منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - سُئل سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي (المفتي العام لسلطنة عُمان) :
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 04-20-2013 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
::المراقب العام::
:: عضو مؤسس::
رقم العضوية : 5936
تاريخ التسجيل : Aug 2012
مكان الإقامة : في عيون الناس
عدد المشاركات : 1,493
عدد النقاط : 118

ناشر الفوائد غير متواجد حالياً



لقادة الفكر مِن الإباضية عناية بلمِّ شعث هذه الأمّة وجمع شتاتها بعدما أثخنتها الخلافات المذهبية، ومزقتها النزعات العصبية،
وكم تمنّوا أن يحس سائر أعلام الأمّة بمثل أحاسيسهم، ويشاركوهم في هذه الهموم التي تنوء بها صدورهم، وتؤرّق ليلهم، وتقضّ مضجعهم،
وقد كانت مِنهم محاولات، للخطو في هذا الطريق والاستعداد لهذه المهمّة بنفقات مالية يرصدونها مِن جيوبهم وجيوب المخلصين مِن سائر أبناء الأمّة،
وأصدق مثال على ذلك ما يجده القارئ في هذا السؤال الذي صدر مِن عالِم مفكر وقائد محنك، ذلكم هو الشيخ/ سليمان بن عبدالله بن يحيى الباروني، عضو مجلس المبعوثان بالدولة العثمانية، المشهور بسليمان باشا الباروني، وهو مِن إباضية جبل نفوسة بالقطر الليبي،
وقد توجّه بسؤاله هذا إلى عالِم الإباضية بالمشرق، ومرجعهم في أمور الدّين، الإمام/ عبدالله بن حميد السالمي،
ونصّ السؤال:
هل توافقون على أنّ مِن أقوى أسباب اختلاف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها؟
على فرض عدم الموافقة على ذلك، فما هو الأمر الآخَر الموجب للتفرق؟
على فرض الموافقة، فهل يمكن توحيدها بالجمع بيْن أقوالها المتباينة، وإلغاء التعدد في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج إلى الاتحاد مِن كلّ شيء؟
وعلى فرض عدم إمكان التوحيد، فما الأمر القوي المانع مِنه في نظركم؟ وهل لإزالته مِن وجه؟
على فرض إمكان التوحيد، فأيّ طريق يسهل الحصول على النتيجة المطلوبة؟ وأيّ بلد يليق فيه إبراز هذا الأمر؟ وفي كم سنة ينتج؟ وكم يلزم مِن المال تقريبا؟ وكيف يكون ترتيب العمل فيه؟
وعلى كلّ حال، فما الحكم في الساعي في هذا الأمر شرعا وسياسة؟ مصلح أم مفسد؟
وكان هذا السؤال في عام 1326هـ.

فكان مِن جواب ذلك الإمام له:
نعم نوافق أنّ منشأ التشتيت اختلاف المذاهب وتشعب الآراء، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمّة على حسب ما اقتضاه نظركم الواسع.
وللتفرق أسباب أخرى مِنها، التحاسد والتباغض، والتكالب على الحظوظ العاجلة،
ومِنها طلب الرئاسة.

وجمع الأمّة على الفطرة الإسلامية بعد تشعب الخلاف ممكن عقلا مستحيل عادة،
وإذا أراد الله أمرا كان: {..لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)} [سورة الأنفال].

والساعي في الجمع مصلح لا محالة.

وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية ويحضهم على التسمي بالإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ..(19)} [سورة آل عمران]، فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية ولو بعد حين، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه ويكون الحق أوّلا عند آحاد مِن الرجال ثم يفشو شيئا فشيئا حتى يرجع إلى الفطرة.
وهي دعاية الإسلام التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام، وتضمحل البدع شيئا فشيئا، فيصير الناس إخوانا: {..وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا..}،
ولو أجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع الناس في قَبوله، وكفيتم مؤونة المغرم،
وإن تعذّر هذا مِن الملوك فالأمر عسير والمغرم كثير.
وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي ومتردد الملائكة، ومقصد الخاص والعام، حَرَمُ الله الآمِن، لأنّه مرجع الكل.

وليس لنا مذهب إلا الإسلام، فمِن ثم تجدنا نقبل الحق مِمّن جاء به وإن كان بغيضا، ونرد الباطل على مَن جاء به وإن كان حبيبا، ونعرف الرجال بالحق، فالكبير عندنا مَن وافقه، والصغير مَن خالفه، ولم يشرع لنا ابن إباض مذهبا، وإنّما نُسبنا إليه لضرورة التمييز حين ذهب كلّ فريق إلى طريق. (العقد الثمين مِن أجوبة نور الدين ج1 ص126/ 127 ط1)

وهذا كلام غني عن التعليق بشيء، فإنّه إن لم يكن شاهدا عادلا ومعلما واضحا على نبل قصد السائل والمجيب وسمو فكرهما، وحسن أنشودتهما، فليس يصح في الأذهان شيء.

توقيع :

لا يزال الحق فينا مذهباً * * * رضي الخصم علينا أم أبى
ما بقينا فعلى الحق وإن * * * نَقْضِ أحسنّا به المنقلبا
إنما سيرتنا العدل ولــن * * * ننثني عن نشره أو نذهبا

رد مع اقتباس