منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 21 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



س:
قد يَجمع الإنسان الصلاتين .. في هذه الحالة، هل يأتي بِالسنَن الرواتب (39)؟


ج:
الجمع إما أن يكون في الحضر وإما أن يكون في السفر:
أما بالنسبة إلى السفر فإنَّه لَم يثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أنَّه كان يأتي بشيء مِن السنن في حالة الجمع وإنَّما كان يأتي بالوتر فقط وكذلك كان يأتي بسنّة الفجر ولكن ذلك ليس في حالة الجمع لأنَّ فريضة الفجر لا تُجْمَع إلى غيرها .. هذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد قال بعضُ أهل العلم: " إنَّ الإنسان الذي يَجمع ولو كان ذلك في السفر يأتي بسُنَّة المغرب " وهل يأتِي بِها بعد فريضة المغرب مباشَرة أو يأتي بِها بعد فريضة العِشاء، ولكنَّ هذا القول على كِلا الاحتماليْن لا دليل له مِنْ سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يَنبغي لأحد أن يَأتي بِسُنَّة المغرب في حالة الجمع سواء كان ذلك الجمع جَمع تقديم أو كان ذلك الجمع جَمع تأخير .. هذا إذا كان ذلك في السفر.
أما بِالنسبة إلى الجمع في الحضر ومِن المناسب أن نُنَبِّه على أنَّ العلماء قد اختلَفوا في الجمع في الحضر:

1- منهم مَن لا يرى ذلك.

2- ومنهم مَن يراه في حالة وجود المطر والغَيْم أو ما شابه ذلك.

3- ومنهم مَن يرى أنَّه يَجوز حتى في غير ذلك ولاسيما في حالات الحرج، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح-الذي جاء مِن طريق ابن عباس رضي الله عنهما وقد جاء أيضا عن غيره مِن صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -أنَّه صلوات الله وسلامه عليه جَمع بيْن الظهر والعصر وبيْن المغرب والعشاء وكان ذلك في المدينة .. لَم يَكن صلوات الله وسلامه عليه مُسَافِرا وكذلك لَم يكن هنالك مطر ولا غَيْم ولَم يكن هنالك خوف كما جاء ذلك في الحديث: " مِن غير خوف ولا سفر ولا سحاب ولا مطر "، وجاء في بعضِ الروايات ذِكْرُ بعضِ هذه الأشياء، ولِلعلماء خلافٌ طويل عريض هل صَحَّت هذه الألفاظ جميعا أو صحّ بعضها، وقد جاءت هذه الأربعة جَميعا في صحيح الإمام الربيع رحمه الله (40)، و-على كل حال-الحديثُ نصٌّ صرِيح في أنَّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-جَمَع في الوطن ولَم يكن هنالك شيءٌ يَحُولُ بينه وبين أنْ يُصلي كلَّ صلاةٍ في وقتها المعروف، وقد سُئِل ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما وهو البحر الزاخر وهو أحدُ رواةِ هذا الحديث-عن ذلك فقال: " أَرادَ أَلاّ يُحْرِج أُمَّتَه " وهذا هو الصحيح عندنا-لا كما ذهب إليه بعضُ أهل العلم وإنْ جَلَّت أَقْدَارهم وعَلَت مَنَازِلُهم مِن أنَّ ذلك مَحمول على الجمع الصوري-فالصحيح بِأنَّ ذلك جائز ولكن لا يُتَّخذ عادة وإنَّما يكون ذلك في حالات الحرج ونَحوها.
فإذا جَمع الإنسان في هذه الحالة أو في حالة وجود المطر أو الغَيْم أو ما شابه ذلك هل يأتي بِالسُّنَنِ الراتبة أو لا ؟ في ذلك خلافٌ بيْن أهلِ العلم:
منهم مَن ذهب إلى أنَّه لا يأتي بشيء مِن السُّنَن الرَّاتبة، لأنّ الحديث جاء فيه أنَّه صلى الله عليه وسلم جَمع بيْن الظهر والعصر وأيضا جَمع بيْن المغرب والعشاء ولَم يذكر الراوي بأنَّه قد أتى بِشيءٍ مِن السُّنَن.
وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنَّه يَأتي بِالسُّنن الراتبة، وقد اختلَفوا في كيفيةِ الإتيان بِهذه السُّنَن:

1- منهم مَن قال: إذا جَمع بين الظهر والعصر فإنَّه أوّلا يأتي بسنّة الظهر القبلية ثم بعد ذلك يأتي بسُنَّة الظهر البَعدية-ولا سنّة قبلية (41) للعصر-ثُم بعد ذلك يأتي بالظهر ثُم بعد ذلك يأتي بالعصر.
ومَن يَقول بِالسنّة القبلية لِلعصر يأتي أوَّلا بالسنّة القبلية للظهر ثُم بالسُّنة البَعْدِية للظهر ثُم بالسنة القبلية للعصر، ولكن قد قدمنا (42) بأنَّه ليست هنالك سنّة قبلية لصلاة العصر وإنَّما يُصَلي الإنسان ما شاء في حالة غير الجمْع.
وبالنسبة إلى فريضة المغرب على هذا الرأي كذلك يُقَدِّم أوَّلا سُنَّة المغرب ثُمَّ بعد ذلك يأتي بسُنَّة العِشاء ثُم يأتي بفريضة المغرب ثُم يأتي بعد ذلك بفريضة العِشاء.
هذا رأي لبعض أهل العلم، ولكن فيه أنَّه يأتي بالسنة البَعْدِيَّة بعد الظهر قبل وقتها الـمُحَدَّدَة ذلك أنَّ وقتها بعد فريضة الظهر وإنَّما هم قالوا بذلك فرارا مِن الإتيان بِها بعد صلاة العصر لأنّ هذا الوقت يُنهى عن الصلاة فيه، وأما بالنسبة إلى السنَّة البَعْدِيَّة بعد فريضة المغرب فكذلك وقتها بعد فريضة المغرب فكيف يأتي بِها قبل فريضة المغرب ؟! وسنَّة العِشاء وقتها بعد فريضة العِشاء فكيف يأتي بِها قبل فريضة العِشاء وقبل فريضة المغرب ؟!

2- وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّه يأتي بالسنّة البَعْدِية بعد الظهر .. يأتي بِها بعد فريضة العصر، ويأتي بِسُنَّتَيْ: المغرب البَعْدِيَّة وسُنَّة العِشاء-أيضا-البَعْدِيَّة بعد فريضة العِشاء؛ وهذا سهل بالنسبة إلى الجمع بيْن المغرب والعِشاء لأنَّه ليس هنالك نَهي عن الصلاة بعد فريضة العِشاء ولكن الإشكال في الصلاة بعد صلاة العصر.

3- وذهب بعضُ العلماء إلى أنَّه إنْ جَمَعَ جَمْعَ تقديم يَأتي أوَّلا بِالسنّة القبلية لِصلاة الظهر ثُم بعد ذلك يأتي بفريضة الظهر ثم العصر ثم بعد ذلك يأتي بِالسُّنَن (43)، أما إذا جَمَعَ جَمْعَ تأخير فَمُخَيَّر إمَّا أنْ يأتِيَ بِالسنَّة القبْلِيَّة قَبْل وإما أنْ يأتِيَ أوَّلا بفريضة الظهر.
أو بفريضة العصر (44) وهذا بناء على أنَّه يَجوز التقديم والتأخير بين الظهر والعصر وكذلك بين المغرب والعشاء إذا كان الجمع جَمع تأخير، وهذا قول باطل وعن الدليل عاطل فلا ينبغي أن يُلتفَت إليه ولا أنْ يُعوَّل عليه .. كيف يُمكن لِلإنسان أن يُقدِّم فريضة العصر على فريضة الظهر أو فريضة العِشاء على فريضة المغرب إذا كان الجمع جمع تأخير (45) وقولهم بِأنّ الوقت وقت للصلاة الثانية وتُقَدَّم وتُؤَخَّر لأنَّ الوقت وقتُهَا أما بالنسبة إلى الصلاة الثانية فهي بِمَثَابة القضاء فيُمكن أنْ يقدِّمَها أو أن يُؤخِّرَها .. كلامٌ هزيل لا قيمةَ له بل هو مصادِم لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك بالنسبة إلى فريضة المغرب والعشاء قالوا: " إذا قَدَّم فريضة العِشاء في جمع التأخير يُمكن أن يصلي بعدها سنَّة العِشاء " ولَهم تفاصيل في هذا الكلام ولكنَّ هذا القول قول ضعيف، فلا يُمكن تقديم فريضة العِشاء على فريضة المغرب كما أنَّه لا يُمكن تَقْدِيم فريضة العصر على فريضة الظهر إذا كان الجمع جَمع تأخير.
كما أنَّه لَم يَثبت أنَّه يُؤْتَى بِشيءٍ مِن التَّنَفُّلات بينهما .. إذا قلنا بِالإتيان بِشيءٍ مِن النوافل الرَّاتِبَة فيكون ذلك بعد الصلاتين معا، أما بعد المغرب والعِشاء فالأمر واضِح، وأما بعد فريضة الظهر والعصر فيأتي بسنّة الظهر بعد صلاة العصر ويكون ذلك مِن باب القضاء ويُتَجَوَّز في القضاء ما لا يُتَجَوَّزُ في الأداء بِالنسبة إلى النهي لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قضى سنَّة الظهر-وطبعا هذا في غير حالة الجمع-بعد فريضة العصر، فإما أنْ نقول بعدم الإتيان بِها وإمَّا أن نقول: " يكون ذلك بعد ".
أما أنْ نَقول: " يُؤتَى بِها قبل " فذلك مُخَالِف لِلظاهِر لأنَّه لا يُمكن أن يُقدَّم شيءٌ على وقته، والقول بِأنَّه في جَمع التأخير يُمكن أن تُوَسَّط-أيضا-فيه ما فيه، لِما ذَكَرناه مِن مُخالَفتِه لِلسنّة النبوية.
فإذا أتَى بِها آتٍ فليكن ذلك بعد الفريضتَيْن معا، وفي حالة الجمع بين المغرب والعشاء فالأمر سهل وإذا تَرَكَهَا في وَقْتِ الجمع بين الظهر والعصر فذلك حَسَن جِدا؛ والله أعلم.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس