من قضايا العقيدة - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



المكتبة الإسلامية الشاملة [كتب] [فلاشات] [الدفاع عن الحق] [مقالات] [منشورات]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
265  من قضايا العقيدة
كُتبَ بتاريخ: [ 01-15-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

من قضايا العقيدة
من المباحث اللغوية والمصطلحات الشرعية التي تناولتها أقلام أكثر علماء الإسلام، وَاتَّفَقت نظراتهم فيها حينا واختلفت حينا آخر، هي معاني كلمات: الكفر، والإيمان، والإسلام، والشرك، والنفاق، والعصيان، والكبيرة.
وللإباضية في هذه المواضع مفاهيم كما لغيرهم، فكل المذاهب تأخذ أحكامها من كتاب الله وسنة رسوله (ص)، ولكن قد يختلفون في طرق الاستنباط.
ومن هذه المفاهيم ما يلي:
? الإيمان والإسلام والكفر.
? كفر النعمة.
? الوعد والوعيد.
? الولاية والبراءة والوقوف.
? خلود العصاة في النار.
? الشفاعة.
وهذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض، وتكمل بعضها بعضا، و يترتب عليها التعامل بين الناس.
مفهوم الإيمان:
يرى الإباضية أن النطق بالشهادتين وحده لا يكفي لأن يكون الإنسان مسلما، بل يلزم أن يترجم هذا القول والاعتقاد إلى عمل صالح، فالإسلام اعتقاد وقول وعمل، ولا يتم إسلام المرء إِلاَّ بهما معا. فالاعتقاد: هو الإيمان الخالص بالله وملائكته وكتبه ورسله. والقول: هو النطق بكلمة الشهادة، والعمل: هو الإتيان بجميع الفرائض، واجتناب جميع المحرمات، والوقوف عند الشبهات.
فطبيعة الإسلام تقتضي من الفرد المسلم أن يؤمن بالله ورسله، ثُمَّ يصرح بلسانه بهذا الإيمان، وبعدها يندفع للعمل بما جاء في هذه الرسالة التي آمن بها. ﴿ وَمَنَ اَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)﴾ (فصلت) والثواب والعقاب في الآخرة منوطان بالإيمان والعمل معا، وليس بالإيمان ولا بالقول فقط دون ارتباطها ﴿ يَـآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَاَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ(2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَـقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ(3)﴾ (الصف). ولقد كان رسول الله (ص) يقول وهو يدعو الناس إلى الإسلام في مَكَّة: «أيها الناس، قولوا لا إله إِلاَّ الله تفلحوا» وكفار قريش كانوا يعلمون أَنَّها ليست كلمة تلاك بالألسن ولو كانت كذلك لقالوهَا، وعصمت دماؤهم، وَإنَّمَا هي التزام بمقتضى هذه الكلمة، وانقياد كامل لله ورسوله، وهم غير مستعدين لذلك، ولذلك فلم يؤمن إِلاَّ من أدرك المعنى الحقيقي للكلمة. وعلى هذا الأساس يفهم قول النبي (ص): «من قال لا إله إِلاَّ الله دخل الْجَنَّة». فمن قال: «لا إله إِلاَّ الله مُحمَّد رسول الله» عليه أن يعمل بمقتضاها، وهذا الذي عليه الإباضية، أَمَّا غيرهم فإن الذي يقرأ في كتب الإيمان والعقائد يجد عدة تفسيرات لهذا الحديث تترد بين رأي الإباضية، وبين من يأخذ بظاهر الحديث، ويقول: إِنَّ كلمة التوحيد كافية لدخول الْجَنَّة.
ومن هذا نفهم أَنَّهُ لا يختلف مفهوم الإسلام عن مفهوم الإيمان عند الإباضية إذَا تفرقا، فكلاهما شيء واحد من الناحية الشرعية، أَمَّا من الناحية اللغوية فمعنى كُلّ منهما واضح، فالإسلام: يعني الانقياد، والإيمان: يعني التصديق.
يقول الشيخ علي يحي معمر: «لو ألقيت نظرة إلى العالم الإسلامي الذي يموج بملايين البشر، يشهدون أن لا إله إِلاَّ الله وأن مُحمَّدا رسول الله، ويفخرون بأنهم مسلمون لأذهلتك النتيجة. تجد أحدهم يقول: لا اله إلا الله مُحمَّد رسول الله، لكن قلبه ممتلئ بحب غير الله، وجوارحه تتسابق إلى ما نهى الله عنه. فما وزن المسلم الذي لا يقرب الصلاة، أو لا يؤدى حق الله في ماله، وما وزن المسلم الذي ينفق الأموال في كُلّ سبيل إِلاَّ سبيل الله، ويشترك في كل مشروع إِلاَّ مشروع الخير، ويغشى كل مجلس إِلاَّ مجلس الذكر.
إنك تستطيع أن تجد آلاف الصور لملايين من البشر كُلّها تخالف ما أنزل الله، وهؤلاء كلهم محسوبون على الإسلام.
إن عشرة آلاف من المسلمين عندما كان الإسلام إيمانا وقولا وعملا استطاعوا أن يهدوا الملايين إلى دين الله بسلوكهم قبل أن يهدوهم بأقوالهم وأسيافهم، واستطاع أولئك الآلاف القليلة أن يثبتوا حكم الله قويا مزدهرا في بلاد الله وإن كان أهلها على غير الإسلام، لأَنَّ أولئك القلة كانوا مسلمين حقا بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم»[1].
كيف يحكم الإسلام على هؤلاء الناس الذي يؤمنون بالله ورسوله قولا، ويخالفون أوامر الله ورسوله عملا، وكيف يتعامل الفرد المسلم والمجتمع المسلم معهم. وما مصير هؤلاء في الآخرة. هذا ما سيأتي بيانه، ولكن قبل ذلك يلزم أن نبين أقسام الناس في الدنيا والآخرة وأقسام الذنوب.
كفر النعمة:
ينقسم الناس في الدنيا إلى مسلم وكافر.

أَمَّا المسلم فهو المؤمن التقي الموفي بدينه الحريص على إسلامه, القائم بالواجبات والمجتنب للمعاصي والسيئات، وهو الذي يرجو رحمة رَبِّه ويخشى عذابه ويتوب كُلَّ ما أذنب.

وأَمَّا الكافر: نوعان: كافر كفر شرك (الخارج من الملة) . وكافر كفر نفاق أو كفر معصية، وهو ما يطلق عليه الإباضية: كفر النعمة.
فالكفر بمعنى الشرك: لا يطلق إلاّ على من أنكر معلوما من الدَّين بالضرورة كوجود الله، أَو أشرك به غيره، أو أنكر شَيئًا الوحي أو الرسالة، أو البعث أو الحشر أو الحساب أو الجنة أو النار.
وكفر النفاق أو كفر النعمة: فيطلق على كُلّ من ارتكب كبيرة من الكبائر العملية كالسرقة والزنى والخمر، أو تركية كترك الصلاة وعدم صيام رمضان... وغيرها، والمذاهب التي لا تطلق الكفر على مرتكب المعصية الكبيرة، إِنَّمَا ذلك لأَنَّ الكفر عندهم مرادف للشرك[2].
وقد وردت كلمة الكفر بهذه المعاني في عدة آيات من القرآن الكريم، فأحيانا تأتي بمعنى الشرك، وأحيانا بمعنى كفر النعمة، كما وردت في أحاديث صحيحة عن النَّبِيّ (ص) ومن أمثلة ذلك من القرآن الكريم:
¨ قول الله تعالى: ﴿ لِيَـبْلُوَنِيَ ءَآشْكُرُ أَمَ اَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنـَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبـِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ(40)﴾ (النمل)، ومعنى الكفر هنا: هو جحود نعمة الله تعالى وفضله وإحسانه.
¨ قول الله تَعَالىَ: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيـَةً كَانَتَ ـ امِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112)﴾ (النحل).
¨ قول الله تعالى: ﴿ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97)﴾ (آل عمران) والكفر هنا يعني: ترك الحج مع الاستطاعة.
¨ قول الله تعالى ﴿ وَمَن لـَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ(44)﴾ (المائدة)
ومن الأحاديث:
¨ قول النبي (ص) «من ترك الصلاة فقد كفر» وقوله أيضا: «بين العبد والكفر ترك الصلاة».
¨ قول الرسول (ص) : «الرشوة في الحكم كفر».
¨ قوله (ص) فيمن أتى كاهنا: «من أتي كاهنا أو عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على مُحمَّد».
¨ قوله (ص) فيمن يتهاون بالصلاة: «من ترك الصلاة كفر».
¨ قول الله تعالى فيمن يتعامل بالربا: ﴿ يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ اَثِيمٍ(276)﴾ (البقرة)
وكثير من هذه النصوص التي وردت بهذا المعنى، والتي إذا أمكن تأويل بعضها بالشرك أو بالردة، فإن بعضها الآخر لا يمكن تأويله إِلاَّ على كفر النعمة الذي هو بمعنى العصيان أو الفسوق، أو ما يطلق عليه أهل الحديث: «كفر دون كفر».
ففي كل الأمثلة السابقة لا يمكن أن نحصر كلمة «الكفر» على الخروج من الملة أو الشرك بالله، ولذلك يتبين تقسيم الكفر عند الإباضية إلى قسمين:
كفر شرك ، وكفر نعمة.
فكفر الشرك: مرتبط بأصول العقيدة، وهو مرادف للشرك.
أَمَّا كفر النعمة: فهو مرتبط بالأعمال، وكلاهما سماه القرآن كفرا كما في الآيات السابقة.
ولقد استغل بعض الكتاب المتحاملين على الإباضية - قديما وحديثا - إطلاق الإباضية كلمة الكفر على مرتكبي الكبائر من المسلمين، فقالوا بأن الإباضية يقولون بكفر مرتكبي الكبائر من المسلمين دون أن يبينوا معنى الكفر المقصود، ذلك لأَنَّهُم يفهمون معنى الكفر بأنه الكفر المرادف لكلمة الشرك: وهو الخروج من الملة، ومن ذلك يفهم القارئ من هذه الكتب كأن الإباضية يقولون: بأن مرتكب الكبيرة مشرك، وهذه مخالفة للحقيقة، بل من الشبه التي استغلت على مدى التاريخ للصد عن الفكر الإباضي, فكثير من الناس حين يسمعون أن الإباضية يحكمون بكفر عصاة الموحدين، يحسبون أن هذا الحكم إخراج للمسلمين من الدين، وحكمٌ عليهم بالشرك، وهذا ما ذهب إليه الخوارج، فالإباضية فرقة من الخوارج، وهكذا يبنون نتائج على مقدمات كاذبة مشوهة، فيتورطون في خطأٍ شنيع، وينسبون إلى فرقة من أحرص فِرَق الإسلام على قول الْحَقِّ واتباعه، ومن أشدها تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله، ينسبون إليها أقوالاً وآراءً هي أبعد عنها من الذين ينسبونها إليها، ولو رجع هؤلاء إلى كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإلى سنة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، ثُمَّ اطلعوا على كتب الإباضيَّة وناقشوها في أدلتها ومستنداتها، وعرضوها على الميزان الذي وضعه مُحمَّد (ص)، وفهموا المعنى الذي يقصده الإباضية من كلمة الكفر حين تطلق على الموحدين، إِنَّهُم لو فعلوا ذلك لوفروا على أنفسهم وصمة الجهل، وعلموا أن هؤلاء الناس يحاسبون أنفسهم على كُلّ دقيقة وجليلة، قبل أن يحاسبهم الناس، وأَنَّهم لا يقدمون على قول أو عمل، إِلاَّ إذا انبنى على آية محكمة أو سنة متبعة. وأعتقد أن ما تَقَدَّم يكفي لإيضاح المقصود من إطلاق كلمة الكفر على العصاة ويقصد بذلك كفر النعمة.
وقد يسأل سائل لماذا استعمل الإباضية كلمة الكفر على العصاة، ولم يستعملوا كلمة أخرى مثل الفسوق والنفاق، والسبب كما يقول الشيخ علي يحي معمر رحمه الله :
«أَوَّلاً: أَنَّها الكلمة التي أطلقها القرآن والسنة النبوية عليهم في كثير من المناسبات كما ذكرنا بعضها فيما سبق.
وثانيا: أن كلمة النفاق كان لها أثرا خاصا في تاريخ الإسلام، فقد اشتهر بها عدد من الناس في زمن رسول الله (ص)، آمنوا ظاهرهم ولم تؤمن قلوبهم. فكان القرآن الكريم ينزل بتقريعهم ويفضح بعضهم، ويتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، حتَّى اشتهروا بهذا الاسم، وعرفوا به قال تعالى ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنم بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمُ, إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67)﴾ (التوبة)
ولقد استعمل الإباضية كلمة الكفر في وصف العصاة الذين يرتكبون الموبقات أو ما يشبهها، لأَنَّ الرسول (ص) حين وصف تارك الصلاة والراشي والمرابي وغيرهما بالكفر، ولم يحكم عليهم بالشرك أو الردة أو الخروج من الملة.
فاستعمل الإباضية كلمة الكفر في المواضع التي استعملها القرآن الكريم ورسول الله (ص) وفيما يشبهها، وهي تعني كفر النعمة كما هو واضح من الآيات والأحاديث السابقة.
ومن الجدير بالذكر أنه قد وافق الإباضية على إثبات كفر النعمة جماعة كبيرة من العلماء؛ منهم: البيهقي، وابن الأثير، وابن العربي، والحافظ ابن حجر، والعيني، والقسطلاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وابن عاشور، وغيرهم»[3].
يقول الشيخ على يحي معمر : «ولو حكم بالشرك أو الخروج من الملة على كل من ارتشى وكل من رابى وكل من صدق كاهنا أو عرافا، وكل من تهاون في صلاة أو حج فريضة لما بقي من المسلمين إِلاَّ العدد اليسير. ولو سرنا مع هذا المنطلق لحكمنا عَلَى جميع المسلمين بالشرك أو الردة لقوله (ص) : «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، ولقد بدأ ضرب الرقاب بعده بقليل، ولم يتوقف حتَّى اليوم. بل إن رقاب المسلمين لتطير بأيدي المسلمين في كُلّ يوم حتَّى هذا العصر، ولا يبدو أنها ستتوقف، فهل نحكم على كُلّ هؤلاء بأنهم مشركون مرتدون. وهل نحكم على أولئك البسطاء السذج الذين يصدقون كُلّ شيء حتى العراف بأنهم مشركون مرتدون. فالإباضية عندما يطلقون كلمة الكفر على موحد فهم يقصدون به كفر النعمة، وهو ما يقصد به الفسوق أو النفاق أو العصيان عند غيرهم. فكفر النعمة والفسوق والعصيان كلمات ثلاثة تدل على معنى واحد، وهذه الكلمات الثلاثة أطلقت على المنافقين في عهد النبي (ص) كما أطلقت على الذين يجاهرون بالمعصية»[4].
كيف يحكم الإباضية على المسلم العاصي؟ وكيف يتعاملون معه؟
إنهم ينزلون العصاة المنزلة التي أنزلها الله تعالى لهم، ويتعاملون معه كما بين القرآن الكريم، وكما تعامل معهم الرسول (ص). نجد هذا واضحا جليا في تعامله مع الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فقد أمر النَّبِيّ أصحابه أن يعتزلوهم ولا يكلموهم حتَّى تاب الله عليهم.
وهكذا سار الإباضية على هذا النهج فكانوا يتبرؤون من العصاة، وهكذا يجب أن تكون معاملة المسلمين لمن يفسق عن أمر الله أو ينافق في دين الله، أو يكفر بنعمة الله، فإنها معاملة العاصي المنتهك الذي يجب إرشاده إلى وجوب الاستمساك بدينه ورجوعه إلى أوامر ربه، فإن أصرّ واستكبر برئ منه ومن عمله وجافاه المسلمون حتى يتوب.
إذن لاَ بُدَّ أن نفرق في المعاملة بين المؤمن المتقي، وبين العاصي المرتكب لما نهى الله عنه، والثواب والعقاب مرتبطان بالعمل، يقول الله تعالى في سورة السجدة: ﴿ أَفَمَن كَانَ مُومِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ(18) أَمَّا الذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَاوَىا نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19) وَأَمَّا الذِينَ فَسَقُوا فَمَاوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوا أَنْ يـَّخْرُجُوا مِنْهَآ أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ(20)﴾.
فالمسلم العاصي والمجاهر بمعصيته يُنصح ويُدعى إلى التوبة والرجوع، فإن أبي تبرأ منه وجافاه المسلمون. وهذا ما يعرف عند الإباضية بالولاية والبراءة[5]، كما هو مفصل في مكان آخر من هذا الكتاب.
أقسام الذنوب
من المعلوم أن الذنوب أو المعاصي قسمان : كبائر، وصغائر.

فالكبائر جمع كبيرة: وهي كل ما عظم من المعصية مِمَّا فيها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، فالسرقة وشرب الخمر والزنا وقتل النفس التي حرم الله، والكذب وعقوق الوالدين والفرار يوم الزحف وترك الصلاة والامتناع عن دفع الزكاة وترك الحج مع الاستطاعة، وقطع الطريق والظلم، وإيذاء المسلمين وتخويفهم والفساد في الأرض، ونصرة الباطل والحكم بغير ما أنزل الله إلى غير ذلك من الأفعال المحرمة بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، كل ذلك من الكبائر، وهي التي يترتب على ارتكابها وعيد في القرآن أو في السنة، سواء شرع لها حد في الدنيا كالزنا والسرقة أو لم يشرع كأكل الربا والميتة ولحم الخنزير»[6].

أما الصغائر فهي ما دون الكبائر وهي الذنوب التي بين العبد وبين الله تعالى، وقد ذكر أبو مسلم الرواحي في نثار الجوهر نقلا عن قطب الأئمة أمثلة منها: الغمزة والهمزة والنظرة والهم بالمعصية والكذب على غير الله ورسوله حيث لا ضرر على أحد، والدخول بغير إذن، وأخذ حبة أو حطبة أو غير ذلك من مال الغير، ولبس ثوبه وركوب دابته أو سقي بدلوه. ويمكن أن يقاس عليها ما تشبهها. وهذه الذنوب هي التي قال الله تعالى فيها ﴿ إِن تَـجْتَنِبُوا كَبَآئِـرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا(31)﴾ (النساء) وهي التي يغفرها لله للعبد، وتكفرها الصلوات المكتوبة والصدقات والصوم وصلاة الجمعة.

أما الكبائر فلا تغفر إِلاَّ بتوبة صادقة.

ومنها فإن مرتكب الكبيرة المصرّ عليها والذي يموت يخلد في النار كما سيأتي بيان ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

وقد وعد الله تعالى من عمل بطاعته الْجَنَّة، ولا خلف لوعده، وأوعد لمن عصاه النار إذا مات غير تائب من معاصيه وأصر عليها، ولا خلف لوعيده، ولا مبدل لقوله. قال تعالى: ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ(29)﴾ (ق)، وقال : ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ(9)﴾ (آل عمران) فالوعد حق والوعيد حق، قال تعالى : ﴿ وَنَادَىآ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُم مَّا وَعَدَ رَبـُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُم بَيْنَهُمُ, أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(44)﴾ (الأعراف).
فمن مات مؤمنا بالله تائبا، صادقا في توبته مخلصا لله في عمله، كان من أهل رضوان الله تعالى، ولا يؤخذ بما جناه قبل التوبة، ومن مات مصرا على شيء من معاصي الله، ولم يتب من المعاصي التي توجب التوبة، كان من أهل سخط الله، ولا ينتفع بما سبق من عمله. مصداقا لقول الرسول (ص): «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراعا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». فالعاقبة بحسن الخاتمة وطالما أن المرء لا يدرى متى تكون نهايته فإن عليه أن يعمل الصالحات طول حياته، وإن أخطأ فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه قبل أن يسبق عليه الكتاب. وعندها لا تنفعه توبة ولا شفاعة. فمن يموت بغير توبة فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.
أَمَّا الاعتقاد بأن الله يغفر الذنوب جميعا بدون توبة صادقة فإن هذا يجر إلى اللامبالاة بالمعاصي وتسويف التوبة، كما أنه مخالفة لكثير من الآيات القرآنية الكريمة.
أدلة خلود مرتكب الكبيرة في النار:
إن الإباضية تقول بخلود أهل الكبائر في النار وهي العقيدة التي نطق بها القرآن ودعمتها كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، وهي واضحة كل الوضوح لمن تدبر في آيات القرآن. وقضية الخلود في النار من القضايا المتعلقة بالعدل الإلهي وبالوعد والوعيد، وما ينتج عنه من ثواب وعقاب. والأدلة على خلود العصاة في النار كثيرة في القرآن والسنة. فمن القرآن الكريم:
· قول الله تعالى في سورة هود ﴿ فَأَمَّا الذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ(106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالاَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبـُّكَ إِنَّ رَبـَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107) وَأَمَّا الذِينَ سَعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالاَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبـُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108)﴾.
· قول الله تعالى في البقرة: ﴿ الذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فَمَن جَآءَهُ, مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبـِّهِ فَانتَهَىا فَلَهُ, مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ, إِلىَ اللهِ، وَمَنْ عَادَ فَأُؤْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275)﴾. هذه الآية تتوعد آكلي الربا بالخلود في النار والربا كما هو معلوم من أكبر الكبائر.
· يقول الله تعالى في سورة يونس: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىا وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26) وَالذِينَ كَسَبُوا السَّـيِّـئَاتِ جَزَآءُ سَـيِّئَةِم بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنـَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27)
· قال الله تعالى بعد آية الوصية في سورة النساء ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُّطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13) وَمَنْ يَّعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ(14)﴾.
فليس أصرح من هذه الآية في أن من يعصي الله تعالى يخلد في جهنم، وهذه الآية لا تخص الكفار وإنما تخص من يتعدى حدود الله عموما. يقول الشهيد سيد قطب وهو يعلق على هذه الآية: «لماذا تترتب كل هذه النتائج الضخمة في تشريع جزئي كتشريع الميراث، وفي جزئية من هذا التشريع؟ إن الآثار تبدو أضخم من الفعل لمن لا يعرف حقيقة الأمر وأصله العميق». ثم يجيب في شيء من التفصيل على هذا السؤال «بأن التشريع لله وحده، فالله وحده هو الذي يختار للناس منهج حياتهم، والله وحده هو الذي يسن للناس شرائعهم، والله وحده هو الذي يضع للناس موازينهم وقيمهم وأوضاع حياتهم وأنظمة مجتمعاتهم وليس لغيره - أفرادا أو جماعات - شيء من هذا الحق إلا بارتكان إلى شريعة الله». ويخلص في النهاية إلى القول: «هذا هو الأمر في جملته وفي حقيقته.. ومن ثم يستوي أن يكون الخروج في أمر واحد أو في الشريعة كلها. وهذه هي الحقيقة الكبيرة، التي تتكئ عليها نصوص كثيرة في هذه السورة وتعرضها عرضا صريحا حاسما، لا يقبل المماحكة ولا يقبل التأويل. وهذه هي الحقيقة الكبرى التي ينبغي أن يتبينها الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام في هذه الأرض ليروا أين هم من هذا الإسلام، وأين حياتهم من هذا الدَّين»[7].
· قول الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿ إِنَّ الاَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ(14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ(15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِـبِينَ(16) ﴾ هذه الآية قسمت الناس يوم القيامة إلى قسمين: أبرار وفجار فالأبرار مصيرهم إلى الجنة وهم فيها خالدون، والفجار مصيرهم النار وهم فيها خالدون.
· قول الله تعالى في سورة الفرقان: ﴿ وَالذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا(65)﴾.
· قول الله تعالى في سورة الفرقان ﴿ وَالذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا _اخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَالِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) اِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(70)
· قول الله تعالى ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىا وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26) وَالذِينَ كَسَبُوا السَّـيِّـئَاتِ جَزَآءُ سَـيِّئَةِم بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنـَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27)
ومن السنة:

· روى البخاري ومسلم عن ابن عمر (رض) أن رسول اله (ص) قال: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة».
· روي الترمذي وابن ماجة والحاكم عن عثمان (رض) أن رسول الله (ص) قال: «إن القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».
· روى أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم عن أنس (رض) أن رسول الله (ص) قال: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله. قيل كيف يستعمله قال: يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه».
· روى الشيخان عن ابن عمر (رض) أن رسول الله (ص) قال: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم ينادى مناد: يا أهل الجنة خلود بلا موت. يا أهل النار خلود بلا موت. فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم».
· روى أحمد والبزار والحاكم والنسائي عن ابن عمر (رض) أن النبي (ص) قال : «لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر». وفي رواية أخرى ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : «مدمن خمر والعاق لوالديه والديوث»، وهو الذي يقر السوء في أهله.
· روى الشيخان عن رسول الله (ص) أَنَّهُ قال «من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة».
· روى البخاري عن رسول الله(ص) أنه قال: «من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الْجَنَّة».
· روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال : «من تردى[8] من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ[9] بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا».
· روى البخاري عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال : «الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار والذي يقتحم[10] يقتحم في النار».
· روى البخاري عن حذيفة (رض) أن رسول الله (ص) قال: «لا يدخل الجنة نمام وفي رواية قتات».
· روى البخاري عن ابن عمر (رض) أن رسول الله (ص) قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما».
· روى مسلم في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
والروايات كثيرة تارة تدل على الخلود بالنص عليه، وتارة بالجمع بينهن بين التأبيد، وأخرى بالتوعد بالحرمان من الْجَنَّة، أو حرمان شم ريحها.
ومحصل الأحاديث واحد وإن اختلفت ألفاظها، وهو أن مرتكب هذه الأعمال إن لم يتب قبل موته، فهو في نار جهنم مثله مثل الكافر إِلاَّ أَنَّهُ يجب أن نؤمن بأن الجنة درجات، وأن النار دركات، وأن أفضل درجات الجنة أعلاها وهي جنة الفردوس، وقد ورد في الحديث «اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى».
وأما النار فإن أشد الناس عذابا من في أسفلها قال تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَـجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)﴾ (النساء) وأقل الناس عذابا من في أعلاها. نعوذ بالله من النار. وأن عذاب الناس يتفاوت كل حسب ذنوبه في الدنيا، ومن دخل النار فلن يخرج منها أبدا، ومن دخل الجنة فلن يخرج منها أبدا بصريح القرآن والسنة.
ولا توجد آية في كتاب الله تعالى تقول بخروج العصاة من النار بل إِنَّ آيات كثيرة تؤكد معنى التأبيد في جهنم للعصاة، وكلها آيات صريحة في دلالاتها قطعية في ثبوتها؛ وأما الأحاديث فقد وردت أحاديث في خلود العصاة في النار كما وردت أحاديث في خروج العصاة من المؤمنين من النار.
لكن إذا عرضنا هذه الأحاديث على كتاب الله نجد أنها أَوَّلاً: أحاديث أحادية، وثانيا: فإن هذه الأحاديث تعارض الكثير من الآيات القرآنية الصريحة، وغيرها من الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا بعضا منها. وقضايا العقيدة لا تؤخذ إِلاَّ من القرآن الكريم، ومما تواتر من أحاديث النبي (ص)، أما الأحاديث الأحادية فلا يحتج بها في أمور العقيدة على رأي جمهور العلماء[11].
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أَنَّهُ عند قبض روح الإنسان، إما أن تقبضه ملائكة الرحمة، أو تقبضه ملائكة العذاب حسب أعماله في الدنيا.
فهذا المسلم العاصي الذي لم يتب من معصيته أيُّ الملائكة تقبض روحه؟ هل هي ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ فإذا كانت ملائكة الرحمة فلم يعذبه الله بذنبه في النار ثم يدخله الجنة, وإذا كانت ملائكة العذاب فقد سبق في علم الله أَنَّهُ من أهل الشقاء، فكيف يدخل الجنة بعد ذلك.
وكما ثبت من حديث النبي (ص): «أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار». فالميت في قبره إما أن يكون سعيدا ينتظر قيام الساعة ودخول الجنة، وإما أن يكون شقيا يتمني عدم قيام الساعة حتى لا يعذب في جهنم.
ولقد عاب الله على الذين ورثوا الكتاب من قبلنا قولهم ﴿سيغفر لنا﴾ في قوله تعالى ﴿ فَخَلَفَ مِنم بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَاخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الاَدْنَىا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يـَّاتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَاخُذُوهُ أَلَمْ يُوخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(169)﴾. كما عاب على بني إسرائيل قولهم في سورة البقرة: ﴿ وَقَالُواْ: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً، قُلَ اَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُّخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ, أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(80) بَلَىا مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)﴾. وقد فسر كثير من المفسرين أن معنى من أحاطت به خطيئته بمعنى مات على ذنبه أو خطيئته ولم يتب. فهذه آية صريحة في كتاب الله تبين أن مصير من لم يتخلص من ذنبه بالتوبة سيكون خالدا في النار مع الخالدين.
يقول الشيخ أحمد الخليلي في الحق الدامغ : «إن القول بتحول الفجار من العذاب إلى الثواب ما هو إلا أثر من آثار الغزو اليهودي للفكر الإسلامي، واستدل بقول الله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَقَالُواْ: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً، قُلَ اَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُّخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ, أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(80) بَلَىا مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)﴾ ومن أمعن النظر في أحوال الناس يتبين له أن اعتقاد انتهاء عذاب العصاة إلى أمد، وانقلابهم بعده إلى النعيم جرأ هذه الأمة كما جرأ اليهود من قبل على انتهاك حرمات الدين والاسترسال وراء شهوات النفس، ولا أدل على ذلك من الأدب الهابط الذي يصور أنواع الفحشاء، ويجليها للقراء والسامعين في أقبح صورها وأبشع مظاهرها، وقد انتشر هذا الأدب في أوساط القائلين بالعفو عن أهل الكبائر، أو انتهاء عذابهم إلى أمد انتشارا يزري بقدر أمة القرآن، وغلب على المؤلفات الأدبية مطولاتها ومختصراتها كالأغاني، ومحاضرات الأدباء، والعقد الفريد، حتى كاد الأدب يكون عنوانا على سوء الأدب.
وقد صان الله من ذلك أدب الإباضية الذي رسخ في قلوبهم ما جاء به القرآن من أبدية عذاب أهل الكبائر كأبدية المطيعين المحسنين. ولو قلبت صفحات أدبهم لوجدتهم في شعرهم ونثرهم - كما يقول الأستاذ أحمد أمين - لا يعرفون خمرا ولا مجونا».
[1] علي يحي معمر : الإباضية في موكب التاريخ.

[2] فتاوى الشيخ بيوض ترتيب بكير محمد الشيخ بالحاج

[3] مقال لأبي عاصم الراشدي

[4] علي يحي معمر: مرجع سابق.

[5] أنظر فصل الولاية والبراءة .

[6] الحق الدامغ - أحمد الخليلي

[7] الضلال- تفسير سورة النساء

[8] تردى : أسقط نفسه عمدا

[9] يتوجأ : يضرب بها نفسه

[10] يقتحم: يرمي نفسه في النار

[11] ينظر كتاب السيف الحاد للشيخ سعيد القنوبى



lk rqhdh hgurd]m


الموضوع الأصلي: من قضايا العقيدة || الكاتب: عابر الفيافي || المصدر: منتديات نور الاستقامة



توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العقيدة , قضايا


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من قضايا الــــزواج الامير المجهول نور الفتاوى الإسلامية 8 01-12-2011 07:26 PM
من هم الاباضية -مدخل لفهم حقيقة الإباضية والمذهب الاباضي عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 4 11-14-2010 07:28 PM


الساعة الآن 01:46 PM.