منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - طلب كتاب القرآن قرآن
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 10-01-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



: الحياة في البرزخ، نفيا أو إثباتا- نموذج لمسألة عقدية-


لقد طال التحريف الذي قصده أهل الكتاب والمشركون عن عمد منهم هذا الجانب من الاعتقاد، جانب ما بعد الموت، القبر؛ من حيث قولهم بوجود عذاب أو نعيم فيه، وذلك بإدخالهم على المسلمين كلاما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يوثقوا كلامهم، إلباسا منهم على المسلمين، وصدا منهم لهم عن سبيل الله، إذ في الاعتقاد بوجود عذاب أو نعيم في القبر، إضافة إلى معارضته إلى قطعية النصوص النافية لما قالوه، هو أيضا فتنة للمسلمين من حيث ما جره القول بذلك من خرافات – كما سيأتي ذكرها-.
إن من أهم أسباب قبول المسلمين لهذا المعتقد هو عدم تدبرهم لكتاب الله الحق الذي يعلمونه، وقدموا على صريح الآيات – كما سيأتي- أقوالا زُعم أنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالرغم من اليقين من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّى له أن يعارض ما أرسله به ربه إلى الناس.

إن القرآن الكريم الحق والنور والمبارك يؤكد في كل آياته أن الحساب؛ ثوابا وعقابا، إنما يكون يوم القيامة وليس في القبر، إذ القبر في نظر القرآن الكريم ليس إلا حجزا بين حياتي الدنيا والآخرة لا غير، وهو ما أسماه بمصطلح البرزخ، أي الحاجز. والذي يكون فيه المرء مخدرا عن أي إحساس، فهو ميت، أي بدون أي حس يحسه، وهو أي هذا الموت هو الذي يطلبه المعذَّبون- والعياذ بالله- وهم في النار، لإدراكهم أن الموت هو الانقطاع للحس بالكلية- فقد جربوا كنهه-، وذلك كما أخبر الله عنهم في ذلك إذ قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ فاطر36. وذلك بالرغم من طلبهم له أنفسهم: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾ الزخرف77، فهم يطلبون الموت الذي فيه راحة لهم مما هم فيه من عذاب، وذلك لانقطاع الحس، فلو كان الحس بالموت- كما يقول القائلون بعذاب القبر ونعيمه- موجودا لما طلبوه، لأنهم لا محالة سيعذبون، أو للبى لهم ربهم طلبهم على أن يعذبهم بعد موتهم، كما عذبهم في القبر- على قول القائلين به-.
إن أكبر مؤثر على النفس، ويدفعها لتستقيم على دين الله هو اعتقادها بأن في انتقال المرء من الحياة بالموت من الحياة الدنيا هو انتقال مباشر إلى الدار الآخرة، حيث الحساب ورؤية نتيجة العمل، كما قال الله في ذلك: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ الزلزلة6، انتقالا لا يشعر المرء بمداه الزمني، فهو ما إن يغمض جفنه عن الحياة متوفى حتى يجد نفسه في الآخرة، حيث أهوال القيامة بأنواعها. فهو كالنائم نوما عميقا لا يشعر فيه بالزمن الذي استغرقه، والنوم آية من الله سبحانه، سماه الله وفاة: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ الأنعام60. أو كمن خدر (بالبنج) لإجراء عملية جراحية، أو أغمي عليه، فهو بمجرد أن يصحو يظن نفسه لم يستغرق في رقدته تلك إلا قليلا، بالرغم من أنه قد يكون لابثا في رقدته تلك ساعات أو أياما أو ربما أشهرا، وما ذلك إلا لفقده الإحساس بذلكم الإغماء أو التخدير.
كذلك هو الحال لمن يموت من هذه الحياة، لا يشعر حتى يبعث لفقده الإحساس، ولا كم عددا من السنين لبث في قبره، وهذا ما يدفعه إلى التساؤل يوم القيامة، كما يسأل المخدَّر أو المغمى عليه في الحياة، يقول سبحانه في ذلك: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ المؤمنون112، فيأتي جوابهم لعدم إحساسهم بالفترة الطويلة التي لبثوها في قبورهم: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ﴾ المؤمنون113، إن الكفار ينظرون إلى ظاهر الأمور ولا يؤمنون بالغيب، بل بما يشاهدونه ويحسونه فحسب، فإنهم قد أقسموا قسما بأنهم لم يلبثوا في القبر إلا وقتا يسيرا، يقول سبحانه في ذلك: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ الروم55. إذ أن أعقلهم قد قال الله على لسانه في رده على فترة المكوث في القبر: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً﴾ طه104.

- أهل العلم والإيمان مختلفون في النظرة إلى البرزخ عن الكفار:


إن الله سبحانه يخبرنا في كتابه الحق عن أن أهل العلم واليقين الذين يعلمون يقينا أن القبر والبرزخ فترة حجز طويلة، ولكن لعدم الإحساس بما يحدث فيه هو الذي دفع الكفار إلى القول بقصر الفترة تلك، يخبرنا أن ردهم كان مختلفا، فنظرتهم موافقة لما يقوله القرآن الكريم، فمن أوتي العلم والإيمان تيقنوا بما في القرآن، وما أخبرهم الله به مسبقا، من أن الفترة طويلة، ولكنها مطوية بقدرة الله لإزالته الإحساس بها، إذ توقف الزمن في البرزخ- إن صح التعبير-، قال الله عن ردهم في ذلك على الكفار يوم القيامة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ الروم56، كذلك يلحظ أن الله سبحانه يخبرنا أن الشغل الشاغل لأهل الإيمان هو البعث المقطوع بوقوعه فهم يستجيرون بالله منه، ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ آل عمران194، وكذلك يلحظ – كما سيأتي تفصيله- دعاءهم ربهم في قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ آل عمران9، فهو الموعد المحدد للحساب، وقوله على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ إبراهيم41. وقوله سبحانه على لسان الصالحين من عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ الفرقان65، 66، فأين الاستجارة من عذاب القبر؟!، إلا ما لفَّقه الملفقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعهم من تبعهم ممن رجحوا قولهم -تسرعا - على قول الله سبحانه الحق.

- القيامة تأتي بغتة، وذلك لأن البرزخ حجز للروح ليوم البعث، وعليه من مات قامت قيامته:


إن الفترة الزمنية طويلة جدا، فقد استغرقت من وقت الوفاة في الحياة الدنيا وحتى يوم البعث للحساب، يوم القيامة، إذ منهم قد مات من عهد آدم عليه السلام وهذا أمر يعلمه أهل العلم والإيمان، دون إنكار منهم على أن الفترة الزمنية في البرزخ قد مرت سريعا، فهم مثلهم قد أحسوا بسرعة مرورها، ما إن غمضت أعينهم متوفين من الحياة الدنيا إلا ورأوا أنفسهم في الآخرة للحساب دون شعور منهم بالبرزخ. فهم مؤمنون بالغيب. ورب العالمين أخبر أن ذلكم هو شأن الساعة من حيث المباغتة والسرعة في الإتيان، فهي لا تحس: ﴿وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ النحل77، وكيف تفسر تلكم السرعة والمباغتة إلا بذلك؟، وفي آية أخرى يقول سبحانه: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ الأنعام31، وقوله جل في علاه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف187، وقوله سبحانه: ﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ الأنبياء40، وقوله جل شأنه: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ محمد18. فماذا تفسر تلكم البغتة؟ إن لم تكن بغتة بالنسبة لكل فرد قد مات وانتقل منتظرا لها دون شعوره بزمن الانتظار، فهو في رقدة عميقة، كما قال الله على لسان الكفار منكري البعث إذ سموها رقدة: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ يس52. ولا يوجد مسوغ لأن يحال معنى الرقدة المذكور في الآية عن معناها إلى معنى متكلف فيه، مما يقوله مثبتوا الحياة في البرزخ. ويخبرنا سبحانه عن الكفار المنكرين للبعث أنهم ما إن يبعثوا يوم القيامة للحساب إلا وظنوا أنهم لم يلبثوا في القبر إلا عشية أو ضحاها، أي في نفس يوم الوفاة، وما ذلك إلا لسرعة انطواء الفترة الزمنية عنهم، فهم ليسوا في حالة يسمح لهم بمعرفة مرور الزمن ولو أقل من الثانية، فالزمن عندهم متوقف البتة، يقول سبحانه: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ النازعات46.
إن مثبتي الحياة في البرزخ قد جعلوا حياة بين الحياة الدنيا والآخرة، وجعلوا حسابا بعد الموت و قبل يوم الحساب في الآخرة، في وقت لا توجد فيه أية آية صريحة في ذلك، بل الآيات صريحة في نفي ذلك – كما سيأتي-.
إن مثبتي الحياة في البرزخ في القبر لم ينظروا إلى عبارة ((يُبعَثُون)) وما تعنيه، وذلك في قوله جل شأنه: ﴿.. وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ المؤمنون100، أكثر من أنهم نظروا إلى كلمة برزخ، ففي الآية إخبار من الله عن انتهاء فرصة العمل، ودخول المتوفى بالموت في مرحلة انقطاع عن العمل، وهي فترة البرزخ، أي القبر، وهي ذاتها مرحلة انتظار للبعث من أجل الحساب، ولا يوجد فيها ما يدل على أنها، أي مرحلة البرزخ، مرحلة عقاب أو ثواب. إن كلمة برزخ في القرآن الكريم جاءت بمعنى الحاجز بين أمرين، حاجزا ليست له صفة أي من الأمرين، كالحاجز بين البحرين، والذي ذكر في سورة الرحمن.
إن مما يؤيد أن فترة البرزخ لا شعور فيها البتة بالرغم من طول فترتها، وأنها بالرغم من أن طولها التي عبر عنها القرآن بالدهر ليست إلا جمودا ووجوما عن الحياة، هو تسمية الله سبحانه لها ووصفه إياها بالسكرة، والتي ستظل مصاحبة للمرء إلى يوم النفخ في الصور، والسكر عندما ذكر في القرآن الكريم قد أريد به غياب الوعي البتة، عن أن يعرف السكران شيئا مما يحيط به، أو ما يحدث له، وهو تشبيه تقريبي للفهم، وإلا فالموت أكبر بكثير من حيث الفقد للوعي والإحساس، يقول سبحانه موضحا أن لا حياة بعد السكرة المباغتة للمرء إلا الحياة الآخرة، يوم القيامة: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ﴾. سورة ق~ 19-22، فأين الحياة الوسط المسماة بحياة البرزخ؟! إن الله سبحانه شاءت إرادته أن يرينا في الدنيا حال السكران وما يدور له حال سكره، فهو ما إن يفيق إلا ويظن نفسه أنه لم يفقد وعيه، ويذكر حال يقظته من كان بصحبته قبل سكره، وإن طالت تلكم السكرة، هذا إن كانت السكرة بمعناها من حيث الثقل- كما يصفها الواصفون-.

يتبع



توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس