التجديد الفقهي في الإفتاء العماني المعاصر قراءة في فتاوى الشيخ أحمد الخليلي - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات


العودة   منتديات نور الاستقامة > الــنـــور الإسلامي > الـنور الإسلامي العــام

الـنور الإسلامي العــام [القرآن الكريم] [اناشيد اسلاميه صوتيه ومرئيه] [السيره النبويه] [اناشيد اطفال] [ثقافة إسلامية]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
Duscc2  التجديد الفقهي في الإفتاء العماني المعاصر قراءة في فتاوى الشيخ أحمد الخليلي
كُتبَ بتاريخ: [ 04-25-2016 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
 
::مشرف::
::النور الإسلامي والعام::
الحق المفقود غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 63
تاريخ التسجيل : Apr 2010
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 165
عدد النقاط : 10
قوة التقييم : الحق المفقود على طريق التميز


التجديد الفقهي في الإفتاء العماني المعاصر
قراءة في فتاوى الشيخ أحمد الخليلي*
إعداد: حمود بن يحيى بن مسعود آل ثاني
مقدمة:
نحمدك اللهم ونستعين بك، ونصلي ونسلم على رسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
وبعد؛
فهذه قراءة تحليلية لموضوع تجديد الفقه في الإفتاء العماني المعاصر من خلال فتاوى سماحة الشيخ العلامة الخليلي ـ حفظه الله ـ وقد اشتملت على مدخل، وأربعة محاور كالتالي:
الأول: التعريف بسماحة الشيخ وذكر بعض جهوده التعليمية والإصلاحية.
الثاني: حركة الاجتهاد والتجديد عند سماحته.
الثالث: القيم الأخلاقية لفقه الاختلاف عند سماحته.
الرابع: منهج الإفتاء عند سماحته.
ثُمَّ وضعت خاتمة لهذا العمل بأهم النتائج المستخلصة منه.
أسأله سبحانه أن يبارك هذا العمل ويتقبله برحمته.
* * *
مدخل
قبل أن يسري الحديث في متعلقات ومحاور هذا الموضوع رأيت أن أقف قليلاً مع مفردات عنوانه فأعرف بـ (التجديد والفقه والفتوى) تعريفاً إجمالياً.
ـ التجديد في اللغة: قال ابن منظور: تجدد الشيء: صار جديداً، وأجده وجدده واستجده؛ أي: صيره جديداً، والجدة مصدر الجديد. وقال أبو علي وغيره: جد الثوب والشيء يَجِدّ بالكسر: صار جديداً، وهو نقيض الخَلق، وعليه وجه قول سيبويه: ملحفة جديدة([1]).
والتجديد في الاصطلاح إذا ما قرن بالفقه فإن معناه: إدخال الجدة عليه أو تصييره جديدا. ولا يكون كذلك إِلاَّ بـ (تنزيل المطلق ـ الوحي ـ على الواقع ومحاكمته به)([2]).
الفقه في اللغة: هو العلم بالشيء والفهم له، واشتقاقه من الشق والفتح. ويأتي بمعنى الفطنة والحذق([3]).
في الاصطلاح: هو الفهم في الدين قال تعالى: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾ أي ليكونوا علماء به، ودعا النبي e لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «اللهم فقهه في الدين، وفقهه في التأويل»؛ أي: فهمه تأويله ومعناه. وقد جعله العرف خاصاً بعلم الشريعة ـ شرفها الله تعالى ـ، وتخصيصاً بعلم الفروع منها([4]).
الفتوى في اللغة: بمعنى الإبانة، أفتاه في الأمر: أبانه له. ويقال: أفتاه في المسألة يفته إذا أجابه([5]).
في الاصطلاح: الفتيا والفُتوى والفَتوى: ما أفتى به الفقيه والفتح في الفتوى لأهل المدنية([6]).
طريقة القران والسنة في بيان الأحكام الشرعية:
للقران الكريم والسنة المطهرة ـ على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ طريقتان في بيان الأحكام:
الأولى: بيان بغير سؤال واستفتاء وهو الأكثر في القرآن الكريم.
الثانية: بيان بعد سؤال واستفتاء بصيغة “يسألونك”، وهي الأكثر استعمالا في كتاب الله تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾([7]). وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾([8]).
وصيغة “يستفتونك” مثل: قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ…﴾([9]).
وقد ينزل الجواب بغير هاتين الصيغتين مثل ما أخرجه الترمذي أن رجلاً سأل النبي e فقال: “إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي، فَحرَّمتُ عليَّ اللحم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ…﴾([10]).
وفي أسباب النزول ما يفيد كثرة هذا في القرآن الكريم.
ـ وفي السنة المطهرة ما يكون جواباً لسؤال أو ما يكون ابتداء دون سؤال من أحد فيه تعليم لجاهل أو تخصيص لعام أو تقييد لمطلق… الخ أنواع البيان النبوي للكتاب العزيز.
ومثال ما كان جواباً على سؤال:
أن طارق بن سعيد سأل النبي e عن الخمر فنهاه أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء» ([11]).
و فتاوى النبي e تتناول شتى نواحي الحياة.
واستمرت الفتوى بعده عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا…
وقد تركت لنا المكتبة الإسلامية كنوزاً في هذا الجانب من مختلف المذاهب الإسلامية وقد رتبها العلماء في الغالب الأعم على أبواب الفقه.
ـ فمن هذه الكتب في المذهب الإباضي([12]):
1 ـ المدونة لأبي غانم بشر بن غانم الخرساني (ق 2هـ).
2 ـ جامع محمد بن أبي جعفر (ق 3هـ).
3 ـ الجامع المفيد لأبي سعيد (ق 4هـ).
4 ـ جامع أبي الحواري لمحمد بن الحواري (ق 4هـ).
5 ـ جامع أبي الحسن البسيوي (ق 4هـ).
6 ـ المصنف لأبي بكر الكندي (ق 5هـ).
7 ـ بيان الشرع لمحمد بن إبراهيم الكندي (ق 6هـ).
8 ـ جواهر الآثار لمحمد بن عبد الله بن عبيدان (ق 11 هـ).
9 ـ جامع الجواهر لجمعة بن علي الصائغي (ق 12هـ).
10 ـ لباب الآثار لمهنا بن خلفان البوسعيدي (ق 12هـ).
11 ـ مكنون الخزائن لموسى بن عيسى البشري (ق 13).
ـ ومن هذه الكتب في المذهب الحنفي: . الفتاوى الكبرى والصغرى للصدر، والبزازية والطهرية والزينية والحامدية والفتاوى الهندية والمهدية وغيرها.
ـ وفي المذهب الشافعي: . فتاوى ابن الصلاح والنووي والسبكي والشيخ زكريا وابن حجر الهيتمي وغيرها.
ـ وفي المذهب الحنبلي: . اشتهرت فتاوى ابن تيمية صدرت في 35 مجلداً، جمعها الشيخ عبد الرحمن النجدي، وطبعت على نفقة الدولة السعودية.
ـ كتب الفتاوى في العصر الحديث:
وفي هذا العصر عرفت فتاوى الشيخ محمد عليش شيخ المالكية، وهو كما يصفه الشيخ القرضاوي يمثل المدرسة التقليدية بما لها من مزايا فهو لا يهتم كثيراً بمشكلات عصره، ولا يعترف بما طرأ على المجتمع من تغيير، وكان معاصراً للشيخ محمد عبده ومن ألد خصومه في اتجاهه هذا([13]).
ومنها فتاوى العلامة المجدد محمد رشيد رضا، والتي كان ينشرها في مجلته الإسلامية الغراء (المنار). وقد جاءت فتاواه استجابة لقراء المجلَّة، فشملت مشكلات العديد من أقطار الأمة الإسلامية.
ـ ومنها فتاوى الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي (ق 14هـ) (تمهيد قواعد الإيمان).
ـ ومنها فتاوى الشيخ محمد بن يوسف اطفيش (ق 14هـ) (كشف الكرب),
ـ ومنها أجوبة الشيخ صالح بن علي الحارثي (ق 14هـ).
ـ ومنها فتاوى العلامة السالمي (ق 14 هـ) المسماة (جوابات الإمام السالمي) في سبعة مجلدات.
ـ ومنها فتاوى الشيخ أبو زيد الريامي (ق 14هـ) (حل المشكلات).
ـ ومنها فتاوى الشيخ بيوض (ق 15هـ).
ـ ومنها فتاوى سماحة الشيخ التي هي موضوع حديثي، وقد ظهر منها إلى الآن خمسة مجلدات.
إن هذه الكنوز الفقهية لعلماء المذاهب الإسلامية عبر تأريخها الطويل لَتؤكد على حقيقة هامة وهي أن الفقه الإسلامي قد وضع لكل حادثة حكما، وأنه قد ساير الأمة في كل أطوارها قوة وضعفاً وتأثر بأوضاعها سلبا وإيجابًا، وصور حالها أحسن تصوير، فالفقه ليس إِلاَّ فهما بشرياً للوحي الإلهي قرآنا وسنة.
وأنه لا ريب أن علماء المسلمين يتفاوتون في قوة مداركهم ومدى فهمهم للنصوص وفي إصابة تطبيق النص على الواقع أو تكييف هذا الواقع بحسب ما تمليه النصوص. وما اجتهادات هؤلاء العلماء إِلاَّ هي نموذجًا حَيًّا يؤكد لنا هذا التفاوت، كما يزيدنا يقينًا بأنهم كانوا يراعون المقاصد الشرعية ومصالح الناس المتفاوتة بحسب الزمان والمكان.
ومن هنا يمكن القول أيضًا بأن هذه الكنوز وغيرها من كتب الفقه هي دليل عملي على خصائص الفقه الإسلامي، وما اتصف به من شمول وتوازن، وجمع بين المرونة والثبات، بالإضافة إلى أصالته واستقلاليته.

* * *
المحور الأول: ملامح من حياة سماحة الشيخ الخليلي
نسبـه:
هو الشيخ العلامة المجتهد أبو سليمان بدر الدين أحمد بن حمد بن سليمان بن ناصر بن سالمين الخليلي الخروصي. وبنو خروص من أزد عمان منهم أئمة اشتهروا بالعدل، وعلماء عرفوا بالتقوى والفضل.
كان والد الشيخ لبيبًا عاقلاً حكيمًا من سكان الخضراء بولاية بهلاء، رحل إلى زنجبار عام 1341هـ، وتزوج بها، وعاش عيشة جهاد وكفاح في طلب الرزق.
وأما جده الشيخ: سليمان بن ناصر؛ فهو أحد القضاة الورعين الذين لا يخشون في الله لومة لائم، وكان مرجعًا لأهل بهلاء([14]).
ويتبين من نسب الشيخ أَنَّهُ ينحدر من سلالة آباء عرفوا بالعلم واشتهروا بالمجد، منهم: الإمام الخليل بن شاذان الخروصي بويع بالإمامة سنة 445هـ، قال عنه الإمام السالمي في التحفة: فسار بهم ـ أي أهل عمان ـ سيرة جميلة، ودفع عنهم الجبابرة، وأمنت بعدله البلاد، واستراحت في ظله العباد، ودانت له الممالك، ووفدت إليه الوفود لظهور العدل وانتشار الفضل([15]).
وهو من سلالة الإمام الصلت بن مالك الخروصي بويع بالإمامة سنة 237 هـ، وهو الذي حرر جزيرة سقطرى من النصارى بعد أن نكثوا العهد، وقد كتب لقائده محمد بن عشيرة ذلك العهد الرائع الذي يمثل نزاهة الإسلام ومثاليته في التعامل مع الأعداء([16]).
مولده
ولد سماحة الشيخ أحمد بأرض زنجبار في الساعة الثامنة صباح يوم الثاني عشر من شهر رجب عام 1361هـ الموافق له السابع والعشرون من شهر يوليو من عام 1942فسماه أبوه بهذا الاسم وهو في بطن أمه ([17]).
أخلاقه وصفاته:
امتاز سماحتة ـ حفظه الله ـ بأخلاق رفيعة أهلته ليصبح إمام الدعوة وقدوة السالكين في هذا الزمان، (فهو عالم رباني زاهد في الدنيا، ولا يهتم إلا بأمور الإسلام ومصلحة المسلمين، داره مفتوحة لكل طالب حاجة ولكل من لديه مشكلة… يعامل الآخرين بقلب مفتوح ينبض بالإيمان وطاعة الرحمن)([18]).
ويقول الدكتور ناصر الدين الأسد في رسالة كتبها إليه إثر زيارته لعمان عام 1412هـ/ 1991م: «وكان لأخي ـ صاحب السماحة ـ الأثر الأكبر في كل ذلك بفضل ما رزقه الله من شمائل فكرية ونفسية، نعرفها فيه ونعترف بها له، بين تمكن في العلم، وتصرف في فنون القول، مع التواضع الجم، والذوق الرفيع، والمؤانسة الرقيقة، والمباسطة المحمودة الرفيقة، فتبوأ بذلك في نفوسنا ونفوس كل من اتصل به المنزلة العليا من المحبة والاحترام» ([19]).
ويقول الدكتور مصطفى عبد القادر النجار بمجلَّة الشرطة: سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ظاهرة عمانية حضارية تجمع بين التراث والمعاصرة، حبا الله بها عمان، فأصبح يعبر عن همومها السلفية من جهة وحياتها اليومية من جهة أخرى، فيشرح ويفصل ويحكي ويحاضر، ويخطب ويكتب في كل مجال يتهيأ له وتصل إليه يده فأعطى لوطنه أبجدية الروح في هذا الزمن الحائر، فلا ينكر أحد سعة اطلاعه، وشدة تواضعه، وفتح قلبه لكل سائل صغيرًا كان أو كبيرًا مثقفًا أو أميًا، يتبادل معهم الفكر والفقه بكل تفاصيله ولا يمل لهم مجلسًا، ولا يشعر بضيق أو يرفض لهم سؤالاً([20]).
وجامع القول: إن لسماحته ـ حفظه الله ـ القدح المعلى في كل جانب من جوانب الأخلاق، فهو يجمع إلى لين الطبع وحسن المعشر شدة في الحق وصلابة في إحقاقه من غير محاباة، يجود بما عنده ويرجو ما عند الله، وفي المعاملة، متفائل بالخير لا تراه إِلاَّ جادا في الصلاح والإصلاح بالقول والعمل (أحرز قصب السبق في الكثير من السمات والذروة في الخلق والمعاملة والقمة في حسن الاقتداء بالنبي e)([21]).
نشأته العلمية:
نشأ ـ حفظه الله ـ في تلك البيئة الخضراء، وبدأ يتعلم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم على يد والديه، وفي سن التاسعة أنهى الشيخ حفظ القرآن الكريم ثُمَّ اعتمد على نفسه في القراءة والمطالعة. وكان مع ذلك يتردد على شيوخ زنجبار فيما أشكل عليه، وربما قرأ على بعضهم شيئًا من العلوم. ومن ذلك: أنه كان يذهب إلى محلة أخرى قريبة من مسكنه للتعلم على يد الشيخ عيسى بن سعيد الإسماعيلي فقرأ عنده تلقين الصبيان، وكان يحفظه إياه عن ظهر قلب. كما درس عنده كتاب أركان الإسلام وكلاهما في الفقه. ومن العربية ملحة الإعراب والنحو الواضح ولامية الأفعال لابن مالك مع شرح بحرق عليها ومتن قطر الندى مع شرح ابن هشام، ثُمَّ متن شذور الذهب مع شرحه لابن هشام؛ وقد درس الشيخ هذه الكتب وهو يناهز العشر سنوات. ثُمَّ درس على يد الشيخ خلفان بن مسلم الحراصي جوهرالنظام، ولكنه ما أتمه عليه لظروف حالت بينه وبين ذلك. فانتقل إلى الشيخ حمود بن سعيد الخروصي فقرأ عليه مسند الإمام الربيع ـ رحمه الله ـ وأتم حفظه، ثُمَّ قرأ على الشيخ أحمد بن زهران الريامي كتاب جوهر النظام للمرة الثانية بتوسع. ثُمَّ تعلم المواريث على يد الشيخ سعيد بن محمد الكندي.
وعندما قدم إلى زنجبار الشيخ أبو إسحق اطفيش استغل الشيخ فرصة وجوده فدرس على يديه بهجة الأنوار ومشارق الأنوار، وكلاهما للشيخ السالمي ـ رحمه الله ـ . وكان الشيخ أبو إسحاق ـ رحمه الله ـ حريصًا على البقاء بجانب الشيخ الخليلي ليساعده في طلب العلم والنهل من ينابيع المعرفة، ولكنه لم يستمر إِلاَّ نحو ثلاثة أشهر، وبعدها سافر إلى مصر، وهنا أبدى الشيخ أبو إسحق أسفه على عدم تحقق الأمنية، وَمِـمَّا جاء في رسالة له بعثها إلى الشيخ الخليلي: «… وكم كنت أود أن أستمر هنالك لأكون بجانبك كي أساعدك على نيل ما تصبو إليه من المعالي حتى تنال قبسًا من العلم النافع لتفيد وتستفيد وتستنير وتنير، ولكن القدر الذي له الحكم النافذ، هو غاية لا بد من حصولها»([22]).
جهوده الإصلاحية وأهم خصائصها:
لست مبالغًا إن قلت: إن الروح الإصلاحية عند الشيخ بدأت منذ نعومة أظفاره واختلطت بدمه ولحمه، فكان ولا يزال شعاره في الحياة ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ﴾([23]).
فالبداية كانت بمسقط رأسه زنجبار حيث ترصد لنا الأخبار أَنَّهُ في عام 1376هـ قام خطيبًا أمام رئيس الجمعية العربية والجالية العربية بزنجبار الشيخ عبد الله بن سليمان الحارثي مطالبًا إياه بإنشاء المدارس في الريف وفتح باب التعليم على فيه. وقد لقيت دعوته هذه أثرًا محمودًا بيد أن تصارع الأحزاب السياسية آنذاك حال بينها وبين التطبيق.
وتوجه الشيخ أيضًا بمثل هذه الدعوة إلى الشيخ أحمد بن حمدون وكان مفتيًا للإباضية بزنجبار؛ مِمَّا قاله سماحته في هذا الأمر: (وقد كان يقنعنا أحيانًا بالموافقة، ولكن مع الأسف الشديد لما جبل عليه مشائخنا من الجمود كان سرعان ما يغلق الباب الذي يكاد ينفتح، وأعتذر أكثر من مرة لما كنت أسعى إليه)([24]).
وبعد ما رجع سماحته إلى عمان عام 1384هـ، ونزل في بهلاء موطن آبائه وأجداده تابع جهوده الرامية إلى إصلاح المجتمع بكل ما آتاه الله من قوة وحكمة واقتدار؛ (حيث كانت عمان تنتظر أمثاله كما تنتظر الأرض المجدبة الغيث من السماء)([25]).
فبدأ بالتعليم في بهلاء وعمل مدرسًا، ومن الصعوبات التي واجهت سماحته كما يقول بنفسه «الجهل من ناحية، وعدم تقبل الناس بسبب الجهل أيضًا؛ فلم يكن هناك حماس لهذا الشيء كله فقد كان شيئًا غريبًا بالنسبة إليهم» ([26])
وكان ينتقل إلى البلدان والقرى معلِّمًا ومرشدًا، باذلاً في سبيل الله كل جهده ووقته. ومن الأمور التي عالجها الشيخ وتصدى لها في ذلك الوقت ظاهرة الإلحاد والمد الشيوعي البغيض، حيث فند شبههم وأبطل دعوتهم، وكشف عن مساوئهم وأبان عن زللهم. وكل هذا مع التعريف بالإسلام وأنه رمز التقدم والرقي ودين العدل والمساواة.
وبعد أن انتقل سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ إلى مسقط عام 1385هـ قام بالتدريس في مسجد الخور بمعية الشيخ الربيع بن المر، وكان يتولى تدريس المستوى الأعلى من الطلبة، واستمر على ذلك إلى عام 1393هـ / 1973م، حيث عُيّن مديرًا للشؤون الإسلامية، وبعد عامين عينه جلالة السلطان مفتيًا عامًا لعمان([27])
ومع كون منصب الإفتاء يحتاج إلى التفرغ إلا أن سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ واصل الطريق في مهمة الإصلاح الداخلي بعمان حتى تمكن من انتشالها من براثن الجهل وظلمات الحيرة، فقد طالب بإنشاء المعاهد الإسلامية بربوع عمان لتعليم أبنائها أمور دينهم فكان كلامه محل تقدير وقبول من المسؤولين، ففتحت معاهد في مناطق كثيرة ومنها معهد العلوم الشرعية؛ والشيخ يعتني بهذه المعاهد من أجل تطويرها وتحديث مناهجها، كما أنه يهتم ـ حفظه الله ـ بطلابها لا سيما المعاهد القريبة منه، فيزور الطلاب ويجلس معهم ويحاضر فيهم، ويتابع سير العملية التعليمية. وبذل جهود مضنية من أن أجل التحاق الطالبات بمعهد العلوم الشرعية حتى تم هذا الأمر بفضل الله ثُمَّ بعناية الشيخ ـ بارك الله في حياته ـ .
ومع هذا وذلك كانت ـ ولا تزال ـ له إسهامات فاعلة في الإصلاح الخارجي، فهو يهتم بقضايا الأمة ويحل مشكلاتها ويدعو إلى النهوض بها، ومن شواهد ذلك دعوته المباركة لذلك في مؤتمري طشقند وباكستان([28]).
ويحرص سماحته أيضًا عند زيارته للغرب أن يكون داعيًا إلى الإسلام قولا وعملا فيحاور أهل العقول منهم، فقد التقى بالدكتور موريس بوكاي صاحب كتاب (العلم في التوراة والإنجيل والقرآن)، وناقشه في بعض المسائل؛ كما أَنَّهُ فعل ذلك مع الطبيب اليهودي الأمريكي هيمن الطبيب الذي عالجه، فحاوره في موضوع الإيمان بالله واليوم الآخر.
ويهتم الشيخ في هذا الجانب أيضًا بهموم الأمة وبشرح قضاياها المصيرية كقضية الأقصى على سبيل التمثيل. وساهم الشيخ مساهمة مادية ومعنوية في المشاريع الإسلامية، وخير شاهد على ذلك جمعية الاستقامة بزنجبار ([29]).
وَمِـمَّا أهل سماحة الشيخ للنجاح في الجانب الإصلاحي كونه متفائلاً في كل أحواله، فلم يعرف اليأس إلى قلبه سبيلاً؛ ولذلك تذللت له الصعاب وحققت له أمنيته التي كان يخطط لها، ومما يذكره عن نفسه مجيبًا لصحفي كويتي: «إن الشدة بعدها فرج، وإن مع العسر يسرا كما نص القرآن الكريم، وعندما يضيق بالعبد الأمر وتشتد حلقاته يأتي الفرج من عند الله تعالى، وهذا الأمر جربته كثيرًا ولذلك أنا كثير التفاؤل» ([30]). ويقول: «أما أنا فلا أتشاءم قط والحمد لله أنا متفائل، ولا ريب أنني أرى أن يقظة المسلمين اليوم هي خير منها بالأمس» ([31]).
مناصبه
من المناصب الرسمية التي يشغلها سماحة الشيخ ما يلي:
ـ المفتي العام لسلطنة عمان.
ـ رئيس مجلس إدارة معاهد السلطان قابوس للثقافة الإسلامية.
ـ رئيس معهد العلوم الشرعية.
ـ عضو لجنة التظلمات (أعلى هيئة قضاء في السلطنة).
ـ رئيس لجنة المطبوعات وتحقيق الكتب بوزارة التراث القومي والثقافة.
ـ عضو لجنة مطالعة الأهلة بالسلطنة.
ـ عضو لجنة الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ـ عضو مؤسسة آل البيت (المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية).
ـ عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد بباكستان([32]).
مؤلفاته
الكتب:
1 ـ جواهر التفسير، أنوار من بيان التنزيل. طبع منه أربعة أجزاء.
2 ـ الحق الدامغ: كتاب في بعض مسائل العقيدة: الرؤية، الخلود، خلق القرآن.
3 ـ الفتاوى، خمسة أجزاء.
4 ـ شرح غاية المراد: شرح مختصر لمنظومة الشيخ السالمي في العقيدة.
5 ـ وسقط القناع: يرد فيه سماحته على بعض الافتراءات في جانب العقيدة.
6 ـ عوامل تقوية الوحدة الإسلامية في الشعائر الدينية.
7 ـ إعادة صياغة الأمة: يحوي بعض ملامح المنهج الذي تسير عليه الأمة في حاضرها.
8 ـ زكاة الأنعام: أصله بحث مطول شارك فيه سماحته في ندوة «الهيئة الشرعية العالمية للزكاة» بالكويت عام 1422هـ / 2001م.
9 ـ المحكم والمتشابه.
10 ـ الدين والحياة.
البحوث:
1 ـ ومن البحوث التي قدمها سماحته في المؤتمرات:
ـ الذبائح وأثرها في إنجاز الذكاة: بحث ألقي في الدورة العاشرة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1418هـ ـ 1998م.
ـ الدعوة الإسلامية مهمة ثقافية روحية أو غزو عسكري: بحث ألقي في مؤتمر الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان عام 2002م.
ـ الاجتهاد ودوره في التجديد: بحث في المؤتمر الدولي الخامس عشر للوحدة الإسلامية بطهران عام 1423هـ ـ 2002م.
ـ الحقوق في الإسلام وفق المذهب الإباضي: بحث لندوة الحقوق في الإسلام بعمان عام 1413هـ ـ 1992م.
ـ مشروعية استثمار أموال الزكاة: بحث بندوة الحوار بين المسلمين بمؤسسة آل البيت بعّمان عام 1415هـ ـ 1994م.
ـ العبادات والمعاملات وأثرها في المجتمع (قدم لملتقى القرآن الكريم بالجزائر) عام 1401هـ ـ 1981م.
2 ـ وحي السنة في خطبتي الجمعة.
3 ـ الذكاة الشرعية.
4 ـ الغصب: بحث منشور في آخر كتاب فتاوى المعاملات.
الأجوبـة المطولة:
1 ـ بيع الإقالة مطبوع في كتيب
2 ـ التدخين مطبوع في كتيب
3 ـ كذبة إبريل مطبوع في كتيب
4 ـ نبذ التعصّب المذهبي مطبوع في كتيب
5 ـ المعتدة بين البدعة والسنة مطبوع في كتيب
6 ـ حكم الإسبال منشور على شكل مذكرات
الردود العلمية
1 ـ الحجج المقنعة في نفي رؤية الله (الرد على الشيخ إبن باز).
2 ـ الرد على المفتري النصراني.
3 ـ الرد على أحد المغرضين أو (منهج سلفنا الصالح).
4 ـ جواز نقل الدم (تعقيب على رأي أحد العلماء).
5 ـ مسألة الكحل في اللغة العربية (تعقيب على رأي أحد الدكاترة).
وهناك بحوث عن أعلام عمان:
1 ـ العوتبي بين الفقه والأدب.
2 ـ التأصيل الفقهي عند الإمام أبي سعيد الكدمي.
3 ـ العلامة أبو نبهان الخروصي ومنهجه الفقهي.
4 ـ الخليلي فقيهًا ومحقّقا.
5 ـ البهلاني فقيها وأدبيًا.
6 ـ ابن بركة والبحث العلمي.
7 ـ إضاءات في حياة الشيخ أبي مسلم البهلاني.
8 ـ ابن النظر بين الفقه والأدب.
9 ـ الشيخ خميس الشقصي ومنهجه الفقهي.
10 ـ العلامة الكندي بين الفقه والأدب.
11 ـ الأثر العلمي والحضاري في الوجود العماني بزنجبار.
وللشيخ محاضرات كثيرة جدًا منها المطبوع ومنها المرئي والمسموع([33]).
* * *
المحور الثاني: حركة الاجتهاد والتجديد عند سماحة الشيخ
1 ـ طبيعة الحركة وسياقها التأريخي
الاجتهاد في لغة العرب: مأخوذ من الجهد (بفتح الجيم وضمها): وهو المشقة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾. وهو: بذل الوسع في طلب الأمر([34]).
وهو عند علماء الشريعة([35]): يأتي بمعنى: استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية. أو هـو: بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة. أو هـو: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. وهنالك تعريفات أخرى، وليس المقصود هنا استيعابها فضلاً عن الوقوف عند كل تعريف، ولكن قادني إليها سياق المناسبة فقط.
إن حقيقة ما يدعو إليه سماحته في موضوع الاجتهاد هو العودة إلى الاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله e والاحتكام إليهما.
فالاجتهاد الصحيح عنده مركب من شيئين (الثابت والمتغير)، فإذا غض المجتهد الطرف عن الأول مال إلى العلمانية، وإذا تمسك به دون النظر إلى الطرف الآخر مال إلى الجمود؛ فالاجتهاد لا يمكن أن يلغي الثابت إذ مجاله المتغير ولا يطول قواطع النصوص إذ مجاله الظنيات([36]).
وأَمَّا ما يدعو إليه سماحته من التجديد فيتمثل في: .
أ ـ تطهير الإسلام من أدناس الجاهلية.
ب ـ إعادة الطرح الإسلامي بصيغة مناسبة لمقتضى العصر أو تسليط الضوء على الجديد من القضايا التي لم تطرح سابقًا والحكم عليها وفق معطيات الدليل([37]).
وأَمَّا عن العلاقة بين الاجتهاد والتجديد:
فيرى سماحته أن الثاني متوقف على الأول، فهو المحرك الأساسي له؛ ويستشهد سماحته بالواقع التاريخي على الترابط بينهما حيث يقول: (فلا تكاد تجد متصفًا بأحد الصفتين إِلاَّ وله قدر لا يستهان به من الأخرى على تباين في المراتب ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾)([38]).
هذه هي الصورة المكتملة التي يقدمها سماحته في بيان معنى التجديد والاجتهاد، مع استدراكه على العلامة أبي الأعلى المودودي الذي حصر التجديد في (تطهير الإسلام من لوثات الجاهلية).
و في هذا الجانب لم يكتف سماحته بالتنظير العلمي (تأصيل القواعد) فقط، بل شارك في الاجتهاد وأسهم إسهامًا عمليًا قويًا مؤثرًا في تحريك عجلته إلى الأمام، ولا يزال كذلك ـ متعنا الله بحياته ـ ؛ فاجتهاداته تعد مثالاً عمليًا للامتداد الطبيعي لحركة الاجتهاد عند الإباضية، والتي لم يسجل عليها أي توقف حتى يومنا هذا، وإن ضعفت في بعض الفترات لأسباب داخلية وخارجية كما هو الحال في أيَّام دولة بني نبهان أو من يليهم من اليعاربة الذين أعطوا للجانب السياسي جل اهتمامهم لملاحقة البرتغاليين ذلكم الخطر الذي كان يتهدد الأمة الإسلامية بأسرها.
أما بالنسبة للجانب الإصلاحي فإن لسماحته ـ حفظه الله ـ مدرسته الإصلاحية المتميزة، والتي شيدها على التصور الصحيح لمفردات الكتاب والسنة، مع حرصه على الاستفادة من تجارب المدارس الإصلاحية المتقدمة أو المعاصرة له ـ حفظه الله ـ .
يقول سماحته مبينًا موقفه من المدرسة الإصلاحية التي أرسى دعائمها السيد جمال الدين الأفغاني (ت 1315 / 1897م): (هي مدرسة آتت أكلها وكانت ثمارها طيبة، ولكن مع ذلك لا نستطيع أن نبرأها من كل خطأ فلا بد من أن يؤخذ الصواب ويترك الخطأ).
ويقول عن تجربته مع الإمامين أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي: (فهولاء أفادونا فائدة كبيرة فيكمن أن نستفيد من هذه التجارب جميعًا)([39]).
وهكذا نجد سماحته يتتبع حسنات هذه المدارس جميعًا دون تمييز فهو بهذا لا يحسب على واحدة منها؛ إذ له منهجه المستقل وفكره المتميز، يقول سماحته: (لا نحصر دعوتنا هذه في إطار ضيق وتجربة خاصة دون غيرها)([40]).
لكنه، وكما لا حظ بعض الباحثين أن هذه الحركات التجديدية القائمة لم تكن بالقدر الذي يؤصل حركة الاجتهاد، ويصوغ من الشريعة ما يتناسب مع الواقع([41]).
ويقترح هذا الباحث في هذه الحالة أن يلجأ إلى الاجتهاد الجماعي كحل لهذه الإشكالية. وقال: إن مِمَّا يدعو للتفكير الجدي في الاجتهاد الجماعي أمران:
أولهما: التسارع التكنولوجي الذي يزداد يوما بعد يوم، والذي لا نستطيع أن نلاحقه إِلاَّ بالجهد الكبير.
ثانيًا: الفوضى العارمة التي انتشرت في مجال الفتوى واختلافها، وخاصة بالنسبة لموضوعات حساسة هامة منها:
ـ قضية استئجار الأرحام.
ـ قضية نقل النطف والاحتفاظ بها إلى ما بعد الوفاة.
ـ نكاح المسيار.
ـ قضية الاستنساخ([42]).
ويرى سماحته بأن المجامع الفقهية يمكن أن يعول عليها في هذا الجانب (… بها علماء متمكنون وبإمكانهم مع اجتماعهم أن يقوموا بدور لا يقومون به فرادى فالإنسان قليل بنفسه كثير بالآخرين)([43]).
2 ـ أهمية الحركة ودوافعها:
يرى سماحة الشيخ أن أهمية الاجتهاد تكمن في ستة أمور:
1 ـ كثرة المسائل الطارئة على الساحة فلا بد أن يوازيها في المقابل مهارة الفقهاء.
2 ـ ظهور الاكتشافات العلمية (الحقائق دون النظريات) التي تفيد في مجال التحقيق كما تفيد في تفسير المجمل وتأويل الظاهر أو تأكيده أحيانًا وهي على ضربين:
أ ـ أمر متعلق بالقضية المطروحة كالمعطيات الجديدة في مسألة الحساب الفلكي لتبدلها عن الملابسات القديمة.
ب ـ أمر يتعلق بالقضية مباشرة إِلاَّ أنها قد تجلي لنا قرينة تؤيد القول السابق أو تخالفه.
3 ـ بروز علوم نظرية جديدة فلا بد من اتخاذ مواقف إزاءها وتأطيرها بالإطار الشرعي عند قبولها.
4 ـ تبدل الأحكام والمصالح باختلاف الزمان والمكان، فلربما كانت المصلحة في يوم مفسدة في يوم آخر، وقد تتبدل بتبدل الأعراف والذرائع التي أمر الشارع بسدها وبتنوع ألفاظ الإقرار والأيمان والنذور وغير ذلك.
ويضيف سماحته: (الذي اشترط بعض العلماء للفتوى معرفة أحوال الناس، وذلك واضح فيما يتبدل؛ أما في الثوابت لا يشترط ذلك).
5 ـ الحاجة إلى تفنيد البدع، فهي أحيانًا تفتقر إلى الاجتهاد لصعوبة التميز بين السنة والبدعة.
6 ـ الغزو الفكري لمظاهره البراقة التي تستهوي الناظرين فلا بد من مقابلته بأسلوب أقوى منه([44]).
ولخطورة هذه الأمور التي ذكرها سماحته كان لابد من تحرك فوري من قبل علماء الأمة لتدارك هذا الأمر حتى تعود المياه إلى مجاريها، فنرى تطبيقًا كاملاً للإسلام في مؤسساتنا ومجتمعاتنا. وحتى يقضى على هذه الازدواجية التي طفت على سلوكنا بالتزام الدين في العبادات والبعد عنه في المعاملات(كما أدت أيضًا إلى انقسام الشباب إلى فريقين:
ـ فريق يرى أن الإسلام دين عبادات فحسب، وأن تنظيم المعاملات يترك فيه المجال للقوانين الوضعية.
ـ فريق آخر: شباب الصحوة الذين يعتقدون أن الإسلام دين ودولة حكم ونظام)([45]).
أما عن دوافع حركة الاجتهاد والتجديد فكثيرة:
فإلى جانب الإلحاح الشديد للخروج من الواقع المرير الذي تعيشه الأمة اليوم في كل أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية حيث لا منقذ لها إِلاَّ العودة الصادقة إلى الإسلام، ولا يكون ذلك منها حتى تشفى من الانهزامية والتبعية للآخر فترى أن دينها دينًا قويمًا يواكب كل جديد مفيد، ويصلح بمقوماته لقيادة العالم قيادة راشدة؛ وكل هذا إنما يتوقف على بعث روح الإسلام من جديد، وهنا يأتي دور الاجتهاد والتجديد.
إلى جانب هذا، هنالك دوافع أخرى كما يستظهرها سماحة الشيخ من الكتاب والسنة وكذلك من مناقشات علماء الأصول؛ منها:
1 ـ صريح أمر الله باتباع كتابه وسنة رسوله e أعظم الأدلة على مشروعية الاجتهاد؛ لأن تطبيقها على القضايا المتجددة موقوف عليه.
2 ـ الآيات الكثيرة التي تدل على فعل العقل والتعقل والتدبر التفكر…
3 ـ أحاديث كثيرة تدل على عظيم الثواب فيه.
4 ـ مناقشات الأصوليين تضمنت بعض المسائل التي تعتبر من أقوى الدعائم المشجعة عليه:
قولهم بحرمة التقليد على القادر على الاجتهاد (وهو قول الإباضية)، وعليه جمهور أهل العلم.
قول بعضهم بعدم جواز خلو الزمان من مجتهد.
قول البعض بوجوب تقليد عالم العصر، فيسعى العارف لبلوغ هذه المنزلة ليحيي الله على يديه الأمة.
اشتراط بعضهم الاجتهاد في المفتي والقاضي.
وينبه سماحته إلى أن الاجتهاد صار أسهل من ذي قبل لتوفر المراجع وتنوعها، وهذا من أهم المشجعات عليه بالطبع([46])
هذا ملخص ما ذكره سماحته، وهو يعطي صوره واضحة على أهمية الاجتهاد وشأنه العظيم؛ فهو كما يقول الإمام الشاطبي: (المجتهد قائم مقام النبي e في جملة أمور منها:
أ‌- الوراثة على الشريعة بوجه عام.
ب‌- إبلاغ هذه الشريعة للناس.
ت‌- تعليمها للجاهل بها.
ث‌- الإنذار بها.
وساق الإمام على هذا أدلة من السنة: «العلماء ورثة الأنبياء»، «بلغوا عني ولو آية».
ولهذه الأهمية قال هذا الإمام أيضا: (إن الاجتهاد لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع التكليف، وذلك عند قيام الساعة)([47]).
ويضيف د. بشير ما يؤكد هذه الأهمية من كتاب الله تعالى حيث:
أمر الله تعالى برد الأمر عند استشكاله إلى أهل الاستنباط والفهم عن الله ورسوله e.
جعل الله تعالى الشورى دأب المؤمنين، (والشورى عملية استكشافية للرأي الأصوب عبر الاجتهاد)([48]).
ولهذه الأهمية القصوى نجد أئمة العلم والفكر أطبقوا على التنديد بفكرة غلق باب الاجتهاد، وقد ألفوا كتبًا قيمة في بيان الأثر السلبي الذي تجرعته لأمة من ذلك.
يقول المفكر الإسلامي محمد إقبال: (ولكن بما أن الأحوال قد تغيرت والعالم الإسلامي يتأثر اليوم بما يواجهه من قوى جديدة أطلقها من عقالها؛ تطور الفكر الإنساني تطورًا عظيمًا في كل مناحيه، فإني لا أرى موجبًا لاستمرار التمسك بهذا الرأي ـ أي تقليد مذاهب الفقه المشهورة ـ، وهل ادعى أصحاب المذاهب الفقهية أنفسهم أن استنباطهم للأحكام هو آخر كلمة تقال فيها؟ إنهم لم يزعموا هذا أبدا)([49]).
ويقول الشيخ أبو زهرة: (. . ولم يقل أحد مِـمَّن جاء بعد الأئمة أَنَّهُ حرم الاجتهاد على غيره، وجعل الاستنباط مقصورًا على طبقة لا يحدها إِلاَّ الزمان، بل إنه مفتوح لمن استوفى شروطه)([50]).
ويقول الشيخ محمود شلتوت: (وهنا نذكر بالأسف هذه الفكرة الخاطئة الظالمة التي ترى وقف الاجتهاد وإغلاق بابه. ونؤكد أن نعمة الله على المسلمين بفتح باب الاجتهاد)([51]).
3 ـ أهدافها ومواصفاتها
تطرق سماحته إلى أهداف حركة الاجتهاد والتجديد، ومواصفات الطرح المنشود.
فقال في الأهداف:
1) صياغة الناس العقلية والنفسية لتوافق هدي الكتاب والسنة.
2) محاكمة القضايا الجديدة بالمنظار الشرعي وفق دليله.
3) ترميم وصياغة المناهج (الكتب، أساليب التعليم، طرق الدعوة، الإذاعة، التلفاز، الشبكة العالمية).
4) إعادة المصطلحات التي غيَّبها الناس إلى مجاريها (الربا بالفوائد، الخمر بالمشروبات الروحية، الزنا بالحب… . الخ)([52]).
وقال سماحته في مواصفات الطرح الجديد:
1) الموائمة بين مطالب الروح ومطالب الجسد.
2) العموم والشمول ليشمل جميع متطلبات الحياة.
3) أسلوب الطرح الجذاب، (وهذا لا يختص بالمجتهد فيما تداول طرحه، أما ما لم يسبق طرحه فالاجتهاد شرطه الأساسي).
4) استخدام شتى الوسائل الإعلامية ليبلغ صوت الحق قويًا مسموعًا.
5) إدراك الأوليات وتقديم الأهم على المهم.
6) التطبيق الواقعي حتى لا يقع التنافي بين القول والعمل مِمَّا يؤكد واقعية الدين ويسهل عملية الاقتداء بوجود النموذج([53]).
وَمِـمَّا يمكن أن يضاف إلى الجانب الفقهي من هذه الأهداف التي ذكرها سماحته ما يلي:
1) صياغة المناهج [الفقهية] حتى تجمع بين النظرية والتطبيق فتربط الفروع بالأصول ليتمكن الطالب من التطبيق.
2) إعادة النظر في بعض شروط الاجتهاد التعجيزية التي تحول دون بلوغ مرتبته.
3) النظر في القواعد والأسس الفقهية لأجل ضبط الاجتهاد ويعلل سماحته هذا الأمر الأخير بقوله: (البحث في الأسس من شأنه أن يسهل النظر في الفروع)([54]).
ويوافق سماحته على هذا الرأي د. عمار الطالبي حيث يقول: (بداية العمل التجديدي في الفقه وتيسيره هي العناية بتجديد المنهج الأصولي لتكون أسس التجديد للفروع واضحة. وإن كان بعض زملائنا ومنهم جمال عطية يقول بأن العناية بأصول الفقه ضرورية، ولكنها تؤجل مؤقتا ويتجه التجديد والتيسير إلى الفروع الفقهية للاستجابة الضرورية الملحة في هذا المجال)([55]).
وثمة اختلاف أيضًا في قضية إعادة صياغة الفقه على النسق القانوني الغربي بين مؤيد ورافض للفكرة، خوفًا على الفقه من انسلاخه من تراثه وأصوله؛ ومن هؤلاء الرافضين: د. حسام الدين الأهواني ود. عمار الطالبي ود. وهبة الزحيلي، حيث يسمي هذه الطريقة بـ (التقريبية)، ولا يرتضيها منهجا؛ ويميل إلى الطريقة الوسطية التي تحافظ على ثوابت الشرع وتراعي المصالح المرسلة في مقتضيات التطور. ودعا الفقيه القانوني الدكتور السنهوري إلى نهضة علمية لدراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن وشرح طريقته في ذلك: (لن يكون همنا في هذا البحث إخفاء ما بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي في الصنعة والأسلوب والتصوير، بل على النقيض من ذلك سنعني بإبراز هذه الفروق ليحتفظ الفقه الإسلامي بطابعه الخاص، ولن نحاول أن نصطنع التقريب ما بين الفقه الإسلامي بطابعة الخاص، ولن نحاول أن نصطنع التقريب ما بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي… وتقتضي الدقة والأمانة العلمية أن نحتفظ لهذا الفقه الجليل بمقوماته)([56]).
ونخلص من هذا كله أن تجديد الفقه الإسلامي وطرحه بأسلوب مبتكر لا بأس به ما دام سيحافظ على مادته ومحتواه، ولا يخل ذلك بمصدره أو بمضمونه الشرعي؛ فالحكمة ضالة المؤمن.
ويقول علي آل هاشم: (إننا ندعو إلى التجديد ونشجع عليه مع التزام مناهج التجديد السليمة التي تعطي لفكرنا الفقهي الحيوية والقدرة على مواجهة حركة التغيير الاجتماعي، كما نريد التجديد الذي يلغي ذلك التصنيف المعتاد للمدارس الفكرية (القديم والحديث)، كما نريد التجديد الذي يعيد الاعتبار للنصوص الشرعية)([57]).
4 ـ شروطها
لا شك أن عملية الاجتهاد تحتاج إلى شروط لا بد منها حتى لا يدَّعي أي شخص أَنَّهُ مجتهد، وأنه يريد أن يجدد لهذه الأمة. وقد مر معنا أن الاجتهاد بشروطه أصبح أسهل من ذي قبل لتوفر الكتب كما مر معنا رأي سماحته بإعادة النظر في شروط الاجتهاد التعجيزية، غير أَنَّهُ هنالك بعض العلوم لا بد للمجتهد أن يحرزها ويتقنها ومن ذلك:
1) أن يكون ضليعًا في اللغة العربية بقدر ما يتمكن من الفهم والإدراك والتمييز.
2) أن يتضلع في علم أصول الفقه بقدر ما يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية.
3) المعرفة بعلوم القرآن وعلوم الحديث وسيرة النبي e.
4) المعرفة بمقاصد الشريعة.
5) فقه الواقع([58]).
وهذه الشروط هي التي حث عليها الشيخ محمود شلتوت بقوله: (وما على أهل العلم إلا أن يَجِدّوا ويجتهدوا في تحصيل الوسائل التي يكونون بها أهلاً للاجتهاد في معرفة حكم الله)([59]).
وقد لا حظ بعض الباحثين جانبًا مهما في المجتهد، وهو ما يتمثل في الاستعدادات النفسية لديه، وما للبيئة من أثر عليه في ذلك([60]). وفي ما اشترطوه على المجتهد من فقه الواقع يقول ابن القيم: (وهذا أصل عظيم… بل يحتاج إلى معرفة مكر الناس وخداعهم، وعوائدهم وعرفياتهم، والعلم الذي يتناول هذا هو العلم الاجتماعي)([61]).
ويقول الدكتور حسن الترابي: (إِنَّهُ كما لا يمكن أن يجتهد في الفقه الإسلامي من لم تكن له دراية في علوم الشريعة، فلا يصح كذلك أن يجتهد في الشريعة من لم يكن على علم وتمكن من العلوم الإنسانية والاجتماعية تمكنًا كافيًا)([62]) .
ويقول سماحته شارحًا لهذا الجانب المهم: (والتجديد كما يستلهم معطياته من النصوص فهو أيضًا يتميز بالواقع، فلذا كان لزامًا على المجدِّد أن يستنير بسنن الله تعالى في الكون… وهذه السنن تشمل القواعد الكونية في مختلف المجالات التي يحتاج إليها الإنسان فتعم علوم الاجتماع والنفس والعلوم الفلكية)([63]).
ويقول: (وعدم تصور الواقع يجعل المرء لا يتمكن من تحقيق المناط؛ لأنه لا يعرف الجزئيات التي ينزل عليها الحكم الكلي، ولا يمكنه أن يقيس لعدم تمكنه من معرفة تحقق العلة في الفرع، وبذلك ينهار بنيان التجديد والاجتهاد معًا)([64]).
5 ـ التحديات التي تمر بها:
بين سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ جملة من التحديات الناشئة عن الانحرافات البارزة في هذه المجال، ومن خلال وقوفي على بعض ما قاله رأيت أن هذه الأمور؛ إما أن تكون ناشئة في بيئتهم الإسلامية، ناتجة عن الجهل بروح الإسلام وطبيعته. أو جاءت من أعدائهم فتلقفوها عنهم دون تمحيص، وزعموا أنهم أرادوا خيرًا بذلك وهم واهمون.
يقول سماحته مبينًا خطورة الجمود: (ولقد مرت فترة جمدت فيها حركة الإبداع عند الأئمة، وقل النظر والاجتهاد، وسلم الناس تسليمًا بكل ما وجدوه عن أسلافهم، وقد وصلت المغالاة في ذلك إلى حد بعيد؛ ولا أدل على هذا مِمَّا نجده من النصوص العجيبة التي في كتب العقيدة والتفسير وغيرها التي تجعلنا نحار من أمرها وقائليها، مثال ذلك ما يقوله الصاوي في حاشيته على الجلالين أنه يجب على جميع الناس أن يقلدوا الأئمة الأربعة، ومن لم يقلدهم فهو ضال مضل)([65]).
وذكر سماحته أيضا جملة من الطرق الملتوية التي يسلكها الناس بدعوى الاجتهاد والتجديد:
1 ـ فمنهم الْمَصْلَحِيون، وهم الذين جعلوا المصلحة مطية امتطوها لرد النصوص القطعية.
2 ـ المتساهلون: وهؤلاء خاضوا في أعمق المسائل، وركبوا الحرام بغير مبرر ودون أن يستفرغوا الوسع، بل لم يمعنوا النظر أصلاً.
3 ـ المبهورون بالغرب، وللهزيمة النفسية أثرها في توجيه هؤلاء.
4 ـ الظاهريون، وهم الذين اقتصر نظرهم على القشور دون اللب.
5 ـ المنهزمون: وهم الذين تصوروا أن غاية الاجتهاد هو تبرير الواقع.
6 ـ العقلانيون: وهؤلاء وقعوا فيما وقع فيه المصلحيون في تصور الثنائية المتعارضة بين العقل والنقل، ولذلك حاكموا النصوص القطعية بعقولهم وأهوائهم.
7 ـ المعجبون بالقديم لقدمه والجديد لجدته([66]).
هذا ملخص ما ذكره سماحته في هذا الجانب ونستنتج منه أنهم بين مُفرِط ومُفَرّط، وقد قادهم هذا المنهج إلى تعسفات واضحة بعيدة عن روح الدين وفكره.
وعزا أحد الباحثين أساس هذا الغلط إلى عدم التفريق بين مدلول التجديد ومدلول التغيير والخلط بينهما، مِمَّا يؤدي بهم إلى القول: بتغيير شامل لما وجدوا عليه الناس، مجاراة لأحوال العصر وخضوعًا لناموس التطور([67]).
ويدعو د. عامر الكفيشي إلى التفرقة بين النص الديني والفكر الديني أو قراءة النص؛ فالنص وضع إلهي خالد معصوم مجرد عن قيدي الزمان والمكان، أما قراءته أو فقهه فهو وضع بشري تأريخي يتقادم قابل للأخذ والعطاء([68]).
والحق الذي يرتضيه سماحته هو المنهج الوسطي المعتدل الذي يحمل الخيرية للإنسانية بأسرها([69]).
* * *
المحور الثالث: القيم الأخلاقية لفقه الاختلاف عند سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ
تشكل القيم الأخلاقية في الحضارة الإسلامية شرطًا أساسيًا في منهجية البحث في جميع العلوم، ومنها علم الفقه. ولهذه القيم الهيمنة على القيم الأخرى سواء كانت قيما علمية أو منهجية أو فنية أو اجتماعية… ويضاف إلى ذلك أنها تعد الأرضية الخصبة والمناسبة لنمو التجديد الفقهي ليعطي ثمرات صالحة لمجتمعه بل للإنسانية بأسرها.
وإنه من خلال الجمع بين هذه القيم لفقه الاختلاف، وغيرها من القيم الحضارية العامة التي نادى بها الإسلام؛ جاءت الفتوى العمانية المعاصرة بما فيها من الحيوية والتجديد لتؤكد على احترام الإنسان كإنسان بشكل عام. وعلى احترام المسلم كمسلم بشكل أخص وأدق وأعمق، فهي ولا ريب تعطي صورة واضحة للإسلام الحنيف بكل ما يحمله من تسامح وصفاء ورحمة.
إن حسن الظن بالمسلمين والتماس العذر لهم، والحوار الهادىء الهادف معهم بقصد الوصول إلى الحقيقة هو القلب النابض لهذه المؤسسة الإفتائية، ويصح القول: إنها الآية والسمة البارزة للمدرسة الإباضية منذ نشأتها الأولى على يد إمامها الأكبر التابعي الجليل (مفتي البصرة) جابر بن زيد t، مرورًا بالربيع وأبي عبيدة، فحملة العلم إلى المشرق والمغرب، فالعلماء المجددين في كل قرن ـ y أجمعين ـ إلى وقتنا الحاضر حيث لا تزال هذه القيم ـ ولله الحمد ـ غضة طرية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
يقول سماحته مبينًا لما يجب أن يهتم به المسلمون في هذا العصر ويجعلونه نصب أعينهم: (هناك قواسم مشتركة ما بين الأمة جميعًا، فحسب الأمة أن تكون جميعًا متفقة على أركان الإسلام؛ هذا ما يجب أن يراعى في الوحدة بين الأمة… فلماذا لا نذكر دائمًا بالإيمان بدلاً من أن نسعى دائمًا في الحديث عن الاختلاف الذي يعود إلى التفسيرات والجزئيات؟)([70]).
ويقول في مراعاة مصلحة الأمة: (فإن مصلحتها في الاتحاد، والظروف يجب أن تقدر، فما الداعي في هذه الظروف الحالكة المكفهرة التي عبست في وجه هذه الأمة، ما الداعي أن تعتني هذه الأمة بما يزيدها اختلافًا ووهنا؟)([71]).
وقد انعكست هذه الرؤية الثاقبة على المؤسسة الإفتائية إيجابيًا، فأعطت إسهامًا فاعلاً على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يقول الأستاذ الدكتور مصطفى عبد القادر: (عمان لم تنصف في الكشف عن كنوز فكرها الخلاق، تحتاج في عصر العولمة الألفية الجديدة من يسلط الضوء على مبدعيها، ويأتي على رأسهم سماحة الشيخ الخليلي الحجة الفكرية العربية والتاريخية الإسلامية الذي تجاوزت أعماله حدود وطنه عمان إلى العالمية، ليأخذ على عاتقه الدفاع عن الإسلام وشرح أصوله ومنهجه وفكره وفلسفته… مبتعدًا عن العواطف الهوجاء التي تبعد الحقيقة عن ذاتها، وتستسلم إلى رقة الكلام المنمق. لقد لخص سماحته صفحات التاريخ العربي عبر عصوره بآراء وأقوال واجتهادات بلغ بها الذرى؛ أفلا يحق للمؤمنين أن يعطوه صفة (مفتي العروبة والإسلام)، ويسلطون الضوء على قدراته الخلاقة، وأفكاره النيرة، وأقواله المأثورة التي عجزت عن النطق بها مؤسسات علمية ومراكز بحثية)([72]).
وحتى لا يطول النظر إلى دقائق وجزئيات هذا الموضوع أراني مضطرًا أن أكتفي هنا بذكر أهم القيم التي صاحبت فتوى سماحته في هذا الجانب: .
1 ـ الإخلاص والتجرد من الأهواء:
الإخلاص هي القيمة التي يدور عليها رحى العمل في الإسلام عمومًا، وما يتصل بالميدان العلمي خصوصًا، سيما علم الفقه أو ما يتعلق بالفتوى؛ لذا فإن أي انحراف عن هذا الجانب يلازمه ميل إلى الهوى كما يلازمه القصور في النظر والبعد عن الصواب.
إن ما يدو اليوم في أروقة بعض المؤتمرات التي صممت في الأصل لجمع الكلمة من شجار وخلاف، وربما تنابز بالألقاب لَيَنِمّ ويشي عن قلة المبالاة بالعواقب من غير أن نتهم أحدًا في إخلاصه. وأَنَّى لأمَّة أن تجتمع وتتحد إذا كان كل فريق يجعل غاية سعيه وأكبر همه الانتصار لقضيته فحسب، بغض النظر عن عدالتها أو قناعته بها أو الوسيلة التي يركبها لبلوغ مطمحه ومراده. وهذا ما يدعو لعمر الحق إلى الحزن والأسى، وهنا يأتي دور الإخلاص للحق وحده ليكون البلسم الشافي لما تعانيه هذه الأمة اليوم من فرقة وضياع.
غير أنه ـ ولله الحمد ـ يوجد في الأمة الإسلامية علماء مخلصين جادين منتشرين في أصقاع الأرض يحملون هم الإسلام، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل استعادة هذه الأمة لمكانتها بين الأمم والحضارات. .
وإذا كان الإخلاص أمر معنوي لا يعرف إِلاَّ بآثاره وتجلياته، وكما لا تدرك ماهيته كذلك لا يمكن قياس مقداره؛ فإنه يمكن مع ذلك الاستدلال على وجوده ومقدار ترسخه في النفس ومدى استحواذه على القلب والجوارح.
فنحنن على يقين بأن النجاحات التي يحرزها سماحة الشيخ في كل ميدان هي دليل قاطع بإخلاصه لأمته ومجتمعه، وحيث إن حديثنا عن الجانب الفقهي فإن أعمال سماحته في كل الجوانب سواء كانت أعمالاً كتابية (فتاوى أو بحوث أو دراسات) أو مقالية (خطب ومحاضرات، دروس فقهية، فتاوى شفهية) أو إدارية(مشاركة في المؤتمرات واللقاءات)؛ لتشهد له بأنه يسعى إلى كلمة سواء.
فلينظر طالب الحق ـ إن شاء على سبيل المثال ـ إلى فتاوى سماحته من ألفها إلى يائها يجد أَنَّهَا لا تخرج قيد شعرة عن هذا السياق، ولينظر ـ إن شاء ـ إلى مؤلفات سماحته في هذا الجانب، وما استوعب تفسيره من بحوث فقهية وغيرها، ولينظر طالب الحق كذلك في أعمال المؤتمرات التي كان سماحته فيها رئيسًا أو عضوًا مشاركًا.
يقول سماحته في أعمال ندوة الفقه الإسلامي المنعقدة بجامعة السلطان قابوس عام 1408هـ 1988م، وكان رئيسًا لها: (وقد أتت والحمد لله ثمارها من حيث التعارف الذي يثمر المودة في النفوس، ويزيل الوحشة من القلوب، ويربط بين هذه القلوب بعد تنافرها، ويذكرنا منة الله تعالى على هذه الأمة؛ إذ يقول: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾([73]).
2 ـ عذر الآخرين في المختلف فيه
وعن هذه القيمة الأخلاقية يقول عثمان بن عبدالله الأصم ـ رحمه الله ـ : (وإذا الاختلاف في حكم الحادثة بالرأي لم يجز لكل فريق من أهل الرأي أن يخطئ صاحبه)([74]).
وجاء عن صاحب قاموس الشريعة ـ رحمه الله ـ : (إن الله تعالى من كرمه ورحمته أوسع على عباده في أمور ولاهم الحكم فيها، وفوضها إليهم، وأمرهم بالاجتهاد فيها… )([75]).
وعبر هذه البوابة الواسعة لمفهوم الرحمة والكرم الإلهي والتوسعة على العباد يؤكد هؤلاء العلماء المخلصون النابهون أن اتفاق الناس في الفروع لا يمكن، فالاختلاف في فهم الأحكام لا بد منه فهو ضرورة ملحة أوجبتها عدة عوامل: ـ
أ – منها: أن الله تعالى أراد أن يكون في أحكامه المنصوص عليه والمسكوت عنه، وأن يكون في المنصوص عليه المحكمات والمتشابهات والقطعيات والظنيات لتعمل العقول فيما يقبله الاجتهاد.
ب ـ من حيث اللغة: ففي نصوص القرآن الكريم اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى، وفيها الحقيقة وفيها المجاز.
ج ـ من حيث طبيعة البشر فقد خلقهم الله تعالى مختلفين في التفكير والطباع والصفات.
والاختلاف في الفروع ثروة فكرية للأمة ينمو الفقه في ظلالها وتتسع دائرته حولها، ويستطيع المجتهد الفقيه أن يجدد لمنفعة العباد وصلاح البلاد.
ومن هذا المسلك القويم يتجه سماحته في فتواه اتجاها بعيدًا عن التشنجات التي تحصل بين الحين والآخر عند بعض العلماء على الفروع الفقهية؛ يقول سماحته في فتوى له: (لا ينبغي للمسلمين أن تشتد الخصومة بينهم في مسائل فرعية، للاجتهاد فيها مجال رحب ما دام كل مجتهد فيها يتعلق بما يراه حجة ويرتضيه دليلاً شرعيًا اجتمع فيه وصفان: قطعية متنه ونصية دلالته… .. )([76]).
ويقول في موضوع آخر: (لم أتعرض في جوابي لصلاة الشافعي ولا غير الشافعي جواز ولا بطلانًا، وما كان لي أن أحكم ببطلان صلاة أحد يتمذهب بمذهب ويؤدي صلاته طبق تعاليم ذلك المذهب؛ فإن علماء المسلمين لهم اجتهادات وآراء في الصلاة وغيرها من العبادات، ولا يعد الخلاف في ذلك من القضايا المفضية إلى الإشكال؛ لأنه اختلاف فرعي يكون حتى في المذهب الواحد)([77]).
3 ـ إحسان الظن بالآخرين:
وهذا مبدأ سار عليه سماحته في تعامله مع المسلمين عمومًا، ومع علمائهم خصوصًا؛ فيستمع لأقوالهم وينظر في كتاباتهم ويدقق فيها بتأنٍ وحسن نية وصلاح طوية، يلتمس لهم الأعذار ويبرر مواقفهم إن كانت تحتمل وجهًا من وجوه الحق، بعيدا كل البعد عن اتهام أحد في نيته أو الحكم عليه في سريرته.
يقول سماحته معقبًا على الدكتور: أحمد عبد الرؤوف في مداخلته في ندوة الفقه المنعقدة بجامعة السلطان قابوس، وقد ذكر حزنه الشديد على التساهل الحاصل من بعض علماء المسلمين في بعض القضايا التي عد التساهل فيها فجيعة في أعز شيء لدى المسلم في الحياة، وسماها (التراجعات والانهزامات في عالمنا الإسلامي): (شكرًا لفضيلة الشيخ على هذه الغيرة وهذه الصراحة، وعلى كل حال هذه القضايا التي ذكرها قضايا مهمة، وهي معتبرة إن شاء الله. وإنما أردت أن أقول بأن علماء المسلمين نحسن بهم الظن، وإنما قد يكون هناك أناس محسوبون على علماء الإسلام، ومحسوبون على العلم، يصدرون فتاوى يتجاوزون فيها حدود ما شرعه الله سبحانه وتعالى؛ فلا ينبغي أن يدان جميع المسلمين بفعل أولئك، هذا أمر واقع، وعلى كل حال نشكر لفضيلة الشيخ هذه الغيرة([78]).
4 ـ الإنصاف للآخرين والبعد عن تجريحهم.
يسير الإفتاء العماني المعاصر على هذا المنهاج الذي سار عليه سلفه الصالح حيث لم يؤثر عنهم تجريح بعضهم بعضًا رغم اختلافهم، ولا أدل على هذا من ذلكم الود والصفاء والحب والإخاء بين الصحابيين الجليلين عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس ـ y أجمعين ـ، رغم ما بين مدرستيهما من خلاف؛ وكلاهما ينشد الحق وكلاهما على حق.
يقول الإمام السالمي ـ رحمه الله ـ مبينًا هذا المسلك القويم:
نحن الأولى نسكت عما قد مضى ولا نعد الشتم دينا يــــرتــــضـــــــى
فهـذه بـــلادنــــــــــا لا تـــلــــــقى بها لسب الصحب قطا نــطــــــقــــــا
ونحــن لا نطالــــــب العــبـــــــــادا فــوق شهـادتيهم اعــــتــــقــــــــــــادا
فمن أتــى بالجملتين قــــــلــــنــــــا إخــواننــا وبـالحقوق قــــمــــنــــــــا([79])
ويقول العلامة أبو إسحق اطفيش ـ رحمه الله ـ (وهو شيخ سماحته) في معرض الرد على الأستاذ محمد بن عقيل العلوي الذي شتم الإباضية، ونسب مذهبهم إلى الخوارج: (إنه من اعتقادنا أن الشتم ليس بعبادة، وما فائدة شتم الناس؛ يا ترى أعبادة؟! فالله لا يعبد بالشتم، أم معصية؟! فأهل الورع لا يتعمدون ارتكابها)([80]).
ومنهج سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ في هذا الجانب يجرى على نفس الخطة ويسير على نفس الأسلوب فهو يؤثر السكوت وعدم الخوض فيما جرى بين الصحابة y من خلاف كما يقول سماحته: (قضية ما جرى بين الصحابة: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾([81]) وأين نحن من صحابة رسول الله e أولئك قوم اختارهم الله عز وجل لصحبه خير الأنام، وظهر على أيديهم وألسنتهم هذا الدين وانتشر في أرجاء الأرض… ([82]).
ومن خلال تتبعي لفتاوى سماحته فإني أجد حضور أئمة المذاهب الإسلامية في الكثير منها، وأجده يذكرهم بالتبجيل والاحترام، وينزل كل واحد منهم منزلته العلمية التي تليق به، فيطالعنا على سبيل المثال في الجزء الأول من فتاوى العبادات العبارات التالية: (إمام المحدثين الحافظ ابن حجر، العلامة السهرنفوري، الأئمة مالك والشافعي وأحمد، العلامة العيني، والعلامة السيد محمد رشيد رضا، العلامة المراغي، العلامة ابن رشد، الإمام زيد)([83]).
5 ـ الحوار الهادئ الهادف
الحوار بهذا المعنى يعني قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات.
وهذا ما أكده سماحته قولاً وصدقه عملاً جاء في بعض فتاواه أنه يرى أن الحوار مطلوب لكن يكون الحوار يجمع ولا يشتت، ويؤلف ولا ينفر ويقوي ولا يضعف ويقرب ولا يبعد([84]).
وأهم ما يميز أسلوب سماحته في الحوار:
أ ـ الحلم والوقار، وتقوى الله في كل كلمة تصدر منه.
ب ـ اختياره لأرق التعابير وألطفها.
ج ـ تركيزه على المتفق عليه من غير تضخيم للمختلف فيه.
د ـ مستعد للتنازل عن رأيه متى بان له خطؤه وصواب ما عند الآخر.
وبالرجوع إلى البحوث الفقهية لسماحة الشيخ ـ وهي مبثوثة في كتب الفتاوى وغيرها ـ يمكننا أن نتعرف على أسلوبه في المحاورة عند بحثه للمسائل ورده على الاعتراضات ومناقشته للأقوال؛ تجد العبارات التالية (وقد يتساءل بعض الناس لم هذه العناية بهذه القضية التافهة؟ فالجواب. وقد يقول قائل: إن كان الأمر كما تدعون فما بال بعض كبار علماء السلف؟ فالجواب. فإن قيل: فالجواب… الخ)([85]).
وأختم هذا المحور بالقول: إن حرص سماحته على هذه القيم الفاضلة كان له مردوده الإيجابي الواضح على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما أكده الواقع وشهد به الناس؛ يقول أحد الباحثين: (إن لفكر الشيخ الخليلي المعتدل والوسطي الأثر الكبير على المجتمع العماني عامة والمذهب الإباضي خاصة، بحيث غدت عمان في طليعة الدول العربية والإسلامية الداعية للحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية باعتباره أنجح سبيل للتفاهم بين الناس، وتحت مظلة التسامح هذه قامت مؤسسات المجتمع العماني وعلى رأسها المفتي العام لسلطنة عمان بفتح دائرة الحوار حول عدة قضايا منها: الاجتهاد في الإسلام والتقريب بين المذاهب الإسلامية)([86]).
* * *
المحور الرابع: منهج الإفتاء عند سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ
ومن خلال هذا المحور سأحاول بحول الله أن أقف على الخطوط العامة التي حددت مسار سماحته، وهو يناقش أو يفتي في مسائل الفقه. وحسبي من ذلك أن أعرج على أهم المعالم، ولا أزعم أنني أقدم صورة مكتملة في هذه العجالة المقتضبة؛ على أن هذه المعالم فيها من التجديد في الجانب الفقهي ما لا يخفي، وكنت أود أن أتوسع بالمقارنة بين منهج سماحته وبين ما كان عليه بعض العلماء المتقدمين عليه ليتضح لنا الجديد والتجديد أكثر فأكثر، لولا أني خفت أن يطول الأمر ويفضي إلى الخروج عن الدائرة المحددة للبحث، وإليك أخي القارئ بعض سمات هذا المنهج التجديدي.
1 ـ التحرر من العصبية والتقليد
تمكن العلامة الخليلي ـ حفظه الله ـ من تجاوز قنطرة التعصّب المذهبي الضيق التي لم يسلم منه كثير من أهل العلم والفهم، وذلك ما تنطق به بحوثه وفتاواه؛ فما هي في حقيقتها إِلاَّ ترجمة حية لسعة صدره ورحابة فكره وانفتاحه على الآخرين، وقد بات لديه الهدف ـ من ذلك ـ واضحًا وساميًا، ولا يمكن التنازل عنه أو التفريط فيه، ألا وهو الوصول إلى الحق بغض النظر عن صاحبه أو مكانه أو زمانه.
إن بحوث سماحته تعكس حقيقة العالم المستقل الذي بلغ درجة الاجتهاد المطلق؛ فسماحته (لا يعرف الحق بالرجال وإنما يعرفهم بما عندهم من الحق)، وأرى أن ألقي بين يديك أيها القارئ الكريم بعض الشواهد على ما أوضحته لك سابقًا لتتبين صوابه وأنه الحق بإذن الله:
أ ـ ربما جاءت الفتوى عند سماحته مخالفة لما عليه علماء المذهب، فمتى كان الدليل أقوى في المسألة والمصلحة راجحة فيها كانت هي الفتوى المعول عليها بقطع النظر عن القائلين بخلاف أو وفاق معها؛ ومن هذا الباب:
ـ أفتى سماحته بفرضية صلاة الجماعة على الأعيان، وهي في حقيقتها جاءت ملبية لحاجة الأمة التي يراد لها الوحدة بين أفرادها، كما يراد لها أن تمتلك زمام القيادة في الأرض، ولا يمكن بحال أن تصل إلى هذا السؤدد إِلاَّ إذا انظبط أمرها في صلاة الجماعة، كما جاءت هذه الفتوى ـ ولا ريب ـ منسجمة مع قوة الدليل([87]).
ـ كما أفتى سماحته بحرمة ربا الفضل: وهو بيع الجنس بجنسه متفاضلاً يدًا بيد؛ جاء في الفتوى: الراجح ما مال إليه الإمام أبو يعقوب الوارجلاني، وأشار إلى اختياره القطب، ورجحه الإمام الخليلي ـ رحمهم الله جميعًا ـ، وعليه في عصرنا إمام المعقول والمنقول القنوبي ـ حفظه الله ـ وهو عدم جواز ربا الفضل وذلك للأحاديث الواردة في ذلك، والله أعلم([88]).
فانظر إلى قوله ـ حفظه الله ـ : (وذلك للأحاديث الواردة في ذلك) لتعلم أَنَّهُ يعول على قوة الدليل ورجحانه.
ب ـ يهتم سماحته ـ حفظه الله ـ بتتبع بحوث العلماء من السلف والخلف، ويستعرض للأقوال المختلفة فيها ويوازن بين أدلتها، وينظر في مستنداتها النقلية والعقلية ليختار منها ما كان أسعد بنصوص الشرع، وأقرب إلى مقاصده وأولى بمصالح الناس؛ فهو بهذا لا يتغافل عن نتاجات علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
ج ـ يرى سماحته أن المسائل الاجتهادية كلها ليس الإختلاف فيها شديدًا، وأن الاختلاف مع المذاهب كنفس الاختلاف في المذهب الواحد([89]).
ومن أمثلة ما خالف فيه سماحته الجمهور متشبثًا بالدليل الأقوى رأيه في بعض مسائل كفارة القتل:
قال سماحته: اختلف العلماء: إذا اشترك جماعة في القتل كيف تجب عليهم الكفارة ـ فقول الجمهور ـ ومنهم الحسن وعكرمة والنخعي والحارث العكي ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، وعليه أكثر أصحابنا ـ بأن على كل واحد منهم كفارة واحدة. وقيل: بالتفريق. ولا ريب أن رأي الجمهور أحوط وأسلم وأورع، لكن الفتيا إِنَّمَا تبنى على الدليل الأرجح، والذي يرجح عندي في هذا بالدليل قول من أوجب على الجميع كفارة واحدة سواء كانت عتقًا أو صيامًا([90]).
2 ـ الاهتمام بالفقه الواقعي
الفقه الواقعي الذي يناقش القضايا المستجدة في المجتمع، ويبدي رأيه في النوازل التي حلت بالناس مِمَّا ليس له حكم سابق، أو فيما يكون له حكم سابق ولكنه يحتاج إلى إعادة نظر لتغير ظروف الناس وتبدل أحوال العصر بجريان الزمان واختلاف المكان.
يقول سماحة الشيخ في هذا الجانب: (وإذا كان عهد الخلفاء الراشدين اتسم بحركة فكرية فقهية للتعدد في الوقائع فكيف بحال عصرنا، والحوادث فيه لا حصر لها مع تعدد جوانبها؛ فالجنايات وقرائنها المتنوعة كالبصمة وغيرها، والنسب ودلائل ثبوته بالخصائص الوراثية، ومختلف الابتكارات الطبية الجديدة كالرحم المستعار والاستنساخ ونقل الأعضاء وغيرها، كل تلك القضايا تستدعي النظر في حكمها. كما أن عجلة الأيَّام لا زالت تدور في المجال الاقتصادي كالمعاملات البنكية المتعددة فأَنَّى تحل بغير الاجتهاد؟!)([91]).
ومن خلال الوقوف على فتاوى سماحته في هذا الجانب نجد أَنَّهُ يحاكم هذه القضايا الحادثة بالمنظار الشرعي وفق دليله فيتبين صالحها من فاسدها مع مراعاته لمصالح الناس وتقديره لضروراتهم. يقول سماحته في قضية الاستنساخ: أنا قلت من أول مرة عندما بدأ الاستنساخ بأن السير في هذا المنهاج يؤدي إلى تمرد الإنسان وخروجه عن سير الفطرة، وذلك مِمَّا يؤدي بطبيعة الحال إلى المفاسد الكبيرة، وفتح هذا الباب يترتب عليه ما يترتب من دخول الكثير من الأمور الشاذة التي تنحرف بالإنسان ذات اليمين وذات اليسار ليخرج عن المنهج الصحيح؛ وَإِنَّمَا قلنا ما آتاه الله سبحانه وتعالى الإنسان من علم يجب أن يستغل فيما يعود بالصالح على الإنسان، يمكن أن يستنسخ أعضاء الإنسان إن كان بحاجة إليها… )([92]).
وهنالك الكثير من هذه الفتاوى العصرية التي تناولها سماحته وبين فيها رأيه مِمَّا يعطي الصورة الواضحة على التجديد الفقهي عند سماحته ـ حفظه الله ـ .
3 ـ تغليب روح التيسير والبعد عن التشدد
إِنَّهُ بمجرد النظرة الأولى في نتاجات سماحة الشيخ الفقهية ينطبع لدى قارئها مراعاته لجانب أصيل في الحنيفية السمحة ألا وهو جانب التيسير ورفع الحرج، مستندًا في ذلك إلى معطيات الكتاب الحكيم والسنة القويمة. ويحضرني في هذا المقام بعض الشواهد:
أ – إِنَّهُ كثيرًا ما ترد فتاوى سماحته وبحوثه القيمة مطعمة بالآيات والأحاديث الدالة على معنى اليسر بهدف ترسيخ هذا المفهوم في قلوب المسلمين. يقول سماحته في فتاوى الصلاة: (من لا يستطيع الاتجاه إلى القبلة في الصلاة يصلي كيفما أمكنه فإن الله تعالى يقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ ويقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾. والنبي e يقول: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم… » ([93]).
ب ـ ومن ذلك أن سماحته ـ حفظه الله ـ لا يحجر على الناس أن يأخذوا برأيه، فيدل مستفتيه إذا ما اشتد عليه أمر في نازلة من النوازل أن يترخص بقول من أقوال أهل العلم، مع أن مقتضى أقوالهم على غير ما يرجحه سماحته، كما جاء هذا في مسألة حكم التبرع بالكلى. يقول سماحته: (هذه القضية بحثت في المجامع الفقهية وغيرها، وللعلماء فيها رأيان: منهم من تشدد على المبتلى أن يصبر إلى أن يأتي الله بالفرج، وهذا الذي هو معافى ليس له أن يؤثر على غيره شيء من جسمه؛ لأن الإيثار ليس بالنفس، إِنَّمَا الإيثار على النفس. ومنهم من قال ـ وهذا قول أكثر علماء العصر ـ : إذا لم يكن ذلك تجارة ولم يكن ذلك من شخص لا يملك أمره ولا بتأثير ضغوط نفسية أو غيرها، وَإِنَّمَا ذلك اختيار فلا مانع من نقل الكلى. ونرى أن من توسع بهذا الرأي فنرجو أن لا يؤاخذه الله تبارك وتعالى)([94]).
ومثله في حكم إقراض المنافع (… وإن توسع أحد بحيث أخذ برأي المجيزين فَإِنَّهُ لا يُعنَّف، والله تعالى أعلم)([95]).
ج ـ وتتوسع دائرة التيسير عند سماحته في ما تعم به البلوى، وخاصة أن طبيعة هذا العصر قاسية، وقد نجم من طغيان المادية مشكلات مستعصية مِمَّا يقتضي ويستوجب رفع الحرج ودفع المشقة وجلب التيسير. وهذا مقرر عند العلماء السابقين؛ قال أبو سعيد: يقال ـ والله أعلم ـ : إِنَّهُ ليس العالم من حمل الناس على ورعه، ولكن العالم من أفتاهم بما يسعهم من الحق([96]).
ومفهوم التيسير عند سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ يجري وفق حدود وضوابط معينة، وليس من التيسير التنازل عن شيء مِمَّا جاءت به الشريعة الغراء. ولسماحته نظرة ثاقبة فيما يحتاج إليه الناس من الفتوى التي تشفي مريضهم وتداوي عليلهم؛ فتارة يفتي سماحته بما هو أحوط مراعاة لحال السائل أو حال المجتمع فيما إذا كان التساهل معه في أمر من الأمور يجر عليه وعلى مجتمعه ما لا تحمد عقباه. قال أبو المؤثر ـ رحمه الله ـ : (ينبغي للمفتي أن يتحرج، ولا يضيق على الناس ما هو واسع لهم، ولا يوسع لهم ما هو ضيق عليهم)([97])
ومثاله: فتوى سماحته في حكم قيادة المرأة للسيارة؛ فهو يرى أَنَّهُ من الأسلم لها ترك القيادة لما يترتب على ذلك من أخطار دينية إِلاَّ إن دعت الضرورة لذلك، فالضرورة تقدر بقدرها([98]).
د ـ كما تتوسع دائرة التيسير عند سماحته إذا ما جاء المستفتي تائبًا يريد أن يوؤب إلى ربه ويقلع من ذنبه، وهو منهج إصلاحي يترك في تقديره للمفتي، وهو مسلك علماء الأمة الراسخين في العلم. وقد سئل الشيخ ناصر ابن أبي نبهان ـ رحمه الله ـ عن معنى هذين البيتين:
وتبذل الرخصة يا محبوبِ لكل من تاب من الذنوبِ
لكن ذا الإصرار عنه تكتم ليس له تبذل فيما نعلم؟
فقال: فإذا علم منه التوبة بذل له الرخصة لئلا يستصعب الخروج من ذنوبه، وهكذا كان يعمل والدي. والذي يراه يطلب الرخصة حيلة وهو مصر على الذنوب، لم يعلمه بالرخص، وأفتاه بالأشد([99]).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل عن توبة القاتل، فقال: لا توبة له. وسأله آخر عن توبة القاتل، فقال: له توبة. ثُمَّ قال: إن الأول رأيت في عينيه إرادة القتل فمنعته، فجاء مسكين قد قتل فلم أقنطه([100]).
ومثال ذلك من فتوى سماحته فيمن ترك صيام عدة سنوات بجهل، ثُمَّ جاء تائبًا أن عليه قضاء ما أفطر، وله أن يكتفي بكفارة واحدة([101]).
وإجمالاً: فإن سماحته ارتضى أن يكون منهجه وسطًا بين من تحلل من كثير من الأحكام الثابتة بدعوى مسايرة التطور والتيسير على الناس، وبين الذين التزموا تقديس كل ما هو قديم بدعوى المحافظة واتباع منهج السلف، فتراهم يطلقون الأحكام جزافًا بالمنع والتحريم.
وانظر ـ إن شئت ـ في الفتاوى التالية لتتبين منهجه السليم في هذا الأمر:
1 ـ فيمن أراد أن يعمل في بنك ربوي بحجة أن الإسلام دين يسر([102]).
2 ـ فيمن يحتج بأن بعض العلماء أفتى بحلية الزيادة البنكية([103]).
3 ـ حكم عمليات التجميل([104]).
4 ـ مخاطبة الناس بلغة العصر.
مِـمَّا يميز منهج سماحة الشيخ في هذا الجانب: .
أ – أَنَّهُ يفتي ويصوغ بحوثه الفقهية بلغة سهلة، خالية من المصطلحات التخصصية والألفاظ الغريبة، وهو يطبق توجيه الكتاب العزيز في هذا الشأن؛ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾([105]).
ومع سهولة أسلوب سماحته فهو دقيق العبارة متخيرًا للكلمات، بما يتناسب ويتناغم مع ما يحتاج إليه المسترشد.
ومع مراعاته البساطة وعدم التكلف في العبارة، فإن سماحته يقف في خطابه عند درجة معينة ملتزمًا باللغة العربية الفصحى، فلا ينزل إلى مستوى الناس في خطابهم؛ بل يسعى إلى الارتقاء بألسنتهم، وهو شديد الغيرة على لغة القرآن.
وسماحته كذلك لا يرتضي أن يرد عليه سؤال مطعم ببعض الكلمات الأجنبية بهدف تنميق السؤال فحسب، وهو لا يرتضي كذلك أن يكون في السؤال خطأ لغوي لا سيما إن كان السؤال يرد إليه مكتوبًا، فيعمد إلى إصلاحه وتقويم لغته.
ب ـ مراعاته ـ حفظه الله ـ لخصائص تفكير المستفتين على اختلافهم؛ فمنهم الراسخ في إيمانه، ومنهم المتساهل في دينه، ومنهم المشكك الذي لا يقبل الحكم دون معرفة حكمته ومغزاه، ومنهم الجاهل، ومنهم المتجاهل، وفيهم العامي، وفيهم الجامعي المثقف؛ وكل من هؤلاء محتاج إلى مخاطبته على قدر عقليته.
وأكتفي بمثال واحد فقط، إذ الأمر بات واضحًا لا يخفي على المتأمل؛ فقد ورد عليه سؤال فيه شبهة أثارتها بعض الطالبات عن (طبيعة المساواة بين الرجل والمرأة)، ولماذا لا يتساويان في الميراث؟ وكيف تمنع المرأة من إمامة الرجال؟
فقد استفاض سماحته في الرد على هذه الشبهة، وأجاب عنها إجابة مدعمة بأدلة نقيلة وعقلية، مع تركيزه على واقعية الإسلام واعتداله في هذا الجانب ونظرته الصائبة لمفهوم المساواة([106]).
ج ـ الاستشهاد في الفتوى بالجديد من ثقافات العلوم المتنوعة حيث يتميز سماحة الشيخ بأفق واسع وعقلية تستحضر الشواهد العلمية والمعلومات الثقافية في الموضوع بسرعة فائقة وبديهة حاضرة، حتى ليخيل إلى المستفتي أن سماحته متخصص في ذلك الفن؛ فإذا تحدث في جانب الطب أو الفلك أو التاريخ فصّل في القول وتعمق في جزئياته. هذه الميزة أضفت على الفتوى أفقًا رحبًا وحيوية فاعلة، وبذا تؤثر على المستفتي إيجابًا بإحداث الطمأنينة لديه.
ففي سؤال ورد إليه من أحد إخوانه من جمهورية موريتانيا يستفتيه عن حكم التدخين، فأجاب سماحته بإجابة مطولة ـ 25 ورقة ـ ؛ فيها استعراض لخطر التدخين وبيان ما صدر من منظمة الصحة العالمية ومؤتمرات وندوات طبية وما أعده مهرة الأطباء من كتابات في بيان هذا الخطر. وقال سماحته بعد ذلك: (وقد أفاد أخيرًا قبيل تحرير هذا الجواب القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية أن عدد الذين يموتون بسبب الدخان ارتفع إلى خمسة ملايين، كما جاء ذلك منشورًا على موقع هذا القسم من شبكة المعلومات العالمية). ويستطرد سماحته بذكر ما ورد عن المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون من إحصائيات في هذا الموضوع([107]).
5 ـ الإعراض عما لا ينفع الناس
من التجديد الذي أحدثه سماحته في فتاواه إبعادها عما لا يحتاج إليه الناس في حياتهم العملية؛ ومن ذلك لا أجد له في هذه الفتاوى ما يتعلق بالإجابة عن الألغاز الفقهية أو الخوض في قضايا جدلية افتراضية، كما أن سماحته شديد الحرص على تجنب المسائل التي تثير الخلافات القديمة بين الأمة أو الفتن التي وقعت بين الصحابة y؛ فشعاره في هذا: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾([108]).
وما حاله هذا إلا كحال الخليفة الأموي الراشد عمر بن عبد العزيز t عندما سأل عن قتال أهل صِفَّين فقال: (تلك دماء طهرت منها سيوفنا أفلا نطهر منها ألسنتنا)([109]).
فسماحته لا يبحث هذه المسائل إِلاَّ بقصد أخذ عبرة أو تصحيح مغالطة تاريخية أو دفع شبهة فحسب.
كما يؤكد سماحته على أمر هو غاية في الأهمية، وهو عدم إقحام الدين في كل شيء، وتحري المسلم التفريق بين ما يتعلق بالدين وبين ما لا يتعلق به؛ يقول سماحته ردًا على من استفتاه في قضية وصول الإنسان إلى سطح القمر، والتوفيق بين القول بوصوله وبين قول الله تعالى: ﴿… إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾([110]): (هذه القضية لا تتعلق بالدين والعقيدة، فلا داعي إلى بحثها على ضوء الدين. وإنما يجب تنزيه القرآن عن حمله على مثلها كما ذكرت أن بعضهم يتكأ على تلك الآية في إثبات الوصول على القمر، وما هي بدليل؛ لأنها في معرض الحديث عن يوم القيامة. ومن وصل القمر لم ينفذ من أقطار السماوات والأرض كيف والقمر تابع للأرض ليس بينه وبينها إِلاَّ ثانية ونصف بسرعة الضوء؛ بينما أقطار السماوات تقاس بالآلف والملايين من السنين الضوئية، والله أعلم)([111]).
6 ـ إعطاء الفتوى حقها من البيان على حسب مقتضاها
ألاحظ أن لسماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ في بعض فتاواه بيانا مفصلا يستغرق عدة صفحات، بينما قد لا يزيد عن كلمة أو كلمتين في البعض الآخر. ومرد هذا الأمر كما هو معلوم مراعاة ما يقتضيه السؤال من إطالة أو اقتضاب.
أ ـ فمنها ما يحتاج أن يساق لجوابه الدليل بمختلف صوره أو ببعضها ومثال ذلك: فتوى سماحته في اللحوم المستوردة التي جلبت من بلاد الكفر، حيث يحاول بعض الناس المجادلة في حكمها. ومن ذلك أن المستفتي يورد بعض الاعتراضات منها:
1 ـ أن جميع الناس يأكلونها ومنهم حجاج بيت الله الحرام.
2 ـ الاستناد إلى ما جاء في الآية الثالثة من سورة المائدة وفي الآية المائة وثلاثة وسبعين من سورة البقرة، ونحن مضطرون.
3 ـ أن طعام أهل الكتاب حل لنا.
4 ـ حديث «لا تجتمع أمتي على ضلال». ونرى المسلمين مجتمعين على أكلها.
5 ـ هل من المعقول أن يوضع عليه ذبح على الطريقة الإسلامية للتضليل، والغربيون عرفوا بالصدق والأمانة.
فجاءت فتوى سماحته مدعمة بالأدلة، ملمة بجوانب الموضوع، مجيبة عن هذه الاعتراضات، مبينة أَنَّهُ لا بد أن يوضع كل دليل في محله. وهكذا عالج سماحته هذه القضية حتى لم تُبقِ هذه الفتوى في بيان هذا الحكم ريبة لمرتاب. فكل ما جلب من بلاد الكفر من اللحوم فالأصل فيه الحرمة حتى ترد ضمانة مقبولة تفيد أن الذابح لهذه الذبيحة مِـمَّن يحل أكل ذبيحته، ولا بد من ضمانة أيضًا تفيد أن هذه الذبيحة قد ذبحت على الطريقة المشروعة في الإسلام([112]).
ب ـ ومن الأجوبة ما يحتاج أن يربط ببيان الحكمة التشريعية فيه. ومن ذلك ما ذكره في الفتوى للحكم التشريعية في الشعائر الدينية، ومنه أيضا ذكر للحكمة، وذلك أيضًا الحكمة من مشروعية الرجم للزاني المحصن، والحكمة من تحريم زواج الزاني بمزنيته، والحكمة من مشروعية عيدي الأضحى والفطر([113]).
ج ـ وقد يحتاج الجواب إلى ربط الحكم المسؤول عنه بأحكام الإسلام الأخرى حتى تتضح عدالته في أمره ونهيه.
فعند الحديث عن الأسباب الكثيرة التي دعا إليها الإسلام في مشروعية تعدد الزوجات لم يغفل سماحته أن يذكر أن التعدد مشروط بالعدل بين النساء. وأرجع سماحته القصور في ذلك متى ما وجد إلى تطبيق المسلمين وممارستهم الخاطئة، ولا يعود على المبدأ؛ فعليهم أن يحرصوا على العدل وأن يحرصوا على اتباع القرآن الكريم([114]).
د ـ وفي بعض الأجوبة ما يدعمه سماحة الشيخ بالمقارنة بين الإسلام وغيره من العقائد والشرائع المنحرفة ليعلم ما في الإسلام من خير وفضل وما في غيره من زيغ وظلال. ومثاله: قضية تحرير المرأة، ومقارنة ما أعطاها إياه الإسلام وما لاقته في العصور السابقة للإسلام، أو حتى من أدعياء التحرير في الوقت الحاضر.
هـ ـ وهناك من الأجوبة ما فيه استطراد لبيان أحكام مرتبطة بالسؤال نفسه، مراعيًا فيه سماحته ما يحتاج إليه السائل. ومثاله: ما أجاب به سماحته عن حكم الأغذية والأدوية التي يدخل في صناعتها الجلاتين. قال: (… فما بالك فيما تيقنت حرمته كالجلاتين الذي ثبت بالتواتر أَنَّهُ لا يخلو من عظام الخنزير وأدهانه…)، ثُمَّ تناول سماحته خطورته على الناس، وعرج إلى مسألة مرتبطة بتناوله وهي إجابة الدعاء فقال: (… وهذا الذي جعل دعاء الناس لا يرفع ـ والعياذ بالله ـ، فإن من شرط إجابة الدعاء أن يكون طعام الداعي حلالاً لا شبهة فيه، وهو الآن أعز من الكبريت الأحمر، فإنا لله وإنا إليه راجعون نسأل الله العافية)([115]).
7 ـ توظيف الفتوى في خدمة الجانب الإصلاحي:
تمتاز الفتوى عند سماحة الشيخ بأنها تحمل طابعًا إصلاحيًا جديرًا بالنظر، فقد استطاع سماحته بفضل ما آتاه الله من مواهب فطرية وملكات إبداعية وتصرف في فنون القول أن يجعل من الفتوى مدرسة دعوية واضحة المعالم، تتبنى حركة الصحوة الإسلامية وتسير بها سيرًا راشدًا لا عثرة فيه ولا تهور.
ومن أهم المعالم الإصلاحية في هذه المدرسة الإفتائية عند سماحة الشيخ ما يلي:
أ ـ التركيز على القضايا الأساسية للأمة
فقد أعطى سماحته المسائل التي تعني بدعائم الأمة الإسلامية ومقومات نهضتها مساحة واسعة من فتاويه، فهو دائم الحرص على التصحيح والتقويم لا يجد فرصة سانحة لذلك إِلاَّ اهتبلها، بل كل فتاوى سماحته لا تخرج عن هذا الإطار.
ومن القضايا التي عني سماحته بها أكثر من غيرها:
1 ـ فكر الأمة ومقومات التصور الصحيح عندها.
2 ـ الوحدة الإسلامية.
3 ـ الشباب.
4 ـ المرأة.
* ففي الجانب الفكري يؤكد سماحته على أن الأمة بحاجة إلى إعادة صياغة من جديد حتى تتمكن من استعادة دورها الحضاري، وأنه ما من دعوة من دعوات الرسل جميعًا قامت إِلاَّ على التصور الصحيح، وعلى نفي التصورات الباطلة والاستعاضة عنها بالتصورات الصحيحة لتسلك الأمة الطريق الصحيح، والتصور الصحيح في نظر سماحته (هو تصور الحقيقة كما هي، سواء ما كان منها متعلقًا بمبدِع الوجود وما له من حقوق على عباده، أو ما كان متعلقًا بنظام الكون ووجوب خضوعه لأمر الله، أو بنظام العلاقات بين المسلمين، وأن هذه العلاقات إِنَّمَا هي علاقات إخاء ومودة ورحمة، أو ما كان متعلقًا بالأخلاق بحيث تكون أخلاقًا قرآنية)، كما يدعو سماحته إلى أن يقيس المسلمون ما عساه أن يأتيهم من قبل غيرهم على هذا التصور، بحيث لا يتهالكون على المستوردات الفكرية والسلوكية من قبل أعداء الإسلام)([116]).
ويضرب سماحته أمثلة على محاكاة المسلمين لغيرهم إذا ما جانبهم التصور الصحيح بـ (كذبة إبريل، غياب التاريخ الهجري، تقليد غير المسلمين في اللباس و… . )([117]).
كما يحذر سماحته من الهجمة الثقافية على الأمة التي يراد منها أن تصاغ معتقداتها وفق مفاهيم جديدة ترضي المتسلطين في الأرض([118]).
وفي بيان ما يجب أن تتحلى به الأمة المسلمة من فكر فإن سماحته يقف ضد الأفكار المتطرفة التي تلبس لبوس الدين وتستبيح أرواح الناس باسم الإسلام، حيث يقول في ذلك: (مِـمَّا يؤسف له أن نجد قومًا محسوبين على الإسلام يدمرونه من الداخل أكثر مِمَّا يدمره أعداؤه من الخارج؛ فأولئك الذين ارتكبوا المآسي العظيمة لم يبالوا بالحرمات فقتلوا الأطفال والنساء وشردوا الآمنين وارتكبوا ما ارتكبوا باسم الإسلام، والإسلام براء من كل ذلك، فإن الإسلام دين يدعو إلى الرحمة في أي موقف من المواقف؛ ولذلك ينهى أتباعه كل النهي عن العدوان… . إن هذه حالة شاذة بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وقيمه، فليت هؤلاء ما انتموا إلى الإسلام قط، وليتهم لم يرضوا أن يلحقوا بهذا الدين الحنيف النظيف هذه التهم القذرة التي يبرأ الدين منها)([119]).
ومن هذا الباب يعمد سماحته إلى تحذير الناس من قلب المفاهيم وتغيير المقاييس من حيث قلب الأشياء بحيث تعطي مدلولاً آخر، وقد عد سماحته هذا الأمر من مخاطر الغزو الفكري الجديد الذي رزئ به الإسلام وذلك كتسمية الخمر المشروب الروحي)، والربا بـ (الفوائد)، والزنا بـ (الحب)، والغناء والرقص بـ (الفن)([120]).
يقول سماحته مجيبًا لسائله عن حكم الشرع في ما يأخذه بعض الناس من البنك، وقد سماها السائل (بالفوائد): (أولاً أريد أن أنبه على مسألة مهمة ألا وهي أن الإنسان عليه أن يلتزم في تعبيره بالتعبير القرآني، كما عليه أن يلتزمه في سلوكه؛ فالشيء المحرم لا يمكن أن يعبر عنه بعبارة تشوق إليه، وهي بمثابة الدعاية له، فالتعبير عن الربا بالفوائد غير جائز وهذا من مصائب هذا العصر([121]).
وقال سماحته في موضع آخر: (ولقد ظن بعض الناس أن الربا سبب للنمو والزيادة حتى قال كثير منهم: إن البنوك التي تتعامل بالربا سبب لازدهار الاقتصاد، وأنتم تعلمون أنها سبب لمحق البركة، وسبب للقضاء على نمو المال، وسبب لاستثراء الفساد في الثمار والزروع)([122]).
* وفي موضوع الوحدة بين المسلمين ينطلق سماحته من قاعدة الأخوة الإيمانية، وأن هذه الأمة أمة وحدة مطالبة بأن تتحد مأمورة أن لا تتفرق ودين الإسلام بكلياته وجزئياتة يؤدي إلى الاتحاد إن مورس بالطريقة الصحيحة، وتأدية شعائره يؤدي بالفرد إلى أن يكون عضوًا بنَّاء في أمته، وكذلك فيما شرعه الله تعالى وأمر به من آداب وأخلاق ومعاملات.
ويرى سماحته أن الحرص على الوحدة يكون بتجنب كل ما يدعو إلى الاختلاف والفرقة والشتات.
ويدعو سماحته إلى الاجتماع على القواسم المشتركة التي منها أركان الإسلام، كما يدعو إلى حوار هادئ هادف بين العلماء، وعلى إرجاع أي اختلاف إلى المتخصص منهم. ولا بد من التفرقة بين ما هو من مسائل الرأي وبين ما هو من مسائل الدين.
ومن خلال هذه المعطيات استطاع سماحته أن يحرز قصبة السبق في ميدان تنافس شريف بين العلماء المخلصين على جمع شتات الأمة الإسلامية ورأب صدعها وإخراجها من مضيق التحزبات المذهبية.
يقول سماحته في جوابه عن فريضة الحج فيما إذا كانت قد أدت وظيفتها المقصودة عبر السنين المختلفة: (لا ريب أن الأمة الإسلامية يحمل كل فرد من أفرادها بين جوانحه عاطفة جياشة تشده إلى إخوانه المؤمنين، تلهب في نفسه مشاعر الحماس من أجل هذا الدين؛ ولكن مِمَّا يؤسف له أن هذه العاطفة كثيرًا ما تكون غير مصحوبة بعلم وبصيرة حتى يكون الإنسان قادرًا على استخدامها وتصريفها وفق متطلبات الدين الحنيف…، ونحن نحمد الله تبارك وتعالى على أَنَّهُ وجدت مجموعات من البشر التقت من أنحاء مختلفة من العالم وكان بينها التعارف والتآلف والتواد والتراحم، ولكن لا يعني ذلك أن الأمة أصبحت في حل من أمرها إِنَّمَا عليها… )([123]).
وفي سؤال آخر هذا نصه: (إن الأمة الإسلامية توحدت في كثير من الأشياء، في عقيدتها وفي منهاجها، وفي حجها، وينقصها التوحد في يوم واحد من شهر رمضان، فلماذا لا نصوم نحن في عمان مع الآخرين؟). قال سماحته: (… وعلى أي حال نعلق الآمال على وحدتها، ولكن علينا أن نعرف ما هي مقومات وحدة الأمة، الأمة لا يوحدها أن تجتمع في هلالها، ولا يوحدها أن تجتمع في صلاة تؤدى في وقت واحد، بحيث تؤدى صلاة الظهر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في وقت واحد، وإنما تتوحد الأمة بوحدة المشاعر والأحاسيس؟ ووحدة الآلام والآمال… أين هذه المشاعر؟ وهل هي موجودة الآن في الأمة؟ ليتها تكون موجودة فيها فتنهض من بعد عثرتها، وتعز بعد ذلها وتقوى بعد ضعفها، فلو كان الأمر كذلك لما طمع فيها عدوها)*.
ونرى من فتاوى سماحته ما ينتظم سلك وحدة الأمة ويقوي من ترابطها ومثال ذلك قوله في نقل الزكاة في حالة الاستغناء عنها: اختلف أهل العلم في هذه المسألة؛ فمنهم من منع نقلها ورأى أنما تصرف في نفس البلد. ومنهم من قال بجواز نقلها لأجل سد الحاجة في البلد الآخر، وهذا القول أرجح نظرًا إلى أن الأمة الإسلامية أمة واحدة متكافئة متكاملة والله أعلم*.
* وفي موضوع الشباب ينطلق سماحته من قاعدة أن شباب الأمة هم مقياس تقدمها وتأخرها، ومعيار رقيها وانحطاطها؛ ومن هذا فإن سماحته يؤكد على أهمية تربية شباب المسلمين على القرآن الكريم الذي يغرس فيهم روح الاستقلال في كل شيء، فيكونون في مأمن من الهزيمة النفسية غير متأثرين بأعدائهم.
ويتأسف سماحته كثيرًا على أن شباب المسلمين أصيبوا بهذه الهزيمة النفسية فعلاً، ويرى أن من أسباب ذلك: ضعف الوازع الديني، وقلة التوعية الإسلامية، وتغلغل الاستعمار في كثير من البلدان الإسلامية، وتكاتف المنظمات العالمية على الشباب وأمهاتها ثلاث اليهودية العالمية والشيوعية الملحدة والصليبية الحاقدة. ومن سائلهم إيجاد الشقاق بين المسلمين وإشاعة الرذيلة بينهم، واستخدام كل وسيلة من وسائل الإعلام في ذلك. والعلاج الذي يوصي به سماحته هو: العودة الصحيحة إلى الإسلام، وتربية النشء عليه، وإيجاد الثقة في أبناء المسلمين بمبادئهم وقيمهم وأخلاقهم، وتعويدهم على مواجهة الشدائد، وتحمل لواء الحياة ومكابدة المشاق*.
* وفي موضوع المرأة المسلمة يرى سماحته أن للمرأة أهمية كبرى في بناء المجتمع، فهي نصف المجتمع والنصف الآخر يتربى على يديها، وأنها نالت حقوقها الكاملة في ظل الإسلام؛ بينما دفعتها الجاهلية القديمة والحديثة إلى هوة الهلاك. ويؤكد سماحته على أن تشريعات الإسلام للمرأة هو استجابة لنداء الفطرة وأن الاختلاف بينها وبين الرجل اختلاف فطري كما يربط سماحته بين دعوات تحرير المرأة وبين الصهيونية العالمية.
ويشجع سماحته المرأة المسلمة على رعاية شؤون الأسرة والأولاد بتوجيههم الوجهة السليمة*.
ويحذر سماحته من اختلاط الرجال بالنساء في الدراسة والعمل وبين أن المرأة إذا أرادت أن تعمل خارج بيتها عليها أن تتقيد بضوابط الشرع كما أن عليها أن تختار من العمل ما يتناسب مع طبيعتها التي خلقت عليها*.
ب ـ إيجاد الحلول الشرعية للقضايا المعاصرة (طرح البديل)
من أوليات الجانب الإصلاحي عند سماحة الشيخ في مؤسسته الإفتائية هو معالجة ما يستجد على الساحة من القضايا وإبداء الحكم الشرعي فيها، فكرية كانت هذه القضايا أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو تربوية. فحتى يمكن للحركة الإصلاحية أن تستمر ولعجلتها أن تدور كان لا بد أن تواكبها حركة إفتائية متطورة لا تكتفي ببيان الحكم الشرعي للنازلة فحسب، بل تتعداه إلى طرح البديل، وبهذا فإن سماحة الشيخ يجعل مؤسسته الإفتائية قائمة على ضمانات تفي بتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة كما تضمن للإنسان حياة فاضلة كريمة. وإليكم بعض النماذج على ذلك:
يتناول سماحة الشيخ في فتاوى المعاملات قضية بيع السيارات بالتقسيط وما ينتابها من مخالفات شرعية في الوقت الراهن، ثُمَّ يعقب سماحته على الحكم، ويطرح البديل: (فأنا أقترح أن تكون هناك شركة يقوم بها أهل الصلاح والخير لشراء السيارات وبيعها؛ فعندما يأتي أحد يعرض على هذه الشركة أَنَّهُ يريد سيارة معينة فهي تشتري له هذه السيارة، فذلك أمر لا حرج فيه، ولو كان الثمن ضعف الثمن الأصلي، لا حرج في ذلك عندما يتفق الجانبان، وتكون عقدة البيع الثانية بعد استيفاء جميع عقدة البيع الأولى بشروطها، فلا حرج في ذلك. فهذا هو البديل الذي أراه والله أعلم)*.
ـ وفي مسألة التبرع بالأعضاء أو نقلها يوجه سماحته إلى أن استنساخ الأعضاء خير من نقل الأعضاء؛ لأن نقلها يؤدي إلى فقدان المنقول منه ذلك العضو. فلو أمكن أن تستنسخ الأكباد مثلاً حتى يمكن لمن كان فيه مرض كبد أن تغرس فيه كبد مستنسخة لكان ذلك خيرًا، ولو أمكن أن تستنسخ كلى لأجل غرسها فيمن تعطلت كلاه لكان حسنًا. وهكذا فاستنساخ الأعضاء لا مانع منه شرعًا، ولو كان المستنسخ منه متوفى فلأن يستنسخ منه خير من أن تنقل أكباد الموتى، والله أعلم*.
وقد مرت علينا فتوى سماحته بجواز أن يترخص المضطر بفتوى العلماء القائلين بجواز نقل الأعضاء.
ـ ويرشد سماحته من أراد إيداع أو استثمار أمواله إلى البنوك الإسلامية كبديل للبنوك الربوية، بشرط أن يطلع على برنامجها حتى يكون آمنًا على ماله من المعاملات المحرمة*.
ـ في مسائل حكم استماع الغناء والموسيقى يوجه سماحته إلى النشيد الإسلامي كبديل عنها*.
ج ـ تطهير الإسلام من البدع
يؤكد سماحة الشيخ ـ حفظه الله ـ من خلال فتاواه على خطورة الابتداع في الدين بما أحدثه الناس من أمور كثيرة لم تكن في عهد النبي e، وهي بعيدة كل البعد من مقتضيات هذا الدين الحنيف وبعيدة عن منهج النبي e.
ـ ومن هذه الأمور المحدثة التي تناولتها فتاوى سماحته: قراءة القرآن بالأجرة؛ حيث إن قراءة القرآن عبادة، والعبادة لا يؤخذ عليها أجر؛ فكما أن الإنسان لا يأخذ أجرا على صلاته التي يصليها، كذلك لا يأخذ أجرا على قراءته لكتاب الله تبارك وتعالى، وَإِنَّمَا أجر ذلك ما يناله من ثواب في الدار الآخرة*.
ـ ومنها ما أخذت عليه وقتًا وجهدًا كبيرين حتى استقام الناس إلى الحق، ورجعوا عنها؛ كالولائم التي اعتاد الناس عليها أيَّام العزاء وما فيها من منكرات، ومنها ما تتعلق بالمعتدة. وقد كانت هذه المحدثات والبدع موجودة إلى وقت ليس بالبعيد، ولكن بفضل الله تعالى تمكن سماحته من تطهير المجتمع العماني من الكثير منها. نسأل الله تعالى أن يثيبه على ذلك.
د ـ الإصلاح من خلال أسلوب الفتوى
ولسماحته ـ حفظه الله ـ أسلوب دعوى مميز في فتاواه، ومن أهم خصائص هذا الأسلوب:
1 ـ المزج بين قوة العبارة وسلاسة الأسلوب: ففي كثير من الفتاوى التي تحتاج إلى استمالة المستفتي والتأثير عليه بقصد أن يتحلى بفضيلة من الفضائل أو يتخلى عن رذيلة من الرذائل يعمد سماحته إلى إفتائه بأسلوب مؤثر، يحول فيه المعاني الذهنية والانفعالات النفسية والمشاهد الغائبة إلى حقائق مرئية وأمور محسوسة، كما يجمع فيه بين مخاطبة العقل بالحجج العقلية ومخاطبة الروح بالمؤثرات العاطفية. وما أكثر ما يطالعنا في فتاوى سماحته هذا الأسلوب الإفتائي المبتكر ومن ذلك:
ـ قوله: (إن الاختلاط بين الجنسين هو نار الفتنة التي تطلع على الأفئدة، ولا يرضى لنفسه الاصطلاء بها مؤمن ولا مؤمنة) *.
(ولكن شعرهم لم يكن منحطًا هابطا سافلاً، ولم يكن من أمثال الشعر الذي تتقيؤه قرائح الفساق سموما، تبث من أجل إفساد المجتمع وإشاعة الفحشاء، وتجيب الرذائل إلى النفوس والصد عن سبيل الله) *.
(نحن نثق بالله سبحانه وتعالى، فبجانب هذا الشر المستطير هناك خير ينتشر انتشار الضوء في الفضاء يطوي سجاف الظلام، والحمد لله) *.
2 ـ الجمع بين الفتوى والجانب الروحي: تتميز فتوى سماحة الشيخ إلى جانب رصانتها اللغوية كونها جاءت مصحوبة بالتذكير بالله واليوم الآخر وبالعذاب والثواب، وبتذكير النفوس بما عليها من حقوق الله ـ تبارك وتعالى ـ وبالمسؤولية بين يديه. وهذا مِمَّا جعل الفتوى ندية غير جافة تحمل طابع الإيمان والخشية والتوجه إلى الله ـ تعالى ـ . وهذا الأسلوب نابع من القرآن الكريم كما هو واضح لا يخفى في آيات الأحكام وغيرها.
3 ـ ضرب الأمثال واستحضار المواعظ والقصص: ومن أسلوب سماحته البديع ضربه للأمثال، وذكره للمواعظ في الكثير من فتاواه؛ وما ذلك إِلاَّ إيمانا منه بدورها الفعال في العقول والنفوس، وما لها من أثر في بعث الهمة في روح المستفتي لعمل الخير، والنؤي به عن مواطن الفتنة والشر؛ يقول سماحته في معرض الحديث عن أثر الاختلاط المحرم بين الرجل والمرأة: (وقبل فترة جاءني أربعة أشخاص من وزارة الإعلام ليسجلوا ندوة تتعلق بمرض فقدان المناعة المكتسب (الإيدز)، وقالوا لي بأن هذا المرض ينتشر انتشارًا رهيبًا، وإن كان مكتما عليه؛ ففي البادية نفسها حالتان في كل يوم على الأقل، فهو يجتاح الناس اجتياحا خطيرًا لا يقف عند حد ـ نسأل الله العفو والعافية ـ . وأخبروني بأن واحدة من الفاجرات الشابات ـ قاتلها الله ـ اكتشف فيها هذا المرض فماذا عملت؟ ذهبت إلى منطقة فيها كثير من الأوغاد، وأباحت لهم نفسها، وفي خلال أسبوع واحد عاشرها مائة من الأوغاد الرذل، وكلهم نقلت إليهم المرض)*.
ويقول في معرض الحديث عن زواج الرجل بالكتابية: (وقبل فترة جاء رجل بلغ من العمر سبعين عامًا، وهو من قبيلة عمانية، وقد جاء به ابن أخته ليدخل الإسلام؛ لأن أباه تزوج أمّه وهي على غير الإسلام فربته تربية غير إسلامية في حياة أبيه. وقبل فترة أخرى جاءني رجل وقد جاء به ابن عمه ليدخل في الإسلام… وجاءني بعد ذلك بابن عمه الآخر ليدخل الإسلام، فسألته عن سبب هذا؟ فقال: إن جدّنا كان شهوانيًا ولم يتزوج مسلمة إِلاَّ جدّتنا، فلذلك نحن صرنا مسلمين؛ أما الآخرون فقد كانوا على غير الإسلام، وقال: إن في أسرتهم أربعين شخصًا على غير الإسلام؛ أي على المذهب الكاثوليكي، وهذه الأسرة تنحدر من أصل عماني. وقال: بأن عمته كاثوليكية، وقد تزوجت يهوديًا. هكذا تكون المآسي بسبب البعد عن الله وبسبب اتباع الشهوات) *.
هذه هي أهم النقاط التي يمكن أن تعتبر مدخلاً لفهم منهج سماحته في الفتوى، وإني لأعلم أن الإحاطة بهذا الموضوع يحتاج على بحث عميق، ولكن حسبي أن تكون هذه الكلمات معالم على الطريق.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
* * *
خاتمة
بعد هذه القراءة السريعة في فتوى سماحة الشيخ أمكنني أن أقول أن سماحته قد قدم لنا فتواه من خلال الاعتبارات التالية:
1) التجديد أمر مطلوب يفرضه الواقع.
2) ليس من معنى التجديد تجاوز النصوص أو تعطيلها.
3) أن المصلحة المعتبرة شرعا لا تصطدم بالنص الشرعي.
4) التفريق بين مسائل الرأي ومسائل الدين.
5) الإصلاح سمة بارزة من سمات التجديد.
6) الوحدة بين الأمة من أولويات مطالب الدين الإسلامي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* * *
فهرس المراجع والمصادر
ابن منظور، لسان العرب، ط3، دار إحياء التراث العربي، 1419هـ 1999م.
أبو إسحق اطفيش، النقد الجليل، طبعة الضامري، سلطنة عمان، 1414هـ ـ 1993م.
أحمد بن حمد الخليلي: الإسلام بين محن ثلاث، المطابع العالمية، سلطنة عمان.
الاجتهاد وأثره في التجديد، بحوث المؤتمر الخامس ن المجمع العالمي.
فتاوى المرأة المسلمة، ط1، الجيل الواعد، سلطنة عمان.
إعادة صياغة الأمة، ط1، الجيل الواعد، سلطنة عمان.
إسماعيل الأغبري، المدخل إلى الفقه الإباضي، رسالة ماجستير 2002م جامعة اليرموك.
بشير بن مولود الجحيشي، الاجتهاد التنزيلي، ط1 ـ كتاب الأمة.
جميل بن خميس السعدي، قاموس الشريعة، وزارة التراث، سلطنة عمان.
10.خميس بن سعيد الشقصي، منهج الطالبين، وزارة التراث، سلطنة عمان.
11.رسالة المسجد، الأعداد 102 ـ 107 ـ 110 ـ 113 ـ 114 – 123.
12.زايد الجهضمي، معالم الفكر التربوي عند سماحة الشيخ، مطابع النهضة، 2003م.
13.عامر الكفيشي، مقومات النهوض الإسلامي، ط1، دار الهدى، 2006م.
14.عبد بن حميد السالمي، تحفة الأعيان.
15.علي بن السيد آل هاشم، الأصالة والمعاصرة في الفقه الإسلامي ن المؤتمر الخامس، المجمع العلمي.
16.عمار الطالبي، تجديد الفقه وتيسيره، المؤتمر الخامس، المجمع العالمي.
17.محمد هشام الأبوي، الاجتهاد ومقتضيات العصر، دار الفكر ن عمان.
18.مكتبة الأنفال، لقاءات مع 16 عالمًا، 2006م
19.نادية شريف العمري، الاجتهاد في الإسلام، مؤسسة الرسالة، 1405 ـ 1985م.
20.ندوة الفقه الإسلامي بالسلطنة، ط1، وزارة الأوقاف، 1408 ـ 1988.
21.يوسف القرضاوي، الفتوى بين الانضباط والتسيب، ط1 ـ دار الصحوة، 1408 ـ 1988م.
22.يوسف الكتابي، التجديد والاجتهاد، المؤتمر الخامس، المجمع العالمي.
*التقنين والتجديد فِي الفقه الإسلامي المعاصرة المنعقدة خلال الفترة (28-2) ربيع الثاني 1429هـ/ ( 5-8) إبريل 2008م – بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس.
[26]) المرجع السابق، ص141.
[27]) المرجع السابق، ص143.
[28]) ينظر: المرجع السابق، ص140.
[29]) المرجع السابق، ص159.
[30]) المرجع السابق، ص186.
[31]) المرجع السابق، ص169.
[32]) مكتبة الأنفال، لقاءات مع 16 عالماً، ط مكتبة الأنفال 2006م ج1 ص16.
[33]) زايد الجهضمي، معالم الفكر التربوي. ، ص17 ـ 179.
[34]) ابن منظور، لسان العرب، ج2 ص397.
[35]) نادية شريف العمري، الاجتهاد في الإسلام، مدرسة الرسالة، 1405، 1485م ص9.
[36]) أحمد بن حمد الخليلي، الاجتهاد وأثره في التجديد ص15.
[37]) المرجع السابق، ص100.
[38]) سورة يوسف: 76. انظر: المرجع السابق، ص100.
[39]) أحمد بن حمد الخليلي، إعادة صياغة الأمة، ط1، مكتبة الأجيال، ص135.
[40]) المرجع السابق، ص311.
[41]) يوسف الكتابي، التجديد والاجتهاد مظهر أصالة الإسلام، المجمع العالمي، المؤتمر الخامس، ص311.
[42]) المرجع السابق، ص311.
[43]) أحمد بن حمد الخليلي، إعادة صياغة الأمة، ص76.
[44]) أحمد الخليلي، الاجتهاد، ص79، 98، 99 بتصرف.
[45]) يوسف الكتابي، التجديد والاجتهاد ص299 بتصرف.
[46]) أحمد الخليلي، الاجتهاد ص103 ـ 106 بتصرف.
[47]) نادية العمري، الاجتهاد في الإسلام، ص4.
[48]) بشير بن مولود الجحيشي، الاجتهاد التنزيلي، ط1، كتاب الأمة 1424، 2003م، ص36.
[49]) محمد هشام الأيوبي، الاجتهاد ومقتضيات العصر، دار الفكر الأردن عمان، ص257.
[50]) المرجع السابق، ص257.
[51]) المرجع السابق، ص257.
[52]) أحمد بن حمد الخليلي، الاجتهاد ص114 بتصرف.
[53]) المرجع السابق، ص115 ـ 116 بتصرف.
[54]) المرجع السابق، ص120 وينظر إعادة صياغة الأمة، ص21 ـ 26.
[55]) عمار الطالبي، تجديد الفقه وتيسيره، المجمع العالمي، المؤتمر الخامس، ص388 بتصرف.
[56]) المرجع السابق، ص389 ـ 399 بتصرف.
[57]) علي بن السيد عبدالرحمن آل هاشم، الأصالة والمعاصرة في الفقه الإسلامي [المجمع العالمي، المؤتمر الخامس، ص292.
[58]) رسالة المسجد، مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية العدد 113/10 ـ 114/15و16.
[59]) محمد هشام، الاجتهاد ومقتضيات العصر، ص258.
[60]) علي، الأصالة والمعاصرة، ص289
[61]) عمار، تجديد الفقه، ص392.
[62]) المرجع السابق، ص395.
[63]) أحمد بن حمد الخليلي، الاجتهاد، ص110.
[64]) المرجع السابق، ص111.
[65]) أحمد الخليلي، إعادة صياغة، ص27.
[66]) أحمد الخليلي، الاجتهاد، ص100.
[67]) يوسف الكتابي، التجويد والأجتهاد، ص301.
[68]) عامر الكفيشي مقومات النهوض الإسلامي، دار الهوى، 2006م ص474.
[69]) ندوة الفقه الإسلامي بعمان، ط1، وزارة الأوقاف، 1408 ـ 1988م ص98.
[70]) مجلة رسالة المسجد، العدد123، ص12.
[71]) المرجع السابق، ص13.
[72]) زايد الجهضمي، معالم الفكر التربوي، ص10.
[73]) سورة آل عمران: 103. انظر: كتاب ندوة الفقه الإسلامي، ص1024.
[74]) جميل بن خميس السعدي، قاموس الشريعة وزارة التراث، سلطنة عمان، 1404 ـ 1983م ج،ص26. .
[75]) المرجع السابق، ص142.
[76]) أحمد بن حمد الخليلي، فتاوى الصلاة ط2 وزارة الأوقاف سلطنة عمان 1419هـ ـ 1998م، ج1 ص140.
[77]) المرجع السابق، ص142.
[78]) كتاب ندوة الفقه الإسلامي ص446.
[79]) عبدالله بن حميد السالمي، مفتاح السعادة ط1 مكتبة نور الدين، 2003م ص201 ـ 203.
[80]) أبو اسحق أطفيش، النقد الجليل، ط1 مكتبة الضامري، 1414، 1993م، ص36.
[81]) سورة البقرة: 134.
[82]) كتاب ندوة الفقه الإسلامي، ص784.
[83]) ينظر أحمد بن حمد الخليلي، الفتاوى، ج1 ص174، 469، 493، 515، 522، 523.
[84]) رسالة المسجد، العدد 113، ص9.
[85]) المرجع السابق، العدد 112، ص40.
[86]) مقال للدكتور سامي صقر والدكتور محمد عبد الكريم.
[87]) أحمد بن حمد الخليلي، الفتاوي، ط2 الأجيال، سلطنة عمان ج1، ص53.
[88]) المرجع السابق، ج3 ص177.
[89]) أحمد بن حمد الخليلي، ، فتاوى المرأة المسلمة، ط1، الجيل الواعد 1428 ـ 2007 ج، ص89.
[90]) الفتاوى، ج5، ص110.
[91]) أحمد بن حمد الخليلي، الاجتهاد وأثره في التجديد، ص97.
[92]) رسالة المسجد، العدد 107، ص5.
[93]) الفتاوى، ج3، ص144.
[94]) المرجع السابق، ج1، ص24.
[95]) المرجع السابق، ج3، ص200.
[96]) جميل بن خميس السعدي، ج2، ص139.
[97]) خميس بن سعيد الشقصي، منهج الطالبين، وزارة التراث، سلطنة عمان، جص137.
[98]) فتاوى المرأة، ج2، ص238.
[99]) جميل بن خميس، قاموس الشريعة، ج2، ص135.
[100]) المرجع السابق، ص136.
[101]) فتاوى المرأة، ج2، ص280.
[102]) الفتاوى، ج3، ص238.
[103]) المرجع السابق، ص152.
[104]) فتاوى المرأة، ج2، ص497.
[105]) سورة إبراهيم: 4.
[106]) ينظر الفتاوى، ج2، ص599 وص600.
[107]) المرجع السابق، ج5، ص442.
[108]) سورة البقرة، الآية (134).
[109]) أبو إسحق اطفيش، النقد الجليل، ص54.
[110]) سورة الرحمن، الآية (33).
[111]) الفتاوى ج، ص137
[112]) ينظر الفتاوى، ج5، ص410 ـ ص417.
[113]) فتاوى المرأة، ج2، ص149.
[114]) فتاوى المرأة، ج2، ص102 ـ ص103.
[115]) الفتاوى، ج5، ص420 ـ ص421.
[116]) رسالة المسجد، العدد 102، ص11.
[117]) المرجع السابق، ص12.
[118]) المرجع السابق، ص13.
[119]) المرجع السابق، ص13.
[120]) أحمد بن حمد الخليلي، الإسلام بين محن ثلاث، المطابع العالمية، سلطنة عمان، ص9.
[121]) فتاوى المرأة، ج2، ص611.
[122]) أحمد بن حمد الخليلي، الإسلام بين محن ثلاث، المطابع العالمية، سلطنة عمان ص12.
[123]) فتاوى المرأة، ج2، ص356.

hgj[]d] hgtrid td hgYtjhx hgulhkd hgluhwv rvhxm tjh,n hgado Hpl] hgogdgd lpl] hgluhwv hgj[]d] hgogdgd hgado hgulhkd hgtrid hgYtjhx tjh,n td





توقيع :

"فنحن لا يضرنا السكوت والإعراض عن الجاهل بحقيقتنا أو القائل فينا بغير الحق ولكنا نرى أن نعارض هذه الخزعبلات ونرد هذه الدعايات بالكشف والبيان عما نحن عليه تعليما للجاهل ونصيحة للمتجاهل"

الحق المبين في الرد على صاحب العرفان للشيخ ابراهيم العبري رحمه الله

رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد , المعاصر , التجديد , الخليلي , الشيخ , العماني , الفقهي , الإفتاء , فتاوى , في , قراءة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتاب الاستبداد مظاهره ومواجهته للشيخ أحمد الخليلي pdf عابر الفيافي المكتبة الإسلامية الشاملة 0 12-30-2013 11:33 PM
الشيخ محسن بن زهران بن محمد العبري رحمه الله عابر الفيافي علماء وأئمة الإباضية 6 11-23-2012 01:16 PM
كتاب : الفتاوى كتاب الصلاة ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي عابر الفيافي نور الفتاوى الإسلامية 8 10-26-2011 09:29 PM
الشيخ محمد بن شامس البطاشي (رحمه الله) جنون علماء وأئمة الإباضية 4 12-19-2010 06:42 AM
الشيخ أبو مسلم البهلاني في سطور ذهبية بلسم الحياة علماء وأئمة الإباضية 3 11-30-2010 06:30 PM


الساعة الآن 06:41 PM.