كتاب الردّ على جميع المخالفين - لأبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات


العودة   منتديات نور الاستقامة > الــنـــور الإسلامي > المكتبة الإسلامية الشاملة

المكتبة الإسلامية الشاملة [كتب] [فلاشات] [الدفاع عن الحق] [مقالات] [منشورات]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
265  كتاب الردّ على جميع المخالفين - لأبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي
كُتبَ بتاريخ: [ 01-13-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كتاب الردّ على جميع المخالفين - لأبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي

علم الكلام الإباضي

كتاب
الردّ على جميع المخالفين

لأبي خزر
يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي

دراسة وتحقيق وتعليق
د. ونيس عامر
أستاذ محاضر بجامعة الزيتونة
الإهداء
إلى زوجتي الحبيبة التي آزرتني وضحّّت من أجلي بوقوفها إلى جانبي حتّى اجتزت الصّعاب التي لا يعرفها أحد غيرها
وإلى ابنتي لمياء وابني بسّام
أهدي هذه الثّمرة

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة

لقد استرعى انتباهي- وأنا أدرس بالحلقة الثّالثة - موضوع العقائد الإباضيّة عند أحد المتكلّمين الإباضيين وهو أبو عمّار عبد الكافي الإباضي الّذي قمت بتحقيق كتابه « شرح متن الرّدّ على الجهالات ». دراسة وتحقيق، نلت به درجة دكتوراه المرحلة الثّالثة، خلال سنة 1986م وبعد ذلك واصلت في نفس المذهب واتّفقت مع أستاذي المشرف الدّكتور علي الشّابي على أن أقوم بدراسة حول أبي يزيد مخلد بن كيداد الإباضي (272هـ/336هـ)، ثورته وآراؤه، وكانت أطروحة نلت بها درجة دكتوراه الدّولة في العلوم الإسلاميّة اختصاص أصول الدّين، خلال سنة 1992م بالمعهد الأعلى لأصول الدّين « جامعة الزيتونة»، ثمّ بعد ذلك واصلت أيضا في نفس الطّريق وفي اختصاص أصول الدّين (الأصول العشرة عند الإباضيّة) لتبغورين بن داوود الملشوطي (ق5هـ)، ثمّ بعده قمت بتحقيق " رسالة في فرق النكّار الستّ ومازاغت به عن الحقّ وبعض الفرق الأخرى، وهي لأبي عمرو عثمان بن خليفة السّوفي المارغني الإباضي (ق6هـ)- وهي بصدد الطّبع - ومن خلال هذه الدّراسات اتّضح لي أنّ الإباضيّة لعبت دورا حاسما في تاريخ إفريقيّة منذ انتشار المذهب الإباضي بها إلى يومنا هذا.

وفي اعتقادي أنّ أبا خزر الحامّي هو حلقة من حلقات سلفه أو معاصره أبو يزيد مخلد بن كيداد الإباضي الّذي ثار على الدّولة الفاطميّة وألجأها إلى مغادرة البلاد وتركها لأهلها من سكان إفريقيّة عربا وبربرا. وجاء بعده بقليل أبو خزر ليواصل الصّراع مع الفاطميين العبيديين، وهو ما سيجده القارئ الكريم فيما بعد.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الإباضيّة لم تُدرَسْ آراؤهم العقائديّة وأصولهم دراسة أكاديميّة مثل الدّراسات التي قام بها الباحثون عن فرق المعتزلة وآرائها الكلاميّة والفلسفيّة، أو الدّراسات الكثيرة عن فرق الشّيعة أو عن الأشاعرة الّذين أخذوا من الاعتزال بطرف ومن السّلفيّة بطرف آخر. كما إنّك تجد اهتمام الدّارسين بتاريخ الحركات لفرق الإباضيّة التي كانت في أغلبها تصطبغ بالصّبغة التّاريخيّة أو الإخباريّة البحتة.
والّذي يمكن أن نشير إليه هو أنّ الكثير من المؤلّفات العقائديّة للأصول الإباضيّة قد فُقد وخاصّة في القرون الثّلاثة الأولى للهجرة، ولذلك فإنّ الدّارس يجد صعوبات كثيرة إذا أراد أن يوضّح بعض المسائل الكلاميّة وأن يبرزها في نسق واضح وفي صورة متكاملة.
وبما أنّ الإباضيّة - كما قلنا - لعبت دورا هامّا من النّاحية العقائديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، وتركت دويّا هائلا في الأوساط العربيّة والإسلاميّة على حدّ سواء لما اتّسمت به من الواقعيّة ومن النّزعة العلميّة والعقليّة المتحرّرة في فلسفتها وآرائها، رأينا أن ندرس رأي هذا المتكلّم الإباضي الّذي عاصر الدّولة الفاطميّة ببلاد المغرب والّذي ساهم بفكره وبثورته في ارتحال الفواطم إلى مقرّ حكمهم بالقاهرة من جهة وإلى عدم وجود دراسة متكاملة للمذهب الإباضي في تلك الفترة من جهة ثانية، وصاحبنا هذا من أوائل المتكلّمين إذ كان مرجعا لعلماء القرنين الخامس والسّادس الهجري. ومن ثمّ رأينا أن نبحث في ثورة من ثورات الإباضيّة على الحكم الفاطمي، ودراسة عقائد الإباضيّة متمثّلة في أحد أوائل المتكلّمين بتونس من الإباضيّة، وهو كتاب « الردّ على جميع المخالفين » لأبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامي الإباضي الّذي لم يحظ بدراسة أكاديميّة، ولم يصدر- فيما نعلم - أيُّ بحث متخصّص في هذا الموضوع الّذي أرى من واجبي كباحث عربي أن أميط اللّثام عن أبي خزر الّذي لم يتعرّض له المؤرّخون وكتّاب الفرق من غير الإباضيّة - قديما وحديثا - إلاّ في بعض الإشارات الطّفيفة جدّا.وقد انبريت لهذا العمل يحدوني الأمل بأن أؤدّي واجبا نحو جانب هامّ من تراث أمّتنا المجيدة خاصّة وأن ثورة أبي خزر اكتنفها الكثير من الغموض مثل ثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد قبله. لذا وجب - كما قلنا - إزاحته وإخراج تلك الثورة وعقائد صاحبها وردوده على الفرق المخالفة في ثوب جديد، واضعا نصب عيني أنّ تاريخنا كلّه ملك لنا، وبالتّالي يجب علينا العناية به واستنطاقه والاعتبار به. كما يجب أن لا نغضّ الطّرف عن أيّ جزء أو فترة منه، فالجيّد منه يجب أن يكون لنا مثلا طيّبا وقدوة حسنة، وما هو سيّئ يجب أن يكون لنا درسا مفيدا وعبرة واعظة.
وحسبي أن أشير إلى أنّني حاولت - قدر المستطاع - طرق الموضوع بروح علميّة مجرّدة، خالية من التعصّب والهوى، فأثبتّ ما توصّلت إليه نتيجة دراسة واستقصاء ومقارنة وتحليل لما وقع بين يديّ ممّا يتّصل بالبحث فأخذت من الكتب والمؤلّفات على اختلافها وتنوّعها، ولم أكن منحازا إلى هذا أو ذاك.
ومن المؤكّد أنّ ثورة أبي خزر وما سبقه من الثّورات المتتالية كانت بمثابة ردّ فعل للإباضيّة في مواجهة الشّيعة الإسماعليّة، فكانت حربا مذهبيّة شُهر فيها سلاح المبادئ الإباضيّة للإطاحة بالعقائد الإسماعيليّة الغريبة على البربر وعلى أهل السنّة على حدّ سواء.
وكادت ثورة أبي خزر الحامّي أن تجتثّ جذور الفاطميين، فإنّها وإن لم تصل إلى الهدف فقد أفهمت أصحاب الضّلال من الشّيعيين أن لا مجال لهم في الدّيار الإفريقيّة من بلاد الإسلام، فرحلوا عنها ليقيموا دولتهم في مصر، ورحلت معهم عقائدهم وسيرتهم، ثم ما لبثت أن اندثرت أيضا في مصر وغيرها.
والجدير بالملاحظة هو أنّ سكان إفريقية عربا وبربرًا بجميع مذاهبهم وقفوا موقف معارضة سلبيّة جدّ خطيرة على كيان الدّولة الفاطمية فقاطعوا فقهاءها، وقضاتها، حتى أحسّ الحكام الفاطميون أنّهم بين قوم لا يطيقون مذاهب الإسماعيليّة ولا يقبلون عليهم، فحاولوا إرغامهم بعد القضاء على أبي يزيد ثم بعد ذلك بقليل وفي بدايات مناوشات أبي خزر، فلم يتحوّل النّاس عمّا كانوا عليه، بل نافروا كلّ من "شرّق" - أي أخذ بمبادئ الشّيعة - من الفقهاء بل وازدادوا نفورًا من الفقهاء الإسماعيليين واستهانوا بأمرهم، بل واستعدوا للانقلاب عليهم وعلى أصحابهم، وحينئذ تأكّد لدى الشّيعة - كما ذكرنا - الشّعور بعدم الاستقرار والثّبات في إفريقيّة كما شعروا أنّ دولتهم مقضيّ عليها إذا هي استمرّت في إفريقيّة، فمّا كان عليهم إلاّ البحث عن بلاد أخرى، إذ لا سبيل إلى فرض دولة على أناس يقاطعونها مقاطعة تامّة، ويعيشون بعيدا عنها فعمدوا إلى تغيير سياستهم الدّينيّة إلى حين تحوّلوا إلى مصر.
ويُعدّ أبو خزر الحامي من علماء القرن الرّابع الهجري الّذين بلغوا درجة الاجتهاد في المذهب الإباضي، إذ عدّه الإمام أبو يعقوب الوارجلاني- صاحب الدّليل والبرهان- ضمن الأئمّة العشرة الّذين انفردوا بآراء في علم الكلام (1) .
__________
(1) وهم : جابر بن زيد. أبو معاوية عزّان بن الصّقر. لوّاب بن سلاّم. الرّبيع من حبيب. أفلح بن عبد الوهّاب بن رستم. عمروس بن فتح. أبو القاسم يزيد بن مخلد. أبو خزر يغلا بن زلتاف. محمد بن محبوب. مصّالة بن يحي. انظر، ج2/72-82 الطّبعة الحجريّة بمصر سنة 1306هـ. وراجع ترجماتهم في طبقات الدّرجيني وسير الشمّاخي.


;jhf hgv]~ ugn [ldu hglohgtdk - gHfd o.v dygh fk .gjht hg,sdhkd hgphl~d hglohgtdk hgv]~ [ldu [sv dygh .gjht ugn





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس

كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



عاش صاحبنا في عصر الفاطميين بالمغرب الّذين استباحوا دماء المسلمين ظلما وبهتانا، فقد ارتكبت في عهدهم أفحش المناكر التي تحدّث عنها كثيرًا ابن عذاري وابن خلدون وغيرهما. وكان من ضحايا هذا الظّلم الإمامان الإباضيان : أبو خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي العالم المجتهد وأبو القاسم يزيد بن مخلد اليهراسني.
فقد أعلن أبو خزر الثّورة على الفاطميين بسبب قتلهم لزميله وشيخه أبي القاسم يزيد، من جهة ولعدم قبول أهل المغرب لحكم العبيديين الّذين لا يتّفقون معهم في المذهب من جهة ثانية.
بويع أبو خزر إمام دفاع، لكن ثورته أخفقت لعدّة أسباب سنذكرها فيما بعد، فالتجأ إلى جبل نفّوسة المنيع، ولمّا أيس المعزّ الفاطمي من القبض عليه، وقد خاف أن تتجدّد له البيعة مرّة أخرى فيثور على الحكم الفاطمي، عندئذ بذل له الأمان وللإباضيّة، فرجع. وبعد مدّة انتقل المعزّ إلى مصر سنة 362هـ فأخذه معه كعالم المغرب ظاهرا وكرهينة في الحقيقة ليأمن على خلفائه من نشوب ثورة بعد رحيله إلى القاهرة، إلاّ أنّ هذا كلّه لم يزد المالكيّة والإباضيّة إلاّ استماتة في الدّفاع عن آرائهم ضدّ الفاطميين الّذين أيقنوا بعد هذه الثّورة أنّ أهل البلاد غير راغبين في حكمهم وعقيدتهم فارتحلوا إلى مصر وتركوا البلاد في أيدي أبنائها من الزّيريين دون رجعة بعد ذلك.
ويعود الفضل في ذلك كلّه إلى التحام الإباضيّة والمالكيّة في القيروان وما والاها ووقوفهم صفّا واحدًا ضدّ أعدائهم العبيديين الفواطم.
وفي هذه الرّسالة التي نقدّمها للقراء الكرام دراسة عن إحدى الشّخصيات التي عرفها وخلّدها التاريخ، تلك هي شخصية الإمام الإباضي الكبير أبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي التّونسي الّذي كان مثالا في علمه وعمله وفي زهده وورعه وفي جهاده وتضحياته وفي دعوته ونشاطه، وهي أيضا تشمل دراسة قيّمة عن المذهب الإباضي وعن أبرز متكلّميه بشمال إفريقيّة.

فمن هو صاحب كتاب الرّدّ على جميع المخالفين ؟ وفي أي زمن كان صاحبنا ؟ وما هي المراحل التي قام بها للثّورة على الحكم الفاطمي؟ وهل هناك نتائج للثّورة وللمذهب الإباضي في أيام أبي خزر؟
والرّسالة تتضمّن نسبة الكتاب لأبي خزر وتحليلا لمضمونها مع تبيان منهجه في طرقه للمواضيع التي اختارها، وطريقتنا في التّحقيق والدّراسة والمقارنة والتّعليق.
ونيس عامر
تونس في 30 جوان 2001

التعريف بصاحب الكتاب

هو أبو خزر يغلا بن زلتاف الوسياني (1) ، وقيل أنّ زلتاف هو اسم أمّه، أمّا أبوه فيدعى أيّوب (2) وهو من أبناء الحامّة من بلاد الجريد التونسي وهي حامّة قسطيلية (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في " الدرجيني : طبقات المشائخ بالمغرب، تحقيق إبراهيم طلاي، طبعة الجزائر (د.ت) ج1/119،156. أبو زكرياء الوارجلاني : السيرة وأخبار الأئمة، تحقيق عبد الرحمن أيّوب، طبعة الدار التونسية للنشر 1985م، ص194 وما بعدها. الشماخي: كتاب السير، تحقيق ودراسة محمد حسن، طبعة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعيّة سنة 1995م، ص310 وما بعدها. والطبعة الحجريّة، القاهرة، صفحات 346 وما بعدها.
(2) علي يحيى معمّر : الإباضيّة في موكب التاريخ (حلقة 3 في تونس) طبعة 1، دار الثقافة بيروت، لبنان 1966م، ص59. الدرجيني (السابق) 1/08. الشماخي : (السابق) الطبعة الحجرية ص 582.
(3) أبو زكرياء: السيرة، ص194. الدرجيني:طبقات ج1، ص119. الشماخي:السير، ص310.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



نشأ أبو خزر بالحامّة، وتلقّى العلوم هناك على عدّة من أجلّة العلماء. فقد ذكر أبو زكرياء الوارجلاني أنّه أخذ علم الأدب والفقه واللغة وعلم الفروع عن أبي الربيع سليمان بن زرقون النفّوسي بمعيّة زميله وصاحبه الحميم أبي القاسم يزيد بن مخلد الوسياني (1) وأخذ علم الأصول عن سحنون بن أبي أيّوب (2) . قال أبو زكرياء : وكانا في أوّل أمرهما يقرأن كتابا واحدا. فإذا قام أبو خزر إلى صلاح معيشته، قعد أبو القاسم واشتغل في قراءة كتابه ودراسته، فإذا رجع أبو خزر من طلب معاشه قال لأبي القاسم :« أعد عليّ من حيث تركتك » فيقول له أبو القاسم : « نعم لي مرّتان ولك مرّة »، فيعيد معه ما قد كان أخذه، فكان ذلك دأبهما إلى أن حصلا على علوم كثيرة (3) . ولمّا برعا في العلوم وأخذا ما فيه الكفاية من مشائخ العصر من الإباضيّة والمالكيّة تصدّرا للتعليم وإفادة الطلبة (4) .
قضّى أبو خزر جزءًا هامّا من حياته في التّعليم بمعيّة زميله أبي القاسم يزيد بن مخلد، فكانا يدرسان حينا بالحامّة وحينا آخر يخرجان إلى البادية لتعليم النّاس أمور دينهم وتذكيرهم بأمور المذهب الإباضي، وخشية أن ينسى النّاس مذهبهم، فكانا يتفقّدان أحوالهم لئلا يغيّروا فيضلّون عن الطريق السويّ. وكان يخرج معهما الطلبة حتى اشتهر ذكرهما وعلا أمرهما (5) ، رغم أنّهما شابين (6) ، فكانا مقصد كلّ طالب علم في أيّ فنّ شاء من علوم القرآن والأصول والفقه وعلوم العربيّة والسيرة وعلم الكلام (7) .
__________
(1) نفس المصادر السابقة والصفحات.
(2) أبو زكرياء : السيرة، ص194. الدرجيني : 1/119. الشماخي : 310.
(3) ن.م) والصفحات.
(4) أبو زكرياء:السيرة، ص195. الدرجيني:الطبقات ج1، ص 120. الشماخي : السير 311.
(5) أبو زكرياء:السيرة، ص195. الدرجيني : الطبقات ج1، ص120. الشماخي:السير311.
(6) الدرجيني: طبقات، 1/120.
(7) 10) نفسه : 1/120.









----------------------------
وتذكر المصادر الإباضيّة أنّ أبا القاسم كان ذا مال كثير، أمّا أبو خزر فكان يكتسب من عمل يده، وكان أبو القاسم ينفق على الطلبة الوافدين من ماله الخاص، وأبوه إذ ذاك حيّ (1) ، حتّى أنّ أحدهم اشتكى إلى والد أبي القاسم قائلا له : « إنّ ولدك لمجنون يعلّم الطلبة وينفق عليهم !!» (2) .
وظلّ الشيخان يتنقلان في أحياء مزّاته بمعيّة طلبتهم خاصة في فصل الرّبيع، فكانوا ينزلون ضيوفا في تلك الأحياء يعلّمون النّاس العلم، وينهونهم عن المنكر ويأمرونهم بالمعروف (3) وتلك عادّة سار عليها مشائخ الإباضيّة.
عاش أبو خزر في الفترة المضطربة الهائجة من القرن الرابع الهجري، وفي عهد الدولة العبيدية زمن المعزّ لدين الله الفاطمي، الّذي استغلّ نفوذه أيّما استغلال، ولعلّ صاحبنا عاصر المعارك الدّامية التّي نشبت بقيادة أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني ضدّ الفاطميين الّذين استحوذوا على الحكم، وقضوا على الدّولتين الأغلبيّة والرّستميّة، كما أنّه استغلّ وجود الخلافات المذهبيّة والسياسيّة بإفريقيّة، فأطلق أيدي الجند والعامّة ترتكب ما تشاء من المناكر للمخالفين لمذهب السلطان الفاطمي (4) ، ونال هذا البلاء جلّ الإباضيّة، وهبيّة ونكّارية وصفريّة، كما أصاب غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى، كما لم يسلم- أيضا- المذهب المالكي بالقيروان من شرور فقهاء العبيديين الّذين تسبّبوا لهم في التّعذيب والتّنكيل.
__________
(1) 11) أبو زكرياء : السيرة، ص195. الدرجيني : الطبقات ج1، ص119- 120. الشماخي : السير311.
(2) 12) أبو زكرياء : السيرة، ص195. الدرجيني : الطبقات ج1، ص119- 120. الشماخي: السير311.
(3) 13) أبو زكرياء:السيرة، ص199. الدرجيني: الطبقات ج1، ص124. الشماخي : السير311.
(4) 14) علي يحي معمّر : الإباضيّة في تونس (السابق) ص59.

----------------------------------

وتذكر المصادر الإباضيّة أنّ السلطان العبيدي ارتاب في شيخ الإباضيّة أبي القاسم يزيد بن مخلد، وشكّ في نواياه حتّى توجّس منه القيام ضدّه، والوثوب على السّلطة بإفريقيّة، لما له من تقدّم وعلم وجاه عند علماء الإباضيّة وغيرهم من العامّة (1) .
__________
(1) 15) أبو زكرياء : السيرة، ص199 وما بعدها. الدرجيني : الطبقات ج1، ص120 وما بعدها. الشماخي : السير312.

---------------------------------------------

والجدير بالملاحظة هو أنّ العبيديين كانوا قد واجهوا قبل ذلك بقليل ثورة جامحة ضدّهم بقيادة أبي يزيد مخلد بن كيداد (صاحب الحمار)، الّذي جمع حوله جميع فرق الإباضيّة ثمّ المالكيّة (1) وحاصرهم في أمكنة السلطة ثمّ في المهديّة، إلاّ أنّه لم يوفّق في ثورته تلك لعدّة أسباب (2) . فقد قال فيه أبو القاسم يزيد بن مخلد : « لقد فتح فيهم أبو يزيد فتحا لو أحسن السيرة » (3) . وعبارة أبي القاسم هذه إن دلّت على شيء فإنّّما تدلّ على ميله وترحيبه بالسلطان العبيدي في تغيير سلطانهم والتخلّص منهم، وفيه إشارة خفيّة إلى أنّ القضاء على العبيديين لا يمكن أن يتّخذ الأسلوب الّذي سار عليه أبو يزيد مخلد بن كيداد، بل يجب أن يركّز أموره على أسس سليمة وسيرة مرضيّة سار عليها الإباضيّة الوهبيّة في معاملتهم للنّاس كبارا وصغارا.
__________
(1) 16) أبو زكرياء : السيرة، ص168 وما بعدها. الدرجيني : الطبقات ج1، ص96 وانظر، أطروحتنا(أبو يزيد مخلد بن كيداد): ثورته وآراؤه، طبع على الآلة الرّاقنة، 1992.
(2) 17) نفس المصادر وانظر أطروحتنا ( السّابقة )، ص266 إلى 274.
(3) 18) أبو زكرياء : السيرة، ص173. الدرجيني : الطبقات ج1، ص101. والذي نشير إليه هنا أنّ عبارة أبي القاسم هنا تدلّ على الإعجاب وعلى العتاب وفيه التّقدير والانتقاد، لكن أبا يزيد مخلد بن كيداد كان اعتذر لنفسه وتلا قوله تعالى: { وما كفر سليمان ولكنّ الشياطين كفروا } (البقرة106) وتلك معرّة جند مختلط ليست كتلك النماذج التّي عرفتها الإباضيّة في ثوراتها من قبل، وإن هي أساءت فليس على تلك الصورة المهولة التّي زيّنها الرّواة وتفنّنوا في عرضها، وأبو القاسم ما قال هذا إلاّ لإبعاد التّهم الموجّهة إليه من طرف الأعداء وحتّى لا يشكّ سلطان العبيديين في أمره.




==========================================

ولقد أنصف قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد أبا يزيد حيث أورد تاريخ ثورته، لم يذكر فيها شيئا ممّا نسب إليه من الفواحش زورا وبهتانًا (1) ، لأنّه لم يكن تحت حكم العبيديين، وإن كان في عصرهم.
ويمكن أن نقسم حياة أبي خزر الحاميّ إلى ثلاث مراحل أساسيّة :
- المرحلة الأولى : هي مرحلة التعلّم والتعليم، وقد أوجزنا فيها الحديث بما توفّر لنا من مراجع تاريخيّة في الموضوع.
- المرحلة الثانيّة : وهي مرحلة النشاط السياسي والعسكري الّذي قام به ضدّ العبيديين.
- المرحلة الثالثة : وهي مرحلة الاستقرار في مصر إلى أن توفّي بها سنة (380هـ/990م).
* مرحلة النّشاط السّياسي :
ترتبط حياة أبي خزر الحاميّ التّعليميّة والسّياسيّة بشخصيات ذات أهميّة بالغة، ذلك أنّ جلّ المؤرّخين من الإباضيّة يربطون حياة صاحبنا بأستاذه وزميله أبي القاسم يزيد بن مخلد، والشيخ أبي نوح سعيد بن زنغيل (2) وصراعهم مع أبي تميم المعزّ لدين الله الفاطميّ الّذي حكم إفريقيّة من سنة 342هـ/953م إلى 363هـ/973م.
فتذكر المصادر الإباضيّة أنّ العامّة من سكّان الجنوب التونسي كانوا متألمين جدّا من معاملة أعوان العبيديين لهم، فكانوا يهيجون ويتهيأون للثورة، ولكن الإمامين أبا خزر وأبا القاسم يزيد يهدئانهم ويدعوانهم إلى السكينة والاعتصام بالصبر (3) .
__________
(1) 19) القاضي عبد الجبار : كتاب تثبيت دلائل النبوّة، تحقيق عبد الكريم عثمان، طبعة بيروت، الجزء الأول ص106 و391، والجزء الثاني ص602.
(2) 20) هو من علماء النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ( 350-400هـ ) اشتهر بقدرته على المناظرة، وسنتحدث عنه لأنّه كان من الملازمين لأبي خزر. وراجع عنه. أبو زكرياء : السيرة، ص196 إلى 211. الدرجيني : الطبقات ج1، ص1 /2 في عدّة مواضع. الشماخي:السير314 إلى329. والطبعة الحجريّة ص357 إلى362.
(3) 21) الدرجيني : طبقات ج1/124. علي يحي معمر : الإباضيّة بتونس، ص59.


===========================================

كان أبو خزر وأبو القاسم من حامّة قسطيلية وينتسبان إلى بني ويسين أو بني وسيان (1) التّي هي من بني يفرن أو إخوة لهم، وبني يفرن ترجع إلى قبيلة زناتة البربريّة، وكانت لأبي القاسم مكانة رفيعة لدى المعزّ لدين الله الفاطمي، لأنّ هذا الأخير كان يعلم جيّدا أنّ قبائل مزّاتة البربريّة تميل كل الميل إلى أبي القاسم من جهة، وإلى أنّ قوّتها تقدّر وقتئذ باثني عشر ألف فارس (2) ، بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من الرجالة التّي تنتظر منه الإشارة في التحرّك ضدّ أيّ عدوّ ولو كان سلطان العبيديين. فأبو تميم الفاطمي كان إذًا يقدّر قوّة أبي القاسم ويحترز منه ومن أتباعه من الشيوخ.
ولمّا أحسّ أبو تميم - وهو سلطان العبيديين - بشيء من الخطر، وعلم بتحرّكات أبي القاسم الّذي يفكّر في القيام بثورة عليه والتفاف جلّ الإباضيّة حوله، لما له من مقوّمات الرئاسة، وَلِمَ لاَ، وقد وصفه أبو تميم مرّة فقال : « أمّا يزيد بن مخلد فلم تلد العرب مثله » (3) . كما أنّ المؤامرات من رجالات اليهود وغيرهم لعبت دورا كبيرا في إيقاع الفتنة بين أبي القاسم يزيد وأبي تميم الفاطمي (4) اللذين كانت تربطهما علاقة متينة وصداقة كبيرة. ولكن وشايات أحد اليهود المقرّبين جعلت أبا تميم يكاتب واليه على الحامّة ويأمره بأن يقتل أبا القاسم ويبعث إليه برأسه (5) .
__________
(1) 22) الدر جيني : طبقات ج1/103.
(2) 23) أبو زكرياء : السيرة، 203.
(3) 24) نفسه، ص198. الدرجيني : طبقات 1/123. الشماخي : السير، 312.
(4) 25) الدرجيني:طبقات1/125. أبو زكرياء: السيرة، ص204. الشماخي: السير، ص315.
(5) 26) أبو زكرياء : السيرة، ص198ـ199. الدرجيني : طبقات 1/124-125. الشماخي : السيرة، ص313. علي يحي معمّر : (السابق) ص59.

=====================================

لكن الوالي تريّث في قتل أبي القاسم لمكانته عنده ولصداقته له الحميمة، فأقبل عليه كالواعظ له، مشيرا عليه بالمسير إلى الحجّ - حتّى لا يقع في قبضة أبي تميم - فقال له : « إنّي حججت... إلخ» (1) . واستبطأ أبو تميم واليه فكتب إليه كتابا ثانيّا بمثل ما كتب في الأوّل، فلم تكن معه أيضا مبادرة إلى ما أمره به، بل أقبل على أبي القاسم وقال : « ألا تخرج إلى بعض البلاد التّي فيها معظم أهل مذهبك مثل وارجلان وغيرها فتنتفع بهم وينتفعوا بك ؟ فقال : « أتراني أن أخرج من الدّنيا وأنا حيّ ! » (يعني بالدّنيا : قسطيلية). وفي كلّ ذلك لم ينتبه إلى مراد الوالي وما يدبّره له أبو تميم. واستبطأ أبو تميم من الوالي امتثال ما أمره به فكتب إليه كتابا ثالثا يأمره فيه بقتل أبي القاسم، قائلا : « إمّا وجّهت برأسه وإمّا وجّهت من يأتي برأسك» (2) .
فلمّا وصل الكتاب الثالث واتّضح منه عزمه على قتل أبي القاسم، وعلم إن لم يقتله كان هو المقتول، استدعى أبا القاسم وناوله الكتاب الأوّل والثاني والثالث، وقال له : « لأجل هذا كنت أشير عليك بما أشير، إنّما كنت احتال على سلامتك مع سلامتي... والآن لا أؤثر عليك إلاّ نفسي ».
__________
(1) 27) أبو زكرياء : السيرة، ص199. الدرجيني : 1/125. الشماخي : السير، 313.
(2) 28) نفس المصادر والصفحات.


توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



=========================================

لمّا رأى أبو القاسم الكتب الثلاثة وقرأها أيقن بالموت وقال للوالي: « أمهلني حتّى أركع ركعتين، فتركه حتّى ركع ركعتين، فمّا استتمّهما إلاّ والدّار مشحونة رجالا عليهم السلاح، فابتدروا أبا القاسم وواثبوه فلم يجد الوالي من نفسه قدرة على مشاهدة أبي القاسم في هذه الحالة وأدركته شفقته عليه لما بينهما من المودّة الأكيدة فطلع إلى غرفة في الدّار فدخلها وأغلق بابها عليه، ولم يرد أن يرى صديقه على تلك الحال، لما بينهما من الخلّة، وكان بيد أبي القاسم سكين، فدافع على نفسه ففرّقهم، وفرح الوالي وأشرف ثمّ اجتمعوا عليه ثانيّة، وأغلق عليه الباب، ثمّ دافعهم وفرّقهم، ففتح العامل الباب واطّلع عليهم، فما زالوا معه كذلك حتّى قتلوه (1) ، ثمّ إنّهم بعد ذلك توجهوا إلى الشيخ أبي محمد ويسلان صاحب أبي القاسم فسجنوه، فشكاه أهل السجن لكونه يسّهرهم بالدّراسة وقراءة القرآن، فأخرجوه من السّجن (2) .
__________
(1) 29) الدرجيني: طبقات 1/125 - 126. أبو زكرياء : السيرة، ص199-200.
(2) 30) أبو زكرياء : السيرة، ص200. الدرجيني : طبقات 1/126. الشماخي : 314.












==========================================

وممّا يمكن أن نشير إليه هو أنّ القضاء على أبي القاسم يزيد بن مخلد- الشخصية الإباضيّة الأولى التّي كانت تمثّل الخطر الحقيقيّ على سلطان أبي تميم- لم يرهب هذا النوع من القتل قبائل زناته وبني يفرن ومزّاته وغيرهم من الإباضيّة نكّارا ووهبيّة - الخاضعين للحكم العبيدي والرّاضخين له- بل تسبّب على العكس من ذلك في التفاف جموع الإباضيّة على كلمة واحدة، فقد نفد صبر أبي خزر ومن معه، وثارت حفيظة الوهبيّة وغيرهم، وأخذوا يستعدّون للقيام بثورة على أبي تميم (1) ، غير أنّ كثيرا من العلماء كانوا غير موافقين على اتّخاذ هذه الخطوة، ومن هؤلاء أبو محمد ويسلان (2) , وأبو صالح اليهراسني (3) ، وهؤلاء كانوا يرون أنّ الصبر على الظلم- ولو من العبيديين- أهون من الحرب وأقلّ شرًّا، لكنّ أبا خزر صمّم وصمّم معه المتحمّسون من الشّباب، وقد درس الموضوع واتّخذ الخطوات التّي رآها لازمة لبدء الثورة (4) .
__________
(1) 31) الدرجيني : طبقات 1/126-127. الشماخي : السير، ص314.
(2) 32) علي يحي معمّر : الإباضيّة في تونس، ص59-60. وانظر ترجمته في طبقات الدرجيني 2/369 وما بعدها. الشماخي : السير، ص347-348.
(3) 33) انظر ترجمته في : الدر حيني : طبقات، 2/353. الشماخي : السير، ص335-336.
(4) 34) علي يحي معمّر : ( السابق) ص59-60.






















================================================== ====

ولمّا علم أبو تميم بما يعدّون له بعث إليهم يطلب منهم العدول عمّا يفكّرون فيه من أمر الثورة، في مقابل السّماح لهم بالرّجوع إلى تيهرت وتأسيس دولتهم بها مثلما كانوا عليه سابقا (1) ، وحاول أبو خزر إقناع أصحابه بقبول هذا العرض، لكنّ العامّة منهم أبوا إلاّ أن يثأروا لشيخهم المقتول ظلما وعدوانا، فما كان عليه حينئذ إلاّ أن أرسل رسلا إلى المناطق البعيدة يطلب منهم العون، فبعث تلميذه أبا نوح سعيد بن زنغيل إلى جبل نفّوسة وجربة، فأجابوه إلى طلبه وبعث أبا محمد جمال بن المدوني إلى بلاد الزّاب وآريغ ووارجلان فتحمّس القوم وجمعوا عدّتهم وعددهم وبدأوا في الاستعداد للثورة (2) ، كما كاتب بني أميّة في الأندلس للتنسيق معهم وإرسال الإمدادات إليهم في إفريقيّة (3) واتّفق الأعيان والعلماء على مبايعة أبي خزر إماما للدّفاع وطلب الحقّ على أنّهم إن ظفروا بما طلبوا عقدوا له الولاية على الظهور وهي البيعة التّامة (4) . وأقدموا في الحال، ودون تريّث أو ترقّب الإمدادات التّي طلبوها من وارجلان وغيرها. وحاصروا باغاية اغترارا بما تجمّع لديهم من قبائل مزّاته، وقتلوا والي باغاي (5)
__________
(1) 35) أبو زكرياء: السيرة، ص202. الدرجيني : طبقات 1/127-128. ابن الأثير : الكامل في التاريخ (المجلد 8) طبعة دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1966، ص598.
(2) 36) علي يحي معمّر : ( السابق)، ص60.
(3) 37) الدرجيني : طبقات 1/127. الشماخي : السير، 314، ط. حجريّة 35. أبو زكرياء : السيرة (السابق)، ص202.
(4) 38) أبو زكرياء : السيرة، ص203. الدرجيني : طبقان، 128. الشماخي : السير، ص315 وط. حجريّة 350.
(5) 39) هو طيّان الصقلّي، حسب الدرجيني : طبقات 1/129. وذكر ابن الأثير أنّ أبا خزر كان وقتئذ يقاتل نائب المعزّ على باغاي، انظر ج8 / 598..





================================================== ====

الّذي تألّم لمقتله أبو تميم الفاطمي تألما شديدًا، ولكي لا يتركوا مجالا للصّلح مع أبي تميم، بدأوا في المناوشات الحربيّة، وهجم أهل وارجلان ومن معهم قبل أن تنتظم صفوفهم وتتوحّد قيادتهم (1) .
ورأي أبو تميم أنّ هذه الفرصة الذهبيّة صالحة لإخماد هذه الثورة من الأساس، فقد استطاع أن يغري بعض القادة بالرّشاوي ليوجّه ضربة قاسية إلى مبدإ الثورة (2) . وقبل وصول عساكر أبي تميم إلى باغاي كانت قد حلّت بجيش أبي خزر الهزيمة، بسبب انخذال بني يليان (3) الّذين وصفهم الدرجيني بأنّهم فخذ من مزّاته من عسكر أبي خزر غلب فيهم حبّ الطمع على الأحساب والأديان، فعرف أهل الموضع أنّ الطمع قد استهواهم، وأنّ بمصانعتهم يدركون مناهم، فجاعلوهم في خفاء بمال جزيل على أن ينهزموا بغير قتال، ويكونوا سببا لوقوع الفشل في عسكر أبي خزر. ولم يكن أحد من أهل عسكر أبي خزر على علم بالجعائل التّي أخذها بنو يليان على خذلانهم، ولا اتّهموهم بالوقوع في مثل هذه الدنية. وقيل إنّه كان بين بني يليان وبين فخذ آخر من مزّاته يقال لهم " بدنة " حقود قديمة، فهزموا على أن يجعلوها ذريعة إلى ما أضمروا من الغدر. فلمّا كان صباح غد يومئذ، والتقى الجمعان والتحم القتال، ألقوا في مسامع أهل العسكر أنّ "بدنة" خافت على أموالهم وأهلهم، وأنّهم لا يتركون الأهل والمال، بل يتوافون حمى ديارهم، فانهزموا كأنّهم يريدون استنقاذ أموالهم وأهليهم من بدنة، وإنّما ذلك لأمر برم بليل، فعند انهزامهم وقعت الهزيمة في العسكر، وكرّ أبو خزر وأبو نوح وعبّود وأمثالهم، وكانوا في ساقة العسكر يحمون أواخره حتّى قتل منهم خلق كثير.
__________
(1) 40) أبو زكرياء :السيرة، ص203. الدرجيني:طبقات 129. علي يحي معمّرالسابق) ص60.
(2) 41) أبو زكرياء : السيرة، ص204. الدرجيني : ص129. الشماخي: السير، ص315 وطبعة حجرية، ص350.
(3) 42) الدرجيني : طبقات 1/129-130.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 5 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



وقتل عبود وأصحابه فيمن قتل، وتفرقّت العساكر (1) دون أن يحقّق أبو خزر شيئا ممّا اجتمعوا من أجله، ورجع أهل آريغ ووارجلان بعد أن بلغهم نبأ تلك الهزيمة، ولم يشاركوا في تلك الحرب التي نشبت بين الطرفين (2) . وطارد المعزّ أنصار الثّورة في كلّ مكان، فتنكّر أبو نوح في ثياب راع للإبل حتّى وقعت عليه أعين الجند فحملوه إلى السلطان العبيدي (3) الّذي سلك معه مسلك الملاينة والاستمالة، وقرّبه إليه ورفع مكانته، واستشاره في أمر أبي خزر خوفا من أن يعيد حملة حربيّة أخرى ضدّه، فأجابه أبو نوح بأنّه إذا أعلن الإمام الأمان العام في بلادهم فإنّه لن يخشى أمر أبي خزر (4) ورأى أبو تميم أنّ ما أشار به أبو نوح هو الصواب، فأرسل رسله بالأمان في جميع أنحاء بلاد الإباضيّة الوهبيّة (5) وغيرهم. وهرب أبو خزر ورفيقه أبو محمد يوجين (6) إلى جبل من الجبال يقال له " تلتماجرت "، وبقي هناك مدّة أربعين يوما (7) حتّى انقطع خبره (8) ،
__________
(1) 43) الدرجيني : طبقات 1/129-130.
(2) 44) أبو زكرياء : السيرة، ص206. الدرجيني: طبقات 1/130. الشماخي : السير، 315.
(3) 45) أبو زكرياء : السيرة، 206. الدرجيني: 1/131. الشماخي : السير، ص316. علي يحي معمّر : (السابق) ص60.
(4) 46) أبو زكرياء : السيرة، ص210. الدرجيني 1/135. الشماخي : السير، ص318 وط. ج، 353. علي يحي معمّر: (السابق) ص60.
(5) 47) أبو زكرياء : السيرة، 210. الدرجيني : طبقات 1/135. الشماخي : السير، 318 وط.ح، .353
(6) 48) وأبو محمد يوجين هذا هو من أصحاب أبي خزر، ذكره ابو زكرياء في السّيرة : 206. الدرجيني : طبقات 1/131. الشماخي : السير، 316 وط.ج، 351.
(7) 49) أبو زكرياء : السيرة، 206. الدرجيني : طبقات 1/131. الشماخي : السير، 316 وط.ح، 351.
(8) 50) ابن الأثير : (السابق) ص599. الدرجيني : 1/131..


توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



ثمّ انتقل إلى جبل نفوسة، وأقام هناك في حماية حاكم الجبل-آنذاك- أبي زكرياء ابن أبي عبد الله بن عمر بن أبي منصور إلياس (1) إلى أن أرسل إليه أبو تميم بالأمان، فقدم عليه وأكرم وفادته (2) بعد أن كان في عزّ وإكرام عند أبي زكرياء ابن أبي منصور إلياس (3) ، وكان قدومه على أبي تميم من جبل نفوسة في 21 ربيع الآخر سنة 359هـ/969م (4) فرحّب به وأكرمه وعظّم شأنه وأنزله في مسكن حسن وحمله على فرس كريم، وأجرى عليه رزقا واسعا، ولاطفه ورفع منزلته، وأدنى مجلسه وسَنَى قدره وشاع في الفضائل ذكره، وأمر له بحلّة جزيلة، وخلع عليه خلعة نفيسة جليلة. وكان مجلسه على سريره دون جميع الجلساء (5) .
والّذي يمكن أن نشير إليه هو أنّ أبا خزر ما كان يفكّر في الحرب أبدا، ولكنّه اضْطُرَّ إليها مكرها لأنّ أبا تميم المعزّ لدين الله الفاطمي قتل -شيخه وزميله- أبا القاسم يزيد بن مخلد الّذي كان يقوم عند الإباضيّة مقام الإمام يتولّى فصل المشاكل، وفضّ المنازعات، والإرشاد إلى أقوم الطرق، والإشراف على مصالح النّاس الاجتماعيّة والصلاة بهم من جهة، ولأنّ العامّة أجبرته على الأخذ بالثأر.
ومن ناحية أخرى فإنّ أبا تميم شعر بأنّه أخطأ في قتله أبا القاسم، وأنّ ما حدث كان بسبب ذلك الخطأ ولذلك فإنّه غيّر سياسة العنف إلى سياسة اللّين، وأعلن الأمان والعفو عن أبي خزر وجميع أتباعه في كلّ المواطن.
__________
(1) 51) أبو زكرياء:السيرة، 213. الدرجيني: طبقات1/136-137. الشماخي: السير، 319 .
(2) 52) ابن الأثير : (السابق) ص599. أبو زكرياء : السيرة، 214. الدرجيني : طبقات1/137. علي يحي معمّر (السابق) ص 62.
(3) 53) الدرجيني: طبقات 1/136-137.
(4) 54) الدرجيني : طبقات 1/137.
(5) 55) الدرجيني: طبقات1/137. الشماخي: السير،320. علي يحي معمّرالسابق) ص62.
__________________

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



يبدو من خلال ذلك أنّ أبا تميم كان يخشى أبا خزر إن قتله أو أطلقه، ولذلك فقد قيّده بالإحسان، علما منه أنّ فشل ثورة أبي خزر كانت صدفة وبسبب التسرّع وعدم التريّث، إلى جانب عدم وصول الإمدادات من وارجلان وبني أميّة (1) .
وقد اكتفى أبو تميم بأبي خزر، لأنّه الرّجل الوحيد - وقتئذ - الّذي تحتلّ شخصيته أكبر مقام في البلاد وخاصّة زناتة وما والاها، وكلمته مسموعة دون مراجعة، وأنّ النّاس لا يقدمون على أيّ خلاف على الحكومة العبيديّة في غيابه لأنّه قد يعذبّه الخليفة الفاطمي في القاهرة من جهة، ولأنّهم متحقّقون أنّ أبا خزر ما أخذه أبو تميم إلاّ رهينة. ولذا فلو قام أتباعه بشيء لوصل إليه الأذى وهو في ديار الغربة، بعيدا عن الأهل والأنصار (2) .
* مرحلة استقرار أبي خزر في مصر :
__________
(1) 56) الدرجيني : طبقات 1/137. الشماخي : السير، ص320. علي يحي معمّر: (السابق) ص59-60.
(2) 57)
... علي يحي معمّر : (السابق)، ص 62.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 8 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



تذكر المصادر الإباضيّة أنّ أبا تميم المعزّ لدين الله الفاطمي، لمّا عزم على الرحيل إلى مصر دعا إليه الإمامين أبا خزر وأبا نوح وأخبرهما أنّه منتقل إلى القاهرة، وأنّه سيتّخذها مقرًّا للحكم، وأنّه لا غنى له عن كبار العلماء أمثالهم، ليجعل بهم مجلسه وليرجع إليهم في مشاكله وشوراه، ويدفع بهم سورة الجدال والمناظرة (1) . وحسب الدرجيني وغيره، فإنّ استصحاب الشيخين إلى القاهرة هو نتيجة خوف أبي تميم أن يكون منهما بعده في المغرب خروج عن طاعته وقيام عليه (2) . فكلّمهما في المسير معه إلى مصر. أمّا أبو خزر فقبِل الذهاب مع أبي تميم وقال له : « ... وكيف بالقعود بعدك » (3) . وتعلّل أبو نوح لنفسه بالمرض بعدما أشار عليه أحدهم بأن يغتسل بماء النخالة حتّى يصفرّ بدنه ووجهه (4) . وحين طلبه وقت السّفر، أُعلم أنّه مريض، فاستدعاه، فأُحضر، فلمّا رآه مصفرّ الوجه ، متغيّر الحال ظنّ أنّه مريض ، فأذن له في المقام ببلده (5) . ولمّا رحل أبو تميم، ارتحل بعدها أبو نوح إلى جهة وارجلان (6) وأقام هناك. أمّا أبو خزر فتألّم شديد الألم لفراق الأعزّة والأصدقاء والأهل والأوطان، فقد ظهر ذلك على وجهه، وإن لم يبده حتّى عبّر عنه بلسانه حيث روى له العزّابة هذه الأبيات :


( من البحر الطويل )
عليكم سلام الله إنّي مسافر ... ولم أدر بعد السفر إن كنت راجع
عليكم سلام الله في كلّ ساعة ... سلام كثير دائم متتابع
__________


(1) 58)

... أبو زكرياء : السيرة، 214. علي يحي معمّر:الإباضيّة في موكب التاريخ (السابق)، ص62. الدرجيني:طبقات،1/138. الشماخي:السير، 320 وطبعة حجريّة، ص354.

(2) 59)


... أبو زكرياء / 214. الدرجيني : 1/138. الشماخي : 320.
(3) 60) ... نفس المصادر والصفحات.
(4) 61) ... أبو زكرياء : السيرة 214. الدرجيني 1/138. الشماخي : 320.
(5) 62) ... الدر حيني : 1/138. أبو زكرياء : السيرة : 215.
(6) 63) ... الدرجيني : 1/138. أبو زكرياء : 215.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 9 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



وإنّي إذا ما هجت ليلا بذكركم ... ... أبيت حزينا والنجوم طوالع
أحبّ لقاء الإخوان في كلّ ساعة ... فإنّ لِقا الإخوان فيه المنافع
فيا ربّ أجمع بيننا في سلامة ... فإنّك للخلق المشتّت جامع
وإلاّ فصبّرني على طول غربتي ... فأنت لمن يدعوك يا ربّ سامع
أجب دعوتي يا ذا الجلال فإنّني ... ... دعوتك مضطرّا إليك وطائع (1)
هذا الشّعر إن دلّّّ على شيء فإنّما يدلّ على الرّقة وصدق المشاعر والعاطفة الجيّاشة وكذلك فيها ما يدلّ على التّشبّث بالوطن والأهل والإخوان.
وأمّن أبو تميم جانب الإباضيّة بعد موافقة أبي خزر على الرّحيل، ودخل أبو خزر فعلا مصر وعاش هناك عيشة رغد وهناء حيث اقتطع له أبو تميم ديارًا وعقارًا ومستغلاّت حسنت بها أحواله ونعم باله، فكان يقول: « والله لا آسف على شيء فاتني بالمغرب إلاّ إفادة طلبة العلم من أهل الدّعوة، وما يكتسب في ذلك ثواب الله عزّ وجلّ، وإنّي لأتمنّى أن يهاجر للمرء منهم عشرون طالبا لا يكون لأحد منهم شغل إلاّ طلب العلم فأتكلّف لهم بالإفادة فأصونهم حتّى لا يتكلّفون بكلفة حتّى الّذي يصلون به من كراء » (2) .
__________
(1) 64)
... أبو زكرياء : السيرة، ص215. سرحان بن سعيد العماني : كشف الغمّة الجامع لأخبار الأمّة، مخطوط بالمكتبة الوطنيّة بتونس رقم 3182، ورقة 379/380. وذكر الدرجيني أنّه قال أبياتا، لكنّ لم ير أنّه قالها لما جاء فيها ممّا لا يليق بذي بديهة ولا رويّة، انظر: ص139.
(2) 65) الدرجيني: طبقات 1/141. الشماخي : السير، ص321.


توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 10 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



.. وعظمت منزلة أبي خزر لدى أبي تميم ثمّ بعد ذلك مع ابنه العزيز بالله نزار المكنّى بأبي المنصور (1) الّذي فرّط فيه قليلا ثم انتبه إلى أنّه ضيف والده فأكرمه وأنزله منزلته التّي يستحقّها رغم الوشايات التّي وصلت للوالد والابن من طرف الحاسدين من أصحاب أبي تميم الّذي كان يفضّل عليهم أبا خزر الحامي. حيث أمر أصحابه بأن لا يتعرّضوا له في شيء وألاّ يتكلّموا عنده فيه بعد ذلك (2) ، ومن فعل ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه (3) .
* وفاته :
...
وتوفّي أبو خزر الحامّي بمصر سنة 380هـ/990م (4) بعد أن قضّى حياة مليئة وحافلة بالثّقافة في مصر مع المعتزلة وجميع الفرق المتواجدة هناك. ولم تحدّثنا المصادر التاريخيّة سنيّة أو خارجيّة أو غيرها على أنّ أبا خزر رجع إلى وطنه الحامّة ببلاد الجريد بتونس، بعد رحيله إلى مصر.
* نسبة الكتاب إليه :
__________
(1) 66) ولد بالمهديّة سنة 344هـ، وولّي العهد سنة 365 ومات سنة 386هـ/996م. انظر: الدرجيني : 1/142. ابن الأثر : الكامل في التاريخ 8/663-664. محمود مقديش : نزهة الأنظار، تحقيق علي الزواري ومحمد محفوظ، طبعة دار الغرب الإسلامي، الأولى سنة 1988م / المجلّد 1/357.
(2) 67) الدرجيني : طبقات 1/139-140.
(3) 68) نفس المصادر والصفحات.
(4) 69) الجيطالي: قواعد الإسلام، تحقيق بكلّي عبد الرحمن بن عمر، ط،1 سنة 1976، ص14. فرحات الجعبيري: نظام العزابة عند الإباضيّة الوهبيّة في جربة، ط. تونس1975، ص25.




=========================================


وفّي أبو خزر ولم يترك من المؤلّفات غير هذا الكتاب الّذي أثبته له المؤرّخون (1) وهو كتاب « الردّ على جميع المخالفين » وبعض الأقوال، والمناقشات المتفرّقة، هنا وهناك في كتب الفقه الإباضي، وعلم الكلام، وكتب السير (2) . ولعلّ أبا خزر كتب كتبا أخرى في مصر وأتلفت لأنّ الدولة الفاطميّة لا تتّفق ومذهب الإباضيّة أو أهل السنّة، وهذا الكتاب الّذي نحقّقه ما كُتب له البقاء إلاّ لأنّه كُتب في بلاد الإباضيّة وقبل ثورة أبي خزر على الفاطميين بالمغرب.
والفترة التّي عاشها أبو خزر هي فترة حافلة بالأحداث السياسيّة والصّراعات المذهبيّة والفتن الناشئة بين القبائل وبين الفاطميين وسكّان البلاد الأصليين. وهي فترة لا تترك الرّجل يهتمّ بالتأليف والكتابة، وقد رأينا أمره مع أبي تميم الفاطمي.
__________
(1) 70)
... ذكر البرادي في كتابه " الجواهر المنتقاة " ط. حجريّة، ص220 أنّه وقف على هذا الكتاب ورآه، وذكر سالم بن حمد الحارثي في كتابه " العقود الفضيّة في أصول الإباضيّة " ط. دار اليقظة العربية، سوريا، لبنان بدون تاريخ، ص280، الجيطالي : قواعد الإسلام(السابق) 1/14 وذكر محققّه أنّه توجد نسخة منه بمكتبة البعطوري في جربة ونسخة ثانيّة بكباو بليبيا لدى أسرة الباروني، ناسخها الشيخ عبد الله بن يحيى. وذكر أبو عمّار عبد الكافي الإباضي (ق6هـ) أنّه رآه ووقف عليه، انظر : الموجز، بتحقيق عمّار الطالبي، ج2/289.
(2) 71) ... انظر ذلك في جميع المصادر التّي تعرّضنا إليها كأبي زكرياء في السيرة والدرجيني في الطبقات والشماخي في السير، وأبي يعقوب الوارجلاني في الدّليل والبرهان، والجيطالي في قواعد الإسلام، وغير ذلك كثير.







=========================================






ويذكر أبو يعقوب الوارجلاني أنّ أبا خزر لمّا كان بالقاهرة كانت تأتيه رسائل من إخوانه بالمغرب، فقد كتب إليه الشيخ جنون بن يمريان (1) يسأله عن مسائل لا يسع النّاس جهلها، فردّ له أبو خزر جواب كتابه، وكتب إليه بالجملة التّي كان يدعو إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا غير (2) .
وممّا يمكن أن نثبته هو أنّ جلّ المصادر الإباضيّة تنسب هذا الكتاب لأبي خزر يغلا بن زلتاف الوسياني الحامّي، وأنّه في الردّ على جميع المخالفين.
* مضمون الكتاب
__________
(1) 72) هو أبو صالح حنون بن يمريان الوارجلاني(ق4هـ). انظر عنه الدرجيني: طبقات1/134 وما بعدها. الشمّاخي : السير، ص330. وما بعدها، وط. حجريّة، ص362. علي يحيى معمّر : الإباضيّة بالجزائر، الحلقة 4 ط. أولى 1979، ص162 وما بعدها.
(2) 73) أبو يعقوب الوارجلاني : الدّليل والبرهان، ط. حجريّة، المكتبة البارونيّة بطالون بمصر سنة 1306هـ ج2/16. والحديث عمّا يسع جهله وما لا يسع جهله، يمكن الرجوع إليه فيما كتبه أبو خزر في كتابه هذا وفيما ذكره الوارجلاني تحت عنوان تسمية من وسع الفقهاء في أكثر مسائل ما لا يسع النّاس جهله، وقول عمروس بن فتح فيما يسع جهله ممّا ضيّقته المشائخ، وذكر ولاية المؤمنين وما يسع جهله وما لا يسع. انظر كتاب الوضع (مختصر في
... الأصول والفقه) لأبي زكرياء يحيى الجناوني، بتحقيق إبراهيم اطفيش، مطبعة الفجالة الجديدة القاهرة، بدون تاريخ، ص30 و36.








===============================================




تناول الكتاب عدّة مسائل في أصول الدّين أو ما يسمّى بعلم الكلام، وتكتسي قيمة هذا الكتاب في أنّه أقدم الكتب التي وصلتنا في علم الكلام لأحد كبار أعلام الإباضيّة بالمغرب العربي وقتئذ، ولأحد قادّة مشائخهم في فترة شائكة مليئة بالأحداث السياسيّة والصّراعات المذهبيّة، لم يصلنا منها إلاّ القليل النادر من المخطوطات، رغم علمنا أنّ عهدي الدّولة الأغلبيّة بالقيروان والدّولة الرّستميّة بتاهرت قد وُجد من ألّف في أصول الدّين وغير ذلك، لكنّه لم يصلنا منها إلاّ النادر. أمّا ندرة هذه المادّة التّي تنير الطريق للباحث المتخصّص فيتعرّف على تلك المرحلة التاريخيّة وما فيها من صراعات مذهبيّة تجعل ظهور هذا التحقيق ودراسته أمرا له أهميته البالغة.





إنّ عنوان الكتاب يدلّنا على أنّ صاحبه وضعه في الردّ على الفرق المخالفة مثل المعتزلة والنكار، والقدريّة، والجهميّة، والخلفيّة، والنفاتيّة، والحسينيّة، وغيرهم. وهي مسائل شغلت المؤلفين المتكلّمين في ذلك العصر وما بعده. فقد ذكر المؤرّخون (1) أنّ هناك فرقا كثيرة كانت متواجدة زمن أبي خزر في القيروان وغيرها. وكانت هناك مناظرات عديدة تعقد بين الحين والآخر، كما وُجد كتاب في الردّ على النفاتيّة. وكتاب في الردّ على الناكثة وأحمد بن الحسين. وهذان الكتابان هما للشيخ عمروس بن فتح المساكني (2) وقد تأثّر فيما بعد مشائخ الإباضيّة بهم، فكانت كتبهم حافلة بالرّدود على مخالفيهم. وبعد الشيخ عمروس ساهم أبو خزر بهذا الكتاب، كما ساهم زميله ورفيقه وتلميذه أبو نوح سعيد بن زنغيل بكتاب في علم الكلام إلاّ أنّه مفقود.
__________
(1) 74)
... انظر: أبو زكرياء (السابق) في عدة مواضع. الدرجيني : طبقات ج1 و2 في عدّة مواضع. الشماخي : السير، في عدّة مواضع.
(2) 75) ... هو عمروس بن فتح المساكني النفوسي، قاضي أبي منصور إلياس على جبل نفوسة، انظر ترجمته مفصّلة في : أبي زكرياء : السيرة، ص145 وما بعدها. الدرجيني : طبقات 2/320. الشماخي : السير، 128 وما بعدها وطبعة حجريّة، ص225، وقد صنّفه الدرجيني ضمن الطبقة السادسة (النصف الثاني من القرن 3هـ/التاسع ميلادي).




=================================






وقد تطوّرت هذه الدّراسات بعد مرحلة أبي خزر، فظهر العديد من المؤلفات في علم الكلام، وكانت أحسن تنظيما وجمعا، وأدقّ تبويبا ومنهجا، ومن هذه المؤلفات نذكر كتاب " التحف " في أصول الدّين لأبي الرّبيع سليمان بن يخلف المزاتي (1) وكتاب أصول الدّين للشيخ تبغوين بن داوود بن عيسى الملشوطي (2) ، وكتابه أيضا " الجهالات " الّذي شُرح عدّة شروح من طرف الإباضيّة. وكتاب الدّليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني (في أصول الدّين). وكتاب السؤالات لأبي عمرو عثمان بن خليفة المارغني السوفي. وكتاب فيه الردّ على فرق الإباضيّة الستّ وما زاغت به عن الحقّ (3) لنفس المؤلّف، وكتاب الموجز لأبي عمّار عبد الكافي الإباضي، وشرح الجهالات له أيضا (4) ، وغير ذلك كثير موزّع في المكتبات الخاصّة لدى علماء المذهب الإباضي. وقد حظيت مؤلفات القرن الخامس الهجري وما بعده بالعناية الفائقة من مشائخ الإباضيّة فحافظوا عليها حتّى وصلنا الكثير منها. وتوجد من الكتاب الواحد عدّة نسخ موزّعة هنا وهناك تنتظر التحقيق والنشر من طرف الباحثين الجادّين لإخراجها في ثوب جديد من جهة والإسهام في نشاط علماء المغرب العربي في تلك العصور الماضيّة من جهة أخرى، ذلك أنّ الكتاب هو صورة ومرآة للمؤلّف وعصره.
__________
(1) 76) علمنا مؤخّرا أنّ هذا الكتاب قام بتحقيقه أحد طلبة جربة بتونس.
(2) 77)
... قد انهينا تحقيق هذا الكتاب وسنقدّمه إن شاء الله للنشر.
(3) 78) ... قمنا بتحقيق هذا الكتاب ودراسته وسينشر عن قريب إن شاء الله تعالى.
(4) 79) ... هذا الكتاب قمنا بتحقيقه ودراسته ضمن مشروعنا لنيل شهادة دكتوراه المرحلة الثالثة التّي نوقشت في ربيع سنة 1986 بالكليّة الزيتونيّة للشريعة وأصول الدّين بتونس، ولا يزال العمل مرقونا ينتظر النشر.














===============================







هذا الكتاب تناول فيه أبو خزر عدّة مسائل كانت موضوع اهتماماتهم وقتئذ، بل كان يدور حولها اختلافهم. فتناول أوّلا الردّ على من زعم أنّ أسماء الله مخلوقة وألزمهم الحجّة في ذلك بما قدم من استشهادات منطقيّة لا محيد عنها، ثمّ انتقل إلى مسائل يسألون عنها مثل الأسماء والأحكام والصفات، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى مسألة هامّة لدى الإباضيّة وهي مسألة الوَلاَية والبراءة التّي عنون لها في الكتاب بباب في الوقف وبعض الأسئلة، وهي مسألة وقع فيها خلاف بين الإباضيّة والنّكّار، وتعرّض إلى مسألة الوقوف في الرجلين اللذين قتل كلّ واحد منهما الآخر ولا يدرون الظالم منهما من المظلوم (1) وبيّن رأيه فيها، وهي مسألة شغلت جمهور الإباضيّة، وتعرّضت لها كتبهم في السابق. وانتقل إلى سؤالهم عن المرأة التّي تؤتى فيما دون فرجها، هل هي كافرة بفعلها ذلك، أم تجب البراءة منها أم ماذا ؟ وذكر الخلاف في ذلك مع عدّة فرق كلاميّة مثل الحسينيّة وغيرها من الإباضيّة، وتوصّل من خلال طرحه للمسألة أنّ بعض الفرق فسّقوا تلك المرأة إذا كانت طائعة غير مكرهة، وحكموا بأنّها كافرة كفر دين، واستدلّ أبو خزر على ما ذهب إليه بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، بينما ذكر أنّ بعضهم خالفوا في هذه المسألة، وقالوا إنّها عاصية بفعلها ذاك فقط.
__________
(1) 80)
... هما الحارث بن تليد الحضرمي وعبد الجبار بن قيس المرادي (توفّيا سنة131هـ/749م) قيل إنّه ظهر بينهما خلاف فاقتتلا، انظر عنهما بتفصيل أكثر عند ابن عبد الحكم : فتوح مصر، ص202-224. البرادي (السابق)، ص170-171. الشماخي : السير، ص125. عوض خليفات: نشأة الحركة الإباضيّة، ط.1978، سلطنة عمان، ص142، أبو زكرياء : السيرة، ص61. الوارجلاني : الدّليل والبرهان (السابق)، ج3/240-241.




================================




وتعرّض أبو خزر إلى مبحث « ما يسع جهله وما لا يسع جهله » وهو مبحث تعرّض له بالدّرس المتكلّمون الإباضيّون، وصار له صدى في مؤلفاتهم بعد أبي خزر حتّى زمن أبي عمّار عبد الكافي وأبي يعقوب الوارجلاني. ثمّ تعرّض بالدّرس إلى مسألة خلق الأفعال وردّ على المعتزلة الّذين يخالفونه الرأي. كما ناقش مسألة الاستطاعة والإرادة مخالفا الفرق، قائلا بأنّ الاستطاعة قبل الفعل. ثمّ بحث في مسألة الإيمان والكفر وهل يستطيع الإنسان الكفر في حالة فعله الإيمان؟ وردّ على المرجئة والصفريّة من فرق الإباضيّة موضّحا نقاط الاتّفاق والاختلاف بينهم وبين أصحاب هذه المقالات. وختم الكتاب بمسألتي التولّد (أيّ ما يتولّد من الفعل) والكفّ عن الشيء ثمّ تفسيره لقوله تعالى لموسى: { وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ } (طه:69) إن كان ألقى في حال الأمر أو بعد الأمر ؟
هذه مباحث الكتاب، وقد وضّحها أبو خزر في آخر الأبواب حيث بيّن منهجه في مناقشاته للمسائل التّي تعرّض لها في عبارات موجزة « ... فقد ذكرنا ما اعتلّت به المشبّهة وأبطلنا اعتلالهم، وذكرنا ما اعتلّ به جهم، وما اعتلّت به المعتزلة، فأخذ أصحابنا بأوسط الأقاويل وأعدلها وأصوبها ممّا وافق كتاب الله وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - والقياس الّذي لا يقدر مبطل على نقضه، فنفينا عن الله التشبيه، فأثبتناه حيّا فاعلا، واحدا ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء، وأبطلنا حجّة المشبهة، وأبطلنا ما اعتلّ به جهم وما اعتلّت به المعتزلة من تثبيت جهم القدرة لله حتّى ألزمه الجور، ونفى المعتزلة الجور عن الله حتّى نفوا عنه القدرة على أكثر الأشياء، ومن لا يقدر على شيء فهو جائر ظالم... فقد ذكرت جمل ما يدخل على المخالفين وما اعتلّوا به من مسائلهم ما فيه الكفاية لمن أراد الله إرشاده وتوفيقه».






===============



وقال في موضع آخر أيضا مبينا منهجه في هذه الرسالة فقال : « فمن قرأ هذا الكتاب فليتثبت فيه معانيه، وقد كررت فيه الألفاظ ليفهم الناظر فيه معانيه، فما لم يفهمه في أوّل المسألة فهمه في آخرها، مع إنّي إذا كررت لزيادة معنى لم يكن في أوّل المسألة».
ولعلّ تحقيق هذه الرسالة ونشرها يكون مساهمة منّا في بيان أهميّة علم الكلام في الدّفاع عن المذهب والحرص كلّ الحرص على الانتصار له. وهي من جهة أخرى إثراء لعلم الكلام الإباضي، ودليل واضح على مدى تحرّر عقول المتكلّمين وكتّاب الفرق الإباضيّة وغيرهم، وأصالة تفكيرهم وتكوينهم العلمي في نشدان الحقيقة، وهي أيضا تساهم في معرفة وتحديد مواقع الإباضيّة بشمال إفريقيّة.
إنّ ما خلّفه أسلافنا وأجدادنا هو بحقّ ثروتنا وتركتنا الفكريّة التّي يمكن أن تساعدنا بعد تفكيكها وضبطها على جعلها مسايرة للزّمن الّذي يتطوّر بتطوّر أفكار أبنائه.
إنّ تراثنا الفكريّ لهو دليل على عبقريتنا، وهو عنوان على فضل الأجداد على الأحفاد، وهو بالتّالي مجهوداتهم المثمرة وأفكارهم وآراؤهم النيّرة.
وتكمن قيمة هذه الرسالة في أنّها تقدّم لنا صورة واضحة عن اهتمام علماء الإباضيّة ودقّتهم في الردّ على مخالفيهم وقدرتهم الفائقة على تتبّع المسائل الكلاميّة والفقهيّة الشائكة، ومدى تبحّرهم في مناقشة الفرق المخالفة، فتراهم يؤلفون في علم الكلام كتبا تتضمّن أسئلة افتراضيّة وأجوبة لها. ورسالة صاحبنا تتضمّن الردّ على المخالفين له.
وترجع أهميّة هذه الرّسالة إلى كونها مخطوطة غير موجودة إلاّ عند أهل المذهب الإباضي بجزيرة جربة وجبل نفوسة بطرابلس ليبيا.


* نسخ الرّسالة :
اعتمدت في تحقيقي لهذه الرّسالة الموسومة بـ : " كتاب الردّ على جميع المخالفين " على نسختين. وهما كلّ ما استطعنا العثور عليه في مكتبات مشائخ الإباضيّة بتونس وليبيا والجزائر من مخطوطات هذه الرسالة القيمة.





================================


- النسخة الأولى : وهي التّي رمزتُ إليها بحرف " أ " كأصل للتّحقيق، وهي جزء من مجموع بها63 صفحة، وبكلّ صفحة 19 سطراً ومقاسها15x21.5 سم، كتبت بخطّ مغربي واضح، نسخها الشيخ عبد الله بن يحيى الباروني (1) سنة 1273هـ/1856م، وهذه النسخة من مجموعة ورثة الشيخ عبد الله بن يحيى الباروني " بِكَابَاوْ " من مدن طرابلس ليبيا، وقد تمكّنا من تصويرها عن طريق أحد أحفاد الشيخ الباروني (النّاسخ) المدعو يوسف بن أحمد الباروني، فجزاه الله وأسرته خيرا، وهذه النسخة خالية من التّحريف في الغالب ذلك أنّ الّذي نسخها هو شيخ عالم وفقيه وشهرته أكثر من أن نتحدّث عنها.
- النسخة الثانيّة : وهي نسخة كاملة بحيازة آل البعطور بوالغ جربة، الّذين تفضّلوا - مشكورين بتمكيننا من تصويرها بجربة، وهي كذلك جزء من مجموع بها 40 صفحة، ولكلّ صفحة 27 سطرًا، ومقاسها 15.5 x 20.5 سم، كتبت بخطّ مغربي شبه قديم، بيد النّاسخ عبد الله بن عيسى النفوسي الّذي لم يذكر تاريخ نسخه لها. وبآخر هذه النسخة مجموعة أقوال في علم الكلام منسوبة لأبي خزر الحامي، وقد رمزت إلى هذه النّسخة بحرف " ج " نسبة إلى جربة.
__________
(1) 81)
... هو عبد الله بن يحيى بن أحمد الباروني النفوسي، شيخ فاضل من علماء الإباضيّة من أهل كاباو في ولاية طرابلس الغرب ... وهو والد سليمان " باشا " الباروني، توفّي هذا النّاسخ سنة 1914م، انظر ترجمته في : الإباضيّة في موكب التّاريخ ج2، والإباضيّة في ليبيا لعلي يحي معمّر، القسم الثاني، طبعة أولى 1964، ص131، وانظر : الزركلي : الأعلام، طبعة 7 سنة 1986، ج4/145.





==============================



وقد اجتهدت في تحقيقي للنصّ حتّى أخرجه سليمًا مكتملاً رغم أنّني لم أتمكّن من العثور على نسخ أخرى، إلاّ أنّ الّذي ساعدني على التّحقيق للنصّ هو أنّ النّاسخ الأوّل عالم وفقيه، ويبدو أنّ النّاسخ للنسخة "ج" أقلّ علما من الأوّل، وهذا يتّضح من خلال المقارنة، كما أنّ ناسخي النسختين هما من أصحاب المذهب، ولذلك لم نجد صعوبة في قراءة النصّ. واجتهدت في نسبة الأقوال إلى أصحابها ما استطعت، وأحلت على المصادر والمراجع الهامّة، كما اجتهدت في تخريج ما ورد في الرّسالة من آيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة، كما عرّفنا بما ورد فيها من رجال وفرق وجماعات، وتركت الأعلام المعروفة وأرشدت إلى مصادر بعض القضايا المطروحة تسهيلا لمن أراد المزيد من الاطّلاع. واستعملت علامة (+) للتّدليل على ما أضفته من النّسخة "ج" وعلامة (-) للتّدليل على النّقص أو السّقط من "ج" فإذا كان النقص أكثر من كلمة جعلت ذلك بين معقوفتين[ ].
كما أنّي وضعت أرقامًا على النسخة المعتمدة تبتدئ من رقم(1) وجه الورقة التّي بها العنوان يليه رقم(2) على ظهرها وهكذا إلى نهاية الرّسالة وجعلت هذا الخطّ الفاصل(/) بين صفحة وصفحة. وعلّقت على بعض ما رأيته يحتاج إلى التعليق، إمّا شرحا وتعليقا، أو نقدا وتصويبا في الهامش، كما وضعت عناوين المسائل التي عالجها المؤلّف في النصّ وفهرسا تفصيليا يلحق بالنصّ.
هذا وإنّي قصدت بتحقيق هذه الرسالة ونشرها المساهمة في إفادة الفكر الإسلامي عموما والباحثين خصوصا، وأرجو أن أكون قد وفّقت في هذا العمل راجيًا أن يلبّي طلبات الباحثين في مجال أصول الدّين، وإنّني إذ أقدّم هذه الرّسالة إلى القرّاء والباحثين عامّة وفي تونس والجزائر وليبيا وسلطنة عمان خاصّة، أسأله سبحانه التسديد والتّوفيق في كلّ أمورنا والعون لنا في كلّ أحوالنا، وقبوله منّي عملا خالصا لوجهه الكريم، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لأبي , المخالفين , الردّ , جميع , جسر , يغلا , زلتاف , على , كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مجموعة كبيرة من الكتب المصورة الإباضية للتحميل عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 16 06-10-2014 07:42 PM
كتاب : الفتاوى كتاب الصلاة ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي عابر الفيافي نور الفتاوى الإسلامية 8 10-26-2011 09:29 PM
من هم الاباضية -مدخل لفهم حقيقة الإباضية والمذهب الاباضي عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 4 11-14-2010 07:28 PM
الفتاوى كتاب الصوم ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي عابر الفيافي نور الفتاوى الإسلامية 0 10-08-2010 10:40 AM


الساعة الآن 04:59 PM.