منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - ملخص دروس التفسير لسماحة الشيخ الخليلي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 09-02-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



سورة النساء: مقدمة تعريف بالسورة وفضلها ومقاصدها

يبدأ سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في هذه الحلقة بتمهيد قبل الدخول في تفسير سورة النساء موضحا ما قيل في سبب نزولها قائلا:
ترتيب السورة:
يقول سماحته: بعد ان من الله سبحانه وتعالى علي باختتام سورة آل عمران وبيان ما فتح الله سبحانه وتعالى من معانيها ننتقل الآن الى السورة التي بعدها وهي السورة المسماة بسورة النساء وهي السورة الرابعة في ترتيب القرآن بحسب التسلسل في ترتيب سوره اما من حيث النزول فقد قيل بأنها السورة السابعة والتسعون وقيل غير ذلك.
ونحن لا نملك دليلا من هذه الناحية حتى نقول بأن هذه السورة من حيث ترتيب النزول هي رقمها كذا وانما نذكر بعض ما قيل في ترتيب نزولها فمن المفسرين من قال بانها نزلت بعد سورة الممتحنة وقبل سورة الزلزلة وهذا الشائع وقد روي نحو ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقد روي عنه انه اول ما نزل في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ولا يوجد دليل قاطع ان يعتمد عليه على ان من المفسرين من قال بان هذه السورة سورة مكية.
وقد قال ذلك النحاس وكل ما عول عليه في هذا ان آية من آياتها وهي قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) نزلت بمكة في قصة عثمان بن أبي طلحة الشيبي عندما رد اليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة المشرفة وقد كان بنوا شيبة حجبة الكعبة في الجاهلية فاقرهم على ذلك الاسلام رد اليه النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح ولكن في هذا نظر فقبل كل شيء لو سلمنا ان هذه الآية الكريمة نزلت بمكة المكرمة فان نزول آية من السورة بمكة لا يعني ان جميع السورة مكية ومن ناحية أخرى فان ما قيل من نزول هذه الآية بمكة المكرمة انما كان ذلك في ما بعد فتح مكة في عام الفتح ومن المعلوم ان العلماء اختلفوا في تحديد المدني والمكي من السور فأكثر العلماء على ان المكي هو ما نزل قبل الهجرة سواء نزل بمكة نفسها او كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكان آخر ونزل عليه شيء من القرآن فانه يعد مكيا.
اما المدني فهو ما نزل بعد الهجرة سواء نزل بالمدينة او نزل بمكة في عام الفتح او في حجة الوداع او نزل بالحديبية او نزل في أي مكان آخر لأن كونه بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين الى المدينة المنورة وقيام دولة الحق في المدينة المنورة فان كل ما نزل من القرآن انما يعد مدنيا.
ومنهم من قال: بان المكي انما هو ما نزل بمكة سواء كان ذلك قبل الهجرة او بعدها والمدني انما هو ما نزل بالمدينة.
ومنهم من قال: بأن ما نزل بمكة فهو مكي وما نزل بالمدينة فهو مدني وما نزل في مكان آخر في اسفار النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته فإنه لا يعد مكيا ولا مدنيا ولكن القول الشهير كما ذكرنا ان المكي ما كان قبل الهجرة والمدني ما كان بعد الهجرة على ان نزول السور لا يمكن ان يقال بان هذه السورة بكل آياتها نزلت قبل سورة كذا لأن نزول السور ليس دفعة واحدة كانت آياتها تتابع وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما تنزل عليه آية يقول ضعوها في سورة كذا في موضع كذا فمات النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن مرتب متلو وكان ذلك لا يعني بتسلسل الآيات بحيث يأمر بوضعها في سورة كذا ما دامت آياتها تنزل حتى تنتهي آياتها متسلسلة ثم بعد ذلك يأمر بوضع الآيات في سورة اخرى تنزل من بعدها.
فسورة البقرة التي قيل بأنها أول سورة نزلت بالمدينة المنورة نجد من العلماء ومن بينهم اهل التفسير من يقول بأن آية من آياتها كانت آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
قالوا بان هذه الآية هي آخر ما نزل على النبي عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام هذا قول من بعض اهل العلم ولم نجد ايضا عليه دليلا يمكننا ان نعتمد عليه لكنه قيل ذلك.
كما ان سورة النساء أيضا قيل بان آخر آية من آياتها وهي آية الكلالة كانت آخر ما نزل من القرآن وللكلالة آيتان في النساء الأولى وجاء تسميتها بآية الشتاء والأخيرة وجاء ايضا في السنة تسميتها بآية الصيف.
ونجد ان هذه السورة من آياتها ما يقتضي الدليل على انه نزل في مرحلة مبكرة بعد هجرة الرسول عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام.
ومن السور ما نزل من آياتها في مرحلة مبكرة من هجرته عليه افضل الصلاة والسلام حتى ان من المفسرين من قطع بذلك وهي قوله سبحانه وتعالى (وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) ذلك لأن هذه الآية حسب الدليل انما نزلت في ما قبل سورة النور بدليل ان الله تبارك وتعالى بعد ما انزل سورة النور على النبي عليه افضل الصلاة والسلام وفيه (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا).
ومما يؤذن بأن ما في سورة النساء هنا انما نزل قبل ما في سورة النور وهذا واضح فإذن نزول آياتها لا يلزم ان يكون في تسلسل حتى يقال بأنها نزلت بعد سورة كذا او بعد سورة كذامع اننا نجزم بأن هذه السورة انما نزلت بالمدينة لأدلة كثيرة منها ما يدل عليه سياقها والأحكام التي جاءت فيها احكام القتال وذكر المنافقين ومحاجة اهل الكتاب والاشارة الى معركة أحد والى غزوة حمراء الأسد فان ذلك كله مما يدل على انها نزلت بالمدينة فضلا عما جاء من الروايات الكثيرة عن طائفة من الصحابة رضوان الله عليهم فعائشة ام المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت (ما نزلت سورة البقرة وسورة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وانا عنده) تعني انه صلى الله عليه وسلم عندما نزلت هاتان السورتان الشريفتان قد بنى بها.
ومن المعلوم ان بناء النبي صلى الله عليه سلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها انما كان بعد الهجرة فقد جاء في رواية ابن سعد عنها انه أعرس بها في شوال لثمانية اشهر خلون بعدالهجرة ومعنى ذلك ان بناء النبي صلى الله عليه وسلم بها كان في شهر شوال من اول عام من اعوام الهجرة وقيل بأن بناءه بها كان في العام الثاني الهجري وجاء ما يؤكد ذلك فيما روي عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما من الصحابة ويؤيد الذي استظهرناه من الآيات الدالة على انها سورة مدنية.
وما جاء من ان قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نزل في قصة عثمان بن ابي طلحة لا يمكن ان ناخذ منه دليلا جازما بان هذه الآية نزلت بمكة فقد سبق ان كثيرا ما يقول السلف نزلت آية كذا في كذا ويعنون ذلك ان تلك الآية مشتملة على ذلك المعنى من الحكم في القضية كما سبق في مقدمة التفسير وبيناه مرارا ثم بجانب ذلك أيضا يفهم ان من قال هذا القول انما استنتج ذلك من تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم من آية عندما دخل الكعبة المشرفة واخذ منها تمثال ابراهيم عليه السلام وحطمه والقداح الذي كانوا يستقسمون به وحطمه دعا بعد ذلك بعثمان بن ابي طلحة ودفع اليه المفتاح وتلا الآية الكريمة كما جاء في رواية بن مردويه وهذا يعني ان النبي صلى الله عليه وسلم انما تلا الآية للاستشهاد بها ليس لأنها نزلت عليه في ذلك الوقت لايؤخذ في هذا دليل على انها نزلت عليه في ذلك الوقت .
تسمية السورة ومقاصدها:
والسورة الكريمة لا اختلاف في تسميتها بسورة النساء وانما سميت بذلك لأن كثيرا من احكام النساء جاءت فيها وقد تكرر فيها ذكر النساء اول ما فيها ان الله سبحانه وتعالى امر بالتقوى امر عباده ان يتقوه مذكرا اياهم نعمته عليهم بان خلقهم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ثم ان الله سبحانه وتعالى امر بانصاف اليتامى وايتائهم حقوقهم واكثر اليتامى تعرضا للظم يتامى النساء ثم بجانب ذلك ايضا تناولت آيات السورة الكريمة احكام الزواج فابيح للرجال مع العدل ان يتزوجوا مثنى وثلاث ورباع وجاءت احكام متعددة تتعلق بالزواج كعدم جواز ارث النساء أي بعد ما يكن في عصمة ازواج اذا مات ازواجهن فليس لأوليائهن ان يرثوهن كما يورث المتاع كذلك ما جاء من انصاف النساء في استبدال زوج مكان زوج وعدم اخذ شيء مما آتاها اياه الزوج كذلك ما يحرم من تزوج النساء اللاتي كن في عصمة الآباء وكذلك المحارم بسبب النسب وبسبب الصهر كل ذلك مما اشتملت عليه الآية الكريمة مع اشتمالها ايضا على ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية فيما بين الزوجين وفيما بين الأقارب فيها كثير من الآيات التي تتعلق بالأحكام والحقوق الزوجية وما يجب على المرأة للرجل وما يجب على الرجل للمرأة وكيف ان حصل شجار بينهما كيف يحسم هذا الشجار وكيف يكون العلاج سواء كان العلاج من الزوج وهو العلاج الأولي وهو على مراحل او كان علاجا من الأسرتين وهو تحكيم حكم من اهله وحكما من اهلها فان ذلك كله مما اشتملت عليه هذه السورة.
كذلك ما يتعلق بالنشوز الذي تخافه المرأة من زوجها والصلح بينهما الى غير ذلك من الأحكام احكام عدة ترجع الى العلاقات الزوجية ثم كذلك العلاقات الاجتماعية الأخرى ايتاء الوالدين حقهما والوالدان انما هما اب وام فللنساء دخل في هذه الأحكام كذلك حقوق الأرحام والقرابات للنساء دخل في ذلك ايضا كذلك بالنسبة الى القتل سواء كان قتلا عمدا اوكان خطأ للمرأة دخل في ذلك والمواريث في القرآن الكريم تعرض لأحكام المواريث وكانت النساء اكثر تعرضا للظلم في المواريث في عهود الجاهلية لذلك سميت هذه السورة سورة النساء، وهذه التسمية جاء ت في السنة وجاءت عن السلف كما فيما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وكذلك جاءت في جميع المصاحف واطبق عليها جميع المفسرين فاذن هي سورة النساء..
سورة النساء تربط الناس بوشيجة القربى وتدعو إلى القضاء على النعرات الجاهلية وتحذر من سفك الدماء.
التعدد وعضل المرأة:
كذلك بالنسبة إلى تزوج الرجل بالعديد من النساء كان أهل الجاهلية لا نصاب لهم في ذلك لا يبالي احدهم ان يتزوج عشرا او اكثر او اقل، فجاءت السورة لتحدد المقدار الذي يمكن ان يجتمع عند الرجل من النساء (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) على ان ذلك لم يكن عند الجاهلية مقيدا بالعدل، وهنا قيد بالعدل.
كذلك بالنسبة كون المرأة عرضة ان تورث كما يورث المتاع فعندما يموت الرجل وعنده امرأة يأتي ولده أو أي احد ممن اخص به واقرب اليه فيضع عليها ثوبا فلا تملك من امرها شيئا، إما ان يتزوجها هو واما ان يعضلها عن الزواج حتى تفتدي منه، وهكذا كان شأن المرأة في الجاهلية، هذا كله جاء القرآن الكريم في هذه السورة المباركة ليحسمه بالحكم الرباني بما في ذلك من انصاف للمرأة وإيتاء كل واحد من الزوجين حقه.


كذلك تناولت السورة العضل، عضل المرأة لأجل الذهاب لحقها من الصداق الشرعي تعرضت لذلك وتعرضت للمرأة ومضايقتها حتى تفتدي عندما يريد احدا ان يستبدل زوجا مكان زوج.
تعديد المحارم في النكاح:
كما تعرضت للمحارم وبينت ما يجوز للرجل ان ينكحه من النساء أو ما لا يجوز، كما بينت ايضا كيف ان للرجل ان يتزوج الأمة مع حاجته اليها ومع عدم امكانه ان يتزوج الحرة تعرضت لذلك.
العلاقات الاجتماعية:
كما تعرضت السورة الكريمة للعلائق، العلائق الاجتماعية التي تشد الانسان إلى الانسان وكان ابتداؤها بربط الكل بالمبدأ ذلك لان الله سبحانه وتعالى ذكر الجميع هنا انه بدأ خلقهم من اصل واحد، من اب واحد وهو آدم وأم واحدة وهي حواء، وآدم وحواء خلقهم من نفس واحدة وهذه النفس ايضا جعل منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، فمعنى هذا ان في هذا ما يدعو إلى تقدير هذه العلاقة الانسانية التي تشد الانسان إلى الانسان لان الناس جميعا مهما تباينت اجناسهم واختلفت الوانهم انما ينحدرون من اصل واحد فبينهم رحم عامة رحم مشتركة لان الكل يرجعون إلى اصل واحد وفي هذا ما يخطب على التفاخر الذي كان بين الناس بالآباء والاجداد واستعلاء بعضهم على بعض فالسورة تضمنت ربط الناس بوشيجة القربى في البشرية مع القضاء على تلك النعرات الجاهلية التي كانت تفرق الناس عزين، هذه طبقة رفيعة وهذه طبقة وضيعة والأمر بخلاف ذلك.
أحكام القتل الخطأ:
كذلك تناولت السورة احكام القتل الخطأ، تعرضت للقتل الخطأ ووجوب الدية ووجوب الكفارة في القتل الخطأ ومراعاة الحقوق الإنسانية من هذه الناحية، ثم بجانب ذلك ايضا تضمنت الوعيد على القتل العمد وحذرت في احكام القتال من اقدام احد على ان يسفك دما بدعوى ان هذا المسفوك دمه ليس هو من الاسلام في شيء مع رفعه شعار الاسلام بحيث يدعى ان هذا انما قال ما قله تقية وخوفا.
فالقرآن في هذا السورة المباركة حذر اولئك الذين يضربون في الأرض مجاهدين في سبيل الله ان يسفكوا الدماء هكذا.
الإنصاف في المعاملة:
كما تعرضت السورة الكريمة للإنصاف، الإنصاف ما بين جميع الناس بحيث لا يفرق بين قريب وبعيد ولا بين بغيض وحبيب، ولا بين بار وفاجر او مؤمن وكافر فإن الانصاف يشمل الجميع والناس عليهم ان يترفعوا على حمية الجاهلية فلا يتعصبوا لاحد على انه قريب بسبب قرابته ولا يتعصبوا ضد احد بسبب بعده او بسبب عداوته فالناس جميعا مشتركون في حق العدل، العدل مشروع للجميع لا فرق فيه بين قريب وبعيد ولا بين بغيض وحبيب ولا بين مؤمن وكافر ولا بين بار وفاجر مهما كانت العلائق بين الناس انما عليهم ان ينصف بعضهم من بعض، فالسورة الكريمة تعرضت لذلك في قول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ) فلا يتعصب لقريب بسبب قرابته ولا ضد بعيد بسبب بعده، الناس في الانصاف متساوون في الحق والسورة أيضا ضربت أروع الأمثال في انصاف اشد الخصوم خصومة ولجاجة في الخصومة في انصاف اليهود مع ان اليهود هم اشد قسوة على المسلمين واكثر الناس تآمرا على هذه الدين وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فمنذ هاجر الرسول عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام كان اليهود له بالمرصاد، كانوا يتآمرون عليه صلوات الله وسلامه عليه ويتآمرون على امته ويدسون لهم الدسائس ولكن مع ذلك الانصاف حق مشروع للجميع، فقد نزل قرآن يتلى في الصلوات وفي غيرها في هذه السورة والكريمة من قوله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) إلى رأس اثنتي عشرة آية كل ذلك من اجل دفاع عن يهودي، هذا اليهودي رمي بغير حق ومن الذي رماه، انما رماه طائفة من الأنصار مع ان الانصار هم الذين آووا النبي صلى الله عليه وسلم وقربوه وبذلوا النفس والنفيس في مناصرته والوقوف بجانبه ولكن مع ذلك كله لا مجاملة في الحق بل الحق والباطل باطل فعلى هؤلاء الأنصار ان يكونوا منصفين من انفسهم وان يتكيفوا وفق مقتضيات ايمانهم بالله واليوم الآخر، ولئن كانت في نفوسهم رواسب من عهد الجاهلية تقتضي ان يكونوا أولو حمية وعصبية فإن عليهم ان يتطهروا من رجس هذه الرواسب ولذلك جاء القرآن الكريم مشددا في ذلك.

فهناك رجل منهم سرق درعا ولما خشوا عليه الفضيحة وان ينكشف امره رأوا ان يرموا بهذا الأمر الى يهودي فأخذوا الدرع ورموها في بيت يهودي وقالوا بأن اليهودي هو الذي سرق هذه الدرع وانكشف الأمر كذلك وكاد النبي صلى الله عليه وسلم ان يقيم عليه الحد، ولكن الله تبارك وتعالى تدارك الأمر بما انزله من كتابه لينقذ النبي صلى الله عليه وسلم من اقامة حد على بريء (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فالله سبحانه وتعالى شدد في هذه القضية تشديدا بالغا ذلك لأجل ضرب أروع الأمثال في الانصاف كيفما كانت خصومة الخصم وكيف ما كانت لجاجته في هذه الخصومة وكيف ما كان قرب القريب فإن ذلك لا يمنع من انصاف هذا البعيد المشاقق من هذا القريب الموافق إذ لا عبرة بالوفاق وبالشقاق انما العبرة بالحق، هذا حق منْ فيجب ان ينصف صاحب الحق.

جدال أهل الكتاب:
كذلك تضمنت السورة جدال اهل الكتاب وبيان ما كانوا ينطرون عليه من عقائد الكفر فالله سبحانه وتعالى انزل ما انزل هنا بيانا لمؤامرات اليهود وانحرافهم عن الحق وضلالهم عن سواء الصراط كما ان خاتمة السورة الكريمة اشتملت ايضا على مجادلة النصارى في طبيعة المسيح وان المسيح لم يكن يستنكف ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون فالكل عباد الله سبحانه وتعالى مع بيان ان هؤلاء الذين رابهم ان يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم انما يرتابون فيما لا ريبة فيه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم انما أوحي اليه كما اوحي إلى من قبله من النبيين أوحي اليه كما أوحي إلى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وايوب وهارون وسليمان وكذلك داود فهؤلاء جميعا اوحي اليهم، ومعظم هؤلاء الذين ذكروا موسى وعيسى وكذلك سليمان ودواد وانما هم من انبياء بني اسرائيل ولكن مع هذا كله هم ارتابوا من كون النبي صلى الله عليه وسلم اوحي اليه فإذاً السورة انما تتلاءم مع اجواء المدينة المنورة.


وربما اشتملت السورة ايضا على ما يتمم فيما سبق هنا احكام جاءت مجملة وتقدمت قبل ذلك مفصلة وهنا احكام بالعكس أي جاءت مفصلة بعد اجمالها.
التناسب بين سورة النساء والبقرة وآل عمران:
فبعض الأحكام جاءت في سورة البقرة بشيء من الاجمال ولكن هنا فصلت، هناك في سورة البقرة في احكام الطلاق بطبيعة الحال ذكرت بعض الاحكام فيما يتعلق بالطلاق ولكن ما في هذه السورة انما كان إما تفصيلا لبعض ما في سورة البقرة وإما تتميما للاحكام التي لم تذكر في سورة البقرة.
فهكذا جاءت هذه السورة كما جاءت السورتان من قبل - بين هذه السور التكامل- فهذه السورة كما ذكرنا ذكرت قصة أحد مجملة وما في سورة آل عمران انما جاء مفصلا كذلك بالنسبة ايضا إلى قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين إلى حمراء الأسد، هكذا كانت هذه السورة الكريمة .
عدد آية سورة النساء:
وهي مائة وخمس وسبعون آية عند اهل الحرمين الشريفين واهل البصرة ومائة وست وسبعون عند اهل الكوفة ومائة وسبع وسبعون عند اهل الشام، ولذلك قد تختلف احيانا ارقام آياتها ففي مصاحف الاستانة ومصاحف مصر هي مائة وست وسبعون وفي غالب المصاحف هي مئة وخمس وسبعون آية.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس