تنبيه هام |
الإهداءات |
نور الفتاوى الإسلامية [فتاوى إسلامية] [إعرف الحلال والحرام] [فتاوى معاصرة] [فتاوى منوعة] |
| أدوات الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
| ||||||||||||||||
| ||||||||||||||||
سعيد بن مبروك القنوبي حفظه الله مكـــتبـــة الضـــامـــري للنـشر والتـوزيع سلـطنـة عُـمان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد ... فيقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {الجمعة:9} فهذه الآية الكريمة نص صريح على وجوب صلاة الجمعة على الأعيان ، وبذلك تواتر النقل عن سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى آله وصحبه الكرام ، وعلى ذلك اتفقت هذه الأمة إذ لم يخالف أحد منهم في ذلك ، إلا ما كان من الخلاف في بعض شروطها كما هو مبسوط في الكتب الفقهية ، وقد بينا في غير هذا الموضع أن غالب تلك الشروط لم تثبت من طريق تقوم بها حجة ، وما روي من حديث " أربع إلى الولادة " ، وحديث " لا الجمعة إلا في مصر جامع " ونحوهما ، فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أنه ضعيف جداً ، وإنما هو عن بعض الصحابة ، على ما في بعض أسانيدها من وهن . الدليل على وجوب الجمعة إذا وافقت عيداً : وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم وآله وسلم - ، أنه كان يصلي الجمعة والعيد معاً إذا اجتمعا في يوم واحد . فقد أخرج مسلم ، والنسائي ، وأبو داود ، والترمذي ، والدارمي ، وابن ماجة ، وأحمد ، وابن خزيمة ، وابن الجارود ، والحميدي ، والطيالسي ، وابن أبي شيبة ، والعقيلي ، والبيهقي ، والبغوي من طريق النعمان بن بشير أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى ، وهل أتاك حديث الغاشية ، فإذا اجتمع عيد ويوم جمعة قرأ بهما فيهما . وهو حديث صحيح ثابت ، وقد صححه غير واحد ولم يأت من أعله بما يستحق الذكر . ضعف أدلة القائلين بعدم الوجوب : وأما ما يروى من الأحاديث التي تفيد عدم وجوب الجمعة إذا وافقت العيد فهي أحاديث واهية ولا عبرة بتصحيح من صححها ، وإليك البيان : 1. عن إياس بن أبي رملة قال : شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم ، هل شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا في يوم ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، فقال : " من شاء أن يصلي فليصل " رواه أحمد ، والنسائي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وابن خزيمة ، الحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وهو وهم منهما ، فإن إياس بن أبي رملة مجهول ؛ ولذلك قال ابن المنذر : هذا الحديث لا يثبت . وإياس بن أبي رملة ، عن زيد مجهول ، ووافقه على الحكم بجهالته ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " والذهبي في " الميزان " والحافظ ابن حجر في " التهذيب : و " التقريب " ، وذكره الذهبي في " الكاشف " ولم يذكر جرحاً ولا تعديلاً ، وهو كما قالوا ؛ إذ لم أجد من وثقه من أئمة الحديث ، ولا يعترض علينا بإن ابن حبان قد ذكره في " ثقاته " ، وذلك لما عُرف من قاعدة ابن حبان في هذه المسألة كما نبهنا على ذلك في مواطن كثيرة ، وكما ذكر ذلك جماعة من أئمة الفن منهم ابن الصلاح ، وصلاح الدين العلائي ، وابن عبد الهادي في " الصارم " ، والحافظ ابن حجر في " النكت " و " اللسان " ، والكوثري في " المقالات " و " التأنيب " ، والمعالمي ، وصاحب المنار ، وآخرون ، وقد نص على جهالة ابن أبي رملة المذكور أيضاً ابن خزيمة في " صحيحه " حيث قال : " إن صح الخبر فإني لا أعرف إياس ابن أبي رملة لا بعدالة ولا بجرح " فالعجب من الصنعاني ، وصاحب المعارف ، وصاحب فقه السنة ، والعثماني ، حيث نسبوا إلى ابن خزيمة أنه صحح هذا الحديث . وأما ما قيل أن ابن المديني قد صحح هذا الحديث ؛ فجوابه أن هذا التصحيح مردود من وجهين : أولها : أن ابن المديني لم يتعرض لهذا الحديث بتصحيح ولا بتضعيف البتة ، ونسبة التصحيح إليه لهذا الحديث وهم عن تصحيح أبي موسى المديني[1] لجميع ما في مسند أحمد بن حنبل ، وهو تصحيح باطل مردود كما نص على ذلك غير واحد من أئمة الحديث . قال الذهبي في " الميزان " : وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد . وقال في " سير أعلام النبلاء " : وفي المسند جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها ولا يجوز الإحتجاج بها ، وفيه أحاديث عديدة شبه موضوعة لكنها قطرة في بحر . أهـ . وقال العراقي : فيه أحاديث ضعيفة كثيرة ، وإن فيه أحاديث يسيرة موضوعة . أهـ . قلت : ومن نظر في مسند أحمد بعين الإنصاف علم علماً يقيناً أن فيه طائفة غير قليلة من الأحاديث الموضوعة أو الواهية ، وتبين له بياناً واضحاً أنه لا دليل لمن نفى وجود مثل هذه الأحاديث فيه فضلاً عن الأحاديث الضعيفة إلا مجرد التعصب الممقوت . ثانيهما : وهو على تقدير ثبوت تصحيح هذا الحديث عن ابن المديني ، فإنه لا قيمة لهذا التصحيح بعد أن بينا أنه مخالف للقواعد الحديثية والأصولية ، وكلٌٌ يؤخذ من قوله ويرد خلا أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه . 2. عن أبي هريرة - رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم العيد : " إنه قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة وإنا لمجمعون " . رواه أبو داود ، والحاكم ، والبيهقي . والجواب عن هذا : أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة ؛ لأن في إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس ، وقد عنعنه إلا في رواية ابن المصفى ، وابن المصفى كثير الوهم - كما سيأتي - فلا تقبل مخالفته ، على أن بقية هذا يدلس تدليس التسوية ، ومن كان يدلس هذا النوع من التدليس فلا بد من أن يصرح بالسماع في جميع الطبقات عند القائلين بجواز الإحتجاج برواية هذا الصنف من المدلسين ، وإلا فقد قالت طائفة من المحققين : إن رواية هذا الصنف لا يؤخذ بها ولو صرح صاحبها بالسماع في كل الطبقات ، وهو مذهب قوي وحجته واضحة جلية . وفي إسناده أيضاً ابن المصفى وهو مدلس - وقد اتهمه بعضهم بتدليس السوية - كثير الوهم ، - كما تقدم - . نعم تابعه عمر بن حفصة الوصابي ، ولكنها متابعة لا يفرح بها وذلك لأمرين : أولهما : أن الوصابي هذا غير معروف حاله ، كما قال ابن الموّاق . وثانيهما : أنه لم يصرح بسماع بقية من شعبة ، وقد تقدم ما في ذلك . وفي إسناد هذا الحديث أيضاً مغيرة بن مقسم الضبي وهو مدلس تدليس السوية - وقد عرفت ما في هذا النوع من التدليس - لكنه تابعه زياد بن عبد الله البكائي إلا أنه لين الحديث في روايته عن غير أبي إسحاق فلا خير في متابعته . وقد جاء من طريق أخرى مقيداً بأهل العوالي ، وإسنادها ضعيف كما قال الحافظ وغيره . وجاء من طريق أخرى ولكنها مرسلة ولذلك أعلَّه أحمد ، والدارقطني بالإرسال . ورواه ابن ماجة من طريق ابن عباس - رضي الله عنهما - بالإسناد الأول نفسه من غير متابعة الوصابي . قال البوصيري في " الزوائد " : إسناده صحيح رجاله ثقات . أهـ . قلت : وهذا التصحيح باطل مردود ، كما تقدم بيانه ، على أنه لا ملازمة بين ثقة الرجال وصحة الإسناد ، وبين صحة الحديث ، كما لا يخفى على النقاد ، وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع وضربنا عليه الأمثلة بما لا يدع مجالاً للشك والإرتياب ، فلينظره من شاء . على أن هذا الحديث مضطرب - كما رأيت – لأنه جاء مرةً من مسند ابن عباس ، وجاء مرة من مسند أبي هريرة ، وجاء مرة متصلاً ، وجاء مرة مرسلاً ، وجاء الترخيص مرة مقيداً بأهل العوالي وجاء مرة مطلقاً ، ومثل هذا الإضطراب يُعَلَّ به الحديث ولو كان من رواية الثقات الأثبات ، فكيف إذا كان مُسلسلاً بالضعفاء والمدلسين ؟ وسيأتي للمقام زيادة بيان ، والله المستعان . 3. عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال : اجتمع عيدان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فصلى بالناس ، ثم قال : " من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف " رواه ابن ماجة . قال البوصيري في " الزوائد " : هذا إسناد ضعيف لضعف جبارة ، ومندل . أهـ . قلت : هو كما قال وزيادة ، إلا أنني أكتفي بذلك الآن ، وجبارة هو ابن مفلس ، ومندل هو ابن علي ، وهما من رجال إسناد هذا الحديث ، وقد عرفت حالهما . 4. عن عطاء بن أبي رباح قال : صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ، ثم رجعنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا ، وكان ابن عباس بالطائف ، فلما قدم ذكرنا ذلك له ، فقال : " أصاب السنة " . رواه أبو داود . قال النووي : إسناده على شرط مسلم . أهـ . 1ـ وهو غير ابن المديني المشهور. pE;l wghm hg[Elum YA`hQ ,htQrQjX dQ,XlQ uAdX]S >>> ggado sud] hgrk,fd hg[Elum hgrk,fd dQ,XlQ da;g wghm sud] uAdX]S YA`hQ الموضوع الأصلي: حُكم صلاة الجُمعة إِذاَ وافَقَتْ يَوْمَ عِيْدٍ ... للشيخ سعيد القنوبي || الكاتب: عابر الفيافي || المصدر: منتديات نور الاستقامة
|
| رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||||||||||||
|
قال حرب : قلت لأحمد : كيف حديثه ؟ قال لا أدري وكأنه ضعفه . وقال أبو حاتم : سمعت أبا نعيم يضعفه . وقال النسائي : ليس بالقوي . وأنكر أبو زرعة على مسلم إخراج حديثه . وقال الحافظ بن حجر في " التقريب " : صدوق كثير الخطأ يُغرب . وفيه الأعمش وهو مدلس وقد عنعنه . ورواه النسائي ، والحاكم من طريق عبد الحميد بن جعفر ، عن وهب بن كيسان وزاد " ثم خرج فخطب وأطال الخطبة فصلى ركعتين " . والجواب : إن هذه الرواية شاذة أو منكرة ، لمخالفتها للنصوص الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدالة على أن خطبة العيد بعد الصلاة لا قبلها ، كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، وأبي سعيد ، وجندب ، والبراء ، وغيرهم من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ومن المعلوم أن الإتيان بالخطبة قبل الصلاة من محدثات بني أمية التي خالفوا بها السنة الصحيحة ، وعمل الخلفاء الراشدين ، كما يدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد ، ومسلم ، وأبي داود ، وابن ماجة ، والبيهقي قال : أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة ، فقال رجل : لقد خالفت السنة ، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، فقال أبو سعيد : من هذا ؟ قالوا : فلان بن فلان ، فقال : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " أهـ . قلت :وأقرهما على ذلك الصحابة ، إذ لم ينكر عليهما في ذلك منكر . قال القاضي عياض بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على أن الخطبة بعد الصلاة : وهذا هو المتفق عليه بين عُلماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه ، وهو فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والخلفاء الراشدين من بعده ، إلا ما روي أن عُمر في شطر خلافته الآخر قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة ، وليس بصحيح عنه . وقال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين إلا عن بني أمية ، قال : وعن ابن عباس ، وابن الزبير فعلاه ولا يصح عنهما ، قال : ولا يُعتد بخلاف بني أمية ، لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ومخلف للسنة . أ هـ . قلت : ومع هذا التحقيق ، لا أدري لماذا يحتجون بمثل رواية ابن الزبير هذه ؟ وقال العراقي : إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العُلماء كافة ، قال : وإنما روي عن عُمر ، وعُثمان ، وابن الزبير ولم يصح عنهم ، قال : والصواب أن أول من فعله مروان في خلافة معاوية كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري ، قال : ولم يصح فعله عن أحد من الصحابة لا عن عُمر ولا عُثمان ولا معاوية ولا ابن الزبير . أ هـ . وقال ابن العربي : يقال أول من قدمها عُثمان ، وهو كذب لا يلتفت . أ هـ . ولغيرهم من العلماء كلام طويل مما يدل على ما ذكروه لا نطيل المقام بذكره ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف ينسب إلى ابن عباس وهو أحد رواة الحديث أن الخطبة بعد الصلاة كما في الصحيحين وغيرهما ، أنه قال لمن خطب قبل الصلاة : أصاب السنة ؟ مع أن السنة تنادي بأعلى صوت بأن الخطبة بعد الصلاة ، وهذا يكفي للحكم على الحديث بالبطلان ، ولو صح إسناده ؛ لأن الشاذ من قسم الضعيف كما هو مبين في مصطلح الحديث ، فكيف وإسناد الحديث ليس بذلك القوي كما بين ذلك غير واحد من أئمة المحدثين ؟ ومما يقوي الحكم على هذا الحديث بالشذوذ أو النكارة قوله في الحديث : " فصلوا وحدانا " ومن المعلوم المتقرر أن صلاة الجماعة فريضة على الأعيان بالإتفاق على من كان داخل المسجد كما ذكر ذلك غير واحد ، وعلى الصحيح على من كان خارجه كما بيناه في غير هذا الموضع [1] ، فكيف يصلون وحدانا ؟! وأيضاً لماذا لم يبين لهم ابن الزبير ذلك عند الإنتهاء من صلاة العيد ؟! على أن أكثر القائلين بسقوط الجمعة بصلاة العيد يقولون : إنها لا تسقط عن الإمام ، إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة ؛ لأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة ، في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه ، وقد حكى بعضهم الإتفاق على ذلك فصنيع ابن الزبير وقع على خلاف هذا الإجماع ، فكيف يصح الإحتجاج بمثل هذا الفعل المخالف للإجماع ؟! وأيضاً فإن هذا الحديث يعارض الأحاديث السابقة ، فيسقط الإستدلال بها جميعاً ؛ لعدم إمكان ترجيح بعضها على البعض الآخر . هذا وقد روى أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى عن عطاء قال : اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال : عيدان اجتمعان في يوم واحد ، فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة ولم يزد عليهما حتى صلى العصر . ولم يذكر فيه أنه أخبر بذلك ابن عباس . والجواب : أن هذه الرواية على تقدير صحتها - على ما في إسنادها من وهن -لا دليل فيها على عدم وجوب الجمعة إذا وافقت يوم عيد ، لأن غاية ما في ذلك أنه مذهب صحابي ، ومذهب الصحابي ليس بحجة عند جمهور الأمة ، فكيف إذا أنكر عليه الجم الغفير من الصحابة وغيرهم ؟! على أن فعل ابن الزبير هذا يدل على سقوط الجمعة والظهر معاً إذا كان ذلك يوم عيد ، وهو قول متروك مهجور لا يعول عليه كما قال ابن عبد البر وغيره ، ولا عبرة بترجيح الشوكاني ، وصديق خان له ؛ لأنه معروفٌ عنهما الشذوذ في كثير من المسائل ، وأيضاً هما ليسا ممن تُشَدُّ إليهما الرحال في مثل هذه المضايق . والحاصل : أن وجوب الجمعة قد ثبت بأدلة قاطعة وبراهين ساطعة ، وسقوطها في بعض الأحيان لا يكون إلا بمثلها ، وليس معنا هنا خبر مرفوع صحيح صريح فضلاً عن كون المسقط قطعياً ، فكيف يُترك ما دل عليه الكتاب ، والسنة المتواترة ، والإجماع بمثل هذه الروايات الواهية ؟! على أنها لو صحت لكان للكلام فيها مجال واسع ، وأحسن ما تحمل عليه تلك الأحاديث على تقدير صحتها - وإن كان دون تصحيحها أو تحسينها مفاوز ملتوية وطرائق متشعبة وعقبات شامخة كما رأيت - أن يقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رخص في ترك الجمعة لمن كان خارج الفرسخين ، وذلك لعدم وجوبها عليهم لا للإكتفاء بصلاة العيد ، بدليل ما رواه البخاري عن عثمان أنه قال في خطبته : " أيها الناس ، إن هذا اليوم قد اجتمع لكم فيه عيدان ، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر ، ومن أحب أن يرجع فقد آذنت له : أ هـ . وهذا لا إشكال فيه ؛ لأن الجمعة لا تلزم من كان خارج الفرسخين كما هو مقرر في محله . الأقوال في المسألة : هذا وقد اختلف الناس في هذه المسألة : 1. فذهب أصحابنا والجمهور إلى وجوب الجمعة ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والظاهرية . قال ابن حزم في " المحلى " : وإذا اجتمع عيد وجمعة يصلى للعيد ثم للجمعة ولا بد ، ولا يصح أثر بخلاف ذلك . 2. وذهبت الحنابلة إلى الإكتفاء بصلاة العيد عن الجمعة ، ونسب إلى بعض الصحابة ولم يثبت عن أحدهم من طريق تقوم بها حُجة ، وأقوى تلك الطرق ما جاء عن ابن الزبير وقد رأيت ما فيها . 3. وذهب بعضهم إلى الإكتفاء بصلاة العيد عن صلاة الجمعة والظهر ، وهو قول عليل ودليله كليل -كما تقدم بيانه - . والقول الأول هو الحق الحقيق بالقبول وذلك لستة وجوه : أولها : لقوة أدلته ، وسطوع براهينه ، وضعف أدلة مُخالفيه ، وتعارضها وتضاربها - كما رأيت - . الثاني : أن أدلة مخالفيه ، رغم ما فيه من عوج تحتمل عدة احتمالات ، والدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الإستدلال - كما هو مقرر عند أولي العلم والكمال - . الثالث : أن العمل بهذا الرأي خروجاً من دائرة الخلاف ، والخروج من دائرة الخلاف مطلوب إذا أمكن المصير إليه - كما هو مقرر عند الفحول من أئمة الأصول - . الرابع : أن من عمل بهذا القول قد احتاط لدينه ، والإحتياط في الدين مطلوب مأمور به - كما في حديث " دع ما يريبك ، إلى ما لا يريبك " ، وقول عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد - رضي الله عنه - : الأمور ثلاثة : أمر بان لك رشده فاتبعه ، وأمر بان لك غيه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فقف عنه . وقد رواه بعضهم عن المسيح - عليه السلام - ، ورواه بعضهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يصح شيء من ذلك وإن كان معناه ثابتاً متفقاً عليه . الخامس : أن في العمل بغير هذا الرأي مخاطرة شديدة ، لاحتمال وجوب الجمعة ، والمسلم منهي عن المخاطرة بدينه - لما تقدم ، ولحديث " من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه " - . السادس : أن هذا القول مذهب الأكثر ، ومعلوم أنه لو تكافأت الأدلة ، أن المصير إلى رأي الجمهور أولى ؛ لأن مظنة أن يكون الحق معهم أقوى - كما لا يخفى - فكيف والفرق بين أدلة الفريقين كالفرق بين الأرض والسماء ، وبين الثرى والثريا - كما هو واضح لأولي النهى ، ولأدلة أخرى لا يتسع المقام لذكرها - والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 2. جواب بعنوان " حكم صلاة الجماعة " من منشورات مكتبة الضامري للنشر والتوزيع . الناشر . | ||||||||||||||
| |||||||||||||||
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
للشيخ , الجُمعة , القنوبي , يَوْمَ , يشكل , صلاة , سعيد , عِيْدٍ , إِذاَ , وافَقَتْ |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي | عابر الفيافي | نور الفتاوى الإسلامية | 30 | 08-26-2013 02:24 PM |
كتاب : الفتاوى كتاب الصلاة ج1 لسماحة الشيخ أحمد الخليلي | عابر الفيافي | نور الفتاوى الإسلامية | 8 | 10-26-2011 09:29 PM |
فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي | عابر الفيافي | نور الحج والعمرة | 3 | 06-08-2011 03:08 PM |
سعيد بن جبير | عابر الفيافي | نور صحابة رسول الله | 3 | 02-03-2011 03:00 AM |
تفسير سورة الفاتحة (القرطبي) | الامير المجهول | علوم القرآن الكريم | 0 | 12-31-2010 08:29 PM |