يرى الإباضية أن إطلاق كلمة الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لايلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري، سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعية عندهم أو لأسباب غير شرعية، ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان، ولا على طلحة والزبير وأتباعهما، ولا على معاوية وجيشه، ولا على بن فندين والذين أنكروا معه إمامة عبدالوهاب الرستمي، وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمنه حديث المروق في صيغه المختلفة.
والخروج عن الإسلام يكون: إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه، أوبالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانة، فيكون هذا العمل في قوة الإنكار والرد. وأقرب الفرق الإسلامية إلى هذا المعنى هم الأزارقة ومن ذهب مذهبهم ممن يستحل دماء المسلمين وأموالهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، يقول العلامة أبويعقوب يوسف بن إبراهيم في كتابه الدليل والبرهان1 : (وزلة الخوارج نافع بن الأزرق وذويه حين تأولوا قول الله تعالى (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام:121) فأثبتوا الشرك لأهل التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها) انتهى، وقال في موضع آخر من نفس الكتاب: (وأما المارقة فقد زعموا أن من عصى الله تعالى ولو في صغير من الذنوب أو كبير، أشرك بالله العظيم وتأولوا قول الله عز وجل (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام:121) فقضوا بالإسم على جميع من عصى الله عز وجل؛ أنه مشرك، وعقبوا بالأحكام، فاستحلوا قتل الرجال، وأخذ الأموال، والسبي للعيال، فحسبهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فتنظر في النصل فلا ترى شيئا، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا، وتتمارى في الفوق، فليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشبه شيء بهذه الرواية منهم، لأنهم عكسوا الشريعة؛ قلبوها ظهرا لبطن، وبدلوا الأسماء والأحكام، لأن المسلمين كانوا علىعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعصون ولا تجرى عليهم أحكام المشركين، فليت شعري فيمن نزلت الحدوح، في المسلمين أو في المشركين؟ فأبطلوا الرجم والجلد والقطع، كأنهم ليس من أمة أحمد عليه السلام. احوالت أعينهم فنظروا في المعنى الذي أمر الله به المسلمين أن يستعملوه في المشركين، من جهاد العدو والجهد في محاربتهم، فاستعملوه في المسلمين) انتهى. وقال في نفس الكتاب1: (وأما المارقة وهم الخوارج، فلن يخفى على عاقل بسيرة ما ساروا في أهل الإسلام، كسيرة أهل الإسلام في أهل الأوثان والإصنام، كأنما بعث إليهم رسول آخر غير محمد عليه السلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن ناساً من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فتنظر في النصل فلا ترى شيئا، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا، وتنظر في القديدة فلا ترى شيئا، وتتمارى في الفوقٍٍ] وفي حديث آخر [يخرج من ضئضئي هذا ناس يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية]2. .
هذا رأي الأباضية الصريح الواضح في الخوارج، وهو يتلاقى مع رأي الجمهور في التسمية، ويختلف في التعليل، فالأزارقة خوارج، لأنهم أخطأوا تأويل آيات الكتاب، و أدى عملهم بهذا الخطاء الى ردآيات، وإبطال أحكام، وليسوا خوارج لأنهم انفصلوا عن علي بن أبي طالب بعد التحكيم، أو لأنهم ساروا على الأمويين. إن رأي الاباضية لايقيم أي وزن للناحية الثورية في اطلاق كلمة الخوارج، ولكنهم يعللونها التعليل الديني المعقول، فكلمة الخوارج لا تطلق إلا على أولئك الذين خرجوا من الدين، أما الخروج عن إمام، والثورة عليه، مهما كانت أسباب تلك الثورة، وذلك الخروج، لايمكن أن يعتبر خروجا من الدين، ومرقا من الإسلام، ولايصح بحال أن يطبق على القائمين بهذا الحكم القاسي الرهيب، ولو صح أن يعتبروا عصاة بغاة يجب تأديبهم حتى بالحرب لإرجاعهم الى الأمة. والواقع التاريخي أكبر شاهد على هذا الرأي، فإنه لم يعرف على الأقل فيما اطلعت عليه أن أحدا حكم بالخروج من الدين على أصحاب الثورات الذين ثاروا على أئمة شرعيين؛ كالثوار على عثمان، أو علي، أو عبدالله بن وهب، أوغيرهم. وقد وقف أنصار الخلافة في كل تلك الأحوال للدفاع عن وحدة الأمة، وقاتلوا البغاة قتالا عنيفاً لتأديبهم، وإرجاعهم إلى حضيرة الإمامة، ولكن دون الحكم عليهم بالمروق من الإسلام. فلماذا إذن يطلق هذا الإسم على المعتزلين لعليّ دون سائر الثوار؟
إن هذا الإسم في نظر الاباضية لاعلاقة له بالثورة، أو بالخروج عن أي إمام ولايطلق بحال على جميع الذين اعتزلوا علياً، وإنما يطلق علىالفرق التي تأولت آيات من كتاب الله فأخطأت التأويل، وأفضى بها سوء الفهم والتصرف الى إنكار أورد بعض أحكام الإسلام القطعية، ولو من الناحية العملية، فخرجوا بذلك عن الإسلام، وانطبق عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم خوارج بالعقيدة والعمل، لابالثورة.
فهل بعد هذا الإيضاح والبيان، يوجد مايدعوني أن أقرر من جديد: أن الإباضية ليسوا من الخوارج، وقد رأيتم رأيهم الصريح في الخوارج، وحكمهم عليهم، وتعليلهم لذلك الحكم.
بقلم الشيخ:علي يحي معمر رحمه الله
شكرا لك
هـم الإباضـية الـزهـر الـكـرام لـهـم بعزة الله فـوق الـخلـق سـلطان
لا يعرف العدل إلا في استقامتهـم لم يوف إلا لهم في العدل مـيزان
سمــت المـلـوك وهـدي الأنبياء عـلى أخـلاقـهم فكــان الـغفر تيجان