تفسير سورة البقرة ص 34(القرطبي) - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



علوم القرآن الكريم [القرآن الكريم] [إعراب القرآن] [تفسير القرآن الكريم] [تفسير الجلالين] [التفسير الميسر]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  تفسير سورة البقرة ص 34(القرطبي)
كُتبَ بتاريخ: [ 01-05-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع


الآية: 220 {في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم}
روى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: (لما أنزل الله تعالى: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" [الأنعام: 152] و"إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء: 10] الآية، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل من طعامه فيحبس له، حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير" الآية، فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه)، لفظ أبي داود. والآية متصلة بما قبل، لأنه اقترن بذكر الأموال الأمر بحفظ أموال اليتامى. وقيل: إن السائل عبدالله بن رواحة. وقيل: كانت العرب تتشاءم بملابسة أموال اليتامى في مؤاكلتهم، فنزلت هذه الآية.
لما أذن الله جل وعز في مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليلا على جواز التصرف في مال اليتيم، تصرف الوصي في البيع والقسمة وغير ذلك، على الإطلاق لهذه الآية. فإذا كفل الرجل اليتيم وحازه وكان في نظره جاز عليه فعله وإن لم يقدمه وال عليه، لأن الآية مطلقة والكفالة ولاية عامة. لم يؤثر عن أحد من الخلفاء أنه قدم أحدا على يتيم مع وجودهم في أزمنتهم، وإنما كانوا يقتصرون على كونهم عندهم.
تواترت الآثار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة فيه، وفي جواز خلط ماله بماله دلالة على جواز التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا وافق الصلاح، وجواز دفعه مضاربة، إلى غير ذلك على ما نذكره مبينا. واختلف في عمله هو قراضا، فمنعه أشهب، وقاسه على منعه من أن يبيع لهم من نفسه أو يشتري لها. وقال غيره: إذا أخذه على جزء من الربح بنسبة قراض مثله فيه أمضي، كشرائه شيئا لليتيم بتعقب فيكون أحسن لليتيم. قال محمد بن عبدالحكم: وله أن يبيع له بالدين إن رأى ذلك نظرا. قال ابن كنانة: وله أن ينفق في عرس اليتيم ما يصلح من صنيع وطيب، ومصلحته بقدر حاله وحال من يزوج إليه، وبقدر كثرة ماله. قال: وكذلك في ختانه، فإن خشي أن يتهم رفع ذلك إلى السلطان فيأمره بالقصد، وكل ما فعله على وجه النظر فهو جائز، وما فعله على وجه المحاباة وسوء النظر فلا يجوز. ودل الظاهر على أن ولي اليتيم يعلمه أمر الدنيا والآخرة، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات. وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه لما فيه من الإصلاح. وسيأتي لهذا مزيد بيان في "النساء" إن شاء الله تعالى.
ولما ينفقه الوصي والكفيل من مال اليتيم حالتان: حالة يمكنه الإشهاد عليه، فلا يقبل قوله إلا ببينة. وحالة لا يمكنه الإشهاد عليه فقوله مقبول بغير بينة، فمهما اشترى من العقار وما جرت العادة بالتوثق فيه لم يقبل قوله بغير بينة. قال ابن خويز منداد: ولذلك فرق أصحابنا بين أن يكون اليتيم في دار الوصي ينفق عليه فلا يكلف الإشهاد على نفقته وكسوته، لأنه يتعذر عليه الإشهاد على ما يأكله ويلبسه في كل وقت، ولكن إذا قال: أنفقت نفقة لسنة قبل منه، وبين أن يكون عند أمه أو حاضنته فيدعي الوصي أنه كان ينفق عليه، أو كان يعطي الأم أو الحاضنة النفقة والكسوة فلا يقبل قوله على الأم أو الحاضنة إلا ببينة أنها كانت تقبض ذلك له مشاهرة أو مساناة.
واختلف العلماء في الرجل ينكح نفسه من يتيمه، وهل له أن يشتري لنفسه من مال يتيمه أو يتيمته؟ فقال مالك: ولاية النكاح بالكفالة والحضانة أقوى منها بالقرابة، حتى قال في الأعراب الذين يسلمون أولادهم في أيام المجاعة: إنهم ينكحونهم إنكاحهم، فأما إنكاح الكافل والحاضن لنفسه فيأتي في "النساء" بيانه، إن شاء الله تعالى. وأما الشراء منه فقال مالك: يشتري في مشهور الأقوال، وكذلك قال أبو حنيفة: له أن يشتري مال الطفل اليتيم لنفسه بأكثر من ثمن المثل، لأنه إصلاح دل عليه ظاهر القرآن. وقال الشافعي: لا يجوز ذلك في النكاح ولا في البيع، لأنه لم يذكر في الآية التصرف، بل قال: "إصلاح لهم خير" من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر. وأبو حنيفة يقول: إذا كان الإصلاح خيرا فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوج منه. والشافعي لا يرى في التزويج إصلاحا إلا من جهة دفع الحاجة، ولا حاجة قبل البلوغ. وأحمد بن حنبل يجوز للوصي التزويج لأنه إصلاح. والشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي، وللأب في حق ولده الذي ماتت أمه لا بحكم هذه الآية. وأبو حنيفة يجوز للقاضي تزويج اليتيم بظاهر القرآن. وهذه المذاهب نشأت من هذه الآية، فإن ثبت كون التزويج إصلاحا فظاهر الآية يقتضي جوازه. ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى: "ويسألونك عن اليتامى" أي يسألك القوام على اليتامى الكافلون لهم، وذلك مجمل لا يعلم منه عين الكافل والقيم وما يشترط فيه من الأوصاف.
فإن قيل: يلزم ترك مالك أصله في التهمة والذرائع إذ جوز له الشراء من يتيمه، فالجواب أن ذلك لا يلزم، وإنما يكون ذلك ذريعة فيما يؤدى من الأفعال المحظورة إلى محظورة منصوص عليها، وأما ههنا فقد أذن الله سبحانه في صورة المخالطة، ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم بقوله: "والله يعلم المفسد من المصلح" وكل أمر مخوف وكل الله سبحانه المكلف إلى أمانته لا يقال فيه: إنه يتذرع إلى محظور به فيمنع منه، كما جعل الله النساء مؤتمنات على فروجهن، مع عظيم ما يترتب على قولهن في ذلك من الأحكام، ويرتبط به من الحل والحرمة والأنساب، وإن جاز أن يكذبن. وكان طاوس إذا سئل عن شيء من أمر اليتامى قرأ: "والله يعلم المفسد من المصلح". وكان ابن سيرين أحب الأشياء إليه في مال اليتيم أن يجتمع نصحاؤه فينظرون الذي هو خير له، ذكره البخاري. وفي هذا دلالة على جواز الشراء منه لنفسه، كما ذكرنا. والقول الآخر أنه لا ينبغي للولي أن يشتري مما تحت يده شيئا، لما يلحقه في ذلك من التهمة إلا أن يكون البيع في ذلك بيع سلطان في ملأ من الناس. وقال محمد بن عبدالحكم: لا يشتري من التركة، ولا بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله.
قوله تعالى: "وإن تخالطوهم فإخوانكم" هذه المخالطة كخلط المثل بالمثل كالتمر بالتمر. وقال أبو عبيد: مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه، ولا يجد بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله، وهذا قد يقع فيه الزيادة والنقصان، فجاءت هذه الآية الناسخة بالرخصة فيه. قال أبو عبيد: وهذا عندي أصل لما يفعله الرفقاء في الأسفار فإنهم يتخارجون النفقات بينهم بالسوية، وقد يتفاوتون في قلة المطعم وكثرته، وليس كل من قل مطعمه تطيب نفسه بالتفضل على رفيقه، فلما كان هذا في أموال اليتامى واسعا كان في غيرهم أوسع، ولولا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على الناس.
قوله تعالى: "فإخوانكم" خبر لمبتدأ محذوف، أي فهم إخوانكم، والفاء جواب الشرط. وقوله تعالى: "والله يعلم المفسد من المصلح" تحذير، أي يعلم المفسد لأموال اليتامى من المصلح لها، فيجازي كلا على إصلاحه وإفساده.
قوله تعالى: "ولو شاء الله لأعنتكم" روى الحكم عن مقسم عن ابن عباس: "ولو شاء الله لأعنتكم" قال:(لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا). وقيل: "لأعنتكم" لأهلككم، عن الزجاج وأبي عبيدة. وقال القتبي: لضيق عليكم وشدد، ولكنه لم يشأ إلا التسهيل عليكم. وقيل: أي لكلفكم ما يشتد عليكم أداؤه وأثمكم في مخالطتهم، كما فعل بمن كان قبلكم، ولكنه خفف عنكم. والعنت: المشقة، وقد عنت وأعنته غيره. ويقال للعظم المجبور إذا أصابه شيء فهاضه: قد أعنته، فهو عنت ومعنت. وعنتت الدابة تعنت عنتا: إذا حدث في قوائمها كسر بعد جبر لا يمكنها معه جري. وأكمة عنوت: شاقة المصعد. وقال ابن الأنباري: أصل العنت التشديد، فإذا قالت العرب: فلان يتعنت فلانا ويعنته فمرادها يشدد عليه ويلزمه ما يصعب عليه أداؤه، ثم نقلت إلى معنى الهلاك. والأصل ما وصفنا.
قوله تعالى: "إن الله عزيز" أي لا يمتنع عليه شيء "حكيم" يتصرف في ملكه بما يريد لا حجر عليه، جل وتعالى علوا كبيرا.
الآية: 221 {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}
قوله تعالى: "ولا تنكحوا" قراءة الجمهور بفتح التاء. وقرئت في الشاذ بالضم، كأن المعنى أن المتزوج لها أنكحها من نفسه. ونكح أصله الجماع، ويستعمل في التزوج تجوزا واتساعا، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
لما أذن الله سبحانه وتعالى في مخالطة الأيتام، وفي مخالطة النكاح بين أن مناكحة المشركين لا تصح. وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي، وقيل: في مرثد بن أبي مرثد، واسمه كناز بن حصين الغنوي، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سرا ليخرج رجلا من أصحابه، وكانت له بمكة امرأة يحبها في الجاهلية يقال لها "عناق" فجاءته، فقال لها: إن الإسلام حرم ما كان في الجاهلية، قالت: فتزوجني، قال: حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها، لأنه كان مسلما وهي مشركة. وسيأتي في "النور" بيانه إن شاء الله تعالى.
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقالت طائفة: حرم الله نكاح المشركات في سورة "البقرة" ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب، فأحلهن في سورة "المائدة". وروي هذا القول عن ابن عباس، وبه قال مالك بن أنس وسفيان بن سعيد الثوري، وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي. وقال قتادة وسعيد بن جبير: لفظ الآية العموم في كل كافرة، والمراد بها الخصوص في الكتابيات، وبينت الخصوص آية "المائدة" ولم يتناول العموم قط الكتابيات. وهذا أحد قولي الشافعي، وعلى القول الأول يتناولهن العموم، ثم نسخت آية "المائدة" بعض العموم. وهذا مذهب مالك رحمه الله، ذكره ابن حبيب، وقال: ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحله الله تعالى مستثقل مذموم. وقال إسحاق بن إبراهيم الحربي: ذهب قوم فجعلوا الآية التي في "البقرة" هي الناسخة، والتي في "المائدة" هي المنسوخة، فحرموا نكاح كل مشركة كتابية أو غير كتابية. قال النحاس: ومن الحجة لقائل هذا مما صح سنده ما حدثناه محمد بن ريان، قال: حدثنا محمد بن رمح، قال: حدثنا الليث عن نافع أن عبدالله بن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم الله المشركات على المؤمنين، ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى، أو عبد من عباد الله!. قال النحاس: وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة، لأنه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة، منهم عثمان وطلحة وابن عباس وجابر وحذيفة. ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك، وفقهاء الأمصار عليه. وأيضا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة "البقرة" ناسخة للآية التي في سورة "المائدة" لأن "البقرة" من أول ما نزل بالمدينة، و"المائدة" من آخر ما نزل. وإنما الآخر ينسخ الأول، وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه، لأن ابن عمر رحمه الله كان رجلا متوقفا، فلما سمع الآيتين، في واحدة التحليل، وفي أخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف، ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ وإنما تؤول عليه، وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل. وذكر ابن عطية: وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه: (إن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات، وكل من على غير الإسلام حرام)، فعلى هذا هي ناسخة للآية التي في "المائدة" وينظر إلى هذا قول ابن عمر في الموطأ: ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى. وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيدالله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا: نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما! ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة. قال ابن عطية: وهذا لا يستند جيدا، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن. وروي عن ابن عباس نحو هذا. وذكر ابن المنذر جواز نكاح الكتابيات عن عمر بن الخطاب، ومن ذكر من الصحابة والتابعين في قول النحاس. وقال في آخر كلامه: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك. وقال بعض العلماء: وأما الآيتان فلا تعارض بينهما، فإن ظاهر لفظ الشرك لا يتناول أهل الكتاب، لقوله تعالى: "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم" [البقرة: 105]، وقال: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين" [البينة: 1] ففرق بينهم في اللفظ، وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، وأيضا فاسم الشرك عموم وليس بنص، وقوله تعالى: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" [المائدة: 5] بعد قوله "والمحصنات من المؤمنات" نص، فلا تعارض بين المحتمل وبين ما لا يحتمل. فإن قيل: أراد بقوله: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" أي أوتوا الكتاب من قبلكم وأسلموا، كقوله "وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله" [آل عمران: 199] الآية. وقوله: "من أهل الكتاب أمة قائمة" [آل عمران: 113] الآية. قيل له: هذا خلاف نص الآية في قوله: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" وخلاف ما قاله الجمهور، فإنه لا يشكل على أحد جواز التزويج ممن أسلم وصار من أعيان المسلمين. فإن قالوا: فقد قال الله تعالى: "أولئك يدعون إلى النار" فجعل العلة في تحريم نكاحهن الدعاء إلى النار. والجواب أن ذلك علة لقوله تعالى: "ولأمة مؤمنة خير من مشركة" لأن المشرك يدعو إلى النار، وهذه العلة مطردة في جميع الكفار، فالمسلم خير من الكافر مطلقا، وهذا بين.
وأما نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حربا فلا يحل، وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: لا يحل، وتلا قول الله تعالى: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" [التوبة: 29] إلى قوله "صاغرون". قال المحدث: حدثت بذلك إبراهيم النخعي فأعجبه. وكره مالك تزوج الحربيات، لعلة ترك الولد في دار الحرب، ولتصرفها في الخمر والخنزير.
قوله تعالى: "ولأمة مؤمنة خير من مشركة" إخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة، وإن كانت ذات الحسب والمال. "ولو أعجبتكم" في الحسن وغير ذلك، هذا قول الطبري وغيره. ونزلت في خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان، فقال لها حذيفة: يا خنساء، قد ذكرت في الملأ الأعلى مع سوادك ودمامتك، وأنزل الله تعالى ذكرك في كتابه، فأعتقها حذيفة وتزوجها. وقال السدي: نزلت في عبداللهله بن رواحة، كانت له أمة سوداء فلطمها في غضب ثم ندم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: (ما هي يا عبدالله) قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد الشهادتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه مؤمنة). فقال ابن رواحة: لأعتقنها ولأتزوجنها، ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمة، وكانوا يرون أن ينكحوا إلى المشركين، وكانوا ينكحونهم رغبة في أحسابهم، فنزلت هذه الآية. والله أعلم.
واختلف العلماء في نكاح إماء أهل الكتاب، فقال مالك: لا يجوز نكاح الأمة الكتابية. وقال أشهب في كتاب محمد، فيمن أسلم وتحته أمة كتابية: إنه لا يفرق بينهما. وقال أبو حنيفة وأصحابه، يجوز نكاح إماء أهل الكتاب. قال ابن العربي: درسنا الشيخ أبو بكر الشاشي بمدينة السلام قال: احتج أصحاب أبي حنيفة على جواز نكاح الأمة الكتابية بقوله تعالى: "ولأمة مؤمنة خير من مشركة". ووجه الدليل من الآية أن الله سبحانه خاير بين نكاح الأمة المؤمنة والمشركة، فلولا أن نكاح الأمة المشركة جائز لما خاير الله تعالى بينهما، لأن المخايرة إنما هي بين الجائزين لا بين جائز وممتنع، ولا بين متضادين. والجواب أن المخايرة بين الضدين تجوز لغة وقرآنا: لأن الله سبحانه قال: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا" [الفرقان: 24]. وقال عمر في رسالته لأبي موسى: "الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل". جواب آخر: قوله تعالى: "ولأمة" لم يرد به الرق المملوك وإنما أراد به الآدمية، والآدميات والآدميون بأجمعهم عبيدالله وإماؤه، قاله القاضي بالبصرة أبو العباس الجرجاني.
واختلفوا في نكاح نساء المجوس، فمنع مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق من ذلك. وقال ابن حنبل: لا يعجبني. وروي أن حذيفة بن اليمان تزوج مجوسية، وأن عمر قال له: طلقها. وقال ابن القصار: قال بعض أصحابنا: يجب على أحد القولين أن لهم كتابا أن تجوز مناكحتهم. وروى ابن وهب عن مالك أن الأمة المجوسية لا يجوز أن توطأ بملك اليمين، وكذلك الوثنيات وغيرهن من الكافرات، وعلى هذا جماعة العلماء، إلا ما رواه يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار أنهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسيات، فقالا: لا بأس بذلك. وتأولا قول الله عز وجل: "ولا تنكحوا المشركات". فهذا عندهما على عقد النكاح لا على الأمة المشتراة، واحتجا بسبي أوطاس، وأن الصحابة نكحوا الإماء منهن بملك اليمين. قال النحاس: وهذا قول شاذ، أما سبي أوطاس فقد يجوز أن يكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهن وأما الاحتجاج بقوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" فغلط، لأنهم حملوا النكاح على العقد، والنكاح في اللغة يقع على العقد وعلى الوطء، فلما قال: "ولا تنكحوا المشركات" حرم كل نكاح يقع على المشركات من نكاح ووطء. وقال أبو عمر بن عبدالبر: وقال الأوزاعي: سألت الزهري عن الرجل يشتري المجوسية أيطؤها؟ فقال: إذا شهدت أن لا إله إلا الله وطئها. وعن يونس عن ابن شهاب قال: لا يحل له أن يطأها حتى تسلم. قال أبو عمر: قول ابن شهاب لا يحل له أن يطأها حتى تسلم هذا - وهو أعلم الناس بالمغازي والسير - دليل على فساد قول من زعم أن سبي أوطاس وطئن ولم يسلمن. روي ذلك عن طائفة منهم عطاء وعمرو بن دينار قالا: لا بأس بوطء المجوسية، وهذا لم يلتفت إليه أحد من الفقهاء بالأمصار. وقد جاء عن الحسن البصري - وهو ممن لم يكن غزوه ولا غزو أهل ناحيته إلا الفرس وما وراءهم من خراسان، وليس منهم أحد أهل كتاب - ما يبين لك كيف كانت السيرة في نسائهم إذا سبين، قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن أسد، قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس، قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا هشام عن يونس عن الحسن، قال: قال رجل له: يا أبا سعيد كيف كنتم تصنعون إذا سبيتموهن؟ قال: كنا نوجهها إلى القبلة ونأمرها أن تسلم وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم نأمرها أن تغتسل، وإذا أراد صاحبها أن يصيبها لم يصبها حتى يستبرئها. وعلى هذا تأويل جماعة العلماء في قول الله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن". أنهن الوثنيات والمجوسيات، لأن الله تعالى قد أحل الكتابيات بقوله: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" يعني العفائف، لا من شهر زناها من المسلمات. ومنهم من كره نكاحها ووطأها بملك اليمين ما لم يكن منهن توبة، لما في ذلك من إفساد النسب.
قوله تعالى: "ولا تنكحوا" أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك. وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه، لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام. والقراء على ضم التاء من "تنكحوا".
في هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي. قال محمد بن علي بن الحسين: "النكاح بولي في كتاب الله"، ثم قرأ "ولا تنكحوا المشركين". قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) وقد اختلف أهل العلم في النكاح بغير ولي، فقال كثير من أهل العلم: لا نكاح إلا بولي، روي هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز وجابر بن زيد وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك والشافعي وعبيدالله بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو عبيد.
قلت: وهو قول مالك رضي الله عنهم أجمعين وأبي ثور والطبري. قال أبو عمر: حجة من قال: (لا نكاح إلا بولي) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال: (لا نكاح إلا بولي). روى هذا الحديث شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، فمن يقبل المراسيل يلزمه قبوله، وأما من لا يقبل المراسيل فيلزمه أيضا، لأن الذين وصلوه من أهل الحفظ والثقة. وممن وصله إسرائيل وأبو عوانة كلاهما عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإسرائيل ومن تابعه حفاظ، والحافظ تقبل زيادته، وهذه الزيادة يعضدها أصول، قال الله عز وجل: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" [البقرة: 232]. وهذه الآية نزلت في معقل بن يسار إذ عضل أخته عن مراجعة زوجها، قاله البخاري. ولولا أن له حقا في الإنكاح ما نهي عن العضل.
قلت: ومما يدل على هذا أيضا من الكتاب قوله: "فانكحوهن بإذن أهلهن" [النساء: 25] وقوله: "وأنكحوا الأيامى منكم" [النور: 32] فلم يخاطب تعالى بالنكاح غير الرجال، ولو كان إلى النساء لذكرهن. وسيأتي بيان هذا في "النور" وقال تعالى حكاية عن شعيب في قصة موسى عليهما السلام: "إني أريد أن أنكحك" على ما يأتي بيانه في سورة "القصص". وقال تعالى: "الرجال قوامون على النساء" [النساء: 34]، فقد تعاضد الكتاب والسنة على أن لا نكاح إلا بولي. قال الطبري: في حديث حفصة حين تأيمت وعقد عمر عليها النكاح ولم تعقده هي إبطال قول من قال: إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع خطبة حفصة لنفسها إذا كانت أولى بنفسها من أبيها، وخطبها إلى من لا يملك أمرها ولا العقد عليها، وفيه بيان قوله عليه السلام: (الأيم أحق بنفسها من وليها) أن معنى ذلك أنها أحق بنفسها في أنه لا يعقد عليها إلا برضاها، لا أنها أحق بنفسها في أن تعقد عقد النكاح على نفسها دون وليها. وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها). قال: حديث صحيح. وروى أبو داود من حديث سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل - ثلاث مرات - فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) وهذا الحديث صحيح. ولا اعتبار بقول ابن علية عن ابن جريج أنه قال: سألت عنه الزهري فلم يعرفه، ولم يقل هذا أحد عن ابن جريج غير ابن علية، وقد رواه جماعة عن الزهري لم يذكروا ذلك، ولو ثبت هذا عن الزهري لم يكن في ذلك حجة، لأنه قد نقله عنه ثقات، منهم سليمان بن موسى وهو ثقة إمام وجعفر بن ربيعة، فلو نسيه الزهري لم يضره ذلك، لأن النسيان لا يعصم منه ابن آدم، قال صلى الله عليه وسلم: (نسي آدم فنسيت ذريته). وكان صلى الله عليه وسلم ينسى، فمن سواه أحرى أن ينسى، ومن حفظ فهو حجة على من نسي، فإذا روى الخبر ثقة فلا يضره نسيان من نسيه، هذا لو صح ما حكى ابن علية عن ابن جريج، فكيف وقد أنكر أهل العلم ذلك من حكايته ولم يعرجوا عليها.
قلت: وقد أخرج هذا الحديث أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي في المسند الصحيح له - على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها، ولا ثبوت جرح في ناقلها - عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). قال أبو حاتم: لم يقل أحد في خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا: (وشاهدي عدل) إلا ثلاثة أنفس: سويد بن يحيى الأموي عن حفص بن غياث وعبدالله بن عبدالوهاب الجمحي عن خالد بن الحارث وعبدالرحمن بن يونس الرقي عن عيسى بن يونس، ولا يصح في الشاهدين غير هذا الخبر، وإذا ثبت هذا الخبر فقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بولي، فلا معنى لما خالفهما. وقد كان الزهري والشعبي يقولان: "إذا زوجت المرأة نفسها كفؤا بشاهدين فذلك نكاح جائز". وكذلك كان أبو حنيفة يقول: إذا زوجت المرأة نفسها كفؤا بشاهدين فذلك نكاح جائز، وهو قول زفر. وإن زوجت نفسها غير كفء فالنكاح جائز، وللأولياء أن يفرقوا بينهما. قال ابن المنذر: وأما ما قاله النعمان فمخالف للسنة، خارج عن قول أكثر أهل العلم. وبالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول. وقال أبو يوسف: لا يجوز النكاح إلا بولي، فإن سلم الولي جاز، وإن أبى أن يسلم والزوج كفء أجازه القاضي. وإنما يتم النكاح في قوله حين يجيزه القاضي، وهو قول محمد بن الحسن، وقد كان محمد بن الحسن يقول: يأمر القاضي الولي بإجازته، فإن لم يفعل استأنف عقدا. ولا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه أنه إذا أذن لها وليها فعقدت النكاح بنفسها جاز. وقال الأوزاعي: "إذا ولت أمرها رجلا فزوجها كفؤا فالنكاح جائز، وليس للولي أن يفرق بينهما، إلا أن تكون عربية تزوجت مولى"، وهذا نحو مذهب مالك على ما يأتي. وحمل القائلون بمذهب الزهري وأبي حنيفة والشعبي قوله عليه السلام: (لا نكاح إلا بولي) على الكمال لا على الوجوب، كما قال عليه السلام: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) و(لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة). واستدلوا على هذا بقوله تعالى: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" [البقرة: 232]، وقوله تعالى: "فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف" [البقرة: 234]، وبما روى الدارقطني عن سماك بن حرب قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: امرأة أنا وليها تزوجت بغير إذني؟ فقال علي: ينظر فيما صنعت، فإن كانت تزوجت كفؤا أجزنا ذلك لها، وإن كانت تزوجت من ليس لها بكفء جعلنا ذلك إليك. وفي الموطأ أن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبدالرحمن وهو غائب، الحديث. وقد رواه ابن جريج عن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أنها أنكحت رجلا هو المنذر بن الزبير امرأة من بني أخيها فضربت بينهم بستر، ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلا فأنكح، ثم قالت: ليس على النساء إنكاح. فالوجه في حديث مالك أن عائشة قررت المهر وأحوال النكاح، وتولى العقد أحد عصبتها، ونسب العقد إلى عائشة لما كان تقريره إليها.
ذكر ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك في الأولياء، من هم؟ فقال مرة: كل من وضع المرأة في منصب حسن فهو وليها، سواء كان من العصبة أو من ذوي الأرحام أو الأجانب أو الإمام أو الوصي. وقال مرة: الأولياء من العصبة، فمن وضعها منهم في منصب حسن فهو ولي. وقال أبو عمر: قال مالك فيما ذكر ابن القاسم عنه: إن المرأة إذا زوجها غير وليها بإذنها فإن كانت شريفة لها في الناس حال كان وليها بالخيار في فسخ النكاح وإقراره، وإن كانت دنيئة كالمعتقة والسوداء والسعاية والمسلمانية، ومن لا حال لها جاز نكاحها، ولا خيار لوليها لأن كل واحد كفء لها، وقد روي عن مالك أن الشريفة والدنيئة لا يزوجها إلا وليها أو السلطان، وهذا القول اختاره ابن المنذر، قال: وأما تفريق مالك بين المسكينة والتي لها قدر فغير جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سوى بين أحكامهم في الدماء فقال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم). وإذا كانوا في الدماء سواء فهم في غير ذلك شيء واحد. وقال إسماعيل بن إسحاق: لما أمر الله سبحانه بالنكاح جعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض فقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" [التوبة: 71] والمؤمنون في الجملة هكذا يرث بعضهم بعضا، فلو أن رجلا مات ولا وارث له لكان ميراثه لجماعة المسلمين، ولو جنى جناية لعقل عنه المسلمون، ثم تكون ولاية أقرب من ولاية، وقرابة أقرب من قرابة. وإذا كانت المرأة بموضع لا سلطان فيه ولا ولي لها فإنها تصير أمرها إلى من يوثق به من جيرانها، فيزوجها ويكون هو وليها في هذه الحال، لأن الناس لا بد لهم من التزويج، وإنما يعملون فيه بأحسن ما يمكن، وعلى هذا قال مالك في المرأة الضعيفة الحال: إنه يزوجها من تسند أمرها إليه، لأنها ممن تضعف عن السلطان فأشبهت من لا سلطان بحضرتها، فرجعت في الجملة إلى أن المسلمين أولياؤها، فأما إذا صيرت أمرها إلى رجل وتركت أولياءها فإنها أخذت الأمر من غير وجهه، وفعلت ما ينكره الحاكم عليها والمسلمون، فيفسخ ذلك النكاح من غير أن يعلم أن حقيقته حرام، لما وصفنا من أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ولما في ذلك من الاختلاف، ولكن يفسخ لتناول الأمر من غير وجهه، ولأنه أحوط للفروج ولتحصينها، فإذا وقع الدخول وتطاول الأمر وولدت الأولاد وكان صوابا لم يجز الفسخ، لأن الأمور إذا تفاوتت لم يرد منها إلا الحرام الذي لا يشك فيه، ويشبه ما فات من ذلك بحكم الحاكم إذا حكم بحكم لم يفسخ إلا أن يكون خطأ لا شك فيه. وأما الشافعي وأصحابه فالنكاح عندهم بغير ولي مفسوخ أبدا قبل الدخول وبعده، ولا يتوارثان إن مات أحدهما. والولي عندهم من فرائض النكاح، لقيام الدليل عندهم من الكتاب والسنة: قال الله تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم" [النور: 32] كما قال: "فانكحوهن بإذن أهلهن" [النساء: 25]، وقال مخاطبا للأولياء: "فلا تعضلوهن" [البقرة: 232]. وقال عليه السلام: (لا نكاح إلا بولي). ولم يفرقوا بين دنية الحال وبين الشريفة، لإجماع العلماء على أن لا فرق بينهما في الدماء، لقوله عليه السلام: (المسلمون تتكافأ دماؤهم). وسائر الأحكام كذلك. وليس في شيء من ذلك فرق بين الرفيع والوضيع في كتاب ولا سنة.
واختلفوا في النكاح يقع على غير ولي ثم يجيزه الولي قبل الدخول، فقال مالك وأصحابه إلا عبدالملك: ذلك جائز، إذا كانت إجازته لذلك بالقرب، وسواء دخل أو لم يدخل. هذا إذا عقد النكاح غير ولي ولم تعقده المرأة بنفسها، فإن زوجت المرأة نفسها وعقدت عقدة النكاح من غير ولي قريب ولا بعيد من المسلمين فإن هذا النكاح لا يقر أبدا على حال وإن تطاول وولدت الأولاد، ولكنه يلحق الولد إن دخل، ويسقط الحد، ولا بد من فسخ ذلك النكاح على كل حال. وقال ابن نافع عن مالك: الفسخ فيه بغير طلاق.
واختلف العلماء في منازل الأولياء وترتيبهم، فكان مالك يقول: أولهم البنون وإن سفلوا، ثم الآباء، ثم الإخوة للأب والأم، ثم للأب، ثم بنو الإخوة للأب والأم، ثم بنو الإخوة للأب، ثم الأجداد للأب وإن علوا، ثم العمومة على ترتيب الإخوة، ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة وإن سفلوا، ثم المولى ثم السلطان أو قاضيه. والوصي مقدم في إنكاح الأيتام على الأولياء، وهو خليفة الأب ووكيله، فأشبه حاله لو كان الأب حيا. وقال الشافعي: لا ولاية لأحد مع الأب، فإن مات فالجد، ثم أب أب الجد، لأنهم كلهم آباء. والولاية بعد الجد للإخوة، ثم الأقرب. وقال المزني: قال في الجديد: من انفرد بأم كان أولى بالنكاح، كالميراث. وقال في القديم: هما سواء.
قلت: وروى المدنيون عن مالك مثل قول الشافعي، وأن الأب أولى من الابن، وهو أحد قولي أبي حنيفة، حكاه الباجي. وروي عن المغيرة أنه قال: "الجد أولى من الإخوة"، والمشهور من المذهب ما قدمناه. وقال أحمد: أحقهم بالمرأة أن يزوجها أبوها، ثم الابن، ثم الأخ، ثم ابنه، ثم العم. وقال إسحاق: الابن أولى من الأب، كما قاله مالك، واختاره ابن المنذر، لأن عمر ابن أم سلمة زوجها بإذنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: أخرجه النسائي عن أم سلمة وترجم له (إنكاح الابن أمه).
قلت: وكثيرا ما يستدل بهذا علماؤنا وليس بشيء، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحاح أن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك). وقال أبو عمر في كتاب الاستيعاب: عمر بن أبي سلمة يكنى أبا حفص، ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة. وقيل: إنه كان يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن تسع سنين.
قلت: ومن كان سنه هذا لا يصلح أن يكون وليا، ولكن ذكر أبو عمر أن لأبي سلمة من أم سلمة ابنا آخر اسمه سلمة، وهو الذي عقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمه أم سلمة، وكان سلمة أسن من أخيه عمر بن أبي سلمة، ولا أحفظ له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنه عمر أخوه.
واختلفوا في الرجل يزوج المرأة الأبعد من الأولياء - كذا وقع، والأقرب عبارة أن يقال: اختلف في المرأة يزوجها من أوليائها الأبعد والأقعد حاضر، فقال الشافعي: النكاح باطل. وقال مالك: النكاح جائز. قال ابن عبدالبر: إن لم ينكر الأقعد شيئا من ذلك ولا رده نفذ، وإن أنكره وهي ثيب أو بكر بالغ يتيمة ولا وصي لها فقد اختلف قول مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة في ذلك، فقال منهم قائلون: لا يرد ذلك وينفذ، لأنه نكاح انعقد بإذن ولي من الفخذ والعشيرة. ومن قال هذا منهم لا ينفذ قال: إنما جاءت الرتبة في الأولياء على الأفضل والأولى، وذلك مستحب وليس بواجب. وهذا تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه، وإياه اختار إسماعيل بن إسحاق وأتباعه. وقيل: ينظر السلطان في ذلك ويسأل الولي الأقرب على ما ينكره، ثم إن رأى إمضاءه أمضاه، وإن رأى أن يرده رده. وقيل: بل للأقعد رده على كل حال، لأنه حق له. وقيل: له رده وإجازته ما لم يطل مكثها وتلد الأولاد، وهذه كلها أقاويل أهل المدينة.
فلو كان الولي الأقرب محبوسا أو سفيها زوجها من يليه من أوليائها، وعد كالميت منهم، وكذلك إذا غاب الأقرب من أوليائها غيبة بعيدة أو غيبة لا يرجى لها أوبة سريعة زوجها من يليه من الأولياء. وقد قيل: إذا غاب أقرب أوليائها لم يكن للذي يليه تزويجها، ويزوجها الحاكم، والأول قول مالك.
وإذا كان الوليان قد استويا في القعدد وغاب أحدهما وفوضت المرأة عقد نكاحها إلى الحاضر لم يكن للغائب إن قدم نكرته. وإن كانا حاضرين ففوضت أمرها إلى أحدهما لم يزوجها إلا بإذن صاحبه، فإن اختلفا نظر الحاكم في ذلك، وأجاز عليها رأي أحسنهما نظرا لها، رواه ابن وهب عن مالك.
وأما الشهادة على النكاح فليست بركن عند مالك وأصحابه، ويكفي من ذلك شهرته والإعلان به، وخرج عن أن يكون نكاح سر. قال ابن القاسم عن مالك: لو زوج ببينة، وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح، لأنه نكاح سر. وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز، وأشهدا فيما يستقبلان. وروى ابن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمهما قال: يفرق بينهما بتطليقة ولا يجوز النكاح، ولها صداقها إن كان أصابها، ولا يعاقب الشاهدان. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما: إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما: اكتما جاز النكاح. قال أبو عمر: وهذا قول يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحبنا، قال: كل نكاح شهد عليه رجلان فقد خرج من حد السر، وأظنه حكاه عن الليث بن سعد. والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم: كل نكاح لم يشهد عليه رجلان فصاعدا، ويفسخ على كل حال.
قلت: قول الشافعي أصح للحديث الذي ذكرناه. وروى عن ابن عباس أنه قال: (لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد)، ولا مخالف له من الصحابة فيما علمته. واحتج مالك لمذهبه أن البيوع التي ذكرها الله تعالى فيها الإشهاد عند العقد، وقد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع. والنكاح الذي لم يذكر الله تعالى فيه الأشهاد أحرى بألا يكون الإشهاد فيه من شروطه وفرائضه، وإنما الغرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب. والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعلنوا النكاح). وقول مالك هذا قول ابن شهاب وأكثر أهل المدينة.
قوله تعالى: "ولعبد مؤمن" أي مملوك "خير من مشرك" أي حسيب. "ولو أعجبكم" أي حسبه وماله، حسب ما تقدم. وقيل المعنى: ولرجل مؤمن، وكذا ولأمة مؤمنة، أي ولامرأة مؤمنة، كما بيناه. قال صلى الله عليه وسلم: (كل رجالكم عبيدالله وكل نسائكم إماء الله) وقال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وقال تعالى: "نعم العبد إنه أواب" [ص: 30، 44]. وهذا أحسن ما حمل عليه القول في هذه الآية، وبه يرتفع النزاع ويزول الخلاف، والله الموفق.
قوله تعالى: "أولئك" إشارة للمشركين والمشركات. "يدعون إلى النار" أي إلى الأعمال الموجبة للنار، فإن صحبتهم ومعاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل. "والله يدعو إلى الجنة والمغفرة" أي إلى عمل أهل الجنة. "بإذنه" أي بأمره، قاله الزجاج.
الآية: 222 {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}
قوله تعالى: "ويسألونك عن المحيض" ذكر الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح - وقيل: أسيد بن حضير وعباد بن بشر، وهو قول الأكثرين. وسبب السؤال فيما قال قتادة وغيره: أن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد: كانوا يتجنبون النساء في الحيض، ويأتونهن في أدبارهن مدة زمن الحيض، فنزلت. وفي صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض" إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لَبَنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما. قال علماؤنا: كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض، وكانت النصارى يجامعون الحيض، فأمر الله بالقصد بين هذين.
قوله تعالى: "عن المحيض" المحيض: الحيض وهو مصدر، يقال: حاضت المرأة حيضا ومحاضا ومحيضا، فهي حائض، وحائضة أيضا، عن الفراء وأنشد:
كحائضة يزنى بها غير طاهر
ونساء حيض وحوائض. والحيضة: المرة الواحدة. والحيضة (بالكسر) الاسم، والجمع الحيض. والحيضة أيضا: الخرقة التي تستثفر بها المرأة. قالت عائشة رضي الله عنها: ليتني كنت حيضة ملقاة. وكذلك المحيضة، والجمع المحائض. وقيل: المحيض عبارة عن الزمان والمكان، وعن الحيض نفسه، وأصله في الزمان والمكان مجاز في الحيض. وقال الطبري: المحيض اسم للحيض، ومثله قول رؤبة في العيش:
إليك أشكو شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي
وأصل الكلمة من السيلان والانفجار، يقال: حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها، ومنه الحيض أي الحوض، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل، والعرب تدخل الواو على الياء والياء على الواو، لأنهما من حيز واحد. قال ابن عرفة: المحيض والحيض اجتماع الدم إلى ذلك الموضع، وبه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه، يقال: حاضت المرأة وتحيضت، ودرست وعركت، وطمثت، تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا إذا سال الدم منها في أوقات معلومة. فإذا سال في غير أيام معلومة، ومن غير عرق المحيض قلت: استحيضت، فهي مستحاضة. ابن العربي: ولها ثمانية ابن العربي. ولها ثمانية أسماء: الأول: حائض. الثاني: عارك. الثالث: فارك. الرابع: طامس. الخامس: دارس. السادس: كابر. السابع: ضاحك. الثامن: طامث. قال مجاهد في قوله تعالى: "فضحكت" يعني حاضت. وقيل في قوله تعالى: "فلما رأينه أكبرنه" [يوسف: 31] يعني حضن. وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
أجمع العلماء على أن للمرأة ثلاثة أحكام في رؤيتها الدم الظاهر السائل من فرجها، فمن ذلك الحيض المعروف، ودمه أسود خاثر تعلوه حمرة، تترك له الصلاة والصوم، لا خلاف في ذلك. وقد يتصل وينقطع، فإن اتصل فالحكم ثابت له، وإن انقطع فرأت الدم يوما والطهر يوما، أو رأت الدم يومين والطهر يومين أو يوما فإنها تترك الصلاة في أيام الدم، وتغتسل عند انقطاعه وتصلي، ثم تلفق أيام الدم وتلغي أيام الطهر المتخللة لها، ولا تحتسب بها طهرا في عدة ولا استبراء. والحيض خلقة في النساء، وطبع معتاد معروف منهن. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار - فقلن وبم يا رسول الله؟ قال - تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن - قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى يا رسول الله، قال: فذلك من نقصان دينها)
وأجمع العلماء على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لحديث معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، خرجه مسلم. فإذا انقطع عنها كان طهرها منه الغسل، على ما يأتي.
واختلف العلماء في مقدار الحيض، فقال فقهاء المدينة: إن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوما، وجائز أن يكون خمسة عشر يوما فما دون، وما زاد على خمسة عشر يوما لا يكون حيضا وإنما هو استحاضة، هذا مذهب مالك وأصحابه. وقد روي عن مالك أنه لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره إلا ما يوجد في النساء، فكأنه ترك قوله الأول ورجع إلى عادة النساء. وقال محمد بن سلمة: أقل الطهر خمسة عشر يوما، وهو اختيار أكثر البغداديين من المالكيين، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري، وهو الصحيح في الباب، لأن الله تعالى قد جعل عدة ذوات الأقراء ثلاث حيض، وجعل عدة من لا تحيض من كبر أو صغر ثلاثة أشهر، فكان كل قرء عوضا من شهر، والشهر يجمع الطهر والحيض. فإذا قل الحيض كثر الطهر، وإذا كثر الحيض قل الطهر، فلما كان أكثر الحيض خمسة عشر يوما وجب أن يكون بإزائه أقل الطهر خمسة عشر يوما ليكمل في الشهر الواحد حيض وطهر، وهو المتعارف في الأغلب من خلقة النساء وجبلتهن مع دلائل القرآن والسنة. وقال الشافعي: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما. وقد روي عنه مثل قول مالك: إن ذلك مردود إلى عرف النساء. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة. قال ابن عبدالبر: ما نقص عند هؤلاء عن ثلاثة أيام فهو استحاضة، لا يمنع من الصلاة إلا عند أول ظهوره، لأنه لا يعلم مبلغ مدته. ثم على المرأة قضاء صلاة تلك الأوقات، وكذلك ما زاد على عشرة أيام عند الكوفيين. وعند الحجازيين ما زاد على خمسة عشر يوما فهو استحاضة. وما كان أقل من يوم وليلة عند الشافعي فهو استحاضة، وهو قول الأوزاعي والطبري. وممن قال أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما عطاء بن أبي رباح وأبو ثور وأحمد بن حنبل. قال الأوزاعي: وعندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقد أتينا على ما للعلماء في هذا الباب - من أكثر الحيض وأقله وأقل الطهر، وفي الاستظهار، والحجة في ذلك - في "المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس" فإن كانت بكرا مبتدأة فإنها تجلس أول ما ترى الدم في قول الشافعي خمسة عشر يوما، ثم تغتسل وتعيد صلاة أربعة عشر يوما. وقال مالك: لا تقضي الصلاة ويمسك عنها زوجها. علي بن زياد عنه: تجلس قدر لداتها، وهذا قول عطاء والثوري وغيرهما. ابن حنبل: تجلس يوما وليلة، ثم تغتسل وتصلي ولا يأتيها زوجها. أبو حنيفة وأبو يوسف: تدع الصلاة عشرا، ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما، ثم تترك الصلاة بعد العشرين عشرا، فيكون هذا حالها حيت ينقطع الدم عنها. أما التي لها أيام معلومة فإنها تستظهر على أيامها المعلومة بثلاثة أيام، عن مالك: ما لم تجاوز خمسة عشر يوما. الشافعي: تغتسل إذا انقضت أيامها بغير استظهار.
والثاني من الدماء: دم النفاس عند الولادة، وله أيضا عند العلماء حد معلوم اختلفوا فيه، فقيل: شهران، وهو قول مالك. وقيل: أربعون يوما، وهو قول الشافعي. وقيل غير ذلك. وطهرها عند انقطاعه. والغسل منه كالغسل من الجنابة. قال القاضي أبو محمد عبدالوهاب: ودم الحيض والنفاس يمنعان أحد عشر شيئا: وهي وجوب الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم دون وجوبه - وفائدة الفرق لزوم القضاء للصوم ونفيه في الصلاة - والجماع في الفرج وما دونه والعدة والطلاق، والطواف ومس المصحف ودخول المسجد والاعتكاف فيه، وفي قراءة القرآن روايتان.
والثالث من الدماء: دم ليس بعادة ولا طبع منهن ولا خلقة، وإنما هو عرق انقطع، سائله دم أحمر لا انقطاع له إلا عند البرء منه، فهذا حكمه أن تكون المرأة منه طاهرة لا يمنعها من صلاة ولا صوم بإجماع من العلماء واتفاق من الآثار المرفوعة إذا كان معلوما أنه دم عرق لا دم حيض. روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله، إني لا أطهر! أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي). وفي هذا الحديث مع صحته وقلة ألفاظه ما يفسر لك أحكام الحائض والمستحاضة، وهو أصح ما روي في هذا الباب، وهو يرد ما روي عن عقبة بن عامر ومكحول أن الحائض تغتسل وتتوضأ عند كل وقت صلاة، وتستقبل القبلة ذاكرة الله عز وجل جالسة. وفيه أن الحائض لا تصلي، وهو إجماع من كافة العلماء إلا طوائف من الخوارج يرون على الحائض الصلاة. وفيه ما يدل على أن المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل الذي تغتسل من حيضها، ولو لزمها غيره لأمرها به، وفيه رد لقول من رأى ذلك عليها لكل صلاة. ولقول من رأى عليها أن تجمع بين صلاتي النهار بغسل واحد، وصلاتي الليل بغسل واحد وتغتسل للصبح. ولقول من قال: تغتسل من طهر إلى طهر. ولقول سعيد بن المسيب من طهر إلى طهر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك. وفيه رد لقول من قال بالاستظهار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها إذا علمت أن حيضتها قد أدبرت وذهبت أن تغتسل وتصلي، ولم يأمرها أن تترك الصلاة ثلاثة أيام لانتظار حيض يجيء أو لا يجيء، والاحتياط إنما يكون في عمل الصلاة لا في تركها.
قوله تعالى: "قل هو أذى" أي هو شيء تتأذى به المرأة وغيرها أي برائحة دم الحيض. والأذى كناية عن القذر على الجملة. ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى: "لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" [البقرة: 264] أي بما تسمعه من المكروه. ومنه قوله تعالى: "ودع أذاهم" [الأحزاب: 48] أي دع أذى المنافقين لا تجازهم إلا أن تؤمر فيهم، وفي الحديث: (وأميطوا عنه الأذى) يعني بـ "الأذى" الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، يحلق عنه يوم أسبوعه، وهي العقيقة. وفي حديث الإيمان: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) أي تنحيته، يعني الشوك والحجر، وما أشبه ذلك مما يتأذى به المار. وقوله تعالى: "ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر" [النساء: 102] وسيأتي.
استدل من منع وطء المستحاضة بسيلان دم الاستحاضة، فقالوا: كل دم فهو أذى، يجب غسله من الثوب والبدن، فلا فرق في المباشرة بين دم الحيض والاستحاضة لأنه كله رجس. وأما الصلاة فرخصة وردت بها السنة كما يصلى بسلس البول، هذا قول إبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والحكم بن عيينة وعامر الشعبي وابن سيرين والزهري. واختلف فيه عن الحسن، وهو قول عائشة: لا يأتيها زوجها، وبه قال ابن علية والمغيرة بن عبدالرحمن، وكان من أعلى أصحاب مالك، وأبو مصعب، وبه كان يفتي. وقال جمهور العلماء: المستحاضة تصوم وتصلي وتطوف وتقرأ، ويأتيها زوجها. قال مالك: أمر أهل الفقه والعلم على هذا، وإن كان دمها كثيرا، رواه عنه ابن وهب. وكان أحمد يقول: أحب إلي ألا يطأها إلا أن يطول ذلك بها. وعن ابن عباس في المستحاضة: (لا بأس أن يصيبها زوجها وإن كان الدم يسيل على عقبيها). وقال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة). فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي! قال ابن عبدالبر: لما حكم الله عز وجل في دم المستحاضة بأنه لا يمنع الصلاة وتعبد فيه بعبادة غير عبادة الحائض وجب ألا يحكم له بشيء من حكم الحيض إلا فيما أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء.
قوله تعالى: "فاعتزلوا النساء في المحيض" أي في زمن الحيض، إن حملت المحيض على المصدر، أو في محل الحيض إن حملته على الاسم. ومقصود هذا النهي ترك المجامعة. وقد اختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها، فروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني (أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت). وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء. وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافه، وقد وقفت على ابن عباس خالته ميمونة وقالت له: أراغب أنت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقال مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وجماعة عظيمة من العلماء: له منها ما فوق الإزار، لقوله عليه السلام للسائل حين سأله: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال - : (لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها) وقوله عليه السلام لعائشة حين حاضت: (شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك). وقال الثوري ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي: يجتنب موضع الدم، لقوله عليه السلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). وقد تقدم. وهو قول داود، وهو الصحيح من قول الشافعي. وروى أبو معشر عن إبراهيم عن مسروق قال: سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقالت: كل شيء إلا الفرج. قال العلماء: مباشرة الحائض وهي متزرة على الاحتياط والقطع للذريعة، ولأنه لو أباح فخذيها كان ذلك من ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجماع فأمر بذلك احتياطا، والمحرم نفسه موضع الدم، فتتفق بذلك معاني الآثار، ولا تضاد، وبالله التوفيق.
واختلفوا في الذي يأتي امرأته وهي حائض ماذا عليه، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: يستغفر الله ولا شيء عليه، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد، وبه قال داود. وروي عن محمد بن الحسن: يتصدق بنصف دينار. وقال أحمد: ما أحسن حديث عبدالحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يتصدق بدينار أو نصف دينار). أخرجه أبو داود وقال: هكذا الرواية الصحيحة، قال: دينار أو نصف دينار، واستحبه الطبري. فإن لم يفعل فلا شيء عليه، وهو قول الشافعي ببغداد. وقالت فرقة من أهل الحديث: إن وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار. وقال الأوزاعي: من وطئ امرأته وهي حائض تصدق بخمسي دينار، والطرق لهذا كله في "سنن أبي داود والدارقطني" وغيرهما. وفي كتاب الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار). قال أبو عمر: حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس، وأن مثله لا تقوم به حجة، وأن الذمة على البراءة، ولا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه، وذلك معدوم في هذه المسألة.
قوله تعالى: "ولا تقربوهن حتى يطهرن" قال ابن العربي: سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول: إذا قيل لا تقرب (بفتح الراء) كان معناه: لا تلبس بالفعل، وإن كان بضم الراء كان معناه: لا تدن منه. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه "يطهرن" بسكون الطاء وضم الهاء. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل "يطهرن" بتشديد الطاء والهاء وفتحهما. وفي مصحف أبي وعبدالله "يتطهرن". وفي مصحف أنس بن مالك "ولا تقربوا النساء في محيضهن واعتزلوهن حتى يتطهرن". ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء، وقال: هي بمعنى يغتسلن، لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر. قال: وإنما الخلاف في الطهر ما هو، فقال قوم: هو الاغتسال بالماء. وقال قوم: هو وضوء كوضوء الصلاة. وقال قوم: هو غسل الفرج، وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة، ورجح أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء، إذ هو ثلاثي مضاد لطمث وهو ثلاثي.
قوله تعالى: "فإذا تطهرن" يعني بالماء، وإليه ذهب مالك وجمهور العلماء، وأن الطهر الذي يحل به جماع الحائض الذي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء كطهر الجنب، ولا يجزئ من ذلك تيمم ولا غيره، وبه قال مالك والشافعي والطبري ومحمد بن مسلمة وأهل المدينة وغيرهم. وقال يحيى بن بكير ومحمد بن كعب القرظي: إذا طهرت الحائض وتيممت - حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل. وقال مجاهد وعكرمة وطاوس: انقطاع الدم يحلها لزوجها. ولكن بأن تتوضأ. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وهذا تحكم لا وجه له، وقد حكموا للحائض بعد انقطاع دمها بحكم الحبس في العدة وقالوا لزوجها: عليها الرجعة ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فعلى قياس قولهم هذا لا يجب أن توطأ حتى تغتسل، مع موافقة أهل المدينة. ودليلنا أن الله سبحانه علق الحكم فيها على شرطين: أحدهما: انقطاع الدم، وهو قوله تعالى: "حتى يطهرن". والثاني: الاغتسال بالماء، وهو قوله تعالى: "فإذا تطهرن" أي يفعلن الغسل بالماء، وهذا مثل قوله تعالى: "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح" [النساء: 6] الآية، فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين: أحدهما: بلوغ المكلف النكاح. والثاني: إيناس الرشد، وكذلك قوله تعالى في المطلقة: "فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة: 230] ثم جاءت السنة باشتراط العسيلة، فوقف التحليل على الأمرين جميعا، وهو انعقاد النكاح ووجود الوطء. احتج أبو حنيفة فقال: إن معنى الآية، الغاية في الشرط هو المذكور في الغاية قبلها، فيكون قوله: "حتى يطهرن" مخففا هو بمعنى قوله: "يطهرن" مشددا بعينه، ولكنه جمع بين اللغتين في الآية، كما قال تعالى: "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" [التوبة: 108]. قال الكميت:
وما كانت الأنصار فيها أذلة ولا غيبا فيها إذا الناس غيب
وأيضا فإن القراءتين كالآيتين فيجب أن يعمل بهما. ونحن نحمل كل واحدة منهما على معنى، فنحمل المخففة على ما إذا انقطع دمها للأقل، فإنا لا نجوز وطأها حتى تغتسل، لأنه لا يؤمن عوده: ونحمل القراءة الأخرى على ما إذا انقطع دمها للأكثر فيجوز وطؤها وإن لم تغتسل. قال ابن العربي: وهذا أقوى ما لهم، فالجواب عن الأول: أن ذلك ليس من كلام الفصحاء، ولا ألسن البلغاء، فإن ذلك يقتضي التكرار في التعداد، وإذا أمكن حمل اللفظ على فائدة مجردة لم يحمل على التكرار في كلام الناس، فكيف في كلام العليم الحكيم! وعن الثاني: أن كل واحدة منهما محمولة على معنى دون معنى الأخرى، فيلزمهم إذا انقطع الدم ألا يحكم لها بحكم الحيض قبل أن تغتسل في الرجعة، وهم لا يقولون ذلك كما بيناه، فهي إذا حائض، والحائض لا يجوز وطؤها اتفاقا. وأيضا فإن ما قالوه يقتضي إباحة الوطء عند انقطاع الدم للأكثر وما قلناه يقتضي الحظر، وإذا تعارض ما يقتضي الحظر وما يقتضي الإباحة ويغلب باعثاهما غلب باعث الحظر، كما قال علي وعثمان في الجمع بين الأختين بملك اليمين، أحلتهما آية وحرمتهما أخرى، والتحريم أولى. والله أعلم.
واختلف علماؤنا في الكتابية هل تجبر على الاغتسال أم لا، فقال مالك في رواية ابن القاسم: نعم، ليحل للزوج وطؤها، قال الله تعالى: "ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن" يقول بالماء، ولم يخص مسلمة من غيرها. وروى أشهب عن مالك أنها لا تجبر على الاغتسال من المحيض، لأنها غير معتقدة لذلك، لقوله تعالى: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله. في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر" [البقرة: 228] وهو الحيض والحمل، وإنما خاطب الله عز وجل بذلك المؤمنات، وقال: "لا إكراه في الدين" [البقرة: 256] وبهذا كان يقول محمود بن عبدالحكم.
وصفة غسل الحائض صفة غسلها من الجنابة، وليس عليها نقض شعرها في ذلك، لما رواه مسلم عن أم سلمة قالت قلت: يا رسول الله، إني أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: (لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) وفي رواية: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ فقال: (لا) زاد أبو داود: (واغمزي قرونك عند كل حفنة).
قوله تعالى: "فأتوهن من حيث أمركم الله" أي فجامعوهن. وهو أمر إباحة، وكنى بالإتيان عن الوطء، وهذا الأمر يقوي ما قلناه من أن المراد بالتطهر الغسل بالماء، لأن صيغة الأمر من الله تعالى لا تقع إلا على الوجه الأكمل. والله أعلم. و"من" بمعنى في، أي في حيث أمركم الله تعالى وهو القبل، ونظيره قوله تعالى: "أروني ماذا خلقوا من الأرض" [فاطر: 40] أي في الأرض،: وقوله: "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة" [الجمعة: 9] أي في يوم الجمعة. وقيل: المعنى، أي من الوجه الذي أذن لكم فيه، أي من غير صوم وإحرام واعتكاف، قاله الأصم. وقال ابن عباس وأبو رزين: (من قبل الطهر لا من قبل الحيض)، وقاله الضحاك. وقال محمد بن الحنفية: المعنى من قبل الحلال لا من قبل الزنى.
قوله تعالى: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" اختلف فيه، فقيل: التوابون من الذنوب والشرك. والمتطهرون أي بالماء من الجنابة والأحداث، قاله عطاء وغيره. وقال مجاهد: من الذنوب، وعنه أيضا: من إتيان النساء في أدبارهن. ابن عطية: كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط: "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" [الأعراف: 82]. وقيل: المتطهرون الذين لم يذنبوا. فإن قيل: كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب، قيل: قدمه لئلا يقنط التائب من الرحمة ولا يعجب المتطهر بنفسه، كما ذكر في آية أخرى: "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات" [الملائكة: 32] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الآية: 223 {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين}
قوله تعالى: "نساؤكم حرث لكم" روى الأئمة واللفظ للمسلم عن جابر بن عبدالله قال: (كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول)، فنزلت الآية "نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" زاد في رواية عن الزهري: إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد. ويروى: في سمام واحد بالسين، قاله الترمذي. وروى البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما، فقرأ سورة "البقرة" حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت: لا، قال: نزلت في كذا وكذا، ثم مضى. وعن عبدالصمد قال: حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر: "فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال: يأتيها في. قال الحميدي: يعني الفرج. وروى أبو داود عن ابن عباس قال: (إن ابن عمر والله يغفر له وهِم، إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب: وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شري أمرهما)؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: "فأتوا حرثكم أنى شئتم"، أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد. وروى الترمذي عن ابن عباس قال: (جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: (وما أهلكك؟) قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قال: فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة) قال: هذا حديث حسن صحيح. وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر: قد أكثر عليك القول. إنك تقول عن ابن عمر: (أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن). قال نافع: لقد كذبوا علي! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ: "نسائكم حرث لكم"، قال نافع: هل تدري ما أمر هذه الآية؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله سبحانه: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".
هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم. و"حرث" تشبيه، لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع. وأنشد ثعلب:
إنما الأرحام أر ضون لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات
ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات، فالحرث بمعنى المحترث. ووحد الحرث لأنه مصدر، كما يقال: رجل صوم، وقوم صوم.
قوله تعالى: "أنى شئتم" معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة، كما ذكرنا آنفا. و"أنى" تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات، فهو أعم في اللغة من "كيف" ومن "أين" ومن "متى"، هذا هو الاستعمال العربي في "أنى". وقد فسر الناس "أنى" في هذه الآية بهذه الألفاظ. وفسرها سيبوبه بـ "كيف" ومن "أين" باجتماعهما. وذهبت فرقة ممن فسرها بـ "أين" إلى أن الوطء في الدبر مباح، وممن نسب إليه هذا القول: سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبدالملك بن الماجشون، وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى "كتاب السر". وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالك أجل من أن يكون له "كتاب سر". ووقع هذا القول في العتبية. وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب "جماع النسوان وأحكام القرآن". وقال الكيا الطبري: وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا، ويتأول فيه قول الله عز وجل: "أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم" [الشعراء: 166]. وقال: فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم، ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك، وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له، حتى يقال: تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح. قال الكيا: وهذا فيه نظر، إذ معناه: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتك، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى. وفي قوله تعالى: "فإذا تطهرن فأتوا من حيث أمركم الله" مع قوله: "فأتوا حرثكم" ما يدل على أن في المأتى اختصاصا، وأنه مقصور على موضع الولد.
قلت: هذا هو الحق في المسألة. وقد ذكر أبو عمر بن عبدالبر أن العلماء لم اختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به، إلا شيئا جاء عن عمر بن عبدالعزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك، لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج. وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد. والصحيح في هذه المسألة ما بيناه. وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون من ذلك، لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث، لقوله تعالى: "فأتوا حرثكم"، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح، وهذا هو الحق. وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض، فكان أشنع. وأما صمام البول فغير صمام الرحم. وقال ابن العربي في قبسه: قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه: الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين، وأخرج يده عاقدا بها. وقال: مسلك البول ما تحت الثلاثين، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة. فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا علي، كذبوا علي، كذبوا علي! ثم قال: ألستم قوما عربا؟ ألم يقل الله تعالى: "نساؤكم حرث لكم" وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل: "أنى شئتم" شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها، إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه "تحريم المحل المكروه". ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه (إظهار إدبار، من أجاز الوطء في الأدبار).
قلت: وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه. وقد حذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه. وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي، وقد تقدم. وأنكر ذلك مالك واستعظمه، وكذب من نسب ذلك إليه. وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري حين أحمض بهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكرت له الدبر، فقال: هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! وأسند عن خزيمة بن ثابت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن). ومثله عن علي بن طلق. وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة) وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تلك اللوطية الصغرى) يعني إتيان المرأة في دبرها. وروي عن طاوس أنه قال: كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن. قال ابن المنذر: وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه.
قوله تعالى: "وقدموا لأنفسكم" أي قدموا ما ينفعكم غدا، فحذف المفعول، وقد صرح به في قوله تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" [البقرة: 11]. فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح. وقيل ابتغاء الولد والنسل، لأن الولد خير الدنيا والآخرة، فقد يكون شفيعا وجنة. وقيل: هو التزوج بالعفائف، ليكون الولد صالحا طاهرا. وقيل: هو تقدم الإفراط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم) الحديث. وسيأتي في "مريم" إن شاء الله تعالى. وقال ابن عباس وعطاء: أي قدموا ذكر الله عند الجماع، كما قال عليه السلام: (لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا). أخرجه مسلم.
قوله تعالى: "واتقوا الله" تحذير "واعلموا أنكم ملاقوه" خبر يقتضي المبالغة في التحذير، أي فهو مجازيكم على البر والإثم. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: (إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا) - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واتقوا الله وأعلموا أنكم ملاقوه". أخرجه مسلم بمعناه. "وبشر المؤمنين" تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى.

jtsdv s,vm hgfrvm w 34(hgrv'fd) 34hgrv'fd hgfrvm jtsdv w,vm Yuvhf





رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
34القرطبي , البقرة , تفسير , صورة , إعراب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير سورة البقرة ص 10(القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 01-04-2011 04:09 PM
تفسير سورة البقرة ص 9(القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 01-04-2011 03:52 PM
تفسير سورة البقرة ص7(القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 01-02-2011 07:57 PM
تفسير سورة الفاتحة (القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 12-31-2010 08:29 PM
تفسير سورة البقرة ص1(القرطبي) الامير المجهول علوم القرآن الكريم 0 12-31-2010 07:57 PM


الساعة الآن 01:07 PM.