منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - ملف شامل يتضمن عدد من المواضيع والمسائل المتعلقة بــ ( الصلاة )
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 02-12-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 9 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



البَابُ الرَّابعُ: في أَرْكَانِ الصَّلاةِ

وبعدَ أنْ تعلمتَ -أخِي الطالبَ أختي الطالبةَ- شُروطَ الصَّلاةِ فاحمدِ اللهتعالَى على نعمةِ العِلْمِ واسألْهُ التَّوفِيقَ لصَالحِ العَمَلِ، والاقتداءِ بسَيِّدِ الرُّسلِ، المعطَى جوامعَ الكَلِمِ، القائِلِ:" صلُّوا كمَا رأَيتمُونِي أُصَلِّي"[1].
وقدْ مرَّ لديكَ سلفًا أنَّ للصَّلاةِ أركانًا -وقدْ عرفتَ الفَرقَ بينَ الرُّكنِ والشَّرطِ- فشمِّرِ العزمَ لإدراكِ الأركانِ فإنَّهُ لا يمكنُ أنْ يقومَ للصَّلاةِ بدونِها بنيانٌ...

وأركانُ الصَّلاةِ تسْعةٌ، وهيَ -إجمالاً-: النيَّةُ، والقِيامُ، وتكبيرةُ الإِحْرامِ، والخشُوعُ، وقراءةُ الفَاتحةِ، والرُّكوعُ، والسُّجودُ، والتشَهُّدُ الأخيرُ، والتسْلِيمُ.
فهَاكَها مفصَّلةً مُبَيَّنَةً:


الرُّكْنُ الأوَّلُ: النيَّةُ

النيةُ هيَ الركنُ الأولُ منْ أركانِ الصلاةِ، بلْ هيَ الركنُ الأولُ مِنْ جميعِ العباداتِ التي لا نعقلُ معناهَا، والدَّليلُ على وجوبِها وركنيَّتِها قولُهُتعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ{البينة: ٥، وقولُهُ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ :" إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّياتِ"[2].


فَصْلٌ

واعلمْ -يا رحمكَ الله- أنَّهُ ينبغِي للمصلِّي إذَا أرادَ القيامَ واقفًا بينَ يدَيْ ربِه العظيمِ جلَّ في علاهُ أنْ يُخلصَ القصدَ والمرادَ للهِ تعالَى ثم يُعيِّنَ الصَّلاةَ التي يريدُ القيامَ لها ظهرًا أو عصرًا...ثمَّ يعينَها فرضًا أو نفلاً... حضرًا أو سفرًا.. أداءً أو قضاءً، وعليهِ أنْ يستحضرَ نيتَهُ طوالَ الصلاةِ إنْ أمكنَهُ، وإنْ عزبتِ النيةُ أثناءَ الصلاةِ فلا بأسَ ما لم ينوِ قطعهَا أو تبديلَ النيةِ لصلاةٍ أخْرى كأنْ يحولِّها مِنْ فرْضٍ لنفلٍ، أو منْ فرضٍ لفَرضٍ آخرَ فإنَّ ذلكَ مما تفسُدُ الصلاةُ بهِ[3].


فَتْوَى

السُّؤالُ/ما الحكمُ إذَا صلَّى الشَّخصُ الجمعةَ بنيةِ أنَّها (سنةٌ) جاهلاً بحكمِ وجوبِها؟ وهَلْ يلزمُه شيءٌ ؟
الجوابُ/عليهِ أنْ يُبدلهَا ظهراً أربعَ ركعاتٍ؛فإنَّ الجمعةَ لا تنعقدُ إنْ نواهَا سنةً، وعليهِ التوبةُ إلى اللهI لجهلِهِالواجِبَ عليهِ، واللهأعلَمُ[4].


فَوَائِدُ

صحَّحَ محدِّثُ العَصرِ[5]-حفظَهُ الله- أنَّهُ لا يلزمُ المسافرَ تعيينُ صَلاتيْ المغربِ والفَجرِ أنَّهما حضرٌ أو سفرٌ؛ وذلكَ لأنَّهما صلاتانِ لا قصْرَ فيهَما.
وصحَّحَ كذلكَ وجوبَ التزامِ النِّيةِ في ركعاتِ الصَّلاةِ -كصلاةِ الوترِ مثلاً- علَى ما أحْرَمَ عليهِ أوَّلاً، فلَيْسَ لَهُ أنْ يَزيدَ ثلاثًا إنْ كانَ أحرَمَ بواحِدةٍ، أو يقتصرَ على واحدةٍ إنْ أحرمَ علَى ثلاثٍ [6].


}تنبِيهٌ{


في النِّياتِ اللَّفظِيَّةِ

النيةُ المطلوبةُ للصَّلاةِ هيَ النيةُ القلبيةُ، وهيَ القصدُ والعزمُ بالقلبِ لأداءِ الفِعْلِ، ومعنَى ذلكَ أنَّ النيةَ محلُّها القلبُ، وأمَّا ما شاعَ عندَ الكثيرِ مِنَ الناسِ مِنَ الإتيانِ ببعضِ الألفاظِ فهوَ ليسَ منَ النيةِ الواجبةِ في شيءٍ، بلْ لمْ يأتِ به سلطانٌ لا منْ كتابٍ ولا منْ سنةٍ، ولمْ يكنْ معهودًا عندَ الرَّعيلِ الأولِ منْ صحابةِ رسولِ اللهrوالتابعينَ لهمْ، وإنَّما استحسنَهُ بعضُ العلماءِ المتأخرينَ منْ أجلِ إعانةِ العوامِ علَى استحضارِ نيةِ الصلاةِ فقط، ولكنْ صارَ الأمرُ عادةً عندَ النَّاسِ فاختلطَتِ العادةُ بالعبادَةِ حتَى قالوا بوجوبِ هَذِهِ الألفاظِ[7]..
ومنَ المعلومِ بينَ عوامِ الناسِ أنفسِهم أنَّه لو قالَ أحدٌ لصَاحبِه: "كنتُ نَوَيْتُ بالأمسِ زيارتَك" لمْ يكنْ معنَى ذلكَ أنَّه ردَّدَ ألفاظًا معيَّنةً، وإنَّمَا هوَ قصدُ القلبِ فقطْ لفعلِ ذلكَ العملِ، فحصلتْ النيةُ بذلكَ.
ويَكفي دلالةً على وجودِ نيةِ الصلاةِ أنَّ الواحدَ منهمْ إذا أرادَ أنْ يصلِّيَ ذهبَ فقضَى حاجتَهُ وتوضَّأَ وضوءَ الصَّلاةِ ثمَّ مَشَى لمصَّلاهُ وقامَ في الصفِّ واستَوى عندَ إقامةِ الصلاةِ، فمَا معنى ذلكَ كلِّهِ؟!! أليسَ دليلاً واضحًا علَى وجودِ النيةِ والقصدِ والإرادَةِ؛ ولذا أنكرَ الإمامُ النُّورُ السَّالِمِيُّ -رَحمَهُ اللهُ-في جَوهرِهِ ذلكَ القولَ ناظِمًا:

ونِيَّةُ الصَّلاةِ بالجَنَانِ***فقطُّ دونَ اللَّفْظِ باللِّسَانِ
واللفظُ تأكيدٌ لمنْ يشاهُ***وَقِيْلَ لازِم وَلا نَرَاهُ
كَيْفَ يكُونُ اللَّفْظُ يلزَمَنَّا***ولمْ يَكُنْ في القَصْدِ يَدْخُلَنَّا
وَالواجِبُ النِّيَّةُ دُوْنَ القَوْلِ***فَلا أَرَى صِحَّتَهُ مِنْ قَوْلِ[8]






ويقولُ-رَحمَهُ اللهُ-في موضعٍ آخرَ:
لأَنَّمَا النِّيَّةُ بِالفُؤَادِ***لا بِالتَّلفُّظَاتِ والتعْدَادِ[9]





ويقولُ في موضعٍ ثالثٍ:
وَهِيَّ بالقَلْبِ وباللِّسَانِ***في قول بعضِ النَّاسِ مِنْ عُمَانِ


وأهلُ نَزْوَى عِنْدَهمْ بالقَلْبِ***وَهُوَ الذِي مَالَ إِليْهِ قَلْبِي[10]







الرُّكنُ الثانِي: القِيامُ


دلَّ مجموعُ النصوصِ منْ كتابِ اللهتعالَى وسُنةِ نبيِّهِ r علَى وُجُوبِ القيامِ في الصَّلاةِ، وأنَّهُ رُكنٌ لا تصحُّ الصَّلاةُ بدونِهِ قَالَ تَعَالى:}وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {البقرة: ٢٣٨، وفِي السُّنَّةِ المطَهَّرةِ قولُهُ r: "صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا"[11].
هذَا بالنسبةِ للفرائضِ، ويُرخَّصُ في النَّوافلِ المطلَقةِ -غيرِ المؤكَّدةِ وغيرِ الرَّاتبةِ- بالصَّلاةِ قاعدًا ولوْ معَ الاختيارِ[12]، ولكنَّ صلاةَ القاعدِ في هذِهِ الحالةِ أقلُّ درجةً منْ صلاةِ القائمِ قالَ r:" صلاةُ أحدِكمْ قاعدًا نصفُ صلاتِه قائمًا"[13].



فَصْلٌ في صِفَةِ القِيَامِ


وصفةُ القيامِ أنْ ينتصبَ المصلِّي معتدلاً دونَ انحرافٍ أوِ اتكاءٍ لأيِّ جهةٍ منَ الجهاتِ معَ التفْريقِ بينَ القدَمَينِ دونَ مباعدةٍ كبيرةٍ بحيثُ تكونُ قدماهُ مسايرةً لأعضاءِ جسمِهِ، ويسوِّي المصلِّي قامتَهُ ويقيمُ صلبَهُ ويُرسِلُ يديهِ علَى جانبَيهِ[14]، ويصوِّبُ ببصرهِ نحوَ موضعِ سجودِهِ ولا يرفعُهُ؛ لما جاءَ منَ الوعيدِ الشَّديدِ علَى ذلكَ، ففي الحديثِ عنهُ rقالَ:" مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ"[15].



فَتْوَى


السُّؤالُ/ في حَالِ تأديةِ الصَّلاةِ أينَ يكونُ نظرُ المصلِّي؟
الجَوابُ/ المصلي عندَما يكونُ قائمًا يكونُ نظرُه محصورًا بينَ قدميْهِ وموضعِ سجودهِ، وعندَما يكونُ ساجدًا يَنظرُ إلى أنفِه؛ لأنَّ ذلكَ هوَ النظرُ الطبيعيُّ، وعندَما يكونُ راكعًا ينظرُ إلى مَا بينَ إبهاميْهِ، وعندَمَا يكونُ قاعدًا ينظرُ إلى ما بينَ ركبتيْهِ، واللهُ تعالَى أعلمُ[16].



}تَنْبِيْهٌ{


السُّنةُ أنْ يفتحَ المصلِّي عينيْهِ في الصلاةِ، لكنْ لا ينبغِي لهُ أنْ يفتحَ عينيهِ كثيرًا مخافةَ أنْ يشتغلَ، بلْ يكونُ الأمرُ وسطًا، بلِ الظَّاهِرُ -كمَا يقولُ شيخُنا الخليليُّ والغاربيُّ- أنَّهُ لا مانعَ منَ الإغماضِ لمنَ خشيَ الاشتغالَ بالفتحِ، وباللهِ التَّوفيقُ[17].



فَصْلٌ في صَلاةِ العَاجِزِ


واعلَمْ -أدامَ اللهعليْكَ نعمةَ الصِّحَّةِ والعَافِيَةِ- أنَّ مَنْ لمْ يستطعِ القيامَ في الصَّلاةِ فإنَّهُ يسقطُ عنهُ هذَا الفرضُ، فيُصلِّي علَى الكيفيَّةِ التِي يستطيعُ عليهَا، فمَنْ لمْ يستطِعْ أنْ يصلِّيَ قائِمًا فليُصَلِّ قاعدًا[18]، فإِنْ لمْ يستطعْ أنْ يُصلِّيَ قاعدًا فليُصلِّ مضطجعًا علَى جنبِهِ الأيمنِ مستقبلاً للقِبلةِ بوجهِهِ، وإِلا صلَّى مُستلقيًا علَى ظهرِهِ (وتكونُ قدماهُ نحوَ القبلةِ، بحيثُ لوْ وقفَ لاستقبلَ القبلةَ)[19].
وإنْ لمْ يتمكنْ مِن اسْتقبالِ القِبلةِ فليُصلِّ إلى أيِّ جهةٍ كانَ عليهَا، وهكَذا منْ لمْ يستطعْ أنْ يركعَ أو يسجدَ فليومِئ لهمَا، ويكونُ إيماؤُهُ للسُّجودِ أخفضَ من إيمائِه للركوعِ[20]، فإنْ لمْ يستطعِ الإيماءَ ولا الحركةَ مطلقًا فعليهِ أنْ يأتيَ بألفاظِهَا من قراءةٍ وتسبيحٍ وتحميدٍ[21]، ولا يتركُ الصلاةَ فِي حالٍ منَ الأحوالِ ولو أنْ يُكيِّفَ أعمالهَا بقلبِهِ ما دامَ أنَّ مناطَ التكليفِ (العَقْلَ) قائمٌ بهِ، فسُبحانَهُ ما أيسرهُ مِنْ دِيْنٍ، ومَا أتمَّها مِنْ نعْمَةٍ}يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{البقرة: ١٨٥.


والدِّينُ يُسْرٌ لمْ يَكُنْ عَسِيرا***فَبَشِّرُوا لا تُظْهِرُوا التَّنفِيْرا







مَسْأَلةٌ


لو قُدِّرَ أنَّ إنسانًا لمْ يجدْ ما يسترُ بهِ عورتَهُ في الصَّلاةِ إلا أنْ يصلِيَ جالسًا، فهَلْ يُراعِي الرُّكنَ؟ فيُصلِي قائِمًا، أو يراعِي الشَّرْطَ؟ فيُصلِي جالسًا، قولانِ، والمختارُ عندَ العلامةِ القنوبيِّ- حفظَهُ الله- أنَّه يصلِّي قاعِدًا؛ لأنَّ هذَا هوَ الأقربُ إلى معانِي الشَّريعةِ ومقاصدِها، ومعَ ذلكَ يَسترُ عورتَه بمَا أمكنَ مِنْ تُرابٍِ أو شَجَرٍ[22]، إلا إذَا كانَ في مكانٍ ساترٍ بحيثُ لا يمكنُ أنْ يطَّلعَ عليهِ أحدٌ -كأنْ يكونَ فِي غرفةٍ مغلقةٍ- فَيراعِي حينَهَا الرَّكنَ ويصلِي قائِمًا[23].



مَسْأَلةٌ أُخْرَى


الأصلُ أنَّ المأمومَ يتابعُ إمامَهُ صلَّى الإمامُ قاعدًا أو قائمًِا لحديثِ :" إنَّما جُعل الإمامُ إمامًا ليؤتَمَّ بِهِ، فإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا"[24]، ولكنْ إنْ عرضَ للإمامِ عارضٌ أثناءَ الصلاةِ فاضُطرَ للجلوس،ِ فالمختارُ عندَ شيخِنا المحقِّقِ القنوبيِّ -حفظَهالله- أنْ يواصلَ المأمومونَ الصَّلاةَ قيامًا لا قعودًا[25].



الرُّكْنُ الثَّالِثُ: تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ


وهيَ التي تعرفُ بـ"تكبيرةِ الاسْتِفْتَاحِ"؛ لأنَّها أوَّلُ شَيْءٍ يُستفتحُ بهِ في الصَّلاةِ، وبهَا يصيرُ العبدُ داخلاً في صلاتِهِ، وتُسمَّى "تكبيرةَ الإحرامِ" لأنَّه يحرمُ علَى المصلِّي بهَا مَا كانَ مباحًا لَهُ خارجَ الصلاةِ.
وتكبيرةُ الإحرامِ ركنٌ ثابتٌ منْ أركانِ الصَّلاةِ[26]؛ لأدلةٍ كثيرةٍ منهَا إشارةُ القُرآنِ في قولِهِ تعالى: }وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{المدثر: ٣ وقولِهِ:}وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً {الإسراء: ١١١؛ وصريحُ السُّنةِ في قولِهِ e:" تحريمُ الصَّلاةِ التكبيرُ وتحليلُها التسليمُ"[27]، ولذلكَ فلا تصحُّ صلاةُ مَنْ صلَّى بدونِ تكبيرةِ الإحرامِ؛ لأنَّه ما لمْ يكبرْ فلا يُعدُّ داخلاً في صَلاتِهِ.
وعلَى العبدِ أنْ يستحضرَ معنَى هذهِ التكبيرةِ لينسكبَ في نفسِه شعورٌ بأنَّه بينَ يدي اللهِ تعالَى الكبيرِ المتعالِ، وأنَّ الكبرياءَ للهِ وحدَهُ، فمَا لهُ مِنَ الكِبرياءِ شيءٌ، ولا يحقُّ لهُ أنْ يُنازِعَ ربَّهُ تباركَ وتعالَى في صفةٍ مِنْ صفاتِهِ كمَا جَاءَ في الحدِيثِ القُدُسِيِّ:" الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ"[28].



فَتْوَى


السُّؤالُ/ شخصٌ أمِّيٌ كانَ يصلِّي دونَ أنْ يكبرَ تكبيرةَ الإحرامِ جهلاً بذلكَ، ومضَى عليهِ وهوَ علَى هذهِ الحالةِ عشرونَ عامًا ثمَّ عَلِمَ بعدَ مرورِ تلكَ المدةِ، فماذَا عليهِ؟
الجَوَابُ/ عليهِ أنْ يتوبَ إلى اللهِ تباركَ وتعالَى، وأنْ يعيدَ تلكَ الصلواتِ التي صلَّاها بدُونِ تكبيرةِ الإِحْرامِ، واللهُ أعلمُ[29].



فَصْلٌ في صِفَةِ تَكبِيْرةِ الإِحْرَامِ


وصفةُ تكبيرةِ الإحرامِ هي: "اللهُ أَكْبَرْ" بفتْحِ الهمزةِ مِنْ لَفظِ الجلالةِ، وسُكُونِ اللامِ الأولَى وتشديدِ الثانيةِ، وضمِّ الهاءِ، ثمَّ بفتحِ همزةِ "أَكْبَرْ" وسكونِ الكافِ وفتحِ الباءِ وسكونِ الراءِ[30].
والمرادُ مِنْ تكبيرةِ الإحرامِ اللفظُ والمعنَى علَى القولِ الصحيحِ الراجحِ[31]، وبناءً علَى ذلكَ فلا يجوزُ التكبيرُ بغيرِ اللغةِ العربيةِ[32]، وكذلكَ لا ينوبُ عنِ التكبيرِ أيُّ لفظٍ آخرَ كأنْ تَقولَ: (اللهُ أجلُّ، اللهُ أعظمُ)، وهكَذَا (اللهُ الكبيرُ، اللهُ الجليلُ، اللهُ العظيمُ)؛ لأنَّ الحدِيثَ خصَّ التكبيرَ دونَ غيرِهِ، ولأنَّ ألفاظَ الصَّلاةِ توقيفيةٌ مِنَ الشَّارِعِ الحكيمِ، وقَولُهُ r:" مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليْهِ أمرُنا فهوَ ردٌّ"[33] أصلٌ في ردِّ كلِّ ما كانَ مُبتدَعًا في أمرِ العباداتِ.



تَحْذِيْرٌ


واحذرْ -أيُّهَا المصلِّي النَّبِيْهُ- منَ اللَّحنِ والخطأِ في تكبيرةِ الإِحْرامِ[34]، ومِنْ أمثلةِ اللَّحنِ الجليِّ في التكبيرِ مَدُّ همزة ِ"اللهُ" فتصبحُ استفهامًا ويفحُشُ المعنَى والعياذُ باللهِ، وكذَا إِشْبَاعُ ضمةِ الهاءِ منْ لفظِ الجلالةِ حتَّى يتولدَ عنهَا حرفُ الواوِ، أو إسكانُ الهاء ِمنْ غيرِ تحريكٍ لهَا، وهكذَا أنْ تُمَدَّ همزةُ "أَكْبرُ" أو تُكسرَ الكافُ، أو تُعطَّشَ فتصبحَ شينًا، أو يُشبِعَ فتحةَ الباءِ فتصبحَ ألفًا "أكبار" فينقلبُ المعنى تمامًا؛ لأنَّ أكبارَ جمعُ (كَبَرٍ)، و(كَبَرٌ) اسْمٌ مِنْ أسماءِ الطَّبْلِ والعياذُ باللهِ، وهكَذَا فلتحذرْ منْ تكريرِ حرفِ الرَّاءِ حتى تتولدَ راءاتٌ زائدةٌ[35].



مَسْأَلَةٌ


ومَنْ عَرضَ عليهِعارضٌ أثناءَ التكبيرِ فلم يكمِلْهُ، كأنْ يكونَ نطقَ باسْمِ الجلالةِ فعطسَ، فلأهلِ العلمِ في المسألةِ رأيانِ: الاستئنافُ والبناءُ، والأوَّلُ هُوَ المخْتارُ عندَ صاحبِ الإيضاحِ[36] ورجَّحَهُ شيخُنا القنوبيُّ -أبقاهُ اللهُ-، فمَنْ وقعَ في ذلكَ فعَليهِ إعادَةُ التَّكبيرِ مِنْ جديدٍ ولا يبنِي علَى السَّابقِ[37].



مَسْأَلَةٌ أُخْرَى


وحكْمُ تكبيرةِ الإحرامِ في الشَّكِ كحكمِ سائرِ أركانِ الصلاةِ، فمَنْ شكَّ في الإتيانِ بهَا بعدَما جاوزَها فَلا يلتفتْ لشكِّهِ ولا يرجعْ إليْهَا إلا بحصُولِ يقينٍ أنَّه ما أتَى بهَا، هذَا الرأيُ هوَ الذي اختارَه شيخُنا القدْوةُ الخليليُّ -حفظَهُ اللهُ وسدَّدَ في طريقِ الخيرِ خطاهُ-، وفِي هذَا درأٌ للوسوسةِ، واستصحابٌ للأصلِ[38].



الرُّكْنُ الرَّابعُ: الخُشُوعُ


تعرَّفْ -أيُّها المستنيرُ في ظُلَمِ الحياةِ، والسُّائرُ على دروبِ النَّجاةِ- أنَّ الجسدَ بلا روحٍ جيفةٌ هامدةٌ، وهذهِ هيَ حالُ الصَّلاةِ بلا خشوعٍ، لا قيمةَ لهَا بلْ هيَ إلى الاحتقارِ والإقصاءِ أدنَى وأقربُ، وهذَا هوَ شأنُ رأسِ العباداتِ إذا فارقَهُ روحُها وسرُّ حياتِها ولذتِها، والذِي هوَ سببُ عُروجِها بصاحبِها إلى الملأِ الأعلَى.. وهوَ سببُ النجاحِ والارتياحِ في الدُّنيَا، والفوزِ والفلاحِ في العقْبَى.
لذَا فمَا أحراهُ ومَا أولاهُ أنْ يوضعَ في مصافِّ أركانِ الصلاةِ وفرائضِهَا، بلْ مِنْ أعظمِها وأولاهَا[39]، حتَى لا يكونَ حظُّ صاحبِها منهَا مجردَ التعبِ والنَّصَبِ، والقيامِ والقعودِ، قال تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون 1-2، وأمرَ بذلكَ أمرًا جازمًا مؤكدًا بقولِه:}وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ {البقرة: ٢٣٨أيْ خاشعينَ خاضعينَ ذليلينَ بينَ يدي الجبارِ، ملِكِ الملوكِ الذي بيدهِ حَلُّ كلِّ شيءٍ وإبرامُه، وبسطُ كلِّ شيءٍ وقبضُه، ولهُ الأمرُ والنَّهيُ، والبَطشُ والقهرُ، بلْ لَهُ الأمرُ كلُّهُ، وإليهِ يُرجعُ الأمرُ كلُّهُ.
يقولُ إمامُ الخاشعينَ، و قدوةُ القانتينَ، الذِي إذَا كبَّر سُمعَ لبُكائِه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ[40] - وقدَ غُفرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبهِ وما تأخَّرَ-:" لكلِّ شَيءٍ عمودٌ، وعمودُ الدِّينِ الصلاةُ، وعمودُ الصلاةِ الخشوع"[41]...فاسمعْ وتفكرْ...

وَلَيْسَ خُشُوعُ الجِسْمِ يَوْمًا بِنَافِعٍ***إذَا غَابَ قَلْبٌ فِي شِعَابِ التَّدَبُّرِ

فَمَا كُلُّ مَنْ صَلَّى يُقَالُ مُصَلِّيًا***فَشَتَّانَ بَينَ الاسْمِ وَالفِعْلِ[42]





فَصْلٌ في حَدِّ الخُشُوعِ


وقدْ تعددتِ العباراتُ في ذكرِ الخشوعِ وتعريفِهِ، ومنْ أروعِ ما قيلَ، ما ننقلُه لكَ –عزيزِي القارئَ- عنْ شيخِنا بدرِ الدِّينِ الخليليِّ -حفظَه اللهُ- :"الخُشُوعُ روحُ الصَّلاةِ وحياتُهَا، وهوَ تعظيمُ المقامِ واستحضارُ المقَالِ، فَهُوَ في القلْبِ وَأَثَرهُ في الجوارحِ"[43].
وقدْ قيلَ: إنَّ الخشوعَ لا يتحصَّلُ إلا بأربعِ خِصَالٍ -فاجمعِ الهمةَ لتحصيلِها كلِّها- وهيَ[44]:
1-إِعظامُ المقامِ، الذيْ أنتَ واقفٌ فيهِ.
2-إِخلاصُ المقالِ، للهِ الواحدِ الدَّيانِ.
3-اليقينُ التامُفي اللهِ تعالَى، بالثوابِ والعقابِ، والجنةِ والنارِ.
4-جمعُ الهيْئةِ، فلوْ خشعَ قلبُ هذَا لخشعتْ جوارحُهُ[45].


فَرَائِدُ

هذَا..وإذَا علِمتَ -رَحمني اللهُ وإياكَ- ما لا يتحَصَّلُ الخشُوعُ إلا بِهِ فَلا تَعجَبْ إذَا فعَلَ الخشُوعُ بصاحِبِِهِ العَجَبَ وتسَامَى بهِ عنْ أدِيمِ الأَرضِ حتّى طَارَ بهِ للمَلأِ الأعْلَى، فلمْ يَكنْ لهُ في هذهِ الفانيةِ إلا الجسْمُ.
وَمما يُحكى ممَّا لا يُستبعدُ ولا يُستقصَى أنَّ أحدَهُمْ كانَ يصلِّي فانهدَمَ جانبٌ مِنَ المسجِدِ فلمْ يشعرْ بهِ، ومرَّتْ ببعضِهِمُ الطُّبُولُ والزُّمورُ فلَمْ يسْمعْها، ووقفَ على ثالثِهِمُ الطَّيرُ يظنُّهُ جدارًا أو خشبةً منصوبةً مِنْ شدَّةِ سكونِهِ وحُسْنِ وقوفِهِ، وإنْ تعجبْ فاعْجَبْ ممَّنْ أُريدَ لَهُ أنْ تُقطع قدمُهُ قَبْلَ وجودِ أدَواتِ التَّخديرِ، فأمرهمْ أنْ يقطعُوها عندَما يكونُ في الصَّلاةِ؛ لأنَّهُ لا يُحِسُّ بشيءٍ عندَما يُقْبِلُ على ربِّهِ I .. هذِهِ مواهبُ اللهِ ولطائِفُهُ يهبُها مَنْ يشاءُ منْ عِبادِهِ[46]}ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً{النساء: ٧٠.


فَصْلٌ في الاطْمِئْنَانِ

وأدنَى ما يُجزي في الخشوعِ "الاطْمِئْنَانُ" في القيامِ والركوعِ والسجودِ والقعودِ معَ إكمالِ الشُّروطِ والواجباتِ والأركانِ، فهذَا أمرٌ واجبٌ لا بدَّ منهُ، مَنْ تركَهُ فسدَتْ صلاتُهُ، ووجبَ عليهِ إعادتهُا؛ لقولِه@:" لا صَلاةَ لِمَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ"[47]، ولأمرِ المعلِّمِ الأولِ@الرجلَ الذي أسرعَ -في صلاتِهِ في حديثِ المسيءِ صلاتَه- بإعادَتِها وقالَ لهُ :"ارجعْ فصلِّ فإنكَ لمْ تصلِّ"[48].
وأَقَلُّ الاطْمِئْنَانِ: هوَ أنْ يمكُثَ المصَلِّي زمنًا في هيئتِهِ تلكَ حتَّى تَستقِرَّ جميعُ أعضائِهِ، ويَرجعَ كلُّ مفصلٍ لموضعِهِ، ومَنْ أخلَّ بالاطمئنانِ وأسرعَ في صلاتِه فهوَ أسرقُ الناسِ وأسوؤُهُم، وفي هذَا يقولُ إمامُنا السَّالِمِيُّ -رَحمَهُ اللهُ-:
وأَسْرقُ النَّاسِ فتىً قدْ يَسْرِقُ***صَلاتَهُ فَهُوَ بهَا مُنطَلِقُ[49]



وذلكَ أخذٌ ممَا رُويَ مِنْ قولِ المصطفَى @:"إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَه،ُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا؟ قَالَ: لا يُتِمُّ رُكُوعَهَا ولا سُجُودَهَا"[50].


فَتْوَى

السُّؤال/ ما حكمُ مَنْ لم يُقِمِ الركوعَ والسجودَ في الصلاةِ؟
الجوابُ/ جاءَ في الحديثِ الشريفِ عنِ النَّبِيِّ e " لا صلاةَ لمنْ لا يقيمُ صلبهُ في ركوعهِ وسجودِهِ"، وفي حديثِ المسِيءِ صلاتَهُ أنَّ النَّبِيَّ eأمرهُ أنْ يركعَ حتَى يطمئنَّ راكعًا، وأنْ يسجدَ حتى يطمئنَّ ساجدًا، وعليهِ فمَنْ لا يُتمُّ ركوعَهُ وسجودَهُ بالطُّمأنينةِ فصلاتُهُ باطلةٌ، واللهُ أعلمُ[51].


الرُّكنُ الخَامِسُ: قِرَاءَةُ الفَاتحَةِ

دلَّتِ النصوصُ الشَّرعيةُ علَى ركنيةِ قراءَةِ الفاتحةِ في الصَّلاةِ[52]، بلْ إنَّ رُكنيَّتُها في كلِّ ركعةٍ منْ ركعاتِ الصَّلاةِ فرضًا أو نفلاً علَى المُعْتمَد المشْهورِ[53]، سواءً كانَ المصلِّي منفردًا أو في جماعةٍ، إِمامًا أو مأمومًا، في صلاةٍ سرِّيةٍ أو جهرِيَّةٍ[54]، وأنَّ الصلاةَ لا تصحُّ بدونِها ففي حديثِ أنسٍ مرفوعًا إلى النَّبِيِّ r:" مَنْ صلَّى صلاةً لمْ يقرأْ فيهَا بأمِّ القُرآنِ فهيَ خِداجٌ"، قالَ الربيعُ: الخداجُ النَّاقصةُ، وهيَ غيرُ التَّمَامِ[55].
وبذا تُدرِكُ -أيُّها الفطِنُ- أنَّ مَنْ نقصَ مِنَ الفاتحةِ شيئًا -ولوْ حرفًا واحدًا- فسدتْ صلاتُهُ كمَا هوَ الرأيُ المُعْتمَدُ الصَّحيحُ عندَ الشَّيخَينِ -أبقاهما اللهُ-؛ لأنَّه نقصٌ في رُكنٍ مِنْ أركانِ الصَّلاةِ[56]، وهكَذا مَنْ كرَّرَ آيةً أو بعضَ آيةٍ مِنَ الفاتحةِ متعمِّدًا وغيرَ مُضطرٍّ فقدْ فسدَتْ صلاتُهُ لتكريرِهِ ركنًا مِنْ أركانِ الصَّلاةِ[57]، واللهُ المسْتعَانُ.
أمَّا إذَا كانَ تِكْرارُه نسيانًا أوْ مِنْ أجلِ إصلاحِ القراءةِ فلا حرجَ عليهِ بإذنِ اللهِ تعالَى، يقولُ الحافظُ القنوبيُّ: "أمَّا إذَا كررَّ الإنسانُ جملةً مِنَ الفاتحةِ منْ أجلِ إصلاحِ القراءةِ فإنَّ ذلكَ لا بأسَ بهِ بلْ قدْ يكونُ في بعضِ الحالاتِ واجبًا، واللهُ تعالَى أعلمُ"[58].
يقولُ النُّورُ السَّالِمِيُّ-رَحمَهُ اللهُ-[59]:
وَمَنَعُوْا تِكْرَارَهُ لِلْحَمْدِ***وللتَّحِيَّاتِ بمعنَى العَمْدِ


ونقضُوا صلاةَ ذا المكرِّرِ
***وعَذَرُوا النَّاسِي هُنَاكَ فَاعْذُرِ






مَسْأَلَةٌ

ولا يحملُ الإمامُ عنِ المسْبُوقِ -المستدركِ- قراءةَ الفاتحةِ، فإنَّ لم يدركْها المأمومُ وجبَ عليهِ قضاؤُها على الرَّأيِ المُعْتمَد الصَّحيحِ[60].


فَصْلٌ في البَسْمَلَةِ

والبَسْملةُ آيةٌ منْ سورةِ الفاتحةِ يجبُ الجهرُ بها في حالةِ الجهرِ، والإِسرارُ في موضعِ السرِّ[61]، كمَا أنَّ الصَّحيحَ المُعْتمَدَ عِنْدَ الشَّيخَينِ -وفقهمُ اللهُ-[62] أنَّها آيةٌ منْ كلِّ سُورةٍ كُتبتْ قَبلَهَا.
وبناءً علَى أنَّ الفاتحةَ ركنٌ معَ الأخذِ في الاعتبارِ أنَّ البَسملةَ جزءٌ منهَا فمَنْ تركَ البسملةَ في الفاتحةِ مِنْ غيرِ تأويلٍ فسَدَتْ صلاتُهُ.
والدليلُ علَى أنَّ البسملَةَ آيةٌ منَ الفاتحةِ ما رُويَ عنِ ابنِ عباسٍ وأمِّ سلمةَ {مرفوعًا أنَّ النَّبِيَّ r: " كَانَ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.."[63]، وعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِىَّ r كَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ بِـ(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هِيَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ فَاتِحَةَ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا الآيَةُ السَّابِعَةُ[64]، وعندَ الربيعِ عنِ ابنِ عباسٍ{موقوفًا:" فاتحةُ الكتابِ هيَ أمُّ القُرآنِ فاقرأْهَا واقرأْ فيهَا (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحيمِ )، وقالَ: إنهَا آيةٌ منْ كتابِ اللهِ"[65].
إضافةً إلى ذلكَ كتابتُهَا أوَّلَ الفاتحةِ وأوَّلَ كلِّ سورةٍ - إلا التوبةَ- في المصحَفِ الإمامِ المُجمَعِ عليهِ[66]، معَ إجماعِ الصَّحابةِ y علَى عدمِ كتابةِ أيِ شَيءٍ غيرِ القرآنِ بينَ دفتي المصحفِ، ولذلكَ لمْ يكتبُوا أسماءَ السورِ وعددَ الآياتِ والمكيَّ والمدنيَّ[67].
}فائِدةٌ{: السَّبْعُ المثَاني هيَ الفاتحةُ الشَّريفةُ على المُعْتمَد الراجحِ عندَ إمامِ المفسَّرينَ -أبقاهُ اللهُ-[68] قال تعالى: }وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ {الحجر: ٨٧.


الرُّكنُ السَّادِسُ: الرُّكُوعُ

الرُّكُوعُ رُكْنٌ مِنْ أركانِ الصَّلاةِ لقولِهِ تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا {الحج: ٧٧، ولقولِهِ eللمُسيءِ صلاتَهَ: " ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا"[69].
وعليهِ فَمَنْ تركَ الركوعَ ناسيًا أو متعمِّدًا، عالِمًا أو جاهِلاً حتَى خرجَ مِنَ الصَّلاةِ فقدْ فسَدَتْ عليهِ صلاتُهُ، ومَنْ تذكَّرهُ أثناءَ الصَّلاةِ وجَبَ عليهِ أنْ يَرجعَ إليهِ ويأتِيَ بما بعدَه ثمَّ يسْجُدُ للسَّهوِ بعدَ السَّلامِ، أمَّا إِنْ لمْ يأتِ بهِ فقدْ فَسَدَتْ صَلاتُهُ، ولا يُجبرُ بسُجودِ السَّهوِ، وهذَا هوَ حُكْمُ الأَرْكَانِ في الصَّلاةِ.
وَصِفَةُ الرُّكُوعِ: الانحناءُ بالظَّهرِ والرأسِ معًا حتَى تبلغَ يدَاهُ (أو راحتاهُ) ركبتَيْهِ مفرقًا بينَ أصابعِه، معَ مراعاةِ تسْويةِ ظهرهِ وعنقهِ ورأسهِ[70]، بحيثُ لوْ وُضِعَ علَى ظهرِهِ قَدَحُ ماءٍ لاستقرَّ عليهِ، ويكونُ بصرُهُ حالَ ركوعِهِ بينَ إبهامَيْ قدمَيْهِ[71].


فَصْلٌ فِي ألفَاظِ الرُّكُوعِ

ويقولُ في ركوعِه "سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيْمْ"؛ لمَا ثبتَ في حديثِ ابنِ عباسٍ{أنَّهُ عندمَا نزلَ قولُه:U}فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ{ الحاقة: ٥٢، قالَ عليهِ الصلاةِ والسلامِ: " اجعلُوهَا في ركوعِكُم"[72]، ولقولِهِ @:" فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ"[73]، ويمكنُ للمُصلِّي أنْ يكرِّرَ التسبيحَ -في ركوعِهِ وسجودِهِ- وترًا: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثرَ مِنْ ذلكَ حسبَ مَا يشاءُ، وأقلُّ التسْبيحِ في الصلاةِ ثلاثُ مرَّاتٍ علَى الصحيحِ عنْدَ شيخَينا الخليليِّ[74] والسَّالِمِيِّ[75]..
أَقَلَُّ مَا يجزِيْ مِنَ التَّسْبِيْحِ***ثلاثُ مرَّاتٍ علَى الصَّحِيْحِ



فإذَا انتهَى منَ التسبيحِ قامَ قائلاً (سمعَ اللهُ لمنْ حمدَهْ)، فإذَا اطْمَأَنَّ في قيامِهِ قالَ: (ربنَا ولكَ الحمدُ)، هذََا في حقِّ مَنْ كانَ إِمامًا أو مُنفردًا، أمَّا المأمومُ فيَقُولُ في قيامِه: (ربَّنَا وَلَكَ الحمْدُ) ولا يقولُ (سمعَ اللهُ لمنْ حمدَهْ) إذَا استوَى قائِمًا؛ لأنَّ الإمامَ يحمُلُها عنهُ[76] -كَمَا سَيأتي-[77].
ويُستحَبُّ -أيضًا- بعدَ قولِ المصلِّي: (ربنَا ولكَ الحمدُ) أنْ يزيدَ (حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيهِ)[78]؛ لمَا ثبتَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّ النَّبِيَّ @قالَ لأصحابِهِ: " مَنِ المتكلمُ آنفًا وهوَ يقولُ: "ربنَا ولكَ الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيهِ"، قالَ رجلٌ منهمْ: أنا يا رسولَ اللهِ، قالَ: " لقدْ رأيتُ بضعًا وثلاثينَ مَلَكًا يبتدرونَها أيُّهمْ يكتبُها أوَّلا"[79].


فَائِدَةٌ

وإدراكُ الرُّكوعِ معَ الإمامِ هوَ الحدُّ الفاصلُ لإدراكِ الرَّكعةِ؛ لقَولِ المُبلِّغِ r: "إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلا تَعُدُّوهَا شَيْئًا"[80].
وعليهِ فمَنْ لمْ يدركِ الرُّكوعَ -أيْ جاءَ بعدَ قيامِ الإمامِ مِنَ الرُّكوعِ- فإنهُ لمْ يدركِ الرَّكعةَ، ووجبَ عليهِ قضاؤُهَا كاملةً مِنْ قراءةٍ وركوعٍ وسجودٍ، أمَّا مَنْ أدركَ الإمامَ وهوَ راكعٌ فقدْ أدركَ الركعةَ وعليهِ معَ ذلكَ قضاءُ ما فاتَهُ مِنَ القراءَةِ علَى الرأيِ المُعْتمَد الصَّحيحِ عندَ الشَّيخَينِ -حفظَهمُ اللهُ-[81].
وبناءً علَى ذلكَ فمنْ لمْ يدركْ ركعةً منَ الصلاةِ (أيْ لمْ يدركِ الركوعَ منَ الركعةِ الأخيرةِ) فإنَّهُ لمْ يدركِ الصلاةَ؛ لقولهِ @:" مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ"[82]، وخيرُ تطبيقٍ عملِيٍّ لهذهِ المسألةِ: مَنْ دخلَ معَ الإمامِ في صلاةِ الجمعةِ بعدَ الركوعِ الثاني فإنَّه يقضيهَا ظهرًا لا جمعةً علَى الرأيِ الذي عليهِ الفتوَى عندَ شيخَيْ زمانِهمَا العلاَّمتينِ الخليليِّ[83] والقنوبيِّ[84]-حفظَهمُ اللهُ-، وكذَا قالَ بعضهُم في المسَافِرِ يدخلُ معَ الإِمامِ المقيمِ في التَّشَهدِ الأخِيرِ مِنْ صَلاةٍ رُباعيَّةٍ، فإنَّه يقضِي ركعتينِ لا أربعًا[85]، واللهُ أعلمُ.
هَذا.. وأمَّا بالنِّسبةِ إلى بقيَّةِ الصَّلواتِ الأخرَى فإنَّه إذَا أدركَ ولوْ جزءًا بسيطًا منَ الصَّلاةِ فإنَّه يكونُ مدركاً لتلكَ الصَّلاةِ علَى الصَّحيحِ[86]-كمَا سيأتِي قريبًا بإذنِ اللهِ-[87].


فَائِدةٌ أُخْرَى

مَنْ أدركَ الإمامَ وهوَ راكعٌ وأرادَ الدُّخُولَ معَهُ في الركوعِ فإنَّ عليهِ أنْ يأتِيَ الإِحْرامِ وهوَ قائِمٌ، ثمَّ يأتيْ بتكبيرةِ الانتقالِ مِنَ القيامِ إلى الرُّكوعِ -علَى المُعْتمَد عندَ شيخَيْنا الخليليِّ[88]والقَنُّوبيِّ[89]-، وإنْ كانتْ قدْ فاتَتْهُ معَ الإمامِ؛ لأنَّها ليسَتْ مشروعةً لذاتِها، وإنَّما للتَّوصُّلِ إلى الركوعِ والسُّجودِ


الرُّكنُ السابعُ: السجودُ

واعلمْ -أيُّهَا العابِدُ الأريبُ- أنَّ السجودَ للهِ تعالَى هوَ غايةُ الخضوعِ ومنتهَى التذلُّلِ حينمَا ينزلُ الإنسانُ بكبريائِه، وبمحِلِّ شُموخِهِ وأنفتِهِ، وينتهِي بهَا حتَى يضعَ أنفَهُ وجبهتَهُ علَى الأرضِ ويساوِيَ بها التُّرابَ، ووَاللهِ إنَّ في هذَا العزَّ لمنَ رامَهُ، والعلُوَّ لمنْ قصدَهُ }تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {القصص: ٨٣، حينئذٍ يكونُ الدُّنوُّ والتطَامُنُ علوًّا ورفعةً عندَ اللهِ U؛ لذا يقرُبُ العبدُ مِنْ مولاهُ، بلْ يكونُ في أكثرِ حالاتِه قربًا مِنْ ربِّهِ جلَّ في علاهُ، علوٌ في دُنُوٍّ، وقدْ ثبتَ[90] " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"[91].
فَأَنْتَ في تَذَلُّلِ الدُّنُوِّ***وَهُوَّ في تَعَزُّزِ العُلُوِّ[92]




}حِكْمَةٌ{: وقدْ قيلَ: إنَّ هِذهِ هيَ الحكمةُ مِنْ تكرارِ السُّجودِ دونَ الركوعِ في الركعةِ الواحدةِ؛ولذَا عندمَا سَأَلَ رجلٌ مِنَ الصحابةِ رسولَ اللهِ eأنْ يُرافِقَه في الجنةِ أجابَهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ:" أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"[93].
والسُّجودُ ركنٌ مِنْ أركانِ الصَّلاةِ؛ لقولِه عزَّ مِنْ قائلٍ:}وَاسْجُدُوا {الحج: ٧٧؛ ولقولِهِ تعالى: }وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ{العلق: ١٩؛ ولقولِهِ @ للمسيءِ صلاتَهُ :"ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا"[94]، والسَّجدتانِ جميعًا حدٌّ واحدٌ بينهمَا قعدةٌ خفيفةٌ.


فَصْلٌ في صِفَةِ السُّجُودِ

وصفةُ السُّجودِ: أنْ يهوِيَ المصلِّي مِنْ قيامِهِ نحوَ الأَرضِ، مقدِّمًا -علَى المُعْتمَد- ركبتيهِ ثمَّ يديهِ[95]مصوِّبًا بأصابعِهِ مضمومةً نحوَ القِبلةِ[96]، وفي حالِ استقرارِهِ علَى هيئةِ السُّجودِ يضعُ جبهتَهُ وكفَّيهِ وركبتَيهِ، ويضَعُ بطُونَ أصَابِعِ قدمَيهِ على الأرضِ متجهةً للقبلةِ، وهذهِ هيَ الآرابُ -أيْ الأعضاءُ- السَّبعةُ كما جاءَ في الحديثِ " أُمِرَ نَبِيُّكُمْ e أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ"[97].
معَ مراعاةِ ملامسةِ الأنفِ للأرضِ طوالَ السجودِ، وتبطلُ بتركِ ذلكَ علَى الصحيحِ عندَ الشيخينِ -حفظَهمُ اللهُ تعالَى-[98]، ويُراعِي كذلكَ عدمَ الضَّغطِ علَى الجبهةِ حالَ وضعِها في الأرضِ[99]، وعدمَ رفعِ قدميْهِ في السُّجودِ، وأقلُّ ما يجزِي مِنَ القَدَمِ ثلاثُ أصابعَ[100]، ومنْ سهَا فرفعَ أنفَه أو قدمَه فليُرْجعْهمَا إلى الأرضِ ولْيُسبِّحْ ثلاثَ تسبيحاتٍ قبلَ الرَّفعِ.
وعليهِ كذلكَ أنْ يكشفَ جبهتَه للأرضِ وألا يحولَ بينَ جبهتِه وموضعِ سجودِه حائلٌ كالعمامةِ والمِصرِّ والكُمَّةِ، بلْ عليهِ أنْ يرفَعَهَا قبلَ ابتداءِ الصلاةِ علَى الفتوَى عندَ شيخَيْ زمانهمَا الخليليِّ والقنوبيِّ -حفظهُم الله تعالى-. [101]
ويقدِّمُ السَّاجدُ في هويتِهِ للسُّجودِ ركبتَيْهِ فيدَيْهِ، ويقدِّمُ في قيامِهِ مِنَ السُّجودِ العكسَ منْ ذلكَ فيبدَأُ برفعِ يديهِ ثمَّ ركبتَيهِ.
ويجعلُ الرَّجُلُ يديهِ أمامَ ركبتيهِ، فيمَا بينَهمَا وبينَ رأسِه، وينبغِي أنْ تكونَ أطرافُ الأصابعِ عندَ الأذنينِ[102]، مجافيًا قليلا بينَ عضديْهِ[103]، ولْيَضُمَّ أصابعَهُ متجهةً نحوَ القبلةِ.
وأمَّا المرأةُ فقيلَ بأنَّ عليهَا أنْ تضُمَّ ولا تجافِي، وصحَّحَ الإمامُ القطب-رَحمَهُ اللهُ-والعلامةُ القنوبيُّ[104]-حفظَه اللهُ- عدمَ الفرقِ بينَ صلاةِ المرأةِ وصلاةِ الرجلِ ما دامَ أنَّ صلاتها بعيدةٌ عنِ الأعينِ ولا يمكنُ أنْ يراهَا فيهِ أحدٌ.

فَتْوَى

السُّؤالُ/ ما قولُكم فيمَنْ يسجدُ فوقَ العمامةِ، أيْ أنَّ العمامةَ تحولُ بينَ جبهتِه والأرضِ؟
الجوابُ/ في نقضِ صلاتِه خلافٌ بينَ العلماءِ، والراجحُ النقضُ إذَا كانتْ كثيفةً تحولُ بينَه وبينَ الأرضِ، واللهُ أعلمُ[105].


فَصْلٌ في لَفْظِ السُّجُودِ

تعلَّمْ -أيُّها الأخُ، ألهمَكَ اللهُ ذكرَهُ وشُكْرَهُ- بأنَّ المشروعَ في سُجودِ الفرضِ أنْ يقولَ المصلِّي: (سبحانَ ربيَ الأعلَى)؛ وذلكَ لقولِهِ @:" اجعلوهَا في سُجُودِكُمْ"[106] بعدَمَا نزلَ}سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{الأعلى: ١.
ويمكنُكَ أيُّهَا المصلِّي في حالِ صلاةِ النَّفلِ -كقيامِ الليلِ مثلا- أنْ تدعُوَ اللهَ تعالَى في سجودِكَ وفِي القَعدةِ بينَ السَّجدتينِ، وهذَا مخصوصٌ بالنَّوافلِ دونَ الفرائضِ[107]، فقدْ دعَا النَّبِيُّ @ في صلاةِ الليلِ بقولِه :"أعوذُ بعفوكَ منْ عقابكَ وبرضاكَ منْ سخطكَ"[108].
ويمكنُ للمصلِّي أنْ يكرِّرَ التسبيحَ وترًا: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثرَ مِنْ ذلكَ حسبَ مَا يشاءُ -كمَا تقدَّمَ مثلُهُ في الرُّكُوعِ-، وإذَا كانَ إمامًا فلا ينبغِي لهُ الإِطالةُ علَى النَّاسِ وليجعلْ ذلكَ لصَلاةِ نفسِهِ، وأقلُّ التسبيحِ -كمَا في الرُّكوعِ- ثلاثُ مرَّاتٍ على الصَّحِيحِ عندَ شَيخَيْنا الخليليِّ[109] والسَّالِمِيِّ، فاسمعْ واحفظْ..
أَقَلُّ مَا يُجزيْ مِنَ التَّسْبيحِ***ثلاثُ مرَّاتٍ على الصَّحِيْحِ [110]





الرُّكْنُ الثَّامِنُ: القُعُودُ للتَّشَهُّدِ

وهوَ القُعودُ الأخيرُ الذِي يعقبُهُ السَّلامُ دونَ القعودِ الأولِ الذِي يعقبُه القيامُ، أمَّا الصَّلواتُ الثُّنائِيةُ فليسَ فيْها إلا تشهدٌ واحدٌ، وهوَ الرُّكنُ؛ وقدْ ذكرَ بعضُهمْ أنَّ الدَّليلَ علَى فرضِيَّةِ القُعودِ وركنيَّتِهِ قولُهُI:} فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً {النساء: ١٠٣.


فَصْلٌ في صِفَةِ القُعُودِ

والسُّنَّةُ في هيئةِ القُعُودِ أنْ يجلسَ المصلِّي مسوِّيًا ظهرَهُ، ويفترشَ رجلَهُ اليُسْرَى جالِسًا عليهَا، وينصِبَ رجلَه اليمنَى، ويجعلَ بُطونَ أصابعِ قدميْهِ علَى الأرضِ معتمِدًا عليهَا، لِتكُونَ أطرافُها إلى القِبلةِ؛ لحديثِ السَّيدةِ عائشةَ<فِي صفةِ صلاةِ النَّبِيِّ @:" وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى"[111]، ويضعُ كفَّهُ اليمنَى في ركبَتِهِ اليُمنَى، وكفَّهُ اليُسرَى علَى ركبَتِهِ اليُسرَى بحيثُ تكونُ رؤوسُ أصابعِهِمَا علَى أطرافِ الرُّكبَتَينِ.


فَصْلٌ في لَفْظِ التَّشَهُّدِ

هناكَ عدةُ رواياتٍ ثابتةٍ في صِيْغَةِ التشهدِ أو التحياتِ، وكلُّها جائزةٌ بحَمْدِ اللهِ تعَالى، والمختارُ منْها اللفظُ الواردُ في روايةِ ابنِ مسعودٍt[112]، ولفظُها "التَّحِيَّاتُ لِلَّه[113]ِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"[114].
ولفظُ التَّشهدِ واجبٌ منْ واجباتِ الصَّلاةِ على أقلِّ تقديرٍ، بلْ مالَ شيخُنا الخليليُّ -عافاهُ اللهُ- إلى أنَّهُ ركنٌ لا تتمُّ صلاةُ مَنْ ترْكَهُ[115].


الرُّكْنُ التاسِعُ: السَّلامُ

وهوَ ركنٌ منْ أركانِ الصَّلاةِ علَى الصَّحِيحِ المُعْتمَد عندَ الشَّيخَينِ -حفظَهمُ اللهُ-[116]؛ لحديثِ الإمامِ عليٍّ -كرَّمَ اللهُ وجهَهُ- مرفوعًا :" تحريمُ الصَّلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التَّسليمُ"[117]، ولمواظبةِ النَّبِيِّ e عليْهِ في جميعِ صلواتِهِ فرضًا ونفلاً، ولوْ كانَ سُنةً أو غيرَ واجِبٍ لبيَّنَ ذلكَ النَّبِيُّ eبقولِهِ أوْ فعلِهِ؛ وعَلَيهِ فتفسُدُ صَلاةُ مَنْ تركَه أو أتَى بناقِضٍ ما لمْ يُسلِّمْ ويخرجْ منَ الصَّلاةِ[118].
والرُّكنُ في السَّلامِ هوَ نفسُ التَسْليمِ، أمَّا الالتفاتُ يمينًا وشمالاً فهوَ سُنةٌ لا ينبغِي تركُها بحالٍ منَ الأحوالِ.


فَصْلٌ في صِفَةِ التَّسْلِيْمِ

وصفةُ التسليمِ أنْ يصفحَ المصلِّي بوجِهِهِ عنْ يمينِه قائلاً: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ)، ثمَّ عنْ شمالِه قائِلاً (ورحمةُ اللهِ)[119].
واعلمْ أيُّهَا المتعلِّمُ أنَّ علماءَنا -أثابهُمُ اللهُ- أجازُوا التسليمةَ الواحدةَ والتسليمَتَينِ الاثنتينِ في الخُروجِ مِنَ الصَّلاةِ، وكلُّ ذلكَ مرويٌّ في سُنةِ النبيِّ r، وإنْ كانَ العملُ عندَ الأكثرِ علَى التَّسليمَةِ الواحِدَةِ، ودليلُ الأصحابِ ما رُويَ عنْ طائفةٍ منْ صَحَابةِ رسولِ اللهِ e منهُم السَّيدةُ عَائِشَةُ <وغيرُها:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً"[120]، وقدْ حكَى غيرُ واحدٍ منَ العُلماءِ الإجماعَ علَى صحةِ صلاةِ منْ سلَّمَ تسليمةً واحدةً[121].


اِقْرَأْ وَتَدَبَّرْ

وَسَلِّمَنَّ يُمْنَةً ويُسْرى***تسليمتينِ والشَّهيرُ وترَا
وَأَوَّلُ القَوْلَينِ عَنْ ضُمَامِ***والثَّاني عنْ بَقِيَّةِ الأَعْلامِ
وَكُلُّهُمْ قَدِ اكْتفَى بمَرَّةْ***وهوَ حَدِيثٌ لا نُطِيْلُ ذِكْـرَهْ[122]






لَطِيفَةٌ

وممنْ أدركنَا مِنْ بقيةِ السَّلفِ الشيخَ العالمَ المربِّيَ سيفَ بنَ راشدٍ المعْولِي-تغمَّدَه اللهُ برحمتِهِ وأسكنَهُ فسِيحَ جنَّاتِهِ- أرادَ أنْ يُعلِّمَ النَّاسَ سَعَةَ المذهبِ والعَمَلَ بالرأيِ الآخرِ، فصلَّى بنَا صَلاةَ الفجرِ ذاتَ يومٍ وسلَّم تسليمتَينِ عنْ يمينِه وشمالِهِ، فانقسَمَ الناسُ في هذِهِ اللحظَةِ بينَ مُنكرٍ لهذا الفعلِ ومستفهمٍ عن سببِهِ! فأجابَهمُ الشيخُ الوقورُ وهُوَ يقومُ لمصَافحَتهِم بهذهِ الأبياتِ الثلاثةِ منْ "جوهرِ النظامِ"، فرضِيَ الجميعُ وسلَّمُوا...
قلتُ: وقد فعلَه خاتمةُ الحفاظِ شيخُنا الخليليُّ -أبقاهُ اللهُ- حينَما افتتحَ أحدَ الجوامعِ التِي يحضُرهَا قومُنَا منْ أصحابِ المذاهبِ الأُخرَى[123].
وهذَا هوَ دأبُ أصحابِنَا في حلِّهمْ وترحَالِهم يراعُونَ الواقعَ، ويأخذونَ بالأوسعِ ما لمْ يخالفْ كتابًا ناطقًا أو سنةً ماضيةً، وهذَا مِنْ ذخائرِ العِلْمِ فاشدُدْ بِهِ يدًا.


فَائِدَةٌ

وردتْ رواياتٌ تُنسَبُ إلى النَّبِيِّ e فيهَا مشروعيةُ المسْحِ علَى الوجْهِ والجَبْهَةِ بعدَ السَّلامِ، وكذَا بعدَ الدُّعاءِ، وقدْ تكلَّمَ فيهَا أهلُ العلمِ، وممنْ تكلَّمَ فيهَا شيخُنا إمامُ السُّنَّةِ والأصولِ -حفظَهُ اللهُ تعالَى-فحكمَ علَى الرِّواياتِ الأولَى بالبُطلانِ والوضعِ، وعلَى الثانيةِ بالضعفِ والوهْنِ[124]، وقدْ عَرَفْتَ فالزَمْ غرزَهُ.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس