تقرير بعنوان العنف في المجتمع - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات



نور البحوث العلمية [يحوث علمية] [بحوث طلابية] [بحوث لجميع الموادالعلمية] [بحوث لجميع المواد الأدبية] [تقارير علمية] [تقارير طلابية] [تقارير لجميع الموادالعلمية] [تقارير لجميع المواد الأدبية]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  تقرير بعنوان العنف في المجتمع
كُتبَ بتاريخ: [ 10-18-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع


العنف في المجتمع:
المدرسة مثالاً
ـــــــــــــــــــــــــــ
تحسين يقين*
مقدمة:
انتفاضتان: الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، أثرتا وما زالتا تؤثران على سلوك المواطنين في الشارع والمؤسسة، في البيت والمدرسة، ومما لا شك فيه أن عنف الاحتلال الذي بدا أشد في الانتفاضة الثانية سيؤثر على علاقات المواطنين الداخلية، وبشكل خاص على الأطفال والفتيان.
هذا البحث هو مقدمة لمحاصرة أسباب العنف من خلال الارتقاء بعملية التعليم والعلاقات الداخلية في المدرسة، للتخفيف من حدته من خلال الوعي على الإطار العام للمجتمع وموقعه من التاريخ والعالم وتفعيل عملية التعلم كمقدمة لتربية مدنية تقوم على الحوار. ونحب هنا أن نشير إلى أن بحث العنف في المدرسة الفلسطينية له علاقة بالمدارس في هذا العالم، فليس غريباً أن تبحث 80 دولة هذه المشكلة في مؤتمر عالمي رعته وزارة التربية الفرنسية في باريس بالتعاون مع اليونسكو في آذار 2001.
لا يستطيع الباحث أن يعزل أية ظاهرة اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو فكرية عن الظواهر الأخرى في المجتمع كثوابت ومتغيرات، إضافة إلى ما يضطرب من أحداث أو أفكار في المجتمعات القريبة والبعيدة.
والمفكر الاستراتيجي هو ذلك الإنسان المسؤول محلياً (وطنياً) وقومياً إن وجدت له دائرة قومية، وإنسانياً وهي الدائرة الكبيرة التي نتحرك كلنا فيها. أقول لا يستطيع أن يعزل التفصيلات الصغيرة جداً في مجتمعه، بل في كل قطاع من قطاعات مجتمعه، عن التفصيلات الأخرى المناظرة في الأماكن الأخرى خارج بلده أو إقليمه. وهو معني بشكل رئيس حتى يتأهل أن يكون مفكراً استراتيجياً وفيلسوفاً واقعياً بعيد النظر أن يلم بشكل مقبول بكل ما يضطرب في مجتمعه وفي العالم حتى يستطيع أن يوظف المعلومات التي يكتسبها في بحث ومعرفة ظاهرة ما يهتم بها، وحتى يكون قادراً أن يعرف على أية أرض يقف. إنه البناء إذن سواء ما كان متعلقاً بالمجتمع الواحد أو أحد قطاعاته أو العالم الكبير من حوله وصولاً إلى النظرة الأسمى نحو العالم كله (الأرض) كقرية صغيرة مقابل مجرات الكون وأفلاكه ونجومه وكواكبه.
وبالطبع ينطبق هذا الحديث على قطاع الفكر المجتمعي ومنه الفكر التربوي والتعليمي، وما نود أن نؤكد عليه بشكل مهم في هذه العجالة هو أهمية ربط قطاع التربية والتعليم بما يحدث في المجتمع الواحد والعالم كدائرة أوسع من مجرد إقليم ضيق انسجاماً مع ثورة الاتصالات والإعلام والعولمة بحديها السلبي والإيجابي، ذلك أنه اعتاد الباحثون، حتى هذه الأيام في بلادنا وفي غيرها، على البحث الجاف الأكاديمي الداخلي فيما يخص قطاعات التربية والتعليم والثقافة، ومنشأ ذلك أسلوب التربية التقليدية في مجال البحث وعدم اكتساب البعد الاستراتيجي في ربط القطاعات ببعضها وصولاً إلى استخدام أمثل للمعلومات سواء أكانت قادمة من القطاع المبحوث أم من القطاعات المساندة الأخرى. ونحن في فلسطين بشكل خاص، وفي الوطن العربي والعالم الثالث بشكل عام، يجب أن نكون معنيين في البدء من حيث انتهى الآخرين، وهو ألا ندرس التربية والتعليم في غياب التأثير والتأثر بالقطاعات الأخرى داخل المجتمع الواحد، ثم داخل المجتمعات الأخرى.
فالتعليم والتربية كمجال فكر ينتمي لما يعرف بالبنى الفوقية، له اتصال بالمنظومة الفوقية التي تضم الثقافة والفنون والفلسفة والأديان والاجتماع والعلوم الاقتصادية والسياسية وغيرها، وله اتصال بالمنظومة التحتية المشكلة من وسائل الإنتاج والمواد التي يرتكز عليها عيش الإنسان عضوياً وبيولوجياً وحيوياً، فالزراعة والصناعة والخدمات والعمران تشكل البنية المادية التحتية للإنسان، وثمة اتصال وتأثر في تطوير البنيتين في علاقتهما الأزلية معاً، بمعنى أن بنية العقل تطور بنية المادة، التي بدورها تكون عاملاً محفزاً ومستفزاً لصاحب العقل أن يطورها.
هذا في مجال المجتمع الواحد، أما في مجال المجتمعات الأخرى، فإن ثمة اتصال وتأثر وتأثير مشترك بين المجتمع الواحد بهذه المجتمعات، وهذا الاتصال له ثمراته في التعرف على خبرات الآخرين. وقد ظل هذا التأثير والتأثير المشترك مضبوطاً منذ الحضارات القديمة حتى عقود قريبة، وكان من الممكن السيطرة عليه، إلا أنه مع تقدم وسائل المواصلات التي سهلت التنقل، ومع تقدم الاتصالات بما فيها الثورة الإعلامية والمعلوماتية التي مثلت تكنولوجيا المعلومات الهائلة تتويجاً لها، فقد أصبحت السيطرة على عملية التبادل الثقافي والفكري على وجه الخصوص ضعيفة في ظل هذا الانفجار الذي بدأ أخيراً مع ظهور شبكات المعلومات العالمية المختلفة. وبذلك اختلت النظرة للمجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى كحالة استقلال وعزلة، ومن هنا امتدت العالمية بشكل أو بآخر إلى تحريف لغوي آخر هو العولمة، ونحن لسنا هنا في مجال تفسير العولمة اقتصادياً أو فكرياً أو فلسفياً، بل نحن نتعاطى مع الموجود سلباً كان أم إيجاباً.
وما دامت الصورة متشابكة إلى هذه الدرجة، فمن الأولى قراءة أية ظاهرة داخلية بشكل مجتمعي مع الظواهر الأخرى، وقد آن الأوان للدرس التربوي أن ينطلق من قمقم البحث الأكاديمي الضيق إلى فضاء البحث الواسع، ثم من قال أن الأكاديمية هي الضيق؟ الأكاديمية في أصلها تنزع نحو الكمال المعرفي المستند للمعلومات، لكن قد تكون المشكلة في الأكاديميين، ومنهم التربويين، أي المشكلة فينا نحن حين نغض الطرف (ونحن مع الطلبة والمعلمين) عما يحدث في البلد والعالم من أحداث تؤثر علينا جميعاً، ثم نحاكي النعامة فندس رؤوسنا في الرمل وننصرف إلى التعليم والتربية بشكل مجرد.
المشكلة: العنف في المدارس:
وهكذا ليس من الصعب معرفة أن هذه الظاهرة/ مشكلة البحث هي من نتاج تراكم معرفي وثقافي منذ أمد طويل أصاب المجتمع والمدرس، إن هذه المشكلة قائمة على بقاء أنواع من العلاقات العنيفة داخل مدارسنا، وهي ليست ظاهرة وطنية بل هي ظاهرة عالمية أصابت المدرسة في غير بلاد واحدة، لذلك حين نحلل هذه المشكلة ونناقشها لا نكون في مجال الجلد الذاتي، بل نحن في مجال عالمي يناقش قضية إنسانية تهم ملايين البشر، تلك الأسرة التربوية التي تشكل معظم أفراد الشعوب. لقد نشأت المشكلة منذ أزمان طويلة، وهي ليست نتاج اللحظة، وقد تشربت مشكلة العنف من أصل تصادم الآراء والأحكام والنظرة إلى السلطة والقوة، ولذلك علاقة بأسلوب الحكم والحياة المعيشية الاجتماعية في الأسرة والشارع والسوق والمؤسسات. ولما كان التربويون جزءاً من هذه الحياة، فقد اكتسبوا عادات العنف من أصل حياتهم وفروعها الأخرى في المجالات التي اضطربوا فيها حينما كانوا أطفالاً قبل المدرسة، وطلبة ودارسين وباحثين ومعلمين ومديري مدارس وقائمين على مؤسسة التربية والتعليم.
أهمية المشكلة:
إن المساهمة في حل هذه المشكلة التي نتعرض لها جميعاً أو تعرضنا لها حين كنا أطفالاً ذات يوم، ستدفع نحو تطوير العملية التعليمية في بلادنا، ذلك أن القضاء على العنف داخل أروقة المدرسة سيؤدي إلى انصراف الطلبة والمعلمين ومديري المدارس والمسؤولين إلى تجويد تلك العملية، وسيعطي مجالاً لازدهار التربية والتعليم، هذا في المجال الواحد، وفي مجالات المجتمع المدني المنشود، سيساهم في تخريج عشرات الآلاف من الطلبة كي يكونوا مواطنين إيجابيين ومدنيين على طريق احترام آراء الآخرين والبعد عن الصدام الفكري والاجتماعي والسياسي، وعلى المدى البعيد سيخلق علاقة أكثر وضوحاً ومتانة بين مواطني دولة فلسطين وبين أشقائهم العرب والدول الأخرى، مما يعزز من فرص السلم الدولي المبني على التفاهم المشترك، وستكون العدالة الدولية وجهاً كبيراً للعدالة الاجتماعية في المجتمع الواحد. ومع تصويب مسار العلاقات الإسرائيلية العربية بشكل عام، والإسرائيلية الفلسطينية بشكل خاص، فستكون هناك فرصة أكبر لحماية منجزات السلام بين الشعبين اللذين يعيشان سوياً على هذه الأرض الواحدة، مما قد يعطي فرصة للأجيال القادمة للعيش بعيداً عن العنف، وفي ظل نزع فتيل الحرب في هذه المنطقة من العالم ينصرف الناس في بلادي وغيرها إلى الإصلاحات الأخرى التي كانت الحرب مبرراً لعدم إصلاحها، وسيكون في البال حل مشكلات المرأة والطفل والفقر والتطرف وتوزيع الموارد وامتلاك التكنولوجيا والرفاهية لجميع أفراد المجتمع. إن خلق مدرسة تقوم على اللاعنف يعني في نهاية المطاف خلق عالم يحترم الإنسان وحقوقه ويؤصل العيش المشترك.
بكلمات أخرى هناك مبرر قوي وأخلاقي وعالمي لمحاربة أشكال العنف في جميع القطاعات ومنها القطاع المؤسس للمواطنين، وهو القطاع التربوي، وفي الوقت الذي ننفق فيه على بناء مشاريع البنية التحتية، فإننا بحاجة لمن يحافظ عليها، وعلينا أن نبذل بسخاء لإشاعة هذه الفكرة، لأنها تشكل ضمانة السلم الاجتماعي الداخلي والدولي. وليست المسألة مجرد إنهاء هذه الظاهرة في الصفوف المدرسية، بل هي مدخل لإنهاء الصراع والنزاع الدولي، وهنا مكمن الخطورة والأهمية، إن المعلم الذي يحارب العنف هو مقاتل شجاع ضد ظواهر الحروب في كل زمان ومكان، تلك الحروب التي يكون أُكُلها الناس والأطفال وكل الأبرياء.
الإطار النظري:
لا شك أننا من خلال تلك الأسطر السابقة، استطعنا أن نشي بأسلوبنا في البحث، ذلك أننا نؤمن بوجود إطار عام تندرج تحته العناوين الرئيسة والفرعية وصولاً إلى الجزء الخاص بجزيئية البحث، ولنا أن نستفيد من المنجز الإنساني الموروث، إضافة إلى التراث الديني فيما يتعلق بما يشبه العنف الذي اصطلح عليه بهذا الاسم. ونحن أمام نظرتين: الأولى مادية حول نشوء الإنسان وتطوره على الأرض وصراعه مع الطبيعة وصراعه مع الإنسان على البقاء، وقد مر هذا الصراع الذي لا بد قد استلزم عنفاً مصاحباً له أثناء عملية الصراع في حلقات مختلفة، وهو صراع مادي حول المصالح انتهى بصراع فكري حاد، ويستطيع الباحث أن يدرس تاريخ البشرية كي يجد مبتغاه في تاريخ الحرب والسلام، أما النظرة الثانية فدينية في بداياتها ثم تلتقي مع الخط التاريخي الشفوي والمدون الذي خطه الإنسان، ولما كانت الأديان كبيرة الأثر على البشر، فإننا معنيون أن نثبت بعض الأحداث في مجال الصراع والعنف.
في الكتب السماوية هناك إشارة إلى خلق آدم وزوجه ومنعهما من أكل ثمرة التفاح (أو غيرها) في الجنة، أي أنهما يقعان في المحظور، وبذلك يتلقيان رداً عنيفاً من الله عز وجل، وينزلان إلى الأرض بأمر من الله "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى، فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى، قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى" (الآية 117-123 سورة طه).
في العهد القديم (التوراة) نقرأ نصاً واضحاً أن الإنسان لن يحصل على أي شيء إلا بعد صراع وجهد "وقال لآدم … بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك" (الآية 8 من تكوين 3و4 الاصحاح الثالث).
ومن خلال تناسل آدم وحواء، جاء هابيل وقابيل، وتدل العلاقة بينهما على وصول الإنسان (قابيل) إلى مستوى خطير من العنف بحيث وصل إلى درجة القتل، وكانت بذلك أول جريمة في تاريخ الإنسان: "واتل عيهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين، فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين". (سورة المائدة/ الآية من 27-30).
وقد ورث بنو الإنسان صفات بني آدم خيرها وشرها، قد تكون هذه الصفات متأصلة في الإنسان، لكن لا نستطيع إغفال جانب اكتساب الصفات من المحيط البشري.
قال تعالى "وهديناه النجدين"، "وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين"، وسيجد الباحث الكثير من النصوص الدينية حول الخير والشر الذي يندرج تحت أحد عناوين العنف. وهناك متسع للباحثين لرصد هذه النصوص الدالة على القتال والعنف وتحليلها وبيان أثرها على المجتمع وعلى طلبة المدارس الذين يدرسونها، ونحن هنا نشير مجرد إشارة عابرة ونحن نتحدث باختصار شديد عن تاريخ العنف.
تطورت الأسرة الممتدة عند آدم وبنيه، ومع تطور حياتهم، وتطور أساليب عيشهم نشأت الآراء المختلفة لكل منهم، وهنا نتوقع أن التصادم الفكري (والمصلحي) كان له ما يبرره في ذلك المستوى البسيط من الحضارة.
إن التاريخ السياسي للعالم ولهذه المنطقة يدلنا على الصراعات المختلفة التي صاحبتها أعمال عنيفة أخذت في أهم أشكالها "الحروب"، ومع تشكل الإقليم العربي ـ الإسلامي نتيجة الفتوحات العربية الإسلامية، نشأت الكتل الكبيرة المتصارعة، ثم نشأت ثنائية الشرق ـ غرب والتضاد بين بلاد العرب والمسلمين وبلاد أوروبا والأقاليم الأخرى. ومع هذا الصراع بين الكتل الكبيرة نشأ صراع داخلي داخل الدولة العربية الإسلامية نفسها، إضافة لصراع داخل الأمراء والنبلاء الأوروبيين أيضاً. ونشأت في بلادنا داخل الإقليم الكبير صراعات عنيفة انعكست على الجمهور فتصدع السلم الاجتماعي. ولا تسعفنا أدبيات تلك النزاعات عن أثر الصراعات على أعمال العنف داخل الأسرة والشارع والمدارس، واقتصرت الأدبيات على رصد العنف السياسي فيما أشارت بعضها إلى تدهور أوضاع الناس خصوصاً الوضع الأمني، إلا أنه ما زال حتى الآن من يطلق عليه "صراع الحضارات"، وما مقالات صموئيل هنتنجتون في هذا المجال، إلا تذكير بصراع الكتل الكبيرة المختلفة دينياً وحضارياً. ولنا أن نتذكر الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي. ولم تسلم بلادنا من مشاكل العنف في أيام الدولة العثمانية خصوصاً عندما اتبعت سياسة التتريك وعدم الاهتمام برفاهية الأقاليم العربية، ومع وصول الرجل المريض (تركيا) إلى وضع التدهور التام، حل الاستعمار الأوروبي محل الظلم التركي، فنشأ عندنا نوع مبرر من العنف، وهو العنف الوطني والقومي (الثوري) ضد الاستعمار، وما بعد الاستعمار ظهر العنف الثوري (من نوع آخر) ضد القوى التقليدية (والحزبية) الأخرى في المجتمع الواحد، وكأن أنظمة الحكم الشابة الثورية قد ورثت العنف من الاستعمار، ونتيجة سوء وضع الحكم السياسي الذي استمر منذ عهد الاستقلال حتى الآن، ومحاولة بعض القوى المشاركة في الحكم عن طريق مبدأ تداول الحكم في النظم الديمقراطية، ونتيجة قمع الأنظمة لهذه الجماعات ومنها الجماعات الإسلامية على وجه الخصوص، فقد ظهر لدينا في الشارع العربي عنف بعض الجماعات الإسلامية الموجه ضد أنظمة الحكم التي لم تستطع استيعاب هذه الجماعات ضمن اللعبة الديمقراطية، فلسطينياً اقتصر العنف المذكور ضد إسرائيل وكان الصراع مع السلطة محدوداً، لكن في ظل قيام دولة فلسطينية بنظام حكم غير تعددي، قد ينشأ عندنا مثل هذا العنف الذي ظهر في الدول العربية، وبالطبع فنحن نتحدث عن العنف بشكل عام دون تحديد الإيجابي والسلبي، أو حتى التدخل من جانبنا، وخلال الحديث عن العنف في فلسطين، العنف السياسي والعسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي، فسنجد الكثيرين يبررون هذا العنف ضد الاحتلال على المستويات الدولية والعربية والمحلية، بل هناك شرعية لهذا العنف الثوري. ونتيجة لبروز التيارات الثورية الوطنية والإسلامية في عقدي السبعينات والثمانينات، فقد ظهر عنف داخلي تمثل في أحداث الجامعات المحلية وكليات المجتمع وحتى المدارس الثانوية نتيجة التنافس على قيادة الشارع الفلسطيني.
فلسطين: العام والخاص:
المجتمع الفلسطيني هو مجتمع عربي شرقي ينتمي إلى العالم، وهذا يعني أنه يعاني العنف المحلي ضمن الإطار الخاص. ونتيجة كونه عربياً فسيعاني من المشاكل التي يتصف بها المجتمع العربي، كذلك الشرقي، وبانتمائه إلى العالم، فهذا يعني تأثره أيضاً ببعض ما يعاني منه العالم انسجاماً مع الاتصال الذي يحدث بين فلسطين والعالم الخارجي. وتمثل التربية الوسيلة التي يتم من خلالها بث الأفكار العامة ومنها أفكار ومفاهيم تخص العلاقة داخل العائلة التي تمثل اللبنة الأولى في المجتمع.
وقد انتقد د. هشام شرابي في هذا الصدد هذا الأسلوب حين أشار إلى سلبيات التعليم "إن التعليم كما يجري في إطار العائلة وخارجها، يتميز بصفتين رئيستين، فهو من جهة يقلل من أهمية الإقناع والمكافأة، ومن جهة أخرى يزيد من أهمية العقاب الجسدي والتلقين"(1).
ولما كان المجتمع العربي إسلامياً في غالبيته، فهو سيتأثر بأساليب التربية الدينية التقليدية التي تميل إلى التهديد والوعيد "إن الخطاب الديني في عديد من الدول العربية يميل إلى التهديد والوعيد أكثر مما يدعو إلى العقيدة المركزة والإقناع الرشيد، ويؤول في آخر الأمر إلى التوقف عند تصنيف الأمور بصورة مبسطة حق وباطل، حلال وحرام، سواد وبياض، وبذلك فهو يفتح الباب على مصراعية للتطرف الديني الذي يشكل رجماً لملكة الإنسان في التفكير والاجتهاد وكفراً بحكمة الله ونعمته"(2). فإذا ربطنا أسلوب التربية التي يقوم بها رجال الدين (والتعليم أيضاً) بأسلوب التربية في البيت، لوجدنا أن هناك انسجاماً بينهما خصوصاً أن سلطة الأب مطلقة في الأسرة العربية، بل أن مجتمعنا هو مجتمع أبوي كما نعيشه وكما تراه دراسات المجتمع العربي التي تناولت الحياة العربية الاجتماعية.
وما دمنا في الحالة العربية لمجتمعنا الفلسطيني، فلنا أن نربط بين مناهج الحكم ومناهج التعليم، .. "دور الدولة في التعليم في البلدان العربية يتجاوز دور التنسيق بكثير، فهي بادئ ذي بدء تقوم بالإشراف على كتابة المناهج، وهي لا تتورع عن كتابة المناهج ذات العلاقة الوثيقة بالمسائل السياسية مثل الدين والتاريخ وغيرها، بطريقة تأمل من ورائها اكتساب الشرعية السياسية في نظر الشعب الذي لم تلجأ إليه أبداً للحصول على الشرعية، وأحياناً تلقي الأنظمة السياسية جانباً بكل مظاهر احترام الاستقلال الأكاديمي، حيث تنص قوانين الجامعات صراحة على تحقيق الانسجام والتكامل بين أهداف التعليم العالي ومخططات الدولة"(3).
لقد كان المجتمع الفلسطيني جزءاً من الدولة العربية الإسلامية ابتداءً من الفتح العربي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب حتى سقوط الدولة العثمانية، ثم تعرض للانتداب البريطاني، وبعد ذلك تعرض جزء منه للاحتلال الإسرائيلي والجزء الآخر للحكم العربي (الأردني، والمصري)، ومع قيام أول سلطة وطنية في فلسطين واستلامها مسؤوليات التربية والتعليم عام 1994 حتى الآن، فإننا نجد أنه بالرغم من استمرار الحالة العربية عندنا، إلا أن هناك توقاً تربوياً على الأقل نحو تفعيل التربية وعصرنتها وبث مفاهيم ديمقراطية في العملية التعليمية، ومن هذه المفاهيم إقامة علاقة إنسانية بين أركان العملية خصوصاً بين المعلم ـ الطالب، واستلزم ذلك طلب الوزارة صراحة بعدم استخدام أساليب العنف المادي واللفظي تجاه الطلبة بالإضافة لنشر العشرات من المرشدين النفسيين في المدارس لتوجيه سلوك الطلبة وفهم نفسياتهم وحل مشاكلهم بأساليب تربوية حديثة بعيداً عن الأساليب القديمة. ومعنى ذلك أن رأس الهرم التربوي يتفق مع اللاعنف في المدارس، لكن المشكلة تظل كامنة في الطالب والمعلم والمدير، كونهم مواطنين ما زالوا يتأثرون بالمجتمع الذي يعيشون فيه.
أما على المستوى السياسي، فإنه وبعد تأسيس أول مجلس نيابي "المجلس التشريعي" في عام 1995، وانسجاماً مع وثيقة الاستقلال التي تبنتها م. ت. ف في عام 1988، فإننا نجد صراحة النية باستخدام النهج الديمقراطي في التعامل، وسنضطر إلى أن ننتظر قليلاً حتى نتأكد من تطبيق الشعار الديمقراطي في فلسطين، ولن نكون متشائمين، بل أننا نزعم أن الوضع عندنا سيكون أفضل من غيره، وحتى ننشئ مجتمعاً ديمقراطياً قائماً على الحوار بعيداً عن العنف بكل أشكاله فمعنى ذلك هو تفعيل المؤسسة التربوية.
وإذا كنا ما نزال في الحالة العربية، فإننا أيضا كحالة فلسطينية نتعرض لهذا التصادم الخارجي مع إسرائيل والغرب (حسب مستويات العداء) وكذلك التضاد بين م. ت. ف والحركات الإسلامية، وبين السلطة والمعارضة، بل بين التنظيمات نفسها والتنافس الداخلي في المجموعات الصغيرة، ومعنى ذلك أن هذا التضاد والتصادم السياسي سينعكس على المجتمع الذي نعيشه، ومع وجود رأي عام ينادي بالديمقراطية، فقد نشطت جماعات حقوق الإنسان وغيرها المرتبطة بالسلطة والمؤسسات غير الحكومية بدعم من مؤسسات تمويل أجنبية، نشطت في التبشير بالديمقراطية وحقوق الإنسان كأسلوب لتخفيف حدة الاحتقان السياسي والفكري الذي تعاني منه النخبة والجماهير على حد سواء، وانتشرت المجموعات في العمل داخل أوساط المجتمع في مناحي المرأة والطفل والحريات السياسية والقضاء والصحافة، بل وصلت إلى تثقيف السلطة وخصوصاً أجهزتها الأمنية حول هذه المفاهيم المدنية. وفي هذا الصدد، أصبح تناول مسألة العنف ضمن المصطلح السائد عالمياً وهو العنف الداخلي في المجتمع الواحد بعيداً عن العلاقة مع إسرائيل، فكان بذلك تناول العنف يقع ضمن الإطار العام لإشاعة مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في فلسطين.
لذلك فإن العنف العام الداخلي الذي نعاني منه هو وليد تراكم طويل، وليس هو وليد يوم وليلة، ومعنى ذلك أن تخفيفه يستلزم فهم تاريخ الوضع السياسي والتاريخي للحياة السياسية والاجتماعية في فلسطين، وقد قمنا بعرض مختصر لهذا التاريخ كإطار عام. ونتيجة ذلك التراكم، أصبح العنف سيداً للأحكام التي تقوم بها الذهنية العربية "إذا كانت الهيمنة أسلوباً للتعامل بين البشر، فإن العنف أو التهديد به يصبح سيد الموقف، اللجوء إلى العنف أو التهديد به لفض المشاكل البسيطة والمعقدة أمر محتوم يبرز في كثير من تفاعلاتنا اليومية، التهديد بالضرب والقتل والاغتيال والتهجير والتدمير يصدر عنا بشكل تلقائي عفوي لا شعوري، العنف من صلب تراثنا، العنف كأسلوب للتعامل جزء من شخصيتنا الاجتماعية والنفسية، حتى أننا نفهم الحب المقدس، وممارسة العشق والوصال، نفهمه فتحاً وخزقاً وقرطاً وحرثاً، واللجوء إلى الهيمنة والعنف أو التهديد بهما أسلوب شامل وعام"(4).
وإذا كان العنف يقع على المواطنين بشكل عام، وإذا كان أسلوباً بينهم، فإن العنف بشكل خاص يقع في مجتمعنا على الأطراف الضعيفة مثل المرأة، الطفل، وهذا يقودنا إلى أن الطلاب والطالبات باعتبارهم أطفالاً، فهم معرضون في الأصل للعنف مرتين كونهم مواطنين وكونهم أطفالاً. أما الطفلة، فهي معرضة للعنف باعتبارها مواطنة وطفلة، وباعتبارها تنتمي إلى عالم المرأة، وأظن أن جزيئية تعرض الفتاة/ الطالبة للعنف في المدارس هو أمر بارز وينسجم مع العنف الذي تتلقاه في كل مكان تعيش أو تعمل فيه أيضاً.
وقد فسر د.فؤاد زكريا(5)، في مقال له بعنوان "اضطهاد المرأة عند جماعات الإسلام السياسي" ظاهرة العنف والاضطهاد الذي تتعرض له المرأة (وبالطبع الطفلة) باعتبار ما سوف يكون، بقوله "إن التعليل الذي يفسر هذه الظواهر كلها هو أن لدى هذه الجماعات ميلاً طاغياً إلى إبقاء المرأة في حالة تشيؤ، فهم في صميمهم يرون المرأة شيئاً يمتلكه الرجل ويستمتع به، ويحرصون على أن يردوها دائماً إلى حالة "الشيء"، كلما فكرت في تجاوز هذه الحالة من أجل إثبات أنها كائن بشري يعلو على مستوى الممتلكات المجردة، وأنها ينبغي أن تعامل كغاية في ذاتها لا كمجرد وسيلة لإمتاع الغير أو لخدمتهم"، لقد استبقنا الحديث عن المرأة/ الطفلة، وذلك لأهمية هذا الموضوع في مجتمعاتنا العربية، ومقصدنا هو توضيح حالة فلسطين (العربية) التي تتعرض فيها النساء والأطفال لعنف مزدوج وثلاثي أكثر من باقي قطاعات المجتمع، ولأن تعاملنا مع الطلبة في المدارس هو تعامل مع الأطفال، فمعنى ذلك أن العلاقة الأسرية في البيت سوف تنعكس عليهم.
إن العلاقة بين الوالدين لها أثر كبير على الأطفال، وقد أشارت إلى هذا الأثر نازك سابا يارد في مقال لها بعنوان "المرأة والعنف الممارس عليها" نقتبس منه أثر ذلك على الأطفال "هذا العنف يترك أثراً بالغاً في الأولاد، أحياناً تحرم الأم الضحية أولادهما ما يحتاجون إليه من عطف وعناية، إذ تكون مشغولة بمشكلتها وبحماية نفسها وقد يضرب الوالد أولاده أيضاً، ولكن، حتى إن لم يفعل، فقد بينت الدراسات أن الأولاد الذين يشاهدون والدهم يضرب أمهم يصبحون قلقين، عصبيين، ميالين إلى العزلة، يبللون السرير، يعانون أوجاع الرأس والمعدة، يصابون بالربو، والتأتأة، أحياناً يتأخرون في دروسهم، أما الصبيان منهم فيمارسون بدورهم العنف على رفاقهم وفي ألعابهم. وأهم من هذا كله، أن تفكير هؤلاء الأولاد يصبح بالغ التعرض للخطأ، سيظنون أن العنف شيء طبيعي في الحياة، وأن العنف هو الطريقة الوحيدة لحل مشكلاتهم. أن العنف أمر مقبول، وقد دلت الإحصاءات في الخارج على أن ما بين 50 و 80% من الرجال الذين يضربون شريكاتهم نشأوا في أسر كان الوالد فيها يضرب الأم"(6).
ومرة أخرى سنجد أنفسنا مدفوعين إلى التركيز على أن العنف الممارس على المرأة بشكل خاص هو مصدر كبير وخطير ينعكس على أفراد الأسرة ومنهم الأطفال الذين سيكتسبون هذه الصفة. ورغم معاناة مجتمعنا العربي من هذه الظاهرة، إلا أنها ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على الأسرة العربية فقط.
في الاصطلاح:
العنف لغةً (7): "عنفٌ به وعليه ـ عنفاً، وعنافة: أخذه بشدة وقسوة، ولامه" فهو عنيف، (اعتنف) الأمر: أخذه بعنف وأتاه ولم يكن له علم به و.. الشيء: كرهه، يقال اعتنف الطعام و.. فلان المجلس: تحول عنه، عنفوان الشيء: أوله، يقال هو في عنفوان شبابه أي في نشاطه وحدّته".
"غير أن معنى العنف اكتسب دلالة أخرى مختلفة عند العرب المحدثين، فأصبح مقابلاً للفظة Violence في الفرنسية أو الإنجليزية، أو Gewalt في الألمانية، من المعنى الحقوقي الحديث، وفي الحقيقة فإن لفظة العنف كما وردت في الحديث أو الشعر العربي القديم قريبة من معنى Violentia في اللاتينية التي تعني الغلظة والقوة الشديدة، وهي مشتقة من Vis أي القوة الفيزيائية أو كمية ووفرة شيء ما، وهو معنى على صلة بلفظة bia في اليونانية أي القوة الحية، ذلك أن العربية تقول عنفوان كل شيء أوله، وقد غلب على النبات والشباب كما جاء في معجم لسان العرب(8).
إن المعنى الحداثوي لـ "العنف" كمصطلح يتسع لكل أشكال العنف، ولما كنا بصدد العنف داخل المجتمع المدني الحديث، فإنه ينبغي الإشارة إلى أن "العنف كمقولة حقوقية تعود إلى القرن التاسع عشر حيث حدد وفكر فيه داخل التصور الحديث للدولة بوصفه فعلاً أو ظاهرة ترمي إلى إحداث خلل في البنى التي تنظم مجتمعاً ما مما ينجم عنه تهديد نظام الحقوق والواجبات التي يتوفر عليها الأفراد طالما هم ينتمون إلى شرعية قائمة"(9).
وعلى أية حال، يستطيع كل واحد أن يعرف العنف من وجهة نظره، من هذه التعريفات تعريف د. فرج عبد القادر طه(10) الذي عرفه من خلال السياق النفسي "بأنه السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدائياً كالضرب والتقتيل للأفراد والتكسير والتدمير للممتلكات، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره".
وإذا قرأنا عدة تعريفات سنجد(11) أن جميع التعاريف السابقة تتمحور حول نقطتين مركزيتين:


إن التصادم مع الآخر سواء أكان قريباً أم بعيداً هو أسلوب معين لإثبات الحق، أو وجهة النظر، أو المصلحة المادية، ذلك أننا لا نستطيع أن ننسى أن بداية العنف كانت ترجع إلى الصراع حول الحاجات الأساسية، صراع البقاء المعتمد على تأمين المأكل أولاً ثم بقية الحاجات المادية الضرورية للعيش حسب المستوى الحضاري للإنسان، وبعد وضع النصوص القانونية الأولية التي تبين العلاقة بين الناس ظهرت أنواع متعددة من السلوكيات الرافضة، ومن هنا نشأ السلوك العدواني الذي يسعى لإثبات الذات وتوكيدها. وقد تم تعريف هذا السلوك على أنه "أي سلوك يصدره الفرد بهدف إلحاق الأذى أو الضرر بفرد آخر يحاول أن يتجنب هذا الإيذاء سواء كان بدنياً أو لفظياً تم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو أفصح عن نفسه في صورة الغضب أو العداوة التي توجه إلى المعتدي عليه"(12).
من هنا جاءت أصلاً القوانين لتنظيم حياة البشر وتنظيم الإرادات حتى لا تطغى إرادة على أخرى، وما العقد الاجتماعي على سبيل المثال لجان جاك روسو، إلا مشاركة في اتفاق الناس على جملة قوانين تنظم حياتهم، فإذا كان القانون فيه ثغرة حول العدالة مثلاً، فهذا سيعني وجود فئات تطالب بحقوقها، وستسعى إلى إثبات الذات للمطالبة بتلك الحقوق. وقد يكون القانون جيداً وتكون المشكلة في التطبيق، وفي جميع الحالات سينشأ العنف كأسلوب يلبي مصلحة ما لفئة ما في ظل نظام حكم غير تعددي أو نظام لا ينظم المصالح الشخصية للأفراد والجماعات.
في هذا السياق، نرى أن "النظم السياسية المتقدمة وهي تحرم العنف كوسيلة لتحقيق أية أهداف، توفر لكل مختلف معها وسائل مسالمة لبلوغ أهدافه إن استطاع، وبالطبع فإن الديمقراطيات الغربية المعاصرة لم تبلغ الكمال، ولعلها وهي نظم بشرية تعجز عن ذلك البلوغ، لكن نسيجها السياسي يوفر من القنوات التي تمكنه من جمع الناس حوله والتأثير فيهم وبهم في الرأي العام الذي يقدر وإن بدرجات متفاوتة على تغيير سياسات الحكم وتغيير الحكام. وأما مجتمعات العالم الثالث والعربي منها على وجه الخصوص، فالأمر يختلف، إذ تغيب القنوات المشروعة للتعبير عن الاختلاف وتحقيق الطموحات السياسية بل يصل الحال في كثير من تلك المجتمعات إلى حد كراهية الاختلاف والضيق بالطموحات بحيث يجد صاحب الرأي أو الطموح نفسه بين خيارين، إما الركون إلى الصمت أو ارتكاب العنف الغاضب إن استطاع"(13).
أولاً: المسؤولية المجتمعية
"تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على الإهمال وإساءة المعاملة أو الاستغلال"
نص من اتفاقية حقوق الطفل.
هناك عدة نصوص سواء في مجال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو اتفاقية حقوق الطفل أو نصوص منظمة العمل الدولية، إضافة إلى التشريعات العربية والمحلية تنادي بالحفاظ على الطفل، ولكن الحقيقة أن المشكلة لا تكمن في مجرد إصدار القوانين مهما كانت عادلة وسامية، المشكلة في تطبيق المجتمع لها. لقد نصت التشريعات على تعليم الأطفال وحمايتهم مشاركتهم، وركزت على الحنان عليهم وعدم تعنيفهم أو ضربهم أو الإساءة إليهم مادياً أو لفظياً، ومحلياً نشطت المؤسسات في التنظير حول حقوق الطفل، ويوجد يوم يحتفل فيه الفلسطينيون بيوم الطفل، بمعنى أن الصورة في أدبيات حقوق الطفل على المستوى النظري جيدة، لكن ماذا عن التطبيق؟ ماذا عن وضع الطفل في الحقيقة؟
تبين التشريعات الدولية أن الطفل هو ما دون الثامنة عشرة، أي أن طلاب المدارس جميعاً أطفال، وهنا المشكلة الكبرى فيما يتعلق بالمدارس في جميع أنحاء العالم، إنها تتعامل مع الأطفال وهو أصعب أنواع التعامل، في هذا السياق جرى في السنوات الأخيرة بشكل شبه ممنهج الحديث عن العنف في المدارس كجزيئية تنتمي إلى الحديث العام عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل في فلسطين. وقد لاحظ التربويون والباحثون والعاملون في مجال الصحة النفسية أن ثمة مشكلة تتعلق بوضع أطفال فلسطين النفسي، ولم يكن من الصعب التعرف على جوانب المشكلة. إن تعرض الأطفال (الطلبة) للاحتلال الإسرائيلي كباقي جوانب الحياة في فلسطين، جعلهم في مجال تأثر بانعكاس أثر الاحتلال على المواطنين وعليهم، فالنضال ضد الاحتلال كان بأساليب مختلفة عنيفة، كما أن الوضع الاقتصادي ونشوء الفقر أيضاً غذى سلوكيات العنف عند الطلبة. فإذا أضفنا الأساليب التقليدية في التربية والتعليم والمناهج وأسلوب التلقين والامتحانات والوضع الاجتماعي للأسرة الفلسطينية، فسنستطيع التعرف على عدة مجالات ضاغطة على الطلبة ولدت العنف في المدارس على أكثر من صعيد، وما زال جزء كبير من هذه المؤثرات موجوداً، أي أن التحول ما زال محدوداً لا سيما مع وجود الاحتلال.
وهناك عدة دراسات تشير إلى العنف في المدارس أو قل عنف الأطفال بشكل عام، كما مثل هذا الموضوع وقائع المؤتمر الخامس الذي عقده مركز الدراسات والتطبيقات التربوية بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في يومي 17 و 18 من تموز 1996 في رام الله، وسأشير هنا إلى دراسة رصدت الأثر السيء للاحتلال الإسرائيلي على الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين قامت بها د. ميشيل سلفان، ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريراً عنها في 7/1/1999 (14)، حيث هناك اعتراف من باحثة إسرائيلية بأن سياسة الاحتلال تجعل الأطفال الفلسطينيين أكثر عنفاً، لذلك فإننا متفائلون مع زوال الاحتلال أن تخف حدة العنف لدى أطفالنا وطلبتنا.
على المستوى الاجتماعي، فإنه بإمكاننا تخفيف حدة الآلام التي يتعرض لها الطلبة باعتبارهم أطفالاً وهم في بيوتهم على وجه الخصوص، وسنركز في السطور القادمة على سلوك المجتمع تجاه الطفلة/ الطالبة، فقد أظهر استطلاع رأي أجراه مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات في غزة على عينة من الطالبات الجامعيات أن 88% منهن عرضة للإصابة بالأمراض النفسية في المجتمع(15).
ولا أظن أن الطالبات في المرحلة الثانوية بعيدات عن تلك المعاناة، سواء في الحزن أو الاكتئاب وغير ذلك، ويظهر أن هذا الشعور الذي لازم الطالبات الجامعيات هو نتيجة تراكم مر معهن منذ سنوات الطفولة في الروضة والمدرسة حتى الجامعة.
ويتفق د. فضل أبو هين مدير المركز الذي أجرى الاستطلاع، مع الرأي السائد الذي يحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية هذه الضغوط. ويضيف: "إن الضغط الاقتصادي يولد اليأس وإحساس الإنسان بعدم قيمته وعدم فعاليته خاصة حينما يقف الإنسان عاجزاً أمام سد حاجات أسرته وسط هذه الظروف الصعبة"(16).
ونستنتج من هذا الاستطلاع أن هناك سلوكاً عنيفاً تعرضت له الطالبات أدى إلى هذه النسبة المعرضة للإصابة بالأمراض النفسية، وقد أجري يوم دراسي خاص حول العلاقة بين العنف الممارس ضد النساء وظاهرة تأنيث الفقر، عقد في غزة، تحدث فيه عدد من الباحثين منهم د. نادر سعيد الذي أشار إلى عالمية العنف، كما تحدث عن ضرب النساء، ومنهم د. فضل أبو هين الأستاذ المساعد في كلية التربية في غزة، وهناك إشارة واضحة لعلاقة الفقر مع العنف ضد النساء(17).
وإشارتنا المستمرة والمتكررة في هذه الصفحات لتعرض النساء والفتيات للعنف تأتي من باب ربط تعرضهن للعنف الذي ينعكس بالتالي على الأطفال، الذين يتعرضون للعنف في البيت، وفي المدرسة، كون المعلمات (المضروبات والمعنفات) هن نساء تعرضن للعنف رغم مستواهن الثقافي. إضافة إلى نقل الطلبة سلوك البيت إلى المدرسة.
ولا أستطيع الفصل بين المدرسة والبيت، لذلك فإن الطفلة تحت سن 18 عاماً حين يزوجونها (الأهل) مبكراً فإنها تتعرض لعنف مباشر وغير مباشر "إن الزواج المبكر في جذوره وأصوله يعبر عن رغبة جامحة ومتأصلة في الثقافة العربية للسيطرة الجنسية على المرأة وتسخير جسدها وعقلها ونفسيتها لصالح رغبات الرجل... إن الزواج من فتاة صغيرة في العمر يمكن الرجل من بدء علاقته معها على أسس غير متكافئة تتلوها محاولات مستمرة لإحكام السيطرة تتعزز بسبب قدراته المادية والثقافية وتفوق تجربته العملية والحياتية عليها. إن التفوق الاقتصادي والتجربة الأوسع للرجل تجعله يشعر بشكل دائم بأفضلية، وإذا قام باستخدام العنف ضدها فهي تتعلم أن هناك تبريراً لمثل هذا العنف(18).
إن الوضع التربوي ليس مسؤولية قطاع التربية والتعليم وحده، لذلك فإن وضع (جزيئية العنف في المدارس) ليس مسؤولية المعلمين والمعلمات، بل أنها مسؤولية مشتركة مجتمعية، لا بد من جميع القطاعات أن تدلو بدلوها من أجل تكامل الرؤية وتنفيذ الحلول لتخفيف حدة الظاهرة والحد منها نهائياً إن أمكن "إن قضية العنف في المدرسة ليس مصدرها الوحيد هو المعلم وإنما نتعامل بأن المعلم في النهاية هو المسؤول الأول عن هذه العملية التربوية المعقدة بكل معانيها ثقافياً وحضارياً، إضافة إلى اكتساب الطلاب العادات الفكرية والوجدانية وأنماط السلوك السليمة وكيفية التفكير حتى يكون دور المعلم مساعداً ودليلاً وداعماً للطالب بحيث يصل مستوى العلاقة بين المعلم والطالب إلى درجة مجسدة بالتعاون والتكامل"(19). وليست القضية مقتصرة على العلاقة بين الطلبة والمعلم، بل أن هناك تجاوزات في علاقات الطلبة الداخلية وصلت حد الدموية، واستخدام الآلات الحادة، وقد تحدث تقرير صحفي(20) عن هذا الموضوع، واستطلعت كاتبة التقرير عدداً من الآراء، فأكد د. فضل أبو هين الأستاذ المساعد في كلية التربية في غزة، أن المدرسة مجال يتعامل فيه الطلبة ويحتكون مع بعضهم البعض مما يهيئ الفرص أمامهم لإبراز شخصيتهم المراهقة باتباع أساليب منحرفة مشيراً إلى أنه كلما زاد الاحتكاك بين الطلبة بشكل أكبر توقعنا حدة في السلوك خاصة أن مدارسنا تفتقر إلى الاتساع وزيادة عدد الطلاب في الفصل الواحد، بالإضافة لعدم وجود ملاعب وبرامج ترفيهية للطلبة ليتم تفريغ طاقات الطلبة من خلالها. إن ظاهرة العنف، بين الطلاب تظهر بشكل ملموس في أوساط الأسر الفقيرة التي تعاني من ازدياد في عدد أفرادها وانخفاض المستوى التعليمي للوالدين، حيث يكون مناخ المدرسة الأكثر نجاعة لاستخدام السلوك العدواني، كما أن توكيد الذات هنا يتم من خلال العنف كأسلوب سيء جداً، وهو يختلف عن توكيد الذات بشكل إيجابي "توكيد الذات: قدرة الفرد على التعبير الملائم عن أي انفعال يتعرض له نحو المواقف والأشخاص، فيما عدا التعبير عن القلق، وتشمل هذه الانفعالات التعبير عن الصداقة والمشاعر الوجدانية التي لا تؤذي الآخرين، أو لا تؤدي إلى انتهاك حقوقهم(21).
لذلك يجب أن نظل متنبهين إلى أن المدرسة مجال للتعبير عن السلوك الذي يكتسبه الطالب/ الطالبة في المجتمع "تمثل المدرسة اليوم صندوق رنين يردد صدى كل المشكلات التي يعانيها الصغار، يأتون إليها ليعبروا عن شقائهم وهذا بالتحديد ما يقود إلى تلك اللامبالاة تجاه المدرسة"(22)، وهذا يؤكد أن مشكلة العنف هي مسؤولية مجتمعية "المدرسة كانت عامل اندماج مهم، وينبغي أن تبقى كذلك... أنها تمثل المكان الذي تتقارب فيه الفروق"(23).
ويتفق الكاتب إبراهيم بن عيشة الذي يعيش في فرنسا ويتحدث عن العنف هناك مع ما ذكره الأستاذ جميل سليمان في الملتقى التربوي في كون المسؤولية مجتمعية "العنف في المدرسة ليس ظاهرة ناتجة عن طريقة عمل المؤسسة التربوية الوطنية، للأسف فإن المدرسة بمنزلة الصدى للمشكلات التي يواجهها الشبان في مجتمعنا اليوم، وينبغي خصوصاً تفادي تحميل المدرسين مسؤولية الأمر أو أن يقال عنهم أنهم السبب في مشكلة نقص التواصل مع الشباب. إننا في مواجهة اهتزاز يعرفه المجتمع في إطار أزمة اقتصادية دولية، ومن البديهي أن شقاء هؤلاء الأطفال يعبر عن نفسه في المدرسة، ويظهرون بهذه الطريقة ثورتهم على غياب الآفاق أمامهم التي تعني فرص العمل"(24).
لذلك نرى الكاتب الجزائري المذكور يطالب "بتوفير الإعلام الجاد الذي لا تشوبه مغالطة ويتمتع بالقدرة على إعطاء طابع من المسؤولية للمواطنين، وبالتالي نزع فتيل العنف، والعنف ليس إلا وليد الشعور بالمظلومية والحرمان، ممارسة القدرة على هضم الظلم وتحويله إلى فعل إيجابي، أعتقد أن توزيعاً أحسن للثروات الثقافية والمادية سيكون حلاً جيداً في وجه العنف والتهميش"(25).

ثانياً: دور التربية الديمقراطية
إن تشديدنا على إشاعة التربية الديمقراطية لم يأت من فراغ، ذلك أن مظاهر العنف هي نتيجة عدم شيوع تلك التربية، في الحالة العربية ثمة انسجام بين أنظمة الحكم وأسلوب الوعظ والإرشاد الديني وبين أسلوب التلقين في التربية والتعليم، وقد أشرت لهذه العلاقة في مقال لي بعنوان "التفكير الإبداعي في التربية والتعليم"(26) حللت فيه تلك العلاقة التقليدية التي يحب الحاكم من خلالها الشعب المطيع، وقد خلصت إلى نتيجة مفادها أن استخدام التعلم يتفق مع الديمقراطية لأنه يعطي الفرصة للطلبة كي يشاركوا ولا يظلوا في مجال التلقي السلبي فقط الذي تستلزمه القيم الاجتماعية الناتجة عن نظام حكم سياسي تقليدي "وتنشئ القيم الاجتماعية التقليدية التي تنعكس في نظام تعليمي تقليدي شخصية لها سمات محددة أهمها الضعف في المقدرة على التفكير المستقل والمقدرة على التجديد والابتكار والتطوير، وتفرز عدم الثقة في النفس في نقاش موضوعات لا تتطلب ترديداً أو اجتراراً لمعلومات، وتفرز هذه القيم أيضا الخوف من سلطة المجتمع، وتعزز عدم القدرة على التعامل مع ما هو جديد وغير مألوف، وتضعف الشعور بوجود حقوق فردية لدى الشخص أو الطالب وتنتج شخصية مكبلة عاجزة غير مبدعة ودون مقدرة على إعادة إنتاج المعرفة"(27).
وفي ظل أنظمة غير ديمقراطية، تزدهر التربية التقليدية، وكما يزدهر القمع السلطوي لمجموع الشعب والنخب المفكرة والآراء المعارضة، لأنه على الجانب الآخر سنجد ازدهاراً لمظاهر السلطة السيئة عند المسؤولين التربويين بدءاً من المعلم ومدير المدرسة، وبالتالي فإن العنف المتبادل بين أركان المؤسسة التربوية هو عنف ناتج عن النظام السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل عام. والسلطة أياً كانت فإنها تلجأ خصوصاً في المجتمعات غير الديمقراطية إلى الإلزام والإحكام دون نقاش لأنها أصلاً فاقدة للثقة في قيادتها الفكرية للمجتمع، وتخشى من الرأي الآخر، وهذا ينسجم مع الخطاب الديني القائم على التهديد والوعيد في بلادنا العربية كما ذكر عبد الفتاح عمر في "الديمقراطية والثقافة السياسية" الذي أشرنا إليه من قبل "يقول ماكس فيبر أن السلطة توجد حينما أفرض إرادتي رغم مقاومة الآخرين لها، وهي حسب فولتير فإنها تجعل الآخرين يتصرفون تبعاً لاختياراتي. إن المرء يشعر نفسه أنه أكثر من مجرد إنسان حين يتمكن من فرض نفسه ومن جعل الآخرين أدوات تطيع رغبته مما يعطيه لذّة لا تضاهي"(28)، لذا ليس من الغريب أن يضيف رضوان جودت زيادة في مقاله المذكور "خطاب العنف.. مقاربة نفسية أنثروبولوجية": إن ثمة علاقة بين القوة والعنف، ويتساءل: وهل هما وجهان لعملة واحدة أو أن لكل منهما سياقاً مختلفاً؟ وهل تتميز الممارسة في كل منهما؟ يجري تعريف القوة في السياق السياسي بأنها إمكانية فعل يمكن ضبطها وتوجيهها بواسطة الإرادة، أي أنها قابلة للقوننة والتنظيم، أما العنف فهو حالة شذوذ في استعمال القوة تخرج من المألوف والطبيعي والعادي وعن النظام والقانون".
إننا نقبل الإرادة إذن التي تستخدم القوة لتنظيم المصلحة والحقوق وفق النظام الديمقراطي، ولا تسمى تلك الإرادة القوية بالعنيفة، لأن العنف كما هو معروف الآن هو أسلوب شاذ في التعامل مع المشاكل. وهذا يسوقنا بشكل عام إلى الحديث الموجز عن شرعية العنف عند الأيديولوجيين الذين لا يقبلون التعددية، وظهر ذلك عند الشيوعيين وغيرهم من المفكرين، حتى عند الوجوديين أمثال بول سارتر، وقد بحث الكثيرون عن مبررات العنف السياسي والفكري كونه طريقاً إلى النجاة للمجتمع والأفراد، ونستطيع الرجوع إلى أدبيات السياسيين الأيديولوجيين لنتعمق في هذا الموضوع الخطير، الذي كانت النازية والفاشية والشيوعية نتيجة له. وما يهمنا هنا هو أنه ما زال العديد من التربويين يلجأون إلى العنف وينادون به تحت ذرائع واهية.
إن النقاش حول "شرعنة العنف" كما ذكر رضوان جودت زيادة في مقاله ليس بعيداً عن مبررات التربويين حول استخدام العنف في المدارس. ونحن هنا فقط نشير مجرد إشارة لهذا النقاش كي نثبت بأن المدرسة مؤسسة صغيرة تتأثر بالمجتمع، وإصلاحها بالتالي مرتبط (للأسف) بإصلاح المجتمع. ورغم أننا قد نتقبل سلوك السياسي غير الديمقراطي في التعامل مع الأفراد والجماعات، إلا أننا لا نجد عذراً للتربوي في إقامة أية علاقة قائمة على العنف وهو يوصل المعلومات ويتعامل مع الأطفال داخل أسوار المدرسة، لأن "التربية تتميز عن غيرها من العمليات بوجود "جانب إدراكي" بمعنى أن المتعلم يدرك (يفهم) ما هو بصدد تعلمه. وفي غياب الجانب الإدراكي لا يكون هناك مفر من الاعتماد على أساليب غير عقلانية في ترسيخ المعتقدات، هذه تشمل في أدنى درجاتها أنماطاً مختلفة من العقاب الجسدي الذي كان عادة متبعة في المدارس إلى عهد قريب، كما تشمل أنواعاً شتى من العقاب المعنوي، مثل النبذ والتخجيل والتهديد"(29). إن الطفل الذي يتعرض لهذه المظاهر يكتسبها، وهو لا يتعلم (المعلومات) فقط، ولا يتعلم عدم المناقشة والطاعة الفكرية والرضا بالأمر الواقع الذي يفرضه أسلوب التلقين فحسب، بل يتعلم بهذه الأساليب جميعها التي تدخل في يناء شخصيته، وهذا مكمن الخطر "إن الطرق التربوية من طراز "تقبل هذا ولا تسأل عن السبب"، "تقبل هذا وإلا..." ليست فقط أساليب تتبع في غرس المعتقدات والقيم في أذهان المتعلمين، فما من ضمانة لدينا أن دورها سوف يقتصر على دور الوسيلة، ذلك أنها جزئياً على الأقل تعبيرات عن قيم معينة. والشخص الذي يتعلم (س) من الأشياء بواسطة التلقين لا يتعلم (س) فقط، إنما يتعلم بالإضافة إلى ذلك أنه من الجائز (بل ربما من الطبيعي) أن يستعمل الإنسان هذا الأسلوب في تعليم (س)، وهذا بالطبع موقف قيمي (بما هو مقبول وطبيعي وما هو خلاف ذلك)"(30).
ثالثاً: العوامل النفسية والاجتماعية:
ما زلت أتذكر بكثير من الحزن والأسى والغضب أيضاً وصايا زملائي الأقدم مني في مهنة التعليم حينما بدأت أعمل "كمعلم"، ومن أسخف هذه الوصايا هي وصية التجهم والضرب لأتفه الأسباب وقسوة الألفاظ وعدم اللين، ذلك أنه من وجهة نظرهم سيجلب الهيبة للمعلم الجديد. والحق أن ذلك الشيء السيء ليس مقتصراً على قطاع المعلمين، بل ينطبق على الفكر السلطوي المجتمعي القامع للحرية الفردية وحرية الحركة والنقاش وحرية التعلم وتكوين الرأي، فالحاكم عندنا ورجل الدين وهما الأكثر تأثيراً في الجمهور يتميزان ويتمتعان بصفة القسوة لفرض الهيبة في النفوس، لذلك فإن الأب، الأخ الأكبر، المعلم... هما إفراز لهذا الوضع البوليسي غير المدني.
الحاكم ورجل الدين وغيرهما من أصحاب السلطة يصغيان لأنفسهم، لذلك لن نجد غرابة في تعنيف أطفالنا وعدم الإصغاء لهم خوف ضياع جزء من الهيبة "هناك منا من يلجأ للحل السهل، فالصوت العالي الغاضب والسخرية والإهانة لربما توقف الخطأ للحظات، ولكنها تترك مع الطفل والشاب مرارة وغضب وشعور بعدم الثقة بالنفس لسنوات. ومنا من يتستر وراء قناع يعتقد أنه يعطي لشخصه هيبة وجلال تمنع التمادي في كسر الحدود المحصنة بين المربي وأطفاله، فيأخذ الخوف مكان الاحترام والتردد مكان المبادرة والسؤال، وتدريجياً يفتقد الطفل القدرة على التفكير والتحليل والنقد والاستنتاج والتي هي من أهم مهارات التعلم. وبالمقابل يتعلم الطفل هو الآخر أن يلجأ إلى الحلول السهلة لمواجهة مشاكله ويكتسب قيماً مبنية أساساً على استخدام أشكال العنف مع الآخرين"(31).
والحقيقة أن أكثر المعلمين والمعلمات المتجهمين والعنيفين إنما يلجأون إلى استخدام العنف اللفظي والمادي في التعامل مع الطلبة نتيجة قصور في شخصياتهم (النفسية والتعليمية)، وأزعم أن عدم سيطرة المعلم على إدارة المعلومات داخل الغرفة الصفية وضعفه التربوي في خلق الوسائل التربوية والأساليب في تقديم المعلومات وضعفها يؤدي إلى عدم تحمل ميل الطلبة الحيوي للتفكير والنقاش، كما أن الطلبة يملكون القوة كمتعلمين في تقييم المعلم/ ة، فإذا كان هناك ضعف ما في شخصية المعلم فإنه سيلجأ إلى العنف كمنقذ ومهرب في آن واحد، فالمعلم الذي لا يستطيع جذب انتباه الطلبة وتركيزهم من خلال المعلومات وطرق تقديمها سيلجأ إلى العصا كمخلصة له من هذا الموقف المحرج، لذلك ليس غريباً أن نرى معلمي الرياضيات واللغة الإنجليزية ينتمون إلى هذه الفئة لأسباب موضوعية تتعلق بهذين المبحثين وأسباب ذاتية تتعلق بهما في هضم تلك المواد وجذب الأطفال إليها. لذلك لجأ د. مصطفى حجازي إلى تفسير العنف لدى الإنسان بالمقهور كوجه آخر للقهر والإرهاب الذي يعيشه الإنسان في المجتمع المتخلف، إذ يتحول العنف إلى وسيلة أخيرة في يد الإنسان للإفلات من مأزقه ومن خطر الإندثار الداخلي الذي يتضمنه هذا المأزق إلى سلاح أخير لإعادة شيء من الاعتبار المفقود إلى الذات من خلال التصدي مباشرة أو مداورة للعوامل التي يعتبرها مسؤولة عن ذلك التبخيس الوجودي الذي حل به. العنف هو لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين حين يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي وحين تترسخ القناعة لديه بالفشل في إقناعهم بالاعتراف بكيانه وقيمته(32).
ولما كانت العلاقة بين الطالب والمعلم قائمة على الاتصال المباشر، فإن حسن الاتصال القائم على الحوار والمشاركة من قبل الطلبة في التعلم واعتبار (الطالب) محور العملية التعليمية (حقيقة لا شعار) سيخفف من حدة أي عنف محتمل. ولو وسعنا دائرة (المعلم ـ الطالب) إلى (الإنسان ـ الآخر) فسنجد أن العنف أو النزاع أو تصادم الإرادات المحتمل هو وليد هذه العلاقة بين الأنا والآخر. وأحب أن أشير إلى أحد تفسيرات علم النفس للعنف من خلال مدرسة وجهة النظر الظواهرية التي تحدث عنها د. مصطفى حجازي حين قال: "إن العنف كغيره من أشكال السلوك هو نتاج علائقي، أو بكلمة أكثر دقة، نتاج مأزق علائقي. أما التدمير والقتل فهو كارثة علائقية تصيب الذات في الوقت نفسه الذي تنصب فيه على الآخر وتبيده. إن العدوانية هي طريقة معينة للدخول في علاقة مع الآخر"(33).
أليس ذلك دليلاً على أسلوب المعلمين في بداية متجهمة عدوانية في الحصص الأولى في المدرسة التي يعملون فيها أول مرة؟ إن ذلك بلا شك أسلوب إنساني تقليدي قائم على الخوف على الذات من أن ينكرها الآخر، والمعلم يريد أن يضمن خوف الطلبة منه واحترامهم القائم على الخوف ومن ثم يبدأ بالتراخي قليلاً سواء في سحنة الوجه المتجهمة أو الضرب والألفاظ القاسية لأنه فاز في الجولة الأولى معهم، وعليه الآن أن يظهر بريق أسنانه قليلاً.

رابعاً: خبرة عملية
الأساليب التعليمة:
حين بدأت (أعلم) كنت بلا شك أحمل أفكاراً جديدة تقوم على حسن العلاقة مع الطلبة، والاهتمام بالأساليب والوسائل، فإذا كنت نظرياً قريباً من التربية الحديثة فإنني عندما بدأت بممارسة التعليم كنت قريباً من التربية التقليدية، بمعنى أن النظرية لا تعني التطبيق، بل تشجع على التجريب، من هنا أخذت بتعليم المواد التي كنت قد درستها حين كنت طالباً. وكانت البداية هي تذكر وضعي كطالب وتذكر المعلمين الذين تناوبوا على تعليمي صغيراً، وهنا أتفق مع د. رجا بهلول حين ذكر "أن الشخص الذي يتعلم (س) من الأشياء بواسطة التلقين لا يتعلم (س) فقط، وإنما يتعلم بالإضافة إلى ذلك أن يستعمل الإنسان هذا الأسلوب في تعليم (س)". لذلك انطلقت من الناحية العملية من المدرسة التقليدية مع تهشيم لهذه المدرسة قدر الإمكان، فعدم رضائي عنها جعلني أجدد ولو في القليل، أما عدم امتلاكي للبديل فقد جعلني أبحث عنه أو أمارس التربية التقليدية بشكل مؤقت، يتعلق هذا بشكل أساسي في توصيل المعلومات والعلاقة مع الطلبة.
ومن المناسب ذكر بعض الصفات عندي كطالب وكمعلم، ليس من قبيل الامتياز بل من قبيل علاقة ذلك بكوني معلماً، كنت طالباً متفوقاً وذا علاقة حسنة مع الطلبة والمعلمين، وتفوقت في الثانوية العامة وكنت من الأوائل على مستوى الوطن، وأخذت بدراسة مادة الأدب كوني أحبها وأجد نفسي فيها، لكن لم أتوقع سريعاً أن أصبح معلماً بعد أربع سنوات فقط في الجامعة. لم أشبع من التعلم، فأخذت أتردد على الندوات وأشارك في ورش العمل الخاصة بالتربية والثقافة والإعلام، وكانت خصلة حب التعلم حافزاً لدي كي أتابع اكتساب المعرفة وتوريث هذه الخصلة للطلبة لأنني مقتنع بالتعلم المستمر الذي يعطي الإنسان قوة. وأخذت أبدأ من حيث انتهى الآخرون، حيث أني استفدت من خبراتهم، في الوقت نفسه أزعم أن علاقتي بالفن والثقافة ووسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات قد ساعدني في إضفاء جو من الحيوية على الدروس، وامتلاك الثقة في النفس وحب التعليم القائم على التعلم وليس مجرد التلقين. وهنا تعرفت على فكرة استخدام حقوق الإنسان في التعليم من حيث المشاركة في ورشة خاصة شاركت فيها مؤسسات حقوق الإنسان غير الحكومية عام 1994، وكانت هذه البداية، ففيها تعرفت بشكل نظري على اتفاقية حقوق الطفل ومواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعندما انتقلت إلى جو الصف، حيث المواد الدراسية التقليدية اكتشفت أن من الخطأ تكلف الحديث الفج عن حقوق الإنسان والطفل وإشاعة عدم ممارسة الضرب والعنف، لذلك كنت استغل أية معلومة ترد في المناهج كي اربطها مع الأدبيات العالمية دون تسميتها حتى لا يتشتت الطلبة، ونتيجة الاختلاط مع المعلمين والمعلمات والنقاش حول العنف الموجه ضد الطلبة بشكل خاص أصبحت أكثر ثقة في توجهي اللاعنيف في العلاقة مع الطلبة. وهنا لا بد من إثبات هذه التجربة التي خرجت منها أكثر ثقة بالنفس، كنت قد ذكرت بأن المعلمين الجدد يطلب منهم أن يكونوا متجهمين وعنيفين، لكنني حين بدأت أعلم، لم أستطع فعل ذلك، لأن شخصيتي غير ذلك، فأخذت بالمبادرة في محاولة خلق أسلوب جديد في العلاقة مع الطلبة، فلسفتها تقوم على الاحترام المتبادل وعدم الخوف، وبالرغم من أن مدير تلك المدرسة الخاصة، طلب مني استخدام الضرب والطرد من الصف إلى آخره، إلا أنني قلت له بأنني سأسلك أسلوباً حديثاً، فضحك ساخراً، وقلت له إن أسلوبي الجديد يؤتي ثماره بعد ثلاثة أشهر، أو بعد الفصل الأول، فاتجهت إلى محاولة بث الحيوية والتمكن من المادة التي أدرسها، والتي أخذتها عن حب بها وبالأدب، وكان يهمني مثلاً أن النصوص الأدبية يجب أن تدرس بشكل بعيد عن التلقين والحفظ، ورغم أهمية التمكن اللغوي إلا أن القصد بعيد المدى هو تهذيب النفس وترقيق الوجدان، وهنا صادفتني مشكلة مهمة جداً، وكانت اختباراً لاختياري في عدم العنف مع الطلبة، ألا وهي تعود جزء من الطلبة على الانضباط من خلال العنف، وتعود جزء منهم على احتلال فضاء المشاركة في الصف (الطلاب ذوو المستويات المتقدمة). وكان لا بد من التعاطي مع الوضع التقليدي، فكان لا بد من قليل من العنف بعد التحذير والكلام الجانبي مع بعض الطلبة، لكنه كان عنفاً بسيطاً اضطررت له، ثم أخذت بالاجتهاد في كيفية ضبط التجاوز من خلال تفريغ طاقة الطلبة الأكثر حيوية بالمشاركة في الدرس، بمعنى أن إدارة المعلومات داخل غرفة الصف والانتباه إلى الجميع يسهل المهمة، أما قضية الطلبة المتفوقين والمتوسطي والضعيفي التحصيل، فقد عالجتها من خلال أن لكل منهم الحق في التعلم والمشاركة، وعدم اقتصار توجيه الأسئلة للفئات الذكية إن جاز التعبير. إن ذلك في البداية لم يسعد المتوسطين والمتفوقين حين أحسوا بخطر تعرض حق الامتياز بالتفرد للمناقسة، لكن ذلك أسعدهم فيما بعد حين شاهدوا مشاركة الآخرين وسعادتهم. في هذا الوقت بحثت عن منفذ كي أفرغ به طاقة (الأوائل) من خلال الطلب منهم القيام بأشياء معينة، أو توجيه أسئلة خاصة بهم لألبي الشعور الخاص عندهم، فلم يحصل أن عنفت أحد الطلبة في يوم من الأيام بسبب ضعف دراسي، بل أن ذلك الضعف كان مدعاة لي كي أساعد في الارتقاء به، وكنت خلال ذلك أحافظ على استخدام اللغة والمظهر الخارجي بشكل أنيق ما استطعت لذلك سبيلاً، ولم أشأ إلا أن أحل مشاكل الطلبة بحيث لا أجرح مشاعرهم، وربما أثار ذلك حفيظة المدير الذي كان يريد أن يعرف الصغيرة والكبيرة، واتهمني بعدم التعاون معه.
العلاقات الداخلية للطلبة:
خلال التعامل مع الطلبة، اكتشفت أن إشاعة العلاقة الحسنة فيما بينهم واحترام الحوار والاحترام المتبادل بعيداً عن الاستعراض (المراهق) لإثبات الذات أو العنف غير المبرر يساعد في خلق علاقة حسنة مع المعلم أيضاً. فليست المشكلة فقط هي في علاقة الطالب بالمعلم، بل أن العلاقات الداخلية بين الطلبة هي الأهم، أليسوا هم محور العملية التعليمية؟ إن احترام الطالب لزملائه سيقود حتماً إلى احترام المعلم والمدير والمسؤولين. وهذه كانت المهمة الصعبة في ظل ما نعانيه من ثغرات في سلوكنا العام تجاه الآخرين في البيت والشارع والمؤسسات.
ما الذي يجعل الطالب يصغي لزميله باحترام؟ هذا سؤال كان له الفضل في تسهيل المهمة. حين يحتاج الطالب لزميله ويجد عنده شيئاً جديداً، وحين يتعرف على (مناطق) لم يكن يعرفها عند ذلك الزميل فإنه سيصغي له وسيحترمه فيما بعد. وثمة صلة بين العلاقة تلك والنقاش والتعلم الذي نحن بصدده. في درس النصوص على سبيل المثال، كنت أناقش المفردات الصعبة مع الطلبة، وبعد ذلك أقسمهم إلى مجموعات (من 4 إلى 5 طلاب) لكل مجموعة، يتبادلون خلالها الخبرة حول فهمهم للنص الشعري، وبعد ذلك نعطي الفرصة (لمقرر) يختارونه كي يعلنوا للآخرين ما تذوقوه وما فهموه من ذلك النص المخصص لهم، فكان هذا الأسلوب يدفعهم إلى الإصغاء لتجارب الآخرين للتعلم ومعرفة توجهات الآخرين. أسلوب آخر اتبعته في تعليم نصوص أخرى يقوم على مشاركة 3 ـ 4 طلاب في ندوة تستمر 25 دقيقة لمناقشة موضوع الدرس، وترك المجال لبقية الطلبة للاستماع والمناقشة والمشاركة وتشجيعهم عليها فيما بعد. هذان الأسلوبان خففا إلى حدٍ كبير من الاحتقان في العلاقة.
أما المجال الأخصب فكان في حصص التعبير والإنشاء، حيث تعرفت على شخصياتهم من خلال كتاباتهم في مواضيع محببة وليست مواضيع تقليدية (الصفوف 7 ـ 9) حيث اخترت عنصر الخيال الأدبي كونه يشكل تفريغاً لطاقاتهم الذهنية والسلوكية، وكان استيعابهم للمواضيع يثيرهم في اكتشاف بعضهم بعضاً، فكنت أطلب منهم مثلاً وضع أنفسهم في موقف معين وأدعهم يخرجون منه بحريتهم من خلال الكتابة، ووجد الطلبة أنفسهم تواقين للتعرف على هذا الآخر كيف خرج من ذلك الموقع، وهذا أسلوب له علاقة بالفكر الوجودي. إحدى المرات لاحظت أنه يوجد في أحد الصفوف حيويان يحبان الضحك والتحدث مع الزملاء، وخفت أن أضطر لتعنيفهما، وهنا خطرت عندي فكرة تقوم على توريطهم وجودياً في المشكلة بشكل غير مباشر، فاقترحت في إحدى الحصص أن نناقش علاقة المعلم بالطالب، ونضع الطالب مكان المعلم كي يتحدث عن هذه العلاقة وما الذي يحبه ويكرهه، ويتحدث بحرية عن تلك العلاقة وصولاً إلى العنف. واخترت من الذين أحبوا المشاركة أحد الطالبين أو كليهما مع آخرين. ولم يدر هؤلاء المصيدة الرحيمة التي وجدوا أنفسهم فيها، حيث استطعت تقويم السلوك وتخفيف ظاهرة تجاوزهم على الحصة بأسلوب غير مباشر.
في حصص الإنشاء لم يكن الخيال الذي أردت إعطاء حرية للطلبة من خلاله إلا وسيلة للتعرف على فرديتهم لاحترام فردية الآخرين، لذلك فإنني أزعم أن تحسين العلاقة بين الطلبة سيحسن الوضع ما بين الطالب المعلم وسيضع حداً للجوء المعلم إلى العنف. لذا فإن توصيات المؤتمر الخامس الذي عقد في 17-18/7/1996 حول (ظاهرة العنف في المدارس وسبل الوقاية منها) التي أشارت إلى ضرورة تشجيع الطلبة على الإيجابية والمشاركة في حياة المدرسة وتقوية العلاقات الاجتماعية بين المعلمين والطلاب من جهة وبين الطلاب وبعضهم بعضاً في جهة أخرى كانت إطاراً نظرياً عاماً حاولت الاجتهاد في تطبيقه في عملية التعلم ذاتها التي تشكل المجال أصلاً لوجود العلاقة المذكورة وبنائها بشكل إيجابي.
لقد كان همي هو أن أنتمي للمدرسة بشكل حقيقي بالرغم من أية (معيقات)، وفي الوقت نفسه كنت أضع نفسي مكان الطلبة باستمرار، ألم أكن في يوم من الأيام طفلاً هنا؟ وقد منحتني الظروف أن أعمل أيضاً في يوم من الأيام في المكان الذي تعلمت فيه، على أية حال إن خلق الانتماء عند الطلبة للمدرسة والعلم والمشاركة سيجعلهم يحترمون المكان ويألفونه ويشتاقون إليه، لذلك لا بد من توفير عنصر الأمان للطلبة في مكان المدرسة وزمانها لنقطف ثمار العلاقة الهادفة القائمة على الحوار.
دوافع السلوك:
حدد إبراهام ماسلو خمسة دوافع للسلوك الإنساني تنتظم في شكل هرمي قاعدته الأساس الحاجات البيولوجية الأولية الفطرية وتليها مباشرة الحاجة إلى الأمن ثم الحاجة إلى الحب والانتماء ثم الحاجة إلى الاحترام والتقدير ثم الحاجة إلى تحقيق الذات(34)، لذلك فإن انتفاء الشعور بالأمان لدى الأطفال والطلبة سيثنيهم عن الانتماء والمشاركة وتحقيق الذات بشكل إيجابي "إحباط الحاجة للأمن عند الطفل أو الرجل بشدة تجعله هياباً متوجساً من كل شيء، من الناس ومن المنافسة ومن الإقدام ومن المغامرة والابتكار والجهر بالرأي وتحمل التبعات، ويبدو ذلك في صور شتى منها الخجل والتردد والارتباك والانطواء والحرص الشديد والذعر من شبح الفشل والعجز عن إبداء الرأي والدفاع عن النفس حتى وإن كان الحق في جانبه أو يبدو في صورة تحد وعدوان أو لا مبالاة"(35).
إنني حريص على خلق بدائل تعين المعلم كي يتجنب العنف كسلوك شاذ، كذلك تفيد هذه البدائل الطلبة أنفسهم، وقد قصرت حديثي على العلاقة بين المعلم والطلبة كونهم يقضون أطول فترة من الزمن مع بعضهم وهم أكثر عرضة للعلاقة وتفاعلاتها الهادئة والعنيفة. لذلك لا أستطيع مجرد نصح المعلم بعدم استخدام العنف فقط، بل أزعم أن علي "أن أعطي البديل من خلال التجارب العملية الناجحة لمحاولة اختبارها إن أمكن، فالطلبة وهم جميعاً أطفال ما داموا تحت سن الـ 18 عاماً، هم فئة ذات إيقاع سريع في كل شيء، بينما ينتمي المعلمون إلى الفئة ذات الإيقاع الأقل سرعة حسب مستوياتهم العمرية والنفسية أيضاً. لذلك تنشأ بعض المشاكل من خلال إغفال الكبار ميزات الصغار في الإيقاع السريع، وكأنهم يطلبون منهم (وهذا عنف غير مباشر) أن يكونوا بطيئي الإيقاع مثلهم. لذلك ليس هناك مانع من استخدام اللعب في التعلم لأنه محبب لديهم، فالإيقاع السريع عندهم يدفعهم لطاقة حيوية وعلينا كمعلمين أن نفرغها بالتي هي أحسن، أما عن أهمية اللعب للأطفال فقد أوجزته كاترين تايلر بقولها "اللعب أنفاس حياة الطفل، بل أن حرمانه منه يعني حرمانه من حقه في الحياة والنمو"(36).
لذلك ليس غريباً أحياناً أن ألجأ في الخمس دقائق الأولى خصوصاً بعد الاستراحة، إلى تفريغ الطاقة الحيوية من خلال حركة الأطراف للطلبة مما يجعلهم أكثر سعادة وتقبلاً للدرس بدلاً من الأوامر بالهدوء التام الذي يجعلهم في حالة احتقان. إن البحث عن أسلوب نفرغ من خلاله الطاقة أفضل كثيراً من اللجوء للحل السريع السهل المتمثل بالعنف اللفظي والمادي.
وسأكتفي بعرض تجربة أخرى قمت بها مع طلابي تقوم على الاحترام المتبادل وتقبل الآخر، فيها طلبت من الطلبة (التاسع) جمع ما يريدونه من أشياء، أوراق، مواد... الخ، دون أن أخبرهم عن الهدف، ثم في حصة لاحقة، طلبت منهم تكوين أي شيء جمالي من خلال تلك المواد البيئية المختلفة، فتكونت عدة لوحات جميلة، فأخذت بعرض عدد منها، وسألت الطلبة عن إمكانية فصل إحدى المواد، فقالوا بأن لها دوراً في اللوحة، وهنا دار حديث حول أهمية ودور كل فرد في المجتمع، وضمنياً (الصف)، فكل بما وهب، والكل له دور وقيمة ونحن بحاجة إليه، ومثل هذه التجارب لها أثر مباشر قريب وأثر بعيد يتمثل في لاوعي الطلبة يؤدي في المستقبل إلى تقبل الآخر واختيار الطريق الديمقراطي الذي يعني اللاعنف.
إشارات:
* "طفل الحاضر تحاصره مغريات التلفزيون والفيديو (والستالايت) والأتاري وغيرها من الوسائل الإلكترونية، فكيف تستطيع أن تقنعه أن يدع هذا جانباً ليأخذ كتاباً يقرأ فيه؟ إنك بالطبع لن تقول له لا تشاهد، لا تر، لا تفعل، فكلما زدادت اللاءات في حياة الطفل دفعناه إلى الرفض والتمرد والبحث عن الممنوعات"(37). قد يكون هذا الكلام دافعاً لنا كمعلمين وكبار إلى ضرورة استخدام تكنولوجيا المعلومات في التعليم والتعاطي معها، حتى لا يشعر الطلبة بالغربة أو الفجوة بين المدرسة والعصر، إن خلق مدرسة عصرية يعني امتصاص عنف الطلبة الذي قد ينشأ عندما يستهينون بالمدرسة التقليدية القديمة التي لا تنسجم مع العصر، وهذا الكلام ينطبق على المعلم الذي يجب أن يتسلح بأسلحة العصر في مجال المعلومات واستخدامها وتقنيتها، فإذا سيطر عليها سيستطيع أن يخلق الاحترام والثقة عند طلبته.
* المعلم الفلسطيني والطالب أيضاً يتعرضان لعنف الاحتلال المباشر وغير المباشر، ولا ينبغي أن يفرغا كبتهما ضد بعضهما بعضاً في أية حال من الأحوال، وعلينا أن نتوجه إلى المعلم كمسؤول من ضمن المسؤولين عن الصحة النفسية للطالب عن طريق تفعيل عملية التعلم، في الوقت نفسه فإننا أثبتنا حديثاً مطولاً عن السياق السياسي والاجتماعي كون المدرسة مؤسسة صغيرة تنتمي له، فإذا استطعنا أن لا نورث عيوبنا لأطفالنا وطلبتنا، فإننا نكون قد خلقنا جيلاً جديداً يتقبل الآخر ويتحاور معه بعيداً عن العنف بكافة أشكاله. وإن تنظيم الإرادات في المجتمع بشكل عام عن طريق اللعبة الديمقراطية سيسهل منطق الإرادات داخل أسوار المدرسة وفي غرفة الصف والعكس صحيح. من أجل ذلك لا بد من توفير قنوات التعبير في المدرسة وطريقة خلق التواصل بين الطالب من جهة والمسؤولين التربويين من جهة أخرى، بحيث يتم الإصغاء للطالب ولا يتم إغفال شكواه أو رأيه مهما كان بسيطاً، في هذا الصدد يجب إعادة النظر بما يسمى بمجلس الضبط الذي يختار العقوبات للطلبة بحيث ندفع الطلبة إلى تبني النظام العام والدفاع عنه عن قناعة وليس بسبب الخوف.
* لم يمر علي (طالب) يصعب التعامل معه، وغالباً ما كانت سيئات العلاج ناتجة بسبب قصورنا نحن، وبعض الطلبة بمارس عنفاً تجاه المنشآت المدرسية كنوع من الثأر، وعلينا أن نصبر بحكمة العالم في التعامل مع الأطفال، وأن نعي فعلاً أن أقصر الطرق للاعنف هو مشاركة الطلبة لعملية التعلم والحياة المدرسية، لأن المشاركة هي ما يحتاجونها كي يحسوا بأنفسهم لإثبات الذات وتوحيدها إيجابياً.
* لقد أبرزنا العنف الموجه ضد الفتاة ـ المرأة ـ الطفل، ليس بدافع الحديث الخاص عن المرأة في المجتمعات التقليدية فحسب، بل لأن أبرز أنواع العنف يتوجه نحو المرأة وأطفالها وللفتيات الصغيرات على وجه الخصوص.
* لا بد من تفعيل الأدبيات العالمية المتحدثة عن حقوق الإنسان والطفل والمرأة والأدبيات المحلية والعربية، فالتفاعل ما بينهما يؤدي إلى نتائج طيبة، لذلك فإن البحث عن النصوص الدالة على عدم تعنيف الصغار في الأديان والثقافات الشعبية والعالمية أمر محمود ينبغي الحث عليه.
* إننا ما زلنا كشعب نرزح تحت نير الاحتلال، ويحتاج العنف الثوري الشعبي إلى اتفاق عام ومبرمج، وعلينا أن نعزل ما بين الوفاق الاجتماعي والعنف تجاه الاحتلال في الوقت المناسب، خلال ذلك ينبغي عدم الخوف من إشاعة اللاعنف في المجتمع خشية ضياع الاستعداد الشعبي ضد الاحتلال. في هذا الصدد نحن نعلم كمواطنين وعرب أن النظام الدولي الجديد، يعتمد العنف بدلاً من الحوار، وعلينا بالتالي التفريق بين الصراعات الدولية والأوضاع الداخلية في المجتمع الواحد، وفي الوقت نفسه علينا أن نكون أصحاب طموح لإشاعة السلام الدولي كعلاقة ممكنة للتعامل بين الأمم والشعوب.
* ما زلت أتذكر بحزن، منظر أحد المعلمين وهو يضرب أحد الطلبة بعد أن ألقاه أرضاً، وما زال ذلك المشهد طاغياً على عدد من مشاهد العنف التي شاهدتها، ولا أظن أبداً أن هناك مبررات كافية للعنف تجاه الطلبة، ومن العيب على المعلمين أن يفرغوا كبتهم وضيقهم من خلال تعنيف الأطفال، لذلك يجب معرفة أن الفترة التي يقضونها معاً (المعلمون والطلبة) تظل فترة محدودة ينبغي تكوين ذكريات سعيدة عنها، فالكل سيغادر في يوم من الأيام هذا المكان.

المصادر والمراجع






















22. من مقابلة مع الكاتب الجزائري إبراهيم بن عيشة، أجراه الطيب ولد العروسي، نشرته مجلة الجيل، العدد 12، 1998.













35. المصدر السابق، اقتباس من كتاب أحمد عزت راجح، أصول علم النفس، ط9، الأسكندرية، المكتب المصري الحديث، بدون.


ملاحظة على المراجع والمصادر:



________________________________________
*كاتب وصحفي يعمل في مركز المناهج


1 ـ أنه من الصعب إعطاء تعريف للعنف خارج النطاق الحقوقي، إذ لا بد من ذكر ثنائيات من مثل الحق/ التجاوز، القانون/ الاختراق، وهذا ما يؤكد لنا أن العنف مقولة حقوقية أو قانونية. 2 ـ يندرج تعريف العنف ضمن الحقل الوجودي، أي علاقة الأنا مع الآخر، سواء اعتبرنا أنه إنكار الآخر أو استبعاده أو خفضه إلى تابع أو تصفيته معنوياً أو جسدياً فإنها تتم جميعاً في الحقل التصادمي مع الآخر. وفي النهاية نستطيع ضبط العنف من الناحية المفهومية على أنه تجاوز واختراق القواعد أو القوانين التي تنظم وضعيات تعتبر طبيعية أو عادية أو قانونية، فالتعريف بهذا المعنى يوحي بمعنى الإخلال أو بث البلبلة في نظام الأشياء بشكل وقتي أو دائم. وسواء تركز ذلك أو انحبس داخل النفس الإنسانية أو وجد منفذاً ومخرجاً له فتحول إلى الشكل المادي الفيزيقي، أنه يعتبر في كلتا الحالتين عنفاً، فهو في المرحلة الأولى مؤسس، أما في الثاني فهو مؤسس وناتج عن الأولى". 1. شام شرابي، مقدمات لدراسة المجتمع العربي، القدس، منشورات صلاح الدين، 1975، ص 47-50. 2. عبد الفتاح عمر، الديمقراطية والثقافة السياسية، في الندوة العربية حول التربية وحقوق الإنسان الديمقراطية، تونس، المعهد العربي لحقوق الإنسان، 1993. 3. محمد نور فرحات، الحريات الأكاديمية: المفهوم والإشكاليات النظرية، مع إشارة إلى الوضع في الوطن العربي، في الندوة العربية حول التربية وحقوق الإنسان والديمقراطية في الوطني العربي، تونس، المعهد العربي لحقوق الإنسان، 1993. 4. فؤاد اسحق الخوري، الذهنية العربية، العنف سيد الأحكام، بيروت، دار الساقي، 1993، ص28. 5. سطور العدد (3-4) شباط، آذار 1997. 6. أبواب، مجلة قصلية تصدر عن دار الساقي، بيروت، العدد 17، 1998. 7. المعجم الوسيط. 8. فتحي المسكيني، ما هو الإرهاب؟ نحو مساءلة فلسفية، دراسات عربية، السنة 34، العدد 1/ 2/ 1997، ص4. 9. المرجع نفسه. 10. موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، الكويت، دار سعاد الصباح، ط1، 1993. 11. من مقال بعنوان "خطاب العنف، مقاربة نفسية وأنثروبولوجية "لـ رضوان جودت زيادة، باحث من سوريا، دراسات عربية، العدد (1 و 2) السنة الخامسة والثلاثون، ص99. 12. معتز سيد عبد الله، وصالح عبد الله أبو عيادة، 1995، أبعاد السلوك العدواني، دراسة عملية مقارنة، دراسات نفسية، العدد الثالث، ص521-580. 13. من مقال صحفي بعنوان "سؤال يتعمم على الحدث والحاضر العربي: هل ينجز العنف أحداثاً ديمقراطية؟" لـ عبد الحميد البكوش، كاتب ورئيس وزراء ليبي سابق، المقال نشرته جريدة القدس في تاريخ 7/ 1/ 1999، الصفحة 19. 14. المصدر / عطا القيمري، ترجمة الصحف الإسرائيلية 7/ 1/ 1999م. 15. نشرة العمل الأهلي، 28/ 12/ 1998، العدد 4، تصدر عن شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية. 16. المصدر نسفه. 17. من تقرير صحفي نشرته صحيفة الأيام بتاريخ 9/ 12/ 1998، بعنوان "تحت شعار حق الفتيات والنساء في حياة خالية من العنف". 18. من مقال للدكتور نادر سعيد بعنوان "الزواج المبكر: علاقة جندرية غير متوازنة"، الأيام 28/ 12/ 1998. 19. من مقال للأستاذ جميل سليمان، الملتقى التربوي، العدد الرابع 16/ 12/ 1998، نشرة تربوية تصدر عن المؤسسات التربوية الأهلية. 20. تقرير صحفي بعنوان "بعد ضبط مئات الآلات الحادة بحوزة الطلبة: هل تتحول مدارسنا إلى ساحات للعنف والسلوك العدواني"، نفوذ البكري، الحياة الجديدة، 12/ 1998. 21. اقتباس د. معتز سيد عبدالله في مقال بعنوان "علاقة السلوك العدواني ببعض متغيرات الشخصية"، مجلة علم النفس، العدد 47، 19987. أصل الاقتباس من: Wolpe, J, 1973, The Practice of Behaviour therapy, 2nd ed., New Yourk, Pengamon 23. المصدر نفسه. 24. المصدر نفسه. 25. المصدر نفسه. 26. مسيرة التربية، صحيفة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. 27. من تمهيد لـ د. جورج جقمان، لكتاب التربية والديمقراطية، للدكتور رجا بهلول ضمن سلسلة ركائز الديمقراطية، مؤسسة مواطن لدراسة الديمقراطية 1997. 28. وردت هذه الأقوال في حنة ارندت، في العنف، ترجمة إبراهيم العريس، بيروت، دار الساقي، 1992. 29. التربية والديمقراطية، د. رجال بهلول، ص90، سلسلة ركائز الديمقراطية، مؤسسة مواطن لدراسة الديمقراطية، 1997. 30. المصدر نفسه، ص91. 31. من افتتاحية "الملتقى التربوي"، العدد 4، إصدار المؤسسات التربوية الأهلية، 1998. 32. د. مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي، ص73. 33. المرجع نفسه، ص200. 34. اقتبسه د. جبر محمد جبر، في مقالة بعنوان "بعض المتغيرات الديمقراطية المرتبطة بالأمن النفسي"، مجلة علم النفس، عدد 39. Maslow, A, Motivation and Personality, 2nd, New York, Harper and Row, 1970. 36. من اقتباسات في مقال اتجاهات الوالدين نحو لعب الأطفال، لـ د. عادل محمد هريدي، علم النفس، العدد 43، 97. 37. من مقال بعنوان "كاتب سيء السمعة"، من ملف من أجل الطفولة، مجلة سطور، العدد 12، 1997. 1 و 2 و 3: من اقتباسات د. رجال بهلول في كتابه: التربية والديمقراطية. 4 و 8 و 9 و 10 و 28 و 32 و 33: من اقتباسات رضوان جودت زيادة في مقاله: خطاب العنف، مقاربة نفسية وانتثروبولوجية، دراسات عربية، العدد 1 و 2، السنة 35. http://www.sis.gov.ps/arabic/roya/7/page3.html

jrvdv fuk,hk hgukt td hgl[jlu hgukt fuk,hk fuk,hkhgukt jrvdv





توقيع :

إنا لأهل العدل والتقدم ::: إنا لأصحاب الصراط القيم
الدين ما دنّا بلا توهم ::: الحق فينا الحق غير أطسم
يا جاهلا بأمرنا لا تغشم ::: توسمن أو سل أولي التوسم


]

رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجتمع , العنف , بعنوان , بعنوانالعنف , تقرير , في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تقرير بعنوان الديموقراطية الامير المجهول نور البحوث العلمية 0 10-18-2011 02:56 PM
تقرير بعنوان التكافل الاجتماعي الامير المجهول نور البحوث العلمية 0 10-18-2011 02:53 PM
تقرير بعنوان استغلال الوقت الامير المجهول نور البحوث العلمية 0 10-15-2011 09:58 AM
تقرير بعنوان إستخراج النفط الامير المجهول نور البحوث العلمية 0 10-15-2011 09:56 AM
تقرير بعنوان أثر المجتمع الاسري على الصحة النفسية للابناء الامير المجهول نور البحوث العلمية 1 10-14-2011 07:19 PM


الساعة الآن 07:15 AM.