صورة الإباضية في العصر الرقمي - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



المكتبة الإسلامية الشاملة [كتب] [فلاشات] [الدفاع عن الحق] [مقالات] [منشورات]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
265  صورة الإباضية في العصر الرقمي
كُتبَ بتاريخ: [ 01-19-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


صورة الاباضية في العصر الرقمي
بقلم الدكتور محمد بن موسى بابا عمي
الإشكالية:
كثيرا ما يقع الخلط بين الشكل والمحتوى، وبين الوسيلة والغاية؛ وفي أحيان عديدة يحلُّ أحدهما محلَّ الآخر، ويكون وراء ذلك أغراض دينية أو سياسية، مردُّها التعصُّب المقيت، والأنانية القاتلة.
ومع الثورة الرقمية في التسعينيات من القرن الماضي، ظهرت برامج كمبيوتر على شكل أقراص مدمجة، فكان منها الجيِّد المفيد، الذي قرَّب التراث الإسلاميَّ للباحث والدارس، وسهَّل مهمَّة التنقيب في المئات من المجلَّدات العزيزة المنال.. وكان منها المغرض المنتمي، الذي عمل على تكريس مذهب معيَّن([1])، واتجاه معروف بيِّن، على حساب روح التسامح والوحدة بين المسلمين.
وفي مقالنا هذا، سنعرض نصوصا نستخرجها من بعض هذه البرامج، حول الإباضية، والإباضيين: عقيدة، وفقها، وتاريخا.. ليعلم القارئ مدى خطورة عدم الاجتهاد في هذا المجال، ومدى الخطر الذي يتهدَّد المدرسة الإباضية في المستقبل القريب - وكلَّ مدرسة إسلامية ليس لها وجود رقميٌّ - إذا لم يعمل أتباعها على إنشاء مشروع كبير في التكنولوجيا الرقمية، يعرِّفون من خلاله تراثهم من مصادرهم، لا من مصادر غيرهم.. ويصحِّحون الصورة المشوَّهة عنهم عبر مراحل التاريخ الإسلاميِّ..
التحليل
من خلال النصوص([2]) المستخرجة من مختلف البرامج، نتوصَّل إلى بناء صورة الإباضية التي ستتشكَّل لا محالة في ذهن الباحث المستقبليِّ، الذي نسمِّيه بالباحث الرقميِّ، لاستخدامه التكنولوجيا الرقمية، برامج الكمبيوتر وشبكة الأنترنات، كمصدره الأوَّل، وللكتب الورقية في الدرجة الثانية.
ولا ينكر عالم مكانة هذه البرامج، ولا يستطيع أحد إيقاف مسارها، أو ادِّعاء عدم جدواها، يقول الدكتور الحبيب بالخوجة: «إنَّ لقاعدة المعلومات بالنسبة لنا، معشر أساتذة الجامعات، وطلبة الجامعات، أهمية كبيرة وخطيرة، من حيث المنافسة في مستوى البحث العلميِّ، بيننا وبين الغربيين، في أقسام الدراسات الشرقية. فليس من المعقول أن أبدأ العمل اليدويَّ، والمستشرق يأخذ مائة صفحة معلومات في ظرف خمس دقائق، بينما أقوم بجمعها في ظرف سنة، هذه ليست معادلة صحيحة»([3]).
وليس من المعقول - كذلك - أن يُطلب من الدارسين في مختلف مناطق العالَم أن يعتمدوا المذهب الإباضيَّ، وأن يُنصفوه، في الحين أنـَّه لم توفَّر لهم مصادره في برامج متطوِّرة؛ ومن جهة أخرى تُنشر برامج من مختلف الجهات، أقلُّ ما يقال عنها إنَّها تحمل ثقل النصوص القديمة، وترزأ تحت وطأة الأحكام القبْليَّة والمقولَبات، التي تبيَّن لنا من خلال جمعها أنـَّها – في حقِّ الإباضية - سلبية في الغالب الأعمِّ، بل نكاد لا نقرأ نصًّا واحدا يصنِّفهم ضمن المسلمين غير المبتدعين.
وجملة ما نستنتج من النصوص الآنفة، ما يلي:
أولا – أخطاء في المنهج:

هل الحكم على فرد ما بالبدعة أو الضلالة، أو بالمروق من الدين، يحتاج إلى شهادة، وتثبُّت؟
يجمع الفقهاء على أنَّ الغيبة هي «ذكر شخص بما يكره من العيوب، وهو حقٌّ»، وأنها حرام شرعا، وظلم يستدعي التوبة والتنصُّل، فهي متعلِّقة بحقوق العباد. وأقبح منها البهتانُ، الذي هو «ذكرك أخاك بما ليس فيه، سواء أكان ذلك في غيبته أم في وجوده». ويصنِّفهما العلماء ضمن الكبائر.
هذا في حقِّ الأفراد، أمَّا عن الفرق والجماعات والمذاهب، فيكاد يغيب هذا الاعتبار، وكأنَّ الحقوق بين الفرق الإسلامية مهدورة([4])، بفعل التعصُّب وعدم التثبت والشنئان، والله تعالى يقول: ]ولا يجرمنَّكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى[.
فما نلاحظه من أخطاء منهجية من خلال النصوص التي أوردناها، لا تعدم جانبا أخلاقيا ودينيا، ولا تُستثنى من المسؤولية عند الله تعالى يوم القيامة؛ فما أسهل أن يلقي فقيهٌ أو عالِم حكمًا على مذهب مخالف، أو جماعة معادية، دون تريُّث ولا تثبُّت، وأصعب منه أن يُسأل عن صدق ذلك الحكم أمام خالقه، على رؤوس الأشهاد.
ولهذه الأحكام - للأسف - من يطبِّقها وينـزلها على أرض الواقع، سواء في عصرنا هذا أم في عصور مضت، فكم عانى الإباضية – وغيرهم - من فتن لا تبقي ولا تذر، وكم قُتل منهم أبرياء عزَّل، بدعوى أنـَّهم من المبتدعة، وأنَّ الإمام أو الشيخ الفلانيَّ أفتى بضرب أعناقهم. ولا نزال نطالع هذه الأحكام - بل وأشدَّ منها - في مواقع الأنترنات، من جماعات وهيئات مسؤولة وغير مسؤولة، ومن علماء معروفين وآخرين غير معروفين([5]).
من نماذج هذه الأخطاء المنهجية، ما يلي:
1- في جميع النصوص التي أوردناها، وعلى كثرتها، لم يُعتمد ولو مصدر إباضيٌّ واحد، من أيِّ فنٍّ من الفنون، ومن أيِّ عصر من العصور.. ونحن في هذا لا نلقي اللوم على أصحاب هذه النصوص فقط، فلأتباع المذهب لا محالة قسط من المسؤولية في عدم توفير مصادرهم ومراجهم، وفي أحيان كثيرة كانت الظروف السياسية، هي المتسبِّبة في كلِّ ذلك([6]).

2- تتناقل الكتب أحكاما وعبارات بألفاظها، من أوَّل قرن هجريٍّ إلى القرون المتأخِّرة، فلم يبدل أصحابها كبير جهد في التحقيق، أو الإضافة، أو التعديل.. إيجابا أو سلبا. مما جعل الحكم على إباضيٍّ من القرن الأول هو نفس الحكم عليه في القرن الخامس عشر. وهذا يدلُّ على أنَّ التقليد هو المسيطر على الكتَّاب لا الاجتهاد، وأنَّ سلطة النصِّ التراثيِّ لا تزال هي المهيمنة على عقول المؤلِّفين من الفقهاء والمؤرِّخين. فيبدأ الحكم على المذهب - حسبما تتبعناه تاريخيا - كرأيٍ لعالِم أو إمام، ثم يتحوَّل إلى حكم شامل على جميع أفراد ذلك المذهب أو تلك الجماعة، من لدن نشأتها إلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها، في جميع الأمصار والأعصار.

3- لم يكلِّف أصحاب تلك النصوص أنفسهم مشقَّة البحث عن الأدلَّة في تكفير وتبديع الإباضية، إلاَّ ما ندُر، فلو حشروا من الأدلَّة نصف ما يحشرون في إحدى الجزئيات الفقهية، كالمسح على الخفين أو الإسبال، أو القبض في الصلاة مثلا، إذن لتيقَّن هؤلاء أنَّ الحقيقة تخالف كثيرا مما يقولون، وأنـَّهم أخطأوا التقدير، وظلموا أمما وجماعات بكاملها.

إذا أمكن عذر المتقدِّمين، فإنَّ المتأخِّرين، من أبناء عصر تكنولوجيا المعلومات، لا يمكن البتَّة أن يُعذروا في إقصائهم لمذاهب أو جماعات أو علماء معيَّنين؛ لأنَّ ذلك سوف لن يزيد إلاَّ حدَّة بين أبناء الأمَّة الإسلامية. ولو صدق العزم لاستغلَّ أبناء هذا العصر الفرصة لجمع كلمة المسلمين، ولتَرَكوا الناس يقرأون ويحكمون، بلا تعصُّب ولا إقصاء. فمن مواصفات البحث العلميِّ القويم: «البعد عن التحيُّز أو التعصُّب الأعمى، ومحاولة الوصول إلى أكبر قدر ممكن من مصادر الموضوع المعالَج، وتقويم تلك المصادر حسب قيمتها
([7]). وبدون هذه السمات تتحوَّل الكتابة إلى مجرَّد ادَّعاء وافتراء، وتهوين أو تهويل.
يقول الدكتور عبد المجيد النجار في كتابه "دور حرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين": تُضعِف الأمَّةَ الإسلامية وتُشقِيها «فُرقةٌ مذهبية في العقيدة والفقه، استصحبت من الماضي خصومات ربـَّما كانت لها مبرِّرات واقعية؛ ولكن الزمن عفَّى على تلك المبرِّرات، فلم تبق الخصومات ذات موضوع، بل ربـَّما استصحبت من الماضي أوزارا اقترفها بعض الأسبقين بسوء نية أو بسوء تقدير، فظلَّت تلاحق الأجيال، وتفعل اليوم فعلها في الفُرقة. ولك أن تتبيَّن ذلك في الفرقة المذهبية بين سنَّة وشيعة، وبين سنَّة وإباضية، وبين سلفية وأشعرية...»([8]).



ثانيا- أخطاء في الموضوع.

من الأخطاء التي نسجِّلها على النصوص المستخرجة، ما يلي:
1- ينسبون إلى الإباضية من ليس منهم: «وقال علي بن المديني حكي عن يعقوب الحضرمي عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال ما فيه إلاَّ كافر قال وكان يرى رأي الإباضية»، «عكرمة أبو عبد الله المفسِّر، عن مولاه وعائشة وأبي هريرة، وعنه أيوب والحذاء وعبد الرحمن بن الغسيل وخلق: ثبت لكنـَّه إباضيٌّ، يرى السيف»([9])، «وقال الآجري عن أبي داود: ثقة إلاَّ أنـَّه إباضي»([10])، «الوليد بن كثير بن حيي المدني: رمي برأي الإباضية من الخوارج»([11])، «نهر يزيد بالبصرة، منسوب إلى يزيد بن عبد الله الحميريِّ الإباضيِّ»([12])، «ومن مصنفيهم (أي الإباضية): أبو عبيدة. وأبو العينا وغيرهما»([13]) فالأول قد يعني به أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة أو أبا عبيدة عمرو بن المثنَّى وهو ليس إباضيًّا، أمَّا الثاني فلا نجد له ذكرا في علماء الإباضية وأعلامهم.
2- أحيانا يخلط الكتَّاب بين الإباضية والصفرية: ولا يفرِّقون ولو مجرَّد التفريق بينهما، ومع ذلك يعمُدون إلى الحكم عليهما بأحكام تخرجهم من الدين والملَّة، ومن هذه الأخطاء: «وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الإباضية يُعرفون بالصفرية»([14]).
3- يخلطون بين شخصيتين: وهما عبد الله بن إباض وعبد الله بن يحي طالب الحق، وهذا كذلك من أقوى الأدلَّة على عدم المعرفة بالإباضية معرفة تمكِّن من بلوغ درجة الحكم عليهم. فنقرأ مثلا: «وخوارج المغرب إباضية، منسوبون إلى عبد الله بن يحيى بن إباض، الذي خرج في أيام مروان الحمار، وانتشر أتباعه بالمغرب»([15])، «(مسألة) و(الخوارج) يسمُّون الشراة, والحرورية, والمحكِّمة, ويرضون بذلك، والمارقة; للخبر، ولا يرضونه. ويجمعهم إكفار علي عليه السلام، وكلِّ من أتى كبيرة، وأصول فرقهم خمس: الأزارقة منسوبة إلى أبي راشد نافع بن الأزرق، والإباضية إلى عبد الله بن يحيى بن إباض»([16]).

يخطئون في الأسماء: وفي ذلك نقرأ: «وكتب إلى عبيدة بن مسلم بن أبي كريمة، الذي يقال له كودين مولى بني تميم»([17]) والصواب: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، وأما كودين فلا يعرف عنه هذا اللقب. «سنة اثنتين وأربعين ومائة: فيها وجَّه أبو عون، وهو والي مصر، العوَّام بن عبد العزيز البجلي، في ألف فارس، فوجَّه إليه أبو الخطاب الإباضي، واسمه عبد الملك بن السمح، مولى معافر»([18]) والصواب عبد الأعلى بن السمح المعافري([19]) وليس عبد الملك. ولا نجد من يكنيه بعبد الملك في العشرات من الكتب التي اطَّلعنا عليها.
ثانيا-ورة الإباضية والمذهب الإباضي من خلال البرامج.

بدون معرفةٍ حقيقية بالمذهب الإباضي عقيدة وتاريخا وفكرا، وبمجرَّد الاطِّلاع على هذه البرامج، ستتشكَّل صورة قاتمة عن الإباضية في ذهن الباحث الرقميِّ، ومن جوانبها ما يلي:
1- المذهب الإباضي مذهب خارجيٌّ: فكلُّ النصوص التي اطَّلعنا عليها تحرص على إلصاق هذه التهمية بهم، لأنـَّها كافية لوحدها - لما تخلِّفه من آثار سلبية - بحشرهم ضمن زمرة الضلاَّل والمبتدعة، فنقرأ مثلا: «سروس... وأهلها خوارج إباضية»([20])، «عُمان... وأكثر أهلها في أيامنا خوارج إباضية»([21])، «قلهات... وأهلها كلُّهم خوارج إباضية»([22])، «نزوة... فيها قوم من العرب... وهم خوارج إباضية»([23])، «الخوارج عشرون فرقة، ... وأقربهم إلى قول أهل الحقِّ الإباضية. منهم بقية بالمغرب»([24])، «قلت: الإباضية فرقة من الخوارج، ليست مقالتهم شديدة الفحش...» ([25])، «وقيل الإباضية: فرقة من الخوارج، أصحاب عبد الله بن إباض التميمي»([26])، «وخوارج المغرب إباضية»([27])، «وارقلان ... وهم وهبية إباضية نكَّار خوارج في دين الإسلام»([28])، ولاحظ هذا الحشر المتوالي للألقاب، بدون أيِّ تحقيق: وهبية، إباضية، نكَّار، خوارج! ثم انظر ما كتبه الدكتور بحاز إبراهيم عن الرحَّالة والجغرافيين، وابن ادريس أحدهم.
2- «وكانت هذه الفتنة هي زبدة الفتن التي مخضتها الخوارج بالمغرب من لدن ميسرة الخفير إلى الآن»([29])، «ومن أسماء الخوارج: الحرورية، وهم أصحاب حروراء ... والإباضية وهم أصحاب عبد الله بن إباض...» ([30])، «وكنت قد نازعت طبقات الخوارج من الإباضية وغيرهم»([31])... الخ.
3- الاباضية ينتحلون جابر بن زيد، وهو منهم براء: «وقال داود بن أبي هند عن عزرة دخلت على جابر بن زيد فقلت: إنَّ هؤلاء القوم ينتحلونك، يعني الإباضية. قال: أبرأ إلى الله من ذلك.»([32])، «قال أخبرنا سعيد بن عامر وعفان بن مسلم قالا حدثنا همام عن قتادة عن عزرة قال: قلت لجابر بن زيد إنَّ الإباضية يزعمون أنـَّك منهم؟ قال: أبرأ إلى الله منهم. قال سعيد في حديثه: قلت له ذلك وهو يموت. قال أخبرنا عارم بن الفضل قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: كان بريئا مما يقولون، يعني جابر بن زيد. قال عارم وكانت الإباضية ينتحلونه. قال أخبرنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا داود بن أبي القصاف عن عزرة الكوفي قال: دخلت على جابر بن زيد فقلت: إنَّ هؤلاء ينتحلونك. فقال: أبرأ إلى الله من ذلك. قال أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد قال حدثنا همام بن يحيى عن ثابت البناني قال: دخلت على جابر بن زيد وقد ثقل، قال فقلت له: ما تشتهي؟ قال نظرة من الحسن. قال: فأتيت الحسن وهو أبي خليفة فذكرت ذلك له فقال: اخرج بنا إليه. قال قلت: إني أخاف عليك. قال: إنَّ الله سيصرف عني أبصارهم. قال: فانطلقنا حتى دخلنا عليه، قال فقال له الحسن: يا أبا الشعثاء، قل لا إله إلا الله؟ قال فقال: يوم يأتي بعض آيات ربك، قال فتلا هذه الآية. قال فقال له الحسن: إنَّ الإباضية تتولاك، قال فقال: أبرا إلى الله منهم، قال: فما تقول في أهل النهر؟ قال فقال: أبرأ إلى الله منهم.»([33])، «وقال حماد بن زيد حدثنا حجاج بن أبي عيينة قال: سمعت هندا بنت المهلب بن أبي صغرة، وكانت من أحسن النساء، وذكروا عندها جابر بن زيد، فقالوا: إنـَّه كان إباضيا، فقالت كان جابر بن زيد أشدَّ الناس انقطاعا إليَّ وإلى أمِّي، فما أعلم عنه شيئا، وكان لا يعلم شيئا يقرِّبني إلى الله عز وجل إلاَّ أمرني به، ولا شيئا يباعدني عن الله إلاَّ نهاني عنه، وما دعاني إلى الإباضية قطُّ، ولا أمرني بها، وكان ليأمرني أين أضع الخمار، ووضَعَت يدها على الجبهة أسند عن جماعة من الصحابة ومعظم روايته عن ابن عمر وابن عباس»([34]).
ولم نقرأ إلاَّ نصًّا واحدا أورده ابن حجر في الفتح، وذكر فيه نسبة جابر إلى الإباضية، فقال: «وفي الضعفاء للساجي عن يحيى بن معين: كان جابر إباضيا، وعكرمة صفريا»([35]).
4- مقالاتهم مقالات فحش، هي إلى الكفر أقرب منها إلى الإسلام: يقول ابن بدران - وهو من المتأخِّرين، ومعرفته بالإباضية منعدمة - ما نصُّه: «ولا يؤمنون (الخوارج) بعذاب القبر، ولا الحوض، ولا الشفاعة، ولا خروج أحد من النار، ويقولون من كذب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات بلا توبة فهو في النار خالدا مخلدا أبدا، وهم يقولون بقول البكرية في الحبة والقيراط، وهم قدرية جهمية مرجئة رافضة.. الجماعة إلاَّ خلف إمامهم الصوم قبل رؤية الهلال والفطر قبل رؤيته، النكاح بغير ولي ولا سلطان، ويرون المتعة دينهم، ويرون الدرهم بدرهمين يدا بيد، الصلاة في الأخفاف ولا المسح عليها، للسلطان عليهم طاعة ولا لقرشي عليهم خلافة، وأشياء كثيرة يخالفون عليها الإسلام وأهله، وكفى بقوم ضلالة يكون هذا رأيهم ومذهبهم ودينهم، وليسوا من الإسلام في شيء. ومن أسماء الخوارج: الحرورية... والإباضية وهم أصحاب عبد الله بن إباض...» ([36]).
وهذا الذهبي وهو من المحدِّثين، ينسب للإباضية ما ليس من مقالاتهم، بل ويعتقدون كفر من قال بها، فيقول: «وخوارج المغرب إباضية، منسوبون إلى عبد الله بن يحيى بن إباض، الذي خرج في أيام مروان الحمار، وانتشر أتباعه بالمغرب. يقول: أفعالنا مخلوقة لنا، ويكفِّر بالكبائر، ويقول: ليس في القرآن خصوص. ومن خالفه حلَّ دمه»([37])
5- هم أشدُّ على الدين من اليهود والنصارى: أفتى أبو الحسن اللخمي في الإباضية بالسجن حتى تتفرَّق جماعتهم خيفة أن يلحق بهم، ثم قال: «وأرى أن يشتهِر فساد ما يعتقدون لئلا يلبسوا على أحد, ولئلا يسكن في قلب أحد من ضلالتهم شيء, وهم أشدُّ في كيد الدين من اليهود والنصارى, لأنَّ هذين المذهبين أعني اليهود والنصارى, قد عَرَف الناس أنـَّهم كفَّار ولا يلتبس على الناس أمرُهم»([38]).
6- وأخطر الصور هي كونهم أعداء للصحابة رضي الله عنهم، وبخاصَّة عليا وعثمان رضي الله عنهما: إلاَّ أنَّ الكتَّاب لم يقتصروا عليهما، فنسبوا إلى الخوارج – والإباضية منهم في رأيهم – تكفير سائر الصحابة، ومما جاء في ذلك قول المناوي: «وكفَّروا عليا وشيعته»([39])، ويعمِّم الجرجاني الحكم فيقول: «وكفَّروا عليـًّا رضي الله عنه وأكثر الصحابة»([40])، «ثم تشعَّبوا وأنشأ مذهبهم عند التحكيم: عبد الله بن الكوا، وعبد الله بن وهب، وفارقا عليا عليه السلام»([41])، «الخوارج صنفان: أحدهما يزعم أن عثمان وعليا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفار...»([42])، «إذا قدمت الرقة فاجلس في سوق الأحد، واذكر فضائل علي u، فإنَّ الإباضية بها كثير»([43])، «وكفَّروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، ومن والاهما. وقتلوا عليَّ بن أبي طالب مستحلِّين لقتله...»([44])، «ويجمعهم إكفار علي عليه السلام»...([45]) «وهم يشتمون أصحاب محمد e وأصهاره وأختانه، ويتبرَّأون منهم، ويرمونهم بالكفر والعظائم، ويرون خلافهم في شرائع الإسلام»([46]).
7- يستحلُّون دم المخالف ويكفِّرونه: «وخوارج المغرب إباضية، منسوبون إلى عبد الله بن يحيى بن إباض، الذي خرج في أيام مروان الحمار، وانتشر أتباعه بالمغرب. يقول: أفعالنا مخلوقة لنا، ويكفِّر بالكبائر، ويقول: ليس في القرآن خصوص. ومن خالفه حلَّ دمه»([47])، «قالوا: مخالفونا من أهل القبلة كفَّار»([48])، «وهم يرون أنَّ المسلمين كلَّهم يُحكم لهم بحكم المنافقين»([49]).
8- الإباضية أصحاب شدَّة، يرون السيف: «عكرمة أبو عبد الله المفسِّر، عن مولاه وعائشة وأبي هريرة، وعنه أيوب والحذاء وعبد الرحمن بن الغسيل وخلق: ثبت لكنـَّه إباضيٌّ، يرى السيف»([50])، «وخرج عليه يحيى بن كرب الحميري بساحل البحر وانضمت إليه شذَّاذ الإباضية ...»([51])، «وابتدأ بقتال أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني الإباضيِّ، صاحب الحمار، وقد استفحل أمره، وأعضل شرُّه، حتى عجز عن مقاومته القائمُ، فتغلب على أعمال إفريقية، وحصره بالمهدية، ثم انتقل إلى سوسة...»([52])، «حارب مخلَد بن كيداد الإباضيِّ، الذي كان قد قمع بني عبيد، واستولى على ممالكهم، فأسره المنصور، فسلخه بعد موته وحشا جلده»([53])، «فقال الناس للقاسم: أيها الأمير، لا تقاتل الخوارج ليلا، فأبى وقاتلهم، فقَتلوا من أصحابه بشرا كثيرا، وانهزموا ليلا»([54])...
9- يستتابون وإلاَّ قُتلوا: «وقال مالك في الإباضية وسائر أهل البدع: يُستتابون، فإن تابوا، وإلاَّ ضُربت أعناقهم»([55])، «وقال (الإمام أحمد) في الإباضية وسائر أهل البدع يستتابون فإن تابوا وإلاَّ ضُربت أعناقهم»([56])، «وقال ابن حبيب يستتاب سائر الخوارج والإباضية والصفرية والقدرية والمعتزلة، ويستتاب المرجئة الذين يقولون إنَّ الإيمان قول بلا عمل»([57])، «أجاب الشيخ سيدي عيسى رحمه الله بما معناه: القيام على هؤلاء (الإباضية) واستتابتهم من الأمور اللازمة لمن ولاه الله الحكم»...([58])
10- لا يصلَّى عليهم: «وقال مالك: لا يصلَّى على الإباضية ولا القدرية، وسائر أصحاب الأهواء، ولا تتبع جنائزهم، ولا تعاد مرضاهم»([59]).
11- لا تقبل شهادتهم: «ومنه (أي من موانع قبول الشهادة) اعتقادُ البدعة, كالمعتزلة والإباضية والقدرية»([60])، «فرع: وفي مختصر الواضحة، قال ابن حبيب، قال لي مطرف وأصبغ في القاضي يبلغه عن الرجل أنـَّه من أهل الأهواء في دينه، مثل الإباضية وغيرهم, ولم يتحقَّق عنده بشهادة أهل العدل، أنـَّه إذا تواطأ الكلام عليه في ذلك, نرى أن لا تُقبل شهادته إلاَّ أن يأتي منه توبة وتورُّع بين ظاهر.»([61])، «قال: وأمَّا أحكام الخوارج الإباضية ومن يشبههم, فلا أرى لمن ورد عليه أحكامهم من المسلمين أن يجيزها ولا ينفذها, إلاَّ إن ثبت أصل ذلك الحقِّ الذي في ذلك الحكم عنده ببيِّنة من المسلمين, فيحكم به وينفِّذه, فأمَّا إن كان مجهولا قد سجلوا به كتبا وذكروا فيها شهادة أهل العدل عندهم, فسمُّوا الشهود أو لم يسمُّوهم فلا أراها جائزة وأراها مفسوخة, قال عبد الملك: كذلك قال لي مطرف»([62]).
12- وفي بعض النصوص نقرأ صورا ناصعة عن الإباضية، لكنها من القلَّة بمكان، منها ما جاء عن ثورة طالب الحقِّ في الأغاني، ومنها ما جاء في وصف بعض مدن الإباضية بالازدهار والنشاط، كمدينة وارجلان في نزهة المشتاق، قال عنها: «وارقلان اثنتا عشرة مرحلة كبار، وهي مدينة فيها قبائل مياسير، وتجَّار أغنياء»([63]).
13- ولقد فرَّق الحافظ ابن حجر بين الإباضية وغيرهم في قوله: «وأقربهم (الخوارج) إلى قول أهل الحقِّ الإباضية. منهم بقية بالمغرب، وقد وردت بما ذكرته من أصل حال الخوارج أخبار جياد...»([64]). وهذا منتهى ما أُنصف به الإباضية، وهي أنصع صورة نقرأها في هذه النصوص، وإن كانت متحيِّزة([65]) كما يلاحظ القارئ.
رابعا- النتائج والتوصيات:

إنَّ الفائدة المرجوَّة من هذا البحث هي العمل على توحيد المسلمين، على قاعدة المعرفة والتعارف والاعتراف، ويقصد من ورائها أتباع المذهب من جهة، وغير الإباضية من جهة ثانية.
فالإباضيون مطالبون - أكثر من أيِّ وقت مضى - بتقريب تراثهم لعامَّة المسلمين، ولغير المسلمين كذلك، إذا أرادوا أن لا يُظلموا، والوسائل التكنولوجية كفيلة بتسهيل هذه المهمَّة، ومن أبرزها: برامج الكمبيوتر، ومواقع الأنترنات، والقنوات الإعلامية... وإن لم يفعلوا، فإنَّ حمل الماضي سيقع عليهم إلى ما شاء الله، وسيلاقون العنت الشديد لعقود أخرى، بدون أيِّ شكٍّ أو ريب.
وأمَّا غير الإباضية، فيرجى منهم بذل جهد تقريبي لمعرفة الإباضية من خلال المصادر الإباضية، لا من خلال غيرهم، وهذا ما يقتضيه الإنصاف، وتتطلَّبه أخلاقيات المسلم، وتقرُّه مناهج البحث العلميِّ.. ولئن كان القدامى معذورين، فلا يعذر المتأخِّرون، ووحدة الأمة فوق كلِّ اعتبار([66]).
و«إنَّ أوَّل نقطة نقضي بها على الخلاف هي العلم، ولا شيء غيرَ العلم، ويقابلها من جهة أخرى الجهل، وقديما قيل: الإنسان عدوُّ ما جهل، فهو في هذه الحياة كلَّما اتسعت أمامه دائرة العلم والمعرفة اتَّضحت له الأمور، وبالتالي ظهرت ثغرات ضعفه وعجزه، وتيقَّن أخيرا أنَّ عملية امتلاك الحقيقة في هذه الحياة هي عملية نسبيَّة»([67]).
والخلاف في حقيقته ليس معصية إذا استوفى الشروط الأخلاقية، وابتعد عن التعصُّب والحمية، والمقرَّر عند العقلاء «أنَّ أمراض القلوب لا الخلاف الفقهي أخطر شيء على الدنيا والدين معا»([68]).
والخلاف - إذا فُهم - دليل على ثراء الفكر الإسلامي وسعته وشموليته، ما لم يكن في الكليات والمبادئ، فكلُّ المذاهب الإسلاميِّة مفخرة لكلِّ المسلمين: بذلك ندين، وبه نلقى الله ربَّ العالمين.
والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الصراط.

[1] - ولا أدلَّ على هذا التوجُّه المذهبي من إبعاد تفاسير لها وزنها مثل تفسير الرازي، وتفسير الزمخشري، وتفسير ابن عاشور، وتفسير القطب اطفيش... لأسباب ودوافع مختلفة، وإدراج تفاسير مذهبية أقلَّ قيمة في جلِّ هذه البرامج.
ويلاحظ كذلك أنَّ بعض المؤلَّفات المذهبية تتكرَّر في جميع البرامج، لا لقيمتها العلمية، ولكن لنـزعتها المذهبية. وقد يكون الدافع وراء ذلك هو إرضاء دول وهيئات غنيَّة، حتى تقتني هذه البرامج، وتنجح في السوق تجاريا، وتبرز عبر وسائل الإعلام دعائيا. فتغيب الحقيقة العلمية بين ثنايا الأغراض الدنيئة والقريبة.

[2] - استخرجت ما لا يقل عن 70 صفحة من النصوص، من خلال جملة من البرامج، قد يطول عرضها في هذه الدورية، ولمن أراد الاطلاع عليها التوجه إلى البرامج ذاتها، أو الاتصال بي لتوفيرها له.

[3] - كتاب ندوة استخدام الحاسب الآلي في العلوم الشرعية، جدة، 1990؛ ص457.

[4] - ولا نستثني من ذلك مذهبا من المذاهب، بما فيها المذهب الإباضي.

[5] - طالع محاضرة: صفين القرن العشرين؛ من إنجازنا، وهي تعرض نصوصا من شبكة الأنترنات، وكأنـَّها استخرجت من واقع معركة صفين، تعصُّبا وتكفيرا، وتبديعا وتضليلا.

[6] - نعتقد أنَّ أيَّ فكرة أو حركة أو مذهب لا يملك السلطات التقليدية: السياسية والمالية...، والجديدة: الإعلام، والتكنولوجيا...، لا يمكنه أن يُثبت وجوده، ولا أن ينتشر عبر العالم، بل إنَّ مآله الانحسار والتقهقر. وإننا نعيش في عصر العولمة وفق معادلة التأثير أو التأثُّر؛ فإمَّا أن نؤثِّر أو نتأثَّر، ولا يوجد خيار ثالث. وانظر محاضرة- الأمة الميزابية بين السلطة واللاسلطة، من إنجازنا، سنة 1420هـ/2000م.

[7] - د. حلمي محمد فودة، ود. عبد الرحمن صالح عبد الله: المرشد في كتابة الأبحاث؛ دار الشروق، جدَّة؛ ط4: 1983م؛ ص20. (بتصرف).

[8] - د. عبد الحليم



w,vm hgYfhqdm td hguwv hgvrld hguav hgYfhqdm





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الرقمي , العشر , الإباضية , صورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفروق الجوهرية بين الإباضية والمذاهب السنية عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 2 01-05-2016 03:36 AM
الآن ...الموسوعة الإسلامية الإباضية الشاملة ..أكثر من 600 عنوان !! عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 11 03-19-2012 09:09 AM
الجانب الفكري في المذهب الإباضي عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 0 01-19-2011 10:54 AM
لماذا لا يرفع الإباضية أيديهم في الصلاة؟ مقدمة عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 0 01-15-2011 04:05 PM
الأيام العشر من شهر ذي الحجة الكريري نور الحج والعمرة 1 11-14-2010 12:18 AM


الساعة الآن 09:54 PM.