حوار شيّق مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي -حفظه الله- - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات


العودة   منتديات نور الاستقامة > الــنـــور الإسلامي > المكتبة الإسلامية الشاملة > نــور عـلـمـاء الأمــة

نــور عـلـمـاء الأمــة [علماء] [علماء الأمة الإسلامية] [تراجم للعلماء] [سير ومواقف للعلماء]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
7war  حوار شيّق مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي -حفظه الله-
كُتبَ بتاريخ: [ 08-30-2013 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية نجل النهروان
 
::مراقب عام::
نجل النهروان غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 5830
تاريخ التسجيل : Aug 2012
مكان الإقامة : بركاء
عدد المشاركات : 511
عدد النقاط : 10
قوة التقييم : نجل النهروان على طريق التميز


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



مقابلة مع سماحة الشيخ / أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله

برنامج ( واحة المستمعين ) ، إذاعة سلطنة عمان
21 من جمادى الآخرة 1421هـ ، الموافق 19 من سبتمبر 2000 م


المحاور ( المذيع ):
إن حياة شيخنا الجليل العلامة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة حياة ثرية بمختلف العلوم، وقد جمع من العلوم طول حياته مما أثرت عُمان وطلاب العلم في عمان، فبارك الله لنا في علمه وبارك لنا فيه، ونفعنا الله بعطائه الخيِّر، وجعل الله لنا هذا العلم اتباعاً لمنهجه لأنه اتباع لمنهج الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

نتعرف في هذه الدقائق الطيبة المباركة التي أتحفنا بها سماحة شيخنا العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي على هذه الحياة الزاخرة بالعلم، المباركة من الله بإذنه تعالى، فيسرنا ويشرفنا أن نرحب به في إذاعة سلطنة عمان .

سماحة الشيخ:
أهلا وسهلا ومرحبا بكم، وبارك الله فيكم .

الـمحـاور:
سماحة الشيخ أنتم من العلماء الموسوعيين ، فلم تقتصروا على علم دون آخر، وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى ونعمة عليكم ، لا شك أن هذا العلم لم يأتِ هبة بغير جهد، ولا عطاء بغير تضحيات . كيف بدأ سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي منذ نعومة أظفاره مع كتاب الله ؟

سماحة الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :

فإني أحيي الأخوة المشاهدين والمستمعين بتحية الإسلام الخالدة فأقول لهم جميعا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هذا وإني لسعيد أن تتاح لي هذه الفرصة، فرصة اللقاء الميمون، من أجل بعض الاستذكار حتى نكون جميعا مستذكرين لماضينا ومتداركين لما قد يحصل لأي إنسان من الأخطاء في حياته، حتى يسد الخلل، ويحرص على إصلاح ما تقدم .

قبل كل شيء أريد إن أقول: بأن الناس يحسنون بي الظن كثيرا، وأنا اعرف بنفسي منهم، فأنا لست في المستوى الذي يرفعونني إليه، أنا لا أعد نفسي من العلماء، وإنما أعد نفسي من صغار الطلبة، ولي الشرف إن أكون طالب علم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبقيني طالب علم، وأن يميتني طالب علم، إنه تبارك وتعالى على كل شيء قدير .

أما بالنسبة إلى بداية دراستي فقد كانت على يدي أبوي، تعلمت منهما القرآن الكريم، ثم بعد ذلك انتقلت إلى أحد الشيوخ المجاورين وأخذت منه بعض المبادئ التي تتعلق باللغة العربية، وببعض كتب الفقه والعقيدة، فتعلمت منه بادئ الأمر ( كتاب تلقين الصبيان ) فيما يتعلق ببعض المسائل البسيطة في العقيدة وفي الفقه، ثم تعلمت ( النحو الواضح ) ، وحضرت دروسه التي كان يلقنها طلابه شرحاً لبعض الكتب النحوية، من بينها ( متن الآجرومية ) مع بعض التعليقات المبسطة، وكذلك ( شرح السيد أحمد زيني دحلان ) على هذا المتن، و ( شرح العلامة الكفراوي ) على هذا المتن .

ودرست عليه أيضا ( ملحة الإعراب ) مع ( شرح بحرق ) عليها، ودرست أيضا عليه ( شرح قطر الندى ) للعلامة ابن هشام، و ( شرح شذور الذهب ) مع بعض الكتب الأخرى .

ثم واصلت كذلك المطالعة في الكتب النحوية الأخرى ككتاب ( ألفية ابن مالك ) مع بعض الشروح ، وفي مقدمتها ( شرح ابن عقيل ) مع ( حاشية الخضري ) و ( شرح الأشموني ) مع ( حاشية الصبَّان ) ، وطالعت بعض المطالعات في ( شرح ابن الناظم ) ، وهكذا .

وكذلك كتاب ( مغني اللبيب ) للعلامة ابن هشام الذي يعتبر من أهم كتب الإعراب التي تمكن الإنسان من فهم القرآن الكريم، كانت لي عناية به في الماضي .

وكذلك بالنسبة لعلم الصرف درست على هذا الشيخ نفسه ( متن البناء ) مع بعض التعليقات، ثم ( لامية الأفعال ) للعلامة ابن مالك، مع ( شرح العلامة بحرق ) على هذا المتن، ثم كذلك طالعت بنفسي بعض الكتب، ومن بينها ( مقاليد التصريف ) التي هي ألفية في علم الصرف للمحقق الخليلي مع شرحه عليها .

وهكذا تدرجت بعد ذلك في مطالعة الكتب الفقهية وكتب أصول الفقه بقدر المستطاع، واعتنيت بكتب الحديث، من بينها ( صحيح الإمام البخاري ) مع ( شرح الحافظ ابن حجر العسقلاني ) عليه، إلى غير ذلك بقدر المستطاع .


الـمحـاور:

ما شاء الله ، أعلم يقيناً أن سماحتكم لا يرغب بل يتحرج في الحديث عن سيرة حياته، ولكن هذه الحياة الطيبة المباركة ليست خاصة بسماحتكم، فقد أعطيتمونا من العلم الكثير، وحياتكم أيضاً وهذه السيرة الطيبة هي علم واقتداء لنا وللأجيال القادمة إن شاء الله، ولا شك بأن الإنسان بذاته هو أقوى دارس وأقوى ملقن لنفسه، يعني اعتمدتم سماحتكم كثيرا على قراءتكم وعلى دراستكم للكثير من الكتب والمؤلفات وأمهات الكتب، هل هذا كان في معزل عن بعض العلماء في حين من فترات حياتكم ؟

سماحة الشيخ:
طبعاً ما كان الوقت متاحاً في كل ظرف من الظروف للجلوس إلى أهل العلم، ولذلك كنت أعتمد في المطالعة على الجهد الذاتي في أغلب الأحيان، فغالباً كتب التفاسير وكتب الحديث وكتب الفقه وكتب أصول الفقه اعتمدت فيها على المطالعة .

الـمحـاور:
نعم، مدرسة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ليست مدرسة واحدة، لا في الفقه ولا في التفسير، هل سماحتكم –كما نتابع من قراءتنا لمؤلفاتكم ومشاهدتنا لمحاضراتكم أيضاً- أنكم موسوعيون، تقرأون جوانب مختلفة في الفقه الإسلامي وفي التفسير، ولمدارس فكرية عديدة، وتأخذون من كل بستان زهرة، هل هذه مدرسة متفردة لسماحتكم؟ أم ينبغي للعلماء أن يكونوا هكذا؟

سماحة الشيخ:
حقيقة الأمر الإنسان لا بد له إن أراد الاطلاع، وأراد التمكن في أي فن من الفنون أن لا يكون متقوقعاً في مدرسة من مدارس ذلك الفن دون المدارس الأخرى، فقد يجد في هذه المدرسة ما لا يجده في تلك، فلذلك أنا بنفسي أرغب على أن تكون قراءتي قراءة مقارنة، وقراءة نقاش وحوار ما بين المدارس المتعددة المتعلقة بذلك الفن الذي أطالع فيه، وهكذا أوصي، فإن الإنسان من خلال هذا التوسع و من خلال هذا الاحتكاك ، ومن خلال الاطلاع على الأدلة التي تكون عند أصحاب هذه المدرسة وأصحاب هذه المدرسة يمكن أن يأتي بحصيلة أوسع، ويمكن أن يجد بغيته التي ينشدها في مدرسة ما .

بينما لو كان منحصراً في مدرسة من المدارس لما أمكن له التوصل إلى هذه البغية، فلذلك أنا أحث طلاب العلم على أن يكونوا حريصين على التوسع في المطالعات بقدر المستطاع، وأن يأخذوا المسائل بأصولها، بحيث يبنون الفروع على الأصول، ويعتمدون في كل ما يقولونه أو يكتبونه أو يعتمدونه على الدليل الشرعي .

الـمحـاور:
نعم، أصبح – طال عمرك – هناك شتات بعد وجود هذه المدارس الفكرية الإسلامية، سواء القديمة أو الحديثة بين الأمة الإسلامية، وأصبح أعداء الإسلام ينبشون في هذه المدارس ليوقعوا العداوة والبغضاء بين جماعة المسلمين، وأنتم من كبار العلماء الذين شاركتم في الكثير من الملتقيات الفكرية الإسلامية التي تريد لمَّ الشمل وجمع الكلمة والخروج برأي صواب لخير هذه الأمة .

ما هي الوسائل التي يتخذها سماحتكم في الدعوة الفكرية الشمولية للأمة الإسلامية .


سماحة الشيخ:
على أي حال أهم ما ينبغي أن يحمله الإنسان من الهم هم الأمة، فإن الأمة إن ضعفت ضعف الدين، إذ الدين يتمثل في الأمة، فعندما تقوى الأمة يقوى، وعندما تضعف الأمة يضعف، ويؤسف كثيرا أن نجد في أوساط هذه الأمة الواحدة، الأمة المؤمنة التي جعلها الله تبارك وتعالى ذات كتاب واحد ورسالة واحدة ومعتقد واحد، وتؤمُّ جميعا قبلة واحدة، أن يوجد في هذه الأمة نفسها من يحاول تشتيت الشمل، وتمزيق الجمع، وايجاد اسباب العداوات فيما بينها .

الناس كثيرا ما يتحدثون عن الامور الخلافية بين الامة، وليتهم بقدر ما يتحدثون عن هذه القضايا الخلافية يتحدثون عن الجامع الذي يجمع هذا الشتات ، كم من قضية تجمع الشتات، كم من مبدأ يجمع الشتات لو أحسن استغلاله .

اولا قبل كل شيء اركان الاسلام لا خلاف فيها بين الامة، فشهادة إن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله لا خلاف فيها ، واقام الصلاة امر لا خلاف فيه، وايتاء الزكاة امر لا خلاف فيه، وصيام رمضان امر لا خلاف فيه، وحج بيت الله الحرام امر لا خلاف فيه .

ثم إن القبلة التي يؤمها المسلمون جميعا يتجهون اليها في صلاتهم ويقصدونها في حجهم هي قبلة واحدة، تجمع الشتات وتوحد الصف، وبجانب هذا أيضا الكتاب العزيز الذي هو الدستور الخالد لهذه الأمة هو كتاب واحد وهو القرآن الكريم، ولا خلاف فيه من بدايته الى نهايته، او من ألفه الى يائه، او من فاتحته الى خاتمته، هو لا خلاف فيه بين الامة .

وكذلك أيضا عندما نرجع الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكل مجمعون على وجوب الاخذ بالسنة، الاجماع أيضا الكل مجمعون على وجوب الاخذ بالاجماع عندما تكون دلائل الاجماع واضحة لا خلاف في ذلك، انما الخلاف في اشياء قد يمكن إن نفسرها انها اشياء جزئية، فلماذا مع الاتحاد في الكليات لا نتحدث فيما تحدنا فيه وفيما اتفقنا عليه، وفيما يجمع هذا الشتات شتات هذه الامة .

فهذه الامور يجب إن تثار ، ومع هذا نحن لا نمنع إن يكون هناك حوار في هذه الامور الجزئية التي ربما وقع فيها خلاف بين الامة، مع حسن الظن بحيث يحسن كل فريق ظنه بالفريق الاخر، على إن يكون هذا الحوار هادئا وهادفا، لا إن يكون لأجل التشهير او لأجل غلبة فريق على فريق، بل عندما تكون النوايا صافية ويكون الهدف واضحا، وتكون الغاية هي جمع الكلمة، لا ريب إن الحوار بهذه الطريقة يؤتي ثماره، ويؤدي الى نتائج ايجابية بمشيئة الله سبحانه وتعالى تؤتي ثمارها ونصل الى الغاية التي ننشدها منذ قديم الزمان .

على أن الخلاف لا ينبغي أن يكون سببا للتمزق والتشتت والتشرذم، فالخلاف حصل بين أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله تعالى عنهم ، بل حصل في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم .

ومما يدل على سماحة الإسلام ومرونته واتساعه أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرهم على هذا الخلاف ، وما عنفهم عليه، فهو صلى الله عليه وسلم عندما أمر المسلمين في يوم من الأيام أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، وفي أثناء الطريق حضرتهم صلاة العصر فاختلفوا فيما بينهم ، ذهب فريق منهم إلى أن المراد من هذا أن يتعجلوا المسير، اما إن حضرت الصلاة فليصلوها في وقتها ؛ لأن الصلاة كتاب موقوت لا يجوز تأخيرها عن وقتها فأخذوا بالمقصد .

وذهب فريق آخر إلى الأخذ بظاهر النص فقالوا: ان النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو الشارع المبلغ عن الله – سبحانه ، أمرنا أن نصلي العصر في بني قريظة فما علينا إلا أن نتمثل أمره ، وعندما عادوا إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأخبروه بما كان بينهم من الخلاف، أقر كل فريق بما فهمه من المراد من قوله ، وفي هذا إقرار للاجتهاد ودليل على أن كل فريق آخذ بحض من الصواب، فلا يعنف فريق لأجل مخالفته للفريق الآخر .

بل نجد عندما اختلف المسلمون في حال مقاتلتهم لبني النضير، ورأى بعضهم استئصال أموالهم التي يتقوون بها، ورأى الآخرون استبقائها لعلها في يوم من الأيام تكون للمسلمين ويكون نفعها لهم ، أقرهم القرآن الكريم على ما هم عليه، فنزل قول الله تبارك وتعالى : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) ، هذا مما يدل على التسامح في الإسلام .

وقد وقع الخلاف بين أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في الكثير الكثير من القضايا ، فكان منهم المتشدد الذي يحرص دائما على أن يعمل بظاهر النص من غير أن يتجاوزه إلى النظر في مقاصده وفي أبعاده ، ومنهم من كان ينظر في المقاصد والأبعاد، والمثال الواضح في ذلك ما كان بين الصحابيين الجليلين عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس – رضي الله تعالى عنهم – من الاختلاف في ذلك ، فابن عمر كان يمثل مدرسة النص ، كان يتمسك بظواهر النص ولا يتجاوز النص إلى ما بعده ، بينما ابن عباس كان بخلاف ذلك ، كان ينظر إلى المقاصد ، ويهتم بالمقاصد ، ويأخذ بها .

ونحن نرى أن الزمن نفسه عامل في الاجتهاد، فقد يكون هنالك اجتهاد بحسب ما تقتضيه مصلحة الأمة ، وبحسب ما تقتضيه الظروف ، وبحسب ما تقتضيه الملابسات التي تحيط بالأمة في زمن من الأزمان ، بحيث يكون العمل بخلاف ما كان عليه، ذلك لأن الفقيه مثله مثل الطبيب ، والطبيب عندما يشخص العلة ينظر أيضا إلى الظروف التي تكتنف المريض ، فينظر إلى البيئة ، فقد يصلح علاج في البيئة الباردة ولا يصلح في البيئة الحارة ، ولذلك كان الطبيب دائما بحاجة إلى مراعاة هذه الجوانب .

ثم الناس أنفسهم أيضا تختلف طبائعهم ، ذو الطبع الحار غير ذي الطبع البارد ، وهكذا الأحوال تختلف، فلذلك يعطى كل أحد من الدواء ما يلائمه ، والفقيه هكذا شأنه ، قد تكون البيئة عاملا مُهماً في مراعاة الأحوال عند الاجتهاد، كما حصل ذلك عند أمير المؤمنين عمر – رضي الله تعالى عنه – عندما ألغى سهم المؤلفة قلوبهم من الأصناف التي تدفع إليها الزكاة ، لم يكن في ذلك معطلا للنص ، وإنما كان بهذا مُعمِلا للنص في محله ، وإن فهم الناس أنه عطل النص ، ولكن الواقع خلاف ذلك؛ لأنهُ فهم المقصد، نظر إلى الغاية التي شرع من اجلها هذا الحق للمؤلفة قلوبهم ، فالغاية من ذلك أن يُتألف هؤلاء لاستدرار خيرهم ولكفاف شرهم ، هذه هي الغاية .

الـمحـاور:
إذا الاختلاف رحمة وليس عذاب كما يفعله الآخرون ؟

سماحة الشيخ:
ليس عذابا ، وعندما وجد أن المسلمين في حال قوة وأنهم يغزون العالم ، وأنهم يطيحون بعروش الروم والفرس ، في ذلك الوقت لم ير داعيا إلى مثل هذا الحكم ، فلذلك لم يعطهم ما كانوا يعطونه في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم- وفي عهد الخليفة الأول .

وكذلك الخليفة الثالث جمع الناس على حرف واحد في القرآن ، بينما حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : " نزل هذا القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ " ولكن رأى المصلحة في ذلك عندما رأى أن الناس سيتشتتون في فهم القرآن الكريم، وسيتعصب كل فريق لقراءته ، فمثل هذه الأمور يجب مراعاتها في الاجتهاد ، وأن لا تكون مثار شقاق وخلاف ونزاع ، وإنما تكون على أي حال سببا للتسامح ، وفهم مرونة الإسلام واتساعه .


الـمحـاور:
لعل المسلمين الآن سماحتكم في شتات، وهم أيضا كما أسلفتم في هم وحزن على ما يجري على الساحة الإسلامية من داخلها أو من خارجها، وهناك من المجامع الفقهية العربية والإسلامية الوحدوية لكل دولة على حده، وهناك من الملتقيات الفكرية والثقافية والفلسفية الإسلامية التي تشاركون فيها ، سواء في الدول العربية أو الدول الإسلامية وحتى في أوربا ، كيف يمكن للأمة الإسلامية في هذا الوضع وفي هذا الشتات أن تجمع قوتها، وأن يكون للعلماء الريادة والإدارة والكلمة الفاصلة في قضايا المسلمين العمومية، بدل أن يسمع المسلم فتوى من هذه البلد أو تلك البلد، ويعيش في تناقض مستمر كيف يمكن ذلك ؟

سماحة الشيخ:
نعم، على كل حال الجهود قائمة ، فهناك الآن مجمعان للفقه الإسلامي ، مجمع رسمي وهو تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ،هذا المجمع على أي حال يُعنى كثيرا ببحث القضايا وأخذ الآراء المتعددة وتمحيصها ودراستها، ويلتقي العلماء من شتى الأقطار من أجل بحث هذه القضايا ، ثم بعد ذلك تصدر فتوى جماعية من المجمع بعد التمحيص والدراسة .

الـمحـاور:
وهل هي مُلزِمة لعلماء العالم الإسلامي المتصدرين للفتوى ؟

سماحة الشيخ:
على أي حال هذه الفتاوى المجمعية يستأنس بها العلماء ، وهناك مجمع آخر هو مجمع شعبي وهو تابع لرابطة العالم الإسلامي، ومقره مكة المكرمة – قدسها الله تعالى وحفظها وحرسها – وهذا المجمع على أي حال أيضاً يُعنى بمثل هذه القضايا أيضا .

ولربما كان هناك تعاون بين المجمعين على أن ميزة المجمع التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حسب ما رأيت أنه يستعين بالخبراء في شتى المجالات، فإن كانت القضية تتعلق بجانب الطب يستعين بالأطباء، وإن كانت القضية تتعلق بالاقتصاد يستعين بالخبراء الاقتصاديين ، وإن كانت القضية تتعلق بجانب آخر أيضا يؤتى بالخبراء المختصين في ذلك الجانب؛ ليتساير رأي الفقه مع رأي الخبراء؛ وليستأنس الفقهاء بما عند الخبراء في هذا المجال من رأي .

الـمحـاور:
سماحتكم لكم اهتمامات غير عادية طيلة فترة حياتكم ، وقراءاتكم العديدة وقراءتكم للمستشرقين الذين كتبوا عن الإسلام أو الذين يبحثون في الأمور العملية خاصة في الإسلام ، وقد كان لكم لقاء مع المستشرق ( موريس بوكاي ) صاحب كتاب الإنجيل والقرآن ، بماذا خرجتم من هذا اللقاء ؟

سماحة الشيخ:
التقيت به في الملتقى الخامس عشر للفكر الإسلامي الذي انعقد بمدينة الجزائر عاصمة الجمهورية الجزائرية في عام 1401 للهجرة ، عام 1981 للميلاد ، وفي ذلك الوقت لم يكن أعلن إسلامه، ولكن الرجل فيما بعد أعلن إسلامه، وكنت اطلعت في ذلك الوقت على كتابه ( العلم في التوراة والإنجيل والقرآن ) الذي وصل فيه إلى قناعة تامة بأن الكتاب الوحيد من الكتب السماوية المنزلة من عند الله بقي كما هو لم تطله أيدي المحرفين والمبدلين هو القرآن الكريم ، وكان بيني وبينه حديث فيما يتعلق بهذا الجانب .

وأذكر أننا كنا على طاولة طعام ، وفرغت زجاجة الماء ، فأخذ الزجاجة وضرب بها على الطاولة ليأتي الخادم بزجاجة أخرى ثم تلا هذه الآية الكريمة " وجعلنا من الماء كل شيء حي " ثم قال: في هذه الآية من الإعجاز ما يحار فيه العقل ، وسألني في ذلك الوقت عن كتابه ( الإنسان في القرآن ) ، هل اطلعت عليه أو لا، فأجبته بأنني لم أطلع عليه، ثم بعد ذلك اطلعت في مجلة الأمة التي تصدر من دولة قطر الشقيقة على استعراض لهذا الكتاب ودراسة فيما يتعلق به، ووجدت ما أشار إليه مما ذكره عن الحديث في إعجاز الآية الكريمة ، إعجاز قول الله تعالى : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " .

على أي حال الرجل وصل إلى قناعة تامة من خلال دراساته ومن خلال خبراته في مجال الطب ، ومن خلال استعانته بالخبراء المتعددين في شتى المجالات العلمية ، وصل إلى قناعة تامة بأن القرآن الكريم هو منزل من عند الله، وأنه بقي كما هو لم تصل إليه أيدي المحرفين والمبدلين ، واعترف بهذه الحقيقة اعترافا صريحا ، وهذا أمر بطبيعة الحال نحن نعده أمرا بدهيا ، ولكن شخصٌ نشأ على غير الإسلام بل نشأ في بيئة ربما كانت تتنكر للإسلام وتعاديه لا ريب أن هذه الخطوة خطوة بناءة، وقد دعاه ذلك إلى اعتناق الإسلام فيما بعد والحمد لله .

الـمحـاور:
وغيره الكثير من الذين اقتنعوا بالإسلام عن علم وعن بينة وعن بحث وبصيرة، بخلاف كثير من المسلمين الذين يريدون أن يكيدوا للإسلام ؟

سماحة الشيخ:
هذا مما يؤسف له، الآن على أي حال نسمع أصوات تنبعث حتى من أشد الناس كيدا للإسلام ، ومن أكثرهم عداوة للإسلام تنبعث أصوات من قبلهم بأن الإسلام فيه الحل لمشكلات الإنسانية ، فقبل فترة صرح ( جورباتشوف ) عندما كانت مقابلة تجرى معه من قبل قناة تلفزيونية بريطانية ، صرح بأنه لم يبق هناك بديل إلا حضارة جديدة عندما سئل عن الشيوعية هل يمكن أن تستمر في الصين وفي فيتنام ؟ أجاب : كلا إنها ميتة ولا يمكن أن تستمر ، فسئل عن البديل ، فقال : لا أعتقد أن البديل يكمن في الرأسمالية ولا في الاشتراكية ولا في الديمقراطية ، وإنما هو في نظام آخر ، فعلينا أن نتكيف وفق حضارة جديدة .

وقبل حوالي خمس سنوات مضت ، جاء رجل من الولايات المتحدة الأمريكية كان اسمه من قبل ( روبرت كرين ) ثم صار اسمه فاروق عبد الحق ، هذا الرجل لم يكن بالرجل الهين ولا يتكلم اعتباطا وإنما يتكلم عن خبرة ، لأنه تمرس بأعمال كثيرة واكتسب منها خبرات من جملة الأعمال التي مارسها ، أنه كان كبير مستشاري الرئيس ( نكسون ) للسياسة الأمريكية الخارجية ، وهذا منصب لا يرقى إليه إلا من كان على دراية وفهم وإدراك ، جاء قبل نحو خمس سنوات إلى الشام وألقى محاضرة في مجمع أبي النور الذي أسسه سماحة الشيخ أحمد كفتارو مفتي الجمهورية السورية ، وهذه المحاضرة كانت بعنوان : القيادة الإسلامية للقرن الحادي والعشرين ، وتحدث عن الأوضاع في الغرب ولا سميا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكيف يتطلع هذا الغرب إلى أمر جديد يبدله بفساده صالحا ، وبانحطاطه ارتقاء ، وان هذا لا يكون إلا في الإسلام وذكر الكثير من الشواهد مما قاله الغربيون الذين هم ليسوا بمسلمين .

ومن ذلك أنه نقل من مقال كتبه : ( بيرجنسكي ) الذي كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي ( كارتر ) في هذا المقال يصرح بأن الأوضاع في الولايات المتحدة أوضاع متردية ، ومما جاء فيه: أن الشعب الذي فقد الأخلاق لا يمكن أن يسن للعالم قانونا أخلاقيا، وهذا يشير إلى التطلع إلى شيء جديد، هذا المقال قدم له أحد الصفحيين عندما نشر، وهو ينشر في أحد الصحف السيارة في الولايات المتحدة وهو ( نثان جارولز) في هذا التقديم وضع النقاط على الحروف وصرح بأن التطلع إنما هو إلى الإسلام دين الله تعالى الحق .

ونحن قبل نحو عامين قرأنا في بعض الصحف المحلية بأن الرئيس الشيوعي الراديكالي المتعصب ( كاسترو ) صرح بأنه لم يبق أمام العالم إلا النموذج القرآني ، فإذن هذه بشائر خير ، هؤلاء يطلعون الى ما في الإسلام من خير ، فكيف أبناء الإسلام يتنكرون له ، إنما المصيبة في عدم فهم الإسلام أو في تجاهل الإسلام .

الإسلام دين الله تعالى الحق ، ومنهجه المستقيم ، هو نظام عالمي عندما امتن الله – سبحانه وتعالى – به على البشرية من أول الأمر قال: " إن هو إلا ذكر للعالمين " وقال : " وما هو إلا ذكر للعالمين " ، وهذا مما يؤذن أنه نظام عالمي ، فعلى المسلمين أولا قبل كل أحد أن يدركوا قيمة هذا الإسلام وجوهر هذا الإسلام وحقيقة هذا الإسلام ، ليقدموا الإسلام إلى العالم بعدما يطبقونه في حياتهم بأنفسهم ، ليقدموه صورة حية تتمثل في العقيدة القائمة المهيمنة على أدمغتهم ، وليتمثل أيضا في عباداتهم لربهم، ويتمثل في شريعتهم التي يحتكمون إليها ، وليتمثل في أخلاقهم التي يتعاملون بها فيما بينهم ويعاملون بها غيرهم ، عندما يأتي الإسلام على هذا النحو لا ريب أن الإنسانية كلها تستفيد منه وأنا واثق أن الإنسانية عندما ترى هذه الصورة الإيجابية للإسلام ستتسابق إلى قبوله واعتناقه وإلى العمل به .

الـمحـاور:
مع الكيد للإسلام من الغرب ومن كل مكان إلا أن علماءهم والمتخصصين وقادتهم في الفكر استطاعوا أن يصلوا إلى أعماق الإسلام ويقتنعوا قناعة غير عادية كما أشرتم سماحتكم ، وهذا أيضا مشاهد ومتابع من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، لا يُسلم الضعفاء منهم أو قليلو العلم ، وإنما يُسلم من بلغوا من العلم مبلغا طيبا ، ويسلمون عن قناعة أكثر مما يعتنق المسلمون بالعادة أو باتباع هذا الإسلام العظيم .

لسماحتكم تفسيركم الذي وصلتم إليه مرحلة كبيرة وأنا أعلم قبل سنة أو أكثر وصلتم إلى أربع أجزاء من تفسير القرآن لا ندري إلى أي مرحلة وصلتم سماحتكم في هذا التفسير ؟

سماحة الشيخ:
على أي حال من حيث الإلقاء وصلت إلى الجزء الثالث ، الآن لا أزال في بداية آل عمران

الـمحـاور:
ووصلتم إلى أربعة أجزاء ككتابة يعني ؟

سماحة الشيخ:
نعم من حيث الكتابة ، كتبت أربعة أجزاء .

الـمحـاور:
وهي من الحجم الكبير أيضا ؟

سماحة الشيخ:
لكن هذه لم تتجاوز الجزء الاول من القرآن الكريم ، وعلى أي حال أسأل الله تبارك وتعالى أن يتيح لي الفرصة حتى أكمل هذا التفسير بمشيئة الله تعالى، وأن يعيننا ويوفقنا إلى خدمة كتابه الكريم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يوفقني أيضا لمراجعة الأجزاء السابقة، من أجل استدراك بعض الأخطاء، أو بعض ما عسى ان يكون من الملاحظات فيما تقدم .

الـمحـاور:
وضعتم منهجية معينة طبعا للتفسير، خاصة وأنكم اطلعتم على التفاسير القديمة والتفاسير الحديثة وربطتم ذلك بالعلم الحديث أيضا، هل هناك مدرسة متميزة كانت لسماحتكم في التفسير؟

سماحة الشيخ:
القرآن الكريم كتاب يخاطب جميع العصور، ويخاطب أصحاب الثقافات المتنوعة وأصحاب المدارس المختلفة ، فكتاب الله تعالى ليس هو خطابا بشريا، وإنما هو نداء من العلي الاعلى سبحانه الذي أحاط بكل شيء، وإن من أبرز وجوه الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم أن تتسع عبارة القرآن إلى جميع أصحاب الثقافات المتنوعة والأطوار المختلفة .

فنحن عندما نأتي إلى أي آية من كتاب الله، نجد أن أصحاب كل عصر من العصور بحسب ما وصلوا إليه من الفهم، ووصلوا إليه من الادراك، وتفتح أمامهم من الآفاق يفسرون تلك الآية تفسيرا يرون أنه هو الأقرب إلى مدلولها ، وتتحول الأحوال وتتطور الأمور وتتسع الآفاق، وإذا بمن يأتي من بعد يرى أن الآية كأنما جاءت خطابا لعقله ، فنحو قول الله سبحانه وتعالى : " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " هذه الآية فسرها من فسرها من العلماء المتقدمين بحسب ما كان واضحا عندهم من المعنى، وما رأوا أنها تنبو عن أفهامهم قط، وعندما تيقن الناس ان الأرض كروية فهموا أن المراد بإيلاج الليل في النهار، ان الليل يأتي إلى حيث ما كان النهار، والمراد بإيلاج النهار في الليل أن النهار يأتي إلى حيث ما كان الليل، فكل واحد منهما يتبع الآخر باستمرار، وكذلك قوله سبحانه وتعالى : " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا " .

ومثل ذلك عندما ننظر في نحو قوله سبحانه وتعالى : " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ، والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " عندما نأتي الى هذه الآية الكريمة نجد أن أفهام البدو الأعراب في وقت نزول القرآن الكريم، وفيما بعد كانت تتصور معنى الآية بحسب ما كان عندهم من فهم لطبيعة هذا الكون ، وعندما تطورت الحياة، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من اكتشاف الحقائق الكونية تجلى لهم أن هذه الآية تنطبق تمام الانطباق على الحقائق العلمية التي وصلوا إليها .

والله سبحانه وتعالى في كتابه آذن عباده بأنه سيقيم عليهم الحجة، من خلال الاكتشافات العلمية التي في الأنفس وفي الآفاق، حتى يتبين لهم أن هذا القرآن حق من عند الله ، فالله سبحانه وتعالى ، يقول : " قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ، سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط " .

فالقرآن الكريم جعله الله سبحانه وتعالى معجزا من وجوه شتى ، ومن جملة اعجازه الإعجاز العلمي الذي فيه ، وهو آية من هذه الناحية ولذلك بهر العقول، ولذلك كان المفسر بحاجة إلى ثقافة عصره .

على أن القرآن الكريم من أول الأمر آذن هذه الأمة بأن الله تعالى يريدها أن تكون أمة عالمية، لا أن تكون أمة متقوقعة منحصرة في مجال ضيق ، فنرى أنه سبحانه وتعالى كيف أخبر المسلمين وقد كانوا قلة قليلة محصورين في المجتمع المكي ، ذلك المجتمع الذي كان يكيد كيدا لهذه الفئة القليلة من المؤمنين، ويصب عليهم من الويلات ما يصبه صبا، ولكن مع ذلك جاء في وحي الله سبحانه وتعالى في مرحلة مبكرة من تأريخ الدعوة ما يخبر المسلمين بما وصل إليه الصدام المسلح في ذلك الوقت ما بين دولتين كبريين ، كانت تتقاسمان معظم العالم المتحضر، ولم يكن لإحدى الدولتين نفوذ في المجتمع الذي نزل فيه القرآن، حتى يقال بأن تلك الفئة من المؤمنين كانت معنية بما كان يجري من الصدام بين هاتين الدولتين، ولم يكتف بإخبارهم بما وصل إليه الصدام أو النتيجة التي حصلت من هذا الصراع والصدام المسلح؛ بل بجانب ذلك أخبرهم بما سينقلب إليه الأمر في المستقبل القريب ، فقد قال تعالى : " غُلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله " ذلك بأن تخرج هذه الأمة من الانعزالية ، ولتكون أمة عالمية تتحمل مسؤولية هذا العالم، وتوجيه هذا العالم بأسره .

الـمحـاور:
أثناء شروعكم وبدئكم في تفسير القرآن العظيم بارك الله لنا فيما قطعتموه من شوط جليل ، ونسأل الله أن تكمل هذه المسيرة بجهودكم الخيرة ، هل كان هناك توقف معين عند بعض آيات معينة وكان لسماحتكم جهد متميز في الإدلاء برأي انفردتم به في هذا التفسير ؟

سماحة الشيخ:
هو لا بد من خلال ما ذكرته من النظر في العصر وما يعج به من ثقافة، وما فيه من تطور، لا بد من أن يأتي الإنسان في تفسيره بجديد وهو يتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى .

على سبيل المثال : أنا وجدت كثيرا من المفسرين حتى المتأخرين من يفسر السماوات السبع بالكواكب السيارة أو المجموعة الشمسية ، مع أن كلمة السماوات لا يمكن أن يراد بها هذه الأجرام الفلكية ، أنا رأيت في المتقدمين الفخر الرازي يقول هذا القول، وفي المتأخرين العلامة ابن عاشور يقول هذا القول أيضا.

ولكن نحن عندما ننظر أن الله تبارك وتعالى خلق هذا الوجود بأسره، وخلق هذا الكون بأسره، وهو يخاطب العباد الذين هم جزء من سكان هذه الأرض ، وهم مستخلفون في هذه الأرض، والأرض لها ارتباط بهذا الكون الواسع الأرجاء ، المترامي الأطراف ، لا يمكن أن يكون المراد بالسماوات هذه المجموعة التي تعد شيئا يسيرا بجانب المجموعات الأخرى الواسعة، وبجانب المجرات الواسعة، وبجانب هذا الكون المترامي الأطراف، فكيف يسكت القرآن الكريم عن هذا الكون ؟!

أنا قلت على أي حال: بأن هذه الأجرام الفلكية على اتساعها بأسرها، هذه تعود إلى سماء الدنيا بدليل قول الله تعالى : " انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب " وقوله عز من قائل: " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " أيضا تدل على أن السماء الدنيا هي فيها الأجرام الفلكية .

وكلمة السماء أبعد من ذلك وأوسع، وهذا الذي اكتشف علميا، فإن العلماء اكتشفوا بأن من وراء هذه المجرات الواسعة؛ التي قال من قال فيها: بأنها تقدر بنحو خمسة آلاف مليون سنة ضوئية، اكتشف من بعد بأن من وراء هذه المجرات الإشعاعات التي اكتشف منها مقدار ما يقدر بحوالي عشرين مليار سنة ضوئية، فلا يمكن أن يسكت القرآن الكريم عن هذا كله ، بل هذا كله مما يدخل في بناء هذه السماء الذي أشار الله تبارك وتعالى اليه بأنه " بنيناها بأيد " أي بقوة، فذلك مما يدل على أن نفس الأجرام الفلكية، وكون بعضها آخذاً بحجزة بعض، وما لها من تأثير؛ بحيث يؤثر بعضها على بعض، بسبب طبائعها وبسبب دورانها وحركاتها، وما يكون بينها من أبعاد، حتى تتكون هذه الجاذبية الرابطة فيما بينها ، كل ذلك يعد بناء، فهو يدخل فيما أخبر الله – سبحانه وتعالى – عنه من أنه جعل السماء بناء أو أنه بنى السماء بالأيد ، كل ذلك مما يدخل في البناء المقصود في الآية الكريمة .
[/SIZE]

الـمحـاور:
لسماحتكم موقع في شبكة الانترنت وهذه من الجهود الطيبة الخيرة ، إلى أي مرحلة وصلتم في وضع هذه الفتاوى في هذا الباب ؟

سماحة الشيخ:
على أي حال تعرض علي المسائل وأجيب عليها، ولربما اخذت مسائل قديمة وعرضت في هذه الشبكة، وأنا حقيقة الأمر بنفسي لا أتابع؛ لأنه ليس عندي فرصة للمتابعة، وإنما بعض الأخوة هم الذين يقومون بهذا الجهد .

الـمحـاور:
بارك الله فيهم ، الآن مسألة الاستنساخ من المسائل الشائعة وكثر الجدل حول هذه المسألة، طبعا كثير من الدول غير المسلمة أيضا والقيادات العالمية حرمت استنساخ الإنسان ، وبعضهم عملوا كما اطلعتم وأدليتم ببعض الآراء حول استنساخ الحيوان ، ما هو الرأي الشرعي لسماحتكم في هذا الجانب، خاصة إذا كان سيستفاد من هذه القضية في أخذ بعض العقاقير أو بعض الأدوية من هذه الحيوانات ؟

سماحة الشيخ:
على أي حال أنا قلت من أول الأمر: بأنه إن أمكن أن يستغل هذا الجانب لأجل مصلحة الإنسان فهو مباح ، أما أن يُستخف بحرمات الله تعالى الذي خلق الإنسان والذي شرفه بهذه الأمانة فذلك أمر محجور غير جائز ، هنالك وجوه شتى يمكن أن يستفاد منها لمصلحة الإنسان من خلال الاستنساخ، فلربما أمكن أن توجد أعضاء بدائل لأعضاء تؤخذ من إنسان لآخر، أنا لا مانع إن أمكن أن توجد كلية بطريقة الاستنساخ لتستغل لمصلحة الإنسان المريض، لا أمانع من ذلك .

الـمحـاور:
وأخذها من إنسان حي هل يجوز أيضا، نقل الأعضاء بمعنى آخر ؟

سماحة الشيخ:
نقل الأعضاء هذه مسألة طرحت وبحثت، وأقول: لا بد أن تكون في قيود الأخلاق ، لا أن تكون تجارة للاتجار بها ، فالإنسان لا يتجر بأعضائه ، اذ لا يملك أعضاءه ، لكن أن يكون ذلك في قيود الأخلاق ، لا بد من وضع الضوابط الشرعية .

الـمحـاور:
إذا كان رحمة وشفقة للآخر ، هل يجوز ؟

سماحة الشيخ:
على أي حال ، نعم لكن بشرط أن لا يكون ذلك مضرا بالمتبرع، فإن الإنسان لا يضر بنفسه، وإذا أمكن من خلال الاستنساخ ان توجد هذه الأعضاء فلا مانع من ذلك، وكذلك العقاقير التي تفضلتم بالإشارة إليها إن أمكن الحصول عليها من هذا الجانب أيضا، او علاج للاعضاء المريضة من الإنسان بهذه الطريقة، أي إيجاد خلايا صحيحة لا مانع من ذلك، أما أن يكون الإنسان نفسه مستنسخا فهذا مما يؤدي إلى كارثة مُفسدة، ويؤدي إلى انحلال الروابط الاجتماعية، فإن الله تبارك وتعالى جعل الروابط الاجتماعية بين الناس من أسبابها التطلع إلى المستقبل، فإن الإنسان أي أحد كان ينظر إلى ولده بأنه امتداد لحياته .

الـمحـاور:
شكرا لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة على هذا الحديث ، وشكرا لكم .

بذلك يكون الموضوع قد اكتمل
نسأل القبول وان يعم به النفع، لمن اراد تنسيقه وتوزيعه لتعم به الفائدة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

p,hv ad~r lu slhpm hgado Hpl] fk pl] hgogdgd -pt/i hggi- lpl] lu hggi hgogdgd hgado fk pgn pt/i p,hv slhpm ad~r





توقيع :

"يدركه من كد فيه نفسه حياته ثم أطال درسه"


"مزاحما أهل العلوم بالركب وطالبا لنيله كل الطلب"



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد , مع , الله , الخليلي , الشيخ , بن , حلى , حفظه , حوار , سماحة , شيّق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب : الفتاوى كتاب الصلاة ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي عابر الفيافي نور الفتاوى الإسلامية 8 10-26-2011 09:29 PM
فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي عابر الفيافي نور الحج والعمرة 3 06-08-2011 03:08 PM
تفسير سورة البقرة ص 29(القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 3 06-02-2011 10:40 PM
الموسوعه من السؤال والجواب ف الثقافه الاسلاميه cdabra الـنور الإسلامي العــام 0 02-24-2011 07:53 AM
تفسير سورة الفاتحة (القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 12-31-2010 08:29 PM


الساعة الآن 01:10 AM.