سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (9): الحرية (ج2) - منتديات نور الاستقامة
  التعليمـــات   قائمة الأعضاء   التقويم   البحث   مشاركات اليوم   اجعل كافة الأقسام مقروءة
أخواني وأخواتي..ننبه وبشدة ضرورة عدم وضع أية صور نسائية أو مخلة بالآداب أو مخالفة للدين الإسلامي الحنيف,,,ولا أية مواضيع أو ملفات تحتوي على ملفات موسيقية أو أغاني أو ماشابهها.وننوه أيضاَ على أن الرسائل الخاصة مراقبة,فأي مراسلات بين الأعضاء بغرض فاسد سيتم حظر أصحابها,.ويرجى التعاون.وشكراً تنبيه هام


** " ( فعاليات المنتدى ) " **

حملة نور الاستقامة

حلقات سؤال أهل الذكر

مجلة مقتطفات

درس قريات المركزي

مجلات نور الاستقامة



الإهداءات


العودة   منتديات نور الاستقامة > الــنـــور الإسلامي > الـنور الإسلامي العــام

الـنور الإسلامي العــام [القرآن الكريم] [اناشيد اسلاميه صوتيه ومرئيه] [السيره النبويه] [اناشيد اطفال] [ثقافة إسلامية]


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
افتراضي  سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (9): الحرية (ج2)
كُتبَ بتاريخ: [ 07-05-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية الامير المجهول
 
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
الامير المجهول غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913
قوة التقييم : الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع الامير المجهول محبوب الجميع


سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (9): الحرية (ج2)
الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة
جريدة عمان: الجمعة, 01 يوليو 2011
لا تتحقق حرية والجهل معشش في الناس
الإرادة والاختيار التي منح إياها العبد الأساس الأول للحرية بعد الإيمان بالله
ننتقل للتعرف على مقومات الحرية على الأسس أما في ما يتصل بالعناصر السابقة فذكرت نماذج من كتاب الله عز وجل ولكم ان تعملوا عقولكم في استنباط الكثير من المعاني في جملة من الآيات التي تحمل هذه المضامين والدلالات التي تحدثنا عنها.
لا بد ان نجيب عن سؤال مهم هل الحرية قيمة نظرية تسبح في هذا الفضاء الرحب أم ان الحرية يراد لها ان تكون واقعا هذا الواقع هو الذي يؤدي الى الإبداع وإلى التنمية وإلى صفاء العلاقة قبل ذلك وبعده بالله تبارك وتعالىوهذا لا شك هو المقصود من الحرية لا بد من الحرية ان تكون واقعا ممارسا يؤدي الى هذه الثمار وذلك لا يكون إلا ان تحققت في الحرية أركانها وأسسها، وأول هذه الأركان بعد الإيمان بالله تبارك والعبودية لله سبحانه انما يكمن في حرية الاختياراو في الاختيار في إرادة الاختيار حتى لا نعرف الشيء بنفسه ونقول ان أسس الحرية حرية الاختيار لنقل إن الأساس الأول بعد الإيمان بالله عز وجل يكمن في الإرادة والاختيار التي منح إياها هذا العبد وأقصد بذلك ما نجده في جملة من كتاب الله العزيز من نحو قوله تعالى في سورة المدثر (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) لمن شاء منكم، اذن الإرادة ذاتية ملحوظة هنا في هذا التكليف وكذا الحال في قوله سبحانه (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) وفي هاتين الآيتين نجد جملة من النكات التفسيرية فالنكتة الأولى هي الاختيار والإرادة التي وهبها الله تعالى لعباده لكي تكون مناط التكليف ولذلك قال (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ) ونجد ذلك كثيرا (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) وفي المقابل (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) اذن باختيارك ايها العبد تختار ما تشاء.
أما النكتة الثانية فهي ان الخيارات واضحة بأبسط عبارة وأوضحها فحينما يقول الله عز وجل (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) فإن هذا يعني ان في سلوك سبيل ما أمر الله عز وجل به التقدم والرقي والازدهار وفي ترك ذلك التأخر وهي حقيقة واحدة لا جدال فيها ولا مراء لا بد ان يعيها الناس لا تحتاج الى كثير من الشروح والتفسيرات حتى يقرر للناس عاقبة خياراتهم وما يريدون لأنفسهم وكذا الحال (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) مما يعني بالضرورة ان الذي لا يختار طريق (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) في الآية السابقة فإنه يختار طريق الاعوجاج والانحراف بأبسط بيان (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) وبالتالي من لم يشأ هذا الطريق فليس له طريق آخر سوى البعد والانحراف عن طريق الله المستقيم، وكذا ما نجده في سورة النساء في قوله تبارك وتعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) وهناك آيات كثيرة تجدونها في هذا المعنى.
الأساس الثاني: تحمل مسؤولية الاختيارطالما اسند اليك ان تختار وجعلت حرا في ان تختار فمن المنطق ان تكون مسؤولا عن اختيارك لا يمكن لك ان تحمّل غيرك مسؤولية اختيارك انت ولا يمكن ان تكون خلوا من تحمل العاقبة بل اختيارك يعني العاقبة تحمل المسؤولية ولذلك يقول الله تبارك وتعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ويقول ايضا في سورة الإسراء (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) وبيان تحمل مسؤولية الاختيار يرتبط بالقرآن الكريم بمحفزات وبواعث دنيوية وأخروية كما في هذا الآية السابقة ففيها ما ينشئ بطمأنينة في هذه الحياة الدنيا وبحسن عاقبة في الآخرة وكما في قوله سبحانه ايضا (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) فإذن طلب العزة انما يرجع اليك وانت الذي تختار فإن كنت تريد لنفسك العزة في الدنيا والآخرة فسلوك العزة انما يكون بالتعلق بالله سبحانه وتعالى ايمانا وعبادة وامتثالا.
من أسس الحرية العلم:
من اسس الحرية ايضا، العلم، فلا تتحقق حرية والجهل معشش في الناس اذ الجهل غالبا ما يؤدي الى مصادرة حريات الناس فالجهل يعمي القلوب ويطمس البصائر ويجعل الإنسان يسير في هذه الحياة خبط عشواء ولذلك كان قوام الحرية مبنيا أيضا على العلم في هذا الدين الحنيف وقد تقدم في الدروس السابقة هي مبينة على العلم (اقْرَأْ) هو أول ما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ولهذا نجد ايضا نعيا بالغا في كتاب الله عز وجل على اولئك الذين يركبون مركب الجهل فيحرمون ما أحل الله من الطيبات جهلا منهم وعناية فالله تعالى يقول (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ).
هذه الآية الكريمة تشتمل على أساس متين تبين لنا حقية ان قوام الحرية لا يكون الا على العلم وأن انتفاء العلم يؤدي الى مصادرة الحريات ومن العلم ان نعرف ان احكام الشريعة ذاتها ترتفع حينما تنتفي الحريةوهذه نقطة مهمة لا بد ان نعيها لكي ندرك منزلة الحرية في هذا الدين ولذلك صدرت الحديث بأن في ديننا من معاني الحرية ما يحتاج اليه اجمع وقلت سأثبت ذلك، انا هنا اقول إنه بانتفاء الحرية ينتفي التكليف بعضه أو كله وأبرز معالم التكليف العقيدة ومع ذلك فإن اكره المسلم المؤمن على كلمة الكفر فإن الله تعالى قد اباح له ان ينطق بالكفر وقال (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) فعندما انتفت عنه الحرية بالإكراه الملجم ارتفع التكليف عنه وقد يرتفع بعض التكليف (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (فَمَنِ اضْطُرَّ) في مواضع عديدة من آيات الكتاب العزيز ولهذا قال الأصوليون للضرورة احكامها والمشقة تجلب التيسير، اقدم من هذه الأدلة الشرعية ومن مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقال (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ) وقال (من نام عن صلاته أو سها فليصلها إذا ذكرها) ولذلك قلت إن ذات التكليف الذي هو مبعث الحرية يرتفع كله أو يرتفع بعضه بانتفاء الحرية، وهذا ما لا يوجد في أي نظام حاول البشر ان يوجدوه لأنفسهم.
من أسس الحرية الشورى:
وتلاحظون ان هذه الأسس الى الآن تتصل بالفرد لكن للحرية اسس ومقومات يخاطب بها المجتمع ومن أهم هذه الأسس الشورى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وتسمى سورة بأسرها سورة مكية في القرآن باسم سورة الشورى، ولا يمكن ان تقوم الحرية قياما صحيحا في مجتمعات المسلمين الا بممارسة الشورى ممارسة صحيحة يقصد منها جمع الآراء وتنقيح الأفكار والخلوص بالرأي الأفضل الأقرب إلى ما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد وتطبيقها إنما يرجع الى الشورى نفسها فيتشاور المؤمنون ليستخلصوا ما به يمارسون هذا المبدأ العظيم من مبادئ هذا الدين ولذلك فإن الشورى هي ايضا صنو للحرية كما أن المساواة مطلوبة لإقامة أود الحرية على اساس متين قررته لنا آيات كثيرة في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فإن المساواة في أصل الخلقة والمساواة في التكريم وفي التكاليف الشرعية مع الشورى هي مما يخاطب بها المجتمع بأسره حتى تؤتي الحرية ثمارها في واقع حياة الناس.
من أسس الحرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وأما القوام الأخير من خلال فهمنا لآيات الكتاب العزيز فهو ما يحفظ لهذه الأمة كيانها وما يبعث فيها حياتها وما ينشر فيها روحها وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فقوام هذه المنزلة التي بوأت إياها هذه الأمة انما يكون بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ولا يمكن للحرية ان تنشأ ان فرط المسلمون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يمكن للحرية ان تفجر الطاقات وأن تحقق تراحم المجتمع وتعاطفه بما يحفظونه من حقوق الآخرين قبل مطالبتهم بحقوقهم وبسعيهم لما فيه مصلحة اخوانهم قبل سعيهم لما فيه مصلحة انفسهم وبإظهارهم لمعنى الإخوة الإيمانية المقررة في قوله سبحانه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وبإثبات حقيقة ما قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال (والله لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) هذه كلها لا يمكن ان تكون الا حينما تقوم على اساس متين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن التواصي بالحق والتواصي بالصبر ومن التناصح المقرر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) وما سلبت حريات الأمم السابقة وحل محلها الاستبداد وكبت الحريات الا حينما تركوا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) فادعى طواغيت البشر ان لهم سلطات على اممهم وشعوبهم فعبدوهم كما فعل فرعون مع قومه إذ عبدهم ولكن لما آمنوا بالله عز وجل حق الإيمان جعلهم الله تعالى ملوكا وخلفاء في الأرض والأشخاص هم الأشخاص الا ان الإيمان هو الذي احدث هذه النقلة هو الذي صيرهم من عبيد يؤمرون من فرعون فيأتمرون الى ملوك وخلفاء يعبدون الله سبحانه وتعالى ويتبوؤن المنزلة الرفيعة في تاريخ البشرية بالإيمان وحده وبإتباعهم لرسلهم وأنبيائهم عليهم افضل الصلاة وأزكى السلام.
ضوابط الحرية:
إذن هذه باختصار هي المقومات والأسس التي تقوم عليها الحرية قياما صحيحا كما نفهم من كتاب الله عز وجل، بقي ان نختم بضوابط الحرية، هذه كلها لا تتعرض للضوابط بعد، لأن كل انواع الحريات مكفولة في هذا الدين حرية المعتقد حرية التفكير حرية القول والفعل وسموا أنتم هذه الحريات ما شئتم حريات، حريات مدنية، اجتماعية، سياسية الحاصل ان التسميات لا تغير من حقائق الأشياء شيئا وإنما العبرة بالمسميات والمضامين ولا مشاحة في المصطلحات لكن الحقيقة الثابتة ان الإسلام حفظ هذه الحريات بل لم يكتفِ بذلك دافع عنها وقررها حتى في سياق أنواع من الحريات يظن الناس اليوم انها مبتكرة من عالم الغرب هي ليست كذلك فمقابلة السفهاء واللاغين انما تكون بالقول الحسن (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) وناضل عنها حينما قرر ايضا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يستثنى منه احد وإنما بينته الأدلة الشرعية من نحو قول الله سبحانه وتعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ومن نحو قوله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان)، اذن ما ضوابط الحرية؟
أولا: الإنصاف من الآخرين قبل المطالبة بإنصاف الذات: لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) فالنهي عن الكيل بمكيالين حينما تستوفي حقوقك تريد كيلا إضافيا وافرا وحينما تكيل لغيرك تريد كيلا مطففا هذا منهي عنه ومدعو على صاحبه بالويل والثبور بالهلاك بنص كتاب الله وهو صحيح في الماديات كما في المعنويات، لأن الله سبحانه وتعالى قرر هذا المبدأ ايضا وتذكروا ما يقوله الناس الآن (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين) وقارنوه بمثل هذا المبدأ القرآني وبمثل قوله سبحانه وتعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) فإذا كنتم لا تقبلون ان تأخذوا هذا العطاء الخبيث الرديء من الصدقات لا تقبلوه لأنفسكم فكيف يسوغ لكم ان تدفعوه صدقات لغيركم، (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) هذا مبدأ لا يقف عند حدود الصدقات وأحكامها وآدابها بل هو مبدأ قرآني عظيم ينبغي ان يسري في سائر حقوقنا وواجباتنا ولهذا فإن من ضوابط الحرية الموازنة بين الحقوق والواجبات لا يسوغ لك ان تطالب غيرك بتوفيرك حقوقك وأنت لم تؤدِ شيئا من الواجبات التي عليك، لا يسوغ لك ان تنهى عن المنكر وأنت واقع فيه قصداً لا يسوغ لك ان تطالب بالبناء وأنت معول هدم في المجتمع لأن هذا من التطفيف في الكيل ومن اعطاء الخبيث في الصدقات الذي لا يقبله المرء لنفسه إلا إغماضا.
العدل من ضوابط الحرية:
كذلك من الضوابط المهمة العدل، بمفهومه الواسع (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) وبعدها مباشرة (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) واي حرية يمكن ان تنشأ دون هذا الضابط القرآني (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) اذن مع العلم والعدل وإنصاف الآخرين والموازنة بين الحقوق والواجبات وتجنب التطفيف في الكيل يمكن ان نمارس الحرية ممارسة منضبطة صحيحة موافقة للشرع.
الأخلاق من ضوابط الحرية:
لكن لها ضوابط اخرى تتصل بكل نوع من انواع الحريات فإذا قلنا حرية القول على سبيل المثال فلا بد لنا ان نتذكر اخلاق اقوالنا المنصوص عليها في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من نحو قول الحق سبحانه (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ومن نحو قوله (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) وقوله (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) وإذا كنا ايضا نتحدث عن حرية التعبير عموما فلا بد من الصدق والتثبت وبالتالي نتذكر اخلاق الإسلام المتصلة بهذا الجانب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) هكذا حينما نأتي مثلا الى حريات الأفعال نتذكر ان الأصل عند الأصوليين الإباحة ولهذا جاء قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فإذن الأصل الإباحة، المانع هو الذي يحتاج الى دليل، ولهذا جاء بعدها (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الى آخره هذا هو الدليل، فتحريم الفواحش والبغي بغير الحق والإثم والإشراك بالله تبارك وتعالى هي الأمور التي جاءت بها الأدلة الشرعية وما سوى ذلك انما هو على قاعدة الإباحة الأصلية.
اذن من ضوابط الحرية الأخلاق والقيم لكنها تتفاوت ظهوراً وخفاء بحسب نوع الحرية التي نتحدث عنها لكن لا يسوغ أن يقال إن لا ضوابط للحرية وأن تكون الحرية حرة لا قائل بذلك ابدا حتى من قال من مفكري الغرب بذلك رد عليه من علماء الغرب انفسهم، هذه هي الضوابط في خلاصتها كما نفهمها من كتاب الله عز وجل وبالتالي ثبت لنا الآن ان الحرية اصل اصيل في هذا الدين الحنيف وهي منبت عمارة هذه الأرض وأداء واجب الاستخلاف والقيام بأمانة التكليف والتعبد لله تعالى حق العبادة وتأسيس علاقات الناس على جذور متينة من الأخلاق الفاضلة الخلال النبيلة الكريمة وهي ذاتها التي تحرر العقول من الأوهام والخرافات والأساطير ومن التقليد الأعمى وهي مبعث العزة والشرف والكرامة التي ارادها الله تعالى لعباده المؤمنين وهي التي تفجر لهم طاقات البناء والتعمير في هذا الكون الفسيح وهي التي ينبغي ان يقدمها المسلمون اليوم للعالم اجمع لأن العالم في اشد الاحتياج الى مثل هذه المعاني البالغة العمق خاصة وأنه يتيه بين ليبرالية مفرطة وإباحية غاية في انتهاك حرية الإنسان وبين استبداد طاغ ظالم غاشم حتى وإن بدا في ثوب ديمقراطي قشيب الا أن جوهره وحقيقته مليئان بالتعصب والتفرقة والتمييز بين بني البشر والاستئثار بخيرات هذا الكون واحتلال اراضي وشعوب لأجل مصالح افراج معينين يريدون لأنفسهم ان يدبروا هذا الكون ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

sgsgm Yavhrhj lk hgjtsdv hgl,q,ud (9): hgpvdm ([2) 9 lk hgl,q,ud hgjtsdv hgpvdm [2 sgsgm Yavhrhj





توقيع :

إنا لأهل العدل والتقدم ::: إنا لأصحاب الصراط القيم
الدين ما دنّا بلا توهم ::: الحق فينا الحق غير أطسم
يا جاهلا بأمرنا لا تغشم ::: توسمن أو سل أولي التوسم


]

رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
9 , من , الموضوعي , التفسير , الحرية , ج2 , سلسلة , إشراقات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (8): الحرية (ج1) الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 0 07-05-2011 09:35 AM
سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (6): الشريعة (ج2) الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 0 07-05-2011 09:32 AM
سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (5): الشريعة (ج1) الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 0 07-05-2011 09:31 AM
سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (2): الشورى (ج2) الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 0 07-05-2011 09:26 AM
سلسلة إشراقات من التفسير الموضوعي (1): الشورى (ج1) الامير المجهول الـنور الإسلامي العــام 0 07-05-2011 09:24 AM


الساعة الآن 06:38 PM.