منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 18 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً




س:
ما حكمُ الصلاة قبلَ صلاةِ الجمعة ؟ وهل ثبتت صلاةٌ بعد صلاة الجمعة سواء في البيت أو في المسجد ؟


ج:
أما بالنسبة إلى راتبة الجمعة القبلية والبعدية .. أما البعدية .. والأوْلى كان أن أقدم القبلية ولكنني أقدم البعدية لأنَّها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف القبلية فسيأتي ما فيها
السنّة البعدية بعد صلاة الجمعة-نعم-ثابتة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإسناد الصحيح الثابت أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين .. هذا حديث صحيح ثابت لا كلام فيه.
وقد جاءت روايات تدلّ على أنه كان يصلي بعدها أربعا ولكنها لا تثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه، وإنَّما الثابت عنه الركعتان، وجاءت رواية قولية عند الإمام مسلم فيها الأمر بأربع ركعات ولها ألفاظ متعدِّدة منها: " مَن كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا " ولها ألفاظ قريبة مِن هذا اللفظ، ولذلك اختلَف العلماء في السنّة المشروعة وما هو الأوْلى فيها:
فمنهم مَن قال: إنه يصلي ركعتين.
ومنهم مَن قال: يصلي أربعا.
ومنهم مَن قال: يجمع بين الروايتين:
منهم مَن رجّح القولية-كما قلتُ-فقال: " يصلي أربعا، لأنّ القول مقدَّم عند التعارض ".
ومنهم مَن رجّح الفعلية لأنَّها أقوى مِن حيث الإسناد.
ومنهم مَن قال: يجمع بينهما .. يصلي ركعتين ثم يصلي أربعا.
ومنهم مَن قال: يصلي تارة ركعتين ويصلي تارة أربعا، فيكون قد أخذ بهذه الرواية تارة وأخذ بالرواية الأخرى تارة.
ومنهم مَن قال بِالتفصيل فقال: إن صلى في المسجد فإنه يصلي أربعا وإن صلى في البيت فإنه يصلي ركعتين كما جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
و-كما قلتُ الثابت مِن فعلِه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين.
وما جاء أنه صلى أربعا أو ستا فإنه لا يثبت عنه-صلوات الله وسلامه عليه-البتّة، والرواية القَوْلِيَة فيها نظر لأنها مِن طريق سهيل بن أبي صالح وَلَم تتّفق كلمة أهل العلم على توثيقه بل منهم المادح له ومنهم القادح فيه، فمنهم مَن لا يحتج بروايته ومنهم مَن يرى أنّ روايته ثابتة ولاسيما في مثل هذه الأمور، وهو في الحقيقة يَحتاج إلى شيء مِن النظر ولاسيما عند الـمُخَالَفة فهو وإن لَم تكن روايته هاهنا مُخالِفَة في الفعل ولكن الأصل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بالأعمال أكثر مِن غيره وما قيل بِأنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعله كان يُطيل الركعتين فهي أطول مِن حيث الكيفية أو أنه صلى الله عليه وسلم نظرا لاشتغاله بِالخطبة وما شابه ذلك كان يَخْتصر إلى الركعتين أو " هو تشريع "، نقول: أمَّا بِالنسبة إذا قيل: " هو تشريع " فلا كلام .. علينا أن نُسَلِّم لِما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ذلك حيثُ لا يكون هنالك كلامٌ في الرواية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواية سُهَيل فيها ما فيها مِن الكلام.
فإذا اقتصَر الإنسان على الركعتين الثابتتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا لا شك فيه فذلك حَسن جَميل وإن صلى في بعض الأحيان أربعا فإذا كانت نفسه تطمئن إلى تلك الرواية فلا مانع مِن ذلك وإن صلى ركعتين أوّلاً ثم زاد بعد ذلك فأيضا لا بأس بِذلك بِمشيئة الله تبارك وتعالى، ولكن الذي نستطيع أن نَجْزم بثبوته هو الركعتان وما عدا ذلك فهو مشكوك فيه لِما ذَكَرْتُه مِن الكلام في رواية سُهيل بن أبي صالح ففيها-حقيقة-مِن الكلام الذي لا تَطْمَئن النفس إلى قبولِ مثلِ هذه الرواية عنه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
أمَّا بالنسبة إلى السنّة القبلية في يوم الجمعة هنالك أمران يَنبغي التفريق بينهما:
أحدهما: مُطْلَق الصلاة .. أي أنّ الإنسان إذا دخل المسجد أو كان في بيته-أيضا-أنه ينبغي له أن يُصلِّي في هذا اليوم فنعم ذلك ثابت مِن قولِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مِن طريق سَلْمان، وقد جاء ذلك-أيضا-مِن طريق أبي هريرة وإن كان في إسنادِه سُهيل وقد أشرنا إلى ما فيه ولكنه في هذه الرواية لَم يُخالِف بل تُؤيِّدُ روايتَه الروايةُ السابِقة، وقد جاء ذلك-أيضا-مِن غير هاتين الطريقين، فهذا الأمر ثابتٌ عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولكن ذلك لَم يُحَدَّد بِعددٍ معيّن مِن الركعات فليُصلِّ الإنسان ما شاء كما جاء ذلك في الحديثِ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .. كما جاء: ( فَليُصل ما قُدِّرَ له ) أو ما شابه ذلك مِن الألفاظ فهذا ثابِت، ولا ينبغي لِلإنسان أن يَتَكَاسَل في ذلك، فإذا جاء الإنسان قبل سَاعة أو قبل نصف ساعة أو أكثر أو أقل فليُصل ما شاء مِن الركعات حتى لو كان ذلك في وقتِ الزوال فإنّ ذلك الوقت لا يُنْهَى عن الصلاة فيه في هذا اليوم فهو مستثْنَى مِن النَّهْي على القول الصحيح وإن كان فرّق بعضُهم بيْن مَن كان في المسجد ومَن كان في غيره إلى غير ذلك ولكنني لا أرى دليلا على التفريق فليُصلّ الإنسان في ذلك ما شاء.
والثاني: كون ذلك سنّة قبلية كما هو الحال في سنّة الظهر القبلية أو في السنّة البعدية أو ما شابه ذلك فهذا قد اختلَفتْ فيه كلمة الأمّة:

1- ذهب بعضهم إلى أنّ لِلجمعة سنّة قبلية كما هو الحال في الظهر.

2- وذهبت طائفة مِن أهل العلم-ونُسِبَ إلى أكثر أهل العلم-إلى أنَّه ليست هنالك سنّة قبلية للجمعة، وهذا هو الذي أذهب إليه، إذ إنني لم أَجِد روايةً صحيحة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-تدلّ على ذلك، ومِن المعلوم أنَّه عند الخلاف يَنبغي لِلإنسان أن يَرجع إلى الثابت مِن قول وفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونَحن عندما رجعنا إلى السنّة فإننا وجدنا بعضَ الروايات التي تدلّ على ذلك منها ما يدلّ على الركعتين ومنها ما يدلّ على الأربع .. جاء ذلك مِن طريق ابن عمر وجاء ذلك مِن طريق ابن عباس ومِن طريق ابن مسعود ومِن طريق علي بن أبي طالب وكلُّ ذلك لا يَصِح .. على كل حال؛ لا أرى داعيا لذكر ما في تلك الروايات مِن العِلَلِ لأنّ المقام سيطول بِه لأنّ في بعضها أربع عِلَل وفي بعضها ثلاثا وفي بعضها اثنتين وذلك يَطول بِه المقام ولكن هي مِن الضّعف بِمكان، وقد وَجَّه إليّ بعضُ الإخوان سُؤالا في ذلك ولعلّي أتفرّغ لِلإجابة عليه بِإطالة إن وفّق الله-تبارك وتعالى-إلى ذلك.
ومنهم مَن استدلّ بِحديث: ( بَيْن كل أذانين صلاة )، ولا دليلَ في ذلك البتّة، لأنّ الأذان الأوّل لِصلاة الجمعة حَادِث .. لم يَكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يُمكن أن نستدِلّ بِهذه الرواية على ذلك وأنّ هذا هو المقصود بِالأذان الأوّل، فالأذان الأوّل هو الأذان الثاني الذي يَخطب الخطيب بعدَه مباشَرَة .. هذا الأذان الأوّل والأذان الثاني هي الإقامة فإنّ الإقامة يُطلَق عليها لفظ " الأذان "، وقيل: إنّ ذلك على سبيل التَّغْلِيب، فكما يُقال " العُمَرَان " و " القَمَرَان " إلى غير ذلك.
ومنهم مَن أَوَّلَ ذلك بِتأويل فيه بُعْد-كما أشرتُ إليه بِالأمس (32)-فلا يُمكن أن نستدِل بِهذا الحديث على ذلك البتّة.
ومنهم مَن استدَلّ على ذلك بِرواية تُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن طريق ابن الزبير فيها أنّه صلى الله عليه وسلم .. على نِسْبَة ذلك وإلا فهي لا تَصِح كما ستأتي الإشارة .. فيها: " مَا مِن فريضة إلا وبين يديها ركعتان "، وهذه الرواية-في حقيقة الواقع-لا تثبت فهي مِن الروايات التي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبيان ذلك له موضِع آخر.
ومنهم مَن استدَلّ بِأنّ النبي صلى الله عليه وسلم -كما جاء مِن طريق أبي أيوب-كان يُصلي سنّة الظهر القبلية حتى في السَّفر، فقد جاء عن أبي أيوب أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في ثَمانية عشر سفرا-أو ما هذا معناه-وكان يُصلي قبل الظهر ركعتين، ولكن هذه الرواية ضعيفة لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم على تقدير ثبوتِها-وهو بعيد جدا-فهي في صلاة الظهر.
ومنهم مَن قاس ذلك على السنّة القبلية قبل الظهر، وذلك فيه مِن البعد ما لا يَخفى فالفرق بينهما أوضح مِن أن يَحتاج إلى إيضاح.
ومنهم مَن أخذ ذلك مِن بعض أفعال الصحابة، وتلك الأفعال-في حقيقة الواقع-في النفل المطلق لا في سنّة قبلية قبل فريضة الجمعة.
والحاصل أنّ الصحيح عندنا أنه ليست هنالك سنّة قبلية قبل فريضة الجمعة-كما هو الحال في فريضة الظهر-ولكن يَنبغي لِلإنسان أن يَتنفّل ما شاء قبل فريضة الجمعة وقبل خُطبتها، لكن نَرى كثيرا مِن النَّاس أنّ الواحد منهم يأتي ويصلي ركعتي تَحية المسجد ثُم يبقى إما يقرأ أو يذكر أو يبقى جالسا هكذا وعندما يؤذن المؤذن تقوم الأمّة جميعا تصلي .. تظنّ أنّ ذلك مِن السنن الواجبة التي لابد منها فهذا لا أصل له، وهذا هو الذي شدّد فيه مَن شدّد مِن أهل العلم ووصفه بالبدعة، ومع ذلك نقول: إنَّه لا ينبغي التشديد في مثل هذه القضايا فإنّ أهل العلم قد اختلَفوا في هذه المسألة وما دامت المسألة خلافية ينبغي للإنسان أن يأخذ بِالأرجَح وأن يُبَيِّن ذلك بالأسلوب الواضِح المفِيد، أما أن يَتشدّد مع الناس أو أن يَصِفَهم بِأنَّهم مِن المبتدِعة أو ما شابه ذلك مع أنَّهم يأخذون بِرأي مَن يَقول بِمشروعيةِ هاتين الركعتين بل وأنَّهما مِن السنن الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فَفَرْق بيْن المسائل القطعية وبين المسائل الظنية لكن نقول: ينبغي أن ننبه الناس أنَّ مَن أراد أن يأخذ بذلك فلا يَتَنَطَّع على غيره وأن يَصِفَه بِالتكاسل وبعدمِ حُبّ الخير أو أنه يُنَفِّر عن ذلك أو مَا شابه ذلك .. كلاّ، فإن كان هو يريد ذلك فليفعل ولكن ليس له أن يتشدّد مع غيره، كما أنّ الغير-أيضا-ينبغي له أن يُوَضِّح ذلك بِالأسلوب الواضِح الرَّزين المستنِد إلى الحجّة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وبعد ذلك فلابد مِن أن يُفرّق بيْن المسائل القطعية وبيْن المسائل الظنية .. هذا ما أَوَدُّ أن أُنَبِّه عليه الآن بِاختصار وهذا ليس خاصّا بِهذه المسألة بل هو شامل لكلِّ مسألة من المسائل .. يأخذ الإنسان بالثابت الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويُنَبِّه النَّاس عليه وبعد ذلك لابد مِن التفريق بين المسائل المختلَف فيها وبين المسائل الـمُتَّفَق عليها بين أهل العلم، وهذه المسألة في الحقيقة تحتاج إلى إطالة .. لا أقول مسألة الصلاة قبل الجمعة ولكن مسألة المسائل الخلافية والتَّفريق بين المسائل القطعية وبين المسائل الظنية وبين-أيضا-ما ثبت بالدليل الواضح الجلي الذي لا غموض فيه مِن المسائل وإن كانت ظنية وبين المسائل التي ليس فيها دليل واضح .. إمَّا فيها أدِلَّة مُختلَف فيها بين أهل العلم في ثبوتِها وعدم ثبوتِها أو في دلالتها أو ما شابه ذلك ولعلنا نشير إلى ذلك ولو بإشارة مُختَصَرَة في الجواب الذي قلنا لعل الله-تبارك وتعالى-يُوفِّقنا لِلكتابة عليه في المسألة المذكورة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس