منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - ملف شامل يتضمن عدد من المواضيع والمسائل المتعلقة بــ ( الصلاة )
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 02-12-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



* الْقِسْمُ الثَّاني/في الصَّلاَةِ وَأَحْكَامِهَا:


الْبَابُ الأَوَّلُ: في الصَّلاَةِ


الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الصَّلاَةُ، إِذَا جِئْتَ لِقَدْرِهَا فَالْقَدْرُ الْجَلِيلُ، وَإِذَا جِئْتَ لِفَضْلِهَا فَالْفَضْلُ الْعَظِيمُ، وَإِذَا جِئْتَ لخَطَرهَا فَالْخَطَرُ الْجَسِيمُ[1]، هِيَ عَمُودُ الدِّيْنِ وقِوَامُهُ، وَجَنَّةُ الْمُؤْمِنِ وَحَيَاتُهُ، وَبَلْسَمُ الْهَمِّ وِشِفَاؤُهُ، وَمَفْزَعُ الصَّالِحِ وَرَجَاؤُهُ.
أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الأَنَامُ، وَآخِرُ مَا يُتْرَكُ مِنْ دِينِ اللهِ الإِسْلاَمِ، جَفَّتْ فِي وَصْفَا الْمَحَابِرُ وَالْأَقْلاَمُ، وَتَبَارَتْ فِي ذِكْرِ مَحَاسِنِهَا الْأَعْلاَمُ، وَتَوَقَّفَتْ عِنْ إِدْرَاكِ عَمِيقِ أَسْرَارِهَا الْأَفْهَامُ، فَإِلَيْكَ جُهْدًا مُقِلاًّ يَرْجُو بِهِ صَاحِبُهُ أَجْرًا مُمْتَدًّا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامِ..



فَصْلٌ في أَصْلِ الصَّلاَةِ

الصَّلاَةُ: لُغَةً/ الدُّعَاءُ، قَالَ تعالى: }وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ{التوبة: ١٠٣، أَيْ ادْعُ لَهُمْ[2].
اِصْطِلاَحًا/هِيَ عِبَادَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَىْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرَائِطَ وَأَرْكَانٍ مَخْصُوْصَةٍ.
وَأَمَّا عَنْ أَصْلِهَا الشَّرْعِيِّ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ الْإِسْلاَمِيَّةُ قَاطِبَةً عَلَىْ رُكْنِيَّتِهَا وَوُجُوْبِهَا بَعْدَ نُصُوْصِ الْكِتَابِ الْعَزِيْزِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَفِي الْكِتَابِ تَكَرَّرَ الْأَمْرُ الصَّرِيْحُ بِقَوْلِهِ تَعَالَىْ:}وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ {النساء: ٧٧ثَمَاني مَرَّاتٍ تَقْرِيْبًا، وَفِي السُّنَّةِ قَوْلُهِ r:" لَا إيْمَانَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لهُ.."[3]، وَغَيْرُهَا كَثِيْرٌ وَمُتَوَاتِرٌ.
وَمِنَ الْجَدِيْرِ بِالذِّكْرِ أَنَّ الصَّلَاةَ -وَإِنِ اِخْتَلَفَتْ هَيْئَاتُهَا- كَانَتْ مَشْرُوعَةً عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ قَبْلَنا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيْزِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَدْحِ إِسْمَاعِيلَ :u}وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{مريم: ٥٥،وَفِي بِدَايَةِ الْعَهْدِ الْمَكِيِّ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ثُمَّ اِسْتَقَرَّ وُجُوبُهَا بَعْدَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ[4] عَلَى مَا عَلَيْهِ الآنَ[5]، وَالْعِلْمُ عِنْدالله.


فَصْلٌ


فِي مَكَانَةِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَهَمِّيَتِهَا

لا تَخْفَى مَكَانَةُ الصَّلاةِ وَأَهَمِّيَتُهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ مِنْ أَبْجَدِيَّاتِ الدِّينِ وَمُسَلَّمَاتِهِ، وَمِنْ أَوَّلِ الْعِبَادَاتِ التِي لا يَسَعُ جَهْلُهَا بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةِ التَّكْلِيفِ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى أَهْمِيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ العَظِيمِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، نُلَخِّصُ أَبرَزَهَا فِي النُّقَاطِ التَّالِيَةِ، فَالصَّلاةُ هِيَ:
1-أَوَّلُ رُكْنٍ عَمَلِيٍّبَعْدَ الِإيمَانِ بِالغَيْبِ، قَالَ تعَالى: }هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ{البقرة: ٢ - ٣.
2-عَمُودُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ قَالَ r:" لِكُلِّ شَيْءٍ عَمُودٌ، وَعَمُودُ الدِّينِ الصَّلاةُ.."[6]، وَقَالَ r:"رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ.."[7].
3-أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلامِ الخَمْسَةِ، قَالَ النَّبِيُّ r:" بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصَّلاةِ.."[8].
4-أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ r:" إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُه،ُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ"[9].
5-هِيَ المَفْزَعُ لِلإِنْسَانِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، قال تعالى: }إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ{ المعارج:19– ٢٣،وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ[10]، وَيَقُولُ: "أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلالُ"[11].
6-تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، قَالَ تعَالى:}وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ { العنكبوت: ٤٥.
7-قُرَّةُ عَيْنِ المُصْطَفَىrإِذْ يَقُولُ: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"[12].
8-آخِرُ وَصِيَّةٍ وَصَّى بِهَا رَسُولُاللهr أُمَّتَهُ عِنْدَ مُفَارَقَتِهِ الدُّنْيَا فَقَدْ كَانَيَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ:"الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"[13].
9-هِيَ الوَاقِي لِلإِنْسَانِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي بَرَاثِنِ الْكُفْرِ[14] قَالَ الرَّسُولُ الْعَظِيمُ r: "لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ إِلَّا تَرْكُهُ الصَّلاةَ "[15].
إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّلاةِ وَالحَثِّ عَلَى إِقَامَتِهَا، وّالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَمُرَاعَاةِ حُدُودِهَا آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ...
وَإنَّما تُطْلَبُ مِنْ مَحَلِّهَا***وتُخْطَبُ الغَادَةُ عِنْدَ أَهْلِهَا







فَصْلٌ في الصَّلواتِ الخَمْسِ

ولا يخفَى عَليكَ -أيُّهَا التِّلميْذُ النَّجِيبُ، أنْعَمَ اللهُ عَليْكَ بِالعَمَلِ بَعْدَ نِعمَةِ العِلْمِ- أنَّ الصَّلواتِ الخمْسَ المكتوبَاتِ التَّي يُنادَى بها في الجمَاعَاتِ هِيَ:
1-الظُّهْرُ[16]: وهيَ أربعُ ركعَاتٍ سرِّياتٍ، يَكتفيْ فيها الإمَامُ والمأمُومُ بقراءَةِ الحمدِ فَقَط، يَفصِلُ بينَ ركعَاتها التَّشَهُّدُ الأولُ بعدَ الرَّكعةِ الثانيةِ ليقومَ المصَلِّي للركعَةِ الثالثةِ بتكبيرٍ، ويجلسُ بعدَ الرَّابعةِ للتَّشهُّدِ الأخيرِ ثُمَّ التسليمِ.
2-العَصْرُ: وهيَ كالظهرِ حذوَ النَّعْلِ بالنعْلِ[17]، وهيَ الصَّلاةُ الوُسْطَى عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الشَّيخَينِ -يحفَظهُما اللهُ-[18].
3-المغربُ: وهيَ ثلاثُ ركعاتٍ، يجهرُ الإمامُ في الرَّكعتينِ الأوليَينِ منها بفاتحةِ الكتابِ وما تيسَّرَ لهُ مِنَ القُرآن، يَقرأُ المأمومُ الفاتحةَ ويَكتفِي بالاسْتمَاعِ لما بعدَها، أمَّا الرَّكعةُ الثالثَةُ فهيَ ركعةٌ سرِّيةٌ يُجتزَى فيها بقراءةِ أمِّ الكتابِ فقَط.
4-العِشاءُ: وهي أربعُ ركعاتٍ، يجهرُ الإمامُ في الركعتينِ الأوليَينِ منهَا بفاتحةِ الكتابِ وما تيسَّرَ لهُ منَ القُرآنِ، ويُسِرُّ القراءةَ في الركعةِ الثالثةِ والرابعةِ، ويفصِلُ بينَ هذهِ الركعاتِ الأربعِ بالتشهدِ الأوَّلِ بعدَ الركعةِ الثانيةِ، ويجلسُ بعدَ الرابعةِ للتشهدِ الأخيرِ ثم التسليمِ.
5-الفجرُ: وهيَ ركعتانِ يجهرُ فيهما الإمامُ بالفاتحةِ والسُّورةِ بعدَها، ليجلسَ بعدَ الثانيةِ للتشهدِ الأخيرِ ثم التسليمِ.
فهذهِ هيَ الصَّلواتُ المفروضاتُ -إِضَافَةً إِلى صَلاةِ الجُمُعَةِ-، ومَا عَدَاها فليسَفرْضًا[19]، كَمَا دَلَّ على ذلكَ حديثُ الأعْرابيِّ: "..خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، قالَ: هلْ غيرُهَا؟ قالَ: لا إِلا أنْ تطَّوَّعْ"[20]، وسَيأتي الحدِيثُ مفصَّلا حَولَ بقيَّةِ الصَّلواتِ فيمَا سَيأتي بعونِ اللهِ تعَالى.


وَاجِبَاتُ وَلِيِّ أَمْرِ الصَّبِيِّ

يُؤْمَرُ وَلِيُّ أَمْرِ الصَّبِيِّ بِتَعْلِيمِهِ الصَّلاةَ إِذَا بَلَغَ سَبْعًا مِنَ السِّنِينَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْمِلَ مَعَهُ مُخْتَلِفَ الْوَسَائِلِ لِتَرْغِيبِهِ وَتَحْبِيبِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْقِصَّةِ المُؤَثِّرَةِ، وَالْعِبَارَةِ المُلَطَّفَةِ، وَالرَّبْطِ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالتَّرْغِيْبِ بِعَظِيمِ الثَّوَابِ وَالتَّرْهِيْبِ مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ؛ حَتَّى يَنْشَأَ مُحِبًّا لِلْصَلَاةِ مُعْتَادًا عَلَيْهَا، فَـ:

النَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى***حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ [21]



فَإِذَا بَلَغَ الْعَاشِرَةَ يَكُونُ قَدْ أَتْقَنَ الصَّلَاةَ بِإِذْنِ اللهتَعَالَى، فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَبَ إِرْشَادُهُ وَتَنْبِيْهُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ تَأْدِيْبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الحَالِ وَالْمَصْلَحَةِ فِي جَانِبِهِ، وَكُلُّ هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ لِلْمُرَبِّي الْأَوَّلِ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ- حِيْنَمَا قَالَ مُوَجِّهًا:" مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهاَ"[22].


مَسْأَلَةٌ

وَمَعَ ذَلِكَ فَلا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الصَّلاةُ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَكُونُ فِي حَقِهِ كُلُّهَا نَفْلًا إِلَى أَنْ يَصِلَ سِنَّ الْبُلُوغِ وَالتَّكْلِيفِ، إِلَّا إِنْ بَلَغَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدَّاهُ سَابِقًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَقِهِ نَفْلًا وَالْآنَ أَصْبَحَ فَرْضًا، يَقُولُ شَيْخُنَا الْقَنُّوبِيُّ -حَفِظَهُالله تَعَالَى- :" ..وَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ إِذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ صَلَّى قَبْلَ الْبُلُوغِ"[23].


فَائِدَةٌ فِي عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ

عَلَامَاتُ الْبُلُوغِ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِالصَّبِيِّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِالصَّبِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، يَقُولُ الْإِمَامُ السَّالِمِيُّ-رَحمَهُ اللهُ-فِي تَلْقِيْنِ الصِّبْيَانِ:
"فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ [وَالصَّبِيَّةُ] حَدَّ الْبُلُوغِ وَهُوَ حُصُولُ الْحُلُمِ -أَي الْمَاءِ الدَّافِق-، أَوْ نَبَاتُ الشَّعرِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ، أَوْ بُلُوغُ خَمْسَ عَشرَةَ سَنَة عَلَى قَوْلٍ وهُو الأَصَحُّ، أَوْ سَبْعَ عَشرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلٍ آخَر- وَالْمَرْأَةُ إِنْ وَجَدَتِ الْحَيْضَ أَوْ الْحَمْلَ أَوْ تَكَعَّبَ ثَدْيَاهَا- فَإِذَا وَجَدَ الصَّبِيُّ [وَالصَّبِيَّةُ] إِحْدَى هَذِهِ الْعَلاَمَاتِ حُكِمَ لَهُ وَعَلَيْهِ بِأَحْكَامِ الْبَالِغِ، وَيُوَجَّهُ إِلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِالْعِبَادَاتِ وَالْخِطَابُ بِتَرْكِ الْمَحْجُورَاتِ"[24].




فَصْلٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلاةِ

تَعَلَّمْ أَخِي الْمُسْلِمَ -أَلْزَمَ الله غَرْزَكَ فِي الطَّاعَاتِ وَالصَّالِحَاتِ، وَوَقَاكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْمُوبِقَاتِ- أَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ هِيَ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، فَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- بَعْدَ وُصُولِهِ سِنَّ الرُّشْدِ مَعَ صِحَّةِ عَقْلِهِ فَلا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ[25]:
إِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا جُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا أَوْ إِنْكَارًا لَهَا بِالْكُلِيَّةِ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنِ الدِّينِ، يَقُولُ الْعَلاَّمَةُ الْقَنُّوبِيُّ -حَفِظَهُ الله وَعَافَاهُ-:"..وَأَمَّا إِذَا كَانَ تَرْكُهُ لَهَا جُحُودًا فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِاتِّفَاقِهِم؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ فَرْضَ الصَّلاةِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمَنْ أَنْكَرَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ"[26]، وَحُكْمُهُ: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ فَيُعْفَى عَنْهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ جُحُودًا وَإِلَّا قُتِلَ مُرْتَدًّا، وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ باِلضَّرُورَةِ.
وَأَمَّا إِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا وَتَكَاسُلاً مِنْهُ لَا جُحُودًا وَإِنْكَارًا لَهَا: فَحُكْمُهُ: أَنَّهُ كَافِرٌ كُفْرَ نِعْمَةٍ لَا كُفْرَ شِرْكٍ، يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ حَدًّا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الحُكْمِ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، قَالَ الْإِمَامُ السَّالِمِيُّ (رَحمَهُ اللهُ): [27]

...................*** وَقِيْلَ بَلْ يُؤْمَرُ ابْنَ سَبْعِ

وَضَربُهُ فِي العَشْرِ وَهُوَ أَعْدَلُ***لِمَا عَلَيْهِ مِنْ دَلِيْلٍ يُنقَلُ

وَبَالِغٌ تَرَكَهَا وَيَعْقِلُ***مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ قَولٌ يُقتَلُ

مِنْ بَعْدِ أَنْ تَوَّبْتَهُ ثَلاثا***وَأَخْرَجَ المُصَنِّفُ الإِنَاثَا

وَعَدَمُ الفَرْقِ هُوَ الجَلِيُّ***إِنْ صَحَّ قَتلٌ وَهُوَ المَرْضِيُّ










مَسْأَلَةٌ

وَمِنْ رِسَالَةِ "الْمُخْتَصَرُ الْمُفِيدُ فِي الْكَفَّارَاتِ" مَسْأَلَةٌ فِيْمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ مُتَعَمِّدًا عَلَى جِهَةِ الانْتِهَاكِ أَوِ التَّهَاوُنِ وَالتَّكَاسُلِ، ثُمَّ أَرَادَ التَّوْبَةَ إِلَى اللهِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَالْخِلافُ فِي الْكَفَّارَةِ، قِيْلَ بِلُزُومِ الكَفَّارةِ قياسًا عَلَى الصَّومِ...
"وَرَأَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّلاةِ أَصْلاً[28]، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُحَقِّقَانِ الْخَلِيلِيُّ[29] وَالْقَنُّوبِيُّ[30]؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِ الْعِصْمَةُ، فَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُعْتَبَرٍ، لَكِنْ لَوِ احْتَاطَ وَلَوْ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَالاحْتِيَاطُ حَسَنٌ جَمِيْلٌ:

وَذُو احْتِيَاطٍ فِي أُمُورِ الدِّينِ***مَنْ فَرَّ مِنْ شَكٍّ إِلَى يَقِينِ


وَهَذَا الرَّأْيُ [عَدَمُ وُجُوبِ الكَفَّارةِ] ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيخُمُنَازِلُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخَرَاسَانِيِّينَ"[31].

خِلاَفٌ وَثَمَرَةٌ

تَقَدَّمَ مَعَكَ -قَرِيْبًا- أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى المُكَلَّفِ حُضُورَ العَقْلِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا تَجِبُ الصَّلاةُ عَلَى المُغْمَى عَلَيْهِ وَفَاقِدِ الْوَعْيِ فِي الْحَالِ، وَمِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ لَاحِقًا: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْإِغْمَاءِ هَلْ سَبِيلُهُ سَبِيْلُ الْجُنُونِ أَوْ هُوَمُجَرَّدُ مَرَضٍ؟
وَثَمَرَةُ الخْلَافِ: مَنْ رَأَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ جُنُونٌ لَمْ يَرَ عَلَى صَاحِبِهِ قَضَاءَ الصَّلَوَاتِ الْتِي اِسْتَغْرَقَ وَقْتَهَا فِيالْإِغْمَاءِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ فِي سُقُوطِ التَّكَالِيفِ عَنْهُ -اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ، أَوْ أَفَاقَ حَالَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ فِيالْحَالَيْنِ الْقَضَاءُ-.
وَمَنْ رَآهُ مَرَضًا أَلْزَمَهُ قَضَاءَ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْتِي فَاتَتْ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ، وَهَذَا الرَّأْيُأحْوَطُ[32] وَالأَوَّلُ أَرْجَحُ[33].

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس