منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الجزء السادس-فتاوى أصول الدين
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 03-23-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



المتواتر والآحاد في السابق والحاضر

السؤال :
نبحث في قولك في مشارق الأنوار لما ذكرت تواتر الأخبار قلت إن تواتر الأخبار لا تكون في دهرنا متواترة أي هى باعتبارها الآن كلها أحادية وإنما التواتر وغيره إنما هو بالنظر مع من تقدم وجميعها الآن في منزلة الأخبار الأحادية انتهى وليس هذا لفظه ولكن على ما نفهمه من كلامك ولا وسع للمطالعة، لأنه على هذا فيكون ما ورد فيه خبر الاحاد وما ورد فيه الخبر المتواتر سواء قوة وضعفا مع كثرة ما يكون في محاورة العلماء ومعارضة بعضهم على بعض بأن ما ركن إليه قولك خبر آحاد وما قلته يقويه خبر التواتر، والآحاد والخبر غير المتواتر ليس لنا سبيل في الاطلاع اليها إلا بقول واحد وإن كان وجد في كتب عديدة فيمكن تواطؤ مثلهم على الكذب نعم وهذا مشاهد وكثير كخبر الرؤية ولكن إن لو قلنا بهذا فجميع الأخبار بمنزلة فيلزم التعارض في أخبار عديدة ولم يبن في أحاديث جمّة ناسخها من منسوخها لعدم العلم بالمتقدم منها وليس بعضها بأقوى متنا من بعض وبالجملة فانظر شرح بيتك مما جاء به تواتر الأخبار حقا فانتبه فإني أظن هذا الكلام وارداً هناك وصاحب البيت أدرى بالذي فيه هذا .
الجواب :
لم أطالع شرح البيت لضيق المقام غير أنى أحفظ المعنى الذي تشير إليه وذلك أن صاحب المرآة من الحنفية ذكر أن التواتر والآحاد إنما يكون معتبرا في القرون الثلاثة قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم فما كان هنالك متواترا فهو متواتر وماكان هنالك آحاديا فهو آحادى ولا يلزم من هذا معارضة الاحادى للتواتر فإنه إذا كان دليل أحد المختلفين متواترا في القرون الثلاثة تقاصر عن معارضته خبر الآحاد .
ولا عبرة بما صار إليه الحال في الاخبار في زماننا هذا لقلة ضبط الناقلين ولا سبيل إلى معرفة المتواتر الآن إلا ما يوجد في الكتب ولا يقطع بمدلول شيء فيها إلا ما أطبقت الأمة على نقله عن رسول الله " فكل حديث اتفقت الأمة على أنه عن رسول الله " ولو نقلته بالمعنى بمدلوله وكل خبر ليس على هذا الوصف فلا نبلغ به درجة القطع .
وبالجملة فالمتواتر لا يختص به أحد دون أحد بمعنى أنه لايكون متواترا وبعض الأمة تنكره فإن ظهر فيها الانكار عن بعض الأمة كان ذلك دليلا على كونه غير متواتر والله أعلم .

تأويل ( الوجه ) في صفات الله

السؤال :
الوجه في قوله تعالى { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }(1) أن وجهه هو ذاته فكان عندهم هذا من تسمية الكل باسم الجزء فإن اعترض معترض ان قولكم هذا يقتضى التجزؤ تعالى الله عن ذلك حيث قلتم من تسمية الكل باسم الجزء وانتهى تفضل بالجواب .
الجواب :
هذا الاعتراض غير مسموع لأن مفهوم الالفاظ لا تصدق عليه تعالى فاطلاق الوجه على جميع الذات في حق غير الله تعالى من إطلاق اسم الجزء على الكل وإذا صح هذا الإطلاق في حق المخلوق لم يمتنع إطلاقه في حق الغير أيضا وبيان ذلك أنه إذا ثبت التجوز في هذه اللفظة فلا مانع من اطرادها حيث لا كل ولا جزء .
وحاصل المقام أن صفاته تعالى إلا بالألفاظ المعروفة عند الناس فعبر عنها بالالفاظ المعروفة فما كان حقيقة ثبت حقيقة وما كان من الألفاظ مجازا ثبت مجازا وصحة التجوز العلاقة المعهودة في حق غير الله تعالى .
وبالجملة فلا يتوقف التجوز في الالفاظ على وجود مفهوماتها بل إذا صح المجاز في موضع لعلاقة صح في غير ذلك الموضع لتلك العلاقة ما لم يمنعه مانع والله أعلم .

حكم من زعم دخول الملائكة الجنة

السؤال :
مما وقع من المسائل أن بعض الأصحاب زعم إن الملائكة من أهل الجنة فقال له عبيد : من زعم مثل زعمك هذا وأن جزاء أعمال الملائكة الجنة فهو كافر فان لم تتب فأنت كافر فسأل عن هذا الوالد فقال قيل بذلك ولا أرى تكفيره على كلا القولين ما لم يعتقد قوله ذلك دينا فيخطئ من خالفه في ذلك انتهى .
قال السائل :
فعلى ما نقلوا فما أرى وجه قول الأصوليين لا يجوز أي عقلا أن يكون أمر ونهى ولا ثواب ولاعقاب فلا شك أن الملائكة مأمورون منهيون فإن لم يكن لهم ثواب فقد وجد الأمر والنهى ولا ثواب فإن كان الجزاء جاء من أجل التكليف الذي هو المشقة فينبغى أن يقال لا يجوز أن يكون تكليف بأمر ونهى ولا جزاء وهذا غير ظاهر في كلامهم لأجل تعليلهم أنه لو لم يعاقب على فعل المنهى عنه وعلى ترك المأمور به لصار مباحا أي جائز الترك والفعل ولعل مراد أهل الأصول غير هذا فلم تصل إليه القرائح فانظر فيه .
الجواب :
أما ما قاله عبيد فلا أعرفه والخلاف الذي حكاه الشيخ لا أحفظه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وعلى تقدير ثبوت الخلاف فلا يصح التكفير في المسألة على كل حال ما لم ينصب أحد المختلفين رأية دينا يخطئ عليه من خالفه فإن انتهى إلى هذه الحالة كفر بجعل الرأى دينا وتخطئه من خالفه من المسلمين ويكون كفره بذلك كفر نعمة وهو المخصوص باسم الفسق عند المعتزلة .
وما ذكروه لا ينافي قول الأصوليين باستحالة التكليف الا مع المثوبة والعقوبة أو أحداهما لأن الثواب والعقاب غير منحصرين في الجنة والنار للعاصين من البشر والجن وأما الملائكة فقد قيل أن ثوابهم ما يناسب أطباعهم لا أنه أكل وشرب وجماع وغير ذلك من الأحوال الموافقة لأطباع البشر والجن والله أعلم .

حكم العصاة من الأمة إذا ذكروا الله

السؤال :
حديث " أوحى الله إلى موسى عليه السلام قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة " أيكون الحديث خاصاً بتلك الأمة أم يتناول أمة نبينا محمد " لقوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين }(1) ولقد رفع لي بعض من أثق به أن امرأة سألت عن أبيها فقالت هو يلعن نفسه فوجد يقرأ القرآن العظيم . تفضل ببيان ذلك ؟
الجواب :
إن صح هذا الخبر عن الله تعالى فهو يتناول جميع الأمم ولا يختص بأمة دون أمة لأن الله تعالى لا يبدل القول لديه والأخبار لا يمكن نسخها وصفات الله لا تتبدل .
ويمكن أن يقال إن ذكر العاصي باللعنة اخبار خاص بالعصاة من أمة موسى عليه السلام لقوله في أول الحديث قل لعصاة أمتك ثم قال في آخره فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة فيكون هذا الضمير عائداً إلى العصاة من أمة موسى وأن الخبر الذي لا يجوز نسخه ولا يصح تبديله هو ما في قوله فإني آليت أن من ذكرني ذكرته فيكون الذكر في حق العصاة من غيرهم مجملاً وفي حقهم معلوماً أنه باللعنة .
ولقائل أن يقول أن هذا التخصيص غير مناسب للأحكام فإن حكم الله في العصاة من جميع الأمم واحد فيجب أن يتساوى في ذلك .
ويمكن الجواب بأن حكم الله المتحد في العصاة هو حكمه عليهم في الآخرة دون احكام الدنيا فإن احكام الدنيا تختلف تخفيفاً وتشديداً ألا ترى أنه جعل توبة العاكفين على العجل قتل أنفسهم وحرم ذلك على هذه الأمة .
وبالجملة فيحتمل أن يكون الذكر باللعنة خاصاً بأولئك العصاة وأن يكون عاماً لهم ولغيرهم من سائر الأمم .
وأما قول المرأة في أبيها أنه يلعن نفسه فمرادها أنه يقرأ قوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين }(1) { ألا لعنة الله على الكاذبين }(2)
{ أولئك الذين لعنهم الله }
(3) { أولئك عليهم لعنة الله }(4) ونحو ذلك من الآيات فإنها جعلت القارئ لذلك في منزلة اللاعن لنفسه إذا كان من أهل تلك الصفة . والله أعلم .

معنى تطويل العمر

السؤال :
ما ذكره في المشارق من كلام عبد االعزيز في معنى تطويل العمر من أنه يمكن أن يكتب في صحف الملائكة أن عمر فلان كذا وهو في علم الله مقيد بما إذا لم يفعل كذا أو أنه إن فعل ذلك طال عمره إلى كذا . لم يتضح لي معنى هذا الكلام لأنه يقضي إلى اختلاف الأخبار ولقائل من الأشاعرة أن يقول لا فرق بين أن يخبرنا أو يخبر الملائكة بتخليد الفساق ويكون في علم الذي لم يطلعنا عليه أن لا عذاب أو لا خلود ونحن لا نشك إن أخبر به الصادق لا يكون خلاف ما أخبرنا ففسر لنا ذلك .
الجواب :
أما الذي ذكره عبد العزيز من الاحتمال في تطويل الأجل فليس هو اخبار عن الله تعالى بنفس الواقع وإنما هو كتابة الشيء المقيد مع اهمال القيد وقد وقع منه في القرآن كثير فإنك ترى آيات الوعد والوعيد مطلقة في مواطن كثيرة وهي في خكم الله مقيدة وقد ذكر القيد في آية أخرى والاطلاق كما في قوله تعالى { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً }(1) وقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمداً }(2) الآية فإن هذا وأمثاله من الآيات مقيد بما إذا لم يتب كما يدل عليه قوله تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن }(3) وبالجملة فقد يثبت الحكم مطلقا في موضع ومقيدا في آخر ولا يلزم من ذلك اختلاف الأحكام بل يحمل مطلقها على مقيدها فكذلك ما في صحف الملائكة ما يثبت مطلقا وهو عند الله مقيد فلا يكتب في صحفهم القيد ابتلاء لهم .
هذا توضيح المنقول عن عبد العزيز وفيه نظر لا يخفى فالحق أن الأخبار عن الله تعالى إذا كتبت أو نقلت بلسان الوحي فأنا نقطع بصدقها فإن نقلت مطلقة قطعنا باطلاقها أو مقيده فكذلك ولا يصح غير هذا وإلا لالتبس الصدق بالكذب والحق بالباطل واليقين بالشك فأما اطلاقات القرآن في الوعد والوعيد فإن لم ترد كذلك إلا بعد استقرار القيده وبعد التيقن بقبول التوبة فهم يفهمون أن الاطلاقات متوجهة على أهل تلك الصفة إن لم يتوبوا منها وليس استقرار القيد في الأذهان كاخفائه عن العيان والله أعلم .

الفرق بين الضدين والنقيضين في صفات الله تعالى

السؤال :
ما في " مشارق أنوار العقول " في النقيضين والضدين أن الضدين لا يجتمعان ويرتفعان والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فهما إذاً أقوى من الضدين ووجدنا عنك وعن غيرك في الصفات السبع أن الله حي مريد سميع بصير عليم قدير أن هذه المذكورة كل واحدة تنفي ضدها وعبر هنا بالضد فلا ارتفاع بلا ثبوت واحدة وهي الحياة والقدرة والعلم والإرادة وفي " الوضع " : ومتكلم ليس بأخرس إلى أن قال : الأشاعرة المعتزلة في هذا المعنى فتوقف بعضهم ورجع بعضهم إلى قول الأشاعرة إلى أن قال : وتفطن لها أحدهم فأجاب منتصراً أن الكلام نقيضه الخرس لا ضده إلى أن قال الضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والنقيضان لا يجتمعان ويرتفعان وأن المتكلم يكون ساكتا وهو قادر على الكلام فهنا سماه نقيض الكلام وعبر عنهما أنهما لا يجتمعان ويرتفعان فما وجه هذا الكلام ؟ وهل هو مخالف لقولك : النقيضان هما الذان لا يرتفعان ويتعاقبان وكذلك صاحب جمع الجوامع وصاحب شرع الوضع قال : النقيضان لا يرتفعان والضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان . بين لنا ذلك .
الجواب :
قد وقفت على كلام محشي الوضع في الضدين والنقيضين قبل أن أؤلف المشارق بزمن طويل، وقد راجعت النظر فيه والتمست له شيئاً يوافقه من أقوال أهل الفن فلم أجد له موافقاً، ويحتمل أنه بنى على اصطلاح لم نقف عليه وعامة العلماء على ما ذكرته في المشارق .
وقد قال الجرجاني في التعريفات : الضدان صفتان وجوديتان يتعاقبان في موضع واحد، يستحيل اجتماعهما كالسواد والبياض . وقال المرشدي : التضاد تقابل بين أمرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد بينهما غاية الخلاف، كالبياض والسواد في المبصَرات، والهمس والجهر في المسموعات، والطيب والنتن في المشمومات، والحلاوة والمرارة في المذوقات، والملاسة والخشونة في الملموسات، وكالتحرك والسكون، والقيام والقعود في المفعولات . قال الجرجاني : والفرق بين الضدين والنقيضين أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود، والضدين لا يجتمعان ولكن يرتفعان كالسواد والبياض " اهـ " .
ومعنى قولهم " يرتفعان " أى يمكن ارتفاعهما وإن لم يرتفعا بالفعل وأما صفات الله تعالى الذاتية فإنها دالة على نفي أضدادها لأن ضد الكمال النقصان، وضد العلم الجهل، وضد القدرة العجز، وضد الكرم البخل، وضد الحكمة العبث، وهكذا وأنت خبير أن العلم والجهل تضاد لا تناقض فإنهما لو كانا في غير الله لأمكن ارتفاعهما معاً فلا يوصف الفرس بأنه عالم لا جاهل، وكذا الأسد وسائر الحيوانات، وإنما وجب ثبوت العلم لله تعالى من حيث إنه تعالى كامل الذات والصفات فوجوب العلم هنالك لأمر آخر غير معنى الضدين وكذا القول في سائر الصفات .
وأضرب لك مثالاً يقرب لك المعنى فإنهم قالوا : إن الخير ما احتمل الصدق والكذب لذاته، فكل كلام احتمل ذلك فهو خبر، وأنت خبير بأن اخبار الله تعالى واخبار أنبيائه لا تحتمل الصدق والكذب لوجوب القطع بصدق المخبر ولم يخرجه ذلك من تسميته خبراً، فكذا العلم في حق الله تعالى واجب ولم يخرجه عن كونه ضداً للجهل فتفطن له فإنه بحث دقيق ومعنى لطيف والله أعلم .


وجوب الولاية وعدم وجوب تبادل الولاية

السؤال :
المتولى هل يسعه إن لا يتولى المتولى وليس في عصر الإمام العدل ؟
الجواب :
للولاية أسباب إذا حصلت في شخص تامة وجبت له ولا تتوقف على عصر الأئمة لوجودها في كل زمان، ولا يلزم كل أحد أن يتولى من تولاه فإن الأئمة العادلين وعلماء المسلمين تجب ولايتهم على الخاص والعام والطائع والعاصي وأنت خبير بأنهم لا يتولون جميع من تولاهم بل لا يتولون إلا من استحق الولاية عندهم والله أعلم .

نزول عيسى مع ختام النبوة بمحمد "

السؤال :
قول رسول الله " : " لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم " قال السائل ووجدت في جامع الشمل : من اشراط الساعة خروج االدجال وينزل النبي عيسى عليه السلام في عصره فكيف معنى الحديثين أم بينهما تنافٍ ؟
الجواب :
لا تنافي بينهما إن صح الخبران معاً لأن نبوة عيسى عليه السلام كانت قبل محمد " وأن نزوله آخر الزمان علامة للساعة لا لتجديد النبوة وقد قيل أنه يحكم بشرع محمد وعلى هذا فلا اشكال لأنه يكون بمنزلة عالم من علماء الأمة، ويؤيده حديث " لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي "
وأما خروج يأجوج ومأجوج فقد دلت عليه ظواهر الآيات منها قوله تعالى { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج }(1) ومنها في ذلك
{ فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا }
(2) ومع ذلك فليس يأجوج ومأجوج أمة بعدنا لأنهم لا يقومون في أرضنا بل يرسلون إلى الدنيا ويكون ذلك من مقدمات الحشر .
واعلم أن الحديث في نزول عيسى عليه السلام لم يثبت عند المشارقة لكن أولى بما رووا وليس لمن لم يسمع أن يكذب من سمع ولا من قال أنه سمع لا سيما وقد ثبت ذلك عند أشياخنا المغاربة وأن للعلم عندهم حمله عن الثقات العلماء كما أن لأهل المشرق كذلك، وقد ينفرد أحد الحاملين بشيء لم يسمعه الآخرون لا سيما وأن عندهم مسند أبي صفرة عن ضمام عن جابر بن زيد وهذا المسند لا يوجد عند المشارقة بل الموجود مسند الربيع عن أبي عبيدة عن جابر وقد انفرد كل واحد من المسندين بفوائد ونحن نقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير والله أعلم .

تعريف المنافق

السؤال :
حد من يستحق أن يطلق عليه اسم المنافق هل بالكبيرة يستحق ذلك إن لم يتب منها أم لا ؟
الجواب :
نعم يستحق عندنا اسم المنافق بفعل الكبيرة لقوله " : " آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان " وكل واحدة من هذه الأشياء كبيرة .
وأما قومنا فإنهم يخصونه بمن أخفى الشرك وأظهر الإسلام ونحن نطلقه على هذا الصنف وعلى من خالف عمله واعتقاده فإطلاقنا أعم وهو مطابق لحكم الشرع وموافق للأحوال المعلومة في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، وقد قال عمر لرسول الله " دعني أضرب عنقه فقد نافق، يقول ذلك في حق رجل لا تظهر منه إلا كلمة وتخصيص قومنا موافق لمقتضى اللغة . والله أعلم .


ارسال النبي مع الله على برسم إلى الملائكة أيضا

السؤال :
ما وجد في المشارق أن في ارسال النبي " إلى الملائكة قولين فلا أعرف برهان المثبت الرسالة ولا الذي أرسل به إليهم، فضلا أوضح لي ذلك لأطلع على سره بعد أن كنت جاهلا به .
الجواب :
وجدت الخلاف على ذلك فنقلته كما وجدته ولم أطلع على حجج المختلفين، ولعل القائلين بإرساله إلى الملائكة أيضا يحتجون بعموم رسالته وأن الملائكة قد أمروا بنصرته وقاتلوا معه يوم بدر وشهدوا يوم حنين وأفزعوا يوم الخندق وزلزلوا االحصون على بني قريظة فهم من جملة انصاره وأعوانه، ولعل رسالته إليهم على هذا القول كانت ايصاء بطاعة الله تعالى وتحريضا لهم على امتثال الأوامر والوقوف دون المناهي وهم عليهم السلام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . والله أعلم .

مصير حفظة العبد من الملائكة بعد موته

السؤال :
الحفظة الكرام بعد موت المحفوظ أيبقون بعده وأجلهم في علم الله أم فناؤهم بفناء المحفوظ ؟ وإن كان الأولى الوقوف عن هذا السؤال عرفني ذلك جزاك الله خيراً ؟
الجواب :
فناء الملائكة إنما يكون عند النفخ في الصور لا قبل ذلك حتى قيل أن فنائهم دفعة واحدة وقيل بل متفاوتون . والله أعلم أين يذهبون وفي حديث عن أنس وأبي سعد أن النبي " إذا قبض الله روح عبده المؤمن صعد ملكاه إلى السماء قالا ربنا وكلتنا بعبدك المؤمن نكتب عمله وقد قبضته إليك فأذن لنا أن نسكن السماء فقال سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحونني، فيقولان ائذن لنا أن نسكن الأرض فيقول أرضي مملؤة من خلقي يسبحونني، ولكن قُوما على قبر عبدي فسبحاني وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة واكتباه لعبدي . وزاد في رواية من طريق آخر وأما العبد الكافر إذا مات صعد ملكاه إلى السماء فيقال لهما ارجعا إلى قبره وألعناه والله أعلم .

أقوال المخالفين في المذهب

السؤال :
الأقوال التي ذكرها أهل المذاهب عن المخالفين في المسائل الدينية ما عدا الرؤية والخلود وصفات الذات الأخذ والعمل بها، أفدنا جزاك الله خيراً ؟

الجواب :
لا يخلو ذلك إما أن يكون موافقا للحق أو مخالفا له فالحق مقبول والباطل مردود .
واعلم أن الخلاف بيننا وبين قومنا غير منحصر فيما ذكرت بل خالفوا في كثير من أصول الدين وقد ذكر أصحابنا عنهم ذلك وبينوا باطله { فماذا بعد الحق إلا الضلال }(1) وإن كنت تريد مسائل الرأي فإن الرأي من أهله مقبول فإذا ذكره أصحابنا عنهم وصوبوه أو استحسنوه جاز الأخذ به لأنه رأى للمصوب أو المستحسن، وإن ذكروه على جهة الانكار لم يجز الأخذ به، وإن ذكروه وسكتوا عنه فمحمول على قاعدة الناقل، فإن كان من عادته السكوت في كل موطن فلا يجوز الأخذ به إلا لمن عرف حقه وإن كان من عادته انكار المنكر ورد الضعيف فالسكوت حيث يرضى فهو في حكم الأقوال المسكوت عنها الموجودة عن أصحابنا والحق تثلج له الصدور ويطمئن له القلب والله أعلم .
من قال ما يوهم نفاد رحمة الله

السؤال :
من قال اللهم صلّي على محمد حتى لا يبقى من صلاتك شيء هل هذا جائز أم لا ؟
الجواب :
لا يجوز ذلك ولا يصح، لأنه يوهم أن لصلوات الله غاية وأن رحمة الله تنفد وهو خلاف قوله تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله
باق }
(1) وفضل الله عظيم ورحمته واسعة، وأخشى على هذا القائل أمراً عظيماً والله أعلم .

حكم التحول إلى مذهب المشبّهة

السؤال :
من صبأ منا ـ والعياذ بالله من ذلك ـ إلى المشبّهة، هل لنا قتله مع القدرة عليه بناء على هذا القول بتشريك المشبهة ولا ينفعهم تسترهم بالتأويل إذا صح منهم تشبيه المولى جل وعلا، وأخذا من عموم قوله عليه الصلاة والسلام " من بدل دينه فاقتلوه " أم ليس لنا ذلك ؟ وذلك خاص بالمشركين من أهل الكتاب إن ارتد المسلم إلى دينهم بعد اسلامه ولا شك أن الذين ذكرتهم لك مشبهة .
الجواب :
لا يجوز قتله بذلك، وليس هو كالمرتد إلى الشرك فإنه وإن قيل بتشريك المشبّهة فإنما هو قول مبني على محض الاجتهاد، وقد قال محبوب بغير ذلك .
وعلى كل حال فليس المختلف في شركه كالمجتمع عليه، وأن الأمه قد اختلفت بعد نبيها وأن منهم المشبه الصريح في التشبيه، ولم نعلم أن أحدا من الأمة على اختلاف مذاهبهم حكم فيه بحكم المرتد إلا أن تكون الأزارقة ومن كان على رأيهم من الخوارج، ولا عبرة بهم فإنهم يحكمون بأحكام المشركين . والله أعلم .

حكم من قال ‘‘ لا إله ‘‘ للتعجب

السؤال :
جهال زماننا إذا تعجبوا من أمر، أو استعظموا علما قالوا " لا اله " أيخرجه هذا من الإسلام إلى الشرك ؟ وما الواجب على من سمع أحدهم يقول ذلك إذا كان هذا القائل غير معتقد لنفي الألوهية ؟
الجواب :
اختلفوا في ذلك فمنهم من شرك القائل حكما عليه بمقتضى لفظه، ومنهم من أحسن الظن به لعلمه أنه لا يريد حقيقة اللفظ ولكونه في الأصل مسلما ويجرى عليه أحكام المسلمين فتحمل ألفاظه على مقتضى حاله فيكون قد قال " إلا الله " بالباطن .
والواجب على من سمعه أن ينكر عليه إذا قدر لأن القول بذلك منكر اجماعا، وإنما اختلفوا في صورة الحكم عليه بالتشريك لا في جواز النطق به، وإن الشيطان يلهم الجهلة خصال الشرك من حيث لا يعلمون فيهلكهم مع الهالكين { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(1) أعاذنا الله والمسلمين من شره . والله أعلم .

حكم ولاية علي وعثمان ومعاوية ( رضي الله عنهم )

السؤال :
حكم من صوب المخالفين أهل المذاهب الأربعة في ولايتهم لعلي وعثمان ومعاوية جهلا منه وغرورا بما وجده عن عدو الله دحلان من الحمية والعصبية لمذهبه العاطل ومعتقده الفاسد الباطل، وهل هذا منه رجوع عن معتقده إذا كان معتقدا قبل ذلك عداوتهم ؟ وهل يسعه عدم الجزم بمعتقد الأباضية الوهبية فيهم ؟
الجواب :
لا يحل لأحد تصويب هولاء المخالفين فيما خالفوا فيه المسلمين من أمر الدين فمن صوبهم على ذلك فهو منهم وحكمه حكمهم { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }(2) ورأس الولاية التصويب وعليه أن يتولى المسلمين وأن يعتقد أنهم على الحق في ولايتهم لأوليائهم وبراءتهم من أعدائهم وليس الاغترار بقول دحلان على رسول الله " خصوصا في حضرة مذهبهم فإنهم يدعون ذلك قربة ويحتسبونه في الآخرة ولقد رأيت في سيرة دحلان نوعا من الكذب لم يسبقه إليه أحد فيما علمت فليأخذ المرء حذره { ولا تسألون عما كانوا يعملون }(1) والله أعلم .

رخص دعوى سقوط التكليف عن المكاشفين

السؤال :
ما يوجد في كتاب الدليل والبرهان : " فمن بلغ إلى هذه الدرجة زال العمى عن بصره والغطاء عن قلبه حصل في علم المكاشفة وهو العلم الذي فاق علم المرسلين والملائكة المقربين والأنبياء أجمعين، فأسألك سيدي هل يبلغ علم النبيين والمرسلين أحد ؟ وهل يحصل لأحد في زماننا العلم الذي يجوز له ما يجوز للخضر عليه السلام وترتفع عنه الأحكام الظاهرة ؟ وإذا بلغ هذه المنزلة تنحط عنه جميع الأحكام الشرعية ؟ وربما اطلعت عليها فاكشف لنا عن نقابها، فإن في هذه المسألة ما يوهم أن كل من بلغ هذه االدرجة يكون كذلك وأنها ليست مقصورة على أحد معلوم . وقال بعض في كلامه : فإذا بلغ هذه المنزلة رفع الله تعالى الحجاب بينه وبين خلقه وانكشف له الغطاء عن جميع ما أراد الله أن يحدثه أثره بعلم ذلك وخصه به . هل الخضر حي ؟ وإذا كان حيا هل يكون مخصوصا من بين خلق الله أن لا تلزمه شريعة محمد " وهو مرسل إلى الثقلين من جن وإنس ؟

الجواب :
لعل صاحب الدليل حكى هذا الكلام عن أحد من أهل الضلال، فلم تتبع أوله، فإني وجدته حكى مثل هذا المعنى في كتاب العدل والانصاف عن أهل الباطن وهم القرامطة، ولهم أسماء غير ذلك، قالوا : إذا بلغ الولى إلى معرفة بواطن الأشياء ارتفعت عنه التكاليف فلا صوم ولا صلاة ولا حرام . قالوا : ولا فرق بين هذا وبين من دخل الجنة لأنه قد بلغ من الرتبة ما لو مات فيها دخل الجنة . قالوا : ولم يمت " إلا وقد أحل الله له جميع المحرمات . قالوا : وهذه التكاليف الظاهرية عقوبة لمن لم يصل إلى معرفة العلم الباطن ويحتجون على ذلك بقوله تعالى { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب }(1) .
وقد أطبقت التواريخ أن القرامطة إنما أظهروا ذلك مكيدة للإسلام، لأن أصلهم من الفرس، فذكروا الدولة التي كانت لهم وحسدوا المسلمين على ما آتاهم الله من الدين والفتح المبين، فعملوا المكيدة وخدعوا بها قلوب الجهال من العوام، فأصابوا الغرض في بعض الأمكنة في ناس لم يبارك الله بهم، وكان ملكهم من البحرين مغربا إلى العراق ومشرقا إلى ادم، حتى قيل أن منهم العامل الذي بنزوى في زمن أبي الحوارى وقد هم بقتل أبي الحوارى فقتله المسلمون، وقد ذهبت دولتهم من عمان في عصر أبي المؤثر ولعل أول ذهابها قتل هذا العامل، وأبو الحوارى قد أخذ عن أبي المؤثر وعن نبهان فكأنهم في عصر واحد .
وإذا عرفت أن هذا مذهب الباطنية وأنه عمل مكيدة للإسلام تبين لك من أول وهلة بطلانه . ومن ذا الذي يدعى علما فوق علم النبيين والملائكة المقربين ؟ والله تعالى يقول { فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول }(1) .
أما الخضر فقيل : إنه نبى، وقيل : إنه ولى . وعلى القولين فقد اختصه الله بالعلم اللدنى اتفاقا فمن أين لغيره مثل ما له ؟ وقد اختصه الله بأحكام وشريعة في خاصة نفسه دون شريعة موسى، وذلك مما يؤكد القول بنبوته إذ ليس للولى أن يخالف النبي .
ثم اختلف في بقائه إلى اليوم فقيل : انه حي، وقيل غير ذلك وعلى القول بحياته فيكون من جملة المكلفين بشرع محمد " لأنه من جملة المبعوث إليهم أو يكون مختصا بشرع في خاصة نفسه كما اختص بذلك في زمن موسى، على أن موسى قد بعث إلى الكافة أيضا، ولا بعد في هذا فإن الملائكة مختصون بأحكام في أحكام التكليف تخالف أحكامنا فلا يبعد أن يكون الخضر مثلهم .
هذه مجرد احتمالات ولا دليل على شيء منها وقولنا قول المسلمين ورأينا رأيهم، على ذلك نحيا وعليه نموت، وعليه نلقى الله غدا إن شاء الله والله أعلم .

داود وسليمان نبيان رسولان

السؤال :
داود وسليمان عليهما السلام هما نبيان أم رسولان ؟ وإذا كانا رسولين فما الدليل على رسالتهما ؟
الجواب :
نعم هما نبيان رسولان عليهما وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام، والدليل على ذلك قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل، وآتينا عيسى بن مريم البينات }(1) ومن المعلوم أن أشهر الرسل ما بين موسى وعيسى داود وسليمان، وأما داود فقد أرسل إلى الكافة بالسيف وسليمان خليفته .
والفرق بين النبي والرسول أن النبي انسان أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بالتبليغ فهو رسول أيضا . والله أعلم .

المفاضلة بين القرآن ونبينا عليه السلام

السؤال :
قد كثر القيل والقال وطال الجدال في ترجيح الأفضلية بين القرآن ونبينا عليه السلام من الأفضل منهما ؟ ولا طائل تحت ما قالوه، ففضلا منك أن تبين لنا وجه الأفضلية بينهما .
الجواب :
لم يشتركا في الصفات حتى يميز الأفضل من غيره، بل اختص كل واحد منهما بصفات لم تكن في الأخر، فللقرآن صفات الكلام الكاملة وللنبي " صفات الإنسانية الكاملة، وقد وصف ربنا تعالى كل واحد منهما بصفات أقسم عليها فقال في حق نبينا " { إنك لمن
المرسلين }
(1)، { وإنك لعلى خلق عظيم }(2)، وقال تعالى في حق القرآن { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون }(3) .
وإن أردت علو الدرجة وعظم المنزلة عند الله فلا شك أن القرآن إنما أنزل معجزة لمحمد " فهو بعض معجزاته وبعض آياته وذلك يقتضي أن يكون حسنة من حسناته وكرامة واحدة من كراماته وناهيك أنه أنزل لأجله .
وقل لمن فضله على محمد " يلزمك أن تفضل ناقة صالح عليه وأن تفضل عصا موسى عليه وأن تفضل سفينة نوح عليه وهكذا يلزم في جميع المعجزات .
فإن قال : إن القرآن كلام الله قلنا وكذلك وصف الله الناقة فقال ناقة الله وسقياها فالإضافة كالإضافة والكل للتشريف .
وإن قال : إن الكلام صفة من صفات الله وليست الناقة كذلك قلنا الكلام الذي هو صفة من صفات الله نوعان صفة ذات وهي شيء غير القرآن، وصفة فعل وهي الكلام المنزل ومن جملته القرآن وهذا النوع والناقة وغيرها من جميع المخلوقات مشتركة في كونها مفعولة لله وإن فضل بعضها بعضا .
ويدل على تفضيله " قوله تعالى { ورفعنا لك ذكرك }(1) وذلك أنه قيل أنه قرن ذكر محمد بذكره في كلمة الشهادة وفي الأذان وفي التشهد فهذا يدل على أن ذكره " بمنزلة لفظ القرآن لأنه قد رفع ذكره كما رفع ذكر القرآن فكيف شخصه الكريم " .
هذا ما حضرني وأستغفر الله من مخالفة الحق وأتوب إلى الله مما خالف رضاه .

عدم تبدل المقضي في الأزل

السؤال :
عما يوجد في الأخبار أن عيسى بن مريم عليه السلام مر على رجل يبكي على قبر وقال هذا قبر زوجتي، وبالجملة سأله أن يحييها بإذن الله، ففتح على القبر فإذا هو برجل أسود فصح أنه كان من أهل النار، فسأل عيسى أن يسأل الله تعالى ليحييه ويعمل بالطاعة فسأل الله عيسى فأعطى، فعمل عمل أهل الخير، والمرأة بالعكس كانت على خير فلما أحييت عملت عمل أهل النار، فأخبرنا هل الذي يحييه عيسى عليه السلام يبقى ويعيش ويولد له أم يموت من حينه ؟ وهل رزق في الدنيا لمن مات ؟ وكيف تبديل الخواتم أم هذا لا يصح ؟
الجواب :
الخواتيم لا تبدل إنما هي وفق ما قضى الله في الأزل، فمن قضى له بالسعادة فهو سعيد أو بالشقاوة - والعياذ بالله - فشقي، ولم نعلم فيما رأينا من التواريخ والسيرات شيئا من الشرائع السابقة مخالفاً لهذه الشريعة في هذا المعنى، فهو تعالى لا يبدل القول لديه وقد قال { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا }(1) وقد رد الله إيمان فرعون وهو من الأمم السابقة بقوله
{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين }
(2) .
فعليك بالركن الوثيق والعروة الوثقى ودع عنك ما قيل ويقال من زخارف الأقوال على أن أكثر الأخبار الموجودة عن الأمم السابقة منقولة عن أحبار اليهود الموصوفين في كتاب الله عز وجل بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، وأنهم يكتبون الكتاب بأيديهم ليشتروا به ثمنا قليلا، وأنهم يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، أخزاهم الله ولعنهم وعافى المسلمين من شبهاتهم .
فإن قيل : إن اليهود لم تنقل عن عيسى عليه السلام لكونهم لم يعترفوا بنبوته، قلنا : يمكن أن ينقلوا عنه مع انكارهم لنبوته ليضلوا المسلمين بأخبارهم كما هو المعروف من أحوالهم في هذه الأمة، فإن الواحد منهم يدخل في الإسلام ليضل المسلمين . والله أعلم .

تسميته تعالى غياث المستغيثين

السؤال :
هل يصح للداعى أن يقول في دعائه يا غياث المستغيثين أم لا ؟
الجواب :
أما قول الداعى يا غياث المستغيثين فالموجود في كتب المذهب المنع، وهو مبنى على القول بأن أسماء الله توقيفية، وذلك أنه لم يثبت عندهم رحمة الله عليهم إطلاق هذا الاسم على الله تعالى من الكتاب ولا من السنة وكل ما لم يثبت إطلاقه من هناك فلا يصح أن يسمى الله به، فهو تعالى المخبر عن أسمائه مرة في كتبه وأخرى على لسان أنبيائه وليس لغيره أن يسميه باسم من عنده هذا وجه القول بالمنع .
وأقول لا بأس به لأنه قد جاء في الكتاب العزيز قوله عز من قائل
{ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم }
(1) وجاء في بعض التفسير أنهم قالوا يا رب انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا .
وفي المستغيثين قولان : أحدهما رسول الله " والمسلمون معه قاله الأزهرى، والقول الثانى رسول الله " وحده وإنما ذكر بلفظ الجمع على سبيل التعظيم، وعن ابن عباس قال حدثنى عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر النبى " إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فاستقبل نبى الله " القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه يقول اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم آتنى ما وعدتنى اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين } وهذا يؤيد القول الثانى ولا يدل على أن باقى المسلمين لم يستغيثوا بل يمكن أنهم استغاثوا أيضا وهو ظاهر الآية غير أن عمر لم يذكر إلا استغاثة النبى " .
وعلى كل حال فالغياث بكسر الغين اسم لمن فعل الإغاثة بكسر الهمزة يقال : أغاثه إذا أعانه ونصره فهو مغيث وغِياث بالكسر ولا بأس بإطلاق هذا الاسم على الله تعالى لأن مرادف لبعض الأسماء الحسنى وهو جائز عندى حتى على القول بأن أسماءه تعالى وتوفيقيه لما تقدم من معنى الآية والله أعلم .

معنى النور المحمدي قبل الخلق

السؤال :
النور المحمدى الموجود قبل خلق العالم يكون هذا النور من سيدنا محمد هل هو علامة أم يصير من شخصه عند وجوده مع كونه خلق من طين أم تكون منه ؟
الجواب :
الجواب لا أعرف معناه وإن صح فلعله نور روحه الشريف عليه الصلاة والسلام والله أعلم .

تسمية الكبيرة شركاً مجازاً

السؤال :
يوجد في " الذهب الخالص " ما نصه : الثالث عشر تجب معرفة الحريم سلب الموحد إلخ إلي أن قال ومعرفة ذلك توحيد وجهله شرك وأمثالها كثير ما يوجد في كتاب الذهب، وقال في موضع آخر ما نصه : وقد صح أن من أخر الولاية أو البراءة بعد وجوبهما فقد نافق فإنهما طاعتان واجبتان إلا إن كانتا من المنصوص عليه فهما توحيد يشرك قاركهما إذا وجبتا اهـ ما معنى هذا الإشراك فإن قلت لكونه صادم النص فمفهوم إن كان المنصوص عليه سقط الذي يطلق عليه إن طاعته توحيد وإن كان قولهم توحيد يطلق على غير المنصوص بقي الإشكال، وقوله في المسألة الأولى معرفة ذلك توحيد وجهله شرك وأمثالها ما حكم هذا الجاهل تجرى عليه أحكام المشرك كما نص عليه صاحب النونية أم ارتكب خصلة شرك ولا تجب عليه أحكام المشرك في مواضع كثيرة ؟ وما معنى التوحيد هنا ؟
الجواب :
إذا عرفت اصطلاح المغاربة رحمهم الله في باب التوحيد سهل عليك هذا الأمر وانزاح عنك هذا الإشكال وذلك أنهم يسمون الكبيرة من كبائر العقائد المعلومة بالنص القاطع شركا جزئيا ونحن نسميه نفاقا، والخلاف في اللفظ دون المعنى فإنهم لا يحكمون على صاحب ذلك الحال بأحكام المشركين بل يحكمون له وعليه بأحكام المنافقين كما نفعل نحن في الحكم عليهم فتسميتهم ذلك شركا، كتسمية الرياء شركا ولا محظور في التسمية وإنما المحظور في ترتيب الأحكام على الأسماء كما صنعت الأزارقة والصفرية في أحكامهم على أهل القبلة بأحكام المشركين .
وكذلك اصطلحوا على تسمية الخصال الواجب اعتقادها بالنص توحيدا، فالتوحيد في اصطلاحهم العام اسم لمجموع الخصال الثابت اعتقادها نصا والايمان أعم منه فهو عندهم اسم لجميع خصال الطاعة كما هو في حديث شعب الايمان وفيه : أدناه إماطة الأذى من الطريق .
وقد تسمى الخصلة الواحدة توحيداً أو إيمانا تسمية للجزء باسم الكل مجازا عرفيا وبهذا ينحل إن شاء الله إشكالك ويتم جوابه والعلم عند الله .

تسمية المخطئ أو الجاهل مشركا مجازاً

السؤال :
يوجد في كتاب القواعد : وإنّ جاهل موت سيدنا محمد والشاك فيه مشرك أي مرتكب كل منهما الخصلة من خصال الشرك لأنه جاحد أو مساو وتجرى عليه أحكام الشرك أهـ ومثل الخطأ في صفة الملائكة وجهل الملل الست وأحكامهن على قول، ما الفرق بين هذا ومن جهل الجنة والنار مثلا أو شك فيهما ؟

الجواب :
لا فرق في ذلك بل جميعه سواء، ولا يلزم المصنف في حكم نوع من الأنواع أن يستقصى جميع أفراد ذلك النوع إذ ليس الغرض عد الأفراد وإنما الغرض بيان حكم النوع فيكفي أن يمثل ببعض أفراده .
وهذا النوع عند المشارقة يعرف بتغير الجملة والحدث فيه دون الحدث فيها فإنهم اختلفوا في الجهل به مع الإقرار بالجملة ولم يختلفوا في الجهل بشيء من الجملة بل اتفقوا على شرك الجاهل بها بعد الخطور بالبال ولم يوسعوا له في السؤال وأما تفسيرها فقيل نقيس له حتى يسأل وليس المختلف فيه كالمجمع عليه والله أعلم .

معنى الاستغفار للملائكة

السؤال :
يوجد في كتاب القواعد أيضا : ويتولى الملائكة ويخص جبريل ويتولاه بالترحم والاستغفار أهـ وفي غيره لا يستغفر للملائكة لأن لا ذنب لهم .
الجواب :
لا دليل يمنع الاستغفار للملائكة، ولا يلزم من ثبوت العصمة لهم منع الاستغفار فإن محمدا " والأنبياء ومن قبله عليه السلام معصومون قطعا ومع ذلك فقد قال عز من قائل { واستغفر لذنبك وللمؤمنين }(1) وقال تعالى { فسبح بحمد ربك واستغفره }(2) ولا يلزم من الاستغفار ثبوت الذنب إذ قد يكون عن تقصير في الخدمة وقد يكون عن ظنه التقصير وإن لم يقصر وقد يكون الشيء الواحد تقصيراً في حق الخواص دون العوام كما جاء في كلام بعض السلف وليس بحديث - كما زعم بعضهم - قال : سيئات المقربين حسنات الأبرار والله أعلم .

معنى الثلاثة المنحصر علم حدهم فيه تعالى

السؤال :
في القواعد أيضا : قيل ثلاثة لا يعرف حدهم إلا الله الأول في البلوغ، والحقيقة في المكيال، والميزان .
الجواب :
معنى ذلك أن الحد الكائن بين الصبا والبلوغ شيء خفى لا يمكنه الاطلاع عليه لخفائه وذلك لأنه انقلاب حال إلى حال وهذا الانقلاب يكون في زمان يسير يخفى على الخلق فإذا انقلب ظهرت العلامات الدالة على البلوغ وبهذه العلامات يتعلق علم البشر وهى شيء بعد الانقلاب فهى مقارنة لحال البالغ مفارقة لحال الصبا والحد بين الحالين من الغيب الذي لا مطمع لنا في الاطلاع عليه .
وكذلك القول في حقيقة المكيال والميزان فإن حقيقتهما في نفس الأمر مما لا يمكن الوقوف عليه إلا من الشارع وقد انسد باب الوحى فلهذا ترى كثرة الاختلاف في تقدير المكيال والميزان على اختلاف النواحى والبلدان، فيجب على كل أهل بلد الوفاء بالمقدار الذي عرفوه بينهم في الكيل والوزن وذلك هو الوفاء في حقهم والنقصان عن المعروف عندهم حال العطاء والزيادة عليه حال الأخذ وهو التطفيف الذي جاء في قوله تعالى { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون }(1) ومن فعل ذلك بخس الناس أشياءهم وعثا في الأرض الفساد، وصارت له أسوة بقوم شعيب عليه السلام واستحق بذلك الوعيد الذي جاء به الكتاب العزيز و{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }(2) { وعلى الله قصد السبيل }(3) والله أعلم .

الولاية بحكم الظاهر

السؤال :
هل الولاية بالظاهر من الواجب الذي يلزم نافيه التكفير والتفسيق أم لا ؟
الجواب :
الولاية بحكم الظاهر واجبة باجماع أصحابنا، ووافقنا على ذلك الشيعة وسائر فرق الخوارج، فلا يجوز تركها عند حصول شرائطها . ولا يسع الوقوف عن أحد من المؤمنين مع تحقق إيمانه فهو من فرائض الله على عباده { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }(1) فمن قال إنها غير واجبة فقد انخلع من الدين والعياذ بالله، نسأل الله تعالى أن يجعل لنا منها النصيب الوافر والحظ الكامل والله أعلم .

حكم الجهل بالجنة والنار ونحوهما

السؤال :
ما رفعه صاحب الدليل عن الإمامين الجليلين عمروس بن فتح وعزان بن الصقر . أما مقالة عمروس بما نصه عما رفعه صاحب الدليل عنه : " ووَسِع جهلُ الجنة والنار والثواب والعقاب والبعث والحساب والملائكة والكتب والرسل في أمثالها " اهـ ومذهب عزان بما نصه عما رفعه : " من شك في التوراه والانجيل والزبور والجنة والنار فإنه يسع جهله ما لم يذكّر، فإذا ذكّر لم يسع جهله، فإن شك في الثواب والعقاب فواسع ما لم يذكّر، فإذا ذكر معه أو قامت عليه الحجة لم يسع جهلهما " تركت كلاما للاقتصار وبالجملة فمذهبهما التوسعة ما لم تقم الحجة على ما قال صاحب الدليل، فإن كان مرادهما بهذا الجهل البسطى الذي لم يتصور له شيء قط، وبقيام الحجة فهمه بوجه ما، فلا إشكال، وإن كان ليس مراده الجهل هذا فهنا محل الاشكال . وأظن مرادهم غير البسطى على ما تبادر في فهمي، لأن ذلك معلوم لهم وغيرهم من الأئمة، وهذا عزاه مذهبا لهم صاحب الدليل . فالمراد أن توضحوا لى بهذه المسألة وصحيح اعتقادكم فيها وفي غيرها وأجركم على الله .
الجواب :
إن ما ذكره الإمامان عمروس وعزان رحمة الله عليهما من التوسعة فمرادهما به ما لم تقم الحجة كما صرح بذلك صاحب الدليل رحمة الله عليه، وكما بينه الشيخ عزان في قوله : " ما لم يذكّر معه " وقوله : " فإذا ذكر " فهذا يدل على أن مراده أن الجهل واسع ما لم تقم عليه الحجة وأن قيام الحجة في ذلك بالسماع .
وحاصل المقام أنهم اختلفوا في تفسير الجملة الاعتقادي من البعث والحساب والجنة والنار وغيرها .
فمنهم من أوجب معرفة ذلك مع الجملة ولم يوسع في جهل شيء منها وهو قول أكثر المغاربة ولهذا عد صاحب الدليل القول بخلافه توسعة
ومنهم من قال أنه يسع جهل ذلك ما لم يذكر معه وهو قول أكثر المشارقة والإمام عبد الرحمن بن رستم وعمروس بن فتح وأبى خزر من المغاربة رضي الله عن الجميع ورحمنا ببركتهم آمين راجع المشارق في باب الجنة تجد الشفاء إن شاء الله والسلام عليك .

التوفيق بين ما يوهم التعارض من آيات القدر

السؤال :
قوله تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }(1) وقال أيضا في موضع آخر { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }(2) فهذا المعنى الأول بمعنى التقييد والثاني بمعنى الإطلاق والإباحة أم كيف ؟
الجواب :
لا إباحة في الآية الثانية وإنما تهديد وتخويف، والمعنى : قد بين لكم الهدى من الضلال وعلمتم عاقبة الحالين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا الآية .
وأما قوله { وما كان لمؤمن } الآية فمعناها فيما قضى الله ورسوله من الأمر فإنه ليس لمن اتصف بالإيمان أن يخالف أمر الله ولا أمر رسوله بل الواجب الانقياد والإذعان فهو في معنى قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول }(3) والله أعلم .



المفاضلة بين الولاية والبراءة والتوقف في على وأهل النهروان

السؤال :
علي بن أبي طالب وأهل النهروان هل يجوز فيهم ما يجوز في الوليين المقتتلين والمتلاعنين من الوجوه الثلاثة الولاية والبراءة والوقوف لمن جهل الحكم فيما جرى بينهما، كما يجوز في الصلت بن مالك وراشد بن النظر ومن معه، أو ليس الأمران سواء أم لا يجوز إلا تصويبه المحق منهم وهم أهل النهروان ؟ فإن قلت بذلك فمن أين تتبين معرفة المحق منهما لأمثالنا وبيننا وبينهم ثلاثة عشر قرنا ؟ فإن قلت بالشهرة والمتابعة للعلماء ألهم أم لا وهل يجوز التقليد المتقدمين قلنا وهل هذا الأتباع الذي نحن نتبعهم فيه ونحسن الظن بهم فيه يكون من باب التقليد لهم أم لا ؟ وهل يجوز التقليد في ذلك ؟ بين لنا وجه الحق في ذلك ولك الأجر .
الجواب :
ليس المسألتان من باب، أما مسألة الوليين المقتتلين فإنما هى حيث لم يدر المحق منهما من المبطل وأصلها مسألة عبد العزيز وعبد الجبار كانا وليين قاما بالعدل في نواحى طرابلس، قيل كانا محتسبين وقيل كان أحدهما إماما والآخر وزيرا فوجدا قتيلين سيف كل واحد منهما في جثة الآخر ولم يُدر السبب في ذلك، فانتشر البحث عن قضيتهما في المغرب فاختلفوا في إبقائهما على الولاية التى كانا عليها، ثم وصلت المسألة المشرق فاختلفوا فيها أيضا كاختلاف المغاربة . وابقاؤهما على الولاية هو الصحيح لاحتمال أن يكونا قد التقيا فلم يعرف أحدهما الآخر، ويحتمل أن العدو فعل بهما ذلك مكيدة للمسلمين طمعا في الفرقة والاختلاف، وقيل بالوقوف للإشكال، وقيل بالبراءة وهو ضعيف جدا .
وأما مسألة موسى وراشد فإنها كانت مسألة دعاوى وذلك أن كل فرقة تدعى وصفا في خروجهما على الصلت، ولو صحت تلك الدعوى لكانت مصيبة ولم تقم بينة على بطلان دعوى فرقة منها، فالمتبرئون يدعون البغى في الخروج، والمتولون يدعون الاحتساب، والواقفون أشكل عليهم الأمر لتعارض الدعاوى .
وأما مسألة علي وأهل النهروان فإن الحكم فيها واضح وذلك أن عليا قلد أمر الإمامة الحكمين على عهود ومواثيق يحكمان فيها كيف شاءا عليا أو معاوية أو غيرهما فأمر ذلك إليهما فعاتبه المسلمون على ذلك وبينوا له خطأه في القضية فلم يعتبهم وناظروه فغلبوه، وأرسل إليهم ابن عباس فخصموه أي غلبوه في الخصومة وأظهر لهم التوبة ودخلوا معه الكوفة، ثم كتب معاوية إلى أمراء العراق أنه لا يضركم أي رجل من قريش ملك وإنى أعطيكم وأعطيكم فنهضوا عليه نهضة رجل واحد حتى أزلوه عن بصيرته وأضلوه عن طريقته، وخطب على المنبر بين مجامع الناس أن التحكيم صواب وهدد من يخالفه في ذلك بالقتل فخرج عنه المسلمون بعد الإياس منه وقدموا عليهم إماما عبد الله بن وهب الراسبى وخرجوا إلى النهروان، ولما اتفق الحكمان على خلع علي واختلفا في معاوية وتبرأ بعضهما من بعض تبرأ منهما علي وكتب بذلك إلى المسلمين وطلب منهم الرجوع إليه فكتبوا له بأنهم قد قدموا عليهم إماما فإن شاء أن يكون معهم فله ما لهم وعليه ما عليهم فأنف من ذلك تمسكا بإمامته التى طوقها الحكمين واتفقا على نزعها منه وسار إليهما بالجموع التى أعدها لقتال أهل الشام فكانت وقعة النهروان .
والقضية في ذلك مشهورة عند الموافقين والمخالفين لكن المخالفين يكثرون الاعتذار لعلي مع اعترافهم بالواقع، فإمامة عبد الله بن وهب إنما كانت بعد خلع على نفسه من الإمامة وتطويقها الحكمين وبعد الإياس من رجوعه ظنا منه أن الحكمين لا يختاران غيره، فلما حكما بخلعه قدموا عليهم عبد الله بن وهب ولم يدر أن هناك عمروا صاحب المكائد العظمى فلو كان التحكيم جائزا لما جاز أن يحكّم عمرو وهو يقاتل المسلمين ويستحل دماءهم فكيف لا يستحل مخادعتهم على أنه قد باع دينه بمصر وهى يومئذ في يد عليّ وقال لمعاوية والله لا أعطيك شيئا من ديني حتى تعطيني شيئا من دنياك فجعل له مصر مأكلة، فأهل النهروان هم المحقون ومن قاتلهم هم المبطلون فمن أدرك علم ذلك وجب عليه ولايتهم بلا خلاف بين المسلمين، وكذلك أيضا تلزمه البراءة ممن قاتلهم، ومن لم يبلغ علمه إلى ذلك فيكفيه أن يتولى المطيعين في الجملة ويبرأ من المبطلين في الجملة { تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون }(1) وليس من ديننا السب ولا من مذهبنا الطعن وقد نشأنا بين الخاصة والعامة فما رأينا من يطعن في من مضى أو يسب أو يلعن فالناس في سلامة من ذلك إلا من انتهى إليه علم القضية بطريق الشهرة فإن كان يعتقد ولاية أهل النهروان والبراءة ممن قاتلهم أداء للواجب من دين الله تعالى من غير سب ولا فحش ولا تقبيح إلا ما وقع لابن النظر في لاميته وكان قصده عفا الله عنه إظهار الحق فحمله الغضب في الله على تأثير اللعن والشتم في منظومته وكان اللائق بالمذهب تبيين المحق من المبطل فقط وقد أفرط في قوله " ذاك على في القرار الأسفل ألخ " فإنه وإن أراد به الدعاء والحكم بمقتضى الظاهر فعبارته قد خرجت عن مراده وأوهمت الحكم بالغيب والله أعلم وبه التوفيق والهداية .

حجة القول بتكفير أهل الكبائر

السؤال :
الحجة للقول بتكفير أهل الكبائر ومن خالف هذا المذهب من سائر الملل مع أن النبي " قال : " فرق ما بين العبد والكفر ترك الصلاة "، فإن قلتم منزلة النقاق بين منزلة الإيمان والشرك، قلنا أن هذا القول مردود عليه عند من يقول بعدم المنزلة وأن لا منزلة بين الإيمان والشرك إذ الناس مؤمن ومشرك فقط، وقد قال صاحب كتاب التعريفات في تعريف الإيمان هو في اللغة التصديق بالقلب وفي الشرع الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، قيل من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق، ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر انتهى لفظه . وهو صريح على أن المؤمن لا يسمى كافرا وإن احتججتم بالأحاديث الواردة كحديث " لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن " وأمثاله فكذلك محمول على انحطاط درجة الفاعل وسمى حينئذ عاصيا وفاسقا، وقول أصحابنا كافر كفر نعمة فيه ما فيه وبالجملة هذه التسمية بشعة وهى أكبر مما عيب بها على أصحابنا تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
دعني من كلام صاحب التعريفات فإنه أشعري المذهب، والأشعرية يخصون اسم الكافر بالمشرك ويجعلونه مقابلا للمؤمن فما عدا الكافر عندهم مؤمن، وحملوا على ذلك أحاديث الوعد للمؤمنين فجعلوها شاملة لأهل العصيان فوقعوا في الإرجاء، أجازوا تأخير العذاب عمن مات مصرا على فسقه وهو مذهب باطل عاطل، فالحق ما عليه الأصحاب أن اسم الكافر شامل للمشرك والفاسق من المسلمين، والمشرك كافر كفر شرك والفاسق من أهل التوحيد كافر كفر نعمة .
وقد جاء الكتاب والسنة بإطلاق الكفر على أهل الكبائر من أهل التوحيد من ذلك قوله تعالى { أكفرتم بعد إيمانكم }(1) فإن الكفر بعد الإيمان هو ارتكاب الكبائر، وقوله تعالى { ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين }(2) فإنه أطلق اسم الكفر على تارك الحج، وقوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }(1) فإنه أطلق اسم الكفر في هذه الآية على تارك الحكم بما أنزل الله .
وأما السنة فمنها حديث ابن عباس عن النبي عليه السلام قال " لا إيمان لمن لا صلاة له " رواه الربيع في مسنده متصلا بسنده العالى ومن انتفى عنه الإيمان دخل في الكفر، ومنها قوله " " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " رواه الجماعة إلا البخارى والنسائى عن جابر بن عبد الله، وروى الربيع بسنده عن ابن عباس يرفعه " ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة " ومنها ما رواه البخارى ومسلم وأحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله " سباب المسلم فوق وقتاله كفر، ومنها ما رواه أيضا البخارى ومسلم وأحمد عن أبي ذر أنه سمع رسول الله " يقول " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار، وروى الربيع عن ابن مسعود يرفعه : المدعى ما ليس له والمنكر لما عليه كافران، وروى مسلم وأحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله " : اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت، ومنها ما ثبت في الصحيح عنه " : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "، وحديث " أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم "، وحديث " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب وهو عند الربيع أيضا، وحديث " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها " ومعناه أيضا عند الربيع، فكل هذه الأحاديث في الصحيح . وقد ورد من هذا الجنس أشياء كثيرة لا يمكن الخصم دفعها ولا حملها على غير كفر النعمة .
وإذا ثبت إطلاق اسم الكفر على فاعل الكبيرة من الكتاب والسنة ظهر لك صواب ما عليه الأصحاب من جعل الكفر شاملا للشرك وفعل الكبيرة فهو مقابل عندهم للإيمان، فلا منزلة بين الإيمان والكفر فمن خرج عن الإيمان دخل في الكفر وبالعكس، ويجب إثبات المنزلة بين الشرك وبين الإيمان وهى منزلة النفاق المعروفة عند المعتزلة وعامة الناس بالفسق، إذ ليس كل فاسق مشركا ولا كل كافر مشركا وكل مشرك كافر، فافهم الفرق واتبع الحق . والله أعلم .

تولي الأئمة المنصوبين بعمان

السؤال :
عن الأئمة المنصوبين بعمان من لدن الجلندى بن مسعود والإمام الوارث بن كعب وغسان بن عبد الله وعبد الملك والمهنا والصلت وهلم جرا إلى الإمام عزان بن قيس البوسعيدى وهل كان راشد بن النظر إماما صحيح الإمامة تفضل بين لنا طرفا من ذلك لنكون على بصيرة من أمورهم خوف الهلكة .
الجواب :
أجمع المسلمون على صحة إمامة الجلندي والوارث وغسان وعبد الملك والمهنا والصلت وسعيد بن عبد الله وراشد بن الوليد والخليل بن شاذان وعمر بن الخطاب وناصر بن مرشد وخليفته سلطان بن سيف وابنه يلعرب بن سلطان وعزان بن قيس .
واختلفوا في إمامة راشد بن النظر وعزان بن تميم وكثير من الأئمة الذين كانوا في أيام الاختلاف الذي بليت به عمان في الزمان الأول، وكذلك إمامة سيف بن سلطان قيد الأرض لأن مبدأ امره بغى على أخيه بلعرب بن سلطان فلما استوت له الأمور استقام كما ينبغى وناصره المسلمون بعد ذلك ووازروه لأهليته للأمر وقيامه بحق الأمة وسموه إماما ولعلهم توبوه عما صدر منه في أول أمره .
وعند أكثر المسلمين صحة إمامة عزان بن تميم وفساد إمامة راشد بن النظر وأمر الأئمة يحتاج إلى بسط كبير ويكفيك أن تتولى جملتهم والله أعلم .
عصمته عليه السلام قبل النبوة

السؤال :
الحديث الموجود عن النبى " في بنيان الكعبة الشريفة قال له العباس اجعل إزارك على عاتقك فامتثل " ما أمره العباس حتى نودى، ما معناه ؟ وهل هو صحيح ؟ وكيف يليق به " مثل هذا ؟ أزح عنا غيمة ونحن نعتقد ما يليق به .
الجواب :
بنيان قريش للكعبة كان قبل النبوة وكانت الجاهلية تستحسن أشياء قبحها الشرع فأفصح الخبر بذلك والله أعلم بصحته فهو من الأمور السمعية التى لا تقوم حجتها من العقول ولم يبلغه " في ذلك سمع فهو على البراءة الأصلية فلا كلفة عليه فيه ولا يصح أن ينسب إلى المعصية حيث لا تكليف عليه ولعناية الله به ولطفه قيض له من يسدده ويرشده فنهاه عن ذلك لطفا إلهيا ومدداً سماويا والله أعلم .

الاستتابة للولي قبل البراءة . ومعنى الولاية والبراءة

السؤال :
فيما ورد في بعض الآثار أن الولى إذا ارتكب الكبيرة لا يعجل عليه بالبراءة حتى يستتاب إلا في الزنى، وإن كان غير متولى فلا تجب له استتابة، ما وجه الفرق بين الزنا وغيره في ذلك ؟ وما الفرق بين الولى وغيره ؟ وهل يسع جهل الولاية والبراءة أم لا ؟ فضلا منك بالجواب .

الجواب :
أما الزنى فلأنه من أكبر الكبائر، ويجب على هذا القائل أن يقول بذلك في الموبقات من الدماء والفروج وعقوق الوالدين لأن الكل من أكبر الكبائر ولعله ذكر الزنى تمثيلا لما شابهه .
وأما الولى فله حق بخلاف من لا ولاية له ومن حقه النصح والاستتابة وغير ذلك، وأيضا فهو قد بُلي بولايته وليس له أن يتركها مع احتمال بقائها والاستتابة تبين ذلك .
ولا يسع جهل معاني الولاية والبراءة ويسع جهل أسمائها . ومعناهما الذي لا يسع جهله مركوز في ذهن كل عاقل فكل مؤمن يحب الإيمان وأهله ويبغض الكفر وأهله أمر ضروري لا يستطاع دفعه، فأمر الولاية والبراءة غير مجتلب .
فقول بعض العوام لا أقدر أن أتولى أو أتبرأ جهل بمعاني الولاية والبراءة وجوابه : إن كنت مؤمنا فقل توليت وتبرأت بل وغير المؤمن أيضا كذلك يتولى أوليائه من أهل طريقته ويناصرهم ويعاونهم ويحب لهم الخير { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض }(1)، { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا }(2) وتطويل الكلام في أحكام القضايا الواقعة بين الأوائل هو الذي أغلق على الناس الباب عن إدراك حقيقة ذلك والله أعلم .

الخلاف في حكم أهل الفترة

السؤال :
هل لأهل الخلاف دليل على دعواهم إعذار أهل الفترة أم هو من جملة تقولهم على الله بما لم يعلموا ؟ وهل كلهم مطبقون على ذلك أم بعض منهم دون بعض ؟ فضلا منك بالجواب .
الجواب :
أهل الخلاف فرق كثيرة، والمخالف في المسألة الأشاعرة فقط ولعلهم أيضا لم يتفقوا كلهم على ذلك بل أكثرهم عليه، ولا دليل لهم على ذلك إلا أنهم تمسكوا بقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }(1) مع قوله عز من قائل { لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون }(2) قالوا والغافل غير مكلف .
وقد جاءت أخبار يعترفون بصحتها مصرحة بتعذيب أشخاص ماتوا في زمان الفترة فقصروها على أولئك الأشخاص وعذروا من بعدهم فيقال لهم إن كان العذر واقعا لغيرهم لأجل الفترة فالمنصوص على تعذيبهم ماتوا فيها والحكمة إلهية تقتضى عدم الفرق مع اتحاد المعنى . أما قوله تعالى
{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فمسوق في معرض هلاك الدنيا أي لا يهلك الله قوما بالخسف والصيحة أو الإغراق أو نحو ذلك من آثار الغضب إلا بعد أن يبعث إليهم رسولا يخوفهم عقوبة ذلك، كما أرسل نوحا إلى قومه وكذلك هود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام .

وإن قلنا أن الآية عامة في عذاب الدنيا والآخرة فإن الله سبحانه وتعالى قد أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وقامت على الناس بهم الحجة ودعوتهم واحدة في تحريم الشرك ووجوب الإيمان والعقول شاهدة بذلك فالعذاب إنما كان بعد بعث الرسل .
وأما قوله تعالى { ما أنذر آباؤهم } فمعناه أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل إلى العرب في خاصة أنفسهم نذيرا قبل محمد " .
والمراد بالعرب آباء المنذرين من قريش ونحوهم فإنهم لم يأتهم نذير ( رسول ) يخصهم وإن كانت دعوة الرسل عامة والحجة بذلك قائمة .
وقوله { فهم غافلون } ذم على حد قوله عز وجل { وهم في غفلة معرضون }(1) .
وليس المراد بالغفلة ما يظنه قومنا من الذهول المقتضى لعدم قيام الحجة ولو كان المراد ذلك ماذمهم به فكيف وقد عقبه بقوله
{ لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون }
(1) وكيف تكون الغفلة والرسول يدعوهم إلى الاسلام ويتلو بينهم القرآن ويظهر لهم المعجزات والله أعلم .

سبب القول بقدم القرآن

السؤال :
هل يكفر من قال بقدم القرآن وتجب البراءة منه أم لا ؟ ومن أين مثار الخلاف في ذلك ؟ تفضل بالجواب .
الجواب :
مثار الخلاف في ذلك الغلط في معنى كلام الله عز وجل، وشرح المسألة يطول ولا حاجة إلى فتح الباب في هذا الجواب، غير أني أقول : إن القائلين بقدمه من أشياخنا ما قصدوا إلا معنى صحيحا وذلك أنه نشأ قوم في الزمان الأول يُقال لهم ( الجهمية ) زعموا أن صفات الله محدثة فلما ظهرت مسألة القرآن حسبوها من مقالاتهم وظنوا أن المراد حدوث شيء من صفات الله فسارعوا إلى ردها فذلك مرادهم .
وقد أشار إلى هذا المعنى أبو سعيد في مسألة بسط فيها قال رضي الله عنه ما معناه : إن أرادوا حدوث علم الله تعالى فهذا كفر، وإن أرادوا خلق الحروف الملفوظة والمعانى الملحوظة فإنها حادثة، فمن قال أنها غير مخلوقة متأولا فهو فاسق منافق بتأويله، ومن قال ذلك مواجهة بغير تأويل فهو كافر مشرك . ذكرت المعنى دون لفظه والمسألة في الأول من بيان الشرع وهو حكم منصف من ماهر متيقن يعترف الكل بفضله، فدعني وقصده :
............................................


ومن قصد البحر استقل السوافيا


والله أعلم .

أثر العلم بالاستغفار من الشخص على ولايته

السؤال :
فيمن علم من شخص لم تثبت عنده له ولاية موجب البراءه ثم سمعه يتلفظ بالاستغفار من غير تعيين ذنب هل يسع هذا الاستمرار على البراءة منه على هذا أم لا وإن استثمر على البراءة منه أخذا بظاهر قوله عليه السلام :
" أحدث لكل ذنب توبه " الحديث فحمل الأمر بالوجوب أواسع ذلك له أم
لا ؟ وهل الأمر هنا للوجوب أم للندب ؟ تفضل عليّ بالكشف وإن تردد في التوبة منه هل تاب أم لا وكان ذلك مثلا بعد موت المرتكب هل يسع هذا مع الشك في توبته الوقوف عنه حتى يعلم يقينا أنه لم يثبت فيما عنده أم يلزمه الاستمرار على براءته حتى يستيقن بثبوت توبته ؟ أرأيت لو سبقت لهذا المرتكب عنده ولاية كيف الحكم فيه مع هذا كله أم هما سواء أم لا ؟

الجواب :
كثر من الناس الاستغفار باللسان دون القلب حتى صار ذلك عادة في غالبهم وأورثنا شبهة في المستغفر هل كان صادقا في ذلك أم لا، ولا يعرف الصادق من غيره إلا بالوحي الإلهي لأنه من الأمور الباطنة لكن يستدل عليه بقرائن الأحوال، ولولا الشبهة الناشئة عن استغفارهم الحادث لكان الواجب الأخذ بالظاهر ولله ما خفى، ولما حصلت الشبهة اعتبرنا الأحوال واحتجنا إلى القرائن فإن دل الحال على أن هذا المستغفر من جملة التائبين عن ذلك الذنب قبلنا منه توبته ورددناه إلى منزلته، وإن استراب القلب ونفرت النفس فهو باق على حال البراءة إلا إذا صرح بالتوبة عن ذلك الذنب بعينه فهنالك يجب قبول توبته وأمره إلى ربه . والاستمرار على البراءة منه مقتضى مذهب المغاربة أما المشارقة فإنهم يرخصون في الوقوف عن مثل هذا عند الإشكال تقدمت له ولاية أم لا . أما الحديث فالأمر فيه للوجوب والمخاطب الجاني، والتوبة المجملة كافية عند كل ذنب إذا كان الحامل عليها ذكر ذلك الذنب فإن يصدق عليه أنه أحدث لذلك الذنب توبة لأن التوبة المجملة تأتي على ذلك الذنب وغيره إلا المستحل فإنه لا بد أن تفصل التوبة مما استحل بعينه .


القول بأن الصراط على شفير جهنم

السؤال :
هل يكفر عندنا من اعتقد أن الصراط متن على شفيرجهنم أعاذنا الله منها كما يعتقد قومنا أم لا ؟ وهل هذه من مسائل الدين التي لا يسع جهلها ؟ وما دليل من كفّر معتقد ذلك من أصحابنا ؟ فضلا منك بالجواب لأني أجد القطب أبقاه الله يقول بعدم تكفير معتقد ذلك .
الجواب :
الاعتقاد للشيء فرع القطع به بالشيء إلا مع الدليل القاطع وأنت خبير أن وصف الصراط لم يثبت عند قومنا إلا بأخبار الآحاد وهي ظنية لا يبنى عليها الاعتقاد . على أن الأمة قد اختلفت في صحتها وصار الاعتقاد بذلك شعار المخالفين . فمن قال بالبراءة ممن اعتقد ذلك فقد أراد البراءة من المخالفين لأن هذا شعارهم، وأما المسألة فليست من مسائل الدين التى لا يسع جهلها بل جهلها واسع . فإن صدق بها مصدق على جهة تصديق أخبار الآحاد فلا يُبرأ منه إذا لم يخطّئ المسلمين. [ واشترط ] بعضهم أن تصديقه بذلك لم يبلغ درجة الاعتقاد، وذلك أن الإعتقاد يستلزم تخطئة من خالفه فمن جعلها معتقدا كما هي عند قومنا فقد أخطأ السبيل في نفس الجعل وهو الوجه في القول بالبراءة منه والله أعلم .

ثواب المقيم على ذنب عما عمله من صالحات

السؤال :
فيمن فعل محبط الأعمال ثم تاب لله نادما مما فعله هل يرد له عمله ويثاب على ما فعل من البر في حال الإقامة على الذنب بعد التوبة منه أم لا يقبل منه رأسا لقوله تعالى { إنما يتقبل الله من المتقين }(1) أم معناه لا يقبل منه حال الإقامة فقط ويقبل منه حال التقوى ؟ تفضل بالجواب .
الجواب :
في كلا المسألتين خلاف، ومن قال أنه يعطي ثواب عمله قبل معصيته أو حال إصراره إذا تاب منه ذنبه فإنه رأى أن الاحباط متحقق بالموت على الإصرار، وأما الآية فتحتمل للوجهين . والله أعلم .

هل تجدد التوبة من الكفر عند تذكّره

السؤال :
من تاب من الكفر هل يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكره ؟ وهل خطوره بالقلب من غير قصد منه - بل الشيطان يذكره به - مضرة به في دينه؟ وما يلم به القلب من أمور مكفِّرة من غير قصد منه ولم يشرح بها صدرا بل يدفع ذلك عن نفسه ويستعيذ بالله من كل كيد الرجيم اللعين هل يضره في دينه ؟ وهل تجب عليه التوبة من مثل هذا ؟ تفضل بالجواب .
الجواب :
ليس عليه في مثل هذا إلا المدافعة مع الاستعاذة ولا يؤاخذه الله تعالى بما يلم بقلبه من غير قصد فإنه من حديث النفس المعفو عنه بالنص، ولا يلزم تجديد التوبة كلما ذكر الذنب بل يستحب له ذلك فقط، وتجديد التوبة لا يلزم إلا مع حدوث الذنب " أحدث لكل ذنب توبة " ولم يقل : لكل تذكّرٍ توبةً والله وأعلم .

حكم من نفى علم الله

السؤال :
ما ورد في المعلقات الذي رتبه القطب إن مزج لبن بلبن غيره فإن قال الله يعلم لبنى من لبنك فقد كفر وإن قال لا يعلم لبنى من لبنك فقد أشرك ما وجه هذا وإنى لفى عجب من قلة فهمي هذا تفضل بالبيان الشافي ولك الأجر .
الجواب :
أما المعنى الثانى فظاهر فإنه نسب إليه تعالى الجهل حيث نفى عنه العلم الخاص بذلك الشيء وأما المعنى الأول فمبنى على قول عند المغاربة وهو أن علمه تعالى لا يتعلق بالمستحيل وإذا امتزج اللبنان فقد استحال التمييز .
وبالجملة فالمقال بشع والكلام شنيع والواجب الإمساك عن الحكم في ذلك وعن الخوض فيه والرجوع في قوله تعالى وهو بكل شيء عليم وقد ضل كثير بالبحث عما لا يعنى كمسألة صاحب الجزيرة وكالخوض في حكم الأشياء قبل ورود الشرع وكالقول في ثبوت الصفات الزائدة على الذات وأشباه ذلك كثير كان الناس في غنى عن التكلم فيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله أعلم .

حكم المعتقد بالشك لغير الصواب في السمعيات

السؤال :
الإنسان إذا عرضت له مسألة في التوحيد التى تقع بها الحجة من العقل ولا اهتدى فيها على الحق عند العلماء ويقول هو على سبيل الاجتهاد والظن ان هذا يسع أو لا يسع وكان الحق مخالفا فيها لقوله الذي لا يعتقده جزما بل الظن وتحرى وكان على العمد يبلغ به إلى الشرك عند العلماء وهو في عزمه واعتقاده مسلم موحد مقر لله بالعبودية وينفى عنه الأشباه ويعتقد الحق واعتقاده الإيمان قول وعمل ونية وليس عنده خلة عند نفسه أن يطيع الله فيما أمره وينتهى عما نهاه وكانت هذه الخصلة التى ذكرناها لا تحقق فيها ولا اعتقدها ولا تاب منها بعينها بل في الجملة هذا اعتقاده ودينه يقبل الحق ويعمل بما أوجب الله عليه ومات على هذا تراه يموت هالكا مشركا أم يموت مسلما لأنه غير جازم بذلك الذي أخطأ فيه ؟ وتفضل بالجواب .

الجواب :
لو جزم بذلك لهلك قطعا وهو شأن أئمة المخالفين لأهل الحق فإنهم أيضا ينزهون الله في الجملة غير أنهم نقضوها باعتقاد الباطل في تفصيلها وحجة النقل والعقل قائمة عليهم في ذلك والمسلمون إنما عذروا المخطىء في السمعيات إذا لم يهتد فيها إلى الصواب قالوا إن التوبة في جملتها مجزئة دون العقليات غير أنك ذكرت أن الرجل لم يعتقد ذلك جزما فيشبه أن يكون هذا شكا في صواب المسألة وليس الشك في تفصيل الجملة مثل الشك في نفس الجملة فإنهم عذروا الشاك في تفصيلها حتى يسأل ولم يعذروا من شك في الجملة نفسها وبعضهم يشدد في التفصيل أيضا .
وعلى كل حال فليس الرجل بمشرك لأن حالته دون حالة المخالف المعتقد وهو عندهم منافق فقط، وما اختلف فيه المسلمون من الرأى فلا هلاك فيه لأن العامل به يتبع من قال به، والقائل والعامل كلاهما على هدى من الله ولو أراد الله في المسألة وجها واحداً لبينه وهو لا يكلف العباد ما لا يطيقون، فحيث تركهم واجتهادهم علمنا أنه لا هلاك في ذلك والله أعلم .

القول بخلق القرآن

السؤال :
عن النونية الموجودة بكتاب الدعائم لابن النظر، لا نعلم أنها عنه أو عن غيره، رد على من قال أن القرآن مخلوق وإن لم يرجع عن قوله فهو هالك ووجدت عن الشيخ محمد بن محبوب أنه واقف لا يقول أنه مخلوق ولا غير مخلوق إلا أنه تنزيله ووحيه، والأصحاب أهل المغرب يقولون من قال بغير خلق القرآن ليس منا ونحن الآن نقول قولنا فيه قول المسلمين حتى يظهر لنا معنى في ذلك فضلا منك، بين لنا هذا .
الجواب :
ذكر القطب رحمه الله الخلاف في نسبة تلك النونية إلى ابن النظر فقيل أنها عنه وقيل ليست عنه، وهى ناظمة للسيرة المضافة إلى أبى معاوية عزان بن الصقر . وسبب الإغلاظ في ذلك أن قوما من المخالفين وهم الجهمية يقال أنهم زعموا أن صفات الخالق عز وجل محدثة كلها وهو كفر بين فلما ظهرت مسألة خلق القرآن وكان أول ظهورها بالبصرة ثم وصلت إلى عمان في زمان المهنا بن جيفر ظن بعض العلماء أنها نشأت عن مقالة الجهمية وأنها فرع عن أصلهم الفاسد فبادروها بالإنكار وأغلظوا القول في ذلك، وألهم محمد بن محبوب وجه الحق فيها فقال أن القرآن مخلوق وكادت أن تقع فرقة فاصطلحوا على الإمساك عن القول بشيء من ذلك، فما ذكرته في السؤال عن محمد بن محبوب إنما كان بعد الصلح وذلك كله في أيام المهنا .
وأما المغاربة فإنهم حققوا القول في المسألة وأظهروا فيها الصواب الذي لا شبهة معه وقطعوا عذر من خالفهم في ذلك القطع بأن ما سوى الخالق فهو مخلوق .
والمشارقة يقولون بذلك وإنما يخطئون مقالة الجهمية فالاعتقاد واحد والغلط في المروى ظنوا أن القرآن علم الله وهو كذلك لكن بمعنى معلوم الله كالخلق بمعنى المخلوق وظنوا أنه من صفات الذات لأنه كلام الله وهو من صفات الفعل والإضافة للتشريف والاختصاص كروح الله وبيت الله وناقة الله ألهمنا الله وإياكم الصواب ووفقنا للعمل به والله أعلم .

قيام الحجة بخاطر القلب

السؤال :
ما معنى قولك في " المشارق " أن مسألة قيام الحجة بخاطر القلب عند من جعله كذلك وبالمعبر ونحوه أنها من مسائل القدر ؟ فإنى لم أفهم ذلك، وكيف معنى كونها من مسائل القدر ؟ تفضل علي بالكشف .

الجواب :
تعلم أن حجة الله إذا قامت على الإنسان ارتفع العذر ولم يكن له في الجهل حجة، وهو معنى قولهم أن الحجة حجة علمها من علمها أو جهلها من جهلها، فلا يقال كيف يعذب بحجة لا يعلم أنها حجة، لأن ذلك من الخوض في القدر وإذا منح الله الإنسان عقلا صحيحا فقد أهّله لمعرفة خالقه فإذا خطر ذلك بباله ولا بد أن يخطر فقد قامت عليه حجة العقل فلا يقال كيف كان ذلك حجة عليه لأنه ذلك من الخوض في القدر وهو معنى كلام " المشارق " وقد سبقني إلى ذلك الشيخ أبو يعقوب فلست أول قائل به فقلت الفضل للمتقدم والله أعلم .

معنى كون الاصرار على الكبيرة شركا

السؤال :
ما قاله الإمام الكدمى في معتبره أن الإصرار على الكبيرة شرك فما معنى هذا ؟ وهل هذا شرك جحد أو مساواة أم معناه من خصال الشرك ولا يوجب عليه أحكامهم ؟ أم كيف ذلك ؟ ارشدني أرشدك الله .
الجواب :
معنى ذلك - والله أعلم - أن الإصرار على الكبائر من شأن المشركين فهو خصلة من خصال الشرك أما المسلم فإن إسلامه يمنعه من الإصرار على شيء من الكبائر، ونفس الإصرار مع الإقرار ليس بشرك إلا إذا كان على وجه الاستحلال المصادم للنصوص القطعية والله أعلم .

مسألة الوعد والوعيد من الله تعالى

السؤال :
فيمن قال إذا وعد الله بشيء أو أوعد صار بعد الوعد واجباً لأن وعده حق هل يكفر هذا ؟ وهل فرق بينه وبين المعتزلة ؟
الجواب :
القول بوجوب ذلك هو المذهب الحق فكيف يكفر قائله ؟ ومعنى وجوبه ثبوته بحيث لا يمكنه فيه الاختلاف ولا التبديل ؟ وهو خلاف قول المعتزلة في حكمهم على الرب بمراعاة الصلاحية والأصلحية فهم يلزمونه أشياء أوجبتها عليه عقولهم ونحن نقول يستحيل عليه الكذب فما وعد عليه أو أوعد وقع كما قال فهذا معنى وجوب ذلك فأين هذا من ذاك .
والمعتزلة يشاركوننا في هذا المعنى لقطعهم بتعذيب الفاسق إن لم يتب والله أعلم .

الفرق بين الولاية بالظاهر وولاية الدين

السؤال :
ما الفرق بين الولاية بالظاهر وولاية الدين أهى هى أم بينهما فرق ؟ وكذا بينهما وولاية الرأى لأنها عرفت بأن سبق لأحد ولاية ثم يحدث حديثا جهل المتولى حكمه فألزم اعتقاداً لا ولاية ما كان وفي الشريط إن كان على الإسلام أليس المتولى بالظاهر يعتقد كذلك لاجتماع ولاية الجملة وولاية الظاهر واختلافهما وهل تصح الولاية إلا بهذا غير ولاية الحقيقة التى ورد التواتر بنصها . وما الفارق الجلى بينهما ؟ وفي الضعيف إذا رأى رجلا مواظبا لفرائض الإسلام تاركا للمناهى فأراد أن يتولاه فأخذه رجال من المسلمين بأن عالماً معتبراً يعيب عليه أمورا منها افتاؤه للناس للحلال والحرام وهو ليس من العلماء العارفين بالفتوى وصنوفهم واحد لهم ولم يقولوا أنكر عليه مسألة كذا ولا مسألة دينية إلا قولهم هكذا أله أن يتولاه على هذا أم الوقف أسلم له وإن تولاه وتولى المسلمين من العلماء والضعفاء ولم يقف عن أحد برأي ولا بدين من أحد قولهم هكذا أيسعه ذلك ويكون سالما أم لا وهل العالم الواحد المشتهر يكون حجة في مثل هذا وقوله كذلك يصير براءة للمعيب عليه أم لا اكشف لنا ذلك كشف الله عنك الهموم دنيا وأخرى .
الجواب :
ولاية الظاهر وولاية الدين بمعنى واحد، اسمان لمسمى، وأما ولاية الرأي فإنها خاصة بولى أشكل عليك حكم حدثه فإنك تتولاه وتعتقد منه البراءة إن كان حدث يخرجه من الولاية وهذا غير الاعتقاد في الجملة المصاحب لولاية الدين وذلك أن هذا الاعتقاد خاص بمعين وذلك لم يختص بمعين .
وأما الضعيف فليس له أن يتولى ببصر نفسه لعجزه عن معرفته الأحداث وإذا انتهى إلى معرفة ذلك فليس هو من الضعفاء وتكفى الضعيف ولاية الجملة وبراءة الجملة ويتولى من شهر بالفضل والعدل وكذلك يبرأ بالشهرة لأن الشهرة يستوى فيها العالم والضعيف وذلك إذا عرف معنى الشهرة ومن قيل فيه أنه يفتى الناس بغير علم واشتهر ذلك عنه فلا ينزل في الولاية لأن أقل حاله أنه متهم في دينه والولاية اصطفاء وقول العالم في الفتوى مقبول وأما قوله إن فلانا في البرارة أو أنه أحدث حدثا ونحو ذلك من المكفرات فليس بحجة في ذلك وما قوله أن فلانا في الولاية ففيه خلاف والله أعلم .

هل تجوز الكبائر على الأنبياء

السؤال :
هل تجوز على الأنبياء الكبائر قبل النبوة وأولاد يعقوب كلهم أنبياء وابن آدم هل صار نبيا ورسولا .

الجواب :
نعتقد عصمة الأنبياء من حين كانوا أنبياء، والله أعلم بحال ابني آدم وأولاد يعقوب ونشهد لهم بالتوبة التى ذكرها الله تعالى عنهم في كتابه والله أعلم .

الخطأ فيما يترتب عليه الكفر

السؤال :
من قطع كلمة التوحيد عمدا ووصف الله بشيء لا يليق به جهلا منه بذلك وجامع زوجته على ذلك هل يقع عليه تحريم .
الجواب :
لا تحرم زوجته بالشرك خطأ وعليه أن يرجع ويتوب ويوحد الله ويصفه بالكمال والله أعلم .

تأويل معنى الرؤية لله

السؤال :
قول صاحب " المعالم " قال السائل أنه أراه يسلم أن الرؤية هنا بمعنى العلم من غير اعتراض، وأنت تمنعه في " المشارق " إذ قلت لا نسلم أن الرؤية هنا بمعنى العلم لأنه الرؤية لا تستعمل بمعنى العلم إلا لقرينة ولا قرينة هنا أيضا ولا بد من تصور المعلوم في ذهن العالم إلى آخر ما قلت هذا معنى كلامك وكلا كما تكلم على أثر كلام الفخر والغزالى .
الجواب :
إنما سلم ذلك لظنه أن الفخر والغزالى يريدان بالرؤية العلم بأثر صفات الله من كشف أحوال الآخرة، ولم أكتف بذلك منهما خشية أن يكون مرادهما بالعلم انكشاف حقيقة الذات في أذهانهم، وذلك معنى ما يزعمه بعضهم أن الرؤية بالقلب وهذا باطل والأول صحيح لو أراده لكن الظاهر من أحوالهم أن مرادهم الثانى دون الأول والله أعلم .

معنى كون العبد مطبوعا على فعل ما علمه الله

السؤال :
ما وجه ما عليه أصحابنا من أهل الجبل رحمهم الله أن العبد مجبول ومطبوع على فعل ما علم الله فعله منه قبل أن يخلقه، فإذا كان العبد مجبولاً أو مطبوعاً على فعل ما فعل من خير وشر فأين الاختيار هنا من العبد إذا كان مجبولا على ذلك ؟ وبم يفارق هذا القول مذهب الجبرية ؟ تفضل علينا بالايضاح الشافي لا عدمناك .
الجواب :
قولهم مجبول ومطبوع على كذا عبارة عن انقياد العبد إلى ما علم الله منه، فإنّ علم الله فيه لا يتخلف، فهو منقاد إلى ذلك باختياره، وذلك بخلاف الجبر فإن الجبر حمله على خلاف الاختيار وإلزامه خلاف ما يرضى وهذا محال باطل . والله أعلم .

المطلوب تركه فعله حرام

السؤال :
ما معنى قول الشيخ عمر بن رمضان التلاتى في " الحبل المتين من أصول تيغورين " ما نصه : " ومطلوب منه طلبا جازما الكف عن فعل ما في الكف عنه كلفة أي مشقة كالشرب قائما والبول قائما " . كيف يكون هذا تركه واجبا وما تركه واجب فعله حرام بلا خلاف ؟ كيف يحرم ذلك وقد فعله منبع الشرع ومهبط الوحى الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى صلوات الله وسلامه عليه، وإن كان البول لعذر، لكن الشرب لغير عذر ولو كان لعذر لنقل لنا كما نقل لنا العذر في غيره . وأيضا قد فعل ذلك أعنى الشرب قياما الخلفاء الراشدون من بعده والعلماء خلفا وسلفا ما وجه قوله ؟ تفضل علي بالايضاح الشافي .
الجواب :
حاشا منبع الشرع وحاشا ورثة الأنبياء أن يصنعوا ما ذكرت، فلا تسمع كل ما قيل، وقد وصف الله محمد " بأنه على خلق عظيم، أترى البول قائما من هذا الخلق ؟ كلا وحاشا إنما هو من خلق الحمير ! والله المستعان سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم .
قال السائل :
نعم جواب مسألة البول والشرب ( أي المتقدم ) لم يوفّ بالمقصود فإنك لم تتكلم على الشرب وعلى معنى قوله بالوجوب أترى من فعل ذلك يكفر وتجب منه البراءة ؟ فإني أرجو في ذلك مزيد بيان .
الجواب :
أما البول قائما فقد تقدم أنه ليس من أخلاق الأنبياء وأقل ما يكون حاله أنه خلاف الأدب المشروع، وعبارة الشيخ عمر تقتضي وجوب الترك ولعله لأجل ما يترتب على ذلك من المفاسد كتنجيس الطاهر من الثياب والبدن فإن البائل قائما لا يمكنه غالبا التحرز من نحو ذلك .
وأما الشرب قائما فقد ثبت النهى عنه وثبت أن النبى " شرب قائما من زمزم واختلف الناس في وجه الجمع وذكرت أقواله في شرح المسند فراجعه في القطعة الثانية في آداب الطعام والشراب، وأحسن ما حمل عليه أن فعله " لبيان الجواز، وأن النهي للكراهية .
والمسألة بأسرها مسألة رأي لا تمكن البراءة فيها واختلافهم في الرأي رحمة، وفاعل المكروه لا يبرأ منه حتى يستخف بالنهي والله أعلم .

معنى تقييد العمر أو العمل في علم الله تعالى

السؤال :
ما معنى قولهم وهو مقيد في علم الله تعالى بأن يفعل طاعة كذا الخ فالبحث في هذا من وجهين الأول ما معنى هذا الاطلاق والتقييد ؟ وكيف يصح أن يكون علمه تعالى بالشيء الواحد مطلقا مقيدا مثبتا منفيا ؟ الوجه الثانى هل العلم المقيد بالا يفعل هو العلم السابق بأنه يفعل قطعا أم لا فإن كان هو أليس من التناقض الذي لا يليق بعلمه تعالى والشك الذي هو عدم الجزم بأن يفعل أو لا يفعل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإن كان غيره أليس خلاف قواعد المذهب فعلمه تعالى لا يتعدد بتعدد المعلومات ولا تبدو له البَدَوات وقولهم في "المعتبر" في العمر هو ما تعلق العلم الأزلى بالوصول إليه فأى فائدة وحكم في إثبات عمر غير معتبر ؟ وقدروا أن النطفة إذا وقعت في الرحم أوصى الله إلى ملك الأرحام أن اكتب أجله ورزقه الخ فيلزم على ما قالوا من كتابة الأجل عدم الفائدة لأن ذلك الأجل المكتوب لا يموت له صاحبه فكيف يصح أن يأمر الله بما لا فائده فيه والله تعالى متنزه عن العبث والجهل فعلمه تعالى لا يتخلف . فضلا منك بين معاني هذا لك الأجر إن شاء الله لا عدمناك .
الجواب :
هذه المسألة في غاية من الإشكال، وهى التي أوقعت محبك في مسألة اللوح الممحوة من المشارق لا أبقى الله لها ذكرا وليس إشكالها من قبل تعذر علم الله ولا من قبل الإطلاق والتقييد فإنها لاتستلزم تعدد العلم والإطلاق والتقييد موجود إن قطعا في نصوص الوحى وإنما إشكالها من حيث التبدل { ما يبدل القول لدي }(1) .
لكن بقي هنالك معنى أن تأملته هان الخطب وسهل الأمر وقرب البعيد وذلك أن يكون قد أمر بكتابة ستين سنة عمراً لزيد من غير أن يقال عمره ذلك وفي الخبر أن يقال : اكتب أجله، وهو أمر لا يدل على الواقع في الخارج لأنه إنشاء وإنما يدل على الخارج الخبر لا الإنشاء، وتقييد الأوامر غير مستنكر كما هو شأن كثير من الآيات القرآنية فإذا أمر الملك بكتابة الأجل المعلوم ثم فعل ذلك الإنسان ما يوجب له زيادة العمر فيزيده الله تعالى ما شاء علم الملك أن عمره قد زاد بسبب .
والحكمة في ذلك ابتلاء الملائكة وحاشاهم من الشك وحث المؤمنين على أفعال البر وصلة الرحم، وما وراء ذلك أمر عظيم يجب على أمثالنا الكف عن الخوض فيه، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير هذا ما حضرنى ذكره في الحال فعساه ينفع به الله على كل حال، والعلم عند الله، والسلام من محبك عبد الله السالمي .

صفات الذات مصدرها العقل أو السمع

السؤال :
قد رأيت في أثناء قراءتي في المعالم أن صفات الذات منها ما طريق معرفته العقل، ومنها ما طريق معرفته السمع، فالأول كالعلم والقدرة، والثاني كالسمع والبصر حسب ما فهمت منه ولا أدرى أن الذي ذكرته في المدارج موافق لهذا أم لا ؟
الجواب :
الذي ذكره في المعالم إنما هو أن بعض صفاته تعالى ما يكون العقل دليلاً على ثبوتها كالعلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك، ومنها ما يكون السمع دليلاً على ثبوته له تعالى وذلك كالسمع والبصر والكلام، وليس الأمر ما فهمت فإن المعرفة شيء غير الثبوت والإثبات فلا يشكل عليك وليس هذا مثل ما ذكرته في المدارج ثم اسقطته منها فتفطن له والله
أعلم .


أثر القول بأن المعدوم ليس بشيء على علمه تعالى به

السؤال :
هل يلزم من قال إن المعدوم ليس بشيء القول بأن الله لا يعلم المعدومات أم لا ؟
الجواب :
لا يلزمه ذلك، لأن مراد هذا القائل أن المعدوم ليس بشيء أي ليس بشيء موجود في الخارج ولا في الذهن وهو مع ذلك يسلم أن أشياء وجدت وقد كانت معدومة وأشياء هي الآن معدومة، فلا يلزمه على هذا المعنى القول بأن الله لا يعلم المعدوم وإنما يلزمه ذلك إن لو صرّح بأن المعدوم ليس بشيء موجود ولا سيوجد ولا هو شيء عدمي مما يمكن وجوده .
وهذا الالزام إنما هو على طريقة من ينفى تعلق علمه تعالى بالمستحيل وجوده لا على طريقة من يثبت تعلق علمه تعالى بجميع الأشياء موجودة كانت أو معدومة ممكنة الوجود أو مستحيلة فتفطن له والله
أعلم .


أثر القول بأن المعدومشيء على القول بقدم العالم

السؤال :
هل يلزم من قال إن المعدوم الممكن ثابت وشيء القول بقدم العالم أم لا ؟ إن لم يقيده بأنه ثابت في الذهن كالمعتزلة أو قيّده بذلك كالحكماء .

الجواب :
أما إنه إن أراد هذا القائل إن المعدوم شيء ثابت، إن المعدوم ماهية موجودة فيلزمه القول بقدم العالم سواء قيد وجوده بالذهن أو أطلق وبيان ذلك إنه متى قال للمعدوم ماهية موجوده فقد أثبت أن هذا العالم كله موجود في القدم لأنه كان معدوما وللمعدوم عنده ماهية موجودة وبيان هذا الإلزام في حق من قيد وجود المعدوم بالذهن هو أن المعدوم قد كان قبل الأذهان فيلزمه وجود الإذهان في الأزل ليثبت فيها ماهية المعدوم والكل باطل وأما إن أراد بقوله إن المعدوم شيء أي شيء يصح الإخبار عنه لا أن له ماهية موجوده كما ذهب إليه الأصحاب فلا يلزمه شيء مما ذكر وبهذا التوجيه تعرف خروج أصحابنا رحمهم الله عن الإلزامات التى توجهت على المعتزله والحكماء في قولهم إن المعدوم شيء فإنهم وإن وافقوهم في هذه العبارة وقد خالفوهم في المراد منها فإن مراد الأصحاب منها إنما هو نفس التسمية ليس إلا فتفطن له والله أعلم .

حكم من قال علم الله لا يتعلق بالمعدوم

السؤال :
هل يلزم من قال إن علم الله لا يتعلق بالمعدوم مطلقا القول بأن الله لا يعلم المعدوم ؟ وهل يلزمه الشرك إن قال بذلك ؟

الجواب :
يلزمه ذلك، لأن معني قولهم يتعلق علمه تعالى بكذا أي يعلم كذا، وكذا قولهم لا يتعلق علمه تعالى بكذا أي لا يكون ذلك الشيء معلوماً له تعالى فالقائل بأن علمه تعالى لا يتعلق بالمعدوم مطلقا يلزمه القول بأن الله لا يعلم المعدوم مطلقا لأنهما عبارتان عن معنى واحد، وكذا يلزمه أيضاً الشرك على هذه المقالة فإنه قد وصف الرب تعالى بالجهل ومن وصفه بذلك فهو مشرك ولأنه قد خالف النص القرآني مكابرة هكذا ومن خالف النص القطعى بلا تأويل فهو مشرك وذلك النص مثل قوله تعالى
{ علم أن سيكون منكم مرضى}
(1)، { علم الله أنكم ستذكرونهن}(2) ونحو هاتين الآيتين فإنه تعلى علم ما سيكون بعد ولا شك أن ما سيكون معدوماً في حال الاخبار ولا ينفعه ما تخيله في ذهنه من الخيارات الباطلة حتى يعدّ بذلك متأولاً .
أما ما ذهب إليه أصحابنا من أهل المغرب فهو شيء غير ما هنا وذلك أنهم قالوا إن علمه تعالى يتعلق بالموجود والمعدوم الممكن وجوده ولا يتعلق بالمستحيل وجوده، فهم يعلقون العلم بالمعدوم الممكن وجوده وينفون تعلقه بالمستحيل وجوده، لأن المستحيل وجوده عندهم لا شيء أصلاً فلا يصح أن يكون معلوماً لأن العلم لا يتعلق بلا شيء ومع ذلك فهم يستدلون بأدلة تطلب من مواضعها .
ولا ينافي مذهبهم قوله تعالى { ولو رُدُّوا لعادوا }(1) لأن عودتهم بعد ردهم المعدوم الممكن وجوده وهم يقولون بتعلق علمه تعالى بمثـل
هذا .

والصحيح عندي هو ما ذهب إليه الأصحاب من أهل المشرق من أن علمه تعالى متعلق بكل ممكن ومستحيل والاستدلال مقام يطول ومثلك من يكتفي بالإشارة فتفطن له والله أعلم .

صفة علمه تعالى بالمعدوم

السؤال :
هل يعلم الله المعدوم من حيث هو معدوم أم يعلم عدم المعدوم ليس إلا، فإني قد رأيت في كتاب لبعض الشيعة أنه لا خلاف ولا إشكال في النفي بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم، فكذلك المعدوم لأنه معناه وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود كالوجود الذهني مثلا انتهى وهذا القائل مذهبه أن علم الله تعالى لا يتعلق بالمعدوم .
الجواب :
اعلم أنه تعالي عالم بالمعدوم وعالم بماهية المعدوم من حيث هو معدوم، وعالم بماهية المعدوم من حيث إمكان وجودها وعالم بماهية المعدوم من بعد وجوده كيف يكون وعالم بماهية المعدوم المستحيل وجوده أن لو كان كيف كان يكون، فعلمه تعالى محيط بجميع ذلك قد أحاط بكل شيء علما .
وما رأيته في كتاب بعض الشيعة من دعوى عدم الخلاف في أن النفى بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم فدعوى غير مسموعة نعم إن أراد العلم الحادث فلا يصح أن يكون النفي المحض متعلقاً له أما علمه تعالى فسواء في جانبه النفي والوجود لأنه ليس بشيء زائد على الذات كما تقرر وقد ثبت أن الذات العلية قد انكشف لها الأشياء انكشافاً تامًّا فسواء في حق انكشافها لها الوجود والعدم والثبوت والنفى .
وأما قوله وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود الذهني مثلاً انتهى فجوابه - إن أصحابنا قد ذهبوا إلى تعلق علمه تعالى بالمعدوم لا على تقدير ذلك النوع الوجودى الذي ذكره فلاتتم له دعوى عدم الخلاف هذا مع أن الوجود الذهني لا يكون شرطاً لتعلق العلم القديم وإنما هو شرط لتعلق العلم الحادث فقط فتفطن له فإنه مخلط والله تعالى أعلم .
كيفية تعلق الأمر والنهي بالمعدوم

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس