم كان قارنا ولكن إذنه صلى الله عليه وسلم لصحابته-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-بأن يأتوا بذلك بعد طواف القدوم هو الحجة بل ذلك كان شائعا عندهم رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم، فأرى أن الأفضل أن يلتزم الإنسان بالسنّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يلجأ إلى الخروج من الخلاف عندما يكون في الأمر شيء من الالتباس، أما عندما تكون السنّة واضحة جلية لا غموض فيها فلا ينبغي أن يراعي الخلاف ويترك السنّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذن السعي لابد منه، فأخشى ما أخشاه-كما قلتُ-أن يكون الأمر قد التبس على هذه المرأة، لأنني سمعتُ شبيها بهذه المسألة وقد ذكرتُ بعض ذلك في بعض المناسبات .. مِن ذلك أنّ بعض النساء كنّ يأتين بتكبيرة الإحرام عند الدخول في الصلاة ولا شك بأن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة التي لا تصح الصلاة إلا بها، فسمعَتْ بعض النساء أنّ المرأة لا تأتي بالإقامة فظنت بأنها لا تأتي بتكبيرة الإحرام أيضا، ولعل بعض الناس يريد أن يبسِّط الأمر للنساء فيقول: " لا تأت بالتكبير " ويقصد بذلك التكبير الذي هو في الإقامة .. " لا تأت بتكبير الإقامة " أي بالتكبير وما بعده فظنّت بعض النساء أنها لا تأتي بتكبيرة الإحرام فتركتْ بعض النساء تكبيرة الإحرام لمدة طويلة بهذا السبب، وهذا فيه مِن الخطورة ما فيه كما لا يخفى لأن صلاة من لم يأت بتكبيرة الإحرام باطلة لا تصح، وكذلك بعض النساء سمعن أن الحائض لا تطوف بالبيت وحقا الحائض لا تطوف بالبيت ذلك لأن الطواف بالبيت من شرطه الطهارة فمن لم يكن طاهرا وكان قادرا على الطهارة فلا يصح منه الطواف، وقَولي: " إذا كان قادرا على الطهارة " أريد أن أخرج بذلك من كان مبتلى بسلس البول أو ما شابه ذلك .. أي لا يستطيع أن يكون على طهارة فهذا مبتلى عليه أن يحاول قدر طاقته وأن يضع شيئا على موضع خروج البول ثم يتوضأ ويطوف وهو معذور في ذلك بمشيئة الله، أما الحائض فإنها تستطيع أن تنتظر حتى تطهر وبعد ذلك تطوف، عندما سمعَت بعض النساء أن الحائض لا تطوف جاءت وسعت ثم قصرت وظنت بأن عمرتها قد انتهت أو أن حجها قد انتهى لأن الحائض لا تطوف، ولا شك بأن هذا لا يصح لأن الطواف ركن من أركان العمرة وكذلك بالنسبة إلى طواف الزيارة، نعم طواف الوداع تعذر منه الحائض على القول الصحيح الذي تدل له السنة فإذا كانت الحائض قد أتت بطواف الزيارة واستمر بها الحيض إلى أن أرادت أن تخرج من مكة المكرمة فإنها تعذر من طواف الوداع ولا يجب عليها دم هذا هو القول الصحيح الذي تنص عليه السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذن الإنسان في هذه الأمور وفي غيرها من الأمور الشرعية لابد أن يكون متيقنا في أمره فإذا كان لا يدري .. يظن أن هذا يصح بدون كذا أو بكذا أو ما شابه ذلك فلابد من أن يسأل عن حكم تلك القضية وليس له أن يفعل أو أن يترك ما لا يدري حكمه الشرعي، أؤكد على قضايا الحج وعلى غيرها من القضايا الشرعية لأن كثيرا من الناس يرجعون وهو لم يؤدوا فريضة الحج، وفي الأسبوع الماضي سألني بعض بأن امرأة لم تأت إلى الآن بطواف الزيارة للحج من السنة الماضية وأن أخرى قد فسد طوافها بسبب انتقاض وضوئها في الطواف ورجعت الأولى وكذا الثانية والأولى لم تأت بالعمرة والثانية لم تأت بطواف الزيارة الذي هو ركن من أركان الحج، فمن كان واقعا في هذه الأمور أو في ما شابهها عليه أن يسأل عن الماضي ماذا عليه ؟ وعليه ألاّ يأتي في المستقبل إلا بما يعرف حكمه. من هنا أيضا أعذرني أريد أن أنبه على قضايا الحبوب التي تستعملها النساء لمنع العادة الشهرية، لا شك أن أهل العلم قد اختلفوا في استخدام موانع الحيض بقصد الطواف، فمن أهل العلم من يمنع من ذلك على الإطلاق ويقول إنه لا يصح استعمال ذلك ومن استعملت ذلك فليس لها أن تطوف في وقت عادتها، ومنهم من ذهب إلى مشروعية ذلك مطلقا سواء خرج الحيض أو لم يخرج، ومنهم من ذهب إلى التفصيل فقال إن استعملته قبل خروج الحيض ولم يأت الحيض فلا بأس، أما إن استعملته بعد أن خرج الحيض فليس لها ذلك، هذه الأقوال موجودة ومن حيث الراجح بغض النظر عن الأحوال التي تعتري ذلك فإنه إذا انقطع الحيض سواء استعملت هذه الموانع قبل خروج الحيض أو بعد خروجه فإن الطواف يصح، لكن-طبعا-بعد خروجه-بعد الاغتسال من ذلك-الطواف يصح لأنها في تلك الحال طاهرة .. لها وعليها أحكام المرأة الطاهرة من حيث الصلاة والصيام والحج والطواف وقراءة القرآن والمعاشرة الزوجية وما شابه ذلك من الأمور التي لها تعلق بالحيض والطهارة، لكن بقي أن هذه الحبوب أو هذه الموانع قد تقطع الحيض في ذلك الوقت ولكنه بعد ذلك يأتي بعد فترة وجيزة ويستمر الدم مدة طويلة فلا تدري هل ذلك الدم هو دم حيض أو هو دم استحاضة وقد ينقطع وتؤدي الحج تأتي بالطواف وتنتهي من ذلك ولكن عندما ترجع تفاجأ بأن هذا الدم لا يأتي على الوجه السابق .. تستمر مدة طويلة يستمر بها الدم ولا تدري هل هو دم حيض أو استحاضة، وبعض النساء اللاتي استعملت هذه الأدوية لازالت تعاني من ذلك من السنة الماضية ولا تدري هل هذه الدماء التي تخرج منها هي دم حيض-وتتعلق به ما يتعلق من المسائل الشرعية-أو هو استحاضة .. لا تدري هل تصلي أو لا تصلي وهكذا بالنسبة إلى الصيام أو ما شابه ذلك، وقد قال العلماء قديما إن مسائل الحيض بحر لا ساحل له فماذا عسى أن يقال بعد استعمال هذه الموانع ؟!، فأرى للمرأة أن تترك هذه الموانع وأن تتأخر .. تطلب من محرمها أو زوجها أن يتأخر معها وبعد ذلك تأتي بمشيئة الله-تبارك وتعالى-بعد أن تطهر بطائرة أو تأتي بالنقل البري وهو يسير وقيمته يسيرة بحمد الله-تبارك وتعالى-وإن كانت لا تقوى على ذلك في هذه السنة مثلا فلتتأخر إلى السنة القادمة بمشيئة الله-تبارك وتعالى-مخافة أن تقع في المحظور الذي أشرنا إليه، وقد تقول بعض النساء: " إن بعض النساء قد استعملن ذلك ولم يتأثرن بذلك " .. حقا وقع ذلك لبعض النساء ولكن لا تدري هذه المرأة ماذا عسى أن يقع لها .. هل سيقع لها كما وقع للسابقات أو للأخيرات اللاتي استعملن ذلك ولم يتأثرن بذلك، وقد تستعمل المرأة هذه المرة ولا تتأثر بذلك وتستعمله مرة أخرى وتتأثر بذلك، ومع أن بعض النساء اللاتي تأثرن بذلك قد استشرن بعض الطبيبات ولكن مع ذلك لا جدوى من ذلك .. وقع الضرر والعياذ بالله تبارك وتعالى .. فحذار حذار مِن الوقوع في هذه الورطات التي قد لا تَجِد المرأة مخرجا منها بعد ذلك، و-حقيقة-أمر الصلاة ليس بالأمر الهين وهكذا بالنسبة إلى غيرها من العبادات من صيام وغيره؛ فأدعو الله-تبارك وتعالى-أن يوفق الجميع لما فيه الخير، والعلم عند الله تعالى. رابعا: أعمال اليوم الثامن وليلة التاسع من ذي الحجة السؤال: أرجو مِن شيخنا أن يُبيِّن لنا حكم مَن لم يَبِتْ ليلةَ التاسِع مِن ذي الحِجّة في مِنى وإنما ذَهَبَ إلى عَرفة مباشَرة مع مَن يُقيم معهم وليس له مُرشِدٌ يَذهَب معه وقد أَخَذَ بِفتوى بعضِ أهل العلم هناك بِأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بَاتَ هناك لِلاستراحة وليس ذلك مِن السنّة ؟ الجواب: أنا ذكرتُ بِالأمس(1) أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-خَرَجَ مِن مكّة المكرّمة في اليوم الثامِن، وبَقِيَ بِمِنى إلى طلوع الشمس مِن اليوم التاسِع .. صَلَّى الصلوات الخمس في مِنى، وهذا ثابتٌ عنه صلوات الله وسلامه عليه، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة المروية عنه، ويَنبغي لِلإنسان أن يَقْتَدِيَ بِرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس هنالِك دليل يَدُلّ أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إنما فَعَلَ ذلك مِن أجل الاستراحة. وإنما يُمكِن أن يَحتجَّ بعضُ الناس على ذلك بِأنّ مَن جاء مِن مكان بعيد ووَصَلَ إلى عَرفة في اليوم التاسِع لا شيءَ عليه، وهذا كلام صحيح لا غبار عليه، وقد دلَّ على ذلك الحديث الصحيح الثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بل مَن جاء في ليلةِ العاشِر قبل طلوع فجْر اليوم العاشِر إلى عرفة ووَقَفَ بها قبل طلوع الفجر فإنّ حَجَّه صحيح ولا شيءَ عليه، فهل يُمكِن أن يَقول قائل إذا استنَدَ إلى مثل هذا الحديث: " إنّ الوقوفَ بِعرفة في النهار ليس بِسنّة وإنما هو مستحَب-أو ما شابه ذلك-والمهِم أن يَأتي الإنسان في أيّ وقتٍ قبل طلوع الفجْر مِن اليوم العاشِر " ؟! وهل يُمكِن أن يَسْتَدِلَّ بِذلك-أيضا-على أنّ المبِيت بِالمزدلفة ليس مِن السنّة وإنما هو مُجَرَّدُ استراحة وإنما المشروع هو الدعاء في اليوم العاشِر أو ما شابه ذلك ؟! كلاّ لا يُمكِن أن يَسْتَدِل بِذلك أحدٌ. نَحن نَقول: إنّ المبِيت في ليلة التاسِع لا يُمكِن أن يُقَارَن بِليلة الحادي عشر والثاني عشر ولكن مع ذلك لا يَنبغي لأحدٍ أن يُفرِّط فيه إذا استطاع إلى ذلك، فإنّ لنا في رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أُسْوَة حسنة، أما مَن لم يَتَمَكَّن لِسببٍ أو لآخر كالسائل-مثلا-إذا كان لا يَعرِف الطُّرُق .. فإذا كان لا يَتمكَّن إلا بِأن يُرافِق مَن يَبيت ليلةَ التاسِع في عَرفة فلا شيءَ عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى، أما مَن وَجَدَ مَن يَدُلُّه على الطريق فيَنبغي له ألاّ يُفَرِّطَ في المبِيت في ليلة التاسِع في مِنى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. الهامش: 1- عند الجواب على السؤال 1 من حلقة 16 رمضان 1424هـ ( 11/11/2003م ). خامسا: أعمال اليوم التاسع من ذي الحجة ( يوم عرفة) السؤال: سمعتُ منكم في حلقات ماضية (1) تَحْذيرا لِلحجاج مِن أن يَفيضوا مِن عرفات قبل تَحقُّق غروب الشمس فأيّ حركة مِن هذا النوع تُؤدِّي إلى الأحكام التي ستذكرونَها إن شاء الله، ولكن كيف تُوَفِّقُون بيْن هذا وبيْن الحديث الذي وَرَدَ فيه أنّ رجُلا وَقَفَ قليلا في عَرفة .. هذا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد .. هذا الرجُل يَقول: " يا رسول الله، إني جِئْت مِن جَبل طَيْء أَكْلَلَتُ راحِلَتِي وأتْعَبْتُ نفسي، والله ما تَرَكْتُ مِن جبل إلا وَقَفْت عليه، فهل لي مِن حج ؟ " فَقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه ووَقَفَ معنا حتى نَدفع وقد وَقَفَ بِعَرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد أَتَمّ حَجّه وقضى تَفَثَه ) فيُشِير الحديث أنه حتى لو وَقَفَ جزءً قليلا مِن النهار فذلك يَكْفي ؟ الجواب: على كل حال؛ هذا الحديث حديثٌ صحيح، وقد رواه أكثر مِن عشرين عالِما مِن أئمة الحديث، لا أرى داعيا لِلإطالة بِذِكْرِهم الآن. وهذا الحديثُ فيه شيءٌ مِن العموم .. ظاهر هذا الحديث أنّ الإنسان إذا وَقف مِن صباح اليوم التاسِع ولو وَقَفَ جزءً بَسِيطا فإنّ ذلك يُجزيه، بيْنما جُمهور الأمّة قالوا: إنّ الوقوفَ لا يَكون إلا بعد زوال الشمس مِن اليَوْم التاسِع مِن ذي الحجّة. خِلافا لأكثر الحنابلة حيث ذَهبوا إلى أنه يَكون قبل ذلك بِظاهر هذا الحديث .. أي يَكون مِن أوَّل اليَوم. ولا شَك أنّ الذي ذهب إليه الجمهور هو الصحيح، وذلك لأنّ ذلك الحديث مُخَصَّصٌ-أو مُبَيَّنٌ-بِفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث إنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يَقِفْ إلا بعد زوال الشمس، وكذلك هو مُخَصَّص بِشيءٍ آخر وهو أنّ الحج لا يَكون تامّا إلا بِطواف الإفاضة مع أنّ ظَاهِر هذا الحديث يَقُول: ( الحجُّ عَرفة ) وبعد ذلك قال: ( فقد تَمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه ) مع أنّ الحج-في حقيقة الواقع-لا يَكُون تامًّا بِذلك بل لابد مِن طواف الزيارة، إذ إنه ركن مِن أركان الحج، بل ذهبتْ طائفة كبيرة مِن أهل العلم إلى عدم تَمامه إلا بِالسعي، لأنه عند هذه الطائفة مِن أهل العلم مِن أركان الحج أيضا. هذا الحديث عند مَن قال بِفساد الحج بِالنسبة لِمَن لم يَقِفْ إلى غُروب الشمس وتَحقُّق غُروبِها ودُخولِ جزءٍ مِن الليل .. يَقولون: إنّ الحديث السابق مُبَيَّن بِفِعل النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث إنّ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَفَ إلى أن غَربت الشمس وتَحقَّق غروبُها ودَخَلَ جزءٌ مِن الليل، لِذلك ذهبوا إلى أنّ مَن لم يَقِفْ إلى هذا الوقت فإنّ حجَّه باطل. وفي المسألة خلاف معروف ولكن-على كل حال-أجمعت الأمّة الإسلامية عن بَكرة أبيها على أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وَقَفَ إلى أن غَرَبَت الشمس ودَخَلَ جزءٌ مِن الليل وقال: ( خُذُوا عنّي مناسِككم لَعلِّي لا أَلْقَاكم بعد عامي هذا )، وقد بيَّن صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّ هَدْيَه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهدْيَ الـمُسْلمِين مُخالِفٌ لِهدْي أهل الشرك حيث إنّ أهلَ الشرك يَخرُجون مِن عَرفة قبل غُروب الشمس .. عندما تكون الشمس على رؤوس الجبال كأنَّها عَمائم الرجال، فيَنبغي لِلإنسان أن يَقتدِيَ بِرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يَهتدِي بِهدْيه وأن يَسِير على طريقِه صلوات الله وسلامه عليه، وأن يَحذَر كل الحذَر مِن الوُقوع في مُخَالَفة سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُوَافقَة هَدْي المشركين فحذَار ...(2) المشركين، فنأخذ بِهذا الأمر الواضِح الجَلِي. أما فسادُ الحج ففيه ما فيه مِن الكلام لأهل العلم. السؤال: لَحق بِيوم عَرفة في وقتٍ متأخِّرٍ مِن الليل ؟ الجواب: ما دام قد جاء في الليل .. أي جاء إلى عَرفة قبل طلوع الفجر وأدرك شيئا مِن الليل في ذلك الموقف فإنه لا حرج عليه، بِنصّ السنّة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولا عِبْرةَ بِرأيٍ يُخالِف ذلك، وإذا جاء نهر الله بَطل نهر معقل؛ والله أعلم. السؤال: في عرفة، مَن اعتمد على خطبة المذياع بعد صلاة الظهر والعصر جَمْعًا ؟ الجواب: على كل حال؛ من المعروف أن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قد خطب في يوم عرفة بعد أن زالت الشمس .. خطب-صلوات الله وسلامه عليه-خطبة واحدة وما جاء أنه خطب خطبتين فإنه لا يصح، وقياس ذلك على خطبتي الجمعة أيضا لا يصح، لأن هذا القياس فاسد الاعتبار لأنه مصادم للنص الصحيح الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم من أنه خطب خطبة واحدة، وكما قلت إن ما ذُكر من أنه خطب خطبتين فإن ذلك لا يصح من حيث إسناده فلا يمكن التعويل عليه حتى ولو لم يعارضه معارض فكيف وقد عارضه الحديث الصحيح الثابت الجلي الذي لا غموض في دلالته ولا اعتراض عليه أيضا من حيث إسناده .. خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة واحدة وأيضا الناس استمعت إلى خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الزمان طبعا لا يتيسّر أن تكون هنالك خطبة واحدة في عرفات وقد اختلف الناس منهم من قال تكفي خطبة واحدة والبقية تصلي من غير خطبة، ومنهم من يأخذ بأن يخطب خطيب لكل مجموعة، وهذا هو الذي يجري عليه العمل لكن لو أن جماعة-مثلا-أخذت بخطبة الخطيب التي استمعَتْ إليها بواسطة مكبرات الصوت وصلت من غير خطبة في الماضي فلا شيء عليهم بمشيئة الله تبارك وتعالى. الهامش : 1- عند الجواب على السؤال 1 مِن حلقة 9 ذو القعدة 1423هـ ( 12/1/2003م ). 2وقع هنا-للأسف-انقطاع في الشريط لخلل أثناء تسجيله مِن التلفزيون، ويبدو أنه غير مؤثّر في جواب الشيخ. __________________ سادسا:أعمال اليوم العاشر من ذي الحجة أولا : قطع الوادي السؤال: الناس معروفٌ أنهم عندما يفيضون مِن عرفات إلى مزدلفة ومِن مزدلفة إلى مِنى .. عندما يَقطعون الطريق مِن مزدلفة إلى مِنى يُسْرِعون في وادي مُحَسِّر لكن لا يَعلمون شيئا عن الإسراع في هذا الوادي عندما يذهبون مِن مِنى إلى عرفات، فهل يَصنعون نفس الفعل ؟ الجواب: أنا لم أَجِد روايةً عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-تَدُلّ على مشروعية الإسراع أو عدم الإسراع عند الذهاب إلى عرفات في هذا الوادي. وأما عندما يَرجِع الحاج مِن عرفة وبعد ذلك مِن المزدلفة إلى مِنى فإنّ الإسراعَ في هذا الوادي عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ثابت صحيح لا شك فيه. وإذا أردنا أن نَعرِف الحكم في المسألة الأولى .. أي في مشروعية الإسراع وعدمه عند الذهاب إلى عرفات فإنه ينبغي لنا أن نَعْرِف الحكمة من إسراع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في هذا الوادي، وقد ذَكَر العلماء في ذلك عدّة أمور: مِنهم مَن قال: إنما فَعَل ذلك النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لأنّ هذا الوادي مأوى الشياطين فأَسْرَعَ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-خشيةَ الكَوْنِ في هذا الوادي، ولم أَجِد لهم دليلا على هذا الكلام ولعلهم يَستدِلُّون بِحادِثة نَوْمِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وصحابتِه الكرام في الوادي إلى أن طَلَعَت الشمس ثم أخبرهم النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بأنّ في هذا الوادي شيطانا وأَمَرَهم بِالخروجِ منه والصلاةِ بعدَ ذلك فخرجوا-رضوان الله تعالى عليهم-مع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وصَلّوا فريضةَ الفجر بعدَ طلوع الشمس بعدَ الخروج مِن ذلك الوادي، ولا دليل في هذا، وذلك لأنّ النبي لم يُسْرِع في هذا الوادي بل بَاتَ فيه ونام هو وصحابته، وأيضا عندما أمَرَهُمْ بِالخروج لم يَأمُرهم بِالإسراع ولم يَثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه أَسْرَعَ عند خروجه منه فإذن لا دلالةَ في هذا الدليل الذي استنبطَ منه بعضُ أهل العلم هذا الاستنباط. وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-إنما أَسْرَعَ عند خروجه مِن هذا الوادي لأنّ النصارى كانوا يَقفون فيه، وأنا لم أَجِد روايةً صحيحةً ولا حسنةً بل حتى ولا ضعيفة تُنْسَبُ إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-تدُلُّ على ذلك، وإنما رُوي ذلك عن عمر-رضي الله تعالى عنه-أنه عندما مَرَّ بِهذا الوادي ذَكَرَ كلاما مِنه: ........................ ***** مخالِفًا دِينَ النصارى دِينُها فقالوا إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَ مِن أجل ذلك، وهذا كلام مردود، وذلك لأنه تَكفي في المخالَفة ألاّ يَقف النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في هذا الموقف وهو لم يَقف في هذا الوادي وإنما وَقَفَ بِعرفة، كما هو معلوم وقد أجمعت عليه الأمّة، وأيضا لم يَثْبُت عن النصارى أنهم كانوا يَقِفُون في هذا المكان ولا أنهم كانوا يَحُجُّون، فهذا لا دليل فيه البتة على ما ذَكَروه. ومنهم مَن ذَهَبَ إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما أسرَعَ في ذلك الوادي مِن أجل مخالفة الكفار لأنهم كانوا يَتفاخرون فيه بآبائهم، وهذا لا دليل فيه، وذلك لأنه لم يَثْبُت-أوَّلا وقبل كل شيء-عن الكفار أنهم كانوا يَتفاخَرون بِآبائهم في هذا الوادي، وإنما كان يَقع مِنهم ذلك في مِنى .. قيل: عند جَمْرة العَقَبَة، وقيل: في مِنى، ولم يَثبت عنهم أنهم كانوا يَتفاخرون في هذا الوادي، ثم إنه لو كان الأمر كذلك-أي لو كانوا يَتفاخرون في هذا الوادي-لَمَا كان في ذلك دليل، لأنه يَكفي في المخالفة ألاّ يَقع مِن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ومِن المسلمين ذلك. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إنما أسرَعَ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في هذا الوادي لأنه وَقَعَ فيه العذاب على أصحاب الفيل إذ إنَّ الفيلَ وَقَفَ في هذا الوادي على حسب ما يَدَّعِيه هؤلاء، وليس الأمر كذلك، لأنّ الفيلَ لم يَقف في هذا الوادي وإنما وَقَفَ في وادي الـمُغَمَّس وذلك بِالقُرب مِن عرفات على طريق الطائف .. هذا هو الثابت عن العَرب في أخبارِهم وفي شِعْرِهِم، ولم تَأتِ روايةٌ واحدة تَدلّ على أنه وقع في هذا الوادي، وذلك-أيضا-مستبعدٌ جدا لأنّ هذا الوادي مِن الحرَم والعقوبةُ نَزَلَت عليهم قبل دخولِهم الحرَم، ولكن ذلك لا يَمنع مِن أنه قد وقعتْ عقوبة مِن المولى-تبارك وتعالى-على بعض الناس في هذا الوادي وإن كنّا لا نَجِد دليلا يُحدِّدُ نوعَ هذه العقوبة، وقد قيل: إنه وقع ذلك على رجل صَادَ صيْدا في هذا الوادي فوَقعتْ عليه نارٌ فأحرقتْه، ويُمكِن-أيضا-أن يَكون بعضُ أصحابِ الفيل قد تَقَدَّمُوا على الفيل وعلى سائر الجيش-على أنني أيضا لا أستطيع الجزم بذلك .. وأظن أنّ ذلك لم يَقع-أما الجمهور الأعظم والفيل فإنهم لم يَصِلُوا إلى هذا المكان، والحاصل أنّ الذي نَظنُّه أنه وَقَعَ في هذا الوادي عذابٌ على بعضِ الناس ولا يَلزَم أن نُعَيِّنَ ذلك، ونَستشهِد على ذلك بِإسراعِ النبي صلى الله عليه وسلم عندما مَرَّ بِدار ثَمود، فقد أَسرعَ الرسولُ-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في ذلك المكان. وإذا كان الأمر كذلك فإننا نقول بِمشروعية الإسراع-عند المرور على هذا الوادي .. أي-في هذا الوادي عند الخروج مِن مِنى إلى عرفات بل حتى إذا مَرّ الإنسان به في أيّ وقت مِن الأوقات ولو لم يَكن ذلك في الحج فيُشْرَعُ فيه الإِسراع. وعدمُ ذِكْر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أَسرَعَ فيه عندما ذهبَ إلى عرفة لا يُمكن أن يُسْتَدَلَّ به على عدم المشروعية، وذلك لأنه قد لا يُذْكَر بعضُ أفعالِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولا يَلْزَم أن يُذْكَر كل ما وقع مِنَ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وإنما الذي يُنْقَلُ عنه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ما فيه شَرْعٌ لِلأمّة وقد يكون ذلك بالعبارة وقد يكون بالإشارة، وهاهنا تكفي الإشارة، لأنّ إسراعَه صلى الله عليه وسلم عندما رَجَعَ مِن عرفة ومِن المزدلفة إلى مِنى يَكفي لِلإشارة إلى مشروعية هذا الإسراع، ومَن نَظَرَ في حَجّة الوداع فإنه يَجِد في بعض الأحاديث يُذْكَر كذا ولا يُذْكَر كذا وهكذا. هذا ومِن الجدير بِالذِّكْر أنّ العلماء قد اختلفوا في هذا الوادي هل هو مِن مِنى أو هو مِن المزدلفة ؟ وقد جاءتْ بعضُ الأدلة تَدلّ على هذا، وجاءتْ بعضُ الأدلة تَدلّ على ذاك، وجاءتْ بعضُ الأدلة تَدلّ على أنه ليس مِن مِنى وليس مِن المزدلفة، وأقوى ما جاء حديثٌ عند الإمام مسلم فيه التصريح بِأنه مِن مِنى حيث جاء فيه: " وهو مِن مِنى " ولكنّ هذه الرواية ضعيفةٌ عندي ولو كانت في صحيح مسلم، والذي يَظهر لي بأنه ليس مِن مِنى وليس مِن المزدلفة. و-على كل حال-سواء كان مِن مِنى أو كان مِن المزدلفة أو لم يَكن مِن هذه ولا مِن تلك فإنه ليس لأحد أن يَبيت فيه في ليلة المزدلفة على رأي مَن يَقول إنه مِن المزدلفة ولا على أن يُقيم فيه ليلة التاسع وليالي التشريق اعتبارا على أنه مِن مِنى على رأي مَن يَقول إنه مِن منى، فعلى كل حال لا يُشرَع المكث فيه والبقاء فيه سواء قلنا إنه مِن هذه أو مِن تلك أو أنه مستقِل. وهكذا اختلفوا في عُرنَة هل هي مِن عرفة أو ليست مِن عرفة ؟ و-على كل حال-أيضا لا يَجوز الوقوف بها على أنها مِن عرفة سواء قلنا إنها مِن عرفة أو لم نَقُل ذلك. وتَحقيق ذلك في المسألتين معًا يَحتاج إلى إطالة لا تَتَّسِع لها هذه العجالة وإن كانت هي جديرة بِذلك ولكنّ الحكم هو ما ذكرناه. هذا ومِن الجدير بِالذِّكْر-أيضا-أنّ وادي مُحَسِّر مِن الحرَم. خلافا لِمَا ذَهَبَ إليه ابن حزم حيث شَذَّ وزَعَم أنه ليس مِن الحرَم وإنما هو مِن الـحِل، وكذلك شذَّ حيث زَعَم أنّ عُرنة ليست مِن الـحِل وأنها مِن الحرَم. فالحقّ الحقيقُ بِالقبول أنّ هذا الوادي مِن الحرَم وعُرنة مِن الـحِل. وكذلك قد أخطأ خطأً بيِّنا مَن زَعَم أنّ عرفة ليست مِن الـحِل وأنها مِن الحرَم، والحقّ أنها مِن الـحِل، وعليه فيَجوز الصيد مِن عرفة ومِن عُرنة-وكذلك بِالنسبة إلى قطْع الأشجار فإنّ ذلك لا مانع منه-وإنما يُمنَع مِن ذلك الـمُحْرِم فليْس له أن يَصطاد، وأما الشجر فلا مانع مِن ذلك في الـحِل سواء كان معتمِرا أو كان حاجّا، فإذن عَرفة مِن الـحِل، وإنما يُمنَع الـمُحْرِم مِن الصيد لأجل أنّ الـمُحْرِم يُمنَع مِن ذلك ولو كان في الـحِل، كما هو معروف .. هذا ما يَظهر لي في هذه المسألة. هذا وكثير مِن الناس يَسألون عمّن لم يَستطِع أن يَقطَع وادي مُحَسِّر قبل طلوع الشمس لِوجود زحمة أو ما شابه ذلك، هل عليه دم ؟ والجواب: أنّ كثيرا مِن أهل العلم قالوا: يَجِب على مَن لم يَستطِع أن يَقطَع وادي مُحَسِّر الدم, والحقّ أنه لا يَجِب عليه بل لا أَستطِيع أن أُوجِب عليه الدم وإن كان قد تَأخَّر بِغيْر عذر وإنما أقول إنه لا يَنبغي لأحد أن يَتأخَّر، وذلك لأنه لم يَرِد دليل يَدلّ على أنّ مَن لم يَخرُج منه قبل طلوع الشمس أَنه يَجِب عليه دم، والأصل في أموال المسلمين بِأنها معصومة بِعصمة الإسلام لها وأنه لا يَجوز لأحدٍ أن يُوجِب شيئا على أحدٍ بِغيْر دليل، ولِذلك يَنبغي التريّث في هذه الأمور .. نعم هذه المسألة فيها خلاف مشهور-كما ذكرتُ-ولكننا نَجِد كثيرا مِن الناس يُوجِبون الدماء على عباد الله ولو لم يَقل به أحد مِن أهل العلم، كما اشتهر عند الكثير: " في الدم دم " .. إذا خرج مِن إنسان دم أوجبوا عليه دما، وكذلك في كثير مِن الأمور يَجِب التخيير بيْن الدم وبيْن الإطعام وبيْن الصيام ولكنّ كثيرا مِن الناس لا يُخيِّرون عبادَ الله وإنما يُوجِبون عليهم الدماء .. هذا إنسان فعل كذا ؟ عليكَ دم .. إنسان تَعطّر مثلا ؟ عليكَ دم .. إنسان قَلَّم شيئا مِن أظافره ؟ عليك دم .. يَنبغي أن يُقال لِعباد الله سبحانه وتعالى بِالتخيير كما خيّرَهم الله تبارك وتعالى، وألاّ نُلزِم عباد الله-تبارك وتعالى-بِما لم يُلزِمهم به المولى تبارك وتعالى، على أنه يَنبغي أن نَبحث هل فَعَلَ هذا وهو مخطئ أو هو جاهل أو هو متعمِّد ويَعرِف الحكم، وهذه المسألة-طبعا-تَحتاج إلى كلام، وذلك في أجوبة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى، وإنما أردتُ أن أُنبِّه الناس أنه لا يَنبغي أن نُلزِم العباد بِما لم يَلزَمهم، و-أيضا-إذا كان هنالك تَخيير في بعض الأمور يَنبغي أن نُخَيِّر الناس وألاّ نُوجِب عليهم أمرا واحدا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. __________________ ثانيا: رمي جمرة العقبة السؤال: في أيام الحج-ويَكاد يَتكرّر في كل عام-يَحدُث زِحامٌ شديد أثناء الرمي ويُحاوِل كل واحد مِن الناس التَّوسِعة لِنفسه حتى يَصِل إلى الحوض وبِالتالي يَرمي تلك الـجَمْرَة، هل لابد مِن وصول الحصاة إلى الـجَمْرَة أم أنها يَكفي أن تَسقُط في الحوض ؟ وبِذلك يَفهَم الناس القضية ويَخِفّ الزحام. الجواب: إنه يَنبغي أن يَنتبِه المسلم أنه يَنبغي له كما يُراعِي نفسَه أن يُراعِيَ غيره، فليس له أن يُؤذِيَ غيْرَه لا في الطواف ولا في السعي ولا عند رمي الجِمار، فإيذاء المسلمين مِمّا لا يَصح. وهذا أمرٌ-ولِلأسف الشديد-لا يَنتبِه إليه كثيرٌ مِن الناس، فتَرى الناسَ في حالة الطواف أو السعي أو في الرمي يَهتَمّ الواحِد منهم بِنفسِه وبِمَن يُرافِقه ولا يَنظُر إلى بقية المسلمين، فقد يُؤْذِي أحدا-وقد يَفعَل ما يَفعَل-ولا يَلتفِت إلى ذلك الشخص، بينما هذا لا يَجوز، لأدلّة معلومةٍ في مواضعها. أما بِالنسبة إلى الرمي فإنّ الرمي مِن مناسِك الحج، بِاتّفاق جميع الأمّة الإسلامية، وذلك لأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أَمَرَ بِه وفَعَلَه وقال: ( خذوا عنّي مناسِككم )، كما ثَبت ذلك في الأحاديث الصحيحة الثابتة. ولِلأسف لقد تَهاون كثيرٌ مِن الناس بِالرمي، فتَرى هذا لا يَذهب لِلرمي بل يُنيب غيْرَه مع قُدرتِه على ذلك وقد يَزْعُم أنه لا يَستطيع أن يَذهب إلى الرمي عند منتصف النهار، أو ما شابه ذلك، كأنَّ الله-تبارك وتعالى-قد ضَيَّق هذه القضية وأَوْجَبَ على الناس أن يَرْمُوا في ذلك الوقت ! مع أنّ الأمرَ ليسَ كذلك، إذ إنّ الوقتَ واسعٌ بِحمد الله تبارك وتعالى، وقد نَتكلّم عليه في وقت آخر إن شاء الله تبارك وتعالى. أما بِالنسبة إلى هذا السؤال الذي تفضّلتُم بِطرحه فالجواب عليه: أنه لا يُشترَط أن تُصِيب تلك الحجارةُ التي يَرميها ذلك الشخص .. أن تُصِيب تلك الحجارةَ المنصوبة وإنما الشرط في الرمي أن تَدْخُل في ذلك الحوض، فإذا أصابت الحوض فإنّ الرمي بِذلك يُجزِي بِمشيئة الله تبارك وتعالى، إذ إنّ ذلك البناء حادِثٌ لم يَكن موجودًا مِن قبل وإنما هو دليلٌ على مكان الرمي، فإذا وقعت الحجارة في الحوض فإنّ ذلك مُجْزٍ بِحمد الله تبارك وتعالى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: هل يعني ذلك أنّ تلك الحجارة المنصوبة إنما وُضِعَت حتى لا يُصيب الحجاج بعضهم البعض وإلا فالأصل الحوض ؟ الجواب: على كل حال؛ الأصل هو الحوضُ .. تلك علامة .. الأصل في ذلك الموضِع، فإذا وصلت ذلك الموضِع فإنّ ذلك كافٍ؛ والله أعلم. السؤال: ما حكم غسل الحصى ؟ يعني هل الحصى يُغسَل أم لا يُغسَل ؟ الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: 1-منهم مَن قال بِمشروعية الغُسل. 2-ومنهم مَن لا يَرى ذلك. والقول الثاني-وهو قول مَن يَقول بِعدم المشروعية-هو القول الصحيح، لأنه لم يَأت حديثٌ يَدلّ على مشروعية ذلك بل دَلَّ فِعْلُ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه-على عدم المشروعية، إذ إنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-رَمَى مِن غَيْر أن يَقوم بِغسل ذلك، كما هو ثابتٌ في السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما دام الأمر كذلك فلا يَنبغي لنا أن نَقول بِمشروعية ذلك، لِعدم ثبوته .. هذا هو الذي أراه؛ والعلم عند الله. السؤال: الشكّ في عَدَدِ الـحَصَيَات التي تُرْمَى .. إذا شَكّ أنه رَمَى خمسا أو سِتا أو سبعا ؟ الجواب: ذلك لا يَخلو من أحد أمرين: إما أن يَأتيَه هذا الشك بعد أن انتهى مِن الرمي فإذا كان كذلك فإنه لا يَلتفِت إلى هذا الشك. أما إذا جاءَه ذلك وهو يَرمي .. لم يَدْرِ-مثلا-هل هذه الرمية هي الثالثة أو الرابعة: فإن لم يَتَرَجَّحَ لديه شيءٌ فإنه يَبني على الأقل .. إن شكّ هل هذه الثالثة أو الرابعة ؟ فإنه يَعتبِر أنّ تلك الرمية هي الثالثة، وإن شك بيْن الرابعة والخامسة فليَعتبِر أنها الرابعة، وهكذا. أما إذا ترجَّحَ لديه شيءٌ فإنه يَأخذ بِالراجِح، كما يَكون ذلك في عَدَدِ ركعات الصلاة، وهكذا يكونُ ذلك في عَدَدِ الأشواط عند الطواف بِالبيت؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: هل مِن رخصة لِلنساء في عدم الرمي نظرا لِلزحمة ؟ الجواب: إذا كنّ لا يستطعن على الرمي نعم لهن رخصة بل وللرجال رخصة .. مَن كان لا يستطيع على الرمي لمرض أو كبر سنّ أو ضعف أو ما شابه ذلك .. لا يستطيع على الرمي فإنه يُنِيب غيره وهو معذور بمشيئة الله تبارك وتعالى، أما مَن كان قادرا على الرمي سواء كان رجلا أو امرأة فإنه لا يُعذر مِن الرمي لأنه نُسُك مِن مناسِك الحج، وقد فرَّط الناس فيه كثيرا في الأزمنة المتأخرة .. نجد كثيرا مِن الناس حتى مِن الرجال الذين يستطيعون على الرمي يَتركون ذلك ويُنيبون غيرهم لأنّ الإنابة صارت أمرا عاديا وهذا مِمّا لا يَصح، فالمرأة إذا كانت مريضة أو كبيرة أو عاجزة بِأيّ عجز أو كانت في حالة حَمْل أو ما شابه ذلك .. الحاصل إذا كانت لا تستطيع على الرمي فإنها تُعذر ولْتُنِب غيرها، أما إذا كانت قادرة فلا تُعذَر مِن ذلك، وقولي: " قادرة " لا يشترط أن تكون قادرة في الوقت الفلاني فإذا كانت لا تقدر-مثلا-في صباح العاشِر فلتذهب في وقت العصر أو حتى بعد المغرب أو حتى بعد العشاء .. مَن كان يستطيع على الرمي في النهار لا يَنبغي له أن يُفرِّط في ذلك، أما مَن كان لا يستطيع على الرمي إلا في الليل فيجوز له ذلك وليس له أن ينيب غيره، وكذلك مَن لم يستطع على الرمي بعد الزوال في أيام التشريق(1) وقبل غروب الشمس فبإمكانه أن يرمي بعد غروب الشمس، ومن لم يستطع في ذلك اليوم فبإمكانه أن يرمي في اليوم الذي يليه، أما أن يتعذر ببعض الأعذار الواهية التي لا تخفى على الذي لا تخفى عليه خافية فذلك مما لا يصح وليخش عقوبة الله تبارك وتعالى. كثير مِن الناس تهاونوا بهذه الشعيرة ولكن-والحمد لله-انتبهتْ طائفة مِن الناس لِذلك لكن لا زالت طائفة تُعارِض بذلك بدعوى أنّ فلانا قد أفتى بكذا أو ما شابه ذلك، ونحن إذا جئنا إلى السنّة الصحيحة التي هي الفيْصل .. الفيْصل الكتاب والسنّة ولكنّ الكتاب أشار إلى هذه القضية والسنّة وضحت أيَّما إيضاح فإنها تَدلّ دلالة صريحة واضحة لا غموض فيها أنّ المرأة ترمي فهي تنادي بأعلى وتصرخ بأقوى حجّة أنّ نساء النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وغيرهن مِن نساء المسلمين قد رمين، وأما ما جاء في بعض الروايات ( ورمينا عن النساء ) فتلك رواية باطلة عاطلة فاسدة كاسدة معارضة لِلصحيح الثابت مِن سنّة النبي صلى الله عليه وسلم فهي مِن الضّعف مِن حيث الإسناد بمكان، أما مِن حيث المتن فباطلة لا يمكن التعويل عليها .. أحاديث تنادي-كما قلتُ-برمي النساء، وهكذا العلماء مِن عهد الصحابة إلى يومنا هذا يُصرّحون بهذا وهو أنّ المرأة عندما تكون قادرة على الرمي فلابد مِن أن ترمي هي نفسها؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. السؤال: لعل السائل يشير إلى أنه ليست المسألة مِن عدم القدرة المطلقة وإنما الضعف المركب في ذات المرأة ؟ الجواب: على كل حال؛ نحن شاهدنا كثيرا مِن النساء يرمين ومعنى ذلك أنّ ذلك مِن الأمور التي تستطيع عليها النساء، أما أن يَحتج بعض الناس-مثلا-بأنه قد أسقط امرأة أو ما شابه ذلك فقد يَحتج أيضا غيره ويقول إنّ طائفة مِن الرجال قد ماتوا في بعض السنوات فهل معنى ذلك أنّ الرجال لا يرمون ؟! لكن مِن الأمور التي يؤسف لها أنّ كثيرا مِن الناس يَظنّون أنّ الشيطان عند الجمرات والأمر بعكس ذلك إنما هذا أُقيم مِن أجل ذكر الله تبارك وتعالى .. الرمي كغيره مِن بقية المناسك وليس لأنّ هنالك شيطانا يُقيم في تلك المواطن ولذلك تَجِد كثيرا مِن الناس مِن الجهلة الأغمار يَذهبون وهم في أشدّ الغيْظ على الشيطان مِن أجل أن يرموه بِحسب زعمهم ولذلك تَجد الواحد: " رميت الشيطان " أو ما شابه ذلك، وهذا-على كل حال-كلام لا أساس له مِن الصحة .. هذه خرافة .. نعم الإنسان يغيظ الشيطان في كل عبادة مِن العبادات .. إذا صلى وإذا صام وإذا حج أو أتى بِأيّ ركن أو شرط مِن هذه العبادات أو مِن غيرها مِن طاعة الله هو يغيظ الشيطان لكن أن يغيظه في هذه فهذا كلام فارغ لا قيمة له .. على كل حال يذهبون بهذه النية ولذلك تَجِد الواحد مستعدّا لِلزحام أو ما شابه ذلك .. لو أتوا بِهذه المناسك على حسب ما هو مشروع لكان الأمر يسيرا بحمد الله. ثم إنّ كثيرا مِن الناس يذهب الواحد في الوقت الفلاني ولابد مِن أن يرمي في ذلك الوقت لكن لا بأس إذا ذهب في الوقت الفلاني ولم يَجد زحاما فليرم، وإذا وجد زحمة مِن الناس فليتأخّر ولو لمدة ساعة أو أكثر .. يَبحث عن مكان آمن وليجلس فيه هو ومن معه مِن الرجال والنساء وعندما يكون الأمر يسيرا بحمد الله-تبارك وتعالى-فلا بأس بذلك. بعض الناس يشوّشون ويقولون-مثلا-إنّ العالم الفلاني أو العالم الفلاني قد قالوا: " إنّ الرمي يكون بعد الزوال " وكأنّ هؤلاء العلماء يحصرون ذلك في تلك الساعة ولذلك هم يطلبون الرخصة بِأن يكون الرمي في وقت الضحى أو ما شابه ذلك .. على كل حال العالم لا يَملك بأن يَقول: يُرخص في كذا أو ما كذا أو في كذا .. إنما هو يعتمد على الدليل، فما دل الدليل عليه ذهب إليه وما دل الدليل على خلافه ذهب إليه .. نعم بعض الأحيان تكون هنالك احتياطات فالاحتياط إن لم تكن مشقة قد يأخذ به الإنسان وقد يتركه إن كانت هنالك مشقة بل قد يتركه الإنسان حتى لغير مشقة، أما هنا الأمر واضح .. النبي صلى الله عليه وسلم رمى في ذلك الوقت ولم يثبت عنه أنه رمى قبل ذلك ولا أنه أذن لأحد مِن أصحابه فكيف يمكن للإنسان أن يأذن بعد ذلك ؟! أما أن يبحث وينقِّر في الكتب حتى يَجد واحدا مِن العلماء زلّ وأخطأ في مسألة مِن المسائل وذهب إلى خلاف السنّة فهذا مِمّا لا ينبغي أن يُلتفت إليه بل يُلتمس العذر لِذلك العالِم ولا يُتابَع على خطئه .. هذا ما يقول به العلماء الربانيون، فالأمر-كما قلتُ-ليس محصورا في وقت الزوال فليرم الإنسان بعد زوال الشمس في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إلى غروب الشمس وفي اليوم الحادي والثاني عشر لأنّ الثالث عشر لا يمكن الرمي بعد غروب الشمس .. بإمكانه في الحادي عشر والثاني عشر أن يرمي في الليل إن لم يتمكن حتى أن يرمي في الليل فليرم في اليوم الثاني، وفي هذا مِن اليُسر والسهولة ما هو واضح .. هو أيسر مِن قول بعض العلماء الذين قالوا يمكن الرمي قبل الزوال ولكنه ينتهي بغروب الشمس .. هذا أيسر مِن ذلك بكثير، ثم إنّ العبادة يمكن أن تُقضى بعد وقتها ولكن لا يمكن أن تُقدّم عن وقتها إلا بدليل على أنني لا أقول إنّ ذلك مِن باب القضاء لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة بأن يؤخروا ولا يمكن أن يأذن لهم بالقضاء وإنما ذلك يكون أداء لكن لا ينبغي الترخص في الرمي في الليل أو في اليوم الثاني إلا عند وجود الحاجة. وهنا-أيضا-أريد أن أنبّه إلى أمر مهِم .. بعض الناس يظنون أنّ الزوال يكون بالساعة الثانية عشر، فهم يذهبون وينظرون إلى الساعة الثانية عشر عندما تصل الساعة إلى ذلك قاموا بالرمي يظنون أنّ ذلك وقت الرمي هكذا .. هذا خطأ .. نحن نشاهد في بلادنا هاهنا تزول الشمس ويحين وقت الظهر في بعض الأحيان قبل الساعة الثانية عشر وفي بعض الأحيان بعد الثانية عشر وفي بعض الأحيان قد يكون في الثانية عشر فإذن العبرة بزوال الشمس لا بالساعة الثانية عشر .. يأتينا بعض الناس في أيام الحج يقول: " أنا رميت في الساعة الثانية عشر " ويظن أنّ ذلك هو الوقت فإذن لا يمكن أن نقول ذلك يكون في الساعة الفلانية .. ذلك يختلف باختلاف الأوقات .. قد يكون في بعض الأشهر في الساعة الفلانية ويكون في بعض الأشهر في الساعة الفلانية بل في بعض الأيام في الساعة الفلانية وفي بعض الأيام في الساعة الفلانية. هذا وأدعو الله-تبارك وتعالى-أن يأخذ الناس بكتاب ربهم وبسنّة نبيهم .. أدعوهم جميعا للأخذ بكتاب ربهم وسنّة نبيهم في أمر الحج وفي غيره مِن أمور العبادات والمعاملات وفي غيرها مِمّا له علاقة بِشرع الله تبارك وتعالى؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق، وهو أعلم بكل شيء. الهامش: 1- باستثناء اليوم الثالث عشر كما سيأتي لاحقا. __________________ ثالثا : التحلل الأصغر والأكبر أولا : التحلل الأصغر *الحلق أو التقصير السؤال: الإحلال بِالتَقصِير أو الحلْق، كيف يَكون ؟ الجواب: الإحلال يَكون بِالحلق ويكون-كذلك-بِالتقصير، فالإنسان الـمُحْرِم بِالحج أو العُمرة أو بِهما مَعًا إما أن يُحِل بِحلْق رَأسِه كله أو بِتقصِير رأسِه كله، ولَيْسَ له أن يَأخُذَ مِن هنا ومِن هنَا، كما يَصنَع كثير مِن الناس يُقصِّر شيئا قليلا مِن الجهة الفلانية مِن رأسه ويُقصِّر شيئا آخر مِن الجِهة الفلانية وهكذا .. لا .. هَذا خَطأ مُخَالِف لِسنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. لابُد مِن أن يُقصِّر الرأس كُله، ولاَ شَك أنّ الأَفضل الحلْق بِنصِّ السنَّة الصحيحة الثَابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( رَحِمَ الله الـمُحَلّقين ) قِيل: " والـمُقصِّرِين ؟ " قال: ( رَحِمَ الله الـمُحَلّقين ) قِيل: " والـمُقصِّرِين ؟ يا رسول الله " قال: ( رَحِمَ الله الـمُحَلّقين ) قِيل: " والـمُقصِّرِين ؟ " قال: ( والـمُقصِّرِين ). وجاء في بَعْضِ الروايات: ( رَحِمَ الله الـمُحَلّقين ) قيل: " والـمُقصِّرِين ؟ " قال: ( والـمُقصِّرِين )؛ وقد سَمعْتُ عن بَعضِ الناس أنّه يَأخذُ بِالتَقْصير ويَقُول بِأنّ الفَضْلَ واحد بِدليل هذه الرواية ولا دَلالة في هَذه الرواية على ذَلك أبدًا، أوّلا أنّ رِواية الـمُسند جاءت في بَعْض النّسخ بِما ذكرناه(1) وجاءت في نسخة قَدِيمة بِلفظ: ( رَحِمَ الله الـمُحَلّقين ) قِيل: " والـمُقصِّرِين ؟ يا رسول الله " قال: ( رَحِمَ الله الـمُحَلّقين ) قِيل: " والـمُقصِّرِين ؟ " قال: ( والـمُقصِّرِين )، فالنُّسخة مُخْتَلِفة وليْس لأحد أن يَدّعي بِأنّ هذه النسخة التي قال: ( والـمُقصِّرِين ) في المرة الأولى بِأَنّها هي النّسخة الصحيحة بَل لعلّ الأُولى هي الصحيحة لأنها أقْرَبُ مَا تَكُونُ إلى بَقِيَة الروايات ثم هِي أقْدَمُ مِن هَذِه النُّسخة بِكثير .. هَذا علَى أنَّه حَتى عَلى الرّواية الأولى(2) يُمْكن أن نَقول بِتفْضِيل المحلِّقين، لأنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-خَصَّهُم أولاً بالذّكر فلما قِيل له: " والـمقصِّرِين ؟ "، قال بَعْدَ ذلك: ( والـمُقصِّرِين ) .. وعلى كل حال فالكُلُّ جَائِز بِنَصّ الكِتَابِ والسّنَّةِ الصحيحة الثابتة عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إلا أَنَّ الذِي فَعَلَه الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-هو الحلْق ثم-أيضًا-هو الذِي قَدّمه في الذِّكْر سواء قُلنا إنه قال: ( ... الـمُحَلّقين ) في المرة الأولى أو في الثانية أو في الثالثة إلا أنَّه بدأ أوّلا بِالـمُحَلّقين وما قال: ( والـمُقصِّرِين ) إلا بَعد أن ذُكِر له ذلك صلوات الله وسلامه عليه. هذا، وقد ذَكَرَ بعضُ أهل العِلْم أَنّ الأفضل أنْ يَجْمَع الإنسان بيْن الحلْق والتقصِير .. يُقَصِّر أوّلا ثُم يَقُوم بعد ذلك بِحلْق رأسِه، وهذا-في حقيقة الوَاقع-ليْس بِشيءٍ، لأنّ مَن قَصَّرَ رأسَه أوّلاً فَقد أَحَلَّ مِن حَجِّه أو من عُمرتِه أو مِنْهما مَعًا إذَا كَان قد قَرَنَ بَينهما وبعد ذَلك لم يُصَادِف ذلك التَحْلِيق مَحلا .. لم يُصَادِف مَحَلاً بعد ذلك فَهُو إن شاء أن يَحْلِق فَلْيَحْلِق ولاَ عَلاقَة لَه بِالإحلال وإن شاء أن يَتْرك فلْيَتْرُك، فَالـمُرَاد بِالحلْق الذي هو أَفْضَلُ مِن التّقْصير هو الذي لم يَسْبقه تَقْصِير وإلا مَن جَمَعَ بَيْنَهُما-أي مَن قَصَّرَ أوّلاً ثُم حَلَق-فهو في حَقيقة الوَاقِع قد أخذَ بِالتقصِير ولم يَأْتِ بِالحلْق؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. الهامش: 1- أي التي قال: ( والمقصرين ) في المرة الأولى أي الرواية التي جاء فيها: ( رَحِمَ الله الـمـُحَلّقين ) قيل: " والـمُقصِّرِين ؟ " قال: ( والـمُقصِّرِين )، مسند الإمام الربيع بن حبيب، حديث رقم: 444. 2- أي التي قال: ( والمقصرين ) في المرة الأولى أي الرواية التي جاء فيها: ( رَحِمَ الله الـمـُحَلّقين ) قيل: " والـمُقصِّرِين ؟ " قال: ( والـمُقصِّرِين ). __________________ الهدي السؤال: هناك مَسْلَخ يُوجَد خارجَ مِنى، هل يَصِحّ لِلحاج أن يَهدِي فيه ؟ الجواب: نعم، الهدْيُ يَجوز في مِنى وفي مَكّة بل في الحرَم كلِّه على مذهبِ جمهورِ العلماء كما نصّتْ على ذلك السنّة .. نصّت السنّة على جوازِ ذلك في مِنى وفي مكة، وسائرُ الحرَم تابِعٌ لَهما؛ والله أعلم. السؤال: رجل فَقَدَ نقودَه فلم يَستطِع الهدْي، فماذا يَصنع ؟ الجواب: قد جَعَلَ الله سبحانه وتعالى لِذلك بَدلاً وهو أن يَصوم ثلاثةَ أيام في الحج وسبعةَ أيام بعد رجوعه فتلك عشرة كاملة .. جاء ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى(1) ، فمَن فَقَدَ نقودَه ولم يَجِد شيئا لِلهدي فلْيَصُم في الحج ثلاثةَ أيام .. قالوا: إما أن يَصوم السابع والثامن والتاسع وإما أن يَصوم السادس والسابع والثامن. وأقول: لا يَنبغي لِلإنسان أن يَصوم اليوم التاسع، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان مُفْطِرًا، ومِن المعلوم أنّ الصيام يُؤَثِّرُ ويَشُقُّ على الإنسان ولاسيما إذا كان ذلك في الـحَرِّ الشديد فيَبقى في وقت العصر مُنْهَكًا مُتْعَبًا لا يَستطيع أن يَدعو بِحسب ما يُحِب، فلماذا يَصوم في هذا اليوم ؟! فإذن إما أن يَصوم السادس والسابع والثامن على رأي طائفة مِن أهل العلم، والذي يُؤخَذ مِن بعض الروايات الصحيحة أنّ الصحابة-رضي الله تبارك وتعالى عنهم-كانوا يَصومون في أيام التشريق(2) .. في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر .. هكذا جاء في بعض الروايات الصحيحة المروية عنهم، وذلك يَدلّ على مشروعية الصيام في هذه الأيام(3) ، خلافا لِما ذَهب إليه كثير مِن أهل العلم مِن أنه لا يُصام في هذه الأيام نَظرا لِلنهي الوارِد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام فيها ولكن-في حقيقة الواقع-ذلك النهي عام وهذه الرواية خاصّة، لأنّ ذلك(4) فيما يَظهر كان يَقَعُ منهم في عهْد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا تعارَض دليلان أحدهما عام والآخر خاص فإنّ الخاص يَقضي على العام فيُقدَّم عليه كما هو مذهب جمهور الأمّة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. أما إذا كان هذا الرجل غنيا في بلده واقترض مِن بعض الأشخاص الذين معه فلا بأس عليه بِأن يَقترِض إذا كان لا مشقّة عليه، أما إذا كان لا يَجِد الوفاء أو يَخشى مِن عدم وجود شيءٍ مِن الدراهم يَقوم بِقضائها لأصحابه مثلا أو لا يُوجَد عند أصحابه أو ما شابه ذلك-فكما ذكرتُ-أنّ الله-تعالى-قد جَعَلَ لنا بَدلاً وهذا مِن باب اليُسْر والحمد لله تبارك وتعالى: ( يَسِّروا ولا تُنَفِّروا )؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. الهامش: 1- قال الله تعالى: { ... فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... } [ سورة البقرة، من الآية: 196 ]. 2- أي بالنسبة لِمَن لم يَجد الهدي. 3- أي بالنسبة لِمَن لم يَجد الهدي. 4- أي الصيام في أيام التشريق ( أي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ) بالنسبة لِمَن لم يَجد الهدي. __________________ ثالثا: طواف الإفاضة السؤال: بالنسبة لطواف الإفاضة، هل يَصحّ أن يُؤجَّل إلى طواف الوداع ؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم طاف في النهار على الصحيح، وما جاء مِن أنه طاف بالليل فخطأٌ لا يَصح، ولعلّ الراوي تَوَهَّم ذلك مِن طوافِه صلى الله عليه وسلم لِلوداع فإنه طافه قَبْل صلاة الفجر على الصحيح، ومَن كانت لديه القدرة فيَنبغي له أن يَقتِدي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومَن لم يَستطِع لِمَرض أو ما شابه ذلك فيُمْكن أن يُؤَخِّر ذلك إلى اليوم الذي يُريد أن يَخرُج فيه إلى بلده وليَطُف في ذلك اليوم طواف الإفاضة وذلك يُجزِيه عن طواف الوداع بِشرط أن يكون آخر الأعمال .. نعم يُمكن أن يُرَخَّص له أن يَأتي بَعْده بالسعي إن كان لم يَسْعَ مِن قَبْل، أما إذا كان قد سعى مِن قبل فلا يَسْعَ، إذ إنّ السعي لا يُشْرع إلا للعُمرة والحج، ويمكن أن يكون الإنسان قد سعى مِن قبل في حالتين .. في حالة الإفراد والقِران، أما في حالة التمتُّع فالمتمتِّع لابد أن يَسْعى مرتين .. بعد طواف العُمرة وبعد طواف الحج .. هذا هو مذهب الجمهور، وهو الذي دَلّت عليه السنّة، خلافا لابن تيمية ومَن سار على نهجه مِن أنه يُجزيه سعي واحد، فهذا مخالِف للسنّة. __________________ سابعا :أعمال أيام التشريق ( 11,12,13من ذي الحجة ) السؤال: ما حكم المَقِيل بِمكّة أيام مِنى ؟ الجواب: إنّ الثابتَ في سنّة رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أنّ رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-خَرَجَ مِن مكّة المكرّمة في اليوم الثامن مِن شهر ذي الحجّة إلى مِنى وصَلَّى بِها الظهر والعصر والمغرب والعِشاء والفجر، ثم بعد ذلك ذَهَبَ إلى عرفة .. صَلَّى أوَّلاً الظهر والعصر جَمْعا بِنَمِرَة ثم ذَهَبَ إلى عَرفة، ثم خَرَجَ منها بعد غروب الشمس ودخول الليل وباتَ بِالمزدلفة، ثم بَعد أن صَلَّى الفجر ودَعَا خَرَجَ منها إلى مِنى ورَمَى جَمْرة العَقَبَة وذَبَح، ثم ذَهَبَ إلى مكّة المكرَمة وطاف بِها ولم يَسْعَ لأنه قد سَعَى مِن قبل وسَعْيُه ذلك كان كافيا له لأنه كان قَارِنا بيْن حَجِّه وعُمرته صلوات الله وسلامه عليه، وقد جاء في بعض الروايات أنه صَلَّى الظهر بِمكّة ثم ذهب إلى مِنى، وجاء في بعض الروايات أنه صَلَّى الظهر بِمِنى، وقد اختلف العلماء في هاتين الروايتين: منهم مَن صَحَّحَ روايةَ الصلاة بِمِنى. ومنهم مَن عَكَسَ ذلك، كما ذكرتُ ذلك في " الطوفان "(1) ، فمَن شاء ذلك فلْيَرْجِع إليه. ويُمكِن أن تكون الروايتان صحيحتين معا ويُجمع بينهما بِأنه صَلَّى الظهر بِمكّة ثم صَلَّى بِأصحابه نَفْلاً وصَلّوا خلْفه فريضة ويكون الخطأ قد وَقَعَ في قول الراوي: " فريضة " وإلا فإنه قد صَلَّى في الموضعين معا إلا أنه صَلَّى بِمِنى نافلة فتكون كل واحدة مِن الروايتين صحيحة بِاستثناء كلمة: " الظهر " فإنها لا تَصح، وهذا له احتمالٌ قوي، وقد جاءت أدلّة متعدِّدة تَدلّ على مشروعية إمامةِ المتنفّل بِالمفترِض. وفي هذا دلالةٌ واضحة أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لم يَبْقَ بِمكّة في هذه الأيام بل رَجَعَ إلى مِنى مباشَرة. فما يَذْكُرُه كثير مِن الفقهاء مِن أنّ الإنسان له أن يَبقى بِمكّة المكرّمة وأنه لا بأس بذلك .. نقول: هذا الأمر مُخالِف لِسنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إذ إنه بِمجرّد انتهائِه مِن طوافِه صلوات الله وسلامه عليه-وصلاةِ الظهر على تقدير ثبوتِ هذه الرواية-ذَهَبَ إلى مِنى مباشَرة فمِن أَيْنَ يُمكِن أن يُقال: " إنّ السنّة تَدلّ على أنه لا بأس مِن البقاء بِمكّة " مع فِعْلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه ؟! فينبغي لِلإنسان عندما يَنتهي مِن طواف الإفاضة أو السعي إذا كان عليه السعي أن يَذهب إلى مِنى مباشَرة سواءً كان ذلك في الليل أو في النهار .. هذا هو الذي دَلّت عليه السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتًا لا شك فيه. ولا عِبرة بِرأي مَن خالَف ذلك، فإنّ العبرةَ بِالسنّة في مثل هذه الأمور، كما هو معلوم. هذا وما جاء في بعض الروايات مِن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم طاف ليلا أو أنه كان يَذهب في ليالي مِنى ويَطوف بِالبيت فإنّ تلك الروايات لا تَثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي مِن النكَارة بِمكان. فإذن السنّة البقاء في مِنى في هذه الأيام سواءً كان ذلك في الليل أو في النهار بِاستثناء أداءِ الطواف والسعي لِمَن عليه سعي؛ والله أعلم. السؤال: ربما يُريد أن يُعِيد تلك المسألة التي ذكرتُموها في حلقةٍ ماضية(2) .. مسألة رمي الجمرات .. هل يُشتَرط أن تُصِيبَ العَمود أم يَكفي أن تَقَع على الحَوض ؟ الجواب: لا يُشتَرط، لأنَّ ذلك العَمُود حَادِث .. أي لم يَكُن في بِداية الأمر .. أي في عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وقد اخْتَلَف العلماء هل كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ ذهب بعضهم إلى أنه كان مَوْجودا في عهدِه صلوات الله وسلامه عليه، واستَشهَدوا على ذلك بِبَيْتٍ مروي عن أبي طالب عَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم . وذهب بَعضُهُم إلى أنه لم يَكُن مَوْجُودًا. و-على كل حال-سواءً كان موْجودا أو لم يَكن موْجودا فإنّ الـمَشرُوع أن يَرمِيَ الإنسان في الحوض، ولاَ يُشْتَرط بِأن يَكون ذلك في ذلك العَمُود الشاخِص؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: رجلٌ أخذ وكالة مِن جماعة مِن الحجاج في رمي الجِمار وأخذ منهم الحصى ثم رماها في الشارع ولم يَرْمِ الجمرات ولم يُخْبِرهم وهم عاجزون عن الرمي، فما الحكم ؟ الجواب: العياذ بِالله-تبارك وتعالى-مِمّا فَعَلَه هذا الشخص .. لقد وَقَعَ في معصيةٍ مِن معاصي الله تبارك وتعالى، وعليه أن يَتوب إلى الله-تبارك وتعالى-مِمّا وَقَعَ فيه وأن يُخْبِر أولئك الأشخاص الذين أنابوه وَوَثِقُوا بِه وظنّوا أنه سَيُؤَدِّي عنهم ما فَرَضَه الله-تبارك وتعالى-عليهم، وبعد ذلك عليهم أن يَسألوا عن هذه المسألة التي وَقَعُوا فيها، لأنهم-في حقيقة الواقع-لم يَأْتُوا بِما شَرَعَه الله-تبارك وتعالى-مِن الرمي، فلابد مِن أن يُحكَم عليهم بِالدم، ولكن بَقي مَن هو الذي يَتحمَّل ذلك ؟ في هذه المسألة لابد مِن أن يُنْظَر إليها، وإن حَاكَمُوا هذا الشخص فلهم أن يُحاكِمُوه في ذلك. السؤال: والِدِي توفَّاه الله وأُرِيد أن أَحُجّ عنه وكما تَعلَمون عندَ رَمْيِ الجمار تَكون زحْمَة كبِيرَة، هل لِي أن أُؤَجِّرَ لِرَمْيِ الجمار ؟ مع العلم أنَّني أَدَّيْتُ الحج عن نفسِي. الجواب: إن كان هَذَا الشخص يَستطِيع أن يَقوم بِالرَّمي هو نفسُه فلابُد مِن أن يَرمِي هو نفسه، وليس لَه أن يَستَنِيبَ غيْرَه سواء كان ذلك بِالأجرَة أو بِالتَّعاون مِن بعضِ أهلِ الخيْر، أمَّا إذا كان لا يَقْوَى على ذلك فنَعَم لَه إمَّا أن يَطلب مِن غيْرِه مِن أهلِ الخيْر بِأن يَتَعَاوَنَ معه ويَقوم بِالرَّمي عنه بِشرط أن يَكون حاجّا في تلك السَّنَة، وإمَّا أن يُؤجِّرَ غيْرَه-أيضا-بِشرْطِ أن يَكون حاجّا في تلك السنة. ولكن يَنبغِي أن يُنْتَبَه إلى أنَّ كثيرا مِن الناس يَظنُّون أنه لابد مِن الرَّمي في وقتٍ مُحَدَّد ضيِّق جِدا فإذا لَم يَستطِيعوا الرَّمي في ذلك الوقت أنابوا غيْرَهم، وليس الأمْرُ كذلك، أنا ذكرتُ بِالأمس أنّ الرَّمي في أيامِ التَّشْريق-أي في اليومِ الحادِي عشر والثاني عشر والثالث عشر لِمَن تَأَخَّر-يَبدَأ بِمُنْتصَف النهار، وليس لأحد أن يَرمِي قبلَ ذلك، وهو يَمْتَد إلى غروبِ الشمس، وإذَا لَم يَستطِع الإنسان أن يَرمِي في ذلك الوَقت-لِلمشقَّة مثلا-فإنَّه لَه أن يَرمِي حتى في الليل بَل يُمكِن لَه أن يَرمِي عن اليومِ الحادِي عشر في اليومِ الثاني عشر أو في الثالث عشر، وهذه-طبعا-رُخْصَة لِمَن لَم يَسْتَطِع، أمَّا مَن استطاع فلا ينبغِي لَه أن يُؤخِّر، وهذا بِحمدِ الله-تبارك وتعالى-فيه مِن اليُسْر ما لا يَخفى، أمَّا إذا كان لا يَستطِيع ذلك فلا، فَليَنْتبه الناس لِهذه القضايا، وأنَّه ليس لَهم أن يَستنِيبوا إلا عندَ عدمِ القدرة، فإن لَم يستطيعوا-كما قلتُ-فيما بيْن منتصف النهار وغروبِ الشمس فلَهم أن يَرموا حتى بِالليل ولَهم حتى في اليومِ الذي يَلِيه بِشرْطِ أن يَكون ذلك قبلَ غروبِ الشمس مِن اليومِ الثالِث عشر، وهذا لَه دَلِيلٌ واضِح-ذكرتُه بِالأمْس-وهو حديثٌ صحِيح ثابِت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمَّا رَميُ اليومِ العاشِر فهو مِن طلوعِ الشمس إلى مُنْتَصَفِ النهار عندَ بعضِ أهلِ العلم، وإلى غروبِ الشمسِ عندَ طائفةٍ أخرى، ومع ذلك مَن لَم يَتَمَكَّن فبِإمكانِه أن يَرمِي حتى في الليل بَل وحتى في اليومِ الحادِي عشر إلى آخِر ما ذكرتُه في الجوابِ السابق .. أي يُمكِن أن يَكون في الثانِي عشر أو في الثالِث عشر بِشرْطِ أن يَكون قبلَ غروبِ الشمسِ مِن اليومِ الثالِث عشر، بل بعضُ العلماء قال: " إنَّ الرَّميَ في اليومِ العاشِر في حقِّ العَجَزة مِن النِّساءِ والأطفالِ والمرضى يَبدَأ بِطُلُوعِ الفجْر مِن اليَومِ العاشِر "، وذلك ليسَ بِبعِيد وإن كانتْ المسألةُ بِحاجة إلى شيءٍ مِن النَّظر، لأنّ الأحادِيثَ فيها مُتَعَارِضة. أمَّا بِالنِّسبةِ إلى أيامِ التَّشرِيق فلا يُوجَد حدِيث ثابِت أبَدًا يَدُلُّ على جوازِ الرميِ قبلَ منتصفِ النهار، وَمَن رَمَى قبلَ ذلك فعليه التَّوبَة إلى الله-تبارك وتعالى-وإذا كان الوَقتُ باقِيا فعليه أن يُعِيدَ ذلك؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: في اليوم الحادي عشر ذهب رجلٌ لِرَمي الـجَمَرَات وعند وصوله رَمى الـجَمْرَة الأولى وذهب لِرَمي الـجَمْرَتَيْن الوسطى والكبرى ومِن شدّة الزحام في ذلك اليوم لم يَنتبِه إلى الـجَمْرَة الوسطى وسَها عن رَميِها حتى وَصَلَ إلى الـجَمْرَة الأخيرة ورَماها وعند عَودتِه بِالطريق شَكّ في نفسِه أنه لم يَرْمِ الـجَمْرَة الوسطى وبَقي على شَكِّه حتى اليوم التالي-الثاني عشر-وعند عَودتِه لِلرمي في هذا اليوم وَصَلَ تلك الـجَمْرَة ورَماها بِسبعِ حَصَيَات عن شَكِّه لِليوم الأول وذلك في اليوم الثاني عشر، فهل تَصرُّفه هذا يُجزِي أم ماذا يَكون عليه ؟ الجواب: هل رماها في اليوم الثاني عشر مرتين .. عن الحادي عشر وعن الثاني عشر ؟ السؤال: الظاهِر مِن كلامِه هكذا. الجواب: إذا كان قد رماها فلا شيءَ عليه على مذهب كثير مِن أهل العلم. أما مَن يَشترِط الترتيب في هذه القضية فلابد مِن أن يَرمِيَ الوُسطى ثم يُعيد رَمْيَ الكبرى عن اليوم الحادي عشر ويَرمي بعد ذلك(3) عن اليوم الثاني عشر. وأما مَن لا يَشترِط الترتيب فإنه لا بأس عليه لِهذا الفعل. هذا ونظرا إلى أنّ الوقتَ قد مَضى فإذا تَرَخَّصَ بِتلك الرخصة التي قال بها مَن قال مِن أهل العلم فلا حرج عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. __________________ السؤال: ذُكِر عَنْكم أنكم شَدَّدتُم في مسألةِ رَمي المرأة لِلجَمَرَات فطَالَبْتُم المرأةَ أن تَرميَ بِنَفسها وألاّ تُنيب غيرها ما دامتْ قَادرةً على ذلك فالبعضُ يَقُول: " في ذلك شيءٌ مِن التشْديد " فَنُريد أن تُوضِّحَ هذا الأَمر حتى يَفهم الجميع المراد. الجواب: هذا لَيس مِن التَشديد في شيء .. أنا قلتُ في كثير مِن الدروس وقُلتُ ذلك-أيضا-في هذه الليلة: إنّ الإنسان مُطَالَب بِأن يَعمَل بِما في كتابِ الله-تبارك وتعالى-وفي سنّة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-التي صَحَّتْ وثَبَتَتْ عنه صلوات الله وسلامه عليه. ومِن المعلوم أنه لم يَأتِ في كتاب الله-تبارك وتعالى-ذِكْرٌ لِهذه القضية .. أَعني لِرمي الـمَرأة أو لِعدم رَميها، وأما بِالنسبة إلى السنّة فإنّ السنّة الصحيحة الثابتة قد نَصَّتْ نَصًّا صرِيحا ونَادَتْ بِأَعْلى صوتٍ على أنّ المرأة تَرمي، وهذا مَشهور في كتب الصِّحاح والسُّنن والـمَسانِيد والـمَعَاجم والـمَشْيَخَات والأجزاء وفي غيرها مِن الكتُب التي أَلَّفها العلماء في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثم إنّ مَن اسْتَقْرَأَ كُتبَ أهل العلم مِن كَافّة الـمَذاهب الإسلامية فإنه يَجِدُ أَن أولئك العلماء قد نَصُّوا على أنّ المرأة تَرْمِي، ومِنهم مَن لم يَذْكُر المسألة رأسًا وإنما ذَكَر أَنّ الإنسَان .. يَعني لم يَذْكُر التَنْصِيص على المرأة وَإِنّما ذَكَر الحُكم العام، وهو أنّ مَن كان قَادِرًا على الرمي فإنه ليْس له أن يُنِيبَ غيره، وهذا أمرٌ مَعروفٌ عند علماء المسلمين قاطبة. فالـمَرأة إن كانت تَسْتَطيع أن تَرمي فلابد مِن الرمي، وذلك لأنّ الرّمي شَعِيرَة مِن شَعَائر الحج كغيرها مِن بقية شعائر الحج، ومِن المعلوم أنّ المرأة تَخْتَلط بِالرجال في الطواف وفي السعي، وذلك-كذلك-يَكون-أيضا-في الرمي، فإن كانت المرأة تَستطيع أن تَرمي في وقتٍ مِن أَوْقات الرّمي الـمَعْروفة-وسأنَبِّه على ذلك بعد قليل بِمشيئة الله تبارك وتعالى-فلابد مِن ذلك، أَمّا إذا كانت لا تَستطيع فهي مَعْذُورة بِمشيئة الله بل كُلُّ مَن لم يَستَطع أن يَرْمي وَلَو كان رجُلاً إذا كان لا يَستطيع ذلك بِسبب كِبَر السِّن أو بسبب الـمَرض أو الضَّعف، أو كانت المرأة في حالة حَمْل أو ما شابه فإنها مَعْذُورَة، وإنما الكلام في القَادِر. كثير مِن الناس عندما يَسْمَعُون كلاماً لأهل العلم أو يَجِدون ذلك في شيء مِنَ الكتب أو ما شابه ذَلك لاَ يَفْقَهُون ذلك. عِنْدمَا يَسمَعون مثل هذه الفتوى يَظُنُّونَ أنّ كُلَّ امرأة سَوَاء كانت قَادِرَةً أو ليست بِقادِرةٍ لابد مِن أن تَذهب إلى الرّمْي، وهذا-طبعًا-لم يَقُل بِه أحدٌ لا في حقِّ الـمَرأة ولا في حقِّ الرجُل، إنما العلماء اختلفوا فيمَنْ لم يَسْتَطِع هل له أن يُنِيبَ غَيْرَهُ-أو أنه يَسْقُط عنه ذلك، وهو قولٌ ضعيفٌ جدا-أو أنّه يُطَالَبُ بِالدَّم ؟ 1-مِنْهم مَنْ قَال: مَن لم يَسْتطِع أن يَرْمِيَ سَوَاءً كان رجلا أو امرأة بِسبب مرضٍ أو ضعف أو ما شابه ذلك مِن الأعْذَار فإنه يُنِيبُ غيْرَه، وهذا هو الـمَشْهُور عند أئمَة الـمَذاهب. 2-ومنهم مَنْ قال: إنه يَسْقط عنه، وهو قول ضَعيف جدا. 3-ومنهم مَنْ قال: عليه دم .. أي عليه أن يَذْبح دمًا لِفقراء الحَرَم. والقول الأوَّل-وهو: أنه يُؤْمَر بِأن يُنِيبُ غَيْرَه-هو القَول الـمَشهور الصحيح، فمَن لم يَستَطعْ فهذا حُكمُه، أمّا مَن استطاع-سواء كان رجلا أو امرأة-فلابد له مِن أن يَرمي. والذي أَظُنُّه أنّ كثيرا مِن الناس استثْقلوا هذا بسبب هذا. ومِنْهم مَن استثقل ذلك بسبب أنه وَجَدَ كثيرا مِن الناس يُرَخِّصُون لِلنساء في عَدَم الرَّمْي في الـمَاضي، ولا أقول: " إنّ العلماء رَخّصوا في ذلك "، وإنَّما فَعل ذلك مَن فَعَلَه مِن الناس وقد يكون سَكَتَ بعضُ العلماء عن ذلك ظنّا منهم أنّ بعض النّساء لا يَستطِعن على الرّمي أو ما شابه ذلك مِن الأسباب كَما وَقَعَ مثل ذلك في غير هذه المسألة، وبِسَبب ذلك استَثْقَل ذلك مَن اسْتَثقَل ذلك مِن الناس. ومِن الـمَعْلُوم أنّ الشيءَ إذا كان مخالِفا لِـمَا شاهَدَهُ العَوَام فإنَّهم يَرَوْنَهُ أمْرا عظيما، بل نَحْن نَجِد أنّ كثيرا مِن الصحابة قد استَعْظَمُوا بعضَ الأمور مع أنَّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قد أَمَرَهم بِذلك، فعندما جَاءَ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إلى مَكّة المكرّمة في حجّة الوداع وأَمَرَ أصحابَه-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-بِالإحْلاَلِ بعد الطواف والسعي لِمَن لم يَكن سَائقًا لِلهدي مِنهم .. استثقل ذَلك كثير مِن الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، وقالوا: " أَنَذْهَبُ إلى عَرَفة ومَذَاكِيرُنا تَقْطُرُ الـمَنِي "، مَن هو الذي أمرهم بذلك ؟! هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. أَعْلمُ الناس وأتْقاهم .. وكذلك عندما أَمَرَ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أصحابَه بِالإِحْلاَلِ في عُمرة الـحُديبية اسْتَثْقَلَ ذَلك كَثرةٌ كَاثِرَة مِن الصحابة، وأَمَرَهم النبي صلى الله عليه وسلم بِالإحلال فلم يَفعلوا حتى غَضِب النبي صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ الغضب ولم يَفعلوا ذلك إلا بَعدما أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بِنَحْر هَدْيِه وحَلْق رأسه. فالسببُ إذا لم يَكُن الشّيء مَأْلُوفا مع الناس فإنَّه لابد مِن أَن يَسْتَثْقِلُوا ذَلك، ولكن الإنسان يَنْبَغي له أن يَجعل نصْبَ عَينيه كتاب الله-تبارك وتعالى-وسنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما دَلّ الدليل عليه هو الذي يَجِب عليه أن يَعمل بِمُقْتضاه. وقد أحسن الإمام العلاّمة سعيد بن خلفان الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-عِنْدما سأله بعضُ السائلين عن مسألةٍ خَالَفَ فيها هذا الإمام-رحمه الله-مَن سَبَقَه مِن أهل العلم .. قال له هَذا الإمام: " ومِن العَجَب أن أَنُصَّ لك عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وأنْتَ تُعَارِضُنِي بِعلماء بَيْضَةِ الإسلام مِنْ غيْر دليل ولا وَاضِح سبيل .. أَلَيْسَ هذا في العيَان نَوْعا مِن الـهَذيان ". والإمام الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-قال في مسألةٍ خَالَف فيها بعضُ أهل العلم حَدِيثًا ثَابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الإمام في الرَّد على ذلك: " وَقَولٌ بِخلاف الحديث يُضرَب بِه عرْض الحَائط ". والإمام السالمي-رحمه الله-عندما وَجَدَ بعضَ العلماء خَالَف حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المصطفى يَعتبِر الأوصاف ***** ونحن نَحكي بعدَه خِلافا لا نَقبَل الخلافَ فيما وَرَدَ ***** فيه عن المختار نصّ أُسْنِدَ ولِهَؤُلاء الأَئمَّة ولِغيْرهم كلامٌ طويل كثير في هذه القَضية، لا دَاعي لِلإطالة به. ومِنْ جُمْلة الأسباب أنّ كَثِيرًا مِن الناس يَظُنُّونَ أَنّ وقْتَ الرّمْي مَحْصور في وقتٍ مُحَدّد، ولِذَلك يَطْلُبون الرّخصة في الرمي قَبل زَوَال الشمس في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لِمَن بقي بِمِنى .. يَظُنون أنّ الوَقت مُنْحَصِر في وقتٍ مُحدّد وهو عند زَوَال الشمس وبَعد ذلك بِقليل أو إلى غُروب الشمس، ونَحْن نَقُول: إنّ الوقتَ المتّفَق عليه بيْن أهل العلم هو: أن يَكون وقت الرّمي في الأيام الثلاثة الـمَذكورة(4) مِن زوال الشمس إلى غروبها ولكن مَن شَقّ عليه ذَلك-سواء كان رجُلا أو امرأة-فإنه يُرَخّصُ له أن يَرْمِيَ حَتى في الليل بل يُرَخّصُ له فيما هو أَبْعَد مِن ذلك .. يُمكِن أن يَرمي عن اليَوْم الحادي عشر في الثاني عشر وعَنْه وعن الثاني عشر في الثالث عشر بِشرْط أن يَكُون ذلك قَبْل غُروبِ الشمس مِن اليوم الثالث عشر، وذلك لأنّ السنّة قد نَصّتْ على أَنّ حُكْمَ أيّام التشريق في الرّمي شيءٌ واحد، فقد روى الإمام مالك والشافعي وأحمد والنسائي في " الصغرى " وفي " الكبرى " وأبو داوود والترمذي والدارمي وابن ماجة وابن خزيْمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقي في " السنن الكبرى " والبُخاري في " التاريخ الكبير " وأبو يَعْلى في مُسنَدِه والطبراني في " الكبير " ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" والجوهري في " مُسْند الموطإ " وابن وَهْب في " الـمُوطإ " و-كذلك-يَحيي بن عبد الوهاب بن مَنْدَه في " جزء مَن عاش مئة وعشرين سنة مِن الصحابة " وابن عبد البر في " التمهيد " والبغوي في " شرح السنّة " وجماعة مِن أئمة الحديث أنّ رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-رخَّصَ لِلرُّعاة أن يَرْمُوا في اليَوم الثاني عشر عن اليوم الحادي عشر والثاني عشر .. أي أن يَرْموا في اليوم العاشِر ثم يَتْرُكوا الرمي في اليوم الحادي عشر ويَرْموا عنه وعن الثاني عشر في اليوم الثاني عشر، وفي ذلك حُجَّةٌ واضِحة ودليلٌ لا غُمُوض فيه بأنّ ذلك يُعدّ أَدَاءً، إذ لا يُمْكِنُ لِلنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أن يُرَخِّص لَهم أن يُؤَخِّروا الرَّمي عن وقته الـمُحدّد له شرْعا ثم بعد ذلك يَأتون به بَعْد خُرُوج الوقت .. كلاّ هذا مِمّا لا يُمكِن، بل ذَلك يَدلّ على أنّ ذلك الوقت كلَّه لِلأَدَاء فمَن لم يَستطِع أن يَرمي فيما بيْن زَوال الشمس وغروبها في الحادي عشر-مثلا-فَلْيرمِ في الثاني عشر، ومَن لم يَستطِع فلْيرْمِ في الثالث عشر عن الثلاثة كُلِّها(5) بِشرط أن يَكون ذلك قبل غُروب شمسِ الثالث عشر إن كان يُريد أن يَبقى الثالث عشر في مِنى. وكذلك مَن لم يَستطِع أن يَرمي في اليوم العاشر .. لم يَستطِع مِن طلوع الشمس إلى غروبها فلْيَرْمِ في الليل .. أي ليلةِ الحادي عشر. وهَكَذَا فالأمر فيه سعة بِحَمد الله تبارك وتعالى، فمَهْما كان الناس مِن الكثرة ولَكن الوقت فيه-أيضا-مِن الطول ما لا يَخْفى وإنَّما يُمنع الإنسان مِن أن يُقَدِّمَ العبادة على وقتها .. أي يُمْنَعُ مِن أن يَرمي في الحادي عشر قبل زَوال الشمس، وكذلك في الثاني عشر قبل زوال الشمس إذا كان ذلك عن اليوم الثاني عشر، وهكذا بالنسبة إلى الثالث عشر. أما بِالنسبة إلى العاشِر فالرمي مِن طُلُوع الشمس إلى غُرُوبِها ومَن لم يَسْتَطع فليَرْم حتى بعد ذلك وهذَا لِلأقوياء، أما بِالنسبة لِلضَّعفة والنساء فإنّ بَعضَ أهل العلم يُرخِّص أن يَكون ذلك بعد طُلوع الفجر مِن اليوم العاشِر، ورَخّص بَعضُهم حَتى قَبل ذلك .. أي أن يَكون ذلك بعد أن يَخرجوا عند غُروب القمر وأن يَرموا عندما يَصلون إلى مِنى، ولكنني لا أُحِبُّ التَرخّص لهم قبل طُلُوع الفجر، فإما أن يَتَرخَّصوا بِالرمي بعد طُلوع الفجر أو أن يَنتظِروا إلى طُلوع الشمس وهذا لا مَشَقَّة فيه بِحمد الله. والخُلاصة أنّ مَن يَستطيع أن يَرْمي هو نفسُه-سواء كان رجلا أو امرأة-فليس له أن يَأْمُر غيره بِأن يَرمِي عنه، ولَيْس لِغيره أن يَرْمي عنه ما دام يَعْلم أَنّ ذلك الشَّخص يَستطِيع أن يَرمي هو نفسُه، أمّا إذا كان لا يَستطيع فَلْيُنِبْ غَيْره. بَقِيَ يُمْكن أن تَقول امرأة: أريد أن أَخرُج في اليَوْم الثاني عشر قبل غروب الشمس ولا يُمْكن أن أبقى إلى الثالث عشر ولا أَستَطيع أن أَرْمِي، فهل لي أن أُنِيبَ غَيْرِي ؟ الجواب: نعم، لأَنَّها نَوَتْ أن تَخرُج قبل غروب الشمس، وذَلِك لَها، بِنَصّ كتاب الله وسنّة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وإجماع الأمّة، وما دام الأمر كذلك وهي لا تَسْتَطيع أن تَرْمي فَلْتَطْلُب مِنْ غيرها أن يَرمي عنها؛ والله أعلم. الهامش: 1- الجزء الثالث من كتاب " الطوفان الجارف لكتائب البغي والعدوان "، الطبعة الأولى ( 1420هـ-2000م )، ص337-339. 2- عند الجواب على السؤال 1 من حلقة 17 رمضان 1424هـ ( 12/11/2003م ). 3- أي الجمرات الثلاث كلها. 4- أي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. 5- أي أن يَرمي عن اليَوْم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. __________________ يتبع........ tjh,n hgp[ ggado sud] hgrk,fd hgp[ hgrk,fd sud] الموضوع الأصلي: فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي || الكاتب: عابر الفيافي || المصدر: منتديات نور الاستقامة
|
| رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||||||||||||
|
السؤال: ما قولكم في مَن تَرَكَ ركعتي الطواف في طواف الوداع ؟ الجواب: على كل حال؛ أخطأ هذا الشخص خطأً بَيِّنًا، فما كان يَنبغي له أن يَتْرُكَ ذلك فلْيُتُبْ إلى الله-تبارك وتعالى-ويَنبغي له أن يُصَلِّيَ الآن ركعتيْن فعسى الله-تبارك وتعالى-أن يَتجاوزَ عنه. السؤال: حاجٌّ تَرَكَ طوافَ الوداع، فماذا يَلزمه ؟ الجواب: ذلك لا يَخلو مِن أحد أمرين: 1-إما أن يَكون معذورا وذلك كالمرأة الحائض والنفساء: فإنّ الذي ذهبتْ إليه طائفة مِن أهل العلم أنّ الحائض معذورَة عن طواف الوداع، وهذا هو القول الصحيح، الذي تَدلّ عليه السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وإن كان بعضُ العلماء ذهب إلى أنه لابد مِن الدم على مثل هذه المرأة، ولكنّ هذا مُخالِف لِلحديث، فلعلّ ذلك العالِم لم يَطَّلِع على هذا الحديث، أو لعلّه اطَّلَعَ عليه-كما رأيتُه بالنسبة إلى بعضهم-وظَنَّ أنه لم يَثبُتْ لأنه على حسب نَظَرِهِ يُعارِض بعضَ الأحاديث الدالة على وجوب طواف الوداع، ونَحن نقول: إنه لا معارَضة بيْن الحديثيْن، لأنّ ذلك الحديث الدال على وجوب أو سنّية (1) طواف الوداع عام وهذا خاصّ والخاصّ يَقضي على العام، كما هو مقرَّر في أصول الفقه. فإذن الحائض معذورَة، بِنصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومثلُها في ذلك النفساء، وإنما الكلام في المريض فإن كان المريض يُمكِن أن يُؤَجِّر على نفسه بِأن يُحمَل فلابد مِن ذلك، وإن كان لا يَستطِيع ذلك: فبعض العلماء قالوا: عليه أن يَذبح دما ولا شيء عليه فوق ذلك. وبعض العلماء ذهبوا إلى أنه لا شيء عليه، وذلك لأنه في معنى الحائض، إذ إنه لا يَتمكَّن مِن الإتيان بِالطواف، فهو وإن كان يَصحُّ منه الطواف في ذلك الوقت لو كان قادِرا عليه بِخلاف الحائض إلا أنهما يَشترِكان في عدم القُدرة على الإتيان بِالطواف، وكما أنه بِإمكانِ الحائض أن تَتأخَّر حتى تُطْهُر كذلك بِإمكانِ المريضِ أن يَتأخَّر حتى يُشفى مِن مرضِه ولكنّ الشارِع قد رَخَّص لَها في ذلك فإذن يُرَخَّصُ لِهذا المريض على رأي هؤلاء، وهو رأيٌ مستقيم بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-إلا لِمَن شاء أن يَحتاط لِدينه. 2-وأما إذا كان هذا الشخص قادِرا على طواف الوداع ولم يَطف فإنه يُؤْمَر عند أكثر العلماء بِالتوبة إلى الله وبِأن يَذبَح دما لِفقراء مكّة المكرّمة شرّفها الله تبارك وتعالى. و-على كل حال-لابد مِن التوبةِ والدمُ هو مذهب جمهور الأمّة. أما بالنسبة إلى طواف الوداع لِلمعتمِر فإنّ العلماء قد اختلفوا فيه: فمنهم مَن ذهب إلى مشروعية ذلك، واستدلوا على ذلك بِفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأَمْرِه حيث إنه طاف لِلوداع في حجّة الوداع وأَمَرَ بذلك. ومِن العلماء مَن ذهب إلى خلاف ذلك وقالوا: إنه لا يُشرَع، لأنه لم يَثبتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم الأَمْرُ بِه في حالة العُمرة، وما جاء مِن الروايات في ذلك فإنها لا تَثبتُ عنه صلوات الله وسلامه عليه. ونَحن نُقِرُّ بِأنه لم يَثبتْ ذلك الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم لِضَعْف إِسنادِه-وبِأنه لم يَطُف طوافَ الوداع عندما جاء لِعُمرة القضاء .. أي التي قَاضَى عليها كفارَ قريش عندما مَنَعُوه مِن العُمرة التي أحَلَّ منها في الحديْبية،-وقلتُ: " قَاضَى " لأنّ بعضَ الناس يَقول: " إنه قضى بِها " وذلك لأنهم يَقولون: " كانت هذه قضاءً " وفي ذلك نظر، لأنّ كثيرا مِن أهل العلم يَقولون ليست هذه قضاءً، لأنّ تلك العُمرة التي أحلَّ منها كانت مُتَحَقِّقَةً، وبَحث ذلك في الدروس القادمة بِمشيئة الله تبارك وتعالى،-وكذلك بِالنسبة إلى عُمرة الجِعْرَانَة، فإنه لم يَثبتْ أنه طاف طواف الوداع ولا أنه أَمَرَ بِذلك مَن كان معه، وإن كان هذا ليس بِالصريح، لأنه صلوات الله وسلامه عليه جاء واعتمَر .. طاف وسعى وخَرَجَ بعد ذلك مباشَرة، ومهما كان فإنّ طوافَه لِلوداع في حجّة الوداع مُتأخِّر وكانوا يَأخذون بِآخر الأَمْرَيْن والأمرُ مُحتمِل والاحتياطُ في الدِّين مطلوب، فالأفضل لِلإنسان ألاّ يُفرِّط في طواف الوداع لِلعُمرة، ومَن ترك ذلك في الماضي فلا شيءَ عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والعلم عند الله تعالى. الهامش: 1- يُرجَع إلى الشيخ ليُبيِّن ما الذي قصَد قولَه في هذه المسألة. __________________ أحكام الحج والعمرة للمرأة *ما يتعلق بوجوب الحج والعمرة 1) أحكام متعلقة بشرط وجود المحرم السؤال: المرأةُ، هل يُشترَط لِسفرِها إلى الحج أن يَكون ذو مَحرمٍ معها ؟ الجواب: إنّ العلماء قد اختلَفوا في هذه المسألة: 1-ذهبت طائفةٌ كبِيرةٌ منهم إلى أنّ المرأةَ لابد مِن أن يُرافِقَها ذو مَحرمٍ منها إذا ذهبتْ إلى الحج. والزوجُ داخِلٌ في المحرَم كما ثبتَ ذلك في الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى تقدِيرِ عدمِ دخولِه فإنه مِمّا يُعلَم بِالضرورةِ أنه يَصِحّ لَها السفر معه، إذ إنه أوْلَى مِن بقيةِ المحارِم. 2-وذهبتْ طائفةٌ مِن أهلِ العلم إلى أنّ المرأةَ يَجوز لَها أن تَذهَبَ إلى الحجِّ مع جماعةٍ مِن أهلِ الصلاحِ معهم نساء، وقال بعضهم: " أن يَكونوا مِن أهل العلم " .. اشترَط أن يَكونُوا مِن أهلِ العلم. ومِن المعلوم أنّ الفيْصَل في هذه القضية كغيْرِها مِن بقيةِ القضايا الشرعِية هو الدليلُ الشرعِي، وقد ثَبَتَ-عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مِن طريقِ بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نَهى المرأةَ عن السفَر إلا مع ذِي مَحرَم منها، فهذا الحديثُ حديثٌ صحِيحٌ ثابِت وهو يَشمل أيّ نوعٍ مِن أنواعِ السفَر إلا ما استُثْنِي مِن أنّ المرأة تُسافِر مع غيْر ذِي الـمَحرَم إذا خشِيَتْ على دِينِها أو خافتْ على نفسِها، وذلك كما جاءَ عن بعضِ المهاجِرات أنهنّ هاجَرْنَ مع غيْرِ محارِمِهِنّ مِن مكّة المكرّمَة إلى المدينة المنوّرَة، أما ما عدا ذلك فلا ولاسيما أنّ الحديث قد جاء فيه أنّ رَجُلا ذَكَرَ لِلنبي صلى الله عليه وسلم عندَما سَمعَ هذا النهي أنه قد اكْتَتَبَ في غزوةِ كذا وأنّ زَوْجَه تُرِيدُ الحج فأَمَرَه النبي صلى الله عليه وسلم بِأن يخرج إلى الحج مع امرأتِه .. كما جاء ذلك في الحديث الصحيح. ولا شك بِأنّ القول بِأنّ المرأة ليس لَها أن تُسافِر إلى الحج أو العمرة إلا مع زوجٍ أو مَحرَمٍ منها هو القولُ القوي الذي يَنبغِي أن يعتمد عليه ولاسيما في هذا الزمان. فالمرأةُ إذا كانتْ لا تَجِدُ زوْجا أو مَحرَما منها فإنها تَتَأَخَّرُ عن الحج حتى يَمُنّ الله-تبارك وتعالى-عليها بِأن يُسافِرَ معها زوجُها-إن كان لَها زوج-أو ذو مَحرَمٍ منها، أما أن تُسافِرَ مع غيْرِ زوجِها أو مِن غيْرِ مَحارِمِها فإنّ ذلك مِمّا لا يَصِح على هذا القول الذي ذهبتْ إليه-كما قلتُ-طائفةٌ كبِيرَةٌ مِن أهلِ العلم، وهذا القول هو الذي أَعتَمِدُه، لِما رأيناه مِن المفاسِد التي تَترتّب على سفَرِ المرأةِ مع غيْرِ زوجِها أو مِن غيْرِ ذِي مَحارِمِها، حتى إذا لَم يَثبُتْ-مثلا-الحديث فكيف وهو حديثٌ صحِيحٌ ثابِت لا شك في ثبوتِه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإذن المرأةُ لا تُسافِر إلا مع زوجِها أو مَحرَمٍ منها مِن أقارِبِها سواء كان ذلك بِسببِ قرابَة منها-كما أشرتُ-أو بِسببٍ مُباح .. تَسافِر المرأة مع أبيها أو جدّها وإن علا ومع ابنها أو ابن ابنها أو ابن ابنتها وإن نَزَل وتُسافِر مع أخِيها وابن أخِيها وابن أختِها وإن نَزَلَ وتُسافِر مع عمِّها ومع خالِها، وكذلك تُسافِر مع مَن لَه علاقة بِها مِن الرضاع كالعلاقةِ التي ذكرناها مِن النسب لِما ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يَحرُم مِن الرضاع ما يَحرُم مِن النسب ) فهذا الحديثُ واضِح الدلالة على أنه يَحرُم مِن الرضاع ما يَحرُم مِن النسب فمَن كان كصفة من ذكرناه سابقا كان أبا لها من الرضاع أو جدا لها من الرضاع أو ابنا لها من الرضاع أو ابنا لابنها أو لابنتها من الرضاع أو أخا لها أو عما لها أو خالا لها أو كان أيضا ابنا لأخيها أو لأختها من الرضاع فإنهم يسافرون معها بشرط أن يكون ذلك الرضاع ثابتا، أما إذا كان مشكوكا فيه بأن-مثلا-أدخل ذلك الطفل ثدي تلك المرأة في فمه ولا يعلم هل مص منها أو لا فإن هذا من الأمور المشتبهات فمثل هذا لا يصافح تلك المرأة وأيضا ليس لها أن تسافر معه وهكذا بالنسبة إلى كل ما يتعلق بأحكام الرضاع، والرضاع لا يشترط فيه العدد كما ذهب إليه بعض أهل العلم بل الصحيح أنه إذا ثبت الرضاع ولو كان مرة واحدة فإنه يثبت به الحكم وذلك لظاهر القرآن ولظاهر الأحاديث الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وما جاء مخالفا لذلك فقد رددنا عليه بما فيه الكفاية بمشيئة الله-تبارك وتعالى-، وهكذا بالنسبة إذا كان هنالك سبب من الأسباب المباحة شرعا وذلك كأن تسافر المرأة مع من يحرم عليها بسبب مباح شرعا، تسافر المرأة-مثلا-مع أب زوجها أو جده سواء كان ذلك من جهة أبيه أو من جهة أمه وإن علا أو أن تسافر مع ابن زوجها أو ابن ابنه أو ابن بِنته وإن نزل أو أن تسافر كذلك مع زوج أمها أو زوج جدتها وإن علا وهكذا بالنسبة إلى زوج بِنتها وزوج بنت بنتها وإن نزل لكن يشترط بالنسبة إلى زوج الأم وزوج الجدة وإن علت الجدة .. يشترط فيه أن يكون قد دخل بالأم أو دخل بالجدة وهكذا بالنسبة أن لو علت الجدة، أما إذا كان مجرد عقد فإنه لا يكون بذلك محرما منها بخلاف زوج البنت أو بنت الابن أو بنت البنت فإنه بمجرد عقده عليها-على ابنتها-يكون محرما للأم ويكون محرما للجدة وهكذا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: ما مقدار السن بالنسبة للمحرَم إذا كان هذا المحرم ولدها ؟ الجواب: لابد أن يكون بالغا، وبعض العلماء يرخص إذا كان مناهزا للبلوغ بأن كان يدري بكل ما يدور حوله، أما إذا كان صبيا صغيرا أو ما شابه ذلك فهذا مما لا قيمة له .. الأصل أن يكون بالغا لكن في حالة الضرورة القصوى إذا كان مناهزا للبلوغ بقيت سنة أو ما شابه ذلك فبعض العلماء يرخص في ذلك، وهكذا بالنسبة إلى عقد النكاح فإن بعض العلماء يرخص إذا كان ذلك الصبي يعقل .. فإنه يرخص في أن يعقد على المرأة ولكنني لا أرى ذلك بل أقول إنه لابد من أن يكون بالغا .. نعم إذا كان مناهزا للبلوغ فهو يُرخص فيه على رأي بعضهم .. في حالة عقد النكاح ينبغي أن يأذن ذلك الصبي ولكن لابد من إذن غيره ممن هو أبعد منه أو من إذن الحاكم معه، أما ما يُرخص فيه بعض أهل العلم مما هو أقل من ذلك فلا نراه لأن العلة معلومة من هذا وليس مجرد أن يكون ذكرا وإنما أن يكون يعرف ما يدور حوله ويعرف ما يضُر تلك المرأة التي هو محرم منها وما ينفعها وما شابه ذلك، أما أن يكون مجرد ذكر فهذا مما لا ينبغي أن يعتمد عليه وإن قال به من قال، وفي الحقيقة-كما أشرت من قبل-مَن نظر إلى بعض المفاسد التي تقع وعلم بذلك فإنه لابد من أن يشدد في قضية الحج والعمرة مع غير الزوج ومع غير المحرم، ثم إن المرأة بحاجة إلى من يأخذ بيدها عندما تطوف وعندما تسعى ولاسيما في حالة الزحام، وقد سمعنا أن بعض النساء يمسكن في رجال أجانب منها وقد يمسك ذلك الأجنبي بيدها ويطوف بها وقد تنشأ بعد ذلك علاقات بينه وبينها لأنها ترى أنه قد صنع لها معروفا ولابد من أن تكافئه باتصال أو مكالمة أو ما شابه ذلك، وهذا-على كل حال-مما لا يصح .. نعم لو وقعت امرأة فلابد من أن يحملها الإنسان حتى تقوم على رجليها أما أن تتعمد المرأة أن تذهب مع أجنبي منها فهذا مما لا يصح أبدا .. هذا ما أراه؛ والعلم عند الله. السؤال: إذن نفهم من هذا أنه في حالة عدم وجود المحرم لا تعتبر المرأة مستطيعة ؟ الجواب: نعم .. تتأخر المرأة حتى تجد زوجا أو محرما، لكن إذا لم تجد أبدا بعد ذلك هل يجب عليها أن تأمر غيرها أن يحج عنها أو أن توصي بذلك ؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، ولا شك أن السلامة أن تؤجِّر من يحج عنها إذا صارت آيسة من وجود الزوج أو المحرم أو أن توصي بذلك. السؤال: في حالة وجود المحرم لكنه لا يملك المال وهي تملك المال، هل يجب عليها أن تعطي محرمها المال ليحج معها ؟ الجواب: أما الوجوب فيحتاج إلى شيء من النظر، ولكنني أحث ذلك المحرم بأن يخرج مع تلك المرأة وأحثها هي-أيضا-أن تعينه بشيء من المال الذي يمكن أن يذهب معها إذا حصل عليه فيكون هنالك تعاون بين تلك المرأة وبين محرمها ولا شك بأنه إذا ذهب سيحصل على أجر عظيم بمشيئة الله-تبارك وتعالى-إذا كان صالحا .. أوَّلا سيؤدي الحج ولو كان قد حج من قبل سيؤدي حجة نافلة وفي ذلك من الفضل ما لا يخفى، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )، وجاء عنه أيضا: ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل الحج وعظم منزلته والأجر العظيم والثواب الكبير الذي يحصل عليه من أداه طاعة لله-تبارك وتعالى-وامتثالا لأمره سبحانه وتعالى وكان بارا في حجه ذلك لم يرتكب معصية من معاصي الله تبارك وتعالى، فإذن لا ينبغي له أن يفرط في إعانة هذه المرأة على طاعة الله وسيكون له الأجر بمشيئة الله من ناحيتين .. من تأديته للحج ومن إعانته لهذه المرأة التي ترغب في تأدية فريضة الله-تبارك وتعالى-عليها، وهي ينبغي لها ألاّ تبخل بالمال عليه، فمال هذه الدنيا ذاهب، فإذا أعانت هذا الرجل الذي يذهب معها لتأدية الحج ففي ذلك من الخير ما لا يخفى، أما الوجوب فيحتاج إلى شيء من النظر، لأن القول بوجوب ذلك فيه ما فيه، كما لا يخفى، فإذن-كما قلتُ-أحث المرأة التي لا تجد محرما إلا إذا أعانته بشيء من المال ألاّ تبخل بذلك؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. السؤال: ما حكم ذهاب المرأة للحج رفقة مجموعة من النساء بدون أن يكون عندها محرم رجل ؟(1) الجواب: على كل حال؛ أستأذنك قبل كل شيء أن أجيب ولو بجواب مختصر جدا على سؤال الحج السابق الذي سألت عنه هذه المرأة لعلها تريد أن تذهب إلى الحج وقبل كل شيء أنبه إلى أنه ينبغي للإنسان أن يكون حريصا على طلب العلم سواء كان ذلك من قراءة الكتب أو من سؤال أهل العلم أو من دروسهم أو ما شابه ذلك من الوسائل التي يحصل بها العلم الشرعي، ومما نلاحظه على كثير من الناس أنهم لا يهتمون بطلب العلم وإنما يهتم الواحد أن يسأل عن مسألة وقع فيها أو أنه يريد أن يأتي بها في المستقبل أو ما شابه ذلك وقد يجيب بعض أهل العلم عن تلك المسألة قبل ذلك بقليل أو قبل يوم أو ما شابه ذلك ولا يهتم بتلك المسألة .. يكون مشتغلا بالحديث مع فلان أو فلان أو لا يطلع على تلك البرامج التي تذاع فيها تلك المحاضرات أو تلك الدروس أو تلك الأجوبة أو ما شابه ذلك ويفوته خير كثير من المسائل الشرعية، فطلب العلم فريضة على كل مسلم وإن كنا لا نقول بأن الكل من الفرائض ولكن بعضه من الفرائض والبعض الآخر من النوافل التي لا ينبغي التفريط فيها. بالنسبة إلى هذا السؤال قد ذكرنا-في الجواب الذي مضى قبل قليل-أنّ المرأة إذا أرادت الحج لابد من أن تذهب مع زوج أو محرم منها، وأنه لا يصح لها أن تذهب مع مجموعة من النساء معهن بعض أهل الصلاح .. هذا الذي ذهبت إليه طائفة كبيرة مِن أهل العلم، وعليه إن لم تجد المرأة زوجا أو مَحرما منها في ذلك الوقت فلتتأخر حتى تتمكن من الذهاب بعد ذلك في سنة من السنوات القادمة بمشيئة الله-تبارك وتعالى-مع زوجها إن كان لها زوج أو مع ذي محرم منها، و-قلنا إنه-ينبغي أن يُنظر إذا لم تجد المرأة محرما إلا إذا بذلت له المال بأن كان فقيرا أو ما شابه ذلك و-قلنا إنه-لا ينبغي لها أن تفرط في بذل المال، أما القول بوجوب ذلك عليها فإنه يَحتاج إلى شيء من النظر، وحتى نتمكن من ذلك فإنني لا أقوى على الجزم في ذلك بشيء، لكن-كما قلتُ-ينبغي التعاون بين الفريقين .. ينبغي لهذه المرأة أن تبذل المال وينبغي لذلك الرجل ألاّ يأخذ منها إلا مقدار ما يؤدي به الحج ويرجع إلى وطنه .. هذا الذي نعتمده لما ذكرته في ذلك الجواب. وبعض العلماء يُرخص أن تذهب المرأة مع رجال من الثقات الصالحين معهم بعض النساء من محارمهم؛ ولكن هذا القول لا ينبغي التعويل عليه، ولاسيما في هذا الزمان لشدة الزحام بل ولا ينبغي التعويل عليه في أيّ وقت من الأوقات لأنه مخالِف لِظاهر الحديث الثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ونحن لا نقطع العذر في هذه المسألة ولا نقول إنها من المسائل القطعية ولكن نقول: إن ذلك القول هو القول الأقرب للصواب، وعلى تقدير صحة تأويل من تأوله من أهل العلم فكما قلتُ في هذا الزمان لا ينبغي أن يؤخذ بذلك، لأن ذلك إذا كان لا يستدعي أن تمسك المرأة بيد رجل أو يمسكها رجل ويطوف بها وقد تحتاج إلى حمل أو ما شابه ذلك في الأزمنة الغابرة فإن الزمان قد اختلف في هذه الأيام، وقد سمعتُ أنه وقع في الأعوام الماضية أنّ بعض النساء اللاتي ذهبن إلى الحج قد ذهبن للطواف مع رجال أجانب عنهن وقد أمسكت بعض النساء بيد رجل أجنبي منها فهل يمكن أن نقول بجواز ذلك ؟! هذا مما لا يصح .. نعم-كما قلتُ- إذا كان هنالك وقع حادث .. وقعت امرأة فإنّ على الرجل أن يقوم بحمل تلك المرأة حتى تقوم، أما أن يتعمد ذلك أو أن تتعمد هي ذلك من قبل فهذا مما لا يصح، فهذا الذي أراه وأعتمد عليه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. __________________ السؤال: بِالنسبة لِزوجةِ العَم وزوجةِ الخال، هل هما مِن المحارِم ؟ الجواب: زوجةُ الخال وكذا بِالنسبةِ إلى زوجةِ العَم فهما ليْستا مِن المحارِم .. المرادُ بِالمحارِم هنّ مَن لا يَجوز لِلشخصِ أن يَتزوّجَهُنّ في الحاضِرِ ولا في المستقبَل، فكلُّ امرأةٍ لا يَجوز له أن يَتزوّجَها في الحاضِر .. أي في الوقتِ الحاضِر ولا في المستقبَل فإنه يَجوز لَه أن يُصافِحَها، وأما إذا كان لَه أن يَتزوّجَها في هذا الوقت أو في المستقبَل فإنه لا يَجوز لَه أن يُصافِحَها بِحالٍ مِن الأحوال، كما قدّمنا ذلك؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: مَن الذي يَصْدُق عَليه أن يَكون مَحْرَما .. رُبّما يَكون لأحد النسَاء صبي، هل يُمْكن أن يَكون هو مَحْرَمها في هذا السّفَر ؟ الجواب: أما الصّبي إذا كان صَغِيرا فلا يُمْكِن، وأما إذا كان مُرَاهِقا .. أي كانتْ حَالُهُ تَقْرُب مِن حَالة البُلُوغ فإنّ أهل العلم قد اختلفوا في ذلك: مِنْهم مَن قال: إنّ هذا يَكْفِي لأَنْ يُرَافِق المرأةَ في سَفَرَهَا ولاسيما إذا كان هُنَالِك رِجَالٌ مِن أَهْل الصّلاح مَعُهُم نِساء. وبعضُ العُلماء يَشْتَرِط البُلُوغ. ولا شكّ أنّ القَوْل بِاشْتِرَاط البُلُوغ قَوْل قَوِي جِدًا، ولكن في مِثْل هذه الحالة إذا كان الصبي مُرَاهِقًا لِلبُلُوغ وكان لَبِقًا .. لَه دِراية بِمثل هذه الأمور فلا أرى بأسًا بِمشيئة الله تبارك وتعالى. السؤال: امرأةٌ تُرِيدُ الذَّهَاب إلى العُمْرَة بِدُون مَحْرَم .. مَعَ أجَانِب ؟ الجواب: قلنا نَحْنُ: إنّ هَذِه المرأة إن كَانتْ لم تَأتِ بِالعُمْرَة الوَاجِبَة-على رأي مَن يقول بِذلك-فإنه قد يُرَخّصُ لَهَا عَلَى رَأيِ بَعْضِ أهل العِلْم إذا كانت تَذهَبُ مع نِساء مع رِجال مِن أهْل الصَّلاح. وذَهَبَت طَائِفَة كَبِيرَةٌ مِن أهل العِلم إلى أنه لَيْسَ لَهَا أن تَذْهَب إلا مَع زَوج أو مَحْرَمَ؛ ولا شَك بِأنّ هَذَا القَوْل أسْلم، فينبغي لَهَا إن كَانت لم تُؤَدِّ العمرةَ الوَاجبة-على القَول بِوجوبِها-أن تَنتَظِر حتى تَجِدَ زَوجا أو ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا وَتُسَافِر مَعَهُ بِمَشِيئَة الله-تبارك وتعالى-وتَأْتي بِالعمرة وبِفَرِيضَة الحج؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: زوج أخت المرأة، هل يعد مَحْرَمًا لها إذا ما أرادت الذهاب إلى الحج ؟ الجواب: لا .. لا يُعَدّ مَحْرَمًا لَها، وذلك لأنّ هذه الـحُرْمَة .. أيْ عدم جَوَاز نكاح ذلك الرَّجل لَها في ذلك الوَقت حُرْمَة مؤقتة ولذلك لو: 1-ماتت أختها. 2-أو طلقها وخرجت مِن عدتِها إذا كان الطلاق رَجْعيًا. 3-أو طلقها إذا كان الطلاق باتا. فإنه له أن يتزوجها، فإذن هذه الـحُرْمَة حُرْمَة مؤقتة، والحرمة التِي تَجوز مَعَهَا الخلْوَة أو السَّفر فهي الـحُرْمَة المؤبدة وبِشرط أن تكون بسبب نَسَبٍ أو مُصَاهرة أو رَضَاع، أمَّا إذا كانت غير مُؤَبَّدة أو كانت مؤبدة ولكن بسبب مِن الأسباب الأخرى غير الأمور التي ذكرناها فلا وذلك-مثلا-كحالة اللِّعَان فإن مَن لاَعَن الحرمةُ مؤقّتة بينه وبين تلك المرأة التي وقع بينه وبينها اللعان فلا يجوز له أن يتزوجها في يوم مِن الأيام ولكنه لا يَجُوز لَه أن يَخْلُوَ بِهَا وليس له-أيضا-أن يُصَافِحَها، وهكذا بِالنِّسبة إلى مَن زَنَى بِها أو زَنَى بِها ابنه أَو أبوه أو مَا شَابَه ذلك مِن الأمور التي وَقَعَت الـحُرْمَة الأبَدِية فيها بسبب مِن الأسباب الخارجة عِن الأسباب التي ذكرناها؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: امرأة أرادت أن تَحُجَّ النَّفل وسبق لَها أن حجّت الفرض لكنها هذه المرة تذهب بدون مَحْرَم، فهل عليها أن تتعجّل أم تؤخّر ؟ الجواب: ما ذكرناه مِن وجوب التَّعَجُّل في تَأْدية الحج فَذلِك في حج الفريضة. وَأمَّا بِالنِّسبة إلى النافلة فالإنسان لا يجب عليه أن يَتَنَفَّل في الحج وإنِّما ينبغي له ذلك أمَّا أن يَجب عليه ذلك فلا. والعلماء قد اختلفوا في المرأة هَلْ لَهَا أن تذهب إلى حَجِّ الفريضة مع غَيْر مَحَارِمِها أو زوجها: فبعض العلماء قَال: لَيس لَها أن تذهب حتى لِحجِّ الفريضة إلا مع زوج أو مَحْرم، وذلك لنهي النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-المرأةَ عن السَّفر مع غير مَحارمها أو زوجها. وبعض العلماء رخّص في ذلك إذا كان الحج حج فريضة بشرط أن تكون مع جملة مِن النساء معهن مَحارم مِن أهل الصلاح. أمَّا بالنسبة إلى الحج النَّافلة فليس لَها أن تذهب إلا مع زوج أو مَحْرم؛ والله-تعالى-أعلم. السؤال: والدتها تريد أن تَذهب إلى الحج ولكن ليس عندها مَحْرَم إلا أنّ المقاوِل يَصطحِب معه زوجتَه مع مجموعة مِن النساء، فهل تَذهب معهم ؟ الجواب: الله المستعان، كثير مِن أهل العلم ذهبوا إلى أنّ المرأة لا يَجوز لها أن تَذهب إلى الحج ولا إلى غيره إلا مع زوجٍ أو مَحْرَم، لِنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سَفَرِها إلا مع الزوج أو الـمَحْرَم، ورَخَّصَت طائفة مِن أهل العلم لِلمرأة إذا كانت تَذهب لِتأدية الحج وكان الحجُّ حجَّ فريضة .. رَخَّصوا لها أن تَذهب مع نساء معهنّ رجال مِن أهل الصلاح، ولكن لا يَخفى ما في شدّة الزحام في هذا الأمر وضَعْفِ المرأة فقد تَحتاج إلى مساعدة في الطواف أو في السعي وقد تَمرَض وتَحتاج إلى مَن يَقوم بشؤونها، وكثير مِن النساء ذَهبْنَ مِن غير مَحارمِهنّ ومرضتْ منهنّ بعض النساء واحتاجتْ إلى أن يَقوم الرجال بِحمْلِها أو مساعدتِها أو أن تُمْسِك بهم أو ما شابه ذلك وهم مِن غير مَحارمِها فيَقعون في معصية الله تبارك وتعالى .. هذا الوقت لا يُمكن أن نُرَخِّص في مثل هذا الأمر فلتَنتظِر حتى تَجد زوْجا أو مَحْرَما منها وهي معذورة إلى أن تَجد ذلك-بمشيئة الله-وتوصي بذلك حتى تَتمكَّن مِن التأْدية مع الزوج أو الـمَحْرَم؛ والله أعلم. الهامش : 1 ـ وفي سؤال مشابه : السؤال: تريد أن تَحج حجّ الفريضة ولكن ليس لديها محرم إنما تَخرج مع نساء المسلمين. الجواب: الأصل أن تذهب المرأة مع زوجها أو مع محرمها، لِما جاء مِن النهي عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عن سفر النساء مع غير المحارم، وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينبغي للأزواج أن يتعاونوا مع زوجاتهم وينبغي للمحارم أن يتعاونوا مع-أيضا-أقاربهم مِن النساء، لأنّ في هذا التعاون ما لا يخفى مِن التعاون على الخير والبِرِّ والتقوى، بل ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنه يَجب على الزوج أن يُسافِر مع زوجته لأداء فريضة الحج إذا كان لا يَجد عذرا شرعيا ولا يَمنعه مِن ذلك مانع، وهذا القول وإن كنا لا نقول به بل نقول بعدم وجوب ذلك عليه ولكننا نَحثُّه على ذلك، وسيَحصل أيضا على فضْل الحج إذا كان متقيا لله تعالى، ولا يَخفى ما في الحج مِن فضْل، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و-على كل حال-ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنه ليس للمرأة أن تُسافِر إلى فريضة الحج إلا مع زوج أو مَحْرَم فإن لم تَجد زوجا أو مَحْرَما فليس لها أن تُسافِر بل يَجب عليها أن تُوصِي بذلك إلا إذا تَمكَّنت في يوم مِن الأيام مِن فعل ذلك، وذهبت طائفة مِن العلماء إلى أنها يَجوز لها أن تَذهب إلى الحج إذا وَجدتْ رفقة مِن الناس مِن أهل الصلاح معهم نساء، وهذا القول تَرخَّص فيه كثير مِن أهل العلم، فإذا أَخذتْ به فلا حرج ولكن ليس لها أن تُسافِر مع شخص واحد .. يوجَد كثير مِن الناس يَذهب الواحد ومعه مجموعة كبيرة مِن النساء أو يذهب اثنان أو ما شابه ذلك مع مجموعة مِن النساء وهذا لم يُرخِّص فيه أحد مِن أهل العلم، وإنما شدَّدوا فيه، وإنما رخَّصوا إذا كانت مجموعة كبيرة مع نساء والكل مِن أهل الصلاح ولا يُخشى عليها، فهذا ترخيص، وأما الوجوب فلا يُمكِن أن نقول بالوجوب، ونظرا لضيق المقام فأكتفي بهذا المختصَر، ولعلنا نطيل في ذلك مرة أخرى. __________________ ما يتعلق بإحرام المرأة السؤال: ما طَريقَة إحرَامِ المرأة ؟ لأنّ بعضَ النساء يَفْهمنَ عَلى أَنّهن يَلْبَسْنَ لباسا مُعَيّنا وطريقة معيّنة، هل هناك بِالفعل شيءٌ مِن هذَا ؟ الجواب: إنه يَنْبَغِي لكلّ مَن أراد أن يَذهبَ إلى تَأْدِيَة فَرِيضَة الحج أن يَكُونَ عَلَى بَيِّنة مِن أمره فيمَا يَتَعَلّق بأحكام الحج سواء كان رَجُلا أو امرأة حتى لاَ يَقع في بعض المخَالفات الشَرْعِية التي قَد تُؤَدّي إلى فَساد حَجّه أو تُؤدّي إلى شيءٍ مِن النَّقص في الحج وإن كان لا يَصِل ذلك إلى دَرَجَة فَسَادِ الحج. المرأة تَلْبس الملاَبس العَادية إلا ما سَأُنَبّه عليه بعد قليل بِمشيئة الله تبارك وتعالى، وذلك لأنّ السنّة النبوية-على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام-لمَ يَأْتِ فيها نَهيٌ عن شيءٍ مِن اللباس بِالنسبة لِلمرأة إلا أنها تُنهى أن تَنْتَقِب، فالنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-نهى المرأة أن تَنْتَقِب .. أي أن تَلْبَس النِّقَاب، وكذلك بِالنسبة إلى البُرْقُع، فليس لها أن تَلبس البُرْقُع وليس لها أن تَنْتَقِب وليس لها-أيْضا-أن تَلْبَسَ القُفازين. وأما بِالنسبة إلى الجوارب فإنَّه لا مانع مِن ذلك بِالنسبة إلى المرأة، إذ لم يَأْتِ في ذلك نهيٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. نعم تُنْهَى المرأة أن تَتَبرّج بِشيءٍ مِن ملابس الزينة وذَلك لأنها تكون أمام الرجال الأجاَنب ولكن هَذَا الحكم ليس خاصّا بِالحج بل هو شامل لأيّ وقتٍ مِن الأوقات تكون المرأة فيه أمام الرجال الأجانب أو تَلْتَقِي فيه بِالرجال الأجَانِب. وأما ما ذكره بعض أهل العلم مِن أنّ المرأة تُنْهى عن عددٍ مِن أنواع اللباس-كالحرير مثلا-فإنّ ذلك مِمّا لم يَرد في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومِن المعلوم أنه إذا وَرَدَ خِلافٌ بيْن أهل العلم في أيّ مسألةٍ مِن المسائل فإنّ الفَيْصَلَ بَيْنَهم الكتاب والسنّة .. إذا وجدنا خِلافًا بيْن أهل العلم في مسألة مِن الـمَسائل فلابد مِن أن نَنَظر في كتاب الله-تبارك وتعالى-وفي سنّة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-الصحيحة الثَابتة عَنْه، وما دَلَّ عليه الكتاب أو السنّة فهو القول الصحيح الرّاجح الذِي يَنبَغِي لِلإنسان ألاّ يَحيد عنه أبداً. فإذن المرأة في الإحرَامِ تَلْبس الملابس العَادِية بِشَرْط ألاّ تَتَبرّج بِزينة، وإنما تُنْهَى-كما قلتُ-عن لبْس النِّقاب، وكذلك البُرْقُع، وكذلك تُنهى عن لبس القُفّازين، وهما الشراب الذي تُدخِل فيه الـمَرأة يَديْها، أما بِالنسبة إلى ما عدا ذلك فلا. وهكذا بِالنسبة إلى لُبس الذهب والفضّة فقد شدّد في ذلك كثير مِن أهل العلم، ولم أَجِد دليلا يَدلّ على هذا التَشَدُّد وإنما تُنْهى عن إِظهار ذلك لِلرِّجال الأجانب فذلك مَمْنوع سواء كان ذلك في حجٍّ أو عُمرة أو في غَيْرهما، أو بِعبارة أخرى: سواء كانت مُحْرِمَةً أو كانت مُحِلَّةً .. هذا ما يَظهر لي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. وأَما بِالنسبة إلى سَدْلِ الثّوب على الوَجْه إذا مَرّت المرأة بِالرجال الأجانب أو مَرَّ بِها بعضُ الرجال الأجانب فالسنّة قد دَلََّت على ذَلك، إذ إنّ أمهاتِ الـمؤمنين-رضوان الله تبارك وتعالى عليهن-كُنَّ يَسْدِلْن على مسمعٍ ومرأى مِن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مَرَّ بِهنّ الرجال الأجانب وهنّ مُحْرِمَات. ولكن اشترَط بعضُ العلماء ألاّ يَمَسَّ ذلك الثوب شيئا مِن الوجه. ولم يَشترِط ذلك بعضُ أهل العلم. والقول بِالاشتِرَاط يَحْتَاج إلى دليل، ولم أَجِد دليلا يَدُلّ عليه؛ والعلم عند الله تبارك وتعالى. السؤال: الحقيقة أَصبحت الصفة الغَالبة عند الـمُحْرِمَات هو تغطيةُ الوجه بِناء على أنّ الفتنة هي السبب في سَدْل هذا الخمار. الجواب: هو ما ذكرناه .. الإنسان مُخاطَب أن يَلتزِم بِما في كتاب الله-تبارك وتعالى-وبِما في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والسنّة دَلّت على جَواز السَّدْل عندما تَمُرّ المرأة الـمُحْرمَة بِالرجال أو يَمرّ بِها بعضُ الرجال، أما ما عدا ذلك فإنها تَكْشِف وجهَها .. هذا الذي ثَبَتَ في السنّة الصحيحة الثابتة؛ والعلم عند الله. السؤال: لَكن في موْسم الحج الناس كَثِيرُون والاحتِكَاكُ بِالرجال أمرٌ وَارِد. الجواب: لَكن لا يَكون ذلك في كل وَقْت مِن الأوقات، وإنما يكون ذلك في بعض الأحيان. السؤال: ما هو مِعْيَار الخوف مِن الفتنة ؟ يَعني كَيف تَستطيع المرأة أن تُميِّز هَل هِي خَائِفة مِن الفتنة ؟ هل هذا يَعتمِد عليها بِنفسِها أم يَعْتَمِد على نَظرات الآخرين إليها ؟ الجواب: لابد مِن مُرَاعَاة الجَانِبين. السؤال: هل لِلمرأةِ أن تَغْتَسِل غُسْل الإحرامِ مِن منزِلِها قبلَ الخروج ؟ الجواب: على كل حال؛ هذه المسألَة تَحْتَاجُ إلى إطالَة، ولكن: إذا كانتْ تَقْصِدُ بِمَنْزِلِها المنزل الذي نَزَلَتْ فيه .. مثلا لو نَزَلَتْ في " المدِينة " .. في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بأس-طبعا-مِن تَسْمِيَتِها بِالمدينة المنورَة .. إذا أرادتْ ذلك نعم لِتَغْتَسِلْ مِن هُنَاك وَلْتَخْرُج ولكن لِتُحْرِم مِن عندِ الميقات .. لا ينبغِي لَها أن تُقَدِّمَ ذلك .. لَوْ قدَّمتْ ذلك فإنّ إحرامَها صحِيح-على الصحِيح الذي عليه الجمهور-ولكن ينبغِي لَهَا أن تُؤَخِّرَ ذلك إلى الميقات، كما فَعَلَ النبي صَلى الله عَليه وعلى آله وصحبه وسَلم، ولَم يَثبُتْ عنه ما يَدُلّ على خلافِ ذلك، ومَا جاء مِمَّا يُخالِفُ ذلك فإنَّه لا يَثْبُت، وَمَوْضِعُ الإطالة في غيْرِ هَذِه المناسَبَة بِمَشِيئة الله تبارك وتعالى. أمَّا إذا كانتْ تَقْصِد بِأَنَّها تَغْتَسِل مِن بِلادِهَا عندَما تَذهَب وتَسْتَمِر عدّةَ أيام فهذا لا يَكْفِي لِلإتيانِ بِهذِه السنَّة .. نعم في وقتِنا هذا-مثلا-إذا كانتْ تَخْرُج بِوَاسِطةِ الطائِرَة فإذا اغتَسَلَتْ في بيْتِها قبلَ خُرُوجِها مباشَرَة فلا بأس-لأنَّها تَمُرّ على الميقات وهي في الطائِرَة ولا تَتَمَكَّن مِن الاغتِسال أو تَتَمَكَّن ذلك إنْ تَمَكَّنتْ بِمَشَقَّة-فَلْتَغْتسِل مِن بيْتِها لإحرامِها وَلْتُحْرِم عندَما تُحَاذِي الميقات؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. __________________ ما يتعلق بالحيض والنفاس السؤال: إن كانت المرأة تخشى أن يدركها الحيض في فترة المناسك، هل لها أن تتأخر عن الحج أو العمرة بسبب هذا ؟ الجواب: الله أعلم؛ إذا كانت تريد أن تذهب إلى العمرة فإن كانت تعرف بأنه سيأتيها هذا الحيض على حسب عادتها ولابد من أن ترجع إلى بلادها في تلك المدة فلا يمكن أن تحرِم لأن في ذلك من الصعوبة ما لا يخفى قد تحرم ثم ترجع إلى بلادها وتبقى شهرا أو شهرين أو أكثر وهي محرمة وفي هذا من المشقة ما لا يخفى لكن إذا كانت-مثلا-ذهبت وتظن بأنها ستطهر قبل ذلك أو أنه لن يأتيها الحيض قبل ذلك فيمكن أن تشترط فإذا اشترطت ولم تتمكن من تأدية تلك العمرة فلا بأس بذلك على رأي من يقول بالاشتراط ونحن نقول بالاشتراط لأن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوى أن ذلك خاص بتلك المرأة أو أنه منسوخ مما لا يُقبل، أما الخصوصية فإنه مما لا دليل عليها، والأصل أن ما ثبت للواحد يثبت لغيره إلا إذا دل دليل على التخصيص، وأما دعوى النسخ فإنها مردودة لأن ذلك من أواخر الأحكام ولم يأت ما ينسخه، ولكن بقي هل يباح ذلك لمثل الحيض أو ما شابه ذلك ؟ عندما تكون هنالك ضرورة ملحة فيمكن أن نقول بذلك ولكن لا ندعو إلى التساهل كثيرا في مثل هذه القضية، أما بالنسبة إلى الحج إذا كانت المرأة تعرف بأنها لن تتمكن من الإتيان بالحج وهي طاهرة وطبعا الذي يشترط فيه الطهارة هو الطواف أما بالنسبة إلى الوقوف والسعي إلى غير ذلك من الأمور الأخرى كالرمي والمبيت بالمزدلفة والذبح وما شابه ذلك .. هذه الأمور لا تشترط فيها الطهارة وإنما الذي تشترط فيه الطهارة هو الطواف فإذا كانت تعرف بأنها لن تتمكن من الإتيان بطواف الزيارة فلا يمكن أن تذهب إلا إذا كانت تعرف بأنها سترجع ويمكن بعد ذلك أن تذهب بعد مدة لا يشق عليها ذلك فلا إشكال في ذلك أما أن تذهب وبعد ذلك ترجع وتبقى مدة طويلة فهذا قد يشق عليها كثيرا ولزوجها عليها حقوق إن كان لها زوج .. له حق الوطء ومن المعلوم أن المرأة إذا كانت محرمة لا يمكن أن توطأ بل ولا ما هو أقل من ذلك حتى اللمس إذا كان بشهوة والتقبيل والضم وما شابه ذلك .. هذه الأمور لا تصح في حق المُحرِم، فإذن المعتبر الطواف فإذا كانت يمكن أن تتأخر هنالك عن الرفقة والأمر يسير في هذا الزمان تأتي في طائرة أو تأتي في ناقلة مع محرمها أو زوجها فلتتأخر وإن كانت يمكن أن ترجع بعد ذلك بمدة قصيرة فلا بأس بذلك بمشيئة الله-تبارك وتعالى-أما إذا كانت لا يمكنها ذلك فلتتأخر في هذه السنة ولتذهب في سنة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى، أما بالنسبة إلى عمرة التمتع فلا إشكال في ذلك إذا أتاها الحيض فلتُدخل الحج على العمرة وتكون قارنة كما فعلت السيدة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. إذا لم تتمكن من الطواف قبل عرفة فلتدخل الحج على العمرة وتكون قارنة ولاشيء في ذلك بمشيئة الله تبارك وتعالى، وهكذا بالنسبة إلى طواف الوداع فإنه لا يلزمها .. هذا أمر لابد من التنبه إليه وقد وقعت في السنوات الماضية على حسب ما سمعت .. وكثير من المسائل في هذه القضية ولعلنا ننبه على ذلك في مناسبة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى، لأنّ هنالك مِن المخالَفات التي وقعتْ فيها بعضُ النساء مِمّا يبطل الحج أو العمرة أو يؤثر فيهما أو ما شابه ذلك، وبيان ذلك في المناسبة التي أشرتُ إليها بمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والله-تعالى-ولي التوفيق، وهو أعلم بكل شيء. السؤال: هل يَصِح لِلمرأة أن تَتَعَاطَى مَوَانِعَ الحَيْض لِتُكْمِل عُمْرَتَها نَظَرا لامْتِدَادِ أيَامِ حَيْضها زمنًا تَرْجِع فيه القَافِلة إلى الوَطَن قبل طُهْرِهَا ؟ الجواب: هنالك أمران: 1-الجواز .. أي أَنه هل لِهذه المرأة أن تَستعمِل ذلك ؟ 2-وإذا استعمَلتْ ذلك قبل نُزول الحَيْض أو في أثناءِ نُزوله وتَوَقَّف الحيْض عن النزول: فإنّ طائفة كبيرة مِن أهل العِلم تَقُول: " إنّ ذلك مِما لا مَانِع مِنْه ". وفرّق بعضُ أهل العلم بَيْن الحَالتين .. بيْن ما إذا نَزل الحيْض أو كان ذلك قَبل نُزوله فأجازوا ذلك في الحالة الثانية دون الحالة الأولى. ونَحن نقول: إذا انقطع الحيْض لا مَانع مِن ذلك، ولكن هنالك قَضية أُخْرى وهي أنّ كَثيرا مِن النّساء اللاتي يَسْتَعْمِلن هذهِ الحبوب بعد ذلك لا يَتَوَقف هذا الحيْض ويَسْتَمر الدّم لـمُدّة طَوِيلة جِدا وتَارة يَنْزِل وتَارَة يَكون الأمر بِخِلاف ذلك ولا تَنْضبِط لَها عادة فَلا تَدْري هَلْ هِي طاهر فَتُؤَدِّي مناسِك الحج والعُمرة وتُصلي وتَصوم وهكذا بالنسبة إلى بَقَية الأَحْكَام الـمُتَعَلقة بقضية الحيْض أو هِيَ لَيْسَت بِطاهر وليس لها أن تُؤَدّي هذه الأشياء .. تَبْقَى في مُشكلة كبيرة جدًا، فالسّلامة أن تَتَرُك هذه الأمُور وأن تَنْظُر في أَمْرها، فإنّ كَثيرا مِنَ النّسَاءِ لَهُنّ عَادَة .. تَعْرِف مَتَى يَبْتَدِئ الحيْض ومتى يَنْتَهي الحيض، فإن كانت يُمْكُنَهَا أن تُؤَدِّيَ تِلك الـمَناسك قبل نُزول الحيض فَلْتَذهب ولْتَأتِ بِتلْكَ المناسِك، وإن كان لا يُمكنها .. تَعرف بِحسب عادَتها بِأنّ الحيض سيأتيها في الوَقْت الفُلاني ولَن تَتَمَكّن في ذلك الوَقْت مِن تَأْدِية العُمْرة أو تَأْدية الحج لأنَّها لَنْ تَنْتَظِرَهَا تِلك الجماعة التي هي في رفَقَتهم فإنها تُؤمَرُ بِأن تَتَأخّر في تلك السنَة، وسيَجعل لَها الله-تبارك وتعالى-فَرَجًا مِن أمرِهَا في الـمُسْتَقْبل إن شاء الله تبارك وتعالى، ومِن الـمَعلوم هي لم تتأخَّر مِن أجل التَأخر وإنَّمَا مِن أجل هذه الضَّرورة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: المرأةُ الـمُسْتحاضة، كيف تُؤَدِّي طواف الوداع ؟ الجواب: أما الحائض فقد اختلف العُلماء في طَوَاف الوداع: مِنْهم مَن قَال: تُؤمَر بِأن تَتَأخَّر إن أَمْكَنها ذلك وإلا فَعَليها أن تَذْبح شَاةً لِفقراء الـحَرَمِ .. والـمُرَادُ بِفقراء الحرَمِ في مِثْل هذه القَضَايَا هُم: مَنْ يُوجَدُونَ في الحرَمِ في ذلك الوَقْت سَوَاء كَانوا مِن أهل الحرَمِ أو كانوا مِنَ الآفَاقِيين الذين قَدِموا إلى الحرَمِ. وذَهبَتْ طائفة مِن أهل العِلم إلى أنه لا شَيْءَ عَلَيْهَا وتَخْرُج إلا إذَا طَهُرَت قبل مُفَارَقَة بُيُوتِ مكّة فإنّها تُؤمَر بِأَن تَغتَسِل وتَرجِع وتَطُوف بِالبَيْت، أما إذا طَهُرَت بَعد ذَلك ولَوْ في الحَرَم فإنَّها لا تُؤْمَر بِالرُّجوع ولا شَيءَ علَيها. وهذا القَوْل هُو القَول الصحيح، لِدلالة حديثِ رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عَلَيْه. ولَعل الذين قَالوا بِخلاف ذلك لم يَطّلِعوا على الحديثِ فيُلْتَمسُ لَهُم العُذْر ولا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهم، إذ كلٌّ يُؤْخَذُ مِن قَوله ويُرَد إلا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حسبك أن تَتَّبع الـمُختار ***** وإن يَقُولوا خَالف الآثار والله أعلم. أما بِالنّسبَة إلى الـمُستَحاضَة فإنَّها تُؤْمَرُ بَعد حَيْضِها أَن تَغْتسِل وبعد ذلك لا تُؤمَر بِالاغتسال على الصَحِيح-لِعَدَم ثُبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن وَجْهٍ يَصِلُ إلى مرتبة الـحُجِّية-وإنَّمَا تُؤْمَر بِغَسل مَوْضِع النجاسة وبِأن تَلْبَسَ شَيْئا يَمْنَع مِن خُرُوجِ تِلْك النَّجَاسة إلى شيءٍ مِن جسدها أو إلى الأرْض ثم تَتَوَضّأ وتَطُوفُ كما تُصلي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: هذه المرأة التي ذهبت إلى الحج جاءها الحيض بعد الزوال في يوم عرفة ؟ الجواب: لا يَضُرُّها ذلك، لأنها-على حسب كلام السائل-طافت طواف الإفاضة بعدَ أن طَهُرَتْ وتَطَهَّرَتْ .. أي بعد أن انتهى حيضها واغتسلتْ مِن الحيض وما دام الأمر كذلك فلا علاقة لِلحيض بِالوقوف بِعرفة فوقوفها صحيح بِمشيئة الله؛ والله أعلم. السؤال: المرأة التي يُفاجِؤُها الحيض في الحج، ماذا تَفعل ؟ الجواب: لا تُشترَط الطهارة في الحج ولا في العُمرة إلا في الطواف، فإذا أتاها الحيض فإنها ليس لَها أن تَطوف بِالبيت بل لابد مِن أن تَنتظِر حتى تَطْهُر مِن الحيض وتَغتسِل وبعد ذلك تَطوف، فإن جاءت-مثلا-مُعتمِرة أوَّلا .. لَبَّتْ بِالعُمرة ووَصَلَتْ ومَكَثَتْ مدّة ثم لم تَتمكَّن مِن الطواف بِالبيت قبل التاسِع فإنها تُؤْمَر بِأن تُدْخِل الحج على العُمرة فتَصِير قارِنَة بيْن الحج والعُمرة بعد أن كانت مُعتمِرة فقط، وتَطوف بعد ذلك لِعُمرتِها ولِحجِّها طوافًا واحِدًا وذلك مُجْزٍ، كما وَقَعَ لِلسيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-فإنها كانت مُعتمِرة .. يعني كانتْ لَبَّتْ بِالعُمرة فقط .. قيل: إنها لَبَّتْ أوَّلا بِالحج ثم بعد ذلك لَبَّتْ بِالعُمرة .. أي فَسَخَتْ الحج .. حَوَّلَت إحرامَها مِن الحج إلى عُمرة، وقيل: إنها لَبَّت مِن أول مرة بِالعُمرة، وفي ذلك كلام طويل، لا داعي لِذِكْرِه الآن .. المهم أنها عندما وَصَلَتْ إلى مكّة كانت تُلَبِّي لِلعُمرة ولكنها لم تَتمكَّن مِن الطواف فأَدْخَلَتْ الحج على عُمرتِها فصارتْ قارِنة وعندما طَهُرَت وتَطَهَّرَت بعد اليوم التاسع طَافَت لِحجِّها وعُمرتِها طوافًا واحدا .. فإذن هذا هو الحكم. أما إذا كان ذلك بعد وذهبَ أصحابُها .. أوَّلاً يُقال: لابد مِن أن يَنتظِرها مَن هو مُرَافِقٌ لَها سواء كان زوْجا أو مَحْرَما، ولكن إذا كانت هنالك ضرورة مُلِحَّة في الرجوع فرَجَعُوا فلْتَرْجِع وليس لها أن تَطوف قبل أن تَطْهُر وتَتَطَهَّر، ثم بعد ذلك لابد مِن أن تَذهب إلى مكّة حتى تَقوم بِأداء هذا الطواف الذي هو ركن مِن أركان الحج. أما إذا كانت قد طافت طواف الحج وبقي عليها طواف الوداع فإنها تُعْذَرُ عن طواف الوداع، بِنَصِّ السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جاء ذلك في مسند الربيع (1) -رحمه الله-وجاء عند غيره من أئمة الحديث وذلك الحديث مُخَصِّص لِلحديث العام الدَّال على أنه يُؤمر الإنسان بِأن يَطوف طوافَ الوداع .. هذا الحديث مُخصِّصٌ له والخاصّ يَقضي على العام تَقَدَّم أو تَأَخَّر عليه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. __________________ السؤال: المرأة التي حاضتْ وأجَّلَتْ طواف الإفاضة مع طواف الوداع .. جعلتْهما واحدا ؟ الجواب: إذا حاضت المرأة أو كانت مريضة-مثلا-وهكذا بالنسبة إلى الرجل إذا كان مريضا أو كان كبيرا في السّن ويَصعب عليه أن يَطوف مرتين-يطوف أوَّلا طواف الزيارة ثم بعد ذلك يَطوف طواف الوداع-فإنه يُمكِن له أن يُؤَخِّر طوافَ الزيارة إلى الوقت الذي يُريد أن يَخرُج فيه مِن مكّة المكرّمة فيَطوف طوافًا واحدا ويَكفيه ذلك لِلزيارة ولِلوداع، ولكن لابد مِن أن يَنْتَبِهَ الناس إلى قضية مهمّة هنا وهي أنّ بعضَ الناس يَنوون بِذلك الطواف طواف الوداع وإذا نَوَوْا بِه طوافَ الوداع مِن غيْر أن يَستحضِروا بِأنه لِلزيارة فذلك لا يُجزِيهم، فإذن إما أن يَنْوُوا بِه طوافَ الزيارة فهذا يُجزِيهم ولو لم يَسْتَحْضِرُوا الوداع، لأنّ الفريضة تَسُدُّ مَسَدَّ السّنة أو ما شابه ذلك مِن الأمور التي لم تَصِل في التأكيد إلى درجةِ تلك الفريضة، فذلك الطواف إذا نوى بِه الإنسان طوافَ الزيارة فإنه يُجزِيه عن طواف الوداع، وإما أن يَنْوُوا الطوافيْن معا وذلك يُجزِيهم، أما إذا نَوَوْا بِه طوافَ الوداع فذلك لا يُجزِيهم، وقلتُ: " يُجزِيهم " بناءً على قولِ طائفة كبيرة مِن أهل العلم وهو الظاهر لنا، وإلاّ فقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنّ ذلك لا يُجزِي وعليه فلابد على قولهم مِن أن يَطوفوا طوافيْن .. لابد مِن أن يَطوفوا طوافًا لِلزيارة وآخر لِلوداع ولاسيما إذا سَعَوْا بعد طوافِ الزيارة على رأي هؤلاء فإنهم جعلوا ذلك فاصِلا، ولكنّ الذي يَظهر لي أنّ هذا ليس بِفاصِل، لأنني لم أَجِد روايةً صحيحة تَدُلُّ على أنّ السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-عندما اعتمَرت مِنَ " التّنعيم " وطافتْ طوافَ العُمرة وسَعَتْ لها أنها ذهبتْ وطافتْ بعد ذلك لِلوداع .. لم أَجِد ما يَدلّ على ذلك، والظاهر أنها اكتفَتْ بِذلك عن طوافِ الوداع ولو كان ذلك لا يُجزي لَما أَقَرَّها الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على ذلك، فأرى أنه لا مانع مِن الأخذ بِذلك، ولاسيما أنّ فيه تيْسِيرا على كثير مِن الناس، ونَحن نُحِبُّ التيْسِير بِشرْط ألاّ نُخالِفَ آيةً مِن كتابِ الله ولا سنّةً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، أما إذا وَجَدْنا دليلاً صرِيحا لا يَحتمِل احتمالاً صالِحًا لِصَرْفِه عن ذلك المعنى الصريح بل لا يُمكِن أن يُصْرَف الصرِيح عن دلالته وإنما يُصْرَف الظاهِر إذا دَلّ الدليل على صرفِه عن ذلك الظاهِر إلى معنى آخر، فإذا لم نَجِد دليلاً يَصْرِفُ ذلك الدليلَ عن ظاهِره أو كان ذلك الدليلُ صرِيحا فلا يُمكِن أن نَقول إنّ الإنسان له أن يَأخذ بِالقول الفلاني مع أنّ ذلك القولَ مُصَاِدمٌ لِذلك الحديثِ الصريح .. نَعْذُرُ مَن قال بِذلك، لأنه لم يَتعَمّد أن يُخالِف الحديثَ الصريح ولكن لَعلّه لم يَطَّلِع عليه أو ظَنَّ أنّ هنالِك صارِفا يَصْرِفُه عن دلالته وليس الأمر كذلك أو ظَنّ أنه لم يَثبتْ وهو ثابِت في حقيقة الأمر أو ما شابه ذلك. فكثير مِن الناس يَتَغَنَّوْنَ بِهذه العبارة: " الدِّين يُسْر " وهي حقٌّ لا شَك فيه ولكن هل يُمكن أن نُفَرِّطَ في السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ما شابه ذلك بِهذه الدعوى ؟! إذا قيل بذلك ربما يُفَرِّطُ الإنسان بعد ذلك في الواجبات إلى غير ذلك، فهذا مِمّا لم يَقل بِه عالِم .. إنما قال العلماء: " الدِّين يُسْر " .. والدِّين كله يُسْر عَلِمَ ذلك مَن عَلِمَه وجَهِلَه مَن جَهِلَه بِسبب جَهْلِه لا بِسبب أنّ الأمر بِخلاف ذلك، فإذن هذه نقطةٌ لابد مِن أن يُنْتَبَه لها. كثير مِن الناس يَطلبون مِنّا بِأن نُرَخِّص في الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر قبل الزوال بِدعوى أنّ بعضَ أهل العلم قد قال بِذلك، ونَحن لا نُنْكِرُ أنّ بعضَ العلماء قال بِأنّ مَن رمى في ذلك الوقت أنّ ذلك يُجزِيه ولكنهم متّفِقون-في حقيقة الأمر-مع غيرهم بِأنّ السنّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الرمي بعد الزوال، فهذا الذي ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد روى البخاري وأبو داود والبيهقي مِن طريق ابن عمر-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رَمَى بعد أن زالت الشمس، وقد جاء هذا الحديثُ-أيضا-مِن طريق جابر بن عبد الله رضي الله تبارك وتعالى عنهما، رواه الإمام مسلم، ورواه الإمام البخاري في صحيحه تعليقًا، ورواه النسائي في " الصغرى " و " الكبرى "، ورواه أبو داوود والترمذي والدارمي وابن ماجة، ورواه-أيضا-ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وابن أبي شيبة، ورواه أبو عوانة وأبو نُعَيْم في " المستخرَج على صحيح مسلم "، ورواه الطُّوسي في " مختصَر الأحكام "، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " وفي " الصغرى " وفي " المعرِفة " وفي " دلائل النبوة "، ورواه الحاكم في " المستدرَك "، ورواه ابن حزم في " حَجّة الوداع "، وروته طائفة كبيرة مِن أهل العلم، ولهما شاهدان مِن طريق السيدة عائشة ومِن طريق ابن عباس وقد قَوَّاهُمَا بعضُ أهل العلم ومهما كان فإنهما صالِحان لِلاستشهاد وإذا قيل بِعكس ذلك فإننا قد أغنانا الله-تبارك وتعالى-عنهما بِالصحيح الثابت المتّفَق على ثبوته، فهل بعد ذلك يُمكِن أن نُرَخِّصَ في الرمي قبل ذلك مع وجود هذه النصوص الصحيحة الثابتة ؟! ثم إنه لا يُمكِن أن يُقال: " إنّ في ذلك تعسِيرا "، ذلك لأننا-بِحمد الله-لم نُلْزِم الناس بِأن يَرموا في ذلك الوقت بل قلنا إنّ الوقت يَمتدّ مِن منتصَف النهار .. أي بعد زوال الشمس مباشَرة إلى غروب الشمس وهذا لِلمستطيع، أما مَن لم يَستطِع ووَجَدَ حَرَجاً أو مشقّة فإنه يُمكِن أن يَرْمِيَ في الليل بل يُمكِن أن يَرمِيَ في اليوم الثاني-أي في اليوم الثاني عشر-عن اليوم الحادي عشر والثاني عشر، أو في اليوم الثالث عشر، فأيْن هذا العُسْر الذي يَزْعُمُهُ مَن يَزْعُمُهُ مِن الناس ؟! فالحديث قد ثَبَتَ عن النبي-صلى الله تبارك وتعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم-مِن طريق عاصِم بن عدي عند الإمام مالك والشافعي وأحمد والنسائي وأبي داوود والترمذي والدارمي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وأبي يعلى والحُمَيْدِي وأحمد وغيرهم مِن أئمة الحديث، وقد رواه الإمام الربيع-رحمه الله تبارك وتعالى-مِن طريق أبي عبيدة بَلاغاً عن النبي(2) صلى الله عليه وسلم أنه رَخَّصَ لِلرعاة بِأن يَرموا اليوم العاشِر والغداة ثم يَرموا يوما عن يومين .. أي يَجمَعوا رمي اليومين في يوم واحد، وهذا فيه دلالة واضحة وحُجّة نَيِّرَة بِأنّ ذلك يكون أداءً لا قضاءً، إذ لا يُمكِن لِلنبي صلى الله عليه وسلم أن يَأمُر بِعبادة تُؤَدَّى بعد وقتها مِن غير ضرورة مُلِحَّة مع أنه قد أَمَرَ بِذلك، فهذا دليل على أنه أداء، ثم إنه لو كان قضاءً-أيضا-فهذا الحديث يَدلّ على أنّ العبادة يُمكِن أن تُقضى بعد وقتها، وذلك يَدلّ عليه أيضا: ( فدَيْنُ الله أَحَقُّ بِالقضاء ) وما شابه ذلك مِن الأدلة، أما تقديم العبادة عن وقتها مِن غير دليل فهذا مِمّا لا يُمكِن أن يَقول بِه أحدٌ بعد ثبوت هذه السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن نَلتمِس العذر لأولئك العلماء الذين قالوا بِخلاف ذلك أما أن نأخذ بِقولهم فهذا مِمّا لا يَنبغي، ثم ليس هنالِك عُسْر بِحمد الله بل فيه يُسْر كبير جدا جدا .. كثير مِن أهل العلم قالوا: " إنّ الإنسان ليس له أن يَرمي بعد غروب الشمس " ونحن نقول: إنّ الدليل قد دلَّ على أنّ مَن لم يَستطِع له أن يُؤَخِّر ذلك حتى إلى اليوم الثالث عشر .. أن يُؤَخِّرَ رَمْيَ اليوم الحادي عشر حتى إلى الثالث عشر، فهذه مسألةٌ يَنبغي أن يُنْتَبَه إليها وأن نَأخذ بِما ثَبَتَ في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويُعجِبُني ما قاله العلاّمة المحقِّق سعيد بن خلفان رحمه الله: " ومِن العَجب أن أَنُصَّ لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتَ تُعارِضني بِعلماء بيْضة الإسلام مِن غيْر دليل ولا واضِح سبيل .. أليس هذا في العيان نوعا مِن الهذيان ؟! ". وقطب الأئمة-رحمه الله تبارك وتعالى-قد شدَّدَ أيّما تشديد فيمَن خالَف السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد قال كلاما ما معناه إن لم يَكن هذا هو اللفظ الذي ذَكَرَه القطب رحمه الله تبارك وتعالى .. قال: " اعلم أنه لا يَجوز لك الإسرار بها ولا تقليد كلام ' الديوان ' في ذلك بعد قيام الحجة عليك بِما تقدم وبِما يأتي إن شاء الله تبارك وتعالى، وإن كان لِلديوان حديث في ذلك لم نَطَّلِع عليه لَوَجَبَ علينا العمل بِما اطَّلَعْنا عليه مِن الأحاديث، فكيف ولا حديث لِلديوان في ذلك وإنما هو مُجرّد استحسان، فمَن أكب عليه بعد اطِّلاعه على الأحاديث والحجج خِفْتُ عليه ألاّ يَنجو ولا تَناله الشهادة لأنّ في ذلك إصرارا وعنادا " أو ما هذا معناه(3), فالقطب-رحمه الله تبارك وتعالى-قد شدَّدَ فيمَن قلَّد كلام صاحب " الديوان " في هذه القضية وقال إنه حتى لو كان هنالِك حديث استدل به صاحب " الديوان " بِما أننا لم نطَّلِع عليه فإنّ الواجب علينا أن نَأخذ بِالسنّة الصحيحة، وأنه لا يَجوز لأحد أن يُعانِد ويُخالِف السنن بعدما ثَبَتَتْ. والشيخ السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-قد شدَّدَ في مثل هذه القضايا أيّما تشديد، فيقول رحمه الله تبارك وتعالى: المصطفى يَعتبِر الأوصاف ***** ونحن نَحكي بعدَه خِلافا لا نَقبَل الخلافَ فيما وَرَدَ ***** فيه عن المختار نصّ أُسْنِدَ وعندما وَجَدَ رحمه الله-تبارك وتعالى-كثيرا مِن الناس يَجعلون الإمام هو الذي يُقيم الصلاة إذا كان المؤذِّن غيْر ثِقة شَدَّد في ذلك رحمه الله-تبارك تعالى-أيّما تشديد فقال: " ومثله " .. أي مثل الآذان .. ومثله قد قِيل في الإقامة ***** لأنها تابِعةٌ أحكامَه فقيل سنّة وقيل فرض ***** وثِقَةً يَشرُط فيها البَعْضُ فإن يَكن ليس بِهذا الوصف ***** أسرَّها الإمام فيما يُخْفِي ولا دليل عندنا لِهذا ***** إني أرى قائله قد هَذى يَظُنُّ أنّ الاحتياط فيه ***** وهو فساد حيث لا يَدْرِيه فكان منه سبَب انصراف ***** من بعده عن سنّة الأسلاف فجعلوا إمامهم مقيما ***** إذ كان فيه ثقة سليما وَقَبِلُوا الأذان مِمّن حَضَرَ ***** فبدَّلُوا سُنَّة سَيِّد الورى إذ كان في سُنَّتِهِ مَن أَذَّن ***** فهو يُقيم وعليه صَحْبُنَا حتى أتى مَن جَهلوا المسنون ***** وهم لِلاحتياط يَدَّعُون فبَدَّلُوا ولَيْتَهُم ما بَدَّلوا ***** ورَسَخَتْ بِقلب مَن لا يَعقِل حتى ادَّعَاها سنّة واحتال ***** على ثبوتِها بِما قد قال وهو لَعَمْرِي جَدَلٌ مُحَرَّم ***** لأنه يَقول ما لا يَعلم وأنه ساعٍ لِهَدم السنّة ***** بِجهله كفى بِهذا مِحْنَة إلى آخر كلامه رحمه الله تبارك وتعالى(4). والإمام الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-عندما وَجَدَ بعضَ العلماء قالوا بِخلاف حديثٍ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وقولٌ بِخلاف الحديث يُضْرَبُ بِه عُرْض الحائط " مع أنه قد قال بِذلك القول بعضُ مشائخه رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم. وهكذا نَجِد فُحُولَ الرِّجال إذا وَجَدوا سنّة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخذوا بِتلك السنّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو خالَفها مَن خالَفها مِن أهل العلم، ولِذلك الشيخ السالمي-رحمه الله-يقول: فقولهم عند وجود الأثر ***** لا حظَّ فيه أبدا لِلنظر معناه ما أتى عن المختار ***** يَنفي خِلافَه مِن الأنظار وعلى كل حال: حسبك أن تتّبِع المختار ***** وإن يَقولوا خالَف الآثار و: ولا تُنَاظِر بِكتاب الله ***** ولا كلامِ المصطفى الأوّاه معناه لا تَجعل له نظيرا ***** ولو يَكون عالِما خبيرا فهذا الذي يَنبغي للإنسان. ومِن العَجب أنّ كثيرا مِن الناس يَتَحَجَّجُونَ بِأنه قد قال بِهذا القول محمد بن علي .. أي تقديم الرمي عن وقته، وأوَّلا قد أَخْطَؤُوا .. محمد بن علي ليس هذا هو المشهور، وإنما هذا هو رجل مالكي كما ذَكَرَ ذلك ابن عبد البر وكما ذكر ذلك ابن رشد أيضا، ونحن-أيضا-وإن كنّا نقول: " إنّ هذا الرجل له العذر فيما قال به " ولكن مهما كان لا يُمكِن أن نُقَلِّدَ أحدًا بعد ثبوت السنّة الصحيحة الثابتة ثبوتا أوضح مِن شمس الظهيرة، وهذه المسألة سَنَزِيدُها بَسْطاً-بِمشيئة الله-في الدروس القادمة(5) ، فأسأل الله-تبارك وتعالى-أن يُوفّقَنا لِلعمل بِالسنّة؛ والله أعلم. __________________ السؤال: اضطرابُ الدورةِ عندَ النساءِ بِسببِ استخدامِ أقراصِ منعِها في حالِ ذهابِهنّ إلى الحج أو إلى العمرَة أو إلى أيّ شيءٍ آخَر يَحتجْن فيه إلى ذلك الأمْر، فهل يَصِحّ مثلُ هذا الإجراء ؟ وإذا ما اضطَرَبَتْ الدورةُ عندَ المرأةِ بِهذهِ الطرِيقة، كيف تَصنَع ؟ الجواب: إنّ استعمالَ الحبوب وما يَجرِي مجراها مِمّا يَمنَع مِن خروجِ دَمِ الحيضِ المعروف أو مِن إِيقافِه بعدَ خروجِه .. هذه المسألَة اختلَف فيها العلماء قديما: 1-منهم مَن ذهبَ إلى أنّ ذلك مَمنوع لا يَصِح سواء كان ذلك قبلَ خروجِ الدم أو كان ذلك بعدَ خروجِه. 2-ومنهم مَن ذهبَ إلى جوازِ ذلك مطلَقا .. أي سواء قبلَ خروجِ الدم أو بعدَ خروجِه، فإذا تَوقَّفَ الدم فإنّ تلكَ المرأة يَصِحّ لَها أن تَأتِي بِما تَأتِي بِه المرأة الطاهِرَة مِن صلاةٍ وصيامٍ واعتكافٍ وقراءةٍ لِلقرآنِ الكريم ولَمسٍ لِلمصحف-إذا كانتْ متوضِّئَة-وطوافٍ إلى غيْرِ ذلك، وهكذا فيما يَتعلَّق بِمسألةِ الوطْء. 3-ومنهم مَن تَوسَّطَ بيْن القوليْن فقال: إنّ ذلك جائز قبلَ خروجِ الدم أما بعدَ خروجِ الدم فإنه ليْس لِلمرأةِ أن تَستعمِل شيئا مِن هذه الموانع. وليْس هنالك دَلِيل صرِيح في سنّةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على واحدٍ مِن هذه الأقوالِ الثلاثة المذكورة، ولكن القول بِجوازِ ذلك مطلَقا وأنه إذا تَوقَّفَ ذلك الدم إذا استعملتْه بعدَ خروجِ الدم فإنه يَجِب عليها الغسل ويَجِب عليها ما يَجِب على المرأةِ الطاهِرَة ويَجوز لَها ما يَجوز لِلمرأةِ الطاهِرَة هو القول الصحيح، وذلك لأنّ هذا الأمر-أعني أمْرَ العبادات-معلَّقٌ بِوجودِ الحيْض فإذا تَوقَّفَ الحيْض ووُجِدَ الطُّهْر فإنّ هذه العبادات تَجِب على المرأةِ-أعني ما يَجِب منها-ويَجوز لَها فِعْل ما يَجوز لَها مِن الأمورِ الجائزة لِلمرأةِ الطاهِرَة، فإذن ذلك يَتوقَّفُ على وجودِ الحيضِ والطهارةِ، فما يُمنَع إذا وُجِدَ الحيض فهو مَمنوعٌ في حالةِ الحيض، وما يُباحُ أو يَجِبُ في حالةِ وجودِ الطهارة فإنه يُباحُ أو يَجِبُ على مختلف الأحوال .. أي على حسب اختلافِ تلك العبادات، فإذا وَجَدَت المرأةُ الطهارةَ ولَو خَرَجَ الدم فإنه يَجِب عليها الغسل ويَجِب عليها ما يَجِب عليها مِن العبادات-كما قلتُ-ويَجوز لَها ما يَجوز مِن العبادات .. هذا الذي أَرَاه في هذه المسألة، ولكن القضية ليستْ في هذا الأمْر وإنما القضية في أنّ هذه الحبوب وهكذا بِالنسبةِ إلى الإبَر وما يَجرِي مجراها فيه قضية شائِكة أخرى يَجِب التنبّه لَها، وهو أنّ كثيرا مِن النساءِ اللاتِي يَستعمِلْن هذه الحبوب أو هذه الإبَر كُنَّ مِن قبل ضابِطات لِمسألةِ أيامِ حيضِهِن ولكن بِمجرّدِ استخدامِ هذه الموانِع فإنّ العادة تَختلِف وتَضطرِب اضطرابا كثِيرا جِدا، فقدْ تَكون عادَةُ المرأةِ منحصِرَة في سِتّةِ أيام وقد تَكون في سبعةِ أيام أو ثَمانية وهكذا على حسبِ اختلافِ النساء ولكن بِمجرّدِ استخدامِها لِهذه الحبوب أو لِهذه الإبَر فإنّ هذه العادَة تضطَرِب، فتارةً تستمِر خمسة عشر يوما وتارةً تستمِر شهرا وتارةً تستمِر أكثر مِن ذلك، فلا تَدرِي هل هذا الدم هو دم حيض أو هو استحاضة ومتى يَكون حيضا ومتى يَكون استحاضة، ويَترتَّب على ذلك إشكالات في عباداتٍ متعدِّدَة لا تَدرِي هذه المرأة تَأتِي بِتلك العبادات أو لا تَأتِي بِها، فالصلاةُ واجِبَة على المرأة في حالةِ الطهارة وهي مُحرَّمَة في حالةِ الحيض، والصيام وأعني بِالصيام صيام شهر رمضان، وهكذا بِالنسبةِ إلى الصيام الواجِب إذا كان صيام كفارة وكانت محدّدة في ذلك الوقت، وهكذا بِالنسبةِ إلى صيامِ النذر، فيَكون واجِبا في حالةِ الطهارة وتكون مَمنوعة مِن ذلك في حالةِ الحيض، وهكذا بِالنسبةِ إلى الطوافِ فإنّ الحائِض لا يَجوز لَها أن تَطوف بِالبيْت، وليس لَها عندَ أكثرِ أهلِ العلم أن تَدخُل المسجد، وهكذا بِالنسبةِ إلى قراءةِ القرآن، وهكذا بِالنسبةِ إلى معاشرةِ الزوجِ لَها، فهذه المسألة يُمكِن أن يُقالَ بِالتشدِيد فيها مِن هذه الناحية، وأنا قد جاءَتْنِي أسئلة كثِيرَة جِدا في حَجِّ هذه السنة وفي غيْرِها وفي غيْرِ هذا الموسِم المبارَك، وحتى هذه الأيام كثِيرٌ مِن النساء اللاتِي استَعْمَلْن هذه الحبوب في أيامِ الحج لا زالتْ العادَة لَم تَستقِر كما كانتْ عليه في السابِق، وهذه مسألَة مشكِلَة يَنبغِي التنبّه لَها، فأنا لا أَنصَح بِاستخدامِ هذه الحبوب ولا بِاستخدامِ هذه الإبَر ولا بِاستخدامِ شيءٍ مِن هذه الأشياء التي تَمنَع مِن خروجِ الحيض لا لِلسببِ الذي وَرَدَ في السؤال وإنما لِهذا السببِ الذي ذَكَرْتُه، ومِن المعلوم أنّ عادةَ أغلبِ النساء تَكون سِتّة أيام أو سبعة وقد تَصِل إلى العشرَة وقد تَتَجاوَز ذلك بِقلِيل على الصحيح الراجِح، فبِإمكانِ هذه المرأة التي تُرِيد أن تَذهَبَ إلى الحج .. بِإمكانها أن تَتَأخَّر في مكة المكرّمة حتى يَنتهِي وقت الحيض وتَغتسِل وتَأتِي بعدَ ذلك بِالطوافِ الواجِب إذا كان ذلك الطوافُ ركنا مِن أركان الحج أو مِن أركان العمرة، وأما بِالنسبةِ إلى طوافِ القدوم فإنّها معذورَة مِن ذلك، وهكذا بِالنسبةِ إلى طوافِ الوداع فإنّها معذورَة مِن ذلك على الصحيحِ كما دَلّتْ على ذلك السنّة الصحيحة الثابِتة، وإذا قدر بِأنها أحرَمَتْ مثلا بِالعمرَة ثم لم تَتَمَكَّن مِن الإتيانِ بِها قبلَ يومِ عرفة فإنها تردِف عليها الحج فتَكون قارِنَة بعدَ أن كانتْ متَمَتِّعَة، كما وَقَعَ ذلك لِلسيدة عائشة رضي الله-تبارك وتعالى-عنها، على أنها لو اضْطَرّتْ فبِإمكانِها أن تَرجِع إلى بلادِها ثم بعدَ ذلك تَذهَب إلى تَأدِيَةِ الطواف والسعي الذي بَعدَه، أما أن تَستخدِمَ هذه الحبوب مِن أجْلِ أن تَأتِي بِالطواف وهي في حالةِ طهارة ثم بعدَ ذلك يَقَع المحظُور فلا تَستطِيع أن تَأتِي بِالطوافِ ولا تَدرِي هل تُصلِّي أو لا تُصلِّي وهكذا بِالنسبةِ إلى بقيةِ العبادات التي لَها عَلاقة بِهذا الأمْر فإنّنِي لا أَنصَح بِذلك بل أقول: " إنه لا ينبغِي ذلك ". وأما بِالنسبةِ إلى مَن وَقَعَ لَه ذلك في الماضِي فإننا نَقول: إنّ كلَّ امرأةٍ يَنبغِي لَها أن تَسألَ عن الحالةِ التي وَقَعَتْ فيها، وأن تَصِفَ لأهلِ العلم نوعَ الدمِ وشَكْلَه وكم استَمَر وما شابه ذلك مِن الأمور التي ستوجّه إليها الأسئلة فيها حتى يُمكِن أن نَحكُم أو يَحكُم غيْرُنا مِن أهلِ العلم على هذه الحالة هل هي حيْض أو استحاضة؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. الهامش: 1- مسند الإمام الربيع بن حبيب، باب (11) ما تفعل الحائض في الحج: حديث رقم 439: أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قلتُ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ صفية بنت حيي قد حاضت " فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعلها حابستنا ؟! ألم تكن قد طافت معكن بالبيت ؟ ) قلتُ: " بلى " قال: ( فاخرجن ). أو حديث رقم 441: أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها-قالت: " إنّ صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضتْ فذكرتُ ذلك لِرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أحابستنا هي ؟! ) فقيل أنها أفاضتْ، قال: ( فلا إذن ) ". 2- مسند الإمام الربيع بن حبيب، باب (7) في عَرفة والمزدلفة ومِنى، حديث رقم 426: أبو عبيدة قال: رَخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم لِرعاة الإبل في البيتوتة، ويَرمون يوم النحر، ثم يَرمون بِالغداة، ومِن بعد الغَد يَرمون يومين ثم يَرمون يوم النفْر. 3- قطب الأئمة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش، كتاب " القنوان الدانية في مسألة الديوان العانية "، ص14: " اعلم أنه لا يَجوز لك الإسرار بها ولا تقليد كلام ' الديوان ' في هذا مع قيام الحجة عليك بِما ذكرتُ لك وبِما يأتي إن شاء الله، ولو كان لِلديوان في ذلك حديث لم نَطَّلِع عليه لَوَجَبَ علينا العمل بِما اطَّلَعْنا عليه مِن الأحاديث، فكيف لا حديث لِلديوان لذلك وإنما هو مُجرّد استحسان لا دليل عليه، فمَن أكب عليه وترك الأحاديث والحجج بعدما وصلته خِفْتُ عليه أن لا يَنجو ولا تَناله الشهادة لأنّ ذلك منه إصرار وعناد ". 4- الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب: الصلاة، باب: الأذان والإقامة، وهذا بقية كلامه رحمه الله تبارك وتعالى: لو كان سنّة كما قد زعم ***** لم تَفُتَن أسلافَنا والعلماء كيف تكون سنّة مخالِفة ***** لِما عليه العلماء السالفة وفِعله صَلَّى عليه ربُّه ***** مشتهِر مضى عليه صحبُه والخلفاءُ الراشدون أجمع ***** إلى انتهائهم عليه أجمعوا 5- وكان ذلك-بحمد الله تعالى-عند الجواب على السؤال 2 من حلقة 24 ذو القعدة 1424هـ ( 18/1/2004م )، وكان ذلك أيضا-بحمد الله تعالى-عند الجواب على السؤال 8 من حلقة 6 ذو القعدة 1425هـ ( 19/12/2004م ). __________________ ما بعد الحج السؤال: إذا ذَهَبَ الرّجُل إلى الحج ثم فَعَلَ المعَاصِي عند عودته إلى بَلده، هل يَنْتَقِض حَجّه بِمثل هذا الفِعل ؟ الجواب: حجُّه صحيح إن كان لم يَأْتِ بِما يُنَافي ذَلك في وَقْتِ حَجِّه، وأما فِعْلُه لِلمَعَاصِي بعد ذلك فَعَلَيْه أن يَتوب إلى الله-تبارك وتعالى-مِن ذلك .. على الإنسان ألاّ يَفْعَلَ شَيئا مِن مَعاصي الله-تبارك وتعالى-وإذَا أغْوَاه الشيطان-والعياذ بالله تبارك وتعالى-وفَعَل شَيْئًا مِنْ مَعَاصِي الله-تبارك وتعالى-فإنه يُؤمَرُ بِالتوبة إلى الله-تبارك وتعالى-تَوْبَةً نَصُوحًا، وإذا تاب وأناب إلى الله-تبارك وتعالى-فإنّ الله-تبارك وتعالى-قد بَيَّن-كَمَا قَد ثَبت في الحديث-بِأنّ مَن أتى شَيْئا مِن المعاصي ثم تَاب إلى الله سبحانه وتعالى وَرَجَعَ إلَيْه أنَّهُ يُجَدَّد له ذلك العمل-ذكرتُ معنى الحديث لا النص-فهذا الرَّجُل فِعْلُه لِتَلْك المعاصي لا يُؤَثّر على حَجِّه السابق ولكن مع ذلك يُؤْمَر بِالتوبة-كما قلتُ-وعَلَيْه أن يَتَخَلَّصَ مِن كُل مَا وَقَعَ فِيه إن كانت هنالك شيء مِن حُقوق العِباد .. إذا اغتَصَبَ-مثلاً-امرأةً-والعياذ الله تبارك تعالى-وزنى بِها أو زَنى بِصَبِية أو أتى امرَأَة وَهِي نَائِمَة أو عبدة أو مَجْنُونَة أو مَا شابه ذَلِك، وهَكَذَا إذَا كان قَدْ أَخَذ شَيْئًا مِن أمْوَالِ الناس مِن غَيْرِ رِضَاهُم عَلَيْهِ أن يَتَخَلّصَ .. والحاصِل أَنَّه لابُد مِن أن يَتَخَلّصَ مِن حُقوق العِباد، وكذلك إذا كان قَدْ فَرَّط في شَيْءٍ مِن صلاة أو صِيَام أو ما شابه ذلك-وأَعْنِي بِالصلاة والصيام الصلاةَ الواجبة والصيامَ الواجب-فلابد مِنَ التَّوْبَة إلى الله ومِن قَضَاءِ ذَلك، وإذا كان قَدْ وَطِئ زَوْجَتَهُ أو زَنَى في نَهَارِ رمضان-والعياذ بالله تبارك وتعالى-فلابُد مِن الكفارة .. والحاصل أنَّ مَا فَعَلَهُ مِن المعَاصِي لا يُؤَثِّر على حَجِّه السَابق ولكنه يُؤمَر بِالتوْبة إلى الله والتَخَلّص مِن كُل ما وَقَعَ فِيه إذا كَانَ هُنَالِكَ شيءٌ يَجِبُ التخَلّصُ مِنْهُ؛ والله أعلم. السؤال: لديه قناعة أنّ فريضة الحج تَطْبَع على صاحبها ألوانا مِن الـمُثُل والأخلاق والقِيَم والاستقامة لكن البعض عندما يَعود مِن هناك يَتغافَل أو يَنسى مع مرور الأيام فيَرتكِب شيئا مِن المعاصي .. يَطلب نصيحة بسيطة. الجواب: نَأمُر كلّ إنسان بِأن يَتَّقي الله-تبارك وتعالى-وأن يُحاسِب نفسَه قبل أن يُحاسِبها الله سواءً كان قد أدّى فريضة الحج مِن قبل أو لم يَقُم بِتأدِيتها ولكن إذا كان لم يَأْتِ بِها مِن قبل فَنَنْصَحُه بِأن يُبادِر إلى ذلك وألاّ يُسَوِّفَ مَخافَة أن يُفَاجِئه الموت مِن قبلِ أن يَأتِيَ بِهذه الفريضة، و-كذلك-ليس لِلإنسان أن يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِن معاصي الله-تبارك وتعالى-بِدعوى أنه سيَتوب بعد مدّة مِن الزمن .. أوّلا معاصي الله-تبارك وتعالى-ليس لِلإنسان أن يَفْعَلَها سواءً أراد أن يَتوب أو لم يُرِد وإنْ كان إذا أراد التوبة هو أسهل مِن غيره ولكن المعصية معصية وإنما الكلام في قضية الإصرار وعَدمه، وإلا فالمعصية معصية ليس لِلإنسان أن يَقْرَبَها أبدًا وليس له أن يَحوم حول حِماها .. كذلك الإنسان لا يَملِك مِن أمرِه شيئا .. قد يَأْتِيه الـمَوت الآن وهو لم يَتُب إلى الله-تبارك وتعالى-وتَكون العاقبة وَخِيمَة والعياذ بالله، فعلى هَؤُلاء أن يَتَّقُوا الله-تبارك وتعالى-وأن يَتُوبُوا إليه سبحانه وتعالى قبل فَوَات الأوان. أما بِالنسبة إلى سُؤَاله: هل يَكون حَجُّهم فاسدًا ويَجِب عليْهم أن يَأتوا بِحَجَّة أخرى ؟ فالجواب: لا إلا إذا خَرَجوا عن الإسلام، فإذا خَرَجُوا عن الإسلام يَجب عليهم أن يَحُجُّوا حَجًّا جديدًا على قول طائفة كبيرة مِن أهل العلم، لأنّ ذلك الإسلام لابد له مِن الحج لأنّ الحج رُكْنٌ مِن أركان الإسلام وهذا إسلامٌ جديد فهو وإن كانت تَرجِعُ إليه تلك الأعمال الصالحة ولكن الحج شرْطٌ مِن شروط الإسلام وهو لم يَأْتِ بِالحج في إسلامه هذا، والمسألةُ فيها خِلافٌ طويل بِإمكانِه أن يَرجِع في ذلك إلى " شرح الجامع الصحيح "(1) أو إلى غيره مِن كتب أهل العلم، فإنّ الوقت الآن لا يَكفي لِبيان ذلك. وأما حديثُ: ( مَن حَجَّ فلم يَرْفث ولم يَفْسق رَجَعَ كيوم ولدَتْه أمّه ) أي رجع مِن حَجّتِه تلك إذا كانت تلك الحجَّة صحيحةً ثابتة .. أي على وِفْقِ ما شرَعَهَا الله-تبارك وتعالى-فذلك الحديثُ صحيح ثَابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن حجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ مِن ذنوبه كيوْم ولدَتْه أمّهُ ) وأيضا: ( العُمرة إلى العُمرة كفّارةٌ لِمَا بيْنهما والحج الـمَبْرُور ليس له جَزاءٌ إلا الجنَّة )، إلى غير ذلك مِن الأحاديث الصحيحة الدالّة على هذا الأمر، ولكن ليس في ذلك أنّ مَن حَجّ وعَمل شيْئا بعد ذلك مِن معاصي الله أنه يَجب عليه أن يُعيد الحج؛ والله-تعالى-أعلم. السؤال: ما معنى حديث: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ؟ الجواب: على كل حال؛ لأهل العلم في ذلك خلاف طويل .. أي اختلف العلماء في معناه، ونَرجوا أنّ مَن كانت حَجّته خالصة لله-تبارك وتعالى-لم يَشُبْهَا شَوْبُ رِيَاء أو سُمْعَة وأتَى بها على وِفْقِ ما شَرعه الله-تبارك وتعالى-أن تكون هذه الحجَّة مِن الحجِّ الـمَبرور الذي يَصْدُق على صَاحبه ما جاء في الحديث الصحيح الثابت ولكن لابد-كما قلتُ-أن تَكون خَالصَةً لله-تبارك وتعالى-وأن يَكون الإنسان تَائِبا راجعاً إليه سبحانه وتعالى ؛ والله أعلم. الهامش: 1- شرح " الجامع الصحيح، مسند الإمام الربيع بن حبيب " للإمام نور الدين السالمي، ج1، ص103. __________________ فتاوى في العمرة : السؤال: المسافر للعمرة عَن طريق الطائرة، مِن أين يُحْرِم ؟(1) الجواب: على كل حال؛ الإنسان ينبغي لَه أَنْ يتعَلَّمَ أمور دينه فإذا أراد أن يذهب إلى أداء الحج أو إلى أداء العمرة-مثلا-فلابُدَّ مِن أن يتَعَلم المسائل المهمة التي تتعلق بالحج أو بالعمرة أو بِهما معا حتى يأتي بتلك العبادة التي وَجَبَت عليه أو التي تُسَنُّ في حقه .. يأتي بِها على الوجه الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. مِن المعلوم أنَّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وَقَّتَ مواقيت للحج والعمرة، ولا يَجوز لِمَن أراد أن يذهب إلى مكة المكرمة لأداء الحج أو العمرة أو لأدائهما معا أن يتجاوز تلك المواضع إلا وهو مُحْرِم، أمَّا إذا كان لا يريد حجا ولا عمرة فلا يَجب عليه الإحرام على القول الصحيح الراجح، وإن كان الإنسان لا ينبغي لَه أن يذهب إلى تلك البقاع إلا ويأتي بعمرة لكن إذا كانت هنالك ظروف أو يَجد مشقة أو ما شابه ذلك فإنّ الأمر فيه سعَة بِحمد الله تبارك وتعالى، فإذا كان يريد الحج أو العمرة ليس له أن يتجاوز المواقيت إلا وهو مُحْرِم .. هذا ثابت بنصّ السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي ثبوتا أوضح مِن شَمْسِ الظهيرة: فإذا كان يَسْلُكُ البَر فالأمر واضح إذا مَرَّ على تلك المواقيت: إذا مَرَّ على ذي الحليفة-مثلا-إذا جاء مِن طريق " المدينة " .. وينبغي أن نسمي هذا الموضع بـ " ذي الحُلَيْفَة " كما سَمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُسَمَّى بذلك-أيضا-حتى قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد شاع عند الناس أنَّه يسمى الآن بأبيار علي ويروي بعض الناس أنَّ عليا قد قاتل الجن بذلك الموضع فلذلك سُمِّي بذلك، وهذا كلام موضوع مُخْتَرَع مَصنوع لا يثبت أبدا، فلا ينبغي لَنَا أن نُسَمِّي ذلك الموضع بِهذه الرواية الموضوعة المخترعة المصنوعة بل ينبغي لَنَا أن نُحَارب مثل هذه التسميات، لأنَّها مكذوبة .. نعم إذا اضطُر الإنسان اضطرارا إلى ذِكْرِ ذلك كأن يسأله سائل: " مِن أين أُحْرِم ؟ " فإذا قال له: " مِن ' ذي الحليفة ' " لا يعرف ذلك لكن إذا قال له: " مِن ' أبيار علي ' " عَرَفَ ذلك فللضرورة أحكامها الخاصة وينبغي له أن يُعلِّمه بِالتسمية الصحيحة، فإذا كان مِن أهل " المدينة " أو مَرَّ بالمدينة-أي إذا جاء مِن جهة أخرى ومَرَّ بالمدينة-فإنه يُحْرِم مِنْ " ذي الحليفة "، وليس له أن يتجاوز ذلك المكان إلا وهو مُحْرِم إذا كَانَ يريد الحج أو العمرة أو كان يريد أن يأتي بالحج والعمرة معا. وإذا كان مِن أهل " الشام " وتلك الجهات التي يأتي أهلها-أيضا-مِن جهة " الشام " فإنَّهم يُحرمون مِن " الجُحْفَة " وهي الميقات الأصلي لكن كان لِمدّة طويلة مِن الزمن .. كان الناس يُحْرِمُون مِن " رَابغ " لأنَّ " الجحفة " كانت خَرَابا ولكنها عُمِّرَت الآن على حَسْب ما رأيتُ في بعضِ الكتابات وفي ذلك الموضع مسجد فينبغي الرجوع إلى الأصل، لأنَّه هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. نعم إذا جاء أهل " الشام " ومَنْ كان على جهتهم إلى " المدينة " فإنَّهم يُحرِمون مِن " ذي الحليفة ". كذلك الذين يأتون مِن جهة " العراق " الأصل يُحرمون مِن " ذات عرق " ولكنه الآن لا يَمُر على ذلك الموضع طريق أبدا فلا يُمكن المرور بالسيارات على ذلك الموضع وإنَّما يَمُرُّ أهل " العراق " ومَن يأتي مِن ناحيتهم .. إمَّا أنَّهم يَمُرُّون على " المدينة " فيُحرمون مِن " ذي الحليفة " أو أنَّهُم يَمرون على " الرياض " ونواحيها فلا يأتون على " السيل " ويُحْرِمُون مِن " قَرْن " .. فإذا أتوا مِن تلك الجهة أحرموا مِن " السيل ". كذلك بالنسبة إلى أهل " نَجد " وإلى أهل " نَجد اليمن" أيضا فإنَّهم يُحْرِمُون مِن " السيل " .. مِن " قرن المنازل ". وأَمَّا بالنسبة إلى أهل " اليمن " فإنَّهم يُحرمون من " يَلَمْلَم ". ومَنْ لَم يأت على تلك المواضع-الآن الناس تقريبا يأتون على تلك المواضع-ينظرون إلى أقرب ميقات ويُحْرِمُون مِن مُحَاذَاته .. إذا كانوا أقرب إلى " ذي الحليفة " فإنَّهم يُحْرِمُون مِن مُحَاذَاة ذلك وإذا كانوا أقرب مِن " ذات عرق " فإنَّهم يُحرمون مِن مُحاذاة " ذات عرق " وهكذا بالنسبة إلى بقية المواقيت. وهكذا بالنسبة إلى مَن جاء في باخرة في البحر فإنه يُحْرِم مِن جهة الميقات الذي يَمر مُحاذيا له. وأما الذين يأتون على الطائرات فلا شك أنَّ الغَالبية العظمى يَمُرُّون عَلَى المواقيت .. يَمُرُّون أَعلاها فإذن يُحْرِِمُون مِنَ الموضع الذي يَمرون أعلى منه مِن الميقات، وإذا كانوا لا يَمرون مِن أعلى الميقات مباشَرة فإنَّهم يُحرمون مِن مُحاذاة ذلك لكن مِنَ المعروف أنّ الطائرة تسير بسرعة كبيرة جدا فإذا أخذ الإنسان يستَعِد مِن أعلى الميقات فإنه سيتجاوز ذلك وذلك مِمّا لا يَجوز، فإذن لابد مِن أن يستعِد قبلَ ذلك .. إذا كان يريد أن يتوضّأ أو ما شابه ذلك فليستعد قبل ويلبس ملابسه فعندما يكون قُبَيْلَ ذلك الموضع ينوي الإحرام-وأريد بالنية هاهنا النية القلبية-ويقول: " لبيك عمرة " ثُم يأتي بِالتلبية .. لا يتجاوز الميقات إلا وقد لَبَّى .. هذا لابد منه، لأنّ الإنسان لابد مِن أن يأتي مِن أعلى الميقات أو يأتي-أيضا-في جهة أخرى مُحاذية لذلك .. نعم إذا جاء مِن الجهة الغربية .. مِنْ غرب جدّة مباشَرة فإنَّه في هذه الحالة لا يَمر على ميقات بناء على رأي كثرة كاثرة مِنْ أهل العلم بِأنَّ المواقيت لا تُحِيط بِالحرم تَماما .. أي أنَّ ذلك الموضع لا يكون مُحَاذِيا لشيء مِن المواقيت وهذا هو الظاهر لي إلى الآن، فمِنْ تلك الجهة .. الذين يَأتون في البواخر مِن تلك الجهة أو الذين يأتون في الطائرات مِن تلك الجهة لا يَمرون بِميقات فَبِإِمكان هؤلاء أن يؤَخِّروا إلى " جدّة " ولكن هي مَنْطِقَة ضَيِّقة جدا جدا فالأَوْلَى لَهم أن يُحْرِمُوا عندما يُحَاذُون الميقات الذي يكون أَقْرَب إليهم، وهم إما أن يُحاذوا " السيل " وإما أن يُحاذوا ذا الحليفة أو(2) الجحفة، لكن لَو أتوا مِن تلك الجهة وهي جهة صغيرة جدا جدا فبالإمكان، لكن معنا في الجهة الشرقية وهكذا بالنسبة إلى أهل الجهة الشمالية والجنوبية وبعض الأجزاء مِن الجهة الغربية لابُد مِن أن يُحَاذوا ميقاتا مِن المواقيت فلابد مِن الإحرام مِن ذلك المكان ولا يَجوز لَهم أن يُؤَخِّرُوا ذلك. وقد انتشَر عندَ بعض الناس رأيٌ بِخلاف ذلك وهو أنَّه: " بِإمْكَان الناس أن يُؤَخِّروا ذلك إلى الوصول إلى المطَار وذلك لأنَّ الذي يَمُر مِن أعلى الميقات لا يكون مَارا على ميقات ولا مُحاذيا له "، وهذا القول مِن البطلان بِمكان، وتقريره يَحتاج إلى إطالة، وربَّما يكون ذلك في وقت آخر بمشيئة الله تبارك وتعالى. فالحقّ الحقيق بِالقبول أنه ليس لأحد أن يُؤَخِّر ذلك فعليه أن يستعِد مِن قبل ويسأل أهل الطائرة ويُحْرِم مِن ذلك الموضع .. يَتَقَدَّم قليلا مَخَافَة أن يتجاوز الميقات وإن لَم يُخْبره مُخْبِر فليحْرِم مِن قبل نصف ساعة تقريبا، فلا بأس مِن الإحرام قبل الميقات لأجل الضرورة، أَمَّا في حالة عدم الضرورة فلا ينبغي لأحد أن يتَقَدَّم على ذلك، لأنَّ النبي لَم يُحْرِم قبل الميقات وأمر بالإحرام مِنْ تلك المواقيت ولنا فيه-صلوات الله وسلامه عليه-الأسوة الحسنة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: مَن سافر لِمُهمة عمل إلى مكة أو إلى جدة ثُم أراد أن يعتمر، مِن أين يُحرم ؟ الجواب: لا يَخلو من أحد أمرين: إما أَنْ يُريد أن يعتمر .. عندما خرج من بلاده كان قَاصِدا لأن يعتمر وهذا لابد من أن يُحرم مِن عند الميقات .. لابد من أن يُحرم من الميقات. وإما أن يريد أن يذهب إلى ذلك المؤتَمَر أو إلى ذلك العمل ولكن إذا بقي هنالك وقت .. إذا بقي مُتَّسَع مِن الوقت وحصلت له فرصة فإنَّه سيذهب لتأدية العمرة وإن لَم يبق شيء من الوقت فإنه سيرجع إلى بلاده، فهذا لَم يعزم على العمرة فيذهب ويقضي مآربه وبعد ذلك إن أراد أن يُحرِم بالعمرة فإنَّه يُحْرِم مِن ذلك الموضع إذا كان من الحِل أما إذا كان في الحرم فلابد من أن يَخرج مِن الحرم .. إذا كان يريد أن يُحرم بعمرة لابد من أن يَخرج من الحرم إلى الحل ويُحرم من الحل، أما إذا كان-مثلا-يذهب إلى جدة أو إلى أي مكان آخر داخل المواقيت وخارج من الحرم فإنَّه يقضي مآربه وبعد ذلك إنْ أراد أن يعتمر فليحرم من ذلك الموضع الذي هو فيه، وهكذا بالنسبة إلى الذين يعيشون في تلك المواطن أي الذين يعيشون بَيْنَ الميقات وبين الحرم فإنَّهم يُحرِمون من ذلك المكان. __________________ السؤال: بالنسبة للمرأة الحائض إذا سافرت للعمرة، مِن أَيْنَ تُحْرِم ؟ الجواب: إذا كانت هذه المرأة تُرِيد العمرة ولكن أَتَاهَا الحيض قَبْلَ أن تَصِل إلى الميقات وهي لازالت مُرِيدَةً للعمرة فلابد مِن أن تُحرم مِن ذلك الموضع لتغتسل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسْمَاء بأن تغتسل وهي نُفساء والحائض في حُكْمِ النفساء وتَصِل إلى مكة المكرمة وتَنْتَظِر حتى تطْهُرَ وتَتَطَهَّر فإذا طَهُرَت وتطَهَّرَت فإنَّها تأتي بعد ذلك بِمَناسك العمرة .. تطوف وتسعى وتُقَصِّر، أما إذا كان عندما أَتَاهَا الحيض نَوَت أن تُلْغِي العمرة في تلك السَّفْرَة بسبب ارتباط تلك الحَمْلَة التي هي فيها .. مثلا كان ذلك الـمَحْرَم أو الزوج الذي يُرافقها لا يُمكنه أن ينتظرها حتى تطهر وتغتسل وتُكْمِل بَقِيَّة مناسك العمرة فهاهنا تُلْغِي تلك العمرة، هي لَم تُحْرِم بِها مِن قَبْل .. لو كانت أحرمت بِها من قبل فالأمر يَختلف لكنها لَم تُحْرِم على حَسب السؤال .. لتترك نِيَّة العمرة ولتذهب مع أصحابِها وبعد ذلك تَرْجِع وتعتمر مرة أخرى بِمشيئة الله تبارك وتعالى، لكن-مثلا-لو طَهُرَت واغتسلت قبل أَنْ ترجع إلى بلادها فإنَّها في هذه الحالة تذهب إلى التَّنْعِيم وتُحْرِم مِن هناك وتؤدي مناسك العمرة، قد تكون عادة المرأة-مثلا-ستة أيام ويَعْرِفُ ذلك الـمَحْرَم أو ذلك الزوج المرافق لتلك المرأة أنَّه لَن يتمكن لأن يبقى لِهَذِه المدة فَهُوَ يريد أن يَخرج مِن مكة المكرمة بعد ثلاثة أيام-مثلا-فَهَذه المرأة تذهب هكذا إلى مكة المكرمة من غير إحرام لكن لو قَدَّرْنَا أنَّها طهُرَت بعد ثَلاثَة أيام أو طَهُرَت بعد يومين بناء على أنَّ الحيض لا يُشْتَرَط أن تَمكُث المرأة لِمُدة ثلاثة أيام فَصَاعِدا كما هو الصحيح الراجح .. وهذا وإن كان مُخَالِفاً للمشهور-طَبْعاً-في قضية مُدَّة الحيض لكنَّه هو الذي أَرَاه وهو مذهب طائفة كبيرة مِنْ أهل العلم .. إذا طَهُرَت بعد ثلاثة أيام-مثلا-فتغتسل وتذهب وتُحرم من التنعيم ولا تؤمر هاهنا بأن ترجع إلى الميقات لأنها عندما تجاوزت الميقات ما كانت تنوي العمرة، وكذلك-مثلا-لو أراد بعد ذلك ذلك الزوج أو ذلك المحرم أن يتأخر قال: " لا بأس أبقى لِمدة ستة أيام أو أكثر " مثلا فلتصنع ما ذكرناه، أما ما تفعله بعض النساء بأنَّها تتجاوز الميقات من غير إحرام وهي تنوي العمرة وتصل إلى مكة المكرمة وتبقى هناك حتى تطهر وتغتسل ثُم بعد ذلك تذهب إلى التنعيم فهذا مِما لا يصح أبدا، في هذه الحالة عليها أن تتوب إلى الله وأن تندم على ما فرَّطت من أمرها وأن ترجع إلى ذلك الميقات: بعض العلماء يقول لابد مِن أن ترجع إلى ذلك الميقات الذي مَرَّت عليه ولَم تُحرم منه وهي تريد الحج أو العمرة. وبعض العلماء يقول لا يلزم أن ترجع إلى ذلك الميقات بل ترجع إلى أي ميقات من المواقيت. والمواقيت هي الخمس السابقة وليس التَّنْعِيم من تلك المواقيت كما يظنه بعض الناس ..إذا كانت مَرَّت على ذي الحليفة-مثلا-على الرأي الأول لابد من أن ترجع إلى ذي الحليفة ولا يَجوز لَها أن تذهب-مثلا-إلى السيل أو إلى الجُحْفَة أو إلى يلملم .. لابد من أن ترجع إلى ذي الحليفة، وإذا كانت مَرَّت على الجُحْفَة-مثلا-فلابد من أن ترجع إلى الجُحْفَة أو إلى أبعد منه إلى ذي الحليفة، كذلك إذا مَرَّت على السيل لابد مِنْ أن ترجع إلى السيل أو إلى ميقات أبعد إلى ذي الحليفة أو الجحفة أو يلملم-مثلا-أمَّا أن ترجع إلى ميقات أقرب فعلى هذا الرأي لا .. إذا مَرَّت على ذي الحليفة لا يُجزيها أن تُحرم من أي ميقات آخر وإذا مَرَّت على الجحفة فإنه يُجزيها أن تُحرم من الجحفة أو من ذي الحليفة أما من يلملم الذي هو أقرب من الجحفة أو من السيل الذي أقرب من الجحفة فلا، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّها يُجزيها أن تُحرم من أي ميقات من المواقيت ولابد من أن تُحرم من واحد من المواقيت لا أن تذهب إلى التنعيم أو ما شابه ذلك من مواضع الحِل كما يتصوره بعض الناس، ومع ذلك عليها التوبة إلى الله وبعض العلماء يُلْزِمُها مع ذلك أن تفتدي ولكن إذا رجعت إلى الميقات وتابت وأنابت إلى الله-تبارك وتعالى-فقد يُرَخَّصُ لَها في عدم الدم، وعَبَّرْتُ بالفدية هاهنا تَجَوُّزاً وإلا الأصل أن لا يُعَبَّر بالفدية لأن الفدية على التخيير وهذا لا تَخيير فيه فلابد من الدم على رأي من يقول بذلك. فإذن خلاصة ما ذكرناه إذا كانت هذه المرأة تُرِيد أن تعتمر أو تريد الحج فلابد من أن تُحْرِم من الميقات وإذا كانت قد أَلْغَت ذلك لظروفها فهنا تذهب إلى مكة بدون إحرام فإذا قدَّر الله-تبارك وتعالى-وقضى بأن انتظرت تلك الجماعة التي هي فيها أو طَهُرَت هي قبل الميعاد المعروف فإنَّها تذهب إلى أيِّ موضع من مواضع الِحل وتُحرم من هناك، كذلك الحائض إذا أتت وهي حائض وهي مُحْرِمة ليس لَها أن تطوف بالبيت .. إذا كانت في وقت الحج تذهب إلى مِنَى وإلى عرفة وإلى جَمْع ولكن ليس لَها أن تطوف بالبيت تنتظر وكذلك لا تسعى إن كانت لَم تطف لأن السعي يكون بعد الطواف أما إذا أتاها-مثلا-الحيض بعد الطواف .. طافت بالبيت وأتاها الحيض بعد الطواف إذا كانت صَلَّت الركعتين فلا إشكال تذهب وتسعى لأن المسعى على الصحيح ليس من البيت وإن كان يظهر لأول وهلة بأنه من البيت ولكنه لم يُبْنَ مِنَ البيت والعبرة بالتَّأْسِيس، فَلْتَسْعَ وإن كانت على غير طهارة لأن الطهارة لا تُشْتَرط في السعي وما جاء عن بعضهم من اشتراط ذلك لا يصح، والرواية التي جاءت في مُوَطَّأ مالك من رواية يَحي ليست بصحيحة فبقية الروايات لا تَشْتَرِط ذلك فهذه الرواية مِما شَذَّ به يَحي فلا يُقْبَل ذلك الشُّذُوذ منه، فلتَسْعَ ولا شيء عليها وإن كانت لَم تأت بالركعتين فلْتُأَخِّر الركعتين تيسيرا عليها وتأتي بذلك بعد ذلك بِمشيئة الله تبارك وتعالى، أمَّا إذا كانت لم تَطُفْ فلتنتظر وبعض النساء سَمعن بأن الحائض لا تطوف فأَتَيْنَ وسَعَيْن وأَلْغَت تلك النساء الطواف لأن الحائض لا طَوَاف عليها في اعتقادها .. هكذا حَمَلَت ( غَيْرَ أن لا تَطُوفِي ) وهذا خَطَأ فاضح .. طواف العمرة وطواف الحج ركن من الأركان التي لا يَجُوز تَرْكُها وإنَّما تُعْذَر الحائض من طواف الوَدَاع فقط أمَّا طواف الإفاضة-أُكَرِّر-وطواف العمرة رُكْنَان .. طواف العمرة رُكن من أركان العمرة وطواف الإفاضة الذي هو طواف الزيارة ركن مِن أركان الحج فلا تُعْذَر الحائض من ذلك فلابد من التَنَبُّهِ لِهذا الأمر؛ والله ولي التوفيق. السؤال: ما هو مُسْتَنَد مَن يَقول: إنَّهُ لاَ يَصِحّ أن يَعْتَمِرَ الفَرْد أكثر مِن عُمرة في الزِّيارَة الوَاحِدة ؟ الجواب: مُسْتند هَؤلاء أنّه لَم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنّه اعْتَمَر في سَفَرٍ وَاحد مِن أسْفارِه أكثر مِن مَرّة مع حِرصه على الخَير، ولم يَثْبت-كذلك-عن أحد مِن صحابته-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-بِأنَّهم قد اعتَمَروا في حَيَاتِه-صلوات الله وسلامه عليه-أكْثَر مِن عُمرة واحدة في سفر واحد مِن أسْفَارِهِم، وإنَّما أَذِنَ النّبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لِلسيّدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-بِأن تَعْتَمِر بَعد أن قَرَنَتْ .. فإنه تَطْيِيبًا لِنَفسها أذِنَ لَها بِأَن تَعْتَمِر مِن " التَنْعيم " وأَمَرَ أخاها عبد الرحمن بِأن يُرَافِقها .. ولَم يَرِد دَليل صحيح سالِم مِن كُل اعتراض بِاعتمار عبد الرحمن-رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أَبِيه-مَع السيِّدَة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-والأمرُ مُحْتَمِل .. هُنَالِك رواية تَدُل عَلَى أنه اعْتَمَرَ، ولعلّ هذا الأقرَب إلى الصواب ولكن ذلك لِمرافقتِه لِلسيدة عائشة على أننا لا نستطيع أن نَقول: " إنّه قد اعْتَمر "، أما الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وصحابتُه-كما قلتُ-لم يَعتمِر أحَدٌ مِنْهم أكثر مِن مرة واحدة. وبعضُ العلماء يَقُولُ بِمَشْرُوعية الاعتمار في السّفر الوَاحد أكثر مِن مرة. ونَحْن نَقُول بِالجواز مِن حَيْث الجواز لِما ذكرناه مِن هذا الدليل وإنّمَا الكلام في الفَضل .. هَل الأَفضَل للإنسان أَن يُكْثِرَ مِنَ الإتيَانِ بِالعُمْرَات أو أن يُكثِر مِنَ الطَوَاف مِن غَيْرِ أن يَعْتَمِرَ إلا مَرّةً وَاحِدَة في السَّفر الوَاحد كمَا ثَبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ اللهم إلا إذا بَقِي مُدّة طويلة في مَكّة الـمُكَرمة فالأمر يَختلِف، أما أن يَذْهب الإنسان لِعدة أيَام فالأفضل-على حَسب مَا نَرَى-أن يُكْثِر مِن الطوَاف ومِن ذِكر الله-تبارك وتعالى-مِن غَير أن يَأتي بِأكثر مِن تِلك العُمرة التي دَخَل بِهَا مَكّة المكرمة لِما ذكرناه. ولا يُمْكن أن يُعْتَرَضَ علينا بِما ذَكرناه سَابِقًا مِن حَديث النّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( العُمْرة إلى العُمرة كَفَّارة لِما بَيْنَهُمَا )، لأنّ الذي قال ذلك هُو الذِي لم يَعتَمِر ولم يَأمُر صحابتَه-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-بِذَلك وإنَّما أَذِنَ لِلسيّدة عائشة-رضي الله تبارك و تعالى عنها-لِظَرْف خَاصٍّ بِها كما قدّمناه، والـمَجال لا يَتّسِع لِلإطالة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: العُمرة إذا كانت الأولى عن نفسه والثانية لِغَيْرِه، هل يُعْتَبِر هَذا مِن قَبِيل التكرار ؟ الجواب: نَحن نَقول: لا مَانِع مِن التِكْرَارِ مِن حيث الجوَاز وإنَّما مِن حيث الفضْل .. أما إذا كان الشّخْص يَعْتَمِر عن أبيه وأبوه لم يَعْتَمِر مِنْ قَبْل أو عن أمّه وأمُّه لم تَعتمِر مِن قبل ولاَ يَسْتَطِيعَان الذّهاب إلى العُمْرة لِـمَرَض-مثلا-لا يُرجَى مِنْهُ الشِّفاء بِحَسْبِ الظَّاهِر وهَكَذَا بِالنّسبة إلى أقَارِِبِهمَا فذلك مِمَّا لا مَانع مِنْه بِمشيئة الله-تبارك تعالى-بل ذلك مِن باب التعاون على البِر والتَّقوَى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. __________________ السؤال: هَل لِلزَّوْجِ طَاعَة إذا مَنَعَ زوجتَه عن الذهَاب إلى العُمرة ؟ الجواب: أما إذا مَنَعَهَا عن فَرِيضَة الحج وكانت تُريد أن تَذهب مع مَحْرَمٍ لَها فلا طاعة له ولا كَرامة، لأنه يَمْنَعُهَا عن أمْرٍ وَاجِبٍ مُتَحَتِّم عَلَيْها، إذ إنّ الحجَّ واجبٌ بِنَصِّ كتابِ الله وسنّة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ثم هو على الفَوْرِ على الصَحِيحِ كما قلنا.. فإِذَا كَانَت سَتَذْهَبُ مَعَ مَحْرَمٍ مِنْهَا ومَنَعَهَا مِن ذلك فَيَنبغي لَها أنْ تُحَاوِل بِأن تُقْنِعَهُ بِالـمُوَافَقَة على الذّهَابِ وَإذَا لَم يُوَافِق عَلَى ذَلِك فَلا طَاعَةَ لَهُ ولاَ كَرَامَة، إذْ لاَ طَاعَة لِعَبْد في معْصِيَة الله تبارك وتعالى، فَنَقُول لِهذا الزوج بَدَلا مِن أن يَمْنَعَ زوْجَتَه عَن الإتيان بِفَرِيضة الحج أو بِالعُمرة أنّه عَليْه أن يَتُوب إلى الله-تبارك وتعالى-ويَنْبَغي له أن يُرَافِقها مِن أجل تَأدِيَة فَرْض الله-تبارك وتعالى-عليه إن كَان قادِرا على ذلك، وإن كان قَدْ أَدَّى الفَرِيضَة وهو يَْقدِرُ على الذهَاب-أيضا-يَنبَغي له أن يَذهب إلى تِلك البِقاع المقَدَّسة ويَأْتي بِالعُمرة وبِالحج، وقد سَبَق فَضْل مَن حَج أو اعتمَر إذا كان يُريد بِذلك وَجَه الله تبارك وتعالى. أما بِالنسبة إلى العُمْرة فإن كانت لاَ تَذْهب مَع مَحْرَم مِنْهَا-فكما قلتُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تؤَخِّرَ ذَلِك حَتَّى تَجِد مَحْرَمًا مِنْها وتَذْهَب وتُؤَدِي الحج والعُمرَة مَعًا، ثم-أيضا-العُمْرة فيها خِلاَفٌ بَيْنَ أهل العِلم كما قدمناه، فإذَا تَأَخَّرت قليلا ثم ذَهَبتْ لِتَأدِيَة فَريضةِ الحج وتَأْدِيَة العُمرة بعد ذلك مع مَحْرَمٍ مِنْهَا وتَدعو-ونَحن نَدعو معها-بِأن يَهدِيَ الله-تبارك وتعالى-هذا الرَّجُل-وغَيْرَه مِن الناس وأن يَهْدِيَنَا جَميعا إلى طاعة الله تبارك وتعالى-فلعلّه يَقُومُ بِمُرَافقَتها أو يَأذَنُ لَها أو تَجِد مَحْرَمًا مِنْهَا وتُرَافِقه. و-كما قلتُ-في الحج لاَ طَاعَة لَه أبَدا، أما العُمرة فعلى ما فيها مِن كلام، وبِإمْكَانِها-أيْضا-أن تُؤَخِّر وَلَوْ لِعِدَّةِ شهور ثم تَذهَب في هذه السنَة بِمشيئة الله لِتَأدِيَة الأمْرَيْنِ مَعًا وافَق هَذَا الزّوج أو لم يَوَافِق ولكن تَذْهب مع مَحْرَم مِنْها؛ والله أعلم. السؤال: طواف الوداع في العمرة، هل هُوَ واجب ؟ الجواب: اختلَف العلماء في طواف الوداع للعمرة: ذهبت طائفة مِنْ أَهْلِ العلم إلى أنَّه لا يُشْرَع طوافٌ للوداع بالنسبة للعمرة وإنَّما هو خاص بالحجِّ لِغَيْرِ الـمَكِّي، وذَلِكَ لأنَّه لَمْ يَثْبُت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه-أنَّه طاف للوَدَاع بَعْدَمَا اعْتَمَرَ. وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنَّه يُشْرَع في حَقِّ المعتَمِر أن يطوف للوداع، وذلك لأنَّ النبي-صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه-قَد طَافَ للوداع بعد الحج وأَمَرَ الناس بأن يَجْعَلوا طواف الوداع آخِر العَهْد بالبيت شَرَّفَه الله تبارك وتعالى. واحْتَجَّ بعض العلماء على ذلك-أيضا-برواية تُرْوَى عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-تدُلُّ على مشروعية طواف الوَدَاع للمُعْتَمِر ولكن تلك الرواية لا تثبت مِنْ حيث إسنادها. فالتعويل على هذا الأمر الذي ذَكَرْنَاه مِن طواف النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وذلك أنَّ هذا هو آخر العَهْدين، فَعَدَم طَوَاف النَّبِي-صلوات الله وسلامه عليه-للوَدَاعِ للعمرة مُتَقَدِّم على طوافه للوداع للحج، وهذا الطواف-كما هو معلوم-لا عَلاقةَ له بالحج، ولِذَلِك لا يُؤْمَر بِهِ الـمَكِّيّ بل لا يُشْرَعُ في حقِّه أبدا، وما دَامَ الأمر كذلك فهو مَشْرُوعٌ لوداع البيت شَرَّفَه الله تبارك وتعالى، ولا فَرْقَ في ذلك بين الحاجِّ والمعْتَمِر، فعَدَم فِعْل النبي-صلوات الله عليه وسلامه-له في طواف العمرة الظاهر أنَّه لَم يكن مَشْرُوعا في ذلك الزمان فلذلك تَرَكَه، وفي ذلك الزَّمَان كانت تُشْرَع العِبَادَات وتكون بَعد مُدَّة قصيرة مِنَ الزَّمَن في بعض الأحيان بل قَد تكون هنالك لَحَظَات بين مشرُوعِيَّة حُكْمٍ وحُكْمٍ آخر، والذي يظهر لَنَا-لِذَلك-هَو أَنَّ طَوَافَ الوَدَاع مشْرُوعٌ للحج والعمرة، إلا أَنَّه في الحج مُتَّفَقٌ عليه لِغَيْرِ الحائض والنفساء، واختلَف العلماء في المريض الذي لا يستطيع الطواف سواء بِنَفْسِه أو أن يطوف به غيره هل يَجب عليه الدَّم أو لا يَجب عليه ؟ والصحيح بأنَّهُ يُعْذَرُ كما تُعْذَرُ الحائض والنفساء، أما مَنْ عَدَا ذَلك فإنَّهُمْ لا يُعْذَرُون عن طواف الوداع، وإن اخْتُلِفَ في وُجُوبِ الدَّم عليهم، والأَكْثَرُ على وُجُوبِه، وأما بالنِّسْبَة إلى العُمْرَة مُخْتَلَف فيه، ولا شك بأنَّ المخْتَلَفَ فيه لا يَصِل إلى درجة المتَّفَق عليه فإذَا تَرَكَه بعض الناس ظَنّا بأنَّه لا يُشْرَع فلا شيء عليه بِمَشِيئَة الله تبارك وتعالى، ولَكِنْ بَعْدَ أن يَعْرِفَ الحكم فإنَّه لا ينبغي لَه أن يتهاون بذلك وإن كنتُ لا أَقْوَى على أَنْ أُلْزِمَهُ الدَّم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. السؤال: ما حكمُ مَن طاف بعدَ الحجر أثْنَاءَ أدائِه العمرة ؟ هل يَعْتَد بِهَذَا الشَّوط أو لا ؟ الجواب: إنَّه مِمَّا لا يَخفى أنَّ طواف العمرة وطواف الزيارة بالنسبة إلى الحج ركن مِنَ الأركان التي لا تَصِح العمرة ولا الحج إلا بِها، وعليه فلابد مِن الاعتناء بأمره، وكثير مِن الناس يُفرِّطون في كثيرٍ مِن الأمورِ المتعلِّقةِ به، ومِن المعلوم أنَّه يَندرِج تَحت الطواف كَثِير مِن الأحكام: مِنْهَا مَا هو شَرطٌ مِنْ شروطِ صِحّةِ الطواف بِحيثُ إنَّ مَن فَرَّطَ فيها يَكون طوافُه باطِلا. ومِنْهَا ما هو سُنّة مِن السنن التي لا يَنبغِي التفرِيطُ فيها، لِثبوتِ ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فإذن لابد مِن الاعتناءِ بِمَعرفةِ أحكامِ الطوافِ بِمعرفةِ شروطِه وواجباتِه وسُنَنِه ومستحبَّاتِه. وكثيرٌ مِن الناسِ-كما قلتُ-لا يَعتَنونَ بِمعرفةِ ذلك، فتَرَى كثيرا مِن العوام يَذهبُون لِتأديةِ فريضةِ الحج أو لِتأديةِ العمرة وهم لا يَعرفُون عن أحكامِ الطواف شيئا .. منهم مَن يَسمَع بِالطواف ومنهم حتى مَن لَم يَسمَع بِه وإنَّما يَسْمَع بِالحج أو العمرة ولا يَعرِفُ بِماذا يَأتِي في حَجِّه وفي عُمرتِه، فلابد لِلإنسانِ عندَما يُرِيدُ أن يَذهَبَ لِتأديةِ الحج أو العمرة أن يَتعلَّمَ أَهَمَّ الأمورِ التي تَتعلَّقُ بِهما حتى يُؤدِّي تلك العبادة-التي شَرَعَها الله تبارك وتعالى-على بصيرةٍ مِن أَمرِه. والطوافُ-كما قلتُ-مِن أَهَمِّ المهمات في الحج وكذلك في العُمرة، فهو ركنٌ مِن الأَرْكَان بِالشَّرْطِ الذي ذكرتُه، وعليه فلابد مِنْ أَن يُراعِيَ ما يَتعلَّق بِه ولاسيما الشروط والواجبات. __________________ الطوافُ لَه بِدايةٌ ونِهَاية، فلابد مِن أن يَبتدِئ الطائفُ مِن مَوضِع وينتهي إليه، والطواف يبْتَدِئ مِن ركن الحجَر .. عندَما يَأتِي مَن يُرِيدُ أن يَطوف يَأتِي إلى رُكن الحجَر بِحيثُ يُقَابِلُ الحجَر فإن تَمكَّنَ مِن تَقبِيلِه قبَّلَه وإن لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك فإنه يَلْمَس الحجَر بِيَدِه اليمنى لا بِاليَدَيْنِ معا فإن لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك أَشَارَ إليه ولا يُقبِّل يَدَه التي أَشَارَ بِها وإنَّما يقبِّل يَدَه التي صَافَحَ بِها الحجَر .. أي إذا تَمكَّنَ مِن مصافحةِ الحجَر أو مِن وَضْعِ يَدِه على الحجر، ومِن ذلك الموضِع يَبتدِئ الطواف، وليس لَه أن يَبتدِئ الطوافَ مِن موضعٍ بعدَ الحجَر، فإنه إذا ابتدأَ مِن بعدِ الحجَر فإنَّ ذلك الشوط الذي ابتدأَ بِه مِن ذلك الموضع يَكون باطِلا لا عبرةَ بِه، وعليه لَو وَقَعَ شخصٌ في ذلك ثُم انتَبَه أو نُبِّهَ إلى صنِيعِه ذاك فإنَّ عليه أن يُلْغِيَ ذلك الشوط وألاّ يَعتبِر بِه أبدا ويَعْتَد بِالشوط الذي يَلِيه وهُو الشوط الذي يَبتدِئ فيه الطواف مِن مُقابِلِ الحجَر كما قدّمنا، ويَطُوف سبعة أَشْوَاط وينتهي في ذلك الموضِع الذي ابْتَدَأَ منه، ومِنَ المعلوم أنَّه لابد مِن أن يُكْمِلَ الأشواط السبعة تَمَاما فإذا نقَصَتْ ولو جزئية صغيرة مِن ذلك فإنّ طوافَه ذلك لا يُعتبَر صحِيحا. وكان منذُ فترةٍ قصِيرةٍ مِن الزمن هنالِك خطّ يَقِفُ الناس عليه وذلك الخط مقابِلٌ لِلحجَر تَمَاما وفيه مِن اليُسْرِ على كثيرٍ مِن الناس ما لا يَخفَى، لكن ذلك الخط لا يَخفى أنَّه لَم يَكُن-كما قلتُ بِالأمس-موجودا في عهدِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولا في القُرُونِ التي تَلَتْ ذلك وإنَّما وُضِعَ منذُ فترةٍ قَصِيرَةٍ مِن الزمن ثُم أُزِيل، ومِن المعروفِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم طَافَ عندَما قَابَلَ الحجَر .. وَقَفَ في مُقَابِلِ الحجَر وطافَ مِن هناك وطافَ معه صحابتُه الكِرام وكانتْ أُمَّة كبِيرَة جِدا مِن الناس، وفي ذلك مِن اليُسْرِ والسهولَةِ ما لا يَخفَى، فالتَّشَدُّدُ والتَّنَطُّع مِمّا لا يَنبغِي. فعندما يُقابِل مَن يُرِيدُ الطوافَ الحجَر فليَبتدِئ مِن هناك ولْيَتْرُك التَّشَدُّد والتنَطُّع والوساوِس والشُكُوك، فمِن المعلوم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَم يَضَعْ خَطا لِلناسِ مِن أجل أن يقِفُوا عليه جَميعا وإنَّما شَرَع في الطوافِ مِن ذلك الموضِع وبيَّنَ في حَجّتِه: ( لتَأْخُذُوا عنِّي مناسِكَكُم ) وطاف معه الصحابةُ الكِرام وهكذا في عُهُودِهم-رضوان الله تعالى عليهم-وفي عهودِ التابعين ومَن جاء بعدَهم. فليُقَدِّر مَن يُرِيدُ الطواف أنه يَقِفُ في مقابِلِ الحجَر .. يَتَحَرَّى ذلك ويَطُوف مِن ذلك الموضِع ويَنتهِي-أيضا-في الموضِع الذي ابتدأَ فيه بِحيثُ-كما قلتُ-لا يَصِح لَه أن يَترُكَ شيئا مِن ذلك، لأنَّه لَو تَرَكَ شيئا مِن ذلك فإنَّ طَوَافَه ذلك يَكون بَاطِلا، أما إذا ابتدأَ-مثلا-قَبل الموضِعِ الذي تُشْرَعُ مِنه البدايَة .. ظَنَّ-مثلا-أنَّ البدايةَ تُشرَع مِن هناك ثم تبَيَّن لَه أنّ الأمْرَ بِخلافِ ذلك فذلك لا يَضُرّه في ذلك لكن لابد مِن أن يَنتهِي في الموضِع المعروف الذي حدَّدْتُه مِن قبل، وليس لَه أن يَنتهِي في الموضِع الذي ابتدأَ منه في هذا الطواف، لأنَّه ابتدأَ مِن موضعٍ يُخالِف الموضِعَ الصحِيح وما دام لَم يَبتدِئ مِن الموضِعِ الصحِيح الذي هو مُتقَدِّمٌ على موضِعِ الطواف فلابد مِن أن يَنتهِيَ في الموضِعِ الصحِيح؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. الهامش : 1 - وفي سؤال مشابه : السؤال: مَن أراد الذهاب إلى العمرة بِالطائرة، مِن أين يُحرِم ؟ الجواب: يُحرِم عندَما يُحَاذِي الميقات .. يَستعِد مِن قبل .. إما أن يَلبَس ثيابَه في بيتِه أو في المطار أو أن يَقوم بِلبْسها عندَما يَكون قرِيبا مِن الـمَطار ثم عندَما يُحاذِي الميقات ويَنبغِي لَه أن يَتقَدَّم ذلك بِقليل، لأنَّ الطائرة تَمر مسرِعة على الميقات فَقَد لا يَتمكَّن مِن الإتيانِ بِالتلبية مِن أعلى الميقات ويَتجَاوَز ذلك، فيستعِد مِن قبل ثم بعد ذلك عندما يكون قريبا مِن الميقات ينوي بقلبه العمرة ويسمي-أيضا-ذلك في تلبيته .. يقول: " لبيك عمرة " ويلبي التلبية المعروفة، وليس لَه أن يُؤخِّر ذلك إلى مطار " جدة " مثلا، كما أنه ليس لَه أن يَرجِع بعدَ ذلك إلى الميقات .. لابد مِن أن يُحْرِم مِن قبل، وليس لَه أن يَتأخَّر إلى أن يَصِلَ إلى الميقات .. نعم لَو أنَّ جاهلا وَقَعَ وَوَصَلَ إلى الميقات وهو لَم يُحرِم فإنّ عليه أن يَتوب إلى ربه وأن يَرجِع إلى الميقات الذي مَرَّ عليه ويُحرِم مِن هناك، أما مَن كان يَعرِف الحكم فليس لَه أن يَتجاوَزَ ذلك أبدا. وبعضُ الناس يَقول: " في ذلك مَشَقَّة " أو ما شابه ذلك، ولا مَشَقَّة في ذلك والحمد لله .. بِإمكانِه-كما قلتُ-أن يَلْبَسَ ثِيابه مِن بيتِه أو مِن المطار أو يُمْكِن أن يَلبسَ في دَوْرَة المياه في الطَّائِرَة أو حتى مِن مكانه بِشرطِ ألاّ يَرَاه عندَما يَخلَعُ إِزارَه .. أو بِعبارةٍ أخرى لا يَرَى عورتَه أحدٌ مِن الناس ويُحرِم ولا مشقّة في ذلك، أما بِالنسبةِ إلى الصلاة فلا بأس عليه إن تَرَكَ الصلاة ولَم يُصَلِّ لِلإحرام على أنَّ العلماء قد اختلَفوا هل هنالِك صلاةٌ مشروعَة لِلإحرام: ذهب بعضُهم إلى أنَّه ليستْ هنالِك صلاةٌ لِلإحرام .. مَن أرادَ أن يُحرِم فإن حَضَرَتْ صلاة فريضة فليُحْرِم بعدَ الصلاة. والصوابُ أن يُحرِمَ بعدَ أن يَستوِي على راحلتِه، كما ثبتَ ذلك مِن طرِيقِ ابن عمر رضي الله-تعالى-عنهما. أما الحديثُ الوارِد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أَحرَمَ بعدَ الصلاة فهو حديثٌ لا يَصِح، فالعمدَةُ ما جاء مِن طرِيقِ ابن عمر. وكذلك إن دَخَلَ المسجد فليُصل ركعتيْن أو إذا أَرادَ أن يُصلي صلاةَ الضحى إن كان الوقتُ وقت صلاة الضحى أو أَرادَ أن يُصلي بعدَ الوضوء أو ما شابه ذلك، أما أن تَكون هنالِك صلاةٌ خاصّة بِالإحرام فليستْ هنالك صلاة خاصّة بِالإحرامِ على الرأيِ الصحيح. وذهب بعضُهم إلى القولِ بِمشروعيةِ الصلاةِ لِلإحرام. وفرَّق بعضُهم بيْن ميقاتِ " ذي الحليفة " وبيْن غيرِه فقال بِمشروعيةِ الصلاةِ لِمَن أَحرَمَ مِن ميقاتِ " ذِي الحليفة " بِخلاف مَن أَحرَمَ مِن غيرِ ذلك. ولا دليلَ على التفريق بل ولا دليلَ على القول بِسُنية صلاة خاصّة لِلإحرام، فلْيُحرِم مِنَ الطائرة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. على أنَّ كثيرا مِن الناس-ولِلأسف-يَأتُونَ إلى مكة المكرمة وهم مُحِلُّون ثم بعدَ ذلك يَذهَبون إلى " التنعيم " لِلإحرام، وفي هذا مُخالَفة صارِخَة لِسنّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمَن وَصَلَ إلى مكة المكرمة ولَم يُحرِم عليه أن يَتوب إلى ربه وأن يَندَم على ما فَرَّطَ مِن أمرِه وأن يَرجِع إلى الميقات الذي جاء منه-أو ميقاتٍ أبْعَد مِن ذلك الميقات على رأي بعضهم-فإذا جاء مِن " ذي الحليفة " لابد مِنْ أن يَرجِع إلى " ذي الحليفة " وإذا جاء مِن ميقات " نَجد " وهو المعروف بِالسيل فليَرجِع إليه وهكذا بِالنسبة إلى بَقِيَّة المواقيت. فيَنبغِي لِلإنسان أن يَتعلَّم أُمورَ دِينِه وألاّ يَذهَب وهو لا يَدرِي عن العمرة شيئا .. لا يَدرِي كيف يَطوف وكيف يَسعَى ومِن أَيْنَ يُحرِم أو ما شابه ذلك، وإن كان لَم يَذهَب مِن قبل البتّة فيَنبغِي لَه أن يَذهَب مع شخصٍ لَه معرِفة بِمناسِكِ الحج، ومعرِفةُ هذه المناسِك متيَسِّرة والحمد لله، وهنالك كتب ومطْوِيَات وأشرطة يُمكِن لِلإنسان أن يَستعِين بِها على معرِفةِ مناسِكِه، وما لَم يَجِدْه فيها أو ما لَم يَفهَمْه فعليه أن يَسأَلَ أهلَ العلم. والحاصِل أنه ليس لأحدٍ أن يَتجاوَزَ الميقات إذا كان يُرِيدُ حجّا أو عمرة ولو أَرادَ أن يَبقَى-مثلا-مدّة في " جدة " أو في غيرِها مِن المناطِق اللهم إلا إذا كان مُتردِّدا في الإرادة .. مثلا يَقول: " سأذهَب إلى ' جدة ' لِقضاءِ بعضِ المآرِب فإن تَمَكنتُ بعدَ ذلك ووجدتُ وقتا فسأذهَب إلى ' مكة ' وإن لَم أَجِد وقتا فلَن أَذهَب " ففي هذه الحالة يَذهَب إلى " جدة " ويَقضِي مآرِبَه وحوائِجَه وبعدَ ذلك إذا أَرادَ أن يَذهَب إلى " مكة " لِتأدِيَةِ عمرة-مثلا-فليُحرِم مِن ذلك المكان الذي بَقِي فيه وهو " جدة " على المثال الذي ذكرناه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق. 2- الظاهر أنّ الشيخ سحب مِن كلامه: " ذا الحليفة أو ". | ||||||||||||||
| |||||||||||||||
|
| رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||||||||||||
|
| ||||||||||||||
| |||||||||||||||
|
| رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||||||||||||
|
| ||||||||||||||
| |||||||||||||||
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للشيخ , الحج , القنوبي , سعيد , فتاوى |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي | عابر الفيافي | نور الفتاوى الإسلامية | 30 | 08-26-2013 02:24 PM |
سعيد بن جبير | عابر الفيافي | نور صحابة رسول الله | 3 | 02-03-2011 03:00 AM |
فتاوى الشيخ القنوبي في أحكام الحج والعمرة | جنون | نور الفتاوى الإسلامية | 2 | 05-11-2010 10:18 PM |
من فتاوى الشيخ سعيد القنوبي عن النساء مهم جدا لمن يريد يعلم اهله | جنون | نور الفتاوى الإسلامية | 2 | 05-11-2010 10:16 PM |
فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي | جنون | نور الفتاوى الإسلامية | 2 | 05-11-2010 09:53 PM |