منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - ملف شامل يتضمن عدد من المواضيع والمسائل المتعلقة بــ ( الصلاة )
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 02-12-2012 ]
 
 رقم المشاركة : ( 10 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



البابُ الثالثُ: في شُرُوط ِالصَّلاةِ


اعلمْ -أيُّها الطالبُ النَّبِيْهُ، وفَّقكَ الله إلى صحيحِ العبادةِ، وجنَّبَكَ مسالِكَ الضَّلالِ والغوايَةِ- أنَّ للصلاةِ شروطًا وأركانًا[1]لا تتمُّ الصلاةُ إلا بأدائِها والقيامِ بها، وكُلُّ ذلكَ مأخوذٌ منْ قولِ النَّبِيِّ e وفعلِهِ، واقتفاءً لقولِهِ :" صلُّوا كمَا رأيتُمُوني أُصَلِّي"[2].

وَنشرعُ -باللهِ مستعينينَ- أوَّلاً في الحديثِ حولَ شروطِ الصَّلاةِ، فنقولُ: إنَّ الشُّروطَ قسمانِ:
أ‌-شُروطُ وُجُوبٍ: وهيَ العقلُ والبُلوغُ والطَّهارةُ منَ الحيْضِ وَالنِّفاسِ، وقدْ تقدمَ الحديثُ عَنْها.
ب‌-شُروطُ صِحَّةٍ: وهيَ -إجمالا-: الإسلامُ، والطهارةُ، ودخولُ الوقتِ، وسِترُ العَورةِ، واستقبالُ القبلةِ..
وتاركٌ شيئًا مِنَ الشُّروطِ***فَلا صَلاةَ لانتفا المَشْروطِ[3]



وَإليكَ تفصيلَ القولِ في شُروطِ صحةِ الصلاةِ:


الشَّرطُ الأولُ: الإِسْلامُ

علينا -نحنُ معاشرَ المسلمينَ- أنْ نحمدَاللهتعالى على أنِ اصطَفانَا مِنْ بَينِ أُمَمِ الأرْضِ فَنَكُونَ مسلمينَ مؤمنينَ موحِّدينَ للهِ I، فنعمةُ الإسلامِ هيَ أكبرُ نعمةٍ أنعمَهااللهعلينَا، فـ}الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ {الأعراف: ٤٣؛ ذلكَ لأنَّ الصلاةَ وسائرَ العباداتِ لا تصِحُّ ولا تُقبلُ مِنْ غيرِ المُسْلمِ؛ قَالَ تعَالى: }وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{آل عمران: ٨٥.


تنبيهٌ مُهِمٌّ

ذكرنا آنفًا أنَّ مِنْ شروطِ وجوبِ الصَّلاةِ البلوغَ والعقلَ، وقدْ أضافَ بعضُهمْ (شَرْطَ الإِسْلامِ) شَرطًا مِنْ شُروطِ وجوبِ الصَّلاةِ، والصَّحِيحُ أنَّ الإسلامَ شرطُ صحةٍ لا شرطُ وجوبٍ؛ وذلكَ لأنَّ الكُفارَ مخاطبونَ بفروعِ الشَّريعةِ على المُعْتمَدالراجحِ عندَ الشَّيخَينِ -أبقاهُمااللهتعالى- كمَا أنهُمْ مخاطبونَ بأصولِها، ولِذلكَ فكما أنهمْ مُعاقبونَ على تركِ الأصولِ فهمْ معاقبونَ أيضًا على تركِ الفروعِ كالصَّلاةِ والزكاةِ...وعلى ذلكَ دلائلُ كثيرةٌ وشواهدُ منَ القرآنِ الكريمِ منها:
1. قولُهُ تَعَالى: }وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ{6} الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ{ فصلت: ٦ – ٧.
2.عندمَا حكَى عنْ أهلِ النارِ أنهمْ يُسألونَ مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ حكى إجابَتَهُم بقولِه:}قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ{46}{ المدثر: ٤٣–٤٦، وغيرُ ذلكَ منَ النصوصِ مِنْ كتابِ الله تعالى وسُنةِ نبيِهِ r يقولُ سماحةُ الشيخِ :" بجانبِ كونِاللهتباركَ وتعالى خاطَبَهمْ بالإيمانِ وبقَبولِ هَذا الدِّينِ وبالانضِمامِ إلى هَذا المعتقدِ، خاطَبهمْ أيضاً بإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ، ولكنْ لا تصحُّ منهمُ الصلاةُ ولا تصحُّ منهمُ الزكاةُ إلا باعتناقِهمُ الإسلامَ، فهنالكَ فرقٌ بينَ شرطِ الوجوبِ وشرطِ الصِحَّةِ.. وهكذَا يُقالُ في كلِّ العباداتِ التي تتوقفُ على شرائِطَ لصحتِهَا، لا يعني ذَلِكَ عَدَمَ وُجُوِبها على مَنْ لم يوفِ بتلكَ الشرائطِ، وإنما هذهِ شرائطُ لِصحةِ العملِ لا لوجوبِ العملِ، وكذلكَ إقامُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ وجميعُ الأعمالِ الواجبةِ في الإسلامِ، مما يتوقفُ على عقيدةِ الإسلامِ يعدُّ الإسلامُ شرطاً لصحتِها ولا يعدُّ شرطاً لوجوبها"[4].


اِقْرَأْ وَاحْفَظْ


يَقُولُ النُّورُ السَّالميُّ -رَحمَهُ اللهُ- في مَدَارِجِ الكَمَالِ

وَتَارِكُ التَّوْحِيدِ هَلْ يُعَذَّبُ***بِتَرْكِهِ الأَعْمَالَ وَهُوَ المذْهَبُ
وَإِنْ تَرَى الإِسْلامَ شَرْطاً وَقَعَا***فَذَاكَ في صِحَّةِ مَا قَدْ صَنَعَا


أيْ لا يَصِحُّ دُونَهُ وَإِنْ وَجَبْ***فَلِلْوُجُوبِ غَيرُهُ أَيْضًا سَبَب
[5]







الشَّرطُ الثاني: الوَقْتُ


جعلَالله تعالى للصلواتِ مواقيتَ لأدائِها[6] لا تُقدَّمُ ولا تؤخَّرُ إلا بعذرٍ شرعيٍّ[7]، وحرَّمَأوقاتًا[8] لا تجوزُ الصلاةُ فيها ولا تصحُ، وأوقاتًا أخرى تُكرَهُ فيهَا،
قَال تعَالى: }إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً {النساء: ١٠٣، وذلكَ كلُّهُ حسبَ التفصيلِ الآتي:



مواقيتُ الصَّلواتِ الخمسِ


وهذهِ هيَ أوقاتُ الصلواتِ الخمسِ، نبدأُها منْ بدايةِ اليومِ العربيِّ[9]:
1-المغربُ: يبدأُ وقتُها بسقوطِ قُرصِ الشمسِ كاملاً، وينتهِي بغروبِ الشفقِ الأحمرِ على المعتبرِ عندَ شيخِنا الخليليِّ -حفظَه اللهُ-[10].
2-العِشَاءُ: يبدأُ وقتُهَا بعدَ وقتِ المغربِ، وينتهِي بثُلثِ الليلِ وقيلَ: بمنتصفِه، يقولُ شيخُنا القنوبِيُّ -حفظَه اللهُ-:" الذي نأخذُ به أنَّ وقتَ العشاءِ ينتهِي بمنتصفِ الليلِ[11]، ويقول أيضًا: "وهوَ الراجحُ عندِي لدلالةِ السنَّةِ الصحيحةِ الثابتةِ"[12].
3-الفَجْرُ: يَبدأُ منْ طُلوعِ الفَجْرِ الصَّادقِ إلى طُلوعِ جُزءٍ منَ الشَّمسِ.
4-الظُّهرُ: يبدأُ بعدَ زوالِ الشمسِ عنْ كبدِ السماءِ بقدرٍ بسيطٍ[13]، وينتهي إلى مصيرِ ظِلِّ كلِّ شيءٍ مثلَه معَ مراعاةِ ذلكَ القدْرِ الذي زالَتْ بهِ الشَّمسُ[14].
5-العَصْرُ: يبدأُ مِنْ خروجِ وقتِ الظهرِ، أيْ بعدَ مصيرِ ظلِّ كلِّ شيءٍ مثلَه معَ مراعاةِ القدرِ الذي زالتْ بهِ الشَّمسُ، وينتهي باصْفرارِ الشمسِ قبلَ الغُروبِ[15]؛ لأنَّ هَذَا الوقتَ وقتٌ تمنعُ فيهِ الصَّلاةُ عَلَى الرأْيِ الرَّاجِحِ[16].



]تَنْبِيْهٌ[


الفجرُ فجْرانِ، فجرٌ كاذبٌ وفجرٌ صَادِقٌ، فَالفَجْرُ الكاذبُ: هوَ الذي يطلعُ مستطيلاً متجهًا إلى الأعلى في وسَطِ السَّماءِ، ثم تعقبُهُ ظُلْمةٌ، ويقابِلُهُ الفَجْرُ الصَّادِقُ: وهوَ البياضُ المنتشرُ ضوءُهُ معترضاً في الأفُقِ، والأوَّلُ: لا يَتَعَلَّقُ بهِ شيءٌ منَ الأحكامِ، فحكمُه حكمُ الليلِ، والثَاني: هوَ الذي تتعلقُ بهِ الأحكامُ الشَّرعيةُ كلُّها مِنْ بدءِ الصومِ، ودخولِ وقتِ الصبحِ، وانتهاءِ وقتِ الوَترِ.




مَسْألةُ الاشْتِرَاكِ في الأَوْقَاتِ


ثبتَ في الحديثِ الصَّحيحِ عندَ الإمامِ الربيعِ والشَّيخَينِ وغيرهم عنِ ابنِ عباسٍ { " أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- صلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا، والمغربَ والعشاءَ الآخرةَ جميعًا مِنْ غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ ولا سحابٍ ولا مطرٍ"[17]؛ وبناءً على هذَا الحديثِ وصحَّتِهِ فقَدْ رأى الشَّيْخانِ الخليليُّ والقنوبيُّ[18] -أطالَ اللهُ في عُمُرهمْ ومتَّعنا بحياتهمْ- أنَّ القولَ بالاشتراكِ بينَ الوقتينِ هوَ القولُ الصحيحُ، أيْ أنَّ الوقتَ مِنْ أولِ الظهرِ إلى آخرِ العصرِ مشتركٌ بينهُما، وهكذا مِنْ أولِ المغربِ إلى آخرِ العشاءِ وقتٌ مشتركٌ بينهمَا لأداءِ الصلاتينِ، ولكنَّ ذلكَ منوطٌ بوجودِ الحرجِ والمشقةِ؛ لأنَّهُ لمْ يكنْ مما يتكررُ منْ فعلِ النبيِّ@، وقدْ أفصحَ عنْ ذلكَ ابنُ عباسٍ عندَما سُئِلَ عنْ علِّةِ فعلِهِ @ فقالَ: "أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ".
ومِمَّا لا يخفَى عليكَ -أيُّهَا المتعلمُ النجيبُ- أنَّ الجمعَ في أحدِ الوقتينِ أو القولَ بالاشتراكِ في الأوقاتِ مختلِفٌ عمَّا يُعرفُ بـ"الجَمْعِ الصُّوْرِي"؛ وذلكَ لأنَّ هذَا الأخيرَ متفَقٌ على جوازِهِ، فهوَ جمعٌ في الصُّورةِ فقط، وأمَا حقيقتُهُ فهوَ أنْ يصليَ الظهرَ في آخرِ وقتِها، فإذَا سلَّمَ انتهى وقتُ الظهرِ ودخلَ وقتُ العَصرِ فيصليها حينئذٍ في وقتِها المتفَقِ عليهِ، والعِلمُ عندَ اللهِ[19].



الأوقاتُ المحرمةُ


اعلمْ -أخي هداكَالله لأسبابِ طاعتِه، وجنبَكَ موجباتِ سخطِهِ ومعصيَتِهِ- أنَّ الأوقاتَ المذكورةَ آنفًا هيَ أوقاتٌ لأداءِ الصَّلواتِ المفروضةِ، وأنَّ هناكَ أوقاتًا تحرمُ فيهَا الصلاةُ بلْ لا تنعقدُ ولا تصحُّ فيها الصلاةُ أبدًا[20] فرضًا كانتْ أم نفلًا، أداءً كانتْ أم قضاءً، فكنْ منها على حذرٍ[21]، وهيَ:
أ‌-وقتُ الطُّلوعِ:إذا طلعَ جزءٌ منَ الشَّمسِ حتى تستكملَ طلوعَهَا، وقيلَ: حتى ترتفعَ قدرَ رمحٍ -أيْ ما يعادلُ اثنَتيْ عشْرَةَ دقيقةً تقريبًا- وهوَ المُعْتمَدُالصحيحُ[22].
ب‌-وقتُ الزَّوالِ:وقتُ استواءِ الشمسِ في كبدِ السماءِ[23]، وذلكَ في الحرِ الشديدِ إلى أنْ تزولَ الشمسُ أيْ يدخلَ وقتُ الظهرِ، ويستثنى منَ النهْيِ يومُ الجمعةِ[24] علَى الصَّحِيحِ المُعْتمَد عندَ الشَّيخَينِ -يحفظهم الله-[25].
ت‌-وقْتُ الغُرُوبِ:إذَا غربَ جزءٌ مِنَ الشَّمسِ، حتَى تستكملَ غروبهَا، والعِبرةُ في الطُلوعِ والغروبِ بالحقيقةِ لا بالجبالِ التي تحجبُ الرؤيَةَ[26].
وقيلَ: إذَا اصفرَّتِ الشمسُ ودنَتْ مِنَ الغُروبِ فإنَّ الصَّلاةَ تمنعُ وهوَ الصحيحُ المُعْتمَدُ عندَ الشيخِ الخليليِّ-يحفظهُ اللهُ-؛ لحديثِ(لا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلا أَن تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ)[27]؛ فعندَ اصفرارِ الشَّمسِ أو عندَ قُربِ طلوعِ الشمسِ ينبغي أنْ يُقالَ بعدمِ جوازِ الصلاةِ في هذينِ الوقتينِ ولَوْ كانتِ الصلاةُ منَ الصلواتِ ذواتِ الأسباب[28].
والدَّليلُ علَى حُرمةِ الصَّلاةِ في هذِهِ الأَوقاتِ عُمُومًا مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ عُقبةَ بنِ عامرٍ t قال: "ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ"[29].
ويُضافُ إلى ذلكَ عدمُ جوازِ الصَّلاةِ إذَا أُقيمَتِ الفريضةُ المكتوبةُ لمَنْ لمْ يُصلِّ تلك الصَّلاةَ، فيجبُ -علَى الصَّحيحِ المُعْتمَد عندَ الشَّيخَينِ[30]- قطعُ الصَّلاةِ والدُّخولُ معَ الإمامِ في هذَا الوقتِ؛ لقولِهِ r: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ"[31].
وكَذا وقتُ خُطبةِ الجمُعةِ إلا ركعتيْ تحيَّةِ المسجدِ، يقولُ محدِّثُ العصرِ -عافاهُ اللهُ-: " ومِنَ الأوقاتِ التي يُنهى عنِ الصَّلاةِ فيها وقتُ خُطبةِ الجُمعَةِ، فذلكَ الوقتُ يُنهى عنِ الصَّلاةِ فيهِ بِاستثناءِ ركعتيْ تحيةِ المسجِدِ"[32].



مَسْأَلةٌ


ثبتَ في الحديثِ أنَّ النَّبِيَّ r قالَ:"مَنْ أدركَ منَ الصبحِ ركعةً قبلَ أنْ تطلعَ الشمسُ فقدَ أدركَ الصبحَ، ومَنْ أدركَ مِنَ العصرِ ركعةً قبلَ أنْ تغربَ الشمسُ فقدْ أدركَ العصرَ"[33]، وعليهِ فإنَّهُ يستفادُ مِنَ الحديثِ أنَّ النَّهيَ عَنِ الصَّلاةِ في هذِه ِالأوقاتِ إنما هوَ نهيٌ عَنِ ابتداءِ الصلاةِ لا عنْ استمرارِها، وذلكَ لمنْ أكملَ ركعةً تامةً منْ صلاتِهِ، فمنْ استيقظَ قبلَ طلوعِ الشمسِ -مثَلا- وكانَ بإمكانِهِ أداءُ ركعةٍ كاملةٍ فعليهِ أنْ يأتيَ بالصلاةِ، فإنْ تمتِ الركعةُ الأُولى قبلَ الطلوعِ فعليهِ مواصلةُ الصلاةِ ولا يلتفتْ إلى الطلوعِ؛ لأنَّ النهيَ في هذهِ الأوقاتِ نهيٌ عنِ الابتداءِ لا عنِ المواصلةِ.
هذا هوَ الرأيُ الراجحُ الذي رجحهُ الإمامُ السَّالِمِيُّ -رَحمَهُ اللهُ- والعلامةُ القنوبيُّ[34]-حفظَهالله وأبقَاهُ- ، يقولُ الإمامُ السَّالِمِيُّ-رَحمَهُ اللهُ- :"وظاهرُ الحدِيثِ يؤيِّدُ القولَ الأوَّلَ وإِنْ كانَ شاذًّا في المذهبِ..وهَذا الحديثُ خاصٌّ، والخاصُّ مُقدَّمٌ على العامِ، وقد يُغتفرُ في البناءِ ما لا يُغتفرُ في الابتداءِ، فالنَّهيُ عنِ الصَّلاةِ في ذلكَ الوقتِ نهيٌ عنِ ابتدائِها لا عنِ استدامتِها.." [35].
وهذَا كلُّهُ خلافًا لمنْ قالَ بأنَّه يقفُ بعدَ الركعةَ الأولى منتظرًا استكمالَ طلوعِ الشمسِ حتى رخصُوا لهُ بأنْ يلتفتَ للخلفِ ليتأكدَ منْ طلوعِها، وقدْ عرفتَ الرأيَ الراجحَ فاشددْ بهِ يدًا. والله الموفِّقُ.



الأوقاتُ المكروهةُ


تكرهُ الصلاةُ كراهةَ تنزيهٍ لا تحريمٍ في الأوقاتِ التاليةِ:
أ‌-بعدَ طلوعِ الفجرِحتَى تُصلَّى الفريضةُ إلا ركعتَي السُّنَّةِ.
ب‌-بعدَ صلاةِ الصبحِحتى يطلعَ قرنٌ منَ الشَّمسِ.
ت‌-بعدَ صلاةِ العَصرِ-علَى الصحيحِ-[36]؛ والدَّليلُ علَى الكراهةِ في هذيْنِ الوقتينِ قولُ النَّبِيِّ r:" لا صلاةَ بعدَ صلاةِ العصرِ حتى تغربَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعدَ صلاةِ الصبحِ حتى تطلعَ الشمسُ"[37].



مَسْأَلَةٌ


اختلفَ العلماءُ في التنفلِ بعدَ صلاةِ الوترِ قبلَ أنْ ينامَ المصليْ؛ ذلكَ أنَّهُ لمْ يأتِ حديثٌ صريحٌ يدُلُّ على النَّهيِ عنِ الصَّلاةِ بعدَ الوترِ إلا أمرُ النَّبِيِّ r بأنْ تُجعلَ الوترُ آخرَ الصلاةِ[38] في قولِهِ : "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِِكُمْ وِتْرًا"[39]، لذلكَ ذهبَ بعضُهمْ إلى الكراهَةِ وذهبَ بعضُهمْ إلى التحريمِ، يقولُ إمامُ السُّنَّةِ والأصولِ -حفظَهُالله-:"..فينبغِي تركُ التنفلِ بعدَ صلاةِ الوترِ بغضِّ النظرِ عنْ حرمةِ ذلكَ أو كراهيتِهِ، فإنَّاللهI لا يُعبدُ بالمكروهِ"[40].
ورأَى -حفظَهُالله- في موضعٍ آخرَ بأنَّ الإنسانَ إذا بدَا لهُ التنفلُ بعدَ أنْ صلَّى الوترَ فَلا مانعَ منْ ذلكَ بعدَ أنْ أدَّى الوترَ باعتبارِها آخرَ صلاتِه،[41] والله الهادِي إلى سواءِ السَّبيلِ.



فَائِدَةٌ


ثبتَتْ مشْروعيةُ قضاءِ الفوائتِ (فرائِضَ أو سُننٍ) وكذَا الصَّلواتِ السَّببيةِ في الأوقاتِ التِي تُكرَهُ فيهَا الصَّلواتُ دونَ التي تحْرمُ، فهِيَ مُستثناةٌ منْ عُمومِ النَّهيِ عنِ الصَّلاةِ في هذهِ الأوقاتِ[42]، ومِنْ أمثلةِ السَّبَبِيَّاتِ: صَلاةُ الجَنازةِ، وصَلاةُ الاسْتخارةِ، وصَلاةُ تحيةِ المسجدِ، وصَلاةُ الكُسُوفِ والخُسُوفِ...-كمَا سَيَأْتي-، والله أعلمُ.



فَتْوَى


السُّؤالُ/ ما رأيُكمْ في وقتِ صلاةِ تحيةِ المسجدِ؟ أفتِنا مأجورًا.
الجَوابُ/ تصلَّى في جميعِ الأوقاتِ باستثناءِ وقتِ الشروقِ والغروبِ، ووقتِ وقوفِ الشَّمْسِ في كبدِ السماءِ في الحرِّ الشديدِ، وقيل مطلقًا، إلا يومَ الجمعةِ، والله أعلمُ[43].



الشَّرطُ الثالثُ: الطَّهارةُ


والطَّهارَةُ المطلوبةُ للصَّلاةِ هيَ الطهارةُ مِنَ الحدَثينِ: الأصغرِ والأكبرِ[44] كمَا تقدَّمَ سابِقًا؛ قالَ r :".. وَلا صلاةَ لمنْ لا وضوءَ لهُ"[45]؛ فمَنْ صلَّى بغيرِ طهارةٍ لمْ تنعقدْ صلاتُه أصلًا، ومَنْ طرأَ عليهِ الحدثُ أثناءَ صلاتِه انتقضَتْ ما لمْ يُسَلِّمْ، والطهارةُ مِن الحدثينِ شرطٌ في صحةِ كلِّ صلاةٍ، فريضةً كانتْ أو نافلةً.
و كذلكَ تُشترطُ الطهارةُ مِنَ الخبثِ (النَّجَسِ)، وهذهِ الطهارةُ تكونُ في:
أ- الثَّوْبِ: قالَ تعَالى: }وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{المدثر: ٤، وقالَ الرَّسُولُ r:" المنيُّ والمذِيُّ والودِيُّ .. نجسٌ لا يصلَّى في ثوبٍ وقعَ فِيه شيءٌ منْ ذلكَ حتى يُغسلَ ويزولَ أثرُهُ".[46]
ب- البَدَنِ: قالَ r :"اغسِلي عنكِ الدَمَ وصلِّي"[47]، وإذَا وجَبَ تطهيرُ الثوبِ فتطهيرُ البدَنِ أَوْلى.
ث‌-المكَانِ: لنهيِ النَّبِيِّ rعنِ الصَّلاةِ في المقبرةِ، والمنحرةِ، ومعاطنِ الإبلِ[48]؛ لأنَّهَا مظنةُ النجاسةِ[49].



الشَّرطُ الرابعُ: اللِّبَاسُ


يُشترَطُ لصحةِ الصَّلاةِ اللباسُ الساترُ للعورةِ باتفاقِ العلماءِ[50]؛ قَالَ تعالى: }يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ{الأعراف: ٣١، والمرادُ بالزينةِ في الآيةِ اللباسُ الذي يسترُ العَورةَ لقولِهِ تعالى:} قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً {الأعراف: ٢٦، ومنْ شأنِ الإنسانِ إذا دُعيَ للقاءِ ملِكٍ منَ الملوكِ أو مسؤولٍ منَ المسؤولينَ أنْ يتجهزَ ويستعدَّ لذلكَ اللقاءِ ويلبسَ لهُ أحسنَ اللباسِ وأطيبَه، فأوْلَى بذلكَ عندَ لقاءِ ملكِ الملوكِ الذي بيدهِ كلُّ شيءٍ، ولهُ الحكمُ ولهُ الأمرُ كلُّهُ، فيأخذُ مِنْ زينتِهِ ولباسِهِ الحسَنِ ما يليقُ بعِظَمِ هذا المقامِ الجليلِ.



فَصْلٌ في صِفَةِ اللِّباسِ


والأصلُ أنَّ كلَّ لباسٍ طاهرٍ ساترٍ تجوزُ بهِ الصلاةُ، ويُستثنَى منْ ذلكَ ما نهَى عنهُ الشَّرْعُ كالذَّهَبِ والحرِيرِ للرِّجالِ؛ قالَ فيهمَا المصطفَى r:"..لأنَّهمَا محرمانِ على رجالِ أمتِي، ومحلَّلانِ لنسائِهَا"[51].
والأَوْلَى للرِّجالِ لِبْسُ البياضِ منَ الثيابِ فإنها خيرُ الثيابِ وأفضلُها؛ قالَ r:"عليكُم بهذِهِ الثيابِ البيضِ ألبسوهَا أحياءَكُم، وكفِّنوا فيها موتاكُم، فإنهَا خيرُ ثيابِكُم"[52]، وعنْ عليِّ بنِ أبي طالبٍ قالَ: نهاني رسولُاللهrعنْ لبسِ القِسِّيِّ وعنِْ لبسِ المُعَصْفَرِ.."[53]. والقسِّيُ: هوَ الحريرُ، والمعصفرُ: اللباسُ الذي خالطَتْه صفرةٌ.



فَصْلٌ في اللِّبَاسِ المُجْزِي لِلصَّلاةِ


وأقلُّ المجزي في لباسِ الصَّلاةِ سِترُ العَورةِ منَ الرجلِ والمرأةِ، وعورةُ الرجلِ منَ السُّرةِ إلى الركبتينِ معَ دخولهِمَا في حدِّ العورةِ على المخْتارِ[54]؛ فقدْ مَرَّ الحبيبُ المصطفَى rعَلَى رَجُلٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ فَقَالَ:" يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَيْكَ فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ"[55]، وينبغِي لهُ معَ ذلكَسترُ الصَّدرِ والبطنِ والظهرِ والعاتقِ، بل يقول إمام السُّنةِ -يحفظه الله-: "القولُ بوجوبِ سترِ العاتقِ لهُ وجهٌ وجيهٌ" والله أعلمُ[56].



لِبَاسُ المرْأَةِ


وأمَّا بالنسبةِ للمرْأةِ فجميعُ جسَدِها عورةٌ إلا الوجهَ والكفَّينِ، لسؤالِ أمِّ سلمةَ < بعدَ ذكرِهِ rلحدِّ إِزْرةِ المؤمنِ، والمرأةُ يا رسُولَالله ؟ قالَ : " تُرخِي شِبرًا" قالتْ : إذًا ينكشِفُ عنهَا؟ قالَ رسولُ الله صلَّى اللهعليهِ وسلَّمَ :" فذراعًا لا تزيدُ عليهِ"[57].
وعلَى ذلكَ فلا يجوزُ للمرأةِ -علَى الرأيِ المُعْتمَد الصَّحيحِ- أن تُظهرَ في صلاتِهَا قدمَيهَا وكلَّ ما لا يجوزُ إظهارُه عندَ الأجَانبِ، بلْ عليها سِتْرهُ بلبسِ الجوربينِ أو بإرخاءِ الثوبِ حتى يُغطِّيَ القدمينِ، لأنَّهَا مأمورةٌ في حالِ الصلاةِ أنْ تكونَ في كاملِ هيئتِهَا، يقولُ سماحةُ الشيخِ - حفظَهُالله وأبقاهُ- في أحدِ أجوبتِهِ:" نعمْ القولُ الصحيحُ الذي نعتمدُهُ أنَّ قدمَي المرأةِ منْ عورَتِها التي يجبُ عليهَا أنْ تَسترَها في الصلاةِ وفي لقائِها بالرجالِ الأجانبِ بدليلِ حديثِ أمِّ سلمةَ رضيَالله تعالى عنهَا.."[58]،وفي مدارجِ الكمالِ للإمامِ السَّالِمِي-رَحمَهُ اللهُ-[59]:

وَكُلُّ مَا ليْسَ لهَا أنْ تُظهِرَهْ***فَفِي الصَّلاةِ وَاجِبٌ أَنْ تَسْتُرَهْ







لَطِيفَةٌ


قُلتُ: وقدْ حضَرتُ في يومٍ منَ الأيامِ مجلسًا زارَنَا فيهِ شيخُنا بدرُ الدِّينِ الخليليِّ -حفظَهُ اللهُ- في المركزِ الصيفيِّ الذي أقامَه شيخُنا القنوبِيُّ -حفظَه اللهُ- لطلبةِ العلمِ فتذاكرُوا مسألةَ عورةِ الأَمَةِ، فأبدَى الشيخُ القنوبيُّ رأيَه وقالَ: بأنَّه لا فرقَ بينَ الأَمَةِ والحرةِ في حدِّ العَورةِ[60]، ثمَّ قالَ معقبًا ومُدلِّلا لذلكَ بأنَّ الأمَةَ قدْ تكونُ أكثرَ جمالا وأشَدَّ فتنةً منَ الحرةِ مثلَ ما هوَ معروفٌ منْ جمالِ إماءِ التُرْكِ, فابتسمَ البَدرُ الخليليُّ -حفظَهُم اللهُ- إقرارًا لكلامِهِ وإعجابًا باستدلالِهِ[61]..

قُلوبُ العَارِفينَ لَهَا عُيُونٌ***ترَى مَا لا يَراهُ النَّاظِرونَا
وأَجْنِحَةٌ تَطِيرُ بغَيرِ رِيْشٍ***إلى رِضْوَانِ ربِّ العَالمينَا







فَتْوَى



السُّؤالُ الأوَّلُ/ هلْ يجوزُ للمسلمِ جرُّ إزارِهِ في الصَّلاةِ أو خارِجَها؟

الجوابُ/جرُّ الإزارِ منكرٌ وكبيرةٌ مِنَ كبائرِ الإثمِ، وهوَ منْ صفاتِ الفساقِ، ولا يقبل الله صلاةَ مَنْ صنعَ ذلكَ، وسواءً كانَ في الصلاةِ وحدَها أوْ في الصَّلاةِ وخارجِها }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ المائدة: ٢٧، وكالإزارِ سائرُ الثيابِ، وإنَّما غلبَ الإزارُ في الحديثِ لأنَّهُ الغالبُ. والله أعلمُ[62].
السُّؤالُ الثَّاني/هلْ يجبُ علَى المرأةِ تغطيةُ قدَميهَا في الصَّلاةِ؟

الجوابُ/ نعمْ القولُ الصحيحُ الذي نعتمدُه أنَّ قدمَي المرأةِ منَ عورتِها التي يجبُ عليهَا أنْ تسترَها في الصلاةِ وفي لقائِها بالرجالِ الأجانبِ بدليلِ حديثِ أمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ تعالى عنهَا عندَمَا سمعتِ النَّبِيَّ r يشدّدُ في إسبالِ الرَّجلِ لثوبِهِ فسألتْهُ عنْ حكمِ المرأةِ، فقالَ r: ترخِي شبرًا، فقالتْ لهُ: إذًا ينكشِفُ عنْ قدمَيها، فقالَ: ترخي ذراعًا.
فهذَا دليلٌ علَى أنَّ انكشافَ القدَمينِ غيرُ سائغٍ بالنسبةِ إلى المرأةِ معَ الرجالِ الأجانبِ، كذلكَ في حالِ الصلاةِ؛ لأنَّ في حالِ الصلاةِ هيَ مأمورةٌ أنْ تكونَ في كاملِ هيئتِها[63].



تنبيهاتٌ مهمةٌ


حولَ اللباسِ في الصَّلاةِ


1-لبسُالسَّاعةِ في الصَّلاةِ لا يجوزُ إذا كانتْ مصنوعةً منَ الحديدِ أو منْ أيِّ نوعٍ منْ أنواعِ المعادنِ؛ لنَهيِ النَّبِيِّ rعنِ الصلاةِ بالآنكِ والشَّبَه[64]، وقِيسَتْ عليهِما بقيَّةُ المعَادنِ، فمَنْ نسيَهَا ثمَّ تذكرَها أثناءَ الصَّلاةِ فعليهِ أنْ يخلعَها مباشرةً[65].
وَهَكَذَا يُقالُ في (الإِكْسِسْوارَاتِ) المصْنوعةِ مِنَ المعَادنِ والتي اعتادَتْ بعضُ النِّساءِ لبسَها واستخدامَها للتزيُّنِ، فعليهَا أنْ تخلعَها أثناءَ تأديتِها لهذِهِ الشعيرةِ المقدَّسةِ، والعِلمُ عندَ اللهِ تعالى.
أمالبسُ النَّظَّارَةِ في الصَّلاةِ فلا مَانعَ منْهُ إنْ كانتْ غيرَ مصنوعةٍ مِنَ المعادِنِ وكانتْ لا تَشغلُ المصليْ في صَلاتِه[66].
2-الإسْبالُ منكرٌ وكبيرةٌ مِنْ كبائرِ الذنوبِ سواءً كانَ ذلكَ خارجَ الصلاةِ أوْ داخلَها؛ للأحاديثِ المتواترةِ[67] عنِ النَّبِيِّ r، ومنهَا قولُهُ r :"إزرةُ المؤمِنِ إلى أنصافِ ساقيهِ ولا جناحَ عليهِ فيمَا بينَه وبينَ الكعبينِ وما أسفلَ مَنْ ذلكَ ففِي النَّارِ" قالَ ذلكَ ثلاثَ مرَّاتٍ[68]؛ وعلَى ذلكَ فتفسُدُ صلاةُ المُسبِلِ، ومَنْ صلَّى خلفَهُ إنْ كانَ إمامًا[69].
وكذا تفسُدُ صَلاةُ المصلينَ في الصفِّ الأولِّ إنْ كانَ سترةُ الإمامِ مُسبلا ولمْ يشَاركْهُ أحدٌ في الستْرةِ[70]، ومَعْ ذلكَ فإنَّ الإنسانَ غيرُ مطالبٍ بالنَّظرِ والتَّفحُّصِ للإمامِ وسترتِه بلْ يمضي على صلاتِه ما دامَ أنَّ الأصلَ السَّلامةُ.
3-لِبْسُ الجواربِ للرجالِ أثناءَ الصلاةِ لا يضرُّ بالصَّلاةِ فهيَ لا تمنعُ الأقدامَ مِنْ أنْ تصِلَ إلى الأرضِ ولا تمنعُ مِنَ السُّجودِ على سبعةِ آرابٍ، ولا تدخلُ في مسألةِ الإسبالِ[71].
أمَّا المرأةُ فقدْ علمْتَ أنها مأمورةٌ بسِتْرِ قدَمَيْها بإطالةِ الثَّوبِ أوْ بِلبْسِ الجَواربِ.
4-وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ تدُلُّ على تحريمِ تصويرِ ذواتِ الأرواحِوتحريمِ لبسِ ما فيه صورةٌ مِن ذواتِ الأرواحِ، وبناءً على قاعدةِ "النَّهيُ يدُلُّ علَى فَسَادِ المنْهيِّ عَنْهُ" فقدْ صحَّحَ إمامُ السُّنَّة والأصولِ -حفظَه الله- بطلانَ صلاةِ مَنْ لبسَ في صلاتِه لباسًا فيه صورةٌ مِنْ ذواتِ الأرواحِ كالبشرِ وسائرِ الحيواناتِ[72].
5-لا بُدَّ أنْ يكونَ الثوبُ واسعًا فضفاضًابحيثُ لا يجسِّدُ عورةَ المصلِّي كالبنطلونِ الضيِّقِ، وهكَذا يجبُ أنْ لا يكونَ شفَّافًا يشِفُّ عمَّا تحتَه[73].
6-الأصْباغُ الصِّناعيةُالتي توضعُ على الأظافرِ وتمنعُ وصولَ الماءِ إليهَا، علَى المرأةِ اجتنابُها حتَى يصحَّ وضوؤُها ثمَّ تصِحَّ عبادتُها[74].



الشَّرطُ الخامِسُ: القِبْلةُ


جاءتْ شريعةُ الإسلامِ مهيمنةً على الشرائعِ السَّابقةِ، وجامعةً لمواريثِ الرِّسالاتِ السماويةِ المتقدمةِ، وأنَّ الْأَنْبِيَاءَ كلَّهم إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، َأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ[75]، وقدْ أرادَ الله عزَّ وجلَّ أنْ يجسِّدَ ذلكَ المعنَى بأمرهِ لنبيِهِ rباستقبالِ قبلةِ أهلِ الكتابِ "بيتِ المقدسِ"[76]، فكانَ المسلمونَ يستقبلونَ بيتَ المقدسِ قبلَ الهجرةِ، وبعدَ الهجرةِ لمدةِ سبعةَ عشرَ شهرًا[77] حتى نزلَ قولُهُ تعالى: }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ {البقرة: ١٤٤، فتوجَّهَ المسلمونَ نحوَ الكَعبةِ شرَّفَها الله ورفعَ قدْرهَا.
وقد اتفقَ المسلمونَ مِنْ حيثُ الجمْلةُ على وجُوبِ استقبالِ الكَعبةِ باعتبارِهِ شرطًا مِنْ شُروطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ[78].
}فَائِدَةٌ:{قالُ أهلُ العِلْمِ: يجبُ على مَنْ كانَ معاينًا للكعبةِ أمامَهُ أنْ يستقبلَ عينَها[79]، أما مَنْ كانَ غيرَ مُعاينٍ لها -بحيثُ يَتعذَّرُ عليهِ إصابةُ عينِهَا- كمَا هوَ حالُ السَّوادِ الأعظمِ مِنَ المسْلمِينَ فلا يجبُ عليهِمْ إلا استقبالُ جهتِهَا[80] قال تعالى: }فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ {البقرة: ١٤٤.



تحرِّيْ القِبْلَةِ


يجبُ التحري والاجتهادُ في معرفةِ جهةِ القِبْلَةِ -أيْ بذلُ المجهودِ لنيلِ المقصُودِ- وذلكَ بالدلائلِ والقرائنِ في حقِّ مَنْ كانَ عاجزًا عنْ معرفةِ القبلةِ، واشتبهتْ عليهِ جهتُها، فمَنْ وجدَ أيَّ مرشدٍ اتبعهُ (برًّا كانَ أو فاجرًا)[81]؛ لأنَّ خبرَ المرشدِ أقوَى مِنَ الاجتهادِ، وإذا اكتشفَ بعدَ الصلاةِ سواءً كانَ في الوقتِ أو بعدَه خطأَ ما كانَ عليه فلا إعادةَ عليْهِ على الصَّحيحِ المُعْتمَد عندَ الشَّيخَينِ -حفظهُما اللهُ-[82]مَا دامَ أنَّهُ لمْ يُقصِّرْ في التَّحرِّيْ؛ وفي ذلكَ -قيلَ- نزلَ قولُهُ تعالَى:} فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ {[83]البقرة: ١١٥.
}فَائِدَةٌ:{ مِنَ الوسَائلِ المعِينَةِ والدَّقيقَةِ في معْرفةِ القِبلَةِ وتحديدِ جِهتِهَا "البَوْصَلَةُ"، فعلَى المسْلمِ أنْ يصطحِبَها في أسفارِهِ لا سيَّما عندَما يسافرُ إلى بلادٍ غيرِ مُسلِمَةٍ، قُلْتُ: وقدْ اسْتخدمْناها في سَفَرِنا للولاياتِ المتَّحدةِ الإِمريكيَّةِ في صيفِ 2005م، وقد كانتْ عمليَّةً ومُجْديَةً جدًّا.



أَعْذَارُ تَرْكِ القِبْلَةِ


تعرَّفْ -يا رَعَاكَ اللهُ- أنَّه قدْ يَعرِضُ علَى المصَلِّي مِنَ العَوارِضِ مَا يمنعُهُ مِنَ اسْتقبالِ القِبلةِ في صلاتِه؛ فيمكنُهُ ترْكُ استقبالِها في الأحوالِ التَّاليةِ:
1- صلاةُ الخائفِ[84]على نفسِهِ أو مالِهِ، وصَلاةُ المطرودِ الذي يتبعُهُ عدوٌّ أو سَبُعٌ منَ السِّباعِ، وصلاةُ المسَايفةِ عندَ الاشتباكِ معَ العدوِّ، }فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً{البقرة: ٢٣٩ قالَ ابنُ عمرَ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا[85].
2- صلاةُ المريضِ والمكرَهِ والمربوطِ إذا عَجزُوا عنِ الاستقبالِ قالَ r:" إذا نهيتُكم عنْ شيءٍ فانتهوا ، وإذا أمرتُكمْ بشيءٍ فائْتُوا ما اسْتطَعتُمْ "[86].
3- صلاةُ النَّافلةِ على الراحلةِ في حالِ السفرِ، فعنِ ابنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ { قالَ: " كانَ رسولُاللهِيصلِي على راحلتِه في السَّفرِ حيثُ ما توجهَتْ بهِ راحلتُه"[87]. قالَ الربيعُ : وذلكَ في النَّوافلِ.



تنبيهٌ مُهِمٌّ


صلاةُ النافلةِ في السَّفرِ على الراحلةِ كالسَّيارةِ والحافلةِ والطائرةِ منَ السُننِ التي غَفلَ عنْها كثيرٌ منَ الناسِ في هذهِ الأيامِ، فتجدُ الواحدَ منهُم -هدانا اللهوإياهُم- يقطَعُ المئاتِ بلِ الآلافَ مِنَ الكيلُومتراتِ بينَ نومٍ وأكلٍ وكثرةِ حديثٍ ووقعٍ في أعراضِ النَّاسِ، وينسَونَ أو يتناسَونَ هذهِ السُّنَّة الشهيرةَ الثابتةَ عنِ الأسوةِ الحسنةِ r[88].
فما أجدرَ المسلمَ وهوَ يمشِي في مناكبِ الأرضِ، ويضربُ في مشرقِها ومغربِها أنْ يُجدِّدَ العهدَ والصلةَ باللهِ -عزَ وجلَّ- فيحييَ هذهِ السُّنَّةَ ويدعُوَ الناسَ إليها لا سيَّمَا في تلكَ الأسفارِ التي يَقصدُ فيها المسافرُ بيتَ اللهالعتيقَ لأداءِ شعائرِ الحجِّ والعمرةِ، ألا وإنَّ ذلكَ مِنْ تعظيمِ شعائرِ الله}ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: ٣٢[89].



مَسْأَلةٌ


في الصَّلاةِ دَاخِلَ الكَعْبةِ


اختَلَفَ أهلُ العلمِ في الصَّلاةِ داخلَ الكَعبةِ على عدَّةِ آراءٍ، فمنهُم منْ منعَ ذلكَ مطلقًا، ومنهُم مَنْ منعَ الفرضَ وأجازَ النَّفلَ[90] وبه أفتى سماحةُ المفتي -حفظهُ اللهُ-[91]، بينَما مَالَ العلامةُ القنوبيُّ -حفظَهُ اللهُ- إلى الجوازِ مطلقًا فرضًا أو نفلاً[92]؛ لثبوتِ فعلِ ذلكَ عنِ الشارِع[93]r معَ عدمِ وجودِ ما يصرفُ هذَا الفعلَ عنْ أصلِ العمومِ إلى التخصيصِ بالنفلِ دونَ الفرضِ؛ إذِ الأصْلُ أنَّ مَا جَازَ في النَّفلِ جازَ في الفرضِ إلا إذَا دلَّ دليلٌ عَلَى خِلافِ ذلكَ.
ولا دليلَ -كذلكَ- عَلَى التَّخصِيْصِ بِهِ r دونَ غيرهِ منْ أفرادِ أُمتِهِ.



اتخَاذُ السِّترةِ


اعلمْ -وفَّقَكَ الله للعملِ بسنةِ نبيِّه الشَّريفةِ- أنَّهُ قدْ غفلَ كثيرٌ مِنَ الناسِ عنِ اتخاذِ السترةِ أثناءَ صَلاتهِم، فتجدُ الواحدَ منهمْ إذا دخلَ المسجدَ لمْ يَهتمّ أنْ يصلِيَ خلْفَ ساريةٍ أو جدارٍ يمنعُ المارَّةَ مِنَ المرورِ أمامَهُ، واتخاذُ السترةِ سنةٌ منَ السننِ النبويةِ الثابتةِ منْ قولِ النَّبِيِّ r وفعلِهِ، فقَدْ قالَ u:" إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ"[94].
وإذَا أرادَ شخصٌ المرورَ أمامَ المصلِّي فإنَّ المصَلِّيَ مأمورٌ بدفعِهِ ودَرْئِهِ ما استطاعَ، فإِنْ أبى فمَا هوَ إلا شيطانٌ منْ شياطينِ الإنسِ كمَا ثبتَ في الحديثِ " إنَّ أحدَكم إذا كانَ في الصلاةِ فلَا يدعْ أحدًا يمرُ بينَ يديهِ وليدرأهُ ما استطاعَ فإِنْ أَبى فليقاتِلْهُ فإنَّما هوَ شَيْطانٌ"[95].
وإذَا قُدِّرَ أنَّ شخصًا مرَّ بينَ المصلي وسترتِهِ فإنَّ صَلاتَه لا تتأثرُ على الرأيِ المُعْتمَد الرَّاجحِ عندَ الشَّيخَينِ الخليليِّ[96] والقنوبيِّ[97]-يحفظُهُمُالله-؛ وذلكَ لأنَّ الصَّلاةَ ليسَتْ حبلاً ممدودًا ينقطعُ بمرورِ المارَّةِ، وإنَّما هيَ صلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ، يصلُها برُّ القلبِ ويقطعُها فجورُه[98].



فَائِدةٌ


رخَّصَ بعضُ أهلِ العلمِ في المرُورِ بينَ يدَيْ المصلِّي في المسْجدِ الحرامِ؛ ولعلَّ ذلكَ لوجودِ الزِّحامِ ووقوعِ الحرجِ في حالِ التَّشديدِ على النَّاسِ، والأمرُ إذا ضَاقَ اتسَعَ، وعُمومًا يَنبغِي لمنْ وجَدَ سَبيلاً إلى تَرْكِ المرورِ أنْ لا يمرَّ[99].
}تَنْبِيْهٌ مُهِمٌّ{: يكثُرُ المرُورُ بينَ يَدَيْ المصَلِّي مِنْ قِبَلِ بعضٍ مِنَ المصَلِّينَ غيرَ مُبالِينَ بنهْيِ النَّبيِّ e، وأكثرُ مَا يقعُ ذلكَ في صَلاةِ الجُمُعَةِ وصَلاةِ التَّراويحِ ونحوِها مِنَ الصَّلواتِ؛ وقدْ نهى النَّبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنْ ذلكَ مُشَدِّدًا ومُغلِظًا قولَهُ: " لوْ يعْلَمُ المارُّ بينَ يدَيْ المصَلِّيْ مَاذَا عليهِ لَوَقَفَ أربعينَ خيرًا لهُ مِنْ أنْ يمرُّ بينَ يَدَيْهِ". قالَ جابرٌ: قالَ بعضُ الناسِ: يعني أربعينَ خريفًا، وقالَ آخرونَ: أربعينَ شَهْرًا، وقالَ آخرونَ: أربعينَ يومًا[100].



خَاتمةٌ


في أحْكَامِ القِبْلَةِ


وإليكَ ما قالَهُ النورُ السَّالِمِيُّ -رَحمَهُ اللهُ- فاحفظْهَا واشدُدْ بها يدًا[101]:

و يجبُ اسْتقبالُ عَينِ الكَعبةِ***إنْ كنتَ في المسجدِ أو للجِهةِ


إنْ لمْ تكنْ فِيهِ وَلكِنْ بعْدمَا***أنْ تتحرَّى فالتحرِي لزمَا


و جائزٌ تقليدُ أهلِ الدَّارِ***فيهَا وإِنْ كانُوا مِنَ الفجَّارِ


ويَترُكُ القبلةَ مَنْ خَافَ علَى***نفسٍ و مالٍ مِنْ عدوٍّ أقْبلا


أوْ كانَ مربوطًا علَى نحوِ خشبْ***ولا يُطيقُ نحوَهَا أنْ يَنتصِبْ


أوْ كانَ أعمَى لمْ يجدْ دَلِيلا***أو حائرًا لمْ يهتدِ السَّبيلا


أوْ كانَ ذا تنفُّلٍ في الحالِ***علَى الطريقِ وعلَى الرِّحالِ


لكنَّهُ يحرمُ نحوهَا فقطْ***
ويمضِ حيثُ شاءَ مِنْ غيرِ شَطَطْ

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس