منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 12 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



(سابعا : أحكام السنن والنوافل)

س:
الناس-ربما-مسألة السنن يتهاونون فيها ويَظنون أنّ مرتبتها صغيرة جدا لا تَرقى إلى أن يُحافِظ عليها الإنسان، ما هي قيمة السنن في الإسلام ؟

ج:
إنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-مع أنه قد غَفَر الله-تبارك وتعالى-له ما تَقدَّم مِن ذنبه وما تَأخَّر كان يُحافِظ أشدَّ المحافظة على السّنن في ليله ونهاره، وقد أمر صلوات الله وسلامه عليه بذلك وحثّ عليه، وبيّن فضْل ذلك وعلوّ منزلته في كثير مِن الأحاديث الثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه التي جاءت عن طائفة كبيرة مِن صحابته رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم.
فقد جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ( مَن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تَقرَّب إلي عبدي بشيء أفضل مِمّا افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يَتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببتُه كنتُ سَمعَه الذي يَسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجلَه التي يَمشي بها، وإن سألني ...(1) إلى آخر الحديث، وهو وإن كان قد تكلم فيه بعض العلماء إلا أنه قد جاء مِن طرق أخرى يَشدّ بعضها بعضا فيَرتقي بذلك الحديث إلى درجة القَبول .. هذا الذي نراه في هذا الحديث.وقد سأل رجل مِن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرافِقه في الجنة فقال له صلوات الله وسلامه عليه: ( أَعِنِّي على ذلك بِكثرة السجود ). وحثّ أحدَ صحابته وهو ثوبان-رضوان الله تبارك وتعالى عليه-بكثرة السجود وبيّن له صلوات ...(2) سجدةً إلا رَفع الله له بها درجة وحطّ عنه بها سيئة. وهكذا شأن النفل، فإنّ الله يَرفَع به الدرجات ويَحطُّ به السيئات، وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولا أرى حاجة بالإطالة بذكرها. وقد جاء في بعض الأحاديث أنّ النفل يُتَمَّمُ به الفرض فإن كان هنالك نَقص وقع في بعض الفرائض فإنّ الله يُتمّها يوم القيامة بالنفل. فلا ينبغي لأحد أن يتهاون بالنوافل، ولاسيما تلك التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد سُئل بعض العلماء عمّن تهاون بالنوافل الراتبة المؤكَّدة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هو رجل سوء " وبيّن بأنه لا يَقبَل له شهادة، وسُئل بعض العلماء-أيضا-عمّن يَتهاون بالسنن المؤكَّدة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر رضوان الله-تبارك وتعالى-عليه أنّ الله-تبارك وتعالى-أعلم به وهو مات يوم مات متهاونا بهذه السنن المؤكَّدة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وأنه يُخشى عليه مِن ذلك، أو ما شابه هذا المعنى (3). فينبغي للإنسان-إذن-أن يُحافِظ على تلك السنن الراتبة ويُحافِظ على تلك السنن التي كان يُحافِظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه-كما قلتُ قد غَفَر الله له ما تَقدَّم مِن ذنبه وما تَأخَّر، بنصّ كتاب الله-تبارك وتعالى-وبنصّ سنّة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-الثابتة ثبوتا لا شك فيه. وهذه السنن كثيرة ومتعدِّدة مبثوثة في كتب السنن.
وينبغي للإنسان أن يُحافِظ عليها على حسب ما كان يُحافِظ عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. هكذا ينبغي في السنن بل حتى في الواجبات .. ينبغي للإنسان أن يأتي بها على حسب ما كان يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم .. يأتي بالواجبات وبالسنن على حسب ما كان يأتي بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. يراعيها مِن حيث السبب، ويراعيها مِن حيث الجنس، ويراعيها مِن حيث العدد، ويراعيها مِن حيث النوع، ويراعيها مِن حيث الزمان، ويراعيها مِن حيث المكان .. يراعي هذه الأمور جميعا، فيأتي بعباداته على حسب ما كان النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يأتي بها عليه في الأمور التي ذكرناها جميعا، وهي تحتاج إلى تفصيل طويل، فلعل الله-تبارك وتعالى-يَمنُّ علينا بأن نتكلم على هذه الأمور الستة بكلام أطول مِمّا هنا ونضرب على ذلك بعض الأمثلة التي يَتَّضِح بها المقام؛ والله-تبارك وتعالى-المستعان.


س:
نودّ منكم تعريفا للسنن المؤكدة .. ما هي السنن المؤكدة (4) ؟

ج:
السنن منها ما هو مؤكَّد، ومنها ما هو راتب، ومنها ما هو نفل مطلَق.
أما السنن المؤكَّدة-وأتكلم الآن على السنن في باب الصلاة-فهي التي كانت يأتي بها النبي e في حضره وفي سفره ولم يَثبت عنه أنه تركها ولا مرة واحدة في حياته.
وذلك كمثل صلاة سنّة الفجر، فإنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يَتركها لا في حضر ولا في سفر، حتى أنه صلوات الله وسلامه عليه عندما نام هو وصحابته الكرام-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-وقاموا بعد طلـوع الشمس أتى بسنّة الفجر ثم أتى بالفريضة.
وهكذا بالنسبة إلى الوتر، فإنه لم يَثبت عنه أنه تَركها البتّة.
حتى أنّ بعض العلماء قال بوجوب الوتر، ومنهم مَن قال-أيضا-بوجوب سنّة الفجر.
ولكنّ القول الصحيح في الوتر بأنه سنّة مؤكَّدة، لا يَصل إلى مرتبة الوجوب.
أما بالنسبة إلى سنّة الفجر فقد نُسِب إلى الحسن البصري بأنه قال بوجوبها وكذلك جاء عن الحسن بن زياد أنّ الإمام أبا حنيفة يقول بوجوب ذلك وأنا أشكّ في ذلك كثيرا، أما بالنسبة إلى الإمام أبي حنيفة فإنّ الأكثرية الكاثِرة مِن أصحابه يَنسِبون إليه القول بأنها سنّة وليست بواجبة .. هذا هو الثابت عنه، أما بالنسبة إلى الحسن البصري فإنه لا يُريد بالوجوب هاهنا الواجب الذي يُرادِف الفرض، وإنما يُريد بذلك شِدّة التأكيد، وهذا يَرِدُ كثيرا في بعض الأدلة وفي كلام بعض السلف .. يعبِّرون بالواجب ولا يُريدون بالواجب الواجب الذي هو يُرادِف الفرض، وكما أنهم يعبِّرون بالسنّة ولا يريدون السنّة المعروفة عند الفقهاء، وإنما يريدون بأنّ ذلك ثابت بِالسنّة، أو ما هو مشابِه لذلك، فالصحيح عن الحسن البصري بِأنه يَقول: " إنّ سنّة الفجر سنّة " ولا يَقول بِوجوبِها .. هذا الذي ثبت عنه، وإنما عبّر بِالواجب وهو لا يريد بِذلك الوجوب المعروف. ونحن علينا أن نتدبر عندما نَجد شيئا مِن المصطلحات الحادِثة .. عندما نَجد هذه المصطلحات موجودة في كتاب الله أو في سنّة رسوله أو في كلام بعض السلف مِن الصحابة والتابعين .. أقول: علينا أن نتدبّر جيدا وألاّ نَحمِل تلك الآيات أو تلك الأحاديث أو ذلك الكلام المروي عن السلف على حسب هذه المصطلحات التي اصطلح عليها الفقهاء أو علماء الأصول، وذلك لأنّ هذه اصطلاحات متأخِّرة ولأولئك القوم اصطلاحات أخرى، و-كما قلتُ-حتى في الكتاب العزيز وفي السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ما يُبيِّن ذلك بيانا واضحا بأنه لا يُراد بذلك هذه المصطلحات، فالله يقول: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ ...} [ سورة البقرة، من الآية: 200 ] فهل يُراد بالقضاء هاهنا الإتيان بالعبادة بعد انتهاء وقتها كما هو المقرر عند الأصوليين ؟! وكذلك: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ...} [ سورة الجمعة، من الآية: 10 ] .. هل يُراد القضاء هاهنا القضاء الذي هو بمعنى فِعل العبادة بعد خروج وقتها المحدَّد لها شرعا ؟! كلاّ .. لا يُراد ذلك بهذا، وكذلك جاء في بعض الروايات: ( إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) وفي بعض الروايات: ( فأَتِمُّوا ) وقد احتج بعض العلماء بالإتمام على معنى واحتج بعضهم على معنى-كما هو المعروف في كتب الفقه-ولا ينبغي الاحتجاج بمثل ذلك .. على أنني أقول أنّ الحديث قد جاء بلفظ واحد واللفظ الثاني مروي بالمعنى، وهكذا في كثير مِن الأحاديث التي تأتي بألفاظ مختلِفة لا يُمكِن أن نَحتَج بها على عِدّة أحكام مع أنّ القضية واحدة .. نعم إذا اختلفت القضايا فيُمكِن ذلك إذا لم يُمكِن الجمع بينها .. فهذه أمور لابد مِن أن تُتَدبّر، وكذلك ما جاء عن السيدة عائشة رضي الله-تبارك وتعالى-عنها: " سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفِطْر " لا تُريد بذلك أنها سنّة ويمكن أن نحتجّ بذلك ونقول: " جاء في بعض الروايات التصريح بالوجوب وفي بعضها جاء التصريح بالسنّة فإذن الأحاديث هاهنا متعارِضة منهم مَن يقول بالنسخ ومنهم مَن يُرجِّح "، إلى غير ذلك .. كلاّ، بل معنى ذلك أنها ثبتت بالسنّة وإن كانت هي واجبة في حقيقة ذاتها، إلى غير ذلك مِِِِِِِن الأمثلة الكثيرة جدا جدا التي ينبغي التنبه لها، فإذن هكذا .. عندما نَجد في كلام السلف-أيضا-الحكم بوجوب أمر والظاهِر أنّ ذلك مخالِف للسنّة الصحيحة لا ينبغي أن نَتسرّع ونَنسب إليهم المخالَفة للسنّة الصحيحة الثابتة ما أمكن أن نَحمِل ألفاظَهم على حسب ما تدل عليه تلك الأدلة. فهاهنا الأدلة واضحة تدل بأنّ هذه سنّة، ففي حديث السيدة أم حبيبة بيَّنَت بأنها مِن السنن، وهكذا في حديث السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-وجاء ذلك عنها مِن أكثر مِن رواية تدل دلالة صريحة بِأنّ هذه مِن السنن وليستْ مِن الواجبات. وهكذا نَجد في كلام كثير مِن السلف الحكم بكراهة بعض الأمور مع أنّ تلك الأمور محرَّمة بنصوص واضحة جلية فهم لا يُريدون بالكراهة هاهنا الكراهة المعروفة عند الفقهاء والأصوليين، وإنما يريدون بالكراهة التحريم، إلى غير ذلك مِن المعاني التي لا يتّسع المقام لذكرها الآن كما أنه لا يتّسع لذكر الأدلة التي تدل على ما ذكرناه، وعسى أن نبيِّن ذلك في مناسبة أخرى، فالمقام يقتضي ذلك، لكثرة وقوع الخطإ في هذه المسألة مِن بعض العلماء فضلا عن غيرهم.
كما أنه عند نسبة الأقوال إلى بعض العلماء السابقين مِن الصحابة والتابعين الذين لا تُوجَد لهم مؤلفات ينبغي أن نَنظُر أوّلا وقبل كل شيء في صحّة تلك الروايات التي رُويت عن أولئك الصحابة والتابعين، فإننا نَجد كثيرا في كتب الخلاف(5) أنّ كثيرا مِن أهل العلم يَروون بعض الروايات عن بعض الصحابة أو التابعين مِن غير أن يُمحِّصوا تلك الروايات هل تلك النسبة صحيحة أو ليست بصحيحة، وهذا موجود في كتب التفسير وفي كتب الفقه، إلى غير ذلك، مع أنّ طائفة كبيرة مِن تلك الأقوال التي تُنسَب إلى أولئك الصحابة الكرام وإلى أولئك التابعين لا تَثبت عنهم، فلابد مِن معرفة الثابت عنهم، فقد كُذب عليهم، وجاء عن بعضِهم بعضُ الروايات مِن طرق لا تقوم بها الحجّة لضعف رجالها أو لتدليسهم، إلى غير ذلك مِمّا لا تقوم به الحجّة، فينبغي التَّنبُّه لذلك، وألاّ نَنسب إلى الصحابة أو غيرهم إلا ما ثبت عنهم، وعند مَن لا يستطيع ذلك إما أن يُعرِض عن ذلك على الإطلاق، وإما أن يُبيِّن ذلك بطريقة يَظهَر منها بأنه لم يَتثبَّت مِن ذلك وإنما ذَكَرَهُ على حسب ما نُسِب إليهم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
أنتم تحدثتم عن سنّة الفجر وأنها مؤكَّدَة والبعض ذهب إلى أنها واجبة .. الآن بالنسبة لسنّة الفجر، ما حكم صلاة سنّة الفجر أثناء صلاة الإمام الفريضة ؟

ج:
نعم سنّة الفجر سنّة مؤكَّدة، للأحاديث الكثيرة التي دلّت على ذلك، وقد جاء في فضْلها-أيضا-الكثير الطيب مِن سنّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فلا ينبغي لأحد أن يُفرِّط فيها بحال مِن الأحوال، ويكفي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها: ( سنّةُ الفجر خير مِن الدنيا وما فيها ) .. هكذا ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا مِن الفضْل ما لا يَخفى على مَن أراد الفضْل. فسنّة الفجر تُشرَع بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فإنها تُشرع في ذلك الوقت .. هذا هو الوقت الذي كان يَفعلها فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما مَن قال بأنها تُشرَع قبل ذلك فلا دليل له، بل هو مصادِم للدليل أيَّما مصادَمة، فلا ينبغي لأحد أن يَأخذ بذلك .. نعم مَن أخذ بذلك في الماضي فليستغفر ربه ولا شيء عليه، أما بالنسبة إلى المستقبل فلا ينبغي لأحد أن يَأخذ بذلك مع مصادَمة ذلك-كما قلتُ-للسنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثُبُوتا لا شك فيه. وسنّة الفجر كان يُصليها النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، وكان يَختصِر فيها القراءة حتى أنّ السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-كانت تشكّ هل أتى بالفاتحة فيها أو لا، ومِن هنا قد اختلف العلماء هل يُشرَع للإنسان أن يَقرَأ فيها أو أنه لا تُشرَع فيها القراءة ؟

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس