الرصد الجوي والعناصر الرصدية
لقد لاحظ الإنسان منذ القدم أن الطقس دائم التقلب ويعاني من تغيرات مختلفة المظاهر وأدرك الإنسان في أحيان كثيرة أن هذه التغيرات تؤثر في حياته وأنماط معيشته باستمرار ، ولذلك شعر بأهمية فهم هذه التقلبات والعوامل الكامنة وراءها ثم محاولة معرفة ما سيطرأ عليها من تغير مستقبلا قبل وقوعها ، ولهذا السبب تضافرت جهود العديد من العلماء في صياغة علم خاص للجو اطلق عليه اسم علم الطقس والرصد
الجوي والذي يمكن اعتبارهعلما خاصاً بالغلاف
الجوي تتداخل فيه علوم الفيزياء والأرض والفلك .
1. ما الذي يعنيه علم
الرصد الجوي ولماذا يعد علما وليس مجرد موضوع تابع للفيزياء أو علم الأرض ؟
إن كلمة
الرصد تعني لغة المتابعة وصرف الجهد والوقت لمراقبة حدث أو شيء ما ، وبذلك يمكن تعريف هذا العلم بأنه علم مراقبة العناصر والتغيرات الجوية وفهمها والتنبؤ بما يطرأ عليها من تغيرات فيما بعد.
إن كلمة رصد بالمعنى المباشر لها تدل على عملية المراقبة بالعين المجردة ولكن في حالة علم
الرصد الجوي تصبح هذه العملية أكثر تعقيدا من مجرد النظر بالعين فهي تتضمن استعمال أجهزة وأدوات من البسيطة جدا مثل ميزان الحرارة وحتى المعقدة جدا مثل القمر الإصطناعي والحواسيب الضخمة ، كما أنها تتضمن تحليلا للبيانات وفهما عميقا لمدلولاتها ، بمعنى أن هذه العملية
الرصدية الواسعة لها منهجيتها وأساليب بحثها الخاصة بها ولذلك يعد
الرصد الجوي علما قائما بذاته وليس مجرد موضوع تابع لعلم أساسي .
إن عملية
الرصد الجوي باختصار تتضمن عمليات اكثر تخصصا من مثل :
القياس – رصد النتائج – تحليل وتصنيف المعلومات والبيانات – الربط بين البيانات – تحليل مدلولات القياسات والبيانات .
تصنيف وتحليل وتركيب : المعلومات والبيانات والقياسات .
هل لاحظتم أننا في العالم العربي لا نقيم وزنا لنشرات الأحوال الجوية التي تبثهاوسائل الإعلام؟ هل تعرفون لماذا؟ الأسباب عديدة: نحن لا نصدق وسائل الإعلام لأنهاكذابة وبكاشة،.. ونشرات الأحوال الجوية تهم الناس الذين يخططون لتحركاتهم الشخصيةوالعملية، والتخطيط عندنا يقترن بالتآمر، لأن من يمارسون التخطيط هم فقط عصاباتالإجرام والقتل والتخريب،
ومن ثم تتردد في كلامنا عبارة «مخطط إجرامي« أكثر من عبارة «مخطط سكني«، ثم ان الطقس في معظم بلداننا ينقسم الى ثلاثة فصول: صيف لاهب، وصيف مستتر، وشتاء صيفي.. يعني حتى الطقس عندنا رتيب وممل، ولكنه مناسب لمزاجنا الرتيب الممل.. لا تجد خارج الوطن العربي شعبا بأكمله يلبس زيا موحدا لكل من الرجال والنساء.. لا يمكن ان تجد في المشرق العربي شخصا يرتدي جلبابا نُص (نصف) كُم، إلا داخل أو في محيط بيته (عند البقال مثلا).. الجلباب السوداني الواحد يتسع لشخصين يسيران في اتجاهين مختلفين، والعمامة السودانية تصلح ناموسية، ثم يشتكي السودانيون من تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الملاريا في بلادهم! والسبب الآخر الذي يجعلنا لا نأبه لنشرات الأحوال الجوية هو معرفتنا أنها تقوم على تكهنات، ويفوت علينا ان الميزانية العامة للدولة تقوم على تكهنات، ومن ثم فقد لا يحدث الفائض الذي تحدثت عنه الميزانية، ويصرخ الشامتون: الفائض طلع عجز! بينما الأمر لا يتطلب الشماتة لأن تقديرات الموازنة كما قلنا تقوم على تكهنات بان الإيرادات ستكون كذا والمنصرفات كذا ثم يشهد السوق المحلي او العالمي تقلبات، أو تشهد البلاد أحوالا طارئة تسبب اضطرابا في الحسابات وتقلب التقديرات فوق تحت،.. وكثيرا ما تسمع: جماعة الإرصاد قالوا باكر في مطر واحلق شنبي لو نزلت نقطة واحدة! طبعا قد تحدث في ذلك اليوم عواصف رعدية وسيول دون ان يحلق صاحبنا شنبه، ومع هذا يبقى على سوء ظنه بالرصد الجوي، بينما حقيقة الأمر هي أنه لا يعبأ بحالة الطقس، وأن هيئات رصد الأحوال الجوية في كل انحاء العالم لا تدعي أن تكهناتها دقيقة ولو 90%، وفي واقع الأمر فإن معظم تكهنات
الرصد الجوية صحيحة لأنها تقوم على معطيات علمية، وبالطبع فان تلك المعطيات قابلة للتغيير المفاجئ مما قد يقلب التكهنات رأسا على عقب.. مثلا الارتفاع الشديد في درجة الحرارة في منطقة ما يجعلها منطقة ضغط منخفض لأن الهواء فيها يتمدد بفعل الحرارة (ويتبربر بالبرورة كما قال سعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبين) ويرتفع الى أعلى مما يجعل تلك المنطقة جاذبة لرياح من مناطق الضغط المرتفع (ذات الطقس المعتدل او البارد نسبيا).. هذا كلام أذكره من دروس الجغرافيا وبالتأكيد فان جماعة
الرصد الجوي يملكون اليوم إمكانات تقنية عالية تجعلهم أكثر قدرة على التكهن الدقيق بحالة الطقس. ولو استمعنا الى شيوخ قبائل
الرصد الجوي قبل ان نزرع ونحصد أو نسافر أو نخرج الى البحر للنزهة او الصيد، لما لطمنا الخدود لفشل الموسم الزراعي او للتعرض للحوادث أو لانقلاب المراكب وغرق ركابها،.. الغريب في الأمر اننا نتعامل مع نشرات أسواق الأسهم بنفس طريقة تعاملنا مع الارصاد الجوية.. يشتري الملايين أسهم هذه الشركة او تلك ولا يتابعون أداء تلك الأسهم، بل يفترضون أنها ستربح و«بس«، وبعد ان يقع الفأس في الرأس قد يعتدي أحدهم على مدير البنك او الشركة متهما إياه .