السؤال: ما حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هناك من يقول بدعة ، وهناك من يقول بدعة لكنها حسنة ، ما الحكم في رأيك ؟*
الجواب:
الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر لم يعهد عند السلف ، ولم يعهد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه ، ولم يعهد في عهد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، ولم يعهد في عهد التابعين ، وإنما حدث بعد مضي ثلاثة قرون ، وأول ما حدث عند الفاطميين ، والناس يقدحون في معتقدات الفاطميين ويرون أنهم يريدون أن يطووا حقيقة معتقداتهم ، وأن يظهروا خلاف ما يضمرون فلذلك أظهروا الاحتفال بمولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - سترا على معتقداتهم ؛ لأن معنقداتهم غير إيمانية .وقول الذين حجروا على الناس أن يحتفلوا بهذه المناسبة الكريمة ، منهم من قال بأن هذه وإن كانت بدعة إلا أنها بدعة حسنة ، فالبدعة الحسنة ما كان لها أصل في شرع الله ، والبدعة السيئة ما لم يكن لها أصل في شرع الله وإنما كانت مخالفة لشرع الله . والله سبحانه وتعالى شرع لعباده ما يأتون وما يذرون ، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام بين كثيرا مما سكت عنه القرآن الكريم ، وبين مجملات القرآن الكريم ، ولكن مع ذلك قد تكون بياناته - صلى الله عليه وسلم - مجملات ، وعندما يكون عمل الإنسان يوافق شيئا من هذه المجملات التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عمل بمقتضاها فإن هذه البدعة تكون بدعة حسنة عندئذ .ونحن عندما ننظر إلى الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم -*نجد أنه يجسد حبّ الإنسان المسلم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان هذا الحب يجب أن لا ينحصر في هذا الجانب وحده فإن محبته - صلى الله عليه وسلم - ليست محبة عاطفية فحسب حتى تكون كمحبة غيره لا تكاد تثور حتى تغور ، وإنما محبته محبة عقيدة وهي يجب أن تكون متجسدة في الاقتداء به عليه أفضل الصلاة والسلام ، وترسّم خطواته ، ومن شأن الإنسان أن يحب الاقتداء بالعظماء وأي عظيم أعظم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن شأن الإنسان أن يسارع في هوى من يحبه وأي أحد أولى بحب من حب النبي - صلى الله عليه - فلذلك كان حريًّا هذا الذي يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحرص على تجسيد هذا الحب في إحياء سنته ، وفي اتباع أوامره ، وفي الازدجار عن نواهيه ، على أن اتباعه - صلى الله عليه وسلم - ليس تجسيدا لحبه وحده وإنما هو تجسيد لحب الله تعالى أيضًا*. فإن الله تعالى يقول : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) ولكن مع هذا الإنسان ليس خاليا من العاطفة ، ولما كان ليس خاليا من العاطفة فقد يريد أن يظهر هذا الحب في مظهر ، إلا أن*هذا ينبغي أن يؤطر في الإطار الشرعي وذلك بأن تكون هذه المناسبة يحتفي بها المسلم احتفاء بعيدا عن البدع ، فلا يكون في ذلك اختلاط بين النساء والرجال ، ولا يكون في ذلك أيضا شيئ من مظاهر الإسراف والبذخ ذلك لأن الإسلام يحرم هذه الأمور .مع هذا أيضا*لا بد من أن يكون هذا الاحتفاء بناء بحيث يُترجم إلى عمل واقعي ، أي عمل دعوي يحرص المسلمون على استغلال هذه المناسبة بحيث يستثيرون في إخوانهم المسملين هذه العاطفة لأجل اتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإحياء ما اندرس منها ، وإبلاغ دعوته إلى الناس ، وهذا لا يتم إلا عندما تكون هذه الاحتفالات متجددة ومعنى كونها متجددة ألا يقتصر الإنسان على تلاوة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة قد تكون كتبت قبل مئات السنين أكل عليها الدهر وشرب حتى أصبحت تملّ من كثرة ما تردد على الأسماع ، على أنه لا يمكن أن يردد حديث على ألأسماع باستمرار إلا ويملّ ما عدا قول الله تعالى*، ومع هذا علينا أن نفرق بين كلام الله وكلام غيره ، فكلام الله تلاوتنا له تلاوة تعبدية فإن الأعجمي الذي لا يعرف من العربية شيئا يتلو من القرآن الكريم فيكتب الله تعالى له أجرا على تلاوته للقرآن ، بخلاف ما يتلى من كلام الناس فإن الذي يتلى من كلام الناس إنما يتلى لأجل الاستفادة من فائدته ، حتى كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتلى من أجل التعبد . نحن نقرأ حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا من أجل أننا نتقرب إلى الله بقراءته كما نتقرب إلى الله بقراءة القرآن الكريم ، وإنما نتلوه ونتقرب إلى الله بتلاوته من أجل تفهمنا معناه ، ومن أجل محاولتنا لتطبيق مضمونه .ولئن كان هذا في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف بكلام غيره من الناس ؟! ولئن كان الأمر كذلك فإن من المفروض أن تربط هذ المناسبة بالواقع وذلك بأن يكشف للناس كيف كان عظم هذا الحدث التاريخي ؟ وماذا ترتب عليه من خير عظيم للإنسانية ؟ وماذا يجب على الأمة المسلمة أن تصنع الآن وهي بعدت كثيرا عن هذا المصدر؟بحيث أصبحت الآن تقلد الآخرين بدلا من أن تتبع خطوات النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وأصبحت تعتز بحذوها حذو غيره من الناس ولربما كان أولئك كفرة أكثر مما تعتز بارتباطها بالتأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع معالجة قضايا العصر على ضوء هذه المناسبة ،*في هذه الحالة تكون هذه المناسبة مناسبة بناءة ويكون الاحتفاء بذكراها سببا لإزالة كثير من غبش التصور عن كثير من الناس ويكون ذلك سببا لاتباط كثير من الناس بعقيدتهم وارتباطهم بأخلاقهم ، وارتباطهم بأوامر ربهم ، وارتباطهم بسنة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام*.
سؤال أجاب عليه سماحة الشيخ حفظه الله يوم الأحد بتاريخ 6/4/1423هـ في برنامج سؤال أهل الذكر.