منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الجزء السادس-فتاوى أصول الفقه
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 03-23-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



معنى قطعية دلالة الإجماع

السؤال :
ما معنى أن اجماع الأمة والعلماء منها قطعي مع أنك أتيت بأدلة من الكتاب وعورضت فيها وظاهرك أنك لم تجد مَخلصا عنها حتى أن أقوى ما استدللت به على ذلك قوله تعالى { ومن يتبع غير سبيل المؤمنين }(1) الخ وجملة أحاديث واجماع الصحابة على تخطئة من خالفهم ولم تجد مخلصا عن احتجاج صاحب المنهاج من أنها ظنية لا قطعية وسلمت أن دلالة قوله تعالى { ويتبع غير سبيل المؤمنين } الخ ظنية لا قطعية لأنها عامة لكنك قلت ذلك وسلمته إذ لم يسعدها علىالقطع دليل ثم سقت الأحاديث والاجماع دالة على قطعية الآية فنقضت عليك ولم تجد مخلصاً حتى قلت بعد كلام صورة صاحب المنهاج أن كلام ابن الخطيب الرازى والآمدى أن دلالة الاجماع ظنية مطلقا غير خارج عن الصواب .
وهذا نص كلامك " وقد أورَدت كلامه في هذا المقام على هذا الحال لينظر فيه من كانت له ملكة يقتدر بها بيان الحق أما أنا فلم أجد مخلصاً مما أورده والله ولى التوفيق " انتهى كلامك .
وأنا في غاية الاشكال من ذلك أهو مما يختلف فيه أم لا ؟ وإن كان ظاهر كلامك أنه حجة قطعية لكنك توقفت في قطعية الأدلة لأنها ظنية ومدلول الآية ظني والظني لا يفيد القطع أم أفاده اجماع العلماء ؟ وكيف إفادة الاجماع القطع ومستندهم ظنى ؟ افتنى مأجورا إن شاء الله .
الجواب :
نعم لم أجد مخلصاً من الإيرادات التي أوردها صاحب المنهاج وذلك لا يستلزم نقض القول بقطعية الاجماع بل غاية ما فيه أن فهمي لم يصل إلى دفع تلك الايرادات فإنى لم أستطع الخروج مما ذكره وذلك لا يستلزم نفي وجود الدافع رأساً لاحتمال أن يكون عند غيري من دفع اعتراضه مالم يكن عندي فلذلك نبهت عليه بقولي لينظر فيه من كانت له ملكة يقتدر الخ .
وأنا أقول بقطعية الاجماع القولي إذا أكملت شروطه واجتح على قطعيته باجماع الأمة على ذلك ويكفي في مستند الاجماع الدليل الظني لأن الاجماع يصيّر الظني قطعياً ولا بدع في ذلك فإن حكم الإمام في المسائل الظنية يصيرها قطعية ولذا لا يجوز لأحد خلافه اجماعا حتى ولو كان في المسألة التى حكم فيها قول بنقيض ذلك الحكم وبذلك تعرف أنه لا يلزم أن يكون الاجماع ظنيا إذا كان دليله ظنيا والله أعلم .
فإن قيل : إن حكم الإمام لا يجوز خلافه من حيث وجوب اتباعه لا من حيث رفع الخلاف عن تلك المسألة بيانه أن الخلاف في المسألة باق عند من لم يجب عليه حكم الإمام قلنا نعم ومع ذلك فالتمثيل مستقيم لأن الغرض منه صيرورة الظن قطعياً لعارض عرض عليه فإذا حصلت هذه الصورة في بعض الأشياء استقام التمثيل .
وأيضا فكما أن المحكوم عليه يجب عليه قبول حكم الإمام لوجوب الطاعة كذلك يجب على الناس قبول ما جاء به الاجماع لوجوب اتباع سبيل المؤمنين والله أعلم .

نسخ المتواتر بالآحاد

السؤال :
أهل الظاهر لما جوزوا نسخ المتواتر بالآحاد احتجوا لذلك بحجج منها استدارة أهل قباء لما سمعوا أن القبلة قد تحولت ولم ينكر النبى " عليهم ومنها أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرسل الآحاد بتبليغ الأحكام مبتدأة وناسخة ومنها قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما }(1) إلى آخر الآية نسخ بما ورد عنه عليه السلام من النهى عن كل ذي ناب من السباع والمانعون أجابوا عن ذلك الاحتجاج بما قد علمت من أن أهل قباء علموا ذلك بالقرائن وأن الحديث مخصص لا ناسخ وبتسليم ذلك فيما إذا قامت القرائن وتوفرت الشواهد على صدق ذلك المبلغ وقد ضعّفت هذا الجواب أنت جداً حيث قلت " وهذا الجواب لا يقاوم ذلك الاحتجاج " فبم يجابون فإنك لم تذكر جوابا غيره دافعاً لذلك الاحتجاج لا عنك ولا عن غيرك علمنا الجواب عن حجتهم هذه وهي إرساله " بتبليغ الأحكام مبتدأة وناسخة وإن لم يكن له جواب أما يكون احتجاجهم حجة ودليلاً على جواز نسخ المتواتر بالآحاد .
والبدر عفا الله عنه يشير إلى أن ذلك ظاهر كلام ابن بركة اى جواز نسخ المتواتر بالآحاد فإن صح عنه فانه ناصر لمقال أهل الظاهر وهل أحد من الأصحاب أو المخالفين جوز نسخ المتواتر بالآحاد غير ما استظهره البدر من كلام ابن بركة وما نقل عن أهل الظاهر ؟ أفدنا جزيت .
الجواب :
لا أعلم أن أحداً من الأصحاب صرح بجواز ذلك وكذلك أيضا المخالفون إلا ما ينقل عن أهل الظاهر واحتجاجهم المشار إليه قوى والأجوبة لا تقاومه والمسألة اجتهادية لكن بشرط تجويز النسخ بذلك في زمان النبوة لا بعده فإن زمان النبوة قابل لثبوت النسخ وبعد ذلك قد استقرت الشريعة في اقرارها وانسدّ باب النسخ فمهما نقل خبر آحاد معارض للقطعي طرح ولم يقبل إذ ليس لأحد أن يترك القاطع للمظنون كما ليس له أن يترك اليقين لنفس الظن .
وأيضا فإن العمل في زمان النبوة وبعده إنما يكون صحيحا إن وافق الحق وقد وافق فعل أهل قباء في استدارتهم وجه الحق فلا معنى لتعنيفهم لأن ما لا يسع جهله تقوم فيه الحجة بجميع من عبره للمكلف وتحويل القبلة مما لا يسع جهله فتبليغ المبلغ إلى أهل قباء إنما هو حجة عليهم حيث أخبرهم بأمر لا يسعهم جهله .
وبالجملة فما وافق الحق من الأفعال لا وجه للتعنيف عليه وما كان في موضع الحجة فلا يقاس عليه غيره مما ليس هو بحجة غاية الأمر أن النسخ قد ثبت زمان النبوة وبلّغته الآحاد ولم يعنف القائل له لموافقة الحق وأما بعد زمان النبوة فيطرح إذ قد استقرت الشريعة فلا وجه للآخذ به مع معارضته للقاطع وإذا كان الدليل الظنى يطرح لأجل ظن أرجح منه فما ظنك بمعارضة القاطع له والله أعلم .

تعارض القطعي والظني

السؤال :
وجه ما روى عن بعض قومنا بزيادة التغريب على حد البكر والحكم بالشاهد واليمين أليس القطعى ثابتا على حد البكر والحكم بالشاهدين بنص الكتاب العزيز والقطعى لا يعارض بالظنى أم عنده يجوز الأخذ تارة بالقطعى وأخرى بالظني ولا يوجب الأخذ بالقطعى والاقتصار عليه دون الظني ويكون كالأخذ بشهادة الاثنين جائزة وبالثلاثة فما فوق أقوى وآكد، وليس السؤال جارياً على مذهب من يجعلهما ناسخين فإن الذي يجعلهما ناسخين لا يقبل خبر الآحاد فيهما ولا يجيز العمل بهما ولكن جار على مذهب من يجعلهما ناسخين فإنه يقبل فيهما خبرا الاحاد ويجيز العمل بهما والقطعى كما ترى ثابت بنص الكتاب .
الجواب :
ليس هذا من معارضة القطع بالظن لأن القطعى إنما اثبت الحكم بالشاهدين ومائة جلدة في حد الزانى البكر فالقول بالحكم بالشاهد واليمين وزيادة التغريب شيء غير ما أثبته القاطع فهو أمر زائد على القاطع فاثبات من أثبتهما في ذلك مبنى على دليل ظنى عندهم وقد يثبت الدليل الظني أمرا لم يكن في الكتاب والسنة المتواترة على مذهب من لم يجعل الزيادة الناسخة فهذا الوجه الذي عولوا عليه فيما عندى والله
أعلم .



حمل المطلق على المقيد في مسألة الربا

السؤال :
لم أعرف السبب الموجب لحمل المطلق على المقيد من حديثى " أينقص الرطب إذا جف " و" إنما الربا في النسيئة " أهو زيادة التمر أم نقصان الرطب من الأول والربا أم غيره من الثاني ؟ ولعل اتحاد الحكم بينهما التحريم إليه هو وذكرت سيدي أن مخالفينا أخذوا من الحديث ظاهره وهو كون الزيادة في أحد الجنسين المبيعين مطلقا من الربا وأن أصحابنا يخصون ذلك بالنسيئة ويجيزونه فيما إذا كان البيع يدا بيد وقلت ولعلهم يقيدون ذلك أى اطلاق الحديث بقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة } الآية(1) وبما روى عنه عليه الصلاة والسلام إنما الربا في النسيئة ثم قلت وشدد الامام الكدمى في المسألة حتى عدها من أصولهم الفاسدة إلى أن قلت والمسألة اجتهادية أشار إلى ذلك صاحب الايضاح .
أقول ما وجه كونها اجتهادية أهو من حيث الخلاف في أنه هل يحمل المطلق على المقيد إذا اتحدا حكما واختلفا سببا أم من وجه غيره ؟ فإن كان منه فما وجه تشديد الإمام الكدمى حتى عدها من أصولهم الفاسدة ؟ أليس الخلاف موجودا مع الأصحاب فهذا الإمام ابن محبوب أحاز فيما نقل عنه في كفارة الظهار عتق الرقبة غير المؤمنة كالنصرانية واليهودية ولم يشترط كونها مؤمنة ومن هنا قال الشيخ ابن النظر :

وعتق اعور عين في الظهار


فقد أجيز والعيد ذى الاشراك والدغل


فالخصم حينئذ يكتفى عن جواب بما وجد عن ابن محبوب اللهم إلا أن يكون من وجه غيره فلا أدرى ما يقول الخصم فضلا منك أن تبين لى معنى كلام الشيخين الكدمى في تشديده والسماص في كونها اجتهادية ولك الاجر من الله وكلامك الذي نقلته لك من كتابك خذه بالمعنى فانى عبرت عنه بالمعنى حسب مافهمته لأن الكتاب أخذه سليمان هذه الأيام وخادمك أخذ الثانية نسأل الله الإعانة والتوفيق ..
الجواب :
ليس ذلك من باب حمل المطلق على المقيد كما توهمته فلا حاجة لطلبك الموجب لذلك وإنما هو من باب تقييد الحكم ببعض قيوده مثاله أن تقول الصلاة على الهيئة المخصوصة صحيحة فيقول المعترض لا تكفى الهيئة في كونها صحيحة بل لا بد لهذا الاطلاق من قيود وهو وجود الطهارة المخصوصة وستر العورة إلى غير ذلك من القيود فالمنع من بيع الرطب بالتمر حكم مطلق وثبوت ذلك في النسيئة دون غيرها قيد للمنع فهذا وجه ما أشكل عليك من الاطلاق والتقييد .
وأما عدّ الشيخ أبي سعيد المسألة من أصولهم الفاسدة فذلك لما صح عنده من ثبوت القيد بالنسيئة حتى أنه لم يخطر بباله أن أحدا يجهل ذلك .
وليس المراد بالأصول التى ذكرها الشيخ ابوسعيد في هذا الموضع أصول الدين التى يكفر المخالف فيها وإنما المراد بالأصول في كلامه القواعد أي فالقول بذلك من قواعدهم الفاسدة وهذا المعنى هو المعنى الجامع بين كلامه وكلام صاحب الايضاح .
فالمسألة على كل حال اجتهادية وكلام أبى سعيد يشعر بتضعيف قولهم بل يصرح بفساده فاستبعادي لكلام أبى سعيد من حيث هذا التصريح لا غير والله أعلم .

الترجيح بين الأخذ بالمجاز أو الاضمار

السؤال :
اختلافهم في اللفظ الواحد إذا احتمل أن يكون مجازا وأن يكون فيه إضمار رجح الأخذ بالمجاز لأنه أكثر استعمالا ورجح بعض الأخذ بالإضمار لأن قرينته متصلة فما معنى اتصال قرينة الاضمار من هذا الكلام ؟
الجواب :
معنى ذلك أن احتياج الكلام إلى المقدر المحذوف هو نفس القرينة الدالة على المحذوف فإن قوله تعالى واسأل القرية كلام بنفسه يقتضى تقدير المحذوف أي اسأل أهل القرية وهذا الاحتياج كما ترى معنى متصل بالكلام المذكور بل هو من صفاته اللازمة والله أعلم .

الإستثناء من النفي إثبات

السؤال :
المنقول من لب الأصول وشرحه ونصه والأصح أن الإستثناء من النفي إثبات وبالعكس وقيل لا بل المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه وهو منقول عن الحنفية فنحو : ما قام أحد إلا زيد مسكوت عنه من حيث القيام وعدمه ومبنى الخلاف على ان المستثنى من حيث الحكم نخرج منه المحكوم به فيدخل في نقيضه أى لا حكم إذ القاعدة أن ما خرج من شيء دخل في نقيضه وجعلوا الاثبات في كلمة التوحيد بعرف الشرع وفي الاستثناء المفرغ نحو ما قام إلا زيد بالعرف العام تفضل بين لنا معنى هذا الكلام إذا قلنا ما قام القوم إلا زيد أيكون زيد قائما أم غير قائم على هذا المعنى .
الجواب :
هو قائم على مذهبنا ومذهب المعتزلة والشافعية وغيرهم، لأن الاسثناء من الاثبات نفى ومن النفى اثبات عندنا خلاف للمنقول عن أبي حنيفة فإنه على المنقول عن أبي حنيفة لا يَثبت في مثالك لزيد قيام ولا عدمه .
بيان ذلك أن أبا حنيفة ومن تبعه في ذلك يجعلون المستثنى في حكم المسكوت عنه فقول القائل جاء الناس إلا زيدا نص عندهم في إثبات حكم المجىء للناس دون زيد وأما زيد فعنده أنه مسكوت عن إثبات الحكم له وعن نفيه عنه فهم يقولون في مثل ذلك إن المتكلم لم يتعرض للمستثنى بشيء من اثبات الحكم ولا من نفيه وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا كان المتكلم عالما بمجيء أهل البلد مثلا لكنه جاهلا هل زيد في الجائين أم لا فعلى مذهبنا لا يصح لهذا الجاهل أن يقول جاء أهل البلد إلا زيدا لأن في قوله هذا حكم بنفى المجيء عن زيد وهو لم يعلم بذلك ويصح على مذهب الحنفية لأنه عندهم في حكم المسكوت عنه أي لم يثبت له مجيئا ولا عدمه .
والأصح ما عليه أصحابنا وغيرهم من أن الاستثناء من الاثبات نفي وبالعكس لأن كلمة الاخلاص وهى لا إله إلا الله توحيد باجماع الأمة ولو لم يكن فيه إثبات الألوهية لله تعالى لما كانت توحيدا بالاجماع وكذلك الاستثناء المفرغ نحو ما قام إلا زيد فيه اثبات الحكم للمستثنى بالاجماع .
فأما ما قاله الحنفية في الجواب عن هذين الاحتجاجين بأن الأول مخصوص بعرف الشرع وأن الثاني بالعرف العام فليس بشيء .
أما أولا فإن الدعوة إلى التوحيد في زمانه " كانت عامة للعرب وغيرهم وقد أنِف العرب من الاقرار بها لزعمهم تعدد الالهة فلو لم يكن ذلك عندهم في أصل لغتهم مثبتا للالوهية لله تعالى وحده لما أنفوا من الاقرار بها بل قالوا : اجعل الالهة الها واحدا .
وأما ثانيا فإن عرف الشرع طارئ بعد الوحى والمشركون من العرب لا يسلمون أصل الشرع فكيف يخاطبون باصطلاحاته الطارئة .
وأما الجواب عن قولهم في الاسثتناء المفرغ أن ذلك ثبت فيه بالعرف العام فإن كانوا أرادوا بالعرف العام عرف العرب الأوائل منهم والأواخر فذلك حجة لنا وتسليم منهم لفرضنا وإن كانوا أرادوا به عرفا طارئا بعد استقرار وضع اللغة مخالفا لما وضعت له في الأصل فلا نسلم لهم ذلك لأن تجدد الأوضاع محتاج إلى نقل ولا نقل ها هنا فزعم تجدده بغير دليل تحكم لأن الاصل عدمه فهذا العرف العام دليل على ما قلناه في حكم المستثنى والله أعلم .

تسمية الفائت بالنوم أو النسيان قضاء

السؤال :
هل يسمى ما فات بنوم أو نسيان من العبادات بالقضاء أم لا فإن كان نعم فأي معنى لذكر الوقت في قوله عليه السلام " من نام عن صلاة أو نسيها " إلى أن قال " فذلك وقتها " وما ضرب له وقت فهو أداء القضاء في ما عدا هذين فإن كان نعم فما معنى من استشهد بالحديث إن القضاء بأمر ثان ؟ فضلا منك بالبيان .

الجواب :
اختلف في ذلك فقيل إن فعله يسمى أداء وقيل قضاء فمن قال أنه أداء احتج بظاهر الحديث فإن ظاهرة أن ذلك أداء في حق النائم والناسى ومن سماه قضاء نظرا إلى أن الوقت المشروع للأداء هو الوقت الذي لا يجوز تأخير الفعل عنه اختيارا وذلك الوقت المضروب للفعل أولا فعلى فقول من جعله قضاء فالاحتجاج به في باب القضاء ظاهر وأما على القول الآخر فلا يظهر الاحتجاب به اللهم إلا أن يقال أن الاختلاف لفظى لأنه عائد إلى نفس التسمية لا غير .
ثم ظهر لى أن هذا الوجه وعليه فيكون الاحتجاج مستقيما على المذهبين والله أعلم وقد ذكر صاحب القناطر الاختلاف في مكحلة الفضة فمن أخذ بقول المسلمين فلا بأس عليه والله أعلم .

الذمة واشتغالها بالأحكام

السؤال :
قوله في " المدارج " وهو :

ما شغل الذمة فهو الحق


لله أو للخلق، أما الخلق


قال السائل : ما معنى هذا الاشتغال، والذمة ؟
الجواب :
عُرّفت الذمة بأنها " وصف يصير الشخص به أهلا للإيجاب له وعليه "، وعرفها آخرون بأنها " نفس لها عهد فإن الانسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه عند جميع الفقهاء بخلاف سائر الحيوانات " انتهى فعلى التعريف الأول تكون الذمة من أعراض الذات لأنها وصف من أوصافها وعلى التعريف الثانى تكون الذمة هى الذات الموصوفة بالعهد الذي أخذه الله عليها والمعنى متقارب .
ومعنى اشتغال الذمة بالحقوق هو كون النفس ملزمة بذلك الحق فإذا افترض الله على أحد فريضة فقد ألزمه ذلك واشتغلت ذمته بذلك الفرض حتى يؤديه فالنفس قبل الفرائض اللازمة لها غير مشتغلة بشيء وتسمى هذه الحالة ( براءة الذمة ) فإذا توجهت إليها الفرائض وألزمت إياها سميت حالتها حينئذ بـ( اشتغال الذمة ) تشبيها لها بحال من يشتغل بالشيء .
والأحوال التى تشغل الذمة هى الحقوق سواء كان حقا لله وهى العبادات الخالصة أو حقا للعباد وهى الحقوق التى أوجبها الله على الناس لبعضهم بعضاً كحق الوالدين والرحم والجار والضيف وغير ذلك والله أعلم .

تأخير تبليغ الأصل وتأخير البيان

السؤال :
لم جاز تبليغ الرسول، البناني في حاشيته، أي تبليغ الأصل لا البيان كما قد يتوهم انتهى إلى وقت الحاجة مع قوله تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }(1) والأمر المطلق عن القيد يوجب الفورية على قول .
فإن قلت : نعم يجوز تأخير إلى آخره فيحتاج صرف الأمر عن وجوبه فورا على من قال بذلك إلى دليل وإلا فليوضح .
سلمنا فما الفائدة في إنزاله عليه " قبل وقت الحاجة وأيضا لم خص بالجواز تأخير الأصل لا البيان والبيان يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة فإن قلت أن البيان لا ينزل إلا وقت الحاجة فمنقول كذلك الأصل فما الفرق في جواز تأخير أحدهما عن الآخر للرسول عند هذا القائل ؟ فضلا منك بالجواب .
الجواب :
تأخير تبليغ الأصل وتأخير تبليغ البيان سواء، فما جاز في أحدهما جاز في الآخر إلى وقت الحاجة إليه لا فرق بينهما في شيء من ذلك، بناء على القول بأن الامر في نفسه لا يدل على فورية ولا تراخ وهو القول الصحيح .
فأما القائل بمنع تأخير التبليغ للبيان إلى وقت الحاجة فظاهر مذهبه مبنى على القول بمنع تأخير البيان إلى وقت الحاجة كأنه يرى أن أصل الخطاب لايصح أن يـبقى مجملا لأن المقصود من الخطاب الإفهام وليس في المجمل ما يفهم المراد فقال بمنع تأخير البيان دون الأصل لهذه العلة وأما من قال أن الأمر للفور فيلزم على مذهبه منع تأخير التبليغ كان في أصل الخطاب أو في بيانه .
والفائدة في انزال البيان قبل الحاجة إليه بيان الحكم فيحصل للسامع الفقه في الدين فيتهيأ للعمل عند وجوبه فيجوز ثواب العلم وفضيلة التهيؤ والله أعلم .

قرآنية المنسوخ تلاوة

السؤال :
عرفت أن المنسوخ من القرآن تلاوة وحكما لا يسمى قرآنا لكن لم أعرف حكم المنسوخ تلاوة دون الحكم وعكسه، وظاهر كلام صاحب المنهاج أن المنسوخ تلاوة لا حكما لا يسمى قرآنا حيث قال والأشبه جواز من المحدث للمنسوخ لفظه اهـ ومفهومه أن العكس يسمى قرآنا فإن كان كذلك فما الفرق ؟
الجواب :
ما نسخت تلاوته فليس بقرآن، كيف يستحق اسم القرآن ويعطى حكمه والله تعالى سلبه أحكام القرآنية وسماه منسوخاً ؟ وأما المنسوخ حكمه دون تلاوته فهو قرآن لأن بقاء التعبد بتلاوته أثبت له حكم القرآنية وناهيك أن آية السيف قد نسخت لأحكام آيات كثيرة من القرآن المكتوب المنقول تواترا والاجماع منعقد على أن تلك آيات من القرآن وكذلك قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير اخراج }(1) فإنه منسوخ اجماعاً بقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }(2) ومن المعلوم يقينا أن هذه الآية من القرآن ونظائرها كثير فلا يصح أن يشك في كونها من القرآن والله أعلم .

الافتاء ممن حفظ مسألة من العلماء

السؤال :
من حفظ مسألة من أثر المسلمين أو من سؤاله للعلماء أيجوز أن يفتى بها من جاء يسأله عنها وهو محتاج إليها .
الجواب :
إن كان في الدار مضت أعرف منه وأبصر بأمر الدين فلا يفتى مخافة الحظر وإن كان الناس محتاجين إليه ولا يجدون من هو أعرف منه فلا بأس أن يعلمهم بما وحده في الاثر أو أخذه عن الأشياخ والله أعلم .

هل الرسول متعبد بشريعة قبله

السؤال :
قول البدر رحمة الله تعالى في باب الأمر ما نصه " وبعد النبوة الصحيح أن النبى " ليس بمتعبد بشريعة أحد انتهى وعند الكلام على استصحاب الحال ما نصه وهل بعد البعث كان متعبداً والمختار أنه كان متعبداً إلا ما نسخ فما الجمع بين قوليه ؟
الجواب :
لا جامع بينهما إلا أن يكون قد اختار في الموضع الثانى عكس ما صححه في الموضع الأول قصداً منه أو أنه نسى تصحيحه الأول فاختار غيره لما رجح عنده في ذلك الحال .
والصحيح عندي أن شريعته " مستقلة ولولا ذلك لكان مأموراً بمراجعة الكتب السابقة ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن مراجعتها فلا وجه للقول بتعبده بما فيها والله أعلم .

مجال الاجتهاد

السؤال :
قول الشيخ سليمان بن يخلف بان الاجتهاد مخصوص بالنازلة التي لم تكن في الكتاب ولا في السنة ولا في آثار المسلمين الذين كانوا قبل النازلة كيف الوجه في ذلك ؟ وكيف الذين لم يكونوا قبلها لا يجوز لهم الاجتهاد ؟ وهى مسألة رأى مع أن المسلمين يضربون صفحا عن بعض الآراء إلى ما رأوا .
الجواب :
لا وجه لما قاله إلا على رأى من جوز للمجتهد أن يقلد غيره وهو قول ضعيف جدا بل الحق عليه أن يستعمل اجتهاده ويأخذ بما رأى في ذلك وهو أكثر القول والله أعلم .

معنى الجوهر والعرض والشكل

السؤال :
عن معنى الجوهر والجوهر البسيط ومعنى العرض في قوله الفعل عرض يوجد مع الاستطاعة ؟ وما معنى الشكل المفسر بالهيئة الحاصلة للجسم بسبب حد واحد بالمقدار كما في الكرة أو حدود كما في المضلعات من المربع والمسدس ؟ والكرة ما هي ؟
الجواب :
الجوهر عبارة عن الشيء القائم بنفسه كالحصى والجدار والنخلة والماء والظلمة والنور، وهو نوعان بسيط ومركب، فالبسيط هو ما لم يجتمع من جملة أشياء كالماء والنور والظلمة، والمركب ما اجتمع من أشياء كالحيوان فإنه من لحم ودم وعظم وكالجدار فإنه من حصى وصلن .
وأما العرض فهو ما قام بغيره وهو مجتمع في شيئين الحركة والسكون فالأفعال كلها داخلة تحت الحركة وهي اعراض وأنواع الكف داخلة تحت السكون وهي اعراض أيضاً .
وأما الشكل فهو الهيئة المخصوصة التي يكون عليها الجسم من طول وقصر وضخامة ودقة ونحو ذلك . والله أعلم .

ثبوت القياس في الحسي أو المعنوي

السؤال :
القياس قال البدر " شرطه أن لا يكون حسيا، كقولك : شراب مسكر يوجب الحد كما يوجب الاسكار كان باطلاً من القول " اهـ قلت إذا شاهد العقل مرة بعد أخرى أن هذا شراب مسكر لـمَ لمْ يجز لنا أن نرده إلى أصل موافق في علته ونعطيه حكمه كمثل أن جعلنا الخمر أصلا لكل مسكر فإن فيه الحد فنجعل فروعه مثله لـمَ عده باطلاً ؟
الجواب :
ليس المراد ما فهمت، وإنما المراد أن الحد لا يثبت بالقياس على الاسكار لأن الحد حسى والاسكار معنوى فلا يلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر .
وهذا مع قطع النظر عن حكم الشرع وذلك أن الشرع رتب على الاسكار حكم الحد ولو لم يكن لما ثبت الحد بنفس العلة فهذا معنى قوله والله أعلم .

اشتراط اتحاد العلة لصحة القياس

السؤال :
بطلان القياس قال البدر أيضاً : إن لم تتحد العلة أن العلة المعتبرة المذكورة ثانيا في اثبات حكم الأصل غير ثابتة في الفرع والمذكورة أولا وإن ثبتت في الفرع فغير معتبرة فلا مساواة في العلة المعتبرة فلا تعديه، مثاله الجذام يرد به النكاح كالرتق والقرن ينفسخ بأحدهما البيع فإذا قال الخصم لا فيقول لا المستدل هما كالجب يفوت به الاستمتاع اهـ قال السائل فالجذام ليس يفوت الاستمتاع في النكاح لأجل الضرر فما المانع من جعل الجب أصلا للجذام إذا كانت متحدة بينهما وهو عدم الاستمتاع أم بطل القياس لعلة عدم اتحاد الحكم لأن هنا للنكاح وهنا للبيع فتكون علة الجذام معتبرة بنفسها أم لا ؟
الجواب :
الجذام لا يمنع الاستمتاع لامكان الايلاج، بخلاف الرتق والقرن فإنه لا يمكن معهما الايلاج، وكذلك الجب وهو قطع الذكر فليست العلة في الجذام والرتق والقرن متحدة وإن اتحدت في القرن والرتق والجب .
وحاصل المعنى أن العلة إذا لم تتحد في الأصل والفرع فالقياس باطل ولو اتحدت بين أصل وفرع ثم شابه الفرع فرعاً آخر من جهة أخرى كما اتحدت في الجذام والقرن والرتق فإن الكل عيب يرد به البيع ثم صار الجب مشابهاً للقرن والرتق لكن لا من الجهة الأولى بل من جهة أخرى وهي فوات الاستمتاع فلا يمكن أن يجعل الكل في حكم واحد . والله أعلم .

مقتضى الأمر والنهي

السؤال :
الأمر حيث اختار أن لا يدل على نهي الضد لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالاستلزام، وعرّفتَه بأنه طلب الكف عن الشيء، وقلت الأمر بالشيء يستلزم الكف عن ضده فقط دون الطلب، أليس على هذا يستلزم الأمر بالقيام النهي عن ضده وهو القعود على طريق الالتزام في المعنى ؟ والأمر بفعل المباح والمندوب قد خرجا عن هذا الحكم للقرائن الدالة منها قوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا }(1)، { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا }(2) لأنا لم ينقل إلينا أن رسول الله " عاب على من لم ينتشر ؟

الجواب :
ينكشف لك الغطاء بمقدمة، وهي أن تعرف معنى النهي عن الشيء ومعنى الكف عنه فإذا عرفت ذلك ظهر لك وجه ما اخترته وبيانه أن معنى النهي عن الشيء هو الطلب لتركه فإذا قلت لا تقعد فقد طلبت منه ترك القعود، وأما الكف عن الشيء فهو ترك له فقط دون طلب فقولنا الأمر بالشيء يستلزم الكف عن ضده أي إذا أمرنا بالقعود استلزم هذا الأمر ترك القيام من غير أن يطلب تركه فافهم ففي النهي عن الشيء زيادة طلب .
وقولهم ان الأمر بالشيء نهي عن ضده محتاج إلى دليل فإنه لم يثبت عن طريق اللغة ولا من طريق الشرع وإنما قالوا ذلك حيث رأوا أن الأمر لا يتصور امتثاله في الشيء إلا بترك ضده وأنت خبير أن الضد لا مدخل له تحت الأمر فلا يتناوله بشيء من وجوه الدلالة على جهة الطلب لتركه، لكن لا يتصور الامتثال إلا بتركه، فظهر أن المستلزم ترك الضد دون طلب تركه . والله أعلم .

الفرق بين المتضادين والنقيضين

السؤال :
الفرق بين المتضادين والنقيضين ؟
الجواب :
الفرق بينهما أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، كالعدم والوجود، والضدين لا يجتمعان ولكن يرتفعان كالسواد والبياض . والله أعلم .

معنى ‘‘ المناظرة بكتاب الله ‘‘

السؤال :
كلام الزهرى لا نناظر بكتاب الله ولا بكلام رسوله فما معنى المناظرة ؟
الجواب :
المناظرة هي المشابهة ولو في بعض الوجوه، ومعنى كلامه : لا نجعل لكتاب الله تعالى ولا لكلام رسول الله " نظيرا في الاستدلال، وهو حث على التمسك بالكتاب والسنة والترك لما سواهما من قال وقيل . والله أعلم .


اشتراط المناسبة لعلة الإيماء في القياس

السؤال :
علل الإيماء قيل يشترط المناسبة بينها وبين الحكم وقيل لا قلت فما المناسبة هنا أهي حكمة داخلة بينها كقولنا أكرم العالم لما بين الكرم والعلم من مشابهة في كون كل واحد منهما يقتضي العلو والأفضلية أم لا ؟ فإن كان كذلك فما وجه القول من أنها لا يشترط ظهورها وأما نفسها فلا بد منها ؟ وما الفرق بين ظهورها ونفسها هنا ؟ ثم قيل يشترط المناسبة من يجعلها بمعنى الباعث أما من يجعلها أمارة فلا . قلت : فعلى المعنى الأول هل قيل بأن الوصف يوجب الحكم فلم لم يشترطوا ظهورها على هذا، وكذا على الوجه الثاني كيف لم يشترطوا مع أننا نرى ظهور المناسبة في العلل المنصوصة كقوله تعالى
{ زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج }
(1) وأمثالها من الآيات كما لا يخفى ولا شك أن المنصوصة أقوى دلالة من غيرها ما معنى قولهم في هذا كله ؟

الجواب :
المناسبة بمعنى الملائمة والموافقة فإن كان الوصف ملائما للحكم وموافقاً له سمي مناسبا ولا يكون مناسبا حتى يشتمل على نوع حكمة، وهي إما حصول مصلحة أو دفع مضرة .
فإن ظهر اشتماله على ذلك قيل أن وجه المناسبة فيه ظاهر وإن خفى حتى لا يظهر إلا لمتأمل قيل فيه مناسبة غير ظاهرة والمناسبة بين الإكرام والعلم وبين الإهانة والجهد وبين الطاعة والثواب وبين المعصية والعقاب ظاهرة كما ترى .
فإذا عرفت هذا اتضح لك الخلاف المذكور في اشتراط ظهور المناسبة لعلة الإيماء وبيانه أنه الإيماء وهو الإشارة إلى اثبات االوصف علة للحكم طريق من الطرق التي يعرف بها الوصف أنه علمه .
فمنهم من لم يشترط في ثبوت هذا الطريق إلا الإيماء نفسه ظهر وجه المناسبة أو خفى، لأن الإيماء نوع من النص وإذا نص الشارع على جعل الوصف علة لزم قبوله ظهرت المناسبة أو خفيت فكذلك إذا أومأ عليها مع علمنا أنه لا بد من مناسبة لأن أفعال الحكيم جارية على وفق الحكمة .
ومنهم من اشترط ظهور المناسبة بمعنى أنهم لا يثبتون العلة من طريق الإيماء إلا إذا ظهرت مناسبتها للحكم، وعلى هذا القول يتعطل طريق الإيماء إلا من وجه واحد وهو ما كان على طريق " لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان " .
ثم إن من الأصوليين من لا يشترط في العلة مطلقا ظهور المناسبة لأنها عندهم معرف للحكم بمعنى أن الشارع شرع ذلك الحكم وجعل الوصف دالا عليه، ولا يشترط في الدال أن يكون مناسباً للمدلول بل قد يكون مضادا له كالجبل والرمل فإنا لو جعلنا الجبل دالا على موضع الرمل أو علمنا دجلة نار توقد حولها كانت دلالة صادقة فكذلك العلة الدالة على الحكم عند هؤلاء . والله أعلم .

معنى النسيان والذهول

السؤال :
قوله في المشارق " فأما النسيان فهو إما نسيان ذهول وهو ما يتنبه بأدنى منبه كنسيان الرجل بعض أعضائه " قال السائل ما معنى نسيان الذهول ؟ وما معنى بعض أعضائه ؟ ولفظة الأعضاء لأي شيء تطلق هنا ؟ أهو إذا سها في حالة الوضوء أم كيف ذلك ؟
الجواب :
معنى الذهول الغفلة، والأعضاء الجوارح، والمراد بنسيانها الذهول عنها حالة الاشتغال بغيرها ومن المعلوم أن أحدنا إذا التفت إلى شيء ذهل عن غيره فإذا فرغ منه صرف ذهنه إلى غيره ولا تحضره جميع الأشياء في حالة واحدة وليس المراد نسيان الأعضاء في الوضوء لأنه يقسم النسيان في أصل الأمر إلى خفيف وثقيل . والله أعلم .


الافتاء والاجتهاد والقضاء

السؤال :
ما يوجد في كتاب بيان الشرع الأحكام : يقضى بها ولا يفتى بها وعن شريح كان يقول إنما أقضي ولا أفتي، كيف شيخي في حال المجتهد الطالب للحكمة ودقائق غوامض معانيها إذا طلب ذلك اجتهادا من هذا القبيل أم يكون مستحقا للفتوى من وجه طالب الحكمة لا يمنع، قال الشاعر :

ومن منح الجهال علما أضاعه


ومن منع المستوجبين فقد ظلم


الجواب :
المتفقه في الدين غير المستفتى فإن المستفتى من يطلب البيان في مسألة بعينها لكونها عانية ولا حاجة له في غيرها إذ ليس من شأنه التفقه فمثل هذا لا يفتى في قضايا الأحكام لئلا يأكل بها مال الغير ولئلا يكون سيفا على خصمه ولئلا تخالف الفتوى حكم القاضي في مسائل النزاع مع أن الواجب فيها الرجوع إلى حكم الحاكم لا إلى فتوى المفتى .
وأما مسائل الدين فلا تمنع من أحد إلا من سأل عانتا أو متعنتا أو طلب الرخصة قبل الوقوع فيها فهولاء كلهم لا يجابون .
أما المتفقه في الدين طالباً بذلك وجه الله فلا يمنع من شيء والناس محمولون على السلامة ما لم تظهر من أحد منهم حالة منكرة أو أمارة سوء، فثوب الرياء يشف عما تحته . والله أعلم .

التخصيص المستفاد من الأمر والنهي

السؤال :
التخصيص المستفاد من الأمر والنهي من قوله تعالى { فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة }(1) وقوله { يا أيها الناس اتقوا ربكم }(2) ومثل ذلك كثير في القرآن وهو لفظ للعموم كيف يكون التخصيص ؟ أم هذا التخصيص مراد به البلغ دون غيرهم ؟ وكذلك قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة }(3) إلى آخر الآية، ومثل ذلك في القرآن للعموم، وقالوا الخاص ما دل لمعنى مفرد أين هذا الخصوص في نفس اللفظ أم في المعنى ؟ فإذا كان هذا الخصوص للمكلفين دون غيرهم فكذلك العموم لا يرد إلا للمكلف .
الجواب :
الخاص ما دل على معنى مفرد، وهو في الأمر المعني الذي طلب فعله، وفي النهي المعنى الذي طلب تركه فهو في قوله تعالى { فأقيموا الصلاة }(1) نفس الإقامة وفي قوله تعالى { وآتوا الزكاة }(2) نفس الايتاء وفي قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة }(3) نفس التحريم وفي قوله تعالى { لا تقربوا الزنى }([4]) نفس القربان فكل واحد من هذه المعاني معنى دال على مفرد .
أما الواو في أقيموا الصلاة وآتوا والضمير في عليكم ليس من الأمر في شيء وإنما هو ضمير المخاطبين بالأمر والنهي فمحل الخصوصية نفس المخاطب به، ومحل الجمع العام المكلفون المخاطبون بالأمر فلا اشكال والله أعلم .

نسخ آية السيف لما يعارضها

السؤال :
عن قوله في " طلعة الشمس " ما نصه كآية السيف نسخت آيات كثيرة وهي باقية فيها والمنسوخ بها ؟

الجواب :
المراد بآية السيف كل آية فيها الأمر بالجهاد كقوله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }(1) وبيان ذلك أنه " كان قبل الهجرة مأمورا بالصفح عن المشركين وبالإعراض عنهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن لتكون لله عليهم الحجة سياسة الهية وحكمة بالغة وبعد الهجرة أمر بقتالهم حيث لم تنفعهم الموعظة ولا الذكرى فنزل في الإعراض والصفح آيات كثيرة منها لكم دينكم ولي دين ومنها واعرض عن المشركين ومنها وجادلهم بالتي هي أحسن وغير ذلك من الآيات وجميعها دال على ترك القتال ثم نزل الأمر بالقتال فنسخ جميع الآيات الدالة على تركه . والله أعلم .

الفرق بين النسخ وبين ابتداء الشرع

السؤال :
إزالة الحكم العقلي بالحكم الشرعي كما قال في شرح البيت من
" الطلعة " وصح نسخ الحكم قبل الفعل، فأما الشروط المتفق عليها كون الناسخ والمنسوخ حكمين شرعيين، فإن العجز والموت كل منهما يزيل التعبد الشرعي مع أنه لا يسمى ذلك نسخا وكذلك إزالة الحكم العقلي بالحكم الشرعي لا يسمى نسخا .

الجواب :
اعلم أن للعقل أحكاما، فإنه يحكم على المعدوم ببقائه في حكم العدم حتى يصح وجوده، وعلى الموجود ببقائه في حكم الموجود حتى يصح عدمه وإن جوز التغير في الطرفين، وذلك هو الذي يسمى عندهم باستصحاب الأصل فإذا حكم العقل بثبوت شيء أو عدمه ثم نزل الشرع بخلافه فلا يسمى ذلك نسخا بل ابتداء شرع، لأن النسخ إزالة حكم شرعي بحكم شرعي، وهذا إزالة حكم عقلي بحكم شرعي، فقد خالف حد النسخ .
مثال ذلك أن العقل يحكم بعدم وجوب الزكاة لأن المال لمالكه ثم نزل الشرع بوجوبها، وكذلك يحكم العقل بتساوى الأيام في الإفطار والصيام ثم نزل الشرع بوجوب صوم شهر مخصوص فهذا وما أشبهه ابتداء شريعة لا نسخ والله أعلم .

ارتكاب المحرم على جهل منه بتحريمه

السؤال :
من ارتكب المحرم على جهل منه بتحريمه كأن أكل لحم خنزير على جهل منه بتحريمه، وإن أكله على جهل منه بذاته مع الجهل بتحريمه أو العلم ولم يهتد للسؤال عنه بعينه والتوبه منه بعينه، وإنما هو معتقد للسؤال عن كل ما لزمه السؤال عنه والتوبة من كل ما لزمه التوبة منه، ولم تكن توبته على الشريطة منه بعينه ولكن تلك نيته وعقيدته، ثم مات على هذا يهلك أم لا ؟ وهل فرق بين أن يكون واجدا للمعبرين أو لا فرق في ذلك أم لا ؟
الجواب :
في هذا اختلاف فمنهم من قال تجزئه التوبة في الجملة إذ لا طاقة له بعلم ما لم يعلم والله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، والحجة في المحرمات عند هؤلاء كالحجة في الأعمال سواء بسواء وكما لا تلزمه الصلاة إلا بعد قيام الحجة بها وهى العلم الخاص كذلك لا يلزمه ترك المحرم بعينه إلا بعد قيام الحجة بتحريمه، ومنهم من ألزمه التوبة عنه بعينه ولم يعذره يجهله، وفرق بين الترك والعمل وقال إن الترك مقدور عليه مع الجهل دون العمل فإنه لا يمكن فعله إلا مع العلم به، ثم أنه تعالى لم يعذر الجاهل وإنما وجب عليه السؤال بقوله عز من قائل { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }(1) ومنهم من عذره عند عدم المعبر وشدد عليه عند وجوده لأنه يكون عند وجوده قادراً على العلم والترك بخلافه عند عدمه حيث انسد عليه باب العلم وطلب المجهول محال، فهذه ثلاثة أقوال :
والأول هو الموافق لظاهر الكتاب والسنة واللائق بسعة الرحمة والمطابق لمقتضى الحكمة فإنه سبحانه وتعالى مدح المؤمنين بقوله :
{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون }
(1) فيؤخذ من آخر الآية العفو عنه عند عدم العلم وفي الحديث عن أنس سمعت رسول الله " يقول : " قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى، يا ابن آدم لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " وعن ابن مسعود قال رسول الله " " من قال استغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف "ففى هذا ما يدل على ثبوت التوبه الإجمالية وكذلك الحديث الأول، ولا يشكل عليك قوله ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا...الخ فإن التوبة الإجمالية لا تجزئ مع الشرك وإنما تجزئ عند الإسلام والمغفور بها ذنوب المسلمين لا ذنوب المشركين والله أعلم .
تسمية الفرض واجباً

السؤال :
عما يوجد في شرح النونية والفرض ما ثبت بدليل نطقى كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة بقوله تعالى { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن }(2) أو بدليل ظنى كخبر الواحد فهو الواجب كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بحديث الصحيحين " لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب " فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة بخلاف ترك القراءة ثم قال وهذا الخلاف لفظى أهـ .
الجواب :
ليس هذا من مذهبنا ولا مذهب الشافعية وإنما هو مذهب الحنفية فلعل الكلام في شرح النونية منسوبا إلى الحنفية في أوله ثم عطف عليه ما ذكرت، راجع الكتاب فإنه لم يحضرنى عند كتابة الجواب، وأنا لا أشك أنه من مذهب الحنفية وإنما ألتمس العذر للشارح فقط والخلاف في تسمية الواجب فرضا هو اللفظى دون فساد الصلاة بترك الفاتحة .
وقد ذكرت الخلاف في تسمية الواجب فرضا في الركن الأول من القسم الثانى من طلعة الشمس فراجعه، وبسطته كل البسط في الجزء الثالث من المعارج .
وقوله الفرض ما ثبت بدليل نطقى المعروف عندهم ان الفرض ما ثبت بدليل قطعى وهو أخص من النطقى إذ قد يكون نطقيا غير قطعي كخبر الواحد والعموم والمطلق فإن مدلولهما على العموم والإطلاق ظنى عندنا .
وقوله فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة بخلاف ترك القراءة هذا غير مسلم حتى على قاعدة الحنفية في الفرق بين الفرض والواجب فإن الخلاف في هذا الفرق لفظى كما قال فلا معنى لتفريع المعانى عليه .
ثم إن الإثم إنما يلحق العاصى لعصيانه ولا شك أن الصلاة طاعة فمن عصى فيها فقد سلك بها غير وجهها فليست حينئذ بصلاة ولكنها معصية أيكون مطيعا عاصيا متقربا إلى الله تعالى بفعل ما نهاه عنه على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام كلا ليس هذا بمطيع، ومن الله التوفيق والعلم عند الله .

الأخذ بأقوال العلماء في المختلف فيه

السؤال :
هل يجوز للضعيف الأخذ بقول من أقوال العلماء بشيء اختلف فيه إذا لم يدر الأعدل منها ؟ وهل يجوز أن يعمل حينا بقول ويعمل تارة بقول آخر ؟ وهل إذا كانت من حقوق الله وحقوق عباده فرق ؟ علمنا مما علمك الله .
الجواب :
في ذلك اختلاف قيل عليه أن يسأل عالم زمانه فيأخذ بقوله لأنه هو دليله وهاديه ولكل قوم هاد وقيل له أن يختار قولا من الأقوال فيعمل به ويتحرى في ذلك رضا الله لا شهوة نفسه وهواه وإذا أخذ بقول اختاره للعمل فليس له أن يتركه عملا بضده إلا إذا ظهر له ضعفه ورأى أن الأرجح غيره فحينئذ يلزمه الانتقال عن الأضعف إلى الأرجح ولا بأس عليه فيما مضى من أمره فإن كان على هدى وانتقل على هدى .
وجميع أقوال المسلمين صواب وإنما وجب طلب الأعدل والأرجح التماسا للأقرب إلى الحق والأشبه بمعنى النص، ولا فرق في هذا بين حقوق الله وحقوق عباده إلا إذا كان لحق العباد مطالب أو مخاصم فإنه ليس لأحد أن يحكم لنفسه على غيره برأيه بل يرتفعون إلى الحاكم ويأخذون بقوله وبالحكم في مسائل الاجتهاد ينقطع النزاع والعلم عند الله تعالى وبه التوفيق .

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس