منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
عرض مشاركة واحدة
Globe  فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
كُتبَ بتاريخ: [ 01-18-2010 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


( أولا: أحكام صلاة الجماعة )

س:
هل تجوز صلاة المتنفل بالمفترض ، وصلاة المفترض بالمتنفل ؟ وهل صحيح أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة أي هو متنفل وهم مفترضون ؟


الجواب:-
اختلف العلماء في جواز صلاة المتنفل بالمفترض والصحيح الجواز لحديث إمامة معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بقومه بعدما كان يصلي الفريضة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حديث صحيح وقد جاء التصريح بأنه كان يصلي بهم متنفلا وهم مفترضون عند الدار قطني وهو نص في موضع النزاع ، وأما صلاة المفترض بالمتنفل فلا مانع منها وقد دلت على صحتها أحاديث كثيرة يطول المقام بسردها اللهم إلا إذا لم يكن هنالك أحد من المفترضين يصلي خلف ذلك الإمام المفترض فإن بعض العلماء ذهب إلى أنه لا يصح للمفترض أن يصلي بهم والصحيح الجواز لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمنكم يتصدق على هذا فيصلي معه رواه أبو داود والترمذي والدارمي وأحمد وابن أبي شيبة وابن حبان وابن الجارود وأبو يعلى والحاكم وغيرهم . وهو حديث صحيح ثابت وله شاهد من طريق أنس بن مالك عن السراج والدارقطني والطبراني في الأوسط والضياء في المختارة وإسناده لا بأس في الشواهد وقد قواه الزيلعي والحافظ ابن حجر ووهم الهيثمي في إسناده فضعفه لأجل ذلك وله شاهدان مرسلان من طريق الحسن البصري وأبي عثمان النهدي هذا ومن الجدير بالذكر أنَّ هنالك أدلة أخرى تدل على جواز إمامة المتنفل بالمفترضين غير ما ذكرناه هنا وقد ذكرت واحداً منها ورددت على اعتراضات من اعترض على الاستدلال بحديث معاذ رضي الله عنه في رسالة كتبتها في بعض أحكام الاستدراك ونبهت هنالك على أنَّ الخروج من الخلاف في هذه المسألة ونحوها حسن إذا أمكن المصير إليه والله ولي التوفيق .


س :
إذا سهى الإمام في قراءة القرآن وبدّل آية رحمة بآية عذاب أو العكس مثلا قال: "إن الإبرار لفي جحيم أو قال: "إن الفجار لفي نعيم " . فما حكم صلاته وصلاة من خلفه ؟

الجواب :-
ذهب الجمهور إلى أن صلاتهم جميعا فاسدة والصحيح عندي أنها صحيحة ولا سيما إذا كان قد قرأ غيرها مما يتم به المعنى . والله أعلم .


س:
إمام وقف أو سكن بعد قوله تعالى: "ويل للمصلين " ما حكم صلاته ؟

الجواب :-
أولاً لا ينبغي له ذلك في الصلاة ولا في غيرها ولكن إذا وقع منه ذلك فإنه لا يؤدي إلى البطلان إن شاء الله .



س :
إن دخل رجل المسجد وكبر تكبيرة الإحرام ولمّا جلس سلم الإمام ولم يقرأ معه شيئاً . فماذا يصنع؟

الجواب :-
أولاً لا يخلوا هذا المأموم أو هذا الذي دخل إما أن يكون مسافراً أو مقيماً وكذلك الإمام إما أن يكون مسافراً أو مقيماً فإن كانت صلاة المأموم وصلاة الإمام متحدة بأن كان كل منهما يصلي سفراً أو كان كل منهما يصلي حضراً فيكمل هذا المأموم صلاته ولا شيء عليه اللهم إلا إذا أقيمت جماعة فإنه يقطع صلاته ويصلي مع تلك الجماعة . أما إذا لم تقم جماعة فإنه يكمل صلاته ولا شيء عليه
وإما إذا كان الإمام يصلي حضراً وكان هذا الذي دخل يصلي قصراً فإنه نوى أن يصلي أربعاً أو نوى أن يصلي بصلاة ذلك الإمام ففي هذا الحال لابد من أن يقوم ويكبر تكبيرة الإحرام بل الأولى أن يقيم للصلاة وأن يوجه وأن يكبر للإحرام لأن فعله هذا سيخالف ما نواه . والله تعالى أعلم .


س :
جاء رجل ووجد الصف مكتملاً وجذب شخصاً على يمين الصف وشماله ؟

الجواب :-
صلاة الرجلين باطلة لأن الشرط أن يوسطوا الإمام . والله تعالى أعلم


س:
من وجد الجماعة في التشهد الثاني ؟

الجواب :-
اختلف العلماء في ذلك .
بعض العلماء يقول لا يدخل مع الإمام بل ينتظر حتى يجد جماعة أو يصلي هو بمفرده .
وذهبت طائفة إلى أنه يدخل لأنه قد أدرك الجماعة والحديث يقول "ما أدركتم فصلوا" وهذا قد أدرك شيئاً من تلك الجماعة ولكن الأولين يقيدون ذلك بحديث "من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة" . فقالوا هذا الإطلاق الذي فيه يقول: " فما أدركتم فصلوا" مقيد " من أدرك ركعة في الصلاة فقد أدرك أو من أدرك ركعة في الصلاة فقد أدرك الصلاة" .
وبعض العلماء يقول إن الجمعة لابد من أن يدرك الركوع من الركعة الثانية فإن لم يدرك تلك الركعة فإنه يصلي ظهراً أما بالنسبة إلى الصلوات الأخرى فإنه إذا أدرك ولو جزءاً بسيطاً فإنه يكون مدركاً لتلك الصلاة .
لاشك أن الأسلم أن من لم يدرك الركعة الأخيرة ووجد جماعة أخرى فإنه يقطع تلك الصلاة التي دخلها في التشهد الأخير أو في السجود أما من لم يجد جماعة ثانية فذلك لا يؤثر عليه بل يواصل صلاته هذا إذا كانت صلاة المأموم متحدة مع صلاة الإمام ..
أما إذا كانت صلاة المأموم تختلف عن صلاة الإمام كأن يصلي ركعتين فإنه لابد من أن يعيد الصلاة من أولها ذلك لأنه عندما دخل كان ناوياً بأن يصلي أربعاً أو كان ناوياً أن يصلي بصلاة الإمام وهنا لم يدرك صلاة الإمام فعليه أن يعيد الصلاة من أولها .
فإذن :- إذا وجد الجماعة فيقطع الصلاة التي دخل فيها في التشهد الأخير أو في السجود ويدخل مع الجماعة الجديدة وإن لم يأت جماعة جديدة فإنه يكمل صلاته إلا إذا اختلفت صلاته عن صلاة الإمام فإنه يعيد الصلاة من أولها أي ينوي ويكبر إلى آخره . والله تعالى أعلم .

س:
إذا كان المأموم مقيم والإمام مسافر ؟

الجواب :-
الأحوط أن يعيد الصلاة من أولها .

س:
إمام سهى في صلاة المغرب وسلم بعد التشهد الأول ولم يسبح أحد من المأمومين له فبعضهم سلم وبعضهم لم يسلم وبعضهم تكلم فما حكم صلاة كل من الإمام والمأمومين ؟

الجواب :-
أما الذي لم يتكلم وانتبه بعد ذلك وواصلوا صلاتهم فصلاتهم صحيحة مثلا : انتبه واحد ونبه الإمام أو انتبه الإمام نفسه وواصل الحاصل لم يجر كلام ولا التفات ويكون السكوت خفيفاً ليس طويلا فهؤلاء لا إشكال في صلاتهم بشرط أن يكونوا قد سلموا سهواً أما إن كانوا على يقين بأن الإمام أخطأ ومع ذلك سلموا فصلاة من سلم وهو متيقن بخطأ الإمام صلاته باطلة وعليه أن يتوب إلى الله ويعيد صلاته .
أما بالنسبة إلى من تكلم فهذه فيها أخذ ورد تحتاج نظر وتأمل حتى نتأمل وننظر جيداً في الحديث الوارد لأن العلماء فيه كلام كثير ولابد من التأمل فيه فإذا احتاطوا وأعادوا صلاتهم حتى يتبين الأمر فحسن إن شاء الله .

س :
هل يسجد في هذه الحالة قبل السلام أم بعد السلام ؟

الجواب:-
يسجد بعد السلام .

س:
إمام عوض الفاتحة قرأ التشهد سهوا وبعد السجود انتبه لذلك فماذا يفعل ؟

الجواب :-
لابد من أن يرجع ويأتي بالفاتحة وبعد ذلك بعض العلماء يقول يواصل صلاته أي من بعد السجود وبعض العلماء يقول لابد من أن يأتي بالركوع والسجود مرة ثانية فلا بد من إعادة الفاتحة لأن الفاتحة ركن فيرجع من السجود ويقوم للفاتحة ويأتي بالفاتحة وإذا أتى بالفاتحة هل يأتي بالركوع والسجود مرة ثانية هذا رأي لأهل العلم وبعض العلماء يقول لا يلزمه ذلك بل بعد الفاتحة يرجع إلى ما كان فيه ويواصل صلاته من ذلك الموضع . والله تعالى أعلم

س:
وإذا واصل الإمام وسلم ثم قضى بنفسه ؟

الجواب :-
أقول يعيدوا صلاتهم ويتوبوا إلى الله من تهاونهم بعدم الإعادة هذا الصحيح عندي وهذا الإمام جاهل عليه أن يتوب إلى الله من هذا الفعل . والله تعالى أعلم .


س:
إذا انتقضت صلاة الشخص الذي يصلي سترة خلف الإمام هل تنتقض صلاة الصف الأول ؟


الجواب :-
أما إذا شاركه في السترة أحد مثلا اشترك اثنان في السترة وانتقضت صلاة أحدهما فلا بأس على من يصلي خلف الإمام أما إذا كان لم يشاركه أحد بأن كان قد أخذ قفوة الإمام تماماً ففي المسألة خلاف بين أهل العلم هل ينقض صلاة من يصلي في ذلك الصف تجد الأقوال في العقد الثمين . والله تعالى أعلم .



س:
إذا قام الإمام بعد الركعة الثانية ولم يجلس للتشهد وسبح له المأمومون ؟


الجواب :-
ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه يجب عليه أن يرجع فإن لم يرجع فإن صلاته فاسدة وهذا الرأي هو الذي كان يذهب إليه الإمام نور الدين رحمه الله تبارك وتعالى وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه إن كان قد أطمئن في وقوفه فلا يرجع أما إذا كان لم يطمئن بأن كان في بداية قيامه أي لم ينتصب قائماً فإنه يرجع وهذا الرأي هو الرأي الصحيح وهو الذي ذهب إليه الإمام الخليلي رحمه الله فقد أجاب بما يقتضي ذلك إن صح الحديث ووقع له هو رحمه الله ولم يرجع مع أنه قد نبه إلى ذلك وسجد للسهو وهو الذي يدل له الحديث كما قلت ويسجد للسهو في هذه الحالة بعد السلام على الصحيح .


س:
من صلى نافلة خلف من يصلي فريضة المغرب كيف يصنع ؟


الجواب :-
نحن نعرف أن من صلى نافلة خلف من يصلي فريضة ثنائية أو رباعية فالأمر سهل يتابعه في الثنائية أو في الرباعية ولا أشكال في الأمر .
بقي كيف يصلي لو كان الإمام يصلي صلاة ثلاثية كفريضة المغرب وكالوتر أيضاً ثلاث ركعات ؟.
منهم من يقول يصلي ثلاث ركعات .
ومنهم من يقول أنه يتبع ذلك بركعة رابعة عندما يجلس الإمام التشهد الثاني يجلس المأموم صامتاً لا يأتي بشيء ثم يأتي بالركعة الرابعة ويفعل كما يفعل المقيم أن لو صلى خلف إمام مسافر ..
وهناك قول ثالث أنه لا يصح أن يصلي خلفه أبداً.
وهناك قول رابع وهو أنه يصلي ركعتين وينهي صلاته وهذا أضعف تلك الأقوال كذلك القول بالمنع فيه ضعف فيبقى أقوى الأقوال إما أن يزيد ركعة أو يصلي خلفه ثلاثاً وإن زاد ركعة فحسن بمشيئة الله تبارك وتعالى .والله تعالى أعلم


س :
صلى إمام وعن يمينه شخص كما هو السنة وجاء بعد ذلك شخص آخر ولجهله بالسنة وقف عن يمين ذلك المأموم فهل للإمام أن يتقدم أو أن يقوم بتأخير المأمومَين أو أن يقوم المأموم الأول بالتأخر ويؤخر ذلك الشخص معه ؟.


الجواب :-
نعم للإمام أن يقوم بدفع الشخصين خلفه كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وللمأموم الأول أن يتأخر وأن يقوم بجذب ذلك الشخص معه أيضاً فهذا لا يضر إن شاء الله تبارك وتعالى أما أن يتقدم الإمام فهذا مما لا ينبغي إلا إذا كان المكان لا يتسع للمأموم ولكن لو وقع في الماضي فلا شيء عليه لكن الإمام لا ينبغي أن يتقدم لأنه هو المتبوع . والله تعالى أعلم .


س:
إمام أسر في صلاة جهرية وتذكر في نصفها ؟


الجواب :-
يجهر من ذلك الموضع الذي انتبه فيه . والله تعالى أعلم .


س:
شخص أمّ ناساً ويقوم بأعمال كمثل النذر للقبور . فهل تجوز الصلاة خلفه ؟


الجواب :-
على كل حال من يقوم بالنذر للقبور أو للأشجار أو للأحجار أو للمساجد أو لأي شيء من تلك الأشياء لا يخلو من أحد أمرين أثنين إما أن يعتقد بأن هذه الأشياء تنفع وتضر بنفسها وهذا والعياذ بالله أمره خطير وللشيخ صالح جواب طويل هناك فارجع إليه ففيه فائدة بمشيئة الله تبارك وتعالى
وإما أن يكون يعتقد بأن الله تعالى هو الضار النافع ولكنه يعتقد بأنه هناك جماعة من الجن أو ما شابه ذلك يدفع لهم تلك الذبائح أو تلك المأكولات من باب اتقاء شرهم أو ما شابه ذلك لاشك بأن هذا لا يصح ولكن لا يمكن أن نحكم عليهم بالخروج من الإسلام إلى حضيرة الشرك بل نبين له أنّ هذا الأمر لا يجوز ولا يصح وأنه يجب عليه أن يرجع إلى ربه ويتوب إليه مما وقع فيه فإذا كان من القسم الأول فهو خارج من الإسلام والعياذ بالله تبارك وتعالى ولا شك بأنه لا يصلى خلفه ولا يحكم عليه بشيء من أحكام المسلمين أما إذا كان من القسم الثاني فهو فاجر إن لم يرجع إلى ربه وقد علمت حكمه . والله تعالى أعلم .


س :
مأموم دخل المسجد وكبر للإحرام واستعاذ وبمجرد انتهائه من الاستعاذة انتهى الإمام من قراءته الفاتحة فماذا يصنع ؟


الجواب:-
الذي نأخذه به أنه يؤجل الفاتحة ويقضيها بعد ذلك . والله تعالى أعلم .


س :
إمام يصلي قائماً ثم إنه أصابه المرض واضطر للجلوس وجلس فهل أيضاً يجلس المأمومون ويصلون خلفه جلوساً أم أنهم يواصلون الصلاة على حالهم السابق أي أنهم يصلون قياماً ؟


الجواب :-
الصحيح أنهم يصلون قياماً . والله تعالى أعلم .


س:
الصبي الذي لا يفقه أمور الصلاة هل إذا كان في وسط الصف يكون قاطعاً للصف أو الصلاة؟


الجواب :-
على كل حال إذا كان الصبي يصلي فهذا لا يضر أن يكون في وسط الصفوف .
وأما إن كان الصبي لا يصلي أبداً مجرد أنه يقف جنب أبيه أو ما شابه ذلك الحاصل لا يأتي بالصلاة فالأصل أنه لا يصف مع المصلين بل ينهى عن ذلك لكن لو وقع ذلك فلا نقوى على القول إنه يقطع الصلاة لأنه سد تلك الفرجة ولم يقف الشيطان والعياذ بالله فيها فهو ليس أشد من السارية الموجودة في المسجد . والله تعالى أعلم .


س:
هل للمرأة أن تؤم بالنساء ؟


الجواب:-
خلاف بين أهل العلم
بعضهم قال : لا تؤم بالنساء إطلاقا لا فريضة ولا نافلة
وقيل : تؤم في النافلة دون الفريضة
وقيل : تؤم في النافلة والفريضة . وهذا القول عليه أبو محمد وأبو اسحاق ورجحه قطب الأئمة وهو الصحيح عندي , ولكن أقول مع ذلك لا يتخذوا ذلك عادة فالأصل أن تصلي مفردة . والله تعالى أعلم .


س:
إذا أراد الرجل أن يصلي بزوجته في البيت فهل له أن يصلي بها الفرض وإذا كان له ذلك فأين تكون في اليسار أم في اليمين ؟


الجواب:-
أما الفرض فالأصل أن يُصلى في المسجد إلا إذا كان الإنسان معذوراً بعذر شرعي فإذا كان معذوراً بعذر شرعي له أن يصلي بزوجته أو بغيرها ممن هم في البيت وقد اختلف العلماء في الموضع الذي تقف فيه المرأة ذهب بعضهم إلى أنها تقف منه في جهة الشمال حتى تكون مخالفة لوقوف الرجل ثم إنه يمكن أن يأتي رجل فيقف عن يمين الإمام وتتأخر تلك المرآة إلى الخلف ولا تتغير من الجهة التي كانت واقفة فيها .
وذهب بعض العلماء إلى أنها تقف خلف الإمام وذلك لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من طريق أنس رضي الله تعالى عنه عند الربيع وغيره من أئمة المحدثين أن أنساً رضي الله تعالى عنه وذلك الرجل الذي كان معه وقف خلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ووقفت المرأة خلفها ولم يأت أنها وقفت عن شمال الإمام أي في الجهة الشمالية ولا جهة اليسار ولا في جهة اليمين وإنما وقفت خلف الإمام على حسب ما يفهم من الرواية وأرى أن هذا الرأي وهو أنها تقف خلف الإمام هو الرأي الأصوب ولا يقال بأنه معارض للأحاديث التي فيها النهي أن يقف الشخص خلف الإمام منفرداً ولا الأحاديث التي فيها أن ابن عباس رضي الله عنه صف عن شمال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم حوله عن جهة اليمين وكذا بالنسبة إلى الرجل الذي كان يصلي إلى غير ذلك فهذه الأحاديث لا تعارض فيها لأن هذه القضية تختص بالمرأة وتلك القضايا تختص بالرجال ولا يمكن أن يقاس هذا الحكم على الحكم الآخر بينهما وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (1).


س:
أين تصف المرأة إذا كانت تصف مع رجل ؟


الجواب:-
خلاف بين أهل العلم
بعضهم قال : تصف عن شماله ولكنها لا تكون قريبة منه
وقيل : تصف خلفه . وهذا أقرب إلى الصواب . والله تعالى أعلم .



س:
المستدرك إذا لم يتمكن من إتمام الفاتحة مع الإمام وقرأ جزءا من فاتحة الكتاب وركع الإمام فماذا يصنع وكذا الحال إذا كان الإمام سريع القراءة فلم يتمكن من إكمالها ؟



الجواب :-
يركع مع إمامه ثم بعد ذلك يقوم بقضاء ما تبقى عليه من فاتحة الكتاب .


س:
رجل استدرك مع الإمام في ركوعه وركع معه ثم بعد أن قام للقضاء نسي وركع فلما ركع تثبت وتيقن أنه ركع مع الإمام فماذا يفعل ؟


الجواب :-
يجلس من ركوعه ولا حاجة إلى أن يقوم ويسلم من صلاته بعد الانتهاء من الدعاء ويسجد لسهوه .


س:
سمعنا منكم في دروس سالفة(2) أنّ العلماء قد اختلفوا على عدّة أقوال في مَن دخل المسجد ووَجَدَ الصفَّ قد اكتمَل ماذا يَصنع، وسؤالي حول الرأي المختار عندكم في هذه المسألة لِعموم البلوى بها، ولم لا يكون حديث وابصة بن معبد-الذي هو عند الترمذي وأحمد وحسّناه وأبي داوود وغيرهم الذي فيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يُصَلِّي خلف الصفِّ وحدَه فأَمَرَه أن يُعيد الصلاةَ وعند غيرهم زيادة: " أَلاَ دخلْتَ معهم أو اجْتَرَرْتَ رجلاً "-وحديث: " فلا صلاة لِفرد خلف الصف "-عند ابن ماجة وابن حبان وأحمد-فَيْصَلاً في هذه المسألة أم أنّ هذه الآثار لا تَصح ؟ أَلاَ يُمكِن أن يُقال يا شيخنا أنّ قصّة أبي بكرة رخصة تُبذَل لِلجاهل الذي لا يَعرف الحكم في هذه المسألة ؟

الجواب:-
لو كانت هذه الأحاديث متّفَقا عليها مِن حيث الصحةُ ومِن حيث الدلالة لكانت-نعم-قاطعةً لِلنزاع، ولكن هذه الأحاديث منها ما هو مختلَف فيه مِن حيث الدلالة ومنها ما هو مختلَف فيه مِن حيث الثبوت.
أما أحاديث الجر فهي لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بِحال بل هي ضعيفة جدا.
وأما الأحاديث الأخرى فمنها ما هو ثابت، ولكنّ بعض العلماء الذين يقولون: " إنه يُنشِئ صفًّا جديدا أو أنه يَتقدَّم إن أمكنه ويَقف عن يَمين الإمام " يقولون: تلك الأحاديث محمولة على ما إذا كانت الصفوف غير مكتمِلة بِأن وَجَدَ الإنسان مكانا يقف فيه أما إذا كانت تلك الصفوف مكتمِلة فإنه ليس له أن يَقوم بِجرِّ أحدٍ وذلك لأنّ ذلك مِن الاعتداء على ذلك الشخصِ فقد يُحدِثُ له بلبلةً وارتباكًا ولا يَدري لِماذا جُرَّ، وقد يَكون ذلك الشخص جاهلا لا يَدري ماذا يَصنع إذا جَرَّه غيره وأيضا ستَبقى هنالك فرجة في ذلك الصف إلى غير ذلك مِن الأمور، والوقتُ ضيق لا يُمكِن أن أُفَصِّل الكلام فيها، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة مِن أهل العلم ومِن كبار المتأخِّرين .. ذهب إليه العلاّمة أبو نبهان وابنه الشيخ ناصر-رحمهما الله تعالى-ولِلشيخ ناصر في ذلك جواب مفصَّل إلا أنّ الوالِد يَذهب إلى أنه يُمكِن الجر ولكنه لا دليل عليه فإن جَرَّ وإلا فلا بأس، أما الابن فلا يَرى الجرَّ بل يرى أنه يَقف خلف الصف.
وهذه المسألة تَحتاج إلى جواب طويل جدا بِذِكْر أدلتهم، وعلى كل حال فالمسألة كما ترى مختلَف فيها بيْن أهل العلم وليس فيها دليل قاطع لِلنزاع؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
يُريد رأيكم أيضا ؟


الجواب:-
على كل حال؛ هذا لا يُمكِن إلا بعد أن أُفَصِّل القول في هذه المسألة.


س:
ما حكم قراءة القرآن مِن المصحف إذا كان الإمام لا يَحفظ قدرا مِن القرآن وهو يريد أن يُطِيل في الصلاة بالناس ؟


الجواب:-
هذه المسألة اختلَف العلماء فيها كثيرا:
منهم مَن منع مِن ذلك وذهب إلى حُرْمَة ذلك.
ومنهم مَن ذَهَبَ إلى كَرَاهة ذلك.
ومنهم مَن أَجَازَه في حالة الاضطرار دون الاختيار.
ومنهم مَن أجازَه لِمَن كان حافظا دون غير الحافظ.
وعلى كلّ حال لا ينبغي أن يُقْرَأَ القرآن مِنَ المصحف الشريف في حالة الصلاة، وإنَّما ينبغي للإمام أن يعتمد على حافظته، فإذا كان لا يَحفظ كثيرا فليَأْتِ بِمَا استطاع عليه ولا يلزم أن يقرأ القرآن بكامله في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، وإذا وَجَد غيره من طلبة العلم الذِين يحفظون القرآن الكريم فإنه يقدِّمهم ولا غَضَاضَة عليه خلافا لِما يظنه بعض العوام مِن أنه إذا قدَّم غيره من صغار الطلبة أو ما شابه ذلك فإنه سيكون في ذلك شيء مِنَ التقليل من مَنْزِلَته أو ما شابه ذلك ..والعكس أنه إذا قدَّم غيره إذا كان أولى بالإمامة فإن الناس سيُبَجِّلُونَه ويقَدِّرُونه على أن الإنسان لا يسعى لتَبْجِيل الناس وتقْدِيرهم وإنَّما يسعى لِمرضاة الله-تبارك وتعالى-فليقدِّم غيره من الحفاظ كما أرشد إلى ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وإذا كانت هنالك جَماعة منهم-مثلا-مَن يَحفظ عشرة الأجزاء الأولى مِن القرآن ومنهم من يَحفظ من نِهايته ومنهم من وسطه فليتناوبوا .. أوَّلا يصلي في الأيام الأولى ذلك الذي يَحفظ أول القرآن ثم يصلي الثاني وهكذا، أمَّا أن يَلْجَؤُوا إلى المصحف فلا ننصح بذلك بل ينبغي أن يُشدَّد فيه وقد علمتم بأن بعض العلماء ذهب إلى حُرْمَته ومنهم من ذهب إلى كراهته، وأنا الآن لست بصدد ترجيح الراجح مِن هذه الأقوال وإنَّما بصدد بيان أنه لا ينبغي ذلك أبدا وفي حالة الضرورة ينبغي أن يلجأ الإمام إلى غيره فهذا ليس من الأمور التي تُبَاح في حالة الاضطرار-مثلا-لأنَّه لا اضطرار في هَذَا إذا وُجِدَ من يقوم بذلك ثم إنَّه إذا لَم يُوجد من يقوم بذلك فبالإمكان أن يصلي الإمام في هذه الليلة بِهذه السور ويأتي بِها-أيضا-في الليلة الثانية وهكذا، ومِن المعلوم أن كثيرا من الناس يَحفظون جزأين أو ثلاثة من القرآن فبإمكانهم أن يأتوا بهذه الأجزاء في ليالي شهر رمضان؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


س:
عامل عند تاجر معيّن قد اتفق مع مجموعة العمال هناك أن يصلوا الظهر في مصلى خاص من أجل أنه لا يستطيع أن يخالف أمر الشخص الذي يعمل عنده .. المسجد قريب منهم لكن هم اعتادوا على أن يصلوا هكذا في رمضان فقط صلاة الظهر في ذلك المصلى ويصلونها جماعة.


الجواب:-
على كل حال؛ نحن ننصح أولئك التجار بأن يسمحوا لهؤلاء العمال، ولعل هؤلاء التجار يسمعون .. أن يسمحوا لهؤلاء العمال بأن يذهبوا لأداء الصلاة في المسجد، ولن يَخسروا شيئا بمشيئة الله تبارك وتعالى، بل لعل الله-تبارك وتعالى-يُهيِّئ لهم الربح من حيث لا يشعرون .. ننصح أولئك بأن يسمحوا لهم بذلك، فإن تعذّر الأمر وكانوا مضطرّين للعمل فعسى أن يُرخَّص لهم في الصلاة في هذا المصلى، أما إذا كان يُمكنهم أن يذهبوا إلى المسجد فلا؛ والله أعلم.



س:
بعضهم يخاف على رزقه من أن يُقطَع بسبب هذه الأمور ؟


الجواب:-
على كل حال؛ كما قلتُ.


س:
دعاء الإمام جهرا وتأمين الجماعة، هل وَرَدَ في ذلك شيء ؟


الجواب:-
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
مِن أهل العلم مَن ذهب إلى أنه إذا دعا الإمام فإنّ المأمومِين أو مَن شاء منهم يؤمِّنون على دعاءِ ذلك الإمام إذا كان ذلك الدعاء لأمرٍ دنيوي أو كان لأمرٍ أخروي إذا كان ذلك الإمام رَجُلا صالِحا متّقِيا لِربِّه تبارك وتعالى، أما إذا كان ذلك الشخص مجهولا أو كان فاسِقا فإنه لا يُؤمَّنُ على دعائِه إذا دعا بِخيْر أُخروِي لَه أو كان داخِلا فيه.
وبعض العلماء ذهب إلى أنّ كلّ شخص يَدعو لِنفسِه فالإمام يدعو لنفسه وغيره يشتغل بالدعاء لنفسه ولا يلتفت إلى التأمين.
والمسألة الأمر فيها يسير ولا ينبغي التَّبْدِيع والتَّضْلِيل أو التَّحَامُل على مَن قال بِهذا الرأي أو بذلك الرأي، فإذا اشتغل الإنسان بنفسه ودعا أو ذكر الله تبارك وتعالى .. أتى بتلك الأذكار والأدعية الواردة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولَم يشتغل بدعاء الإمام فذلك فيه خيْر وبركة بمشيئة الله تبارك وتعالى.


س:
إذا كان الإمام مَجهول الحال هل يصح أن يؤمِّن الشخص ويستحضر في نيته تَخصيص ذلك أو تعليق أمر إجابة الدعوة أو التأمين إن كان هذا الإمام صالحا ؟


الجواب:-
هو-حقيقة-قضية التقدِيرات هذه فيها ما فيها لكن الأصْل لو دعا الإنسان بِدعاء لشخص مَجهول فإنه يدعو لِعموم المسلمين فإن كان ذلك الشخص من أهل الصلاح فإنه سيدخل في عموم المسلمين .. إذا طلب-مثلا-شخص من شخص أن يدعو له وهكذا في صلاة الجنائز-مثلا-إذا كان يريد أن يصلي على شخص مَجهول فإنه يدعو بدعاء عام .. إذا كان ذلك الشخص من أهل الصلاح فإنه سيدخل في ذلك العموم، وكذلك لو صلى على شخص فَاسِق فإنَّه يدعو لعموم المسلمين فإن ذلك الشخص الفاسق إذا كان مات على توبة صادِقة فإنه سيَدخل في ذلك العموم .. هذا الذي ينبغي أن يُسلَك؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
إذا كان الإمام ينظر إلى شاشة أمامه فيها آيات القرآن الكريم ويقرأ منها أثناء الصلاة، هل يصح له ذلك ؟


الجواب :-
لا، لا يصح له ذلك، لأنّ ذلك يتنافى مع الخشوع، فمن اشتغل بالقراءة من شاشة أو من أوراق أو مما شابه ذلك فلا شك بأنه سيترك الركن الأعظم الخشوع، الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( والخشوع عمود الصلاة ).





الهامش :

1) س:
أين تصف المرأة إذا كانت تصف مع رجل ؟


ج:
خلاف بين أهل العلم
بعضهم قال : تصف عن شماله ولكنها لا تكون قريبة منه
وقيل : تصف خلفه . وهذا أقرب إلى الصواب . والله تعالى أعلم .


2) -مِن ذلك جوابه على السؤال الأول مِن حلقة 8 رجب 1423هـ ( 15 سبتمبر 2002م ) وهذا نصّ السؤال مع جواب الشيخ عليه:

س:
ما حكم صلاة المنفرِد خَلفَ الصفّ الأول ؟


ج:
إنّ الذي يُصَلِّي منفرِدا خلف الصف لا يَخلو مِن أحد أمرين:
1-إما أن يَجِد الصفوف قد امتلأتْ ولا يَجِد مكانا يَقف فيه في تلك الصفوف التي أمامه.
2-أو أنه لا يَجِد تلك الصفوف مُمتلِئة بل يَجِد فراغا يَتّسِع له:
أما الأمر الثاني فإنه ليس لأحد أن يُنشِئ صَفّا جديدا إذا كان يَجِد-كما قلتُ-مُتَّسَعا في واحد مِن الصفوف الأمامية بل عليه أن يَتقدَّم ويُصلِّي في نفسِ ذلك الصف، وإذا صَلَّى منفرِدا فإنّ صلاته باطلة اللهم إلا إذا نَظَرَ وظَنَّ ظنّا قويا بأنّ ذلك الصف قد امتلأ ثم أنشأ صفا جديدا فإنه سيأتي الكلام عليه في القسم الذي يَلي هذا القسم .. هذا هو القول الذي ذهبت إليه طائفة كبيرة مِن أهل العلم، وهو الذي تُؤيِّده السنّة وتَدلّ عليه دلالةً صريحة، وإذا ثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه-أمرٌ أو نهيٌ فإنه لابد لِلمسلم مِن أن يَمْتَثِل ذلك الحديث .. نعم يُعذَر مَن خالَف الحديث لأنه يُمكِن أنه لم يَطَّلِع عليه أو أنه رأى دليلاً يُخالِفه وظَنَّ بِأنه هو الأرْجَح أو أنه اطَّلَع عليه ولكنه لم يَثبتْ معه، أما مَن اطَّلَعَ على الحديث وثبتَ لديه أو ثبتَ عند العلماء وهو لم يَكن في درجتهم فإنه عليه أن يَتَّبِع ذلك الحديث عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-مع الجزْم بِعُذْر أولئك العلماء الذين خالَفوه ولكن-كما قلتُ-لا يَسَعُ الإنسانَ أن يَأخذَ بِشيءٍ يُخالِف السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلوات الله وسلامه عليه .. نعم إذا تَرجَّح لديه شيء مِن الأدلة الأخرى على ذلك الدليل فإنه في هذه الحالة لا يُعَدُّ مخالِفا لِذلك الدليل، لأنه أَخذ بِدليل يَرجح على ذلك الدليل، وكذلك ليس لِجماعة مِن الناس مِن اثنين فصاعدا أن يُنشِؤوا صفّا جديدا إذا كان الصف الأمامي لم يَكتمِل بل عليهم أن يَصفّوا في ذلك الصف حتى يَمتلِئ فإذا امتلأ فإنه في تلك الحالة يُؤمَرون بِأن يُنشِؤوا صفّا جديدا.
أما القسم-الثاني أو-الأول-لأننا ذَكَرْنا هذا القسم بأنه هو الأول-فهو إذا دَخلَ إنسانٌ ووَجَدَ الصفوف مُمتلِئة ولم يَجِد مكانا يَصفّ فيه في تلك الصفوف فإنّ أهل العلم قد اختلفوا في هذه المسألة على عدّة أقوال:
ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنّ هذا الشخص الذي دَخَلَ المسجد ليس له أن يُنشِئ صفّا جديدا بل عليه أن يَقوم بِجَرِّ شخصٍ مِن الصفّ المتأخِّر ويَصف هو وذلك الشخص خلْف الإمام مباشَرة، واحتجّوا على ذلك بِحديث مروي عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ولكنّ ذلك الحديث لا يَثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه وإن كان قد جاء مِن أكثر مِن طريق لأنّ تلك الطرُق مِن الضعف بِمكان فلا تَصلُح لأن تَصل إلى درجة الـحُجية، كما هو مُقَرَّر عند أئمّة العلم.
وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنّ ذلك الشخص يَصفّ منفرِدا خلْف الإمام، إذ إنه مأمور بِالدخول مع الإمام ومنهي عن أن يَصفّ صفّا منفرِدا فجَمَعُوا بيْن الأحاديث التي فيها النهي عن أن يَصفّ الإنسان وحده وبيْن الأحاديث الآمِرة بِالدخول في صلاة الجماعة .. حَمَلوا الأحاديث الناهية على ما إذا كان في الصفوف متّسَعًا يَتَّسِع لِذلك الشخص أما إذا لم يَتَّسِع ذلك الصفّ لِذلك الشخص فإنّ ذلك النهي لا يُحمَل عليه، ولهم أدلة أخرى.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يَحتَال حتى يَصفّ عن يَمين الإمام .. أي يَتَقدَّم .. يَتَخطَّى تلك الصفوف إن أمكنه بِحيث لا يَضرُّ بِأحدٍ مِن المصلين ويَصفّ عن يَمين الإمام، أما إذا لم يَتمكّن مِن ذلك فإنه يَنتظِر حتى يَدخُل شخصٌ آخر.
فالمسألة خِلافية-كما سمعتُم-ومَن أَخَذَ بِواحدٍ مِن هذه الأقوال فلا شيء عليه-بِمشيئة الله-تبارك وتعالى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
إذا صفّ أحدٌ خلْف الإمام منفرِدا وأمضى صلاتَه على هذه الصورة ثم جاء رجل آخر .. في هذه الحالة الرجل الثاني الذي التحَق مؤخَّرا، ما حكم صلاته ؟


ج:
أوّلاً يَنْبَنِي على الخلاف السابق:
فعلى رأي مَن يَقول: " إنه يَصفّ منفرِدا خلْف الإمام وأنّ ذلك جائز له " فإنّ مَن دَخَلَ يَصفّ معه، لأنّ ذلك الأمر الذي فَعَلَه صحيح لا غبار عليه وصلاتُه صحيحة وعلى هذا فإنّ مَن دَخَلَ يَصفّ معه.
وأما على رأي مَن يقول بِخلاف ذلك وهو: " أنه لابد مِن أن يَجُرَّ شخصا مِن الصفّ المتأخِّر ويَصف هو وذلك الشخص خلْف الإمام مباشَرة " فلم يَجُرَّ بل صَفَّ منفرِدا فإنّ صلاتَه-مع هذه الطائفة-باطلة وعليه لا يَصحّ لأحد أن يَصفّ معه اللهم إلا إذا بيَّن له بأنّ ذلك لا يَصح وشَرَعَا في الصلاة مِن جديد .. أي أَلْغَى ما فَعَلَه مِن قبل إذ لا قيمة له وابتدأَ الصلاة مع مَن دَخَل فإنّ صلاتَهما صحيحة.
هذا ومِن الجدير بِالذِّكْر أنّ بعضَ الذين قالوا: " إنه يَصفّ خلْف الإمام منفرِدا " في هذه الحالة قالوا: " إنه يَتقدَّم حتى يَلتصِق بِالصفوف وعندما يُريد أن يَركع أو يَسجد يَتَأخّر فإذا انتهى مِن الركوع والسجود تَقدَّم "، وهذا القول قولٌ ضعيف، لأنه يَقتضي هذه الحركة التي لا دليل عليها، فإذن إما الأخذ بِرأي مَن يَقول: " إنه يَصفّ منفرِدا خلْف الإمام وأنّ ذلك جائز له " أو الأخذ بِرأي مَن يقول بالـجَر وهو وإن كان لا يَصح الحديثُ الذي وَرَدَ على مشروعيته-أي مشروعية الـجَر-فإنّ الذين قالوا بِذلك تَأَيَّدوا على ذلك بِأنّ هذه الحالة حالة ضرورة والإنسان منهي عن أن يَنفرِد في صَفٍّ دون غيْره فأجازوا له أن يَجُر لأجل هذه الضرورة وإن كان الحديث لا يَصح، فإذا أَخَذَ بِالـجَر فهو قول كثيرٍ مِن أهل العلم وله أيضا وجه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
ذكرتُم بِأنه عندما يَجُرّ رَجُلاً يَذهب به مباشَرة خلْف الإمام .. الكثير مِن الناس لا يَصنَعون هذا إنما يَجُرُّونَه في نفس المكان الذي يَخرُج منه ثم يَصفُّون معه، في هذه الحالة ما الحكم ؟


ج:
لا .. هذا لا يَصح، فصلاةُ هؤلاء ليستْ بِصحيحة.


س:
حتى ولو كان المسجد كبيرا ؟


ج:
لا يَلزَم أن يَجُرَّ مِن طرف الصفّ بل يَجُر مِن موضعٍ آخر لكن ليس مِن خلْف الإمام مباشَرة ويَصُفّ معه خلْف الإمام، فلا يَحتاج إلى قَطْعِ مسافةٍ طويلة وبعدَ ذلك الصف يَلتحِم، وهذه المحذورات-وهي الـجَرّ والتّأخّر وقطْع مسافة-راعاها مَن قال بِأنّ لِلإنسان أن يُنشِئ صفًّا جديدا خلْف الإمام ما دام ليس هنالك دليل يَدلّ على مشروعية الـجَر مع ما يَترتّب عليه مِن مفاسد.


س:
معنى ذلك أنه يُنشِئُ صفًّا جديدا خلْف الإمام منفرِدا ؟


ج:
هذا رأي طائفة كبيرة مِن أهل العلم.

(ثانيا : أحكام صلاة السفر )

س:
ما حكم صلاة السفر، هل هي عزيمة أم هي رخصة؟


الجواب:-
قد اختلف العلماء في حكم صلاة السفر؛
ذهبت طائفة كبيرة من أهل العلم إلى أنّ القَصر واجب في السفر ولا يجوز لأحد أن يتركه إلا إذا صلى خلف إمام مقيم فإنه في هذه الحالة عليه أن يُكمل الصلاة لضرورة متابعة الإمام؛ كما هو مذهب جمهور الأمة؛ خلافا لمن شذّ وزعم أنّ المسافر يصلي خلف الإمام المقيم ركعتين ليس إلا، وهذا قول ضعيف جدا مخالف للسنّة الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ثبوتا أوضح من شمس الظهيرة، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنّ هذا الكلام مسبوق بإجماع الأمّة الإسلامية؛ أما إذا صلى بمفرده أو صلى خلف إمام مسافر فإنّ عليه أن يقصُر الصلاة، وهذا القول مروي عن طائفة كبيرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد روي عن عمر بن الخطاب الخليفة الراشد رضي الله-تعالى-عنه، وروي عن عليّ بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله، بلْ حكاه غير واحد من أهل العلم عن اتفاق صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ وما روي عن عائشة وعثمان من أنهما قد أتما فقد حمَلت هذه الطائفة ذلك منهما على التأويل، وإلا فإنّ مذهبهما كغيرهما من صحابة رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-هو الوجوب، وقد قال بذلك الحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والسُّدِّي، وذهب إليه-أيضا-عمر بن عبد العزيز رضي الله-تعالى-عنه، وهو مذهب الأوزاعي والثوري، وهو رواية عن الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد، ورواية عن إسحاق، وقال به ابن القاسم وابن حزم، وهو مذهب الحنفية والهادوية، وذهب إليه-أيضا-ابن القيّم وطائفة كبيرة من العلماء من المتأخرين كالمَقْبِلِي والشوكاني وصِديق خان وغيرهم، وهذا هو مذهب أصحابنا-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-قاطبة؛ بينما ذهبت طائفة من أهل العلم إلى القول بالجواز،
واختلفوا في الأفضل، منهم من ذهب إلى تفضيل القصر، ومنهم من ذهب إلى تفضيل الإتمام، ومنهم من لم يذكر تفضيلا لأحدهما على الآخر،
وذكر بعض العلماء أنّ الإتمام واجب وأنّ القصر رخصة، بينما يعبِّر بعض العلماء بجواز الأمرين، ولا إشكال في هذين التعبيرين، لأنّ من قال بالجواز لا يريد بالجواز هاهنا أنه يجوز لأحد أن يترك القصر والإتمام، وإنما معنى ذلك أنه يجوز للإنسان أن يأخذ بهذا ويجوز له أن يأخذ بهذا، ومن عبَّر بوجوب الإتمام وجواز القصر فإنه أراد أنّ الإنسان يجوز له أن يترك القصر ولا يجوز له أن يترك الإتمام إلا إذا قصَر، وهذا التعبير وإن كان فيه ما فيه فلا بأس به ولكنّ الأولى أن يقال بجواز الأمرين ويُعنى بذلك أنه لابد من الإتيان بواحد منهما؛ والقول الأول وهو أنّ القصر واجب في السفر هو القول الصحيح؛ وذلك لأنه يجب على الإنسان إذا وجد خلافا بين أهل العلم أن ينظر إلى الأدلة من كتاب الله-تبارك تعالى-ومن سنّة رسوله-صلوات الله وسلامه عليه-إذ هما الفيصل في مثل هذه المسائل، ونحن إذا رجعنا إلى سنّة رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإننا نجد السنّة الفعلية والسنّة القولية تدلان دلالة لا غموض فيها على وجوب القصر في السفر، فالرسول-صلوات الله وسلامه عليه-قد قصَر في جميع أسفاره ولم يثبت أنه أتمّ في صلاة من صلواته في السفر البتّة، ومن روى عنه أنه قد أتم فقد أخطأ، وقد روى عنه القصر طائفة كبيرة من صحابته رضوان الله-تعالى-عليهم، ولا أرى أن أطيل المقام بذكر تلك الروايات مع الكلام على الصحيح والضعيف منها، إذ إنّ ذلك من الشهرة بمكان ولا عبرة بالضعيف-كما هو المعلوم-إلا إذا كان مما يمكن أن يرتقي بغيره من الروايات الثابتة، وعلى كل حال ففي الصحيح الثابت عنهم-رضوان الله تعالى عليهم-ما يغني عن الضعيف، وقد نصّت طائفة كبيرة من أهل العلم على أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قد لازم القصر(1) في جميع أسفاره، وممن ذكر ذلك ابن رشد، وذكره-أيضا-الجصاص وابن قدامة وابن القيّم وقبله شيخه ابن تيمية، وذكره كذلك المَقْبِلِي والشوكاني وجماعة كبيرة، وذكره من علمائنا الإمام السالمي والشيخ الجيطالي وآخرون، وفي هذا ما يدل دلالة واضحة على الوجوب، وإلا لو كان الأمر يقتضي الجواز لترك القَصر-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولو مرة واحدة ليبيِّن لأصحابه أنّ ذلك ليس على الوجوب، أو لأفصح عن ذلك بلسانه، أما أنه قد لازم القصر ولم يذكر بأنّ ذلك ليس على الوجوب فلا يمكن أن يقال: إنّ ذلك لا يدل على الوجوب وإنما هو على الجواز فقط؛ أما الروايات التي تدل من جهة القول على الوجوب فهي كثيرة، من ذلك
ما جاء عن السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-أنها قالت: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأُقِرَّت في السفر وزيد في صلاة الحضر " وله ألفاظ متعيّنة، ومثله حكمه الرفع، وهذا الحديث رواه الإمام الربيع-رحمه الله-ورواه الإمام مالك والبخاري ومسلم والنسائي وأبو داوود والدارمي والطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والطحاوي وابن حزم وآخرون، وقد اعتُرِض عليه باعتراضات ولكنها واهية وقد أجبنا عليها وأجاب عليها غيرنا ولا حاجة للإطالة بذلك فمن شاء ذلك فليرجع إليه في موضعه فإنه سيجد بمشيئة الله-تبارك وتعالى-أنّ تلك الاعتراضات لا تسمن ولا تغني من جوع؛
ومن ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله-تعالى-عنهما أنه قال: " فرض الله الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين " والحديث رواه مسلم وأبو عوانة والنسائي وأبو داوود وابن ماجة وأحمد وابن خزيمة وابن حبان وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن حزم والبيهقي والطحاوي والشافعي في " السنن المأثورة "، وروته جماعة كبيرة، ولا يمكن أن يُعترَض عليه بأنه من كلام ابن عباس رضي الله-تعالى-عنه، إذ إنّ مثل ذلك لا يمكن إلا أن يكون بتوقيف من النبي صلوات الله عليه وسلامه، إذ مثل ذلك لا يمكن أن يقال بالرأي، كما أنه لا يمكن أن يُعترَض عليه بأنه مخالف لحديث السيدة عائشة رضي الله-تعالى-عنها، لأنّ حديث ابن عباس-رضوان الله تعالى عليه-يدل على ما استقر عليه الأمر بينما حديث عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-فيه بيان كيفية افتراض الصلاة في أول الأمر .. كذلك لا يمكن أن يعترض عليه بأنه قد جاء في نهايته: " وفي الخوف ركعة " لأنّ هذه الزيادة شاذّة على التحقيق، وذكرتُ سابقا في غير هذه الليلة بأنه يمكن أن ترِد لفظة أو جملة شاذة في حديث بينما ذلك الحديث بكامله يكون صحيحا، ولذلك أمثلة متعدِّدة؛
ومن ذلك حديث عمر-رضي الله تعالى عنه-أنه قال: " صلاة السفر ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر " ذكر فيه بأنّ صلاة السفر ركعتان وهي ليست بقصر، ثم قال: " على لسان محمد " صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا الحديث روته طائفة كبيرة من أئمة الحديث، فقد رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وابن حبان وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبزار والطحاوي والبيهقي، ورواه كذلك أبو نُعَيْم، وروته طائفة إلا أنّ بعض العلماء قد أعلّه بالانقطاع، لأنه من طريق ابن أبي ليلى وهو لم يسمع من عمر بن الخطاب على رأي طائفة، ولكنّ طائفة من أهل العلم قد نصت على أنه سمع منه، وجاء في رواية عند النسائي في " الكبرى " وعند ابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي بأنّ عبد الرحمن قد رواه من طريق كعب بن عُجْرَة، وجاء عند الطحاوي بأنه رواه عن الثقة عن عمر رضي الله-تعالى-عنه، ولا إشكال في ذلك فعلى تقدير أنّ عبد الرحمن قد سمع من عمر-رضي الله تعالى عنهما-فيمكن أنه سمعه مرة منه وسمعه مرة عن الثقة الذي هو ابن عُجْرَة، فرواه مرة عن عمر مباشرة ورواه مرة عنه بالواسطة، وعلى تقدير عدم سماعه من عمر-رضي الله تعالى عنه-فإنه قد ذكر الواسطة عنه وكذلك الرواية التي فيها بأنه سمعه من الثقة فقد صرح بالثقة في رواية أخرى.
نعم، كنا نتكلم على حديث عمر رضي الله-تبارك وتعالى-عنه، وقلنا: إنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى رواه في رواية عن عمر-رضي الله تعالى عنه-مباشرة ورواه في رواية عنه بواسطة كعب بن عجرة وفي رواية عن الثقة والظاهر أنه كعب، وقلتُ: بأنه يمكن أن يكون قد سمعه من عمر على رأي طائفة كبيرة من أهل العلم، وهذا هو الذي يؤخذ من كلام الذهبي وقبْلَه من كلام أبي نُعَيْم، وكذلك ذهبت إليه طائفة من المتقدمين وإن كان كثير من العلماء على خلاف ذلك، وإذا قلنا بهذا الرأي-وهو الذي يظهر-فلا إشكال في الأمر، وإذا قلنا بأنه لم يَسمع منه فقد بيَّن الواسطة الذي سمعه منه، ولا إشكال في ذلك على الرأي الأول، فإنه يمكن-كما قلتُ-أن يكون مرة يُحدِّث عن الأصل ومرة يحدث عن الفرع على أنه على تقدير عدم ثبوت الرواية الثانية فإنها تكون من باب المزيد في متصل الأسانيد، فيكون الراوي قد أخطأ في ذكره لكعب، وعلى كل حال ليس هذا الموضع يكفي لتحقيق الكلام على هذا الحديث، وقد ذكرنا ذلك في موضعه؛
ومن ذلك-أيضا-حديث عمر-رضي الله تعالى عنه-أنه قال له الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في حديث شهير عن القصر: ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) فقوله: ( فاقبلوا صدقته ) حديث يدل على الوجوب، إذ إنّ أمر رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يدل على الوجوب، لأدلة متعددة، وهو الذي ذهب إليه الجمهور، وهذا الحديث-أيضا-رواه الإمام مسلم، ورواه النسائي وأبو داوود والدارمي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وأحمد وعبد الرزاق وابن الجارود، ورواه كذلك-أيضا-ابن جرير، ورواه البيهقي، ورواه النحاس في " الناسخ والمنسوخ " وأبو نُعَيْم وطائفة كبيرة من أئمة الحديث؛ ومن الأدلة على ذلك-أيضا-أنّ رجلا قال لابن عمر رضي الله-تعالى-عنه: " يا أبا عبد الرحمن إنا نجد في القرآن صلاة الحضر وصلاة الخوف ولا نجد صلاة السفر ؟ " فقال: " يا هذا-كما هو في رواية-إنّ الله قد بعث إلينا محمدا ولا نعلم شيئا فإنما نفعل ما رأيناه يفعل " وقد جاء بغير هذا اللفظ، وقد رواه الربيع رحمه الله، ورواه مالك وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وهو حديث صحيح، فهذا-أيضا-يؤخذ منه الوجوب؛
وهنالك أدلة أخرى لا داعي للإطالة بها، فهذه الأحاديث وغيرها كثير تدل دلالة واضحة على الوجوب، ولم يُجِب عنها أحد إلا باعتراضات أوهى من نسج العنكبوت، وقد ذكرناها مشفوعة بأجوبتها في غير ما كتاب فمن شاء ذلك فليرجع إلى " الرأي المعتبر " وإن كان مختصرا بالنسبة إلى أصله؛ وأما الذين قالوا بعدم الوجوب فإنهم استندوا إلى الآية القرآنية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَة} [ سورة النساء، من الآية: 101 ]، ولا دلالة في الآية، لأنها على رأي كثير من أهل العلم ليست في صلاة السفر، وإنما هي في صلاة الخوف، وهو الذي يؤخذ من قول ابن عمر وسائِله: " إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف " هكذا قال السائل وأقره ابن عمر .. قال السائل: " نجد ذلك في القرآن ولا نجد صلاة السفر " وأقره على ذلك ابن عمر، وهذا الرأي هو الذي رجحه ابن جرير، فإذن الآية لم تتعرض لقصر السفر رأسا، وعلى تقدير أنها في قصر السفر-كما هو رأي جماعة-أو في القصرين معا فإنّ نفي الجناح لا يؤخذ منه عدم الوجوب، إذ إنه تارة يدل على هذا وتارة يدل على ذاك، ومثل هذه الآية ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، فإنه-أيضا-نُفِيَ الجناح مع أنّ الصحيح الراجح أنّ السعي بين الصفا والمروة واجب، والأدلة التي ذكرناها من السنّة تدل على أنّ نفي الجناح لا يراد به هاهنا نفي الوجوب؛ واستدلوا-أيضا-برواية أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان يقصر في السفر ويتم،



وهذه الرواية ليست بشيء، لأنها من طريق السيدة عائشة رواها عنها عطاء بن أبي رباح وروايته لا تصح من طريق السيدة عائشة رضي الله-تعالى-عنها، كما ذكر ذلك غير واحد من أئمة التحقيق، وقد جاء عنه من أربع طرق إحداها من طريق ابن وثاب وهو مجهول، والثانية من طريق المغيرة بن زياد وهو ضعيف، والثالثة من طريق طلحة بن عمرو وهو ضعيف، وجاء-أيضا-من طريق رابعة ولكنها-أيضا-ضعيفة، فهذا الحديث لا يُعتمد عليه، وكذلك ما جاء من أنه أقر السيدة عائشة على الإتمام ليس بشيء، لأنّ في إسناده راويا ضعيفا وهو العلاء بن عبد الرحمن، ثم إنّ السيدة عائشة لم تكن معه في سفر فتح مكة فكيف يقال بأنها أتمّت بخلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهي لم تكن مسافرة معه في ذلك السفر ؟! وكذلك ما جاء أنّ الصحابة كانوا يسافرون مع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وكان منهم من يصوم ومنهم من يفطر .. منهم الصائم ومنهم المفطر ومنهم الذي يقصر ومنهم الذي يكمل الصلاة، هذا معناه .. هذا الحديث رواه البيهقي وليس بشيء، لأنه من طريق زيد العَمِّي ولا يؤخذ بروايته، والراوي عنه ضعيف-أيضا-فمثله لا يُفرَح به، وكذلك ما جاء أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أتم في الخوف، فهذه الرواية مُقتَطَعة من رواية أخرى، فالصحيح أنه صلى ركعتين ثم سلم ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين فكان متنفلا؛ فهذه أقوى ما استند إليه القائلون بالجواز وهي كما ترون لا تَثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وإذا كان الأمر كذلك فإنّ القول بالوجوب هو القول الراجح، فلا ينبغي لأحد أن يتركه، ثم-كما ذكرتُ هو مذهب أكثر الصحابة، بل مذهب الصحابة قاطبة على رأي أكثرهم، وهو الذي ذهب إليه التابعون ومن تبعهم بإحسان أو أكثرهم، ولذلك قال الترمذي: " العمل على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر " ونسبه البغوي إلى أكثر العلماء، ونسبه الخطابي إلى أكثر أهل العلم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.

س:
ما حكم من كان يُتمّ في السفر مستنِدا في ذلك إلى قول أحد مشائخه الذين يثق فيهم وهو أنهم يقولون: " من كان يملك مسكنا في السفر وكان يطيل المكث فيه فعليه الإتمام ولو لم ينو الاستقرار فيه " ثم تبيّن له بعد ذلك أنّ الراجح هو ما ذهبتم إليه ؟ وهل يجب عليه قضاء الصلوات التي صلاّها تماما عملا بقول شيخه ؟ وما حكم هذا الشخص إن كان يصلي بالناس في تلك الفترة ؟


الجواب :
نعم، الصحيح هو وجوب القصر كما ذكرنا , إلا أنّ المسألة ليست فيها أدلة قاطعة، فالمسألة لا تخرج عن دائرة الظن، وإن كان الصحيح الذي تدل له السنّة هو ما ذكرناه، وإذا كان الإنسان يأخذ من قبلُ برأي من آراء أهل العلم ويظن أنّ ذلك الرأي هو الصواب فإننا لا نقوى على أن نُلزمه البدل، لأنّ هذه المسألة-كما قلتُ-لا تخرج عن دائرة الظن، أما إذا كان ذلك الرجل الذي يَستند إلى كلامه ليس من أهل العلم وإنما يتظاهر بالعلم وليس الأمر كذلك فهذا الشخص قد قصّر في حقيقة الواقع في طلب الحق ولم يطلب ذلك من أهله فعليه أن يتوب إلى الله وأن يعيد تلك الصلوات التي أتمها وهو مسافر، ثم إنّ العلماء-كما قلتُ-منهم من يقول بوجوب القصر، ومنهم من يقول بالتخيير ولكن لمدة معيّنة، ومنهم من يقول-أيضا-بالجواز مهما مكث الإنسان من السفر، أما أن يقصُر الإنسان في مكان وهو لم يستقر فيه وإنما لأنه بنى فيه بيتا أو ما شابه ذلك فهذا أمر عجيب، فهو لم ينو الاستيطان، فلا أدري هذا الشيخ الذي يذكره هل يأخذ برأي من يقول بالوجوب وأنّ الإنسان لابد من أن يقصر مهما مكث من الزمن إلا أنه يجهل تطبيق ذلك على هذه القضية ولذلك أفتى بأنّ من مكث في مكان وهو لم ينو الاستقرار لكونه قد ملك بيتا أو ما شابه ذلك، فإن كان الأمر كذلك فهذا خطأ في حقيقة الواقع وعليه أن يتوب إلى الله، وعلى ذلك الذي أخذ برأيه أن يتوب إلى الله-تبارك وتعالى-وأن يعيد تلك الصلوات، أما إذا كان ذلك الشيخ يأخذ برأي من يقول بالجواز إما اجتهادا وإما تقليدا لمن يقول بذلك ويظن أنّ ذلك هو الصحيح وأفتى من أفتاه بذلك فلا نقوى على أن نلزمه الإعادة، بل نأمره بتطبيق الصواب في المستقبل؛ والله أعلم.




س:
كانوا مسافرين مع جماعة وأثناء الوضوء دخلت فرقة منهم في المسجد فوجدت جماعة تصلي، في هذه الحالة هل يدخلون فيصلون معهم أم ينتظرون أصحابهم ليصلوا جمعا ؟ ثم إنّ الذين دخلوا إلى المسجد لا يدرون عن تلك الجماعة هل تصلي قصرا أم تصلي وطنا.



الجواب :
أما إذا كانت تلك الجماعة تصلي تلك الصلاة التي تريد هذه الجماعة أن تقوم بأدائها فإنّ عليهم أن يدخلوا معهم وليس لهم أن ينتظروا أصحابهم، فإن جاء أصحابهم وأمكنهم أن يدخلوا في تلك الجماعة فعليهم-أيضا-أن يدخلوا فيها، وإن لم يتمكّنوا من ذلك فبإمكانهم أن يقيموا جماعة أخرى، لأنهم لم يريدوا معارضة الجماعة الأولى أو ما شابه ذلك وإنما تأخروا لسبب من الأسباب، بل لو تأخروا من قبلُ وفرَّطوا في ذلك فإنّ عليهم أن يتوبوا إلى الله وأن يقيموا صلاة الجماعة، لا كما قال بعضهم أنه ليس لهم أن يقيموا جماعة ثانية، هذا إذا كانت تلك الصلاة هي الصلاة (2) التي تريد تلك الجماعة أن تقوم بأدائها وذلك تارة يكون واضحا جليا وتارة يُفهم بالقرائن وتارة لا يمكن الإنسان أن يفهم ذلك، فإذا كان الوقت وقت تلك الصلاة .. مثلا كان ذلك الوقت وقت صلاة العصر فالظاهر أنّ تلك الجماعة تصلي العصر وعليه هؤلاء إما أن يصلوا معهم نافلة، وهذا هو الأفضل، لأمر النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بذلك، بل لا ينبغي لهم أن يتأخروا إلا إذا كانت تلك الجماعة ليست الجماعة الأصلية بل كانت جماعة ثانية أو ثالثة فإنّ ذلك لا يدخل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إلا إذا صلوا معهم تحيّة المسجد، فإنّ من دخل المسجد يؤمر بتأدية ركعتي تحية المسجد قبل أن يجلس إلا إذا أراد أن يصلي الفريضة ففي هذه الحالة بإمكانهم أن ينتظروا أصحابهم ويقوموا بتأدية تلك الصلاة معهم؛ والله أعلم.



س:
من يسافر من بلده إلى بلد آخر وبعد فترة يترك السفر فيصلي إتماما ظنا منه أنّ بلاد المسلمين تعتبر وطنا له أينما حلَّ فيها، فهل يصح هذا ؟


الجواب :
هذا الشخص قد أخطأ الصواب فبلاد المسلمين وإن كانت بمشيئة الله-تبارك وتعالى-واحدة ولكنّ ما نشاهده من حدود تفصل بين الدول، وفي كثير من الدول لابد من موافقة تلك الدولة على الدخول في الدولة الثانية ومن إقامة مدة معيّنة وإذا أراد أن يبقى مدة أخرى لابد من أن يطلب الإذن أو ما شابه ذلك ثم إنه قد يأتي لدراسة ويمكث كذا كذا سنة من السنوات أو يأتي لعمل وهو يقصد أن يبقى مدة معيّنة من الزمن فهذا في حقيقة الواقع لم يستقر في هذه البلاد التي ذهب إليها .. في أيّ بلاد من البلاد .. هو لم يستقر في تلك البلاد، وإنما جاء-كما قلتُ-لطلب علم أو طلب معيشة أو ما شابه ذلك من الأمور فهذا في واقع الأمر لا ينطبق عليه الاستقرار المعروف، فمن أراد أن يكمل الصلاة لابد من أن تكون نفسه قد اطمأنت في ذلك المكان وارتاح فيه وأراد أن يستقر فيه، أما أن يكون ارتاح لأهله أو ارتاح من أجل طلب المعاش أو ما شابه ذلك فهذه وإن كانت راحة نفسية ولكنها ليست هي الراحة أو ليس هو الاطمئنان الذي يوجب الإتمام في الصلاة، فالناس يجهلون بين الاطمئنان والاستقرار الذي يوجب الإتمام وبين الاستقرار والمودة مع أصحابهم وأصدقائهم وما شابه ذلك فهذا الأمر يختلف عن ذلك الأمر كما هو واضح جليّ لا يخفى، فالإنسان الذي استقر في ذلك المكان وأراد أن يعيش فيه وهو مطمئن فيه ويعرف بأنه لا يمكن أن يَخرج منه بأمر من دولة ولا بغير ذلك إلا إذا كان هنالك ظرف حادث أو ظرف سيطرأ له في المستقبل فإنّ الإنسان لا يدري ماذا سيأتي عليه في المستقبل، أما أن يكون يعرف في قرارة نفسه بأنه لن يبقى في هذا المكان فهذا يجادل ويماري بالباطل، وهو في حقيقة الواقع لا يكمل الصلاة إلا من أجل الحصول على دراهم معدودة ويُفرِّط في أمر دينه ويُؤثِّر على من يصلي خلفه، فعلى هؤلاء أن يعلموا ذلك يقينا وأنه لا يجوز لهم الإتمام بحال من الأحوال؛ هذا والله-تعالى-أعلم؛ وعلى كل حال، هذا لا يوجب تفريق المسلمين أو ما شابه ذلك .. كلاّ، فلا يمكن أن يُروَّج لذلك بمثل هذا الهراء التافه، فما يجمع بين المسلمين أكبر من هذا بكثير ولكن للصلاة من الأحكام ما لا يخفى مما لا يجوز لأحد أن يُفرِّط فيه. والله تعالى أعلم



س:
سائلة تسأل : في بعض الأحيان تكون في الدراسة والوقت يتأخر بها إلى الساعة الثانية، فهل تَجمع صلاة الظهر مع صلاة العصر جمعا صوريا ؟



الجواب :
على كل حال، وقت الظهر لا زال باقيا في الساعة الثانية بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك حتى قبيل وقت دخول العصر، لأنّ بمجرد خروج وقت الظهر يدخل وقت العصر، وهنالك وقت طويل بين هذا الوقت وبين دخول العصر، فبإمكانها أن تصلي في الثانية بل وفي الثانية والنصف الظهرَ، ولا زال الوقت.


س:
نريدكم أن تحدثونا عن تعريف الوطن الذي يستقر فيه الإنسان، كما نريدكم أن تعرِّفوا لنا كذلك معنى الاستقرار والاطمئنان بحيث إنّ الإنسان إذا اطمأن ووصل إلى الدرجة التي تحدِّثونا عنها-بعد قليل-يكون بذلك موطِّنا، كما-أيضا-نريدكم أن تحدِّثونا عن عدد الأوطان التي يجوز للإنسان أن يتخذها.


الجواب :
الإنسان لا يخلو من أحد أمرين اثنين، إما أن يكون مُوطِّنا في ذلك المكان الذي يصلي فيه أو يكون مسافرا فيه، فإن كان قد اتخذ ذلك المكان وطنا فإنه يجب عليه الإتمام، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يقصُر الصلاة فيه، أما إذا كان مسافرا فيه فإنه يجب عليه القصر على القول الراجح-كما قدمنا في الدرس الماضي-ولا يجوز له أن يصلي أربعا إلا في حالة واحدة فقط وهي ما إذا صلى خلف إمام مقيم فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يتابع إمامه، ولا يجوز له أن يصلي ركعتين ثم ينفرد عن الإمام؛ أما بالنسبة إلى الموضع الذي يجب على الإنسان أن يصلي فيه وطنا فهو المكان الذي أراد أن يستقر فيه وكان مطمئنا إلى العيش فيه يريد أن يسكن فيه مدى الحياة اللهم إلا إذا عرَض له عارض بعد ذلك فإنه إذا عرض له عارض في المستقبل فإنّ لكل حادثة حكما يخصها، أما هو في الأصل فإنه يريد أن يسكن في ذلك المكان ولابد من أن يكون مستقرا مطمئنا مرتاحا إليه، فإن كان مطمئنا مرتاحا ولكنه لا يريد أن يستقر فيه فهو في حالة الواقع مسافر، والمسافر لا يجوز له الإتمام كما ذكرنا، وإذا كان يريد أن يمكث فيه ولكنه لا يطمئن في ذلك المكان فكذلك في حقيقة الواقع هو مسافر، فإذن لابد من أن يريد أن يمكث في ذلك المكان بأن يستقر فيه ويكون مطمئنا مرتاحا إليه، أما إذا لم يرد الاستقرار أو يريد ولكنّ هنالك مانعا يمنعه من ذلك فلا، وقد ذكرنا في الدرس الماضي بأنّ أولئك الذين يذهبون من دولة إلى دولة أخرى من أجل التعليم أو من أجل العمل فإنه لا يمكنهم أن يصلوا تماما، ذلك لأنه وإن أحبوا ذلك المكان واطمأنت نفوسهم فيه ولكنهم يعلمون علم اليقين بأنهم لن يبقوا في هذا المكان وإنما سيستمرون فيه مدة محددة كأربع سنوات للدراسة أو يمكن-أيضا-أن يستمروا مدة أطول من ذلك إذا كانوا يعملون في ذلك .. في إمامة أو تعليم أو في أيّ عمل من الأعمال الأخرى ولكنهم متيقِّنون بأنهم لن يمكنهم أن يستقروا في ذلك، لأنّ أنظمة تلك الدولة التي يعملون فيها تمنعهم من الاستقرار فيها اللهم إلا إذا كانت تلك الدولة توافق لهم بأن يستقروا فيها على حسب شروط وهم سينفِّذون ذلك فذلك مجال آخر، أما إن كانوا لا ينوون الاستقرار أو أنّ أنظمة الدولة تمنعهم من ذلك-كما هو الواقع في غالب دول العالم-فلا يمكن أن يقال إنه يجوز لهم أن يكملوا الصلاة، سواء أرادوا الإمامة أو لم يريدوا ذلك، وكثير من الناس وللأسف الشديد يبحثون في الكتب عن قضية تعدد الأوطان ولكنهم لم يبحثوا قبل ذلك متى يجوز للإنسان أو يجب على الإنسان أن يتخذ وطنا ثانيا أو ثالثا أو رابعا أو أكثر من ذلك على رأي من يجيز ذلك، فإذن لابد من البحث في المسألتين .. في عدد الأوطان التي يجوز للإنسان أن يستقر فيها وأن يصلي فيها صلاة وطن، وما هي الأمور التي لابد من توافرها في ذلك الإنسان حتى يتخذ أكثر من وطن، أما عدد الأوطان فقد حدَّده بعض العلماء بأربعة أوطان، ونحن لا نستطيع أن نحدد ذلك بعدد معيّن وإنما نقول إنه يجوز للإنسان بل يجب عليه أن يصلي وطنا إذا استقر في مكان من الأمكنة أو في أكثر وأراد أن يعيش في تلك الأمكنة جميعا، أما إذا لم يُرد ذلك أو أنه أراد ولكنه يعلم أنه لن يُترك أو ما شابه ذلك فذلك مما لا يصح؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
لكن إذا أتينا إلى قضية الأوطان، متى يصح للإنسان أن يتخذ ذلك المكان وطنا، هل إذا امتلك فيه بيتا أو امتلك فيه مزرعة أم هناك شروط أخرى ؟



الجواب :
لا نستطيع أن نشترط شيئا من هذه الأمور، وإنما القضية هي استقرار النفس في ذلك المكان واطمئنانها إلى السكنى فيه، فبعض الناس قد يعيشون حياتهم من أولها إلى نهايتها وهم يستأجرون منزلا أو ما شابه ذلك، وبعض الناس يملكون منازل حتى في دول أخرى .. أي في غير تلك الدولة التي هم مواطنون فيها وهكذا، فإذن العبرة بالاستقرار والاطمئنان؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.



س:
وهل ما يقال من أنّ الإنسان إذا تزوج من منطقة تعدّ له وطنا ؟


الجواب:
الأصل أنّ المرأة تابعة لزوجها، فإذا تزوج إنسان امرأة هي تصير تابعة له بعد أن يقوم بنقلها، أما بمجرد العقد فلا، وإنما العبرة بدخوله بتلك المرأة أو بتبعية تلك المرأة له وإن لم يدخل بها، أما ما دامت مستقرة عند أهلها ولم يقم هو بنقلها .. كما هو العادة عند كثير من الناس أنّ الإنسان يعقد أوّلا على المرأة وتبقى هي في بيت أهلها ولا تكون تابعة له وإنما تتبعه بعد أن يقوم بنقلها أو ما شابه ذلك على اختلاف الناس فهي بعد ذلك تكون هي تابعة له، تصلي تماما في الموضع الذي يصلي هو فيه تماما، وتقصُر في الموضع الذي يقصُر فيه هو ولو كان ذلك في بيت أهلها الذي عاشت فيه من قبلِ أن يتزوجها هذا الشخص، أما أن يكون هو تابعا لها فلا .. نعم، إذا تزوج من منطقة وأراد أن يسكن في تلك المنطقة-سواء أراد أن يتحول من منطقته السابقة أو استقر في المكانين معا-ففي هذه الحالة يصلي تماما في الموضعين معا أو في ذلك الموضع لا بسبب زواجه من تلك المرأة وإنما بسبب أنه استقر في تلك المنطقة، فإذن ليست القضية قضية زواج من تلك المرأة، وإنما القضية استقراره واطمئنانه هو، وإلا فالمرأة هي التي تتبعه، فإذا قام بنقلها تصلي بصلاته وطنا أو قصرا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.



س:
وهل ما يقال-أيضا-من أنّ الإنسان إذا ولد في منطقة حتى ولو سافر منها بعد ذلك لا تزال وطنا له ؟


الجواب:
إذا كان يسكن في تلك المنطقة وفي المنطقة التي انتقل إليها-أيضا-أي تارة يسكن هنا وتارة يسكن هناك ويريد أن يعيش في المنطقتين معا فنعم، أما إذا كان ترك تلك المنطقة الأولى وإنما يذهب إليها لزيارة أهله وأقاربه فيمكث معهم يوما أو يومين أو أكثر من ذلك فهو مسافر في حقيقة الواقع في تلك المنطقة، فإذن ليست هنالك عبرة بالولادة في المنطقة الفلانية، ونحن نعرف أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قد وُلد بمكة المكرمة وعاش فيها ما يقارب أربعين عاما قبل نبوته ثم مكث فيها ثلاثة عشر عاما بعد رسالته وفُرضت عليه الصلاة بمكة المكرمة ثم هاجر-صلوات الله وسلامه عليه-وهكذا بالنسبة إلى أصحابه المهاجرين رضي الله-تعالى-عنهم .. هاجروا إلى المدينة وكانوا عندما يأتون إلى مكة المكرمة يقصُرون الصلاة فيها، وإنما يصلون في المدينة تماما، أو في مواضع أخرى بعد انتقال بعضهم من المدينة عندما استقروا في تلك المناطق، كما استقر بعضهم في الشام وبعضهم في الكوفة وبعضهم في البصرة، فإذن لا علاقة لموضع الولادة في الإتمام والقصر، فإذا انتقل الإنسان صار ذلك الموضع كغيره من المواضع التي يصلي فيها قصرا؛ والله أعلم.



س:
ذهب إلى مكان مجاور لبلده وشك هل ذلك المكان تعتبر مسافته وصلت حد السفر أم لا فبقي في الشك هل يصلي إتماما أم يصلي قصرا فصلى قصرا ؟


الجواب :
قد أخطأ في هذه القضية إذا كان اعتمد على هذا الشك فقط ولم يكن هنالك دليل آخر قد اعتمد عليه، إذ إنّ من شك في مكان هل هو من حدود الوطن أو لا فإنه ليس له أن يقصُر فيه بل يجب عليه أن يكمل الصلاة ثم إذا تبيّن له بعد ذلك بأنه خارج الوطن فإنّ عليه أن يعيد الصلاة، وإن تبيّن له بأنه في الوطن فلا إعادة عليه، أما أن يقصُر وهو لم يقم عليه الدليل بأنه خرج من وطنه فلا، إذ الأصل الوطن ولا يَنتقِل عنه إلا بدليل؛ والله-تعالى-أعلم.




س:
على أية حال، نحن نريد أن تبيّنوا لنا المسافة التي إذا ما قطعها الإنسان يعتبر مسافرا ؟


الجواب:
هذه المسألة اختلف فيها العلماء اختلافا كثيرا جدا، وقد وصلت الأقوال في ذلك إلى ما يقرب من عشرين قولا، وأغلب تلك الأقوال قد انقرض القائلون بها، وإنما بقيت أقوال معدودة؛ والذي ذهب إليه أصحابنا-رضوان الله تعالى عليهم-أنّ مسافة القصر تُقدر بفرسخين، واعتمدوا في ذلك على قصر النبي-صلوات الله وسلامه عليه-بذي الحُلَيْفَة حيث إنه-صلوات الله وسلامه عليه-خرج من المدينة إلى ذي الحليفة وصلى بها ركعتين، ورأوا بأنّ الأحاديث التي اعتمد عليها القائلون بخلاف ذلك منها ما لا يَثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-لضعف أسانيدها، ومنها ما لا علاقة له بهذه القضية البتّة، كاستدلال بعضهم بقضية المسح على الخفين أو ما شابه ذلك، فإنّ تلك الأحاديث-أيضا-لا تَثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وعلى تقدير ثبوت بعضها عنه-مثلا-فإنها منسوخة، وعلى تقدير عدم نسخها-وهو بعيد جدا جدا ولكن على رأي من يقول بذلك-فإنّ تلك الأحاديث لا علاقة لها بهذه القضية، وإن كان قليل من الناس الذين احتجوا بمثل ذلك، ومنهم-وهم كثير-قد احتجوا من نهي المرأة عن السفر من غير ذي محرم .. نهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر يوما، وفي بعض الروايات: يوما وليلة، وفي بعضها: ثلاثة أيام .. منهم من استدل برواية الثلاث، ومنهم من استدل برواية اليوم والليلة، ولكنّ هذه الأحاديث لا علاقة لها بالموضوع إطلاقا، ثم إنّ الحديث قد ورد بألفاظ متعددة .. ورد بما ذكرناه من الألفاظ، وورد بيومين، وورد بالنهي عن السفر مسافة بَرِيد، وورد على الإطلاق، وهي الرواية التي ينبغي أن يُعتمد عليها، ولست الآن بصدد الإجابة عن تلك الروايات، لأنه أوّلا وقبل كل شيء يحتاج إلى إطالة وذلك مما لا يمكن أن نصير إليه الآن، وثانيا لأنّ هذه الأحاديث لا علاقة لها بالموضوع أصلا .. إذن ما ذهب إليه أصحابنا هو الذي تطمئن إليه النفس، فمن سافر هذه المسافة فإنه يقصر الصلاة، أما من سافر إلى مسافة أقرب من ذلك فليس له أن يقصر الصلاة اللهم إلا إذا أراد أن يتجاوز الفرسخين فإنّ كثرة كاثرة من أهل العلم قالوا إنّ من نوى أن يتجاوز الفرسخين فإنه يقصر الصلاة ولو لم يتجاوزهما، فهذا رأي كثير من أهل العلم بل هو رأي أكثرهم، وإن كانت هنالك طائفة من أهل العلم تقول بخلاف ذلك؛ والفرسخان قدَّرهما كثير من أهل العلم بما يقرب من اثني عشر بالكيلومترات وهي المقاييس العصرية، وإن كانت المسافة في حقيقة الواقع بين المدينة إلى ذي الحليفة لا تصل إلى ذلك ولكنّ ذلك قد اشتهر مع أهل العلم، ورأى المتأخرون أنّ ذلك يؤخذ به لأنه أحوط وأيضا فإننا لا نعلم الطريق التي سلكها-النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فلعله سلك طريقا تخالف هذه الطريق التي يسلكها الناس وهي تصل إلى المسافة المذكورة، فهذا الذي ذهبوا إليه، إذ إنهم لم يجدوا ما هو أقوى منه، بينما الأقوال الأخرى أدلتها من الضعف بمكان، لأنها-كما قلتُ-معتمِدة على أحاديث ضعيفة جدا أو ليست بمرفوعة وإما على أحاديث لا علاقة لها بالموضوع كالحديث الذي فيه النهي عن سفر المرأة من غير ذي محرم أو زوج؛ والله-تعالى-أعلم.


س:
بما أنكم ذكرتم هذه المسافة الآن وهي اثنا عشر كيلومترا تقريبا متى يبدأ الإنسان يحسب هذه المسافة ؟


الجواب:
هذه المسألة-أيضا-فيها خلاف بين أهل العلم؛ والذي ذهب إليه كثير منهم أنّ الإنسان إذا تعدى عمران البلد فإنه يبدأ الحساب؛ وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه يبدأ الحساب من المكان الذي استقر فيه؛ وهذا الرأي أفتى به الإمام الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-لأهل زنجبار عندما امتدت عندهم مسافة البناء، فعندما كانت البيوت متلاصقة ويصعب وجود فاصل بين تلك البيوت فإنّ الإمام-رحمه الله تبارك وتعالى-قد رأى أنه يمكن أن يُؤخذ بهذا الرأي، إذ إنّ الإنسان لا يمكن أن يكون مستقرا في هذه المسافة على طولها، وهو رأي حسن سائغ؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
عندما يجمع صلاة الظهر مع صلاة العصر يقول له البعض: " عليك أن تصلي السنّة " ويقول البعض: " لا، لا تصل السنّة، فذلك يكفيك "، فماذا تقولون ؟


الجواب :
إذا جمع الإنسان بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء فإنه لا يأتي بالسنّة الراتبة التي هي بعد الظهر وهكذا بالنسبة إلى السنّة الراتبة التي بعد المغرب وبالسنّة الراتبة التي بعد العشاء وإنما يأتي بصلاة الوتر، أما بالنسبة إلى السنن الرواتب فلا .. لا يُؤتى بها في حالة الجمع في السفر، وإنما اختلف العلماء في الإتيان بها في حالة الجمع في الوطن عند من يجيز ذلك في أوقات الحاجة؛ منهم من يقول إنه لا يؤتى بها، ومنهم من يقول إنه يؤتى بها، واختلفوا في موضع سنّة الظهر وفي موضع سنّة المغرب؛ والسؤال لم يُوجه عن هذا فلذلك لا أرى الإطالة بذلك؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
هو الآن يعمل في مسقط وكان يسكن عزبا مع بعض الإخوة من غير أن يحضر أهله واستمر على ذلك فترة والآن أحضر أهله معه-ويبدو أنه مستأجر-ولا يريد أن يستقر في مسقط وإنما ينوي أن يعود إلى بلاده في يوم من الأيام، فلو طال مكثه في العمل في مسقط هل يصلي إتماما أم قصرا ؟


الجواب :
إذا كان لا ينوي الاستقرار بمسقط-مثلا-إطلاقا فإنه مسافر كما قدمنا، أما إذا كان هنالك احتمال قوي .. يمكن أن يستقر في مسقط فإنه يصلي بها وطنا بما أنه قد أحضر أهله إلى هنا فإذن جوابه ما ذكرناه سابقا، فإن كان هنالك احتمال عنده للاستقرار هنا فإنه يصلي بها تماما وإلا فلا.


س:
حتى ولو استمر عمله عشرين سنة-مثلا-وهو في مسقط ؟


الجواب :
رخص بعض أهل العلم في أنه يصلي تماما إن كان هنالك احتمال، أما إن لم يكن هنالك احتمال فلا أرى ذلك في هذا الوقت، وإن كانت المسألة بحاجة إلى شيء من النظر لكن الأصل الأصيل هو ما ذكرناه.


س:
هل يجوز للمسلم في حال الجمع بين الصلاتين أن يتكلم بينهما بشيء من أمور الدنيا أو أن يأتي بالباقيات الصالحات ؟ وما هي الحكمة من تشدد بعض العلماء في ذلك ؟


الجواب :
الجمع هو ضم صلاة إلى أخرى، فإذا جمع الإنسان بين الظهر والعصر فإنه ضم بينهما .. ضم هذه إلى تلك، فالجمع هو ضم شيء إلى آخر، فلذلك تشدد بعض أهل العلم في ذلك، وجعلوهما بمثابة صلاة واحدة؛ ورأى بعض أهل العلم إلى أنّ من تكلم بين الصلاتين فإنّ ذلك لا يُؤثِّر على الجمع؛ وهذا القول هو القول الصحيح، الذي ذهب إليه الأكثرون من أصحابنا ولاسيما من المتقدمين ورجحه غير واحد من المحققين من المتأخرين، وكما قلتُ: هو القول الصحيح ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتكلم، إذ إنّ هذه المسألة فيها ما فيها من الخلاف، وأيضا كثير من أهل العلم قالوا: لا ينتقض الجمع إذا تكلم الإنسان لا أنه ينبغي للإنسان أن يتكلم، فإذن إذا وقع للإنسان شيء من ذلك فلا إعادة عليه، وجمعه صحيح، أما أن يتعمد ذلك فذلك مما لا ينبغي اللهم إلا إذا كانت هنالك ضرورة، كأن يسأل صاحبه: هل تريد أن تجمع ؟ حتى يقوم بالصلاة معه، أو يأمر الإمام شخصا بأن يتقدم أو يتأخر، أو يأمر بتسوية الصفوف، وما شابه ذلك من الأمور التي تقتضيها الضرورة. والله تعالى أعلم .


س:
متى يبدأ المسافر في القصر إذا كان قاصدا حد السفر، هل بخروجه من العمران أم بخروجه من المنزل أم بخروجه من حد السفر ؟


الجواب
أنا قلتُ: إنّ أهل العلم قد اختلفوا في هذه المسألة؛ منهم من يقول: إنّ الإنسان يقصُر الصلاة بمجرد خروجه من عمران بلده إذا كان ينوي أن يتجاوز الفرسخين؛ وهذا قول أكثر أصحابنا، بل حكى عليه بعض العلماء من السابقين اتفاق أهل العلم ولكنه لا اتفاق على ذلك كما ذكره غير واحد من أهل العلم، إذ إنّ الخلاف موجود منذ زمان، فقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنّ الإنسان لا يقصُر الصلاة إلا إذا تجاوز الفرسخين؛ فالقول الأول هو الذي ذهب إليه-كما قلتُ-الأكثر، فإن أخذ بذلك فلا بأس، والقول الثاني-أيضا-له حجته، والترجيح بينهما ليس بالأمر السهل، إذ إنه ليس هنالك نص صريح يمكن أن يُعتمد عليه إلا ما جاء من الأحاديث أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-كان إذا خرج من المدينة قصَر الصلاة، ولكنني لم أجد رواية صحيحة ثابتة يمكن الاعتماد عليها تدل على أنه قصَر قبل أن يتجاوز هذه المسافة، فالرأيان لهما من القوة ما لهما، والجمهور على القول الأول.


س:
كانوا عائدين من السفر ووقفوا عند مسجد هناك لكنهم لم يحصلوا على ماء فيه للوضوء، في هذه الحالة هل يتيمموا لأنّ المسجد الثاني سيدخل في الأميال في مسافة السفر ؟ في هذه الحالة هل يتيممون ويصلون هناك أم يذهبون ويدخلون في الأميال سواء كانوا يخافون الخروج من؟


الجواب :
أما إذا كان الوقت باقيا فلابد من أن يدخل إلى الوطن ويصلي هناك ولا عذر له في التيمم إطلاقا، فلم يُجِز أحد من العلماء له أن يفعل ذلك، والحجة واضحة نيّرة على أنه يجب عليه أن يتوضأ وأن يصلي بعد ذلك، أما إذا كان يخاف من أن يخرج عليه وقت الصلاة الأولى مثلا حيث إنه أخر الظهر فإذا دخل وطنه فإنه سيخرج الوقت فهذه المسألة يوجد فيها خلاف بين أهل العلم؛ والقول الصحيح الراجح أنه يدخل وطنه ويتوضأ ويصلي الظهر أربعا والعصر أربعا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم؛ ويكون هذا الجمع في الوطن لوجود الضرورة الماسة إلى ذلك، وينبغي للإنسان أن يَحذر في المستقبل من أن يؤخر الصلاة إلى مثل هذا الوقت فيكون قد أدخل نفسه بذلك في خلاف شهير بين أهل العلم، على أنّ كثيرا من الناس لا يعلمون أنّ الإنسان يجوز له أن يجمع في الوطن، بينما هو قول مشهور-كما قلتُ-ولكنه لا يصار إليه إلا في وقت الحاجة، ولا شك بأنّ هذا الوقت هو وقت الحاجة، إذ إنه لم يجد ماء؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
ما المقصود بالجمع الصوري ؟


الجواب:-
على كل حال، كثير من الناس يسمعون بالجمع الصوري ولا يعرفون معناه .. الجمع الصوري هو أن يؤخر الإنسان الصلاة الأولى إلى آخر وقتها بحيث إنه يأتي بها قبل انتهاء الوقت بوقت قصير حيث إنه عندما ينتهي من تلك الصلاة يخرج الوقت .. يأتي بالظهر مثلا قبل خمس دقائق أو ما يقرب من ذلك وبمجرد سلامه منها يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر ويصلي في ذلك الوقت العصر، وهكذا بالنسبة إلى المغرب يصليها قبل خروج وقتها بوقت يسير بحيث إنه عندما ينتهي منها يدخل وقت العِشاء ويصلي العِشاء بعد ذلك مباشرة، فهذا جمع في الصورة، فهو لم يصل الصلاتين في وقت إحداهما، وإنما صلى كل صلاة في وقتها، فهو جمع في الصورة، وليس جمعا حقيقيا .. هذا هو الجمع الصوري الذي قال به من قال من أهل العلم، وحملوا عليه-بعض أهل العلم-الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع في المدينة من غير سحاب ولا مطر ولا خوف ولا سفر .. جمع فيه بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء .. صلى الظهر أربعا والعصر أربعا وكذلك صلى المغرب ثلاثا والعشاء أربعا، لكنّ الصحيح أنّ هذا الحديث لا يُحمل على هذا المعنى، وإنما يُحمل على أنه جمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وهذا ليس بجمع صوري بل هو جمع حقيقي؛ والله-تعالى-أعلم.


س:
إذن في هذه الحالة إذا كان الطبيب يجري عملية والعملية يتطلب منها أن تمتد فترتها إلى أن يدخل في وقت العصر مثلا، في هذه الحالة هل يجمع ؟


الجواب :-
نعم له أن يؤخر الصلاة الأولى إلى الصلاة الثانية ويجمع بينهما .. يصلي الظهر أربعا والعصر أربعا .. طبعا إذا كان مقيما، ولكنّ هذا ليس بجمع صوري، بل هو حقيقي، فالجمع الصوري هو ما ذكرتُه سابقا.


س:
جمع حقيقي .. يعني أربع ركعات أربع ركعات ؟


الجواب:-
نعم .. الجمع الصوري كل صلاة تصلى في وقتها، أما هذا الجمع يُؤتى بالصلاتين معا في وقت واحد ويُصار إليه في مثل هذه الحالة وما شابهها من الأوقات، بل بعض العلماء يُرخِّص حتى أكثر من ذلك لكن بشرط ألاّ يفعله الإنسان إلا في الأوقات النادرة.


س:
هل للمرء أن يختار بنفسه حوزة معيّنة يعتبر حدودها وطنا له أم أنّ ذلك مشروط بأمور معيّنة ؟


الجواب:-
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم؛ ولكنّ الوطن-كما قلتُ-هو ما استقرت فيه النفس وارتاح إليه القلب، فإذا استقر الإنسان في مكان فهو المكان الذي يصلي فيه وطنا، أما أن يتخذ حوزة كبيرة وهو لم يستقر في تلك الحوزة مثلا ويصلي فيها وطنا فهذا الرأي مما لا أراه بل أرى أنه مخالف للدليل الصحيح؛ والله-تعالى-أعلم.


س:
إذا صلى المسافر صلاة الظهر قصرا وسوف يصل في وقت العصر إلى بلده، فهل يجوز له أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم ؟


الجواب:-
نعم، يجوز له ذلك، فإن شاء أن يجمع فليجمع، وإن شاء أن يصلي الظهر في وقتها فليصل وليؤخر العصر ويصليها بعد ذلك-إن شاء الله-في وطنه؛ والله أعلم.


س:
إنني أعيش في ولاية الرستاق ومكان ولادتي وادي بني خروص بولاية العوابي وعندما أذهب إلى زيارة الأهل والأقارب في وادي بني خروص أصلي تماما، فماذا عليّ، هل أصلي تماما أم أصلي قصرا ؟ أرجوا إفادتي أفادكم الله.


الجواب:-
قد قدمنا الجواب على مثل هذا، وقلنا: إنّ العبرة بالاستقرار والاطمئنان، فإن كان هذا الإنسان قد اتخذ ذلك الموضع وطنا نعم يصلي به وطنا، وأما إن كان لم يتخذ ذلك وطنا كما هو الظاهر من حاله وإنما يذهب لزيارة أهله وأقاربه فإنه لا يجوز له أن يصلي وطنا، بل يجب عليه أن يقصُر الصلاة إلا إذا صلى خلف إمام مقيم-كما قلنا-فإنه يكمل لضرورة متابعته، والظاهر من حال هذا السائل هو هذا الثاني؛ والله أعلم.


س:
نأتي الآن إلى ما يشيع على ألسنة بعض الناس يقول: " إنّ الوسائل الحديثة لم تترك في جسد الإنسان موضعا للتعب فيستطيع الإنسان أن يقطع المسافة التي حددها العلماء للسفر بسرعة وبدون تعب وبدون مشقة، فلماذا اللجوء إلى القصْر الآن ؟! "


الجواب:-
على كل حال، يقول الله تبارك وتعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم } [ سورة المائدة، من الآية: 3 ] فالله-تبارك وتعالى-عالم بما كان وبما سيكون، فهو عالم بوجود هذه الوسائل في هذا العصر .. أي بأنها ستوجد في هذا العصر ولم يُخبرنا في كتابه العزيز بأنّ الحكم سيتغيّر ولم يأت ذلك في سنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذن العبرة بما دل عليه الدليل وهو أنّ من سافر تلك المسافة فإنه يجب عليه أن يقصر الصلاة، وسواء كانت الوسيلة هي الطائرات أو السيارات أو ما هو أسرع من ذلك مما يمكن أن يوجَد في وقت من الأوقات القادمة، ونظرا لعدم وجود الوقت كما أشرتم فإنني أكتفي بذلك؛ والله-تعالى-أعلم.


س:
هناك بعض المساجد فيها قسم خاص بالنساء بعضها مفصول عن المسجد الأصل وبعضها ملتصق به .. إذا أرادت المرأة أن تصلّي بصلاة الإمام .. فإذا كان المسجد مفصولا أو المصلى مفصولا، هل لها أن تصلي بصلاة الإمام ؟


الجواب:-
هذه القضية لا يمكن أن نجيب عليها جوابا إجماليا، لأنّ ذلك يختلف من مسجد إلى مسجد، فإن كان هذا المسجد ملتصقا أو هذا المصلى ملتصقا بمصلى أو بمسجد الرجال فلا مانع من ذلك، أما إذا كان هنالك فاصل فلابد من النظر في ذلك الفاصل حتى يمكن أن نحكم عليه بما يستحقه من جواز أو منع؛ والله أعلم.


س:
هل هناك كيفية معيّنة-مثلا-يمكن أن تصوّرها لنا ؟


الجواب:-
الأوْلى أن ينظر الفقهاء في كل مسجد بذاته حتى يمكن الحكم على ذلك، لأننا قلنا إذا كان متصلا لا إشكال في ذلك، أما إذا كان منفصلا فيصعب على كثير من الناس التقدير.


س:
مسافر وَجَد الجماعة في صلاة العصر في الركعة الأخيرة فصلى هذه الركعة الأخيرة وحَمل الإمام على أنَّه يصلي ركعتين بِما أنَّه هو مسافر فقضى ركعتين ؟


الجواب:
لا يَخلو الأمر:
إما أن تكون هنالك قرينة تدُل على أن ذلك الإمام كان يصلي قَصْرا أو يصلي تَمَاما.
أو لا تكون هنالك قرينة تدُل على أحد الأمرين.
فإن كانت هنالك قرينة تدُل على أنه يقصر فليقصر هذا المصلي ثم ليسأل عنه هل أتَم ذلك الإمام أو قَصَر لأن تلك القرينة ليست بصريحة وإنَّما مجرد احتمال .. مُجرد إشارة:
فإن قيل له إن ذلك الإمام قد قصر فلا شيء عليه. وإن قيل له قد أتَم فلابد من الإعادة.
وإن لم يجد من يسأله فلابد من أن يعيد صلاته ركعتين لأن الله-تعالى-لا يُعبد بالشك فهو في ذمته تلك الصلاة .. مفترضة عليه فلابد من أن يَخرج من ذلك اليقين بيقين مساوٍ له.
وإن كانت هنالك قرينة تدل على أن ذلك الإمام قد صلى أربعا فكذلك يصلي هذا أربعا ثم ليسأل:
فإن قيل له صلى أربعا فلا إشكال.
وإن قيل له صلى ركعتين فليعد الصلاة .. يصليها ركعتين.
وإن لم يجد فليعد كما بينَّا. وإن لم تكن هنالك قرينة فليصل ركعتين:
فإن قيل له إن الإمام قد صَلَّى ركعتين فقد صَلَّى ركعتين ولا شيء عليه.
وإن قيل له صلى أربعا فليعد. وكذا إذا لَم يَجد من يسأله.
هذا إذا كان ذلك المصلي مسافرا، أما إذا كان مقيما فليصل أربعا:
فإن كان الإمام صلى أربعا فلا إشكال.
وإن كان الإمام صلى ركعتين أو لَم يَجد من يُبَيِّن له هل صلى ركعتين أو أربعا فهنا الإشكال يأتي مِن جهة كيفية القضاء لأنَّه إن صلى معه مثلا الركعة الرابعة فكيف يقضي ؟:
فإذا كان الإمام مقيما فيأتي أولا بالركعة الأولى وبعد ذلك يأتي بالثانية ثم الثالثة وهذا أمر واضح.
وإن كان ذلك الإمام مسافرا فإن تلك الركعة كانت في حق الإمام الثانية وهكذا في حق هذا المأموم الذي صلى بصلاته ومعنى ذلك أنه يصلي الثالثة ثم الرابعة ثم يرجع إلى الأولى. فإذن لابد مِن الإعادة.
والحاصل أنَّه إذا تَبَيَّن لَه أنَّه صَلَّى كَصَلاة إمَامه فلا شيء عليه وإن لَم يتَبَيَّن له الأمر أو علم أن الإمام كان يصلي على خلاف ما صلى هو فلابد من الإعادة على كل حال مِنَ الأحوال؛ والله المستعان.


س:
رجل مسافر وجد جماعة يصلون صلاة العصر ، وهذا الرجل لم يصل صلاة الظهر. فهل يجوز له أن يصلي معهم وينويها ظهرا ؟ وهل اتحاد صلاة المأموم وصلاة الإمام شرط لصحة الصلاة ؟


الجواب :-
لا ينبغي له أن يتعمد ذلك وأما إذا دخل معه وظن أنه يصلي الظهر فقد اختلف العلماء في صحة صلاته والقول بصحتها هو الظاهر عندي والله أعلم.


س:
رجل كان عائدا إلى بلدته من بلدة أخرى، وقد أراد أن يصلي صلاة الظهر والعصر " جمعا " ، فما هي أقرب مسافة يمكنه أن يصلي عندها قبل وصوله إلى بلدته ؟


الجواب:-
في ذلك خلاف بين العلماء قيل ليس له أن يقصر داخل الفرسخين وقيل له أن يقصر ما لم يدخل عمران بلده بشرط أن يكون قد صلى خارج الفرسخين قصراً أما إذا كان يقصر خارجهما فليس له القصر داخل الفرسخين وهذا هو المشهور والأول قول طائفة من أهل العلم وله وجه قوي في النظر والله أعلم



س:
مأموم يصلي المغرب والإمام يصلي العشاء وهو مسافر ودخل هذا المأموم يظن أن هذا الإمام يصلي المغرب ثم تبين له أن الإمام يصلي العشاء فالإمام يصلي ركعتين لأنه مسافر والمأموم يصلي ثلاثاً ماذا يفعل المأموم هل يقطع صلاته أم أنه يواصل ؟


الجواب :-
لأهل العلم في هذه المسألة خلاف منهم من يقول إذا تبين له أن الإمام يصلي صلاة تختلف عن الصلاة التي يصليها هو فإنه يقطع صلاته ويصلي من جديد تلك الصلاة التي يريد أن يؤديها في ذلك الوقت .
ومنهم من يقول يأتي بالركعة الثالثة للمغرب لأنه صلى مع الإمام ركعتين ولا يضره ذلك وإذا أخذ بهذا الرأي فلا بأس عليه .


س:
رجل دخل مع جماعة تصلي الظهر وهو مقيم، فإذا دخل بنية الأربع ركعات فهل يضره أن يكون الإمام مسافرا ؟


الجواب:-
هو لابد من أن يدخل بنية الأربع لأنه مقيم سواء كان الإمام مسافرا أو كان مقيما فعليه أن يدخل بنية صلاة المقيم أو بنية الأربع وهي هي، بعد ذلك إذا كان الإمام مقيما فلا إشكال في القضاء، وأما إذا كان الإمام مسافرا فإنه سيُكمل أوّلا الركعة الثالثة والرابعة ثم بعد ذلك سيقوم بقضاء ما فاته؛ والله-تعالى-ولي التوفيق.


س:
مسافر نوى الجمع بين الصلاتين وبعد أن فرغ من الصلاة الأولى لم يجمع الصلاة الثانية فهل هذه النية تؤثر على الصلاة الأولى ؟ وإن أراد الجمع بعد الانتهاء من الصلاة الأولى بدون أن ينوي نية من قبل الجمع فهل له ذلك ؟


الجواب :-
من نوى أن يجمع بين الصلاتين ثم عندما صلى الأولى ترك الجمع فلاشيء عليه وأما من أحرم على نية الإفراد ثم نوى بعد ذلك أن يجمع فقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس له أن يجمع ما دام أنه لم يعزم على الجمع عند الإحرام للصلاة الأولى وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه له أن يجمع إذا نوى الجمع من قبل أن يخرج من الصلاة الأولى
وذهب بعضهم إلى أن له أن يجمع ولو خرج من الصلاة الأولى ولا شك أن القول الأول هو الأحوط وأما إذا جئنا إلى الترجيح فان القول الثالث هو الذي يظهر لي وذلك لأدلة متعددة وأوضح تلك الأدلة أنه لم يأت أن الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه كان يأمر الناس بأن يجمعوا الصلاة الثانية إلى الأولى أو ينووا الجمع بين الصلاتين عندما كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه في مكة وفي عرفه ولذلك فالقول الثالث هو القول الراجح وإن كان القول الأول هو الأحوط ؛ لأن فيه خروجا من عهدة الخلاف والخروج من عهدة الخلاف إذا أمكن من غير أن ينوي المخالف أن يخالف سنة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وإنما مخافة أن تكون تلك السنة لم تثبت ولا شك أن هذا أسلم والله تعالى أعلم .


س:
جماعة تصلي صلاتين جمعا فدخل عليهم رجل هل يدخل معهم أم ينتظر فيتبين له ما هي الصلاة التي يصلونها ؟


الجواب :-
ما دام وجد الجماعة تصلي فليدخل معهم ثم بعد ذلك إذا تبين له أنهم يصلون صلاة مخالفة لصلاته هو فقد اختلف العلماء في وجوب الإعادة عليه .ذهبت طائفة من العلماء إلى أنه لا إعادة عليه ولو كانت تلك الصلاة مخالفة لصلاته هو , وذهبت طائفة أخرى إلى أن عليه الإعادة والقول بعدم الإعادة أقرب إلى الصواب والثاني أقرب إلى الاحتياط .


س:
رجل أراد الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء وبعد الانتهاء من الصلاة الأولى تذكر فريضة منسية فماذا يفعل ؟


الجواب:-
أما إن كان الجمع جمع تقديم فالأولى أن يأتي بالصلاة المنسية وأن يؤخر الصلاة الثانية إلى وقتها لكن إذا كان محتاجا للجمع مثلا يشق عليه أن يقف ليصلي الصلاة في وقتها لكونه مثلا كان راكبا مع بعض الناس ولا يمكن أن يقفوا في مكان آخر أو ما شابه ذلك فيأتي بالصلاة الثانية بعد أن يأتي بالصلاة المنسية وهكذا في حالة جمع التأخير يأتي أولا بالصلاة المنسية ثم يأتي بالصلاة التي يريد أن يجمعها مع الصلاة الأولى.


س:
جماعة مسافرة أرادت الجمع بين الظهر والعصر وبعدما انتهت من صلاة الظهر شرعت جماعة أخرى بالإقامة لصلاة الظهر ؟


الجواب:-
لأهل العلم خلاف وهو هل يصح للمسافر أن يؤخر الصلاة الثانية في الجمع إلى وقت أكثر من الوقت الذي تستغرقه الصلاة الثانية , بعض العلماء قال : إذا لم يدخل في الصلاة الثانية بمقدار ما يصلي تلك الصلاة فإن ذلك الجمع لا يصح , وبعض العلماء قال : يرخص له أن يتأخر وهذا القول لعله أقرب إلى الصواب فعليه ينبغي لهذه الجماعة أن تتأخر حتى تنتهي الجماعة التي تصلي الظهر ثم بإمكانهم أن يقوموا لصلاة العصر وذلك التأخير لا يضرهم بمشيئة الله سبحانه وتعالى . والله أعلم



الهامش :

1) قال الشيخ: " السفر " بدلا من " القصر " والظاهر أنه سبق لسان.

2) قال الشيخ: " القصر " بدلا من " السفر " والظاهر أنه سبق لسان.
3) قال الشيخ: " الجماعة هي الجماعة " بدلا من " الصلاة هي الصلاة " والظاهر أنه سبق لسان.


(ثالثا : أحكام صلاة الجمعة )

س:
صلاة الجمعة، ما هي شروط وجوبها ؟


الجواب:-
إنّ صلاة الجمعة واجبة مِن الواجبات التي افترضها الله-تبارك وتعالى-على عباده .. أمر بها في كتابه العزيز(1) وثبت وجوبها-أيضا-بنصّ السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ثبوتا أوضح مِن شمس الظهيرة، وقد اتّفقت كلمة الأمّة على ذلك.
وما جاء عن بعض أهل العلم مِن أنها سنّة أو ما شابه ذلك مِن الألفاظ فإنهم أرادوا به معنًى آخر، كما هو مبسوط في موضعه، ولستُ بِحاجة الآن إلى الإطالة بِذكر ذلك، وإنما أتكلم على شروط وجوبها كما جاء في السؤال:

1- فمِن جملة شروط وجوبها أنها لا تَجب إلا على الذكور، أما النساء فإنها لا تجب عليهن بِإجماع الأمّة كما يُفهَم مِن كلام بعضهم، وعلى تقدير أنّ هنالك مَن قال بِخلاف ذلك فإنّ ذلك مِمّا لا يُعتبَر به، فالمرأة لا تَجِب عليها الجمعة-أما إذا جاءت وصلّتْ الجمعة فإنّ صلاتها صحيحة بِمشيئة الله تبارك وتعالى-بل إنها لا تُسنّ في حقِّها-في حقيقة الواقع-إذا أردنا بالسنّة هاهنا أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قد أمرها بذلك بل يُسنّ في حقِّها أن تصلّي في بيتها كبقية الصلوات الأخرى، أما إذا أردنا بالسنّة أنه يَجوز لها وأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قد أباح لها فذلك مِمّا لا بأس مِن إطلاقه، فالسنّة بِمعنى الأمر لا تُؤمَر المرأة بذلك فإذا وُجِد في بعض الكتب بِأنّ المرأةَ لا يُسَنّ في حقِّها أن تصلّي الجمعة فإنّ هذه العبارة عبارةٌ صحيحة لا غبار عليها، وإذا وُجد في بعضها بأنّ ذلك جائزٌ في حقِّها فإنه-أيضا-لا غبار على ذلك، فهي تَجوز في حقِّها وتُجزيها عن صلاة الظهر ولكنّها لا تُسَنّ في حقِّها بِمعنى أنه لا يُندَب في حقِّها أن تَذهب إلى المسجد وأن تُؤَدِّيَ صلاةَ الجمعة هناك وإنما يُندَب في حقِّها أن تصلّي في بيتها وإن كانت صلاتُها مع الإمام تُجزيها عن صلاة الظهر.

2- ومِن ذلك الحرية، فالعبد لا تَجِب عليه صلاة الجمعة على أكثر قول أهل العلم.
ومنهم مَن ذهب إلى وجوبها عليه على الإطلاق، وهو قولٌ فيه مِن البُعد ما لا يَخفى.
ومنهم مَن فصَّل فقال: إن وافَق سَيِّدُه على أن يصلّيَ الجمعة فإنها تَجِب عليه وإن لم يُوافِق على ذلك فلا تَجب عليه، وهو قولٌ قوي له حظّ مِن النظر، فلا يَنبغي له أن يَتخلَّف عنها إذا أباح له سَيِّدُه ذلك.

3- ومِن ذلك البلوغ، فالصبي لا تَجب عليه الجمعة، بل ولا يَجب عليه شيءٌ مِن الواجبات، كما هو معلوم، بِنصّ حديثِ رَفْعِ القلم عن الثلاثة الذين معهم الصبي، وهو حديثٌ صحيح بِمجموع طرقه بل قوّى غيْر واحدٍ مِن أهل العلم بعضَ أفراد تلك الطرق، والأمّة متّفِقة على عدم وجوب الجمعة على الصبي-كما هو معلوم-ولكنه يُؤمَر بِإتيانها إذا بلغ سبع سنين.

4- ومِن ذلك العقل، فالمجنون لا تَجب عليه بل ليس لأحد أن يُبِيح له أن يَذهب إلى المسجد، لأنه سوف يُشَوِّشُ على المصلين كما هو معلوم مِن حال المجانين.

5- ومِن ذلك المسافر فالجمعة لا تَجب على المسافر، فهي واجبة على مَن كان مقيما في مكان، والعلماء قد اختلفوا في حال المسافر:
منهم مَن قال: إنها تَجِب عليه على الإطلاق.
ومنهم مَن قال: إنه إذا بقي في مكان للقيلولة فإنها تَجِب عليه أو كان مستقِرا في ذلك المكان استقرارا لا يَنوي به الإقامة.

ومنهم مَن قال: لا تَجب عليه مطلقا.
والقول بالوجوب مطلَقا ضعيف، والقول بوجوبها عليه إذا كان ماكثا في مكان ولا يَنوي الاستقرار فيه قولٌ قوي له وجهٌ مِن النظر وتُؤيِّده بعضُ الآثار فلا يَنبغي لِلمسافِر الذي مَكَثَ في مكان أن يَتخلَّف عنها، وقد كان الصحابة الذين يَأتون مِن أمكنة شاسعة إلى المدينة المنورة يُصلّون مع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وإن كنّا لا نَقوى على الجزم بِأنها كانت واجبةً في حقِّهم ولكننا نقول: إنّ هذه المسألة لا تَخلو مِن شيءٍ مِن الإشكال.
وإذا صلى هذا المسافر فإنّ صلاته تُجزيه عن الظهر، بِنصّ السنّة الصحيحة عن النبي  وباتّفاق الأمّة، وإنما الخلاف إذا لم يَأْتِها هل يَكون آثِما بِذلك أو لا ؟ ويَنبغي لِلإنسان أن يُخرِج نفسَه مِن الخلاف في مثل هذه القضايا التي اشتدّ فيها النزاع وليس فيها دليلٌ واضح، فمَن أدّاها فإنه قد أدّى الصلاة ولا إثم عليه بِاتّفاق بِخلاف مَن تَخلّف عنها.

6- ومِن ذلك أن يَسمَع نداءَها، فمَن كان بعيدا لا يَتمكّن مِن سماع النداء بِسبب بُعْدِهِ لا لِمانع مِن الموانع-كصَمَمٍ ونَحوه مِن الضوضاء ونَحو ذلك-فلا تَجِب عليه، أما مَن كان يَسمَع ذلك أو يَتمكّن أن يَسمَع ذلك لولا ذلك المانع الذي مَنَعَه مِن السماع فإنها تَجِب عليه وذلك يُقدَّر:

1- بِمسافة فرسخ.

2- بل ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنها تَجِب على مَن بيْنه وبيْن المسجد الذي تُقام فيه مسافةُ السفر وتُقدَّر بِذلك على مذهب هؤلاء العلماء بِفرسخيْن.
والقول الأول هو الأقرب، والثاني فيه سلامةٌ؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.

هذه أهم تلك الشروط (2).
ومِن ذلك شرطُ الإسلام ولكن هذا الشرط شرطُ صحّة، فهو شرطٌ في جميع العبادات، فالكافر لا تصحّ منه عبادة .. لا تصح منه الصلاة ولا الزكاة ولا الصيام ولا الحج وإن كان مخاطَبا بِها وعليه الإثم بِسبب تَرْكِها ويُعاقَب على ذلك يومَ القيامة، كما يَتّضِح ذلك مِن الأدلة التي تَدلّ على أنّ الكفارَ مُخاطَبون بِفروع الشريعة ولكنّ هذا الشرط-كما قلتُ-هو شرطٌ في جميع العبادات؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
بِالنسبة لِلمرأة قلتُم بِأنه يَصحّ لها أن تُصلِّي الجمعة ويُسقِط ذلك عنها الفرض، في حال نيتها تنويها فرضا
؟

الجواب:-
المرأة إذا خرجتْ مُحتشِمةً مُلتزِمةً بِشرْع الله-تبارك وتعالى-إلى المسجد فإنها تُجزِيها عن صلاة الجمعة(3) ، وبِمجرّد إرادة الدخول تُصبِح فريضةً عليها، لأنها تُجزِيها عن فريضة الظهر، وإلا لو كانت نَوَتْها سنّة أو نافلة أو ما شابه ذلك فهي لا تُجزِيها في حقيقة الواقع، فبِمجرّد إرادة الدخول تَنويها فريضة، لأنها تُسقِط عنها فريضةً أخرى وهي فريضة الظهر .. هذا ما يَتّضِح لي؛ والعلم عند الله.


س:
هناك بعضُ الذين ليس لديهم حظٌّ مِن المعرفة يَنوون صلاةَ الجمعة سنّة، فما حكم صلاتهم في هذه الحالة ؟


الجواب:-
إذا كانت النيةُ النيةَ المطلوبة وهي النية القلبية فلا تُجزِيهم، لأنّ صلاةَ الجمعة فريضة بِنصّ الكتاب(4) وصحيح السنّة، فمَن نوى ذلك بِقلبه لا يُجزيه، وأما إذا كان يَنوي صلاة الجمعة الواجبة ولكن تَلفّظ بِلسانه بِأنها سنّة فذلك مِمّا لا بأس به، لأنّ هذه الألفاظ لا عبرة بها .. النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات )، والنية-المقصودة أو-المطلوبة هاهنا هي القصد بالقلْب، أما تلك الألفاظ التي يأتي بها كثير مِن الناس فهي مِمّا لا دليلَ عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرام-رضي الله تعالى عنهم-لم يَكونوا يَأتون بِشيءٍ مِن هذه الألفاظ، فهذه الألفاظ مُحدَثة، ونحن وإن كنّا لا نقول بِحرمتها ولكننا نقول: إنه لا ينبغي الاشتغال بها بل ينبغي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولو كان في الإتيان بها خيْر لأتى بها النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولنا فيه الأسوة الحسنة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
جماعة مسافرة مرّت على مسجد في يوم الجمعة، هل يُصلّون الظهر أم الجمعة ؟


الجواب:-
المسافر لا تَجِب عليه الجمعة على الخلاف الذي ذكرناه والقول بعدم وجوبها عليه هو القول المشهور، وعليه فالذي ذهب إليه جمهور الأمّة أنّ المسافرين إذا مرّوا على مسجد فإنهم يُصلّون الظهر وليس لهم أن يُصلّوا الجمعة .. نعم إذا وَجَدوا هنالك جماعةً مُقِيمة فإنه يَنبغي لهم أن يُصلّوا معهم الجمعة بل ليس لهم أن يَتخلّفوا عنهم إذا دخلوا المسجد، أما أن يُقيموا هم الجمعة:

1- فليس لهم ذلك على مذهب الجمهور.

2- وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى مشروعية ذلك.
ولكنّ القول الصحيح هو الأول، فمَن صلاّها جمعةً في الماضي فإنه يُمكِن أن يُترخَّص له في عدم الإعادة، لأنه إما أن يَكون قَلَّدَ بعضَ أهل العلم الذين قالوا بِذلك والمسألةُ ظنية والمسائل الظنية لا يُمكِن أن يُعنَّفَ فيها أحدٌ إذا كان قاصِدا لِلصواب طالِبا لِلحق، وإما أن يَكونوا لم يَعلَموا بِقولِ أحدٍ ولكنّهم يَطلبون الحق ووافَقوا قولاً مِن أقوال أهل العلم فيُمكِن أن يُترخَّص لهم في الماضي، أما في المستقبَل فلا يَنبغي لهم أن يُقيموا الجمعةَ إلا إذا صلَّوْها مع جماعةٍ مُقِيمة، فإذا وَجَدوا طائفةً مِن الناس يُصلُّون الجمعةَ فيَنبغي لهم-كما قلنا ألاّ يَتخلَّفوا عنهم في ذلك.
وكثير مِن الناس يَسألون عن الطلبة الذين يَدرسون-أو يَعملون-في بعض الدول الكافرة، هل لهم أن يُصلُّوا الجمعة ؟ والجواب هو ما أشرنا إليه وهو أنه ليس لهم أن يُقِيموا هم الجمعة ولكن إذا وَجَدوا جماعةً تُصلِّي الجمعةَ فلْيُصلُّوا معهم ولو كانوا في غيْرِ بلاد الإسلام .. هذا هو القول الصحيح، وإن كان بعضُ العلماء يَقول بِخلاف ذلك؛ والعلم عند الله تعالى.


س:
المسافرون، هل لهم أن يَجمَعوا مع الجمعةِ العصرَ ؟


الجواب:-
في هذه المسألة خلاف بيْن أهل العلم:
ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنه ليس لِلمسافِر أن يَجمَع العصرَ مع صلاةِ الجمعة، وذلك لأنّ صلاةَ الجمعة صلاةٌ مُستقِلّة بِنفسِها ولم يَرِدْ عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ما يَدلّ على جواز جَمْعِ العصرِ معها، ثم إنّ وقتَ الجمعة لا يَمتَد إلى وقتِ العصرِ بل يَنتهي بِمجرد انتهاء وقتِ الظهر فليس لهم على هذا الرأي أن يَجمَعوا العصرَ مع الجمعةِ.
وذهب بعضُ أهل العلم-وهم الأكثر-إلى جواز ذلك.
فمَن شاء أن يَحتاط لِدينه وأن يَأخذ بِالأحْزم وأن يُخرِج نفسَه مِن الخلاف فلا شَكّ أنّ الأوْلى له ألاّ يَجمَع، ومَن جَمَعَ فلا شيءَ عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والعلم عند الله تعالى.


س:
بعضُ المسافرين مِن فرط السرعة يَدخلون المسجد فيَجِدون وقتَ الخطبة لا يَزال طويلا فيُصلّون الظهرَ ثم يَخرُجون مِن المسجد ؟


الجواب:-
هذا خطأٌ واضح .. عليهم أن يَتوبوا إلى الله-تبارك وتعالى-مِمّا وقعوا فيه وأن يَرجِعوا إليه وأن يَتعلَّموا أمورَ دِينِهم وألاّ يَرجِعوا إلى مثلِ ذلك مرّة أخرى فيَنبغي لهم أن يُصلُّوا مع الإمام صلاةَ الجمعة، أما أن يَخرُج الواحد مِن غيْرِ أن يُصلِّي مع جماعةِ المسلمين فهذا فيه ما فيه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
هل هذا الحكم شامل لِلجمعة وغيْرِ الجمعة ؟ لأنّ بعضَ المسافرين قد يَسمَعون أذانَ الظهرِ مثلا ولأنهم مُستعجِلون يَدخلُون .. يُصلُّون الظهرَ والعصرَ مثلا .. يَجمَعون ثم يَخرُجون مِن المسجدِ والجماعةُ لم تُقَمْ بَعدُ.


الجواب:-
هذا-حقيقة-مِمّا يَنبغي أن يُشدَّد فيه، لأنّ هؤلاء إما أن يَنتظِروا تلك الجماعة وإما أن يَذهبوا إلى مكانٍ آخر-والمساجد موجودة، والأرض كلها مسجد بِحمد الله تبارك وتعالى-ويُصلُّوا هناك فالوقتُ مُمتَد بِحمد الله تبارك وتعالى، فإن كانوا على عَجَلَةٍ مِن أمرِهم فليُواصِلوا السيْر ثم بعدَ ذلك بِإمكانِهم أن يَأتوا بِالصلاة في أيّ مكان آخر؛ والعلم عند الله.


س:
عددٌ مِن المحلات تَظَلُّ مفتوحةً في وقتِ صلاةِ الجمعة، ما هو الوقتُ الـمُحدَّد لِهذه المحلات في أن تغلق فيه أبوابَها إذا ما حَضَرَتْ صلاة الجمعة ؟


الجواب:-
هو إذا نودي بِصلاة الجمعة فإنه يُمنَع البيع والشراء، فليس لأحد تَجِب عليه الجمعة أن يبيع أو أن يشتري، أو أن يبيع أو أن يشتري مِمّن تَجب عليه الجمعة ولو كان هو ليس مِمّن تَجِب عليه الجمعة .. هذا هو الرأي الصحيح، لأنّ الله قد عَلَّقَ ذلك بِنداء يوم الجمعة (5).
وبعضُ العلماء ذَهَبَ إلى أنّ البيعَ والشراء يُمنَعان بِمجرّد دخولِ الوقت فإذا دَخَلَ الوقتُ فإنه يُمنَع البيعُ والشراء، وذلك لأنه في ذلك الوقت يَصحّ النداء وتَصحّ الصلاة فإذا دَخَلَ الوقتُ لا يَجوز البيعُ ولا الشراء على حسب ما ذكرناه (6).
وبعض العلماء قال: إنّ ذلك يُمنَع بِالأذان الأوّل.
والصحيح أنه يُمنَع بِالأذان الثاني وإن كان الأفْضل لِلإنسان أن يَستعِدّ لِلصلاة إذا سَمع النداءَ الأول اللهم إلا إذا كان مُستعِدّا مِن قبلِ ذلك فإننا لا نَقوى على الـمَنع، لأنّ الله قَد عَلَّق ذلك بِالنِّداء والنِّداء المرَاد هَاهُنا هُو النِدَاء الثاني لأنَّه هُو النداء المعرُوف فِي عهْد النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أمَّا النِدَاء الثاني فَهُو مُحْدَث .. قَد أُحْدِث في عَهْد عثمان على مَسْمَعٍ ومَرْأى مِن صحابة رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لِمَصْلحةٍ رَأَوْها ولَعَلَّهم-أَيْضًا-استَنبَطُوا ذَلِك مِن النِّداء الأول لِصَلاة الفجر؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
في الآية [ 10، من سورة الجمعة ]: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ } هُنَاك مَن يَقُومُ بِقِرَاءة كِتاب مُعيّن يَتدَارَسه مَع مَجْمُوعَة مِن النَّاس بَعْد صَلاة الجمعة مُبَاشَرَة، هل يَصِحُّ هَذَا ؟


الجواب:-
أمَّا إذا كَانَ هَذَا الكِتاب كِتابا عِلْمِيا كَكُتُبِ الفقه أو النَّحو أو العقائد أو ما شابه ذَلِك فَلا مَانِع مِن ذَلِك، لأنّ مَنْ شَاءَ أن يَحْضُر ذَلِك الدرس فإنه سَيَحْضر وَمَن شَاء أن يَخْرُج فَلا يَحضُر، فَهُو لا عَلاقَة لَه بِصَلاةِ الجمعة، ولَكنّ بَعض الناس يَقُومُون بِالخطَابَة قبْلَ صَلاةِ الجمَعَةِ أو بَعْدَهَا .. يَقُوم الواحد مِنْهم يَخْطُب خُطْبَةً يُنَبِّه فِيها على بَعْضِ الأمور أو مَا شَابَه ذَلك فهذا لَيْسَ بِمَشْرُوع، لأَنه خِلاَف هَدْي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فَمَن أرَاد أن يُنَبِّه على بَعضِ الأمور المطْلُوبَة أو الممنوعَة فليَأْتِ بِذلك في خُطْبَة الجمعة إذَا كان هُو الخطِيب، أما إذا كَان الذي يَخْطُب شَخْصًا آخر فَلْيَطْلُب مِنْه ذَلك، أمَّا أن يَقُومَ بِالإتيانِ بِخُطْبَةٍ أخْرَى قَبْل خُطْبَة الجمعَة أو بَعْدَ الصَّلاة-أو مَا شابه ذَلِك-فَهَذَا مِمّا يَنْبَغِي أن يُنْهَى عَنْه لِخِلافِه لِهَدْي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.


س:
إذن في رَأْيِكم: { فَانتَشِرُوا } لاَ يُفِيد الوُجُوب ؟

الجواب:-
لا .. هو لاَ يَدُلُّ على الوُجُوبِ إطْلاَقًا، ونَحْنُ عندما قُلْنَا بِعَدَم الخُطْبَة لَيْس لأجل هَذَا، وإنَّما لِمخالَفة ذَلِك لِهَدي النبي صلى الله عليه وسلم .


س:
بِالنسبة لِفَرْضَية صَلاة الجمعة على الإنسان، هَلْ تُصْبِح فريضةً عليه بِمُجَرَّد طُلُوعِ فَجْر يَوْمِه بِحَيْث لا يَصِح لَه أن يُسَافِر في ذَلِك اليَوْم أم له أن يُسَافر ؟


الجواب:-
له أن يُسافِر ولكن لَيْسَ لَه أن يُسَافِر إذَا نُودِي لِصلاة الجمعة فإذا نُودِي بِالأَذَان الثاني-وهُو الأذان المعْرُوف في عَهْد النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فَلَيْسَ لَه أن يُسَافِر في ذَلك الوَقْت اللهُم إلا إذا كان يُسَافِر إلى مَكَان آخر تُقَام فِيه الجمعة ويُصَلِي الجمعة هُنَاك، فإن كان يُصَلّي الجمعة هُناك فلا مَانِع مِن ذَلك، و-كَذلك-إذا كَانَت هُنَالِك ضَرُورَة مُلِحَّة بِأَن-مثلا فِي عَصْرِنا هَذَا-يُرِيد أن يَذْهَب إلى مَكَان بَعِيد وهو بِحَاجَة إلَيْه وتُقْلِع الطَائِرة في ذَلَك الوَقْت فَهُو مُضْطَر في مِثْل هَذِهِ الحالة أن يَخْرُج فَيُبَاح لَه الخرُوج في مِثل هَذه الحالة، أمَّا قَبْل-ذَلك .. أيْ قَبْل-النِّدَاء فَلا مَانِع مِن ذلك.
وإن كان بَعض العلماء قَالَ: إنّ ذلك يُمنَع إذا حَضَرَ الوَقْتُ.
وبَعْضُهم قَالَ: إذَا نُودِي بِالأَذَان الأوَّل.
ولَكِنّ الصَحِيح-كَمَا قَدمْنَاه فِي مَسْأَلَة البَيْع والشِرَاء أنّ ذلك يُمنَعُ بِالأَذان الثاني.
وَبَعْضُ العلماء كَرَّهَ أن يَخْرُج الإنسان بَعْدَ طُلُوع الشَّمْس، وَهَذَا فِيه مَا فِيه، ذَلِك لأنّ الكَرَاهَة حُكْمٌ شَرْعِيٌ مِنَ الأحْكَامِ الخمْسَة المعْرُوفة وليْسَ لِلإنسان أن يَحْكُم بِحُكْم شَرْعِي إلا إذا كَانَ هُنَالِك دَليل يدُلُّ عَلَى ذَلِك الحكم .. نَعَم إذَا كَانَ يَقُول قَائِل: " إنّ ذَلِك مِن بَاب الأوْلى والأحْسن " فَذَلِك لا بَأْسَ بِه، وهُنالك فَرْق بَيْنَ الأوْلى وبَيْن القَوْل بِالنَّدب أو بَيْن القَوْل بِالكَرَاهَة، وبَعض الناس يَتَجَوَّزُون وذَلِك التَّجَوُّزُ لَيْسَ مِمَّا يَنبَغِي، فَفَرْق شاسِع بيْن النَّدْب وبَيْنَ الأوْلى، أو بَيْنَ " لا يَنبَغِي " وبَيْن الحكم بِالكَرَاهَة، فالحكْمُ بِالكَرَاهَة لا دَليل عَلَيْه، أمَّا أن يَقُولَ قَائِل: " إنّ الإنسان إذا كَان يُمِكنه أن يَتأخّر فالأوْلى له أن يَشهَد الجمعة ويَستفِيد مِن تلك الخطبة التي يَأتي بِها ذلك الخطيب ويَجتمِع بِالمسلمين " فذلك فيه خيْر وبركة بِمشيئة الله؛ والعلم عند الله.



س:
نعود مرة أخرى إلى شروط وجوبها ذكرتُم بِأنها بِمجرّد أن يَسمع الإنسان النداء .. الآن ربما يَستمِع هؤلاء النداء لكنهم يَستمِعونه عن طريق الإذاعة أو عن طريق التلفزيون والمسجد يَبعُد عنهم أكثر مِن مسافة السفر، فهل تَجِب عليهم في هذه الحالة ؟


الجواب:-
لا .. قد يَسمَع الإنسان النداءَ هاهنا مِن مكّة المكرّمة أو مِن أيّ بلدٍ آخر-وإن كان هذا الوقتُ متأخِّرا ولكن لا زال الوقتُ باقيا لكن قد يَكون ذلك في بلدٍ مُتقدِّمة-فهل يُقال له لابد مِن أن يَخرُج ؟! لا .. إذا كان يَسمَع ذلك مِن غيْر هذه الواسِطة أو كان مِمّن يُمكِنه أن يَسمَع لولا ذلك المانع الذي مَنَعَه مِن السماع.
ومِمّا يَنبغي أن نُنبَّه إليه-أيضا-مِن الشروطِ الصحّةُ، فإذا كان الإنسانُ مريضا لا يَقوى على الخروج إلى الجمعة فمِن المعلوم أنها لا تَجِب على المريض، وقد نصّ الحديث على ذلك إن صحّ، وحتّى على تقديرِ عدم صحّتِه فإنّ المريض الذي لا يَستطيع أن يَذهب إلى الجمعة فإنه معذور؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
الذين تَجِب عليهم لِكونهم قَريبِين مِن الجامِع الذي تُصلَّى فيه الجمعة ويَسمَعون النداءَ-كذلك-لكنّهم مع ذلك لا يَذهبون فيُصلُّون الظهرَ، ما حكم صلاتِهم ؟


الجواب:-
صلاتُهم باطلة، ذلك لأنه يَجِب عليهم أن يَحضُروا الجمعةَ مع المسلمين وأن يُصلُّوا معهم، لأنّ الله-تبارك وتعالى-أَمرَهم بِالسعي إليها (7)، ولأنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أَمرَهم بِذلك بل وشَدَّد في ذلك غايةَ التشدِيد حتى قال: ( لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِم الجمُعات أو لَيَخْتِمَنَّ الله على قلوبِهم ثم لَيَكُوننَّ مِن الغافلين )، فمَن سَمع النداءَ أو كان في موضعٍ يُمكِنه أن يَسمَع النداءَ-أو كان دُونَ الفَرْسَخَيْن على رأي مَن يَقول بِوجوب الجمعة عليه-فإنه يَجِب عليه أن يَذهب إليها، وليس له أن يَتخلَّف عنها، وإذا تَخلَّف عنها فهو آثِم .. عليه أن يَتوب إلى الله ولابد أنه سيُصلِّي الظهرَ في ذلك الوقتِ ولكن إذا صلاها قبلَ الجمعةِ فإنّ صلاتَه باطلة على رأي كثرةٍ كاثرة مِن أهل العلم .. عليه أن يَتوب إلى ربِّه وأن يَقوم بِإعادة تلك الصلاة .. إن تَمكَّن بِأن يَأتِيَ بِها مع المسلمين .. أن يُصلِّيها جمعةً فذلك هو الواجب وإن لم يَتمكَّن فلا مَحيص مِن أن يَأتِيَ بِها ظُهرا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
ما حكم الأذان في المساجد المجاوِرة لِجامِع الجمعةِ ؟


الجواب:-
أما إذا كان يُؤذَّن لِصلاة الظهر فذلك لا يَصح بل هو بِدعة مِن البِدَع، وأما إذا كان يُنادى بِذلك لِصلاةِ الجمعة بِأن كان ذلك المسجد مُمتلِئا لا يَتّسِع لِلمصلِّين فيَضطَر بعضُ الناس أن يُقِيموا جُمعةً أخرى ولكن ذلك بعد أَخْذِ الإذنِ بِذلك فيَصحّ ذلك لأجل الضرورة الملحة وإلا فإنّ الأصل الأصيل ألاّ تَتعدَّد الجمعة في المكان الواحد أبدًا وإنما يُشرَع التعدُّد في حالة الضرورةِ الملِحَّة وذلك بِما إذا كان لا يَتمكَّن الناسُ بِأن يُصلُّوا في ذلك المسجد لِكثرتِهم مثلا.
وبعضُ الناس يَسأل: هل تُصلِّي الجماعةُ الأولى الأصلية أوّلا ثم تَأتي الجماعة الثانية إذا كان المسجد لا يَتَّسِع لها وتُقيمُ الصلاةَ بعدَ ذلك في ذلك المسجد ؟ والجواب: لا .. هذا هو الذي ذهب إليه جمهور الأمّة، فلا يُمكِن أن تَتعدَّد الجمعةُ في مسجدٍ واحد، فمَن لم يَتمكَّن-لِهذا السببِ أو لِغيْره مِن الأسباب كأن يَكون قد تَأخَّر عن الصلاة لِسببٍ مِن الأسباب مِن نوم أو جاء مِن طريقٍ بعيدة أو ما شابه ذلك-فإنه ليسَ لهم أن يُقِيموا الجمعةَ في ذلك المسجد .. هذا هو الحق؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
دون الفرسخين يعني قبل اثني عشر كيلومترا تقريبا ؟


الجواب:-
بِالتقريب.


س:
ما حكم خطبة الجمعة ؟


الجواب:-
الله أعلم؛ خطبةُ الجمعة اختلَف فيها أهل العلم:
منهم مَن قال: هي جزءٌ مِن الصلاة.
ومنهم مَن قال: هي شرْطٌ لِصحّة الصلاة.
ومنهم مَن قال: هي سنّة لِلصلاة.
وعليه:

1- فمَن يَقول: " هي جزءٌ أو شطْرٌ مِن الصلاة " فمَن لم يَحضُر خطبةَ الجمعة فليس له أن يُصلِّي الجمعة فعليه أن يُصلِّي ظُهرا، فمَن جاء متأخِّرا .. مثلا بعد انتهاء الخطبة ولو كان قبل تكبيرة الإحرام فليس له أن يُصلِّيَ الجمعة.

2- ومَن قال: " هي شرطٌ لِصحّة الجمعة " فإنّ مَن جاء:

1- قبل قيام الإمام مِن الركوع مِن الركعة الثانية على رأي.

2- أو قبل السلام مِن الصلاة على رأي آخر-والأولُ هو الأقرب إلى الصواب-فإنه يُصلِّي الجمعة ولكن إن لم يُخطَب لِلجمعة فإنه ليس لهم أن يُصلُّوا الجمعة، إذ إنّ مِن شرطها أن تكون بعد خطبة.

3- ومَن قال: " هي سنّة " فإنه يَقول: لا يَنبغي التفريط بِالخطبة ولكن إذا صَلَّت الجماعة مِن دون خطبة فإنّ صلاتَهم تلك صحيحة.
والقول الثاني هو القول الصحيح، فالخطبة شرطٌ لِصحّة الجمعة فإذا صلّت الجماعة مِن غيْر خطبة فإنّ صلاتَهم تلك تُعتبَر باطلة، أما مَن جاء قبل قيام الإمام مِن الركوع مِن الركعة الثانية فإنّ صلاته تلك صحيحة.
والدليل على شرْطيتها أنّ الله أَمَرَ بِالسعي إليها (8) والأمر يُفيد الوجوب، فذلك دليل على وجوبِها، والرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أَمَرَ بِالإنصاتِ لِلخطيب ونَهى عن الكلام بل حتّى على ما هو أقل مِن الكلام كتَقليبِ الحصى-كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح-وذلك دليل على وجوبها، و-أيضا-قد واظَب عليها النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-طيلة حياته ولم يَتركها ولا مرة واحدة أو يُبيِّن لِلأمّة أنها ليست بِواجبة ولو كان غيْر واجبة لَتركها ولو مرة واحدة أو لأفْصَح بِلسانه بِأنها لا تَجِب أمَا وأنه قد واظَب عليها طِيلة حياته ولم يُبيِّن أنها لا تَجِب فلا مَحيص مِن القول بِوجوبها، فلا يَجوز لِلجماعة أن تُصلِّيَ الجمعة مِن غيْر خطبة، ومَن صلاها قبل ذلك بِغيْر خطبة فإنّ صلاتهم باطلة .. عليهم أن يَتوبوا إلى الله وأن يُعيدوها ظُهرا اللهم إلا إذا كانوا يُقلِّدون مَن يَقول بِخلاف ذلك ومع ذلك فإنّ ذلك ما كان يَنبغي لهم فإنّ أولئك لم يَقولوا بِالتساهل بِذلك بل قالوا: " إنّ ذلك مِن السنن التي لا يَنبغي تَركها " ولكن مع ذلك-على هذا الرأي-لا يُطالَبون بِإعادة الصلاة ولكن في المستقبَل لا مَحيص مِن الخطبة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.



س:
هل لِهذه الخطبة-أيضا-شروط معيّنة ؟


الجواب:-
هي لابد أن تَكون فيها موعظة لأنّ هذا هو الأصل في الخطبة، ولِلعلماء خلاف طويل في شروط خطبة الجمعة:
منهم مَن قال: إنه ليست هنالك شروط لهذه الخطبة وإنما ينبغي أن يأتي بما يَنطبق عليه اسم " الخطبة " وهي الخطبة المعروفة التي فيها الأمر بِالخيْر والدعوة إليه والموعظة الحسنة.
ومنهم مَن قال بِاشتراط بعض الشروط، واختلفوا في ذلك:

1- ومِن جملة تلك الشروط التي اشترطها بعضُ أهل العلم أن تكون الخطبة مشتمِلة على حَمْدِ الله-تعالى-والثناء عليه، وذلك لأنّ هذا هو المعروف في خُطَبِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنّ الصحيح أنّ هذا لا يَصِل إلى درجة الشرْطية وإن كان لا يَنبغي التهاون بِذلك بِحال مِن الأحوال.

2- ومِن ذلك الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا-أيضا-لا دليل على شرْطيته ولكن لا يَنبغي التهاون بِذلك.

3- ومِن ذلك أن يَأتي بِشيءٍ مِن القرآن الكريم، وهذا وإن كان لا يَصل-أيضا-إلى درجة الشرْطية على الصحيح ولكن لا يَنبغي التهاون بِذلك بل كان النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يَأتي في بعضِ خُطَبِه بِسورة " ق " بِأكملها في الخطبة وإن كان لا يَجتزي بِذلك كما فَهمَ بعضُ الناس، إذ ذلك لا يُسمّى " خطبة ".

4- ومِن ذلك الأمر بِالتقوى .. هو طبعا لا يُراد الأمر بِالتقوى أن يُؤْتَى بِهذا اللفظ وإنما بِما يَدلّ على ذلك، وعلى كل حال لابد أن تَكون الخطبة مشتمِلة على شيءٍ مِن ذلك.

5- ومِن ذلك أن تكون في الوقت الذي تَصحّ فيه الجمعة، ولِلعلماء خلافٌ طويل في ذلك، والقول الذي ذهب إليه الجمهور هو أنّ وقتَ الجمعة هو وقتُ صلاةِ الظهر .. أي بعد زوال الشمس.

6- وأن يَحضُر الخطبةَ العددُ الذي تَصحّ بِه الجمعة، وفي ذلك خلافٌ طويل بيْن أهل العلم، وقد ذهب غيْر واحد مِن الـمُحَقِّقِين إلى أنه لابد مِن حضور اثنين مع الخطيب، وأما ماعدا ذلك فإنه لا دليل عليه، لأنّ بعضَ ذلك مأخوذٌ مِن بعض الأفعال وتلك الأفعال واقعةُ حال وذلك مِمّا لا يُمكِن الاستناد إليه في مثل هذه القضايا، وبعضُ ذلك مستنِد إلى بعض الأحاديث الضعيفة والضعيف لا وَزْنَ له في مثل هذه القضية.
فإذن لابد أن تكون الخطبة مشتمِلة على ما ذكرناه، أما تلك الشروط التي اشترَطها بعضُ أهل العلم فمِمّا لا دليل عليه؛ والعلم عند الله.


س:
أثناء خطبة الجمعة قد يُخطِئ الخطيب في آية أو في حديث .. التصحيح عليه في وقت الخطبة، يَصحّ ؟


الجواب:-
أما إذا أخطأ في آية فإن كان يُمكِن أن يُنَبَّه في ذلك فإنه يُنَبَّه إلى ذلك.
وهكذا إذا أخطأ-مثلا-في حكم شرعي بِأن قال بِوجوب أمر وهو ليس بِواجب بل هو حرام مثلا، خِلافا لِمَن ادّعى بِأنه لا يُمكِن أن يَختلِف العلماء في مسألة .. بعضهم يَقول بِوجوب أمرٍ والآخر يَقول بِحرمة ذلك، وإنما بَعضهم يَقول بِالوجوب وبعضهم بِالإباحة أو الكراهة أو بعضهم بالتحريم وبعضهم بالندب .. هذا خلافٌ واقِع، ومَن نَظَرَ في شيءٍ مِن كتبِ الفقه عَلِمَ أنّ هذه الدعوى لا أصل لها، فإذا أخطأ في حكمٍ شرعي .. قال بِوجوب أمرٍ وهو ليس بواجب أو بِحرمة شيءٍ وهو ليس بِحرام أو ما شابه ذلك مِن الأحكام فإنه لابد أن يُرَدَّ عليه ولكن الذي يَنبغي أن يُنتبَه إليه أن يَكون هذا الحكم مِن الأحكام الـمُتَّفق عليها، أما إذا كان ذلك الخطيب يَأخذ بِقولٍ مِن أقوال أهل العلم أو كان هو نفسُه مُجتهِدا يَقول بِوجوب ذلك الأمر وبعضُ العلماء يَقول بِحرمة ذلك الأمر-مثلا-أو بِإباحته أو بِندبيته أو كراهته أو ما شابه ذلك فإنه ليس لأحد أن يَقوم ويَرُدَّ على ذلك الخطيب، لأنّ ذلك الخطيب هاهنا لم يُخطِئ وإنما تَعمَّدَ أن يَذْكُرَ ذلك لأنه يَرى إن كان مِن أهل الرأي أو يُقَلِّدُ مَن يَقول بِوجوب ذلك الأمر فكيف لأحد يَقوم يناقضه في مثل تلك القضية ؟! وإلا لأمكَن أن يَقع ذلك في أوقات متعدِّدة بل لأمكن أن تَعترِض جماعةٌ كبيرة .. الخطيب يَقول مثلا بِوجوب هذا الأمر فيَقوم قائل يَرُدُّ عليه .. يَقول له: " هذا حرام " لأنه يَرى ذلك أو يُقَلِّدُ مَن يَقول بِذلك وآخر يَقول: " هذا مكروه " وما شابه ذلك .. لا .. لابد أن يَكون ذلك الأمر مِن الأمور الـمُتَّفَق عليها بيْن أهل العلم، ومَن لم تَكن له دِراية بِالـمُتَّفَقِ عليه والـمُخْتَلَفِ فيه بيْن أهل العلم فيَنبغي له أن يَسكُت ويَكِل الأمر إلى غيْرِه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
وهكذا بِالنسبة إلى الأحاديث .. قد يَأتي ذلك الخطيبُ-مثلا-بِحديثٍ ضعيفٍ في رأيِ بعضِ الناس وهو ليس كذلك أو ما شابه ذلك فليس لأحد أن يَقومَ ويَعترِض على ذلك، أو يَأتي الخطيب بِروايةٍ بِالمعنى أو يَكون ذاك الحديث جاء بِألفاظ مُتعدِّدة أو ما شابه ذلك .. لا يُمكِن لأحدٍ اطَّلَع على لفظٍ مِن الألفاظ فيَقوم يُخطِّئ ذلك الخطيب لأنه لم يَأتِ بِذلك اللفظ الذي يَحفظه هو أو ما شابه ذلك، وإنما ذلك في الأمور التي لا يُمكِن أن يَقع فيها خلافٌ .. كما قلتُ أن يَكون في حكمٍ شرعي مُتَّفَقٍ عليه بيْن المسلمين ويَكون ذلك الخطيبُ زَلَّتْ لِسانُه مَخافة أن يَنتشِر ذلك الكلام-وهو ليس بِرأي في حقيقة الواقع-بيْن الناس ويَعمَل بِه بعضهم فيَقعون بِذلك في الـمَحظُور والعياذ بِالله تبارك وتعالى، أو أن يُخطِئ في كتابِ الله-تبارك وتعالى-أو ما شابه ذلك.
وهكذا بِالنسبة إذا أخطأ في وجهٍ إعرابي أو ما شابه ذلك .. لا يُمكِن الرَّدُّ عليه في مثل ذلك، لأنّ الخطبةَ لا تَتأثَّر بِه و-أيضا-لا يَتأثَّر بِه اعتقادٌ أو ما شابه ذلك؛ والعلم عند لله.


س:
هذا التصحيح في الأقوال الـمُتَّفَقِ عليها يَكونُ وقتَ الخطبة أم يُفضَّل أن يَكون بعد تسليمة الإمام مَنْعًا لِلإحراج مثلا ؟


الجواب:-
إذا كان يُعلَن ذلك .. بِأنّ ذلك مِن الأمور التي زَلَّ فيها لسانُ ذلك القائل وبعدَ ذلك قد لا يَعرِف أولئك الناس، وأما في بعض الأحيان فيُمكِن أن يُنَبِّه ذلك الخطيب بعدَ السلام مباشَرة ويُعلِن ذلك الخطيب بِأنه قد زَلَّتْ لسانُه وأخطأَ في المسألة الفلانية .. مثلا قال بِحرمة أمرٍ وهو ليس بِحرام أو ما شابه ذلك، فإذا أمكنَ ذلك فهذا لا شَكّ بِأنه أوْلى وأسْلم.


س:
ما هي الطريقة المناسِبة لِتنبِيه الخطيبِ في مثل هذه الأحوال التي نادِرا ما تَحدُث على أيّة حال ؟ هل يَذهب إليه لِيُسِرَّه في أُذنه أو شيءٌ مِن هذا القبِيل ؟


الجواب:-
إذا كان-طبعا-ذلك بعد الصلاة فإما أن يَكون بِذلك أو بِواسطة ورقة أو ما شابه ذلك ويَكون بِلفظٍ مناسِب: " لعله زلَّ لسانُكم-أو سَبَقَ لسانُكم-إلى كذا " أو ما شابه ذلك، ويُنبِّهه بِأنه يَنبغي أن يُنَبِّهَ الناسَ مِن قبلِ أن يَخرُجوا مِن الصلاة، و-بِالطبع-هذا لا يَقع إلا في حالات نادِرة؛ والعلم عند الله.


س:
ما حكم الاتكاء على العصا ونحوها في الخطبة ؟


الجواب:
على كل حال؛ هذا قال بِمسنونيته بعضُ أهل العلم، ولكنّ الذي يَظهر لي أنّ الأحاديث التي احتَجّ بِها هؤلاء لا تَصِل إلى مرتبة القَبول فهي مِن الضّعف بِمكان .. نعم صَحَّحَ حديثا واحدا منها بعضُ أهل العلم ولكنه لا يَصِل إلى تلك المرتبة فيما يَظهر لي، ثم إنّ الظاهِر مِن حال ذلك الحديث أنه قبل أن يُصنَع الـمِنبر لِلنبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-عندما كان يَخطُب على الجِذع، أما بعد ذلك فإنّ تلك الأحاديث التي استدلّوا بِها لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولكنّني أُريد أن أُنَبِّه إلى أنه لا يَنبغي الإنكار على مَن خَطَبَ على عصا أو ما شابه ذلك.
نَجِد كثيرًا مِن الناس إذا سَمعوا مِن بعضِ أهل العلم بِأنّ الأمرَ الفلاني لم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كَمِثل هذه القضية-يُبادِر بِالإنكار على مَن يَصنَع ذلك، وهذا مِمّا لا يَستدعي الإنكار لأنّ ذلك-أيضا-ليس بِممنوع، فمثل هذه القضية الأمرُ فيها سَهل .. بعضُ القضايا تكون مقصودة وهذه يَنبغي أن يُنَبَّهَ عليها ولكن بِما يَتناسَب مع حال ذلك الـمُنَبَّه ومع حال هذا الـمُنَبِّه أيضا، لأنّ الناس يَختلِفون في الـمَراتِب بيْن عالِم وجاهِل وصغير في السِّن وكبير إلى غيْر ذلك، فلابد مِن أن يَكون ذلك يَتناسَب مع حال الـمُنَبِّه ومع حال الـمُنَبَّه.
أما هذه القضية .. إذا خَطَبَ رجُل وكان في يَده عصا أو ما شابه ذلك فلا بأس عليه لكن بِما أنّ السنّة لم تَثبُت بِذلك لا نقول: " إنّ ذلك سنّة "، و-أيضا-لا شَكّ أنه إذا كان الإنسان لا يَحتاج إلى ذلك ولم تَثبُت به السنّة فلا داعِي إلى ذلك لكن-كما قلتُ-لو أَخَذَ الإنسان عصا لا يُنكَر عليه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
على اعتبار أنّ العصا في بعض الأحيان جزء مِن تقاليد ... ؟


الجواب:-
فَالحاصِل ذلك مِمّا لا مانِع منه، ولكن فرقٌ بيْن أن نَقول: " هذا سنّة " أو نقول: " ذلك مِمّا لا مانِع منه " و-أيضا-ليس كل ما لم يَفعله النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يُقال فيه: " بِدعة " فالبِدعة يَنبغي أن تُضبَط بِضابِط، ويُمكِن أن يَكون ذلك في وقتٍ آخر في غيْر هذا اليوم، لأنّ كثيرا مِن الناس إذا رَأَوْا شيْئا قالوا عنه: " هذا بدعة " فليس كل ما لم يَفعَله النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-يَكون بِدعة، بل تارةً يكون بِدعة وتارةً لَم يَستخدِمه لأنّ ذلك مِن الأمور التي لم تَكن له حاجة إليها أو ما شابه ذلك، فالحاصِل هذه المسألة لابد مِن أن تُضبَط وأن تُحرَّر حتى لا يَلتبِس الأمر على كثير مِن الناس الذين لا دِراية لهم بِشرْع الله تبارك وتعالى.



س:
ما حكم الخطبة بِغيْر العربية لِلمسلمين الذين لا يَنطِقون بِها ؟


الجواب:-
هذه المسألة وقع فيها خلافٌ بيْن أهل العلم:

1- منهم مَن قال: إنّ الخطبة-وأعني بِذلك خطبةَ الجمعة-لابد مِن أن تَكون بِالعربية، لأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وخلفاؤه الراشدون كانوا يَخطبون بِالعربية، فلابد أن تَكون الخطبة بِالعربية ولكن يُمكِن أن تُفسَّر بعدَ ذلك بِلُغَة أولئك القوم .. إما أن تَكون جُملةً بعد جُملة أو أن تَكون بعد ذلك.

2- ومِن أهل العلم مَن ذَهَبَ إلى أنه لا مانِع مِن أن تَكون الخطبةُ بِغيْر العربية بِشرْط أن يَقرأ القرآن بِاللغة العربية-وهذا لابد منه في حالة الخطبة وفي حالة غيرها .. القرآن لا يُمكِن أن يُقرأ بِغيْر اللغة العربية، وإنما تُفسَّر معانيه بِغيْر اللغة العربية-وكذلك إذا أَمكَن أن يَأتِيَ بِالحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لأنّ الناس ولو كانوا مِن غيْر العرب غَالِبًا مَّا يَعلَمون هذه الألفاظ.

وهذا القول الثاني هو القول الصحيح، فبِإمكانِه أن يَخطُب بِغيْر اللغة العربية .. نعم إذا كان هنالِك عَرَب وكان هنالك غيْرهم فلْيَجْمَع بيْن الأمرين، وذلك لأنّ المقصود مِن الخطبة الموعظةُ الحسنة .. المقصود منها الأمرُ بِالمعروف والنهيُ عن المنكر والدعوةُ إلى الخير، فإذا كان هؤلاء القوم الذين يَحضُرون خطبةَ الجمعة لا يَفقهون شيئا مِن اللغة العربية فكيف يُمكِن أن يَستفِيدوا مِن تلك الخطبة، فهم لا يَستفِيدون منها شيئا.
أما ما ذَكَرَه بعضُهم مِن أنّ الخطيب يَخطُب بِاللغة العربية حتى يَعرِف الناسُ أَهميةَ اللغة العربية ويَقوموا بِتَعلُّمِها فهذا لا يَقع في كثير مِن الأحيان .. كثير مِن أولئك الناس لا يُمكِنهم أن يَتعلَّموا العربية البتّة.
وأما ما كان يَصنَعه النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مِن الخطبة بِاللغة العربية فذلك لأنّ ذلك لسان أولئك القوم والنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عربي والذين يَحضُرون خُطبتَه عَرَبٌ فلا يُمكِن أن يَخطُب بِغيْر اللغة العربية(9) .. أوّلا النبي صلى الله عليه وسلم لا يَنطِق بِشيءٍ مِن اللغات غيْر العربية، ثم حتّى لو كان الأمرُ كذلك لَمَا كان هنالِك داعٍ وإلا لأمكَن أن يَأمُرَ بعضَ الصحابة بِأن يَقوموا بِترجَمة ألفاظه إلى غيْر العربية ولكن ما كانت هنالك حاجة، وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين، بل في البلاد العربية إلى يومنا هذا ليستْ هنالِك حاجة إلى الخطبة بِغيْر اللغة العربية، فإذن ذلك يُناط بِالحاجة .. إذا كانت هنالِك حاجة لا مانِع مِن الخطبة بِغيْر العربية بل ذلك هو المطلوب إذا كان أولئك القوم لا يَعرِفون العربية .. هذا هو الرأي الصحيح في هذه القضية.


س:
في وقت خطبة الجمعة قد يَعطس أحدهم، أو يَدخل أحدهم-أيضا-فيُسلِّم، وهناك-أيضا-الدعاء الذي يَدعو بِه الإمام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. هل تَصحّ كل هذه الحالات ؟


الجواب:-
هذه الأمور فيها خلافٌ بيْن أهل العلم، وتَحتاج إلى شيءٍ مِن التفصيل، والوقتُ لا يَكفي لِذلك فيما أحسب، ولكنّني أَختصِر الكلامَ في هذه القضايا، ولعلّنا نَتكلّم على ذلك في مناسبةٍ أخرى إذا قَدَّرَ الله ذلك.
أما الصلاةُ على النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فنعم يُصلَّى عليه ولكنّ المصلِّي يُصلِّي بِصوتٍ خافِت حتّى لا يُشغِل غيْره.
وأما بِالنسبة إلى رَدِّ السلام:
فمنهم مَن قال: يَرُدُّ السامعُ السلام.
ومنهم مَن قال: لا يَرُد، لأنّ ذلك الذي سَلَّمَ لا حَقَّ له في الرد.
وهذا القول الذي ذَهَبَ إليه غيْر واحدٍ مِن الـمُحَقِّقِين.
وهكذا بِالنسبة إلى حالةِ تَشميتِ العاطِس، فينبغي لِمَن عَطس على رأي مَن يَقول بِالحمد أن يَحمد بِصوتٍ خافِت، ولا يَنبغي الاشتغال بِالرَّدِّ عليه وبعدَ ذلك أن يَرُدَّ ذلك العاطِس أيضا على مَن شَمتَه.
وأما بِالنسبة إلى التأمين على دعاء الخطيب فلا مانع مِن ذلك، لأنّ ذلك الخطيب في ذلك الوقتِ يَدعو والمراد مِن ذلك استجابة ذلك الدعاء فلا مانع مِن التأمين عليه لكن لو احتاط إنسان وخَرَجَ مِن الخلاف في مثل هذه القضية مَخافةَ الوقوعِ في الـمَحظور فلا بأس عليه بِمشيئة الله.
وهنا أُنَبِّهُ على تَحية المسجد في وقتِ الخطبة فذلك مِمّا ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فلا يَنبغي التهاون بِمثل ذلك، فالإنسان إذا ورد حديث عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وكان صحيحا ثابِتا عنه عليه أن يَأخذَ بِذلك الحديث.
ولا يَلتفِت إلى قولِ أيِّ عالِم مِن العلماء خالَف ذلك لِعدم اطِّلاعِه عليه أو لِتأوُّلِه لَه أو ما شابه ذلك، فإننا مُخاطَبون بإتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. نعم علينا أن نَحترِم علماء المسلمين وأن نَلتمِس لهم العُذر في مثل هذه القضايا فإنهم لم يَتعمَّدوا أن يُخالِفوا حديثًا عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولكنه لعلّه لم يَبلُغهم أو بَلَغَهم مِن طريقٍ لا تَقوم بِها الحجّة أو ظنّوا أنه منسوخ أو أنه خاص بِقضية مِن القضايا أو ما شابه ذلك مِن المعاني المعروفة، ففرق بيْن الاحترام وبيْن الالتزام بِما ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فمَن دَخَلَ المسجد في وقتِ الخطبة فلْيُحَيِّ المسجد بِركعتيْن خفيفتيْن.
ولكنّ بعضَ الناس ابتدعَ فيَقومون عندما يَجلس الإمام بيْن الخطبتيْن فيَقومون بِتأدية ركعتيْن وهذه بِدعة يَنبغي النهي عنها.وكذلك بعضُهم عندما يَشرَع الخطيبُ في الخطبة يَقوم ويُصلِّي ركعتيْن وهذه بِدعة يَنبغي النهي عنها؛ والعلم عند الله تبارك وتعالى.


س:
هل يَصحّ الكلامُ في وقتِ الخطبة إذا كانت هناك مصلحة كأن يَأمر أحدُهم أحدًا بِإغلاق الباب أو بِإطفاء المكيف أو بِإطفاء المروحة أو ما شابه ذلك .. مصلحة معيّنة ؟


الجواب:-
إذا كانتْ هنالِك ضرورةٌ ملِحَّة فلْيَستعمِل الإشارة أما أن يَتكلَّم فلا .. نعم يُمكِن لِلإنسان أن يُكَلِّمَ الخطيب إذا كانت هنالِك مصلحة، فذلك ثابِتٌ في السنّة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويُمكِن-أيضا-لِلخطيب أن يُكَلِّمَ بعضَ الناس، فإذا رأى رجُلا-مثلا-يَتخطَّى رِقابَ الناس ويُؤذِيهم فلْيَأْمُرْهُ بِالجلوس، كما أَمَرَ النبيُ-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-بِذلك، وفي هذه القضية أحاديثُ متعدِّدة ثابتَة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنّ الوقتَ كما تَرَوْنَ لا يَسمَح بِذِكْرِها أو ذِكْرِ بعضِها، فإذا كان الإنسان يُكَلِّمُ الإمامَ لِحاجةٍ مُلِحَّة كما فَعَلَ بعضُ الصحابة نعم، وكذلك بِالنسبة إلى الإمام، أما بقيةُ الناس فليس لأحدٍ أن يُكَلِّمَ غيْرَه إلا إذا كانتْ هنالِك ضرورةٌ بِأن يُشِير إليه إشارة .. رأى شخصا يَتكلَّم يُشير إليه إشارة أو يَلتفِت إليه التفاتة أو ما شابه ذلك، وهكذا بِالنسبة إلى القضايا التي تَكون مشابِهة لِهذه القضية.
كذلك بعضُ الناس يَقومون بِتسجيل خطبةِ الجمعة .. لا مانع مِن أن يَقوم شخصٌ بِالتسجيل بِشرْط ألاّ يَشتغِل عن الاستِماع، أو يَضطَر لِتشغيل مكيف أو لإصلاح مُكبِّر الصوت أو ما شابه ذلك مِمّا فيه مصلحةٌ لِلصلاة أو لِبعضِ المصلين أو ما شابه ذلك؛ والعلم عند الله تبارك وتعالى.


س:
بعضُ المصلِّين يَمدّ يَده لِمُصلٍّ آخر أثناءَ الخطبة لِيُصافحَه، هل يُصافحه ؟


الجواب:-
إذا تَمكَّن مِن عدم مُصافحتِه فذلك هو الأوْلى ولكن إذا رأى هنالِك ضرورةً ملِحّة .. خاف-مثلا-مِن أن تَتفرَّق الكلمة وأن تَقع هنالِك فرقة أو خصومة وأن يُؤدِّيَ ذلك إلى ضرر فمُمكِن أن يَمدَّ يَده مِن غيْر أن يَتكلَّم .. هذا ما ذَهَبَ إليه بعضُ أهل العلم، ولَه وجهٌ؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
إذا دخل المصلي في صلاة الجمعة ووجد الإمام يخطب، فهل يصلي ركعتين تحية للمسجد أم يجلس؟


الجواب:-
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:
ذهب بعض العلماء إلى أنه يجلس، وليس له أن يصلي، لنهي النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عن الكلام ولو كان ذلك من باب الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر في حالة خطبة الإمام، واحتجوا-أيضا-على ذلك بحديث ولكنه لا يصح.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يصلي، لأمر النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-للرجل الذي دخل والنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يخطب فأمره النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-بالصلاة وهو حديث صحيح ثابت، وقد اعترض عليه كثير من العلماء باعتراضات كثيرة وقد أورد كثيرا من تلك الاعتراضات الحافظ بن حجر في " فتح الباري " وأجاب عنها بجواب مقنع كاف لمن شاء معرفة الصواب.
والذي نراه أنّ القول بمشروعية ذلك هو القول الصحيح، لأنّ هذا الحديث نصّ صريح وهو مخصّص لعموم النهي.
ومن الجدير بالذكر أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قد أمر بتحيّة المسجد ونهى عن الجلوس قبل الإتيان بتحيّة المسجد، وهذا الحديث الذي ذكرناه أيضا .. الذي فيه الأمر بتحية المسجد في وقت خطبة الجمعة مع نهيه عن الكلام ولو كان ذلك الكلام فيه أمر بمعروف أو نهي عن منكر فهذه الأمور جميعا تدل دلالة واضحة جلية لا غبار عليها على أنّ تحية المسجد من السنن المؤكّدة التي لا ينبغي لأحد أن يتركها؛ والله-تعالى-أعلم.


س:
ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي عند الخطبة؟


الجواب :-
لا داعي أن يرفع صوته بالصلاة على النبي بل ينطبق سراًولكن ينطق بلسانه .. على أن طائفة من أهل العلم لا يروون الإتيان ونحن وإن كنا نرى الإتيان بها على حسب ما يظهر لنا ولكن من غير أن يرفع صوته ويشوش على الآخرين .





















الهامش :

1 - قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة، الآية: 9 ].
2 - فقد نَبَّهَ الشيخ فيما بعدُ إلى أنّ مِن الشروطِ الصحّةُ، كما ذَكَرَ بِأنّ الخطبةَ شرطٌ لِصحّة الجمعة.
3 - يُنظَر مع الشيخ لعلّه قصد أن يقول: " تُجزِيها عن صلاة الظهر " بدلا مِن أن يقول: " تُجزِيها عن صلاة الجمعة ".
4 - قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة، الآية: 9 ].
5 - قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة، الآية: 9 ].
6 - أي ليس لأحد تَجِب عليه الجمعة أن يبيع أو أن يشتري، أو أن يبيع أو أن يشتري مِمّن تَجب عليه الجمعة ولو كان هو ليس مِمّن تَجِب عليه الجمعة.
7 - قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة، الآية: 9 ].
8 - قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة، الآية: 9 ].
9 - أُضيفَ: " بِغيْر اللغة العربية " لِلإيضاح.





( رابعا : أحكام الجنائز)

س:
ما الكيفية التي يكون فيها حمل الجنازة ؟


ج:
إنني أحب-قبل كل شيء-أن أذكِّر المستمع الكريم بأنّ عليه أن يستعد لهذا اليوم تمام الاستعداد، وعليه أن يحاسِب نفسه قبل أن يفارِق هذه الحياة، فعليه أن ينفِّذ كل ما أمره الله-تبارك وتعالى-به في كتابه أو على لسان رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وأن يجتنب كل ما نهاه عنه في كتابه أو على لسان رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وأن يبحث في كل مسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم عن الحق والصواب من أقوالهم إذا تمكَّن من معرفة الحق والصواب وإلا فعليه أن يتحرى ذلك قدر استطاعته، وإذا كان قد وقع في شيء من معاصي الله-تبارك وتعالى-بأن كان قد فرَّط في شيء من واجبات الله فلم يأت بها أو أنه فعل شيئا من المحرمات فعليه أن يتخلص قبل فوات الأوان سواء كانت تلك الحقوق من حقوق الله-تبارك وتعالى-أو من حقوق عباده أو من ذوات الوجهين .. أي من الحقوق التي هي من جهةٍ لله-تبارك وتعالى-ومن جهةٍ للعباد، فإذا كان قد ترك شيئا من الصلوات أو الصيام أو الزكاة أو لم يأت بفريضة الحج فعليه أن يعيد تلك الصلوات التي فرَّط فيها سواء تركها أو أنه ترك شيئا من أركانها أو شروطها التي لا تتم إلا بها، وهكذا بالنسبة إلى الزكاة إذا كان لم يأت بها أو أنه قد أتى بها على غير الوجه الذي أمر به المولى-تبارك وتعالى-فإنه عليه أن يتخلص من ذلك .. أي عليه أن يقوم بأداء تلك الزكاة التي فرَّط فيها إلى أصحابها الذين بيَّنهم الله-تبارك وتعالى-في سورة التوبة(1)، وهكذا إذا كان قد فرَّط في شيء من العبادات .. من صيام-كما قلتُ-أو أنه لم يأت بالحج أو أنه قد أتى به على غير الوجه الصحيح أو أنه قد فرَّط في شيء من النذور أو الكفارات أو ما شابه ذلك، وهكذا بالنسبة إذا كان هنالك شيء من حقوق العباد .. إذا كان قد اغتصب شيئا من أموال الناس أو أنه قد أخذها بوجه صحيح ولكنه بعد ذلك لم يقم بأداء قيمة تلك الأشياء إلى أصحابها وما شابه ذلك، فإذا كان يعلم حكم ذلك في الشرع الحنيف فعليه أن يقوم بتنفيذ ذلك، وإن كان لا يعرف ذلك فعليه أن يسأل أهل العلم الذين يثق بدينهم وبعلمهم حتى يرشدوه إلى الطريق الصحيح للتخلص من هذه الحقوق.
ومن الجدير بالذكر أنّ كثيرا من الناس عندما يصابون بشيء من الأمراض لا يعرفون كيف يأتون بالصلاة-مثلا-ولا بالصيام، فتجد الواحد إذا أصابه مرض ولم يستطع أن يأتي بالصلاة على الوجه المعروف يترك الصلاة بنية القضاء مثلا، ومنهم من يكبِّر أربع تكبيرات مع قدرته على الإتيان بالصلاة ولو أنه نَقَصَ منها شيئا من الشروط، فإنه إن لم يتمكن من الإتيان بكل الأركان والشروط المعروفة فلابد من أن يأتي بما استطاع عليه من الصلاة، إذ إنه إذا لم يستطع على الإتيان بركن أو شرط من شروط الصلاة فإنّ الصلاة لا تسقط بذلك، فإذا كان-مثلا-لا يتمكن من الإتيان بالوضوء فعليه أن يتيمم، وليس من الصعوبة أن يجد التراب الذي يصح به التيمم فبإمكانه أن يطلب من بعض أهله أو من بعض الناس الذين يقومون بزيارته بأن يأتوا له بالتراب ولو كان في المستشفى-مثلا-وعليه أن يتيمم، وإذا كان لا يستطيع أن يتيمم فبإمكانه أن يصلي .. بل عليه ذلك ولو بغير تيمم، أما إن استطاع على الوضوء فلا يجزيه التيمم، وإذا استطاع على التيمم ولم يستطع على الوضوء أو لم يجد الماء فلا يجزيه أن يترك الصلاة بنية القضاء أو ما شابه ذلك، بل لابد من أن يأتي بالصلاة في وقتها المُقدَّر لها شرعا، وكثير من الناس يجهلون ذلك، وقد سألني كثير من الناس عن هذه القضية وأنّ كثيرا من أصحابهم أو منهم عندما كانوا في المستشفيات قد تركوا صلوات عدّة وهذا مما لا يجوز أبدا، فعلى المرء أن يتعلم أمور الدين، وعليه ألاّ يفرط في شيء من هذه الواجبات، فقد يموت في مرضه ذاك وهو قد ترك-والعياذ بالله-فريضة من فرائض الله بل ركنا من أركان الإسلام، وذلك يُعدّ كبيرة من كبائر الذنوب .. يموت على هذا والعياذ بالله تبارك وتعالى، وليس له أن يَسمع أحدا في المستشفيات أو ما شابه ذلك بأنه عليه أن يصلي أو يؤخر الصلاة ولا يلزمه أن يتوضأ ولو كان قادرا أو أن يتيمم ولو كان قادرا وواجدا لذلك .. ليس له أن يستمع إلى أولئك، لأنّ للفتيا رجالا وللطب رجالا آخرين فلا يمكن أن تؤخذ الفتاوى من الأطباء ولا من غيرهم إن لم يكونوا على معرفة تامّة بشرع الله تبارك وتعالى .. نحن نسمع من كثير من الناس الذين يعملون في المستشفيات يقول: " لا يلزمك كذا " أو " يجوز لك كذا " أو ما شابه ذلك فهؤلاء ليس لأحد أن يستمع إليهم ولا أن يأخذ الفتاوى منهم، وهكذا بالنسبة إلى كثير من الجهلة الذين لا يعملون في المستشفيات مثلا، ومن أواخر الحوادث التي حُدِّثْتُ بها .. بالأمس حدّثني أحد الثقات بأنّ رجلا أعمى ذهب إلى الحج وكان لابسا لنعال مخيطة فرآه بعض الناس الذين يظنون أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولكنه-وللأسف الشديد-جاهل بحكم الله تعالى .. جاهل بشرع الله جهلا فاضحا فقال له: " إنّ حجَّك باطل " وقد نَسب هذه الفرية إلى أحد علماء المسلمين .. افترى على الله وعلى رسوله وعلى أهل العلم، مع أنه لم يقل أحد من المسلمين ببطلان حجه، وإنما الخلاف هل الأفضل أن يلبس نعالا ليست بمخيطة أو أنه لا بأس من لباس النعال المخيطة ؟ والحق أنه لا بأس بذلك، إذ لم يأت دليل يدل على أنّ الأفضل أن يترك النعال المخيطة بل الدليل يدل على خلاف ذلك، وهكذا بالنسبة إلى الأحكام.
ونحن نحب أن ننبه إلى أنه لابد من التعاون بين الفقهاء وبين الاقتصاديين والأطباء والفلكيين وغيرهم من أصحاب العلوم ولكن ليس لأحد من أصحاب الاختصاصات الأخرى أن يتكلم في شرع الله .. الاقتصادي يأتي بما عنده من معلومات إلى الفقيه والفقيه ينبغي له أن يستفيد منها، وهكذا بالنسبة إلى الطبيب والفلكي إلى غير ذلك، أما أن يتكلم الفلكي في الأحكام الشرعية أو الطبيب أو صاحب الاقتصاد أو ما شابه ذلك من العلوم فهذا مما لا يصح.
فإذن على الإنسان أن يعتني بأمور دينه قبل فوات الأوان .. قبل أن يخرج من هذه الدنيا وهو مرتكب-والعياذ بالله تبارك وتعالى-لشيء مِن معاصي الله التي قد(2) تخلده في نار جهنم إن لم يتب قبل الخروج من هذه الدنيا إذا كانت تلك المعاصي كبيرة-والعياذ بالله تعالى-من جهنم ومما يُقرِّب إليها.
وعلى من ذهب لزيارة المريض .. عليه أن يذكِّره بالله تبارك وتعالى، وأن يأمره بالتوبة إلى الله-تبارك وتعالى-بأسلوب ليّن لطيف، وأن يسأله عن صلاته كيف يأتي بها إذا كان-طبعا-ذلك الشخص المريض ليس من أهل الفقه .. إذا كان من العوام الذين لا معرفة لهم بحكم شرع الله تبارك وتعالى .. لا بأس أن يذكِّره بذلك بل مطلوب منه ذلك، لأنّ ذلك من باب التعاون على البِرِّ والتقوى، ويأمره بأسلوب-كما قلتُ-لطيف طيِّب بالوصية، لأنّ الوصية للأقربين واجبة بنصّ الكتاب والسنّة الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولا يوجد ناسخ لها، وإنما المنسوخ-على رأي بعض أهل العلم-الوصيةُ للأقارب الذين يرثون، أما للذين لا يرثون فلا.
وبعض العلماء يقول: " إنه ليس هنالك ناسخ، وإنما الآية التي فيها الوصية للوالدين يُراد بها من لا يرث من الوالدين .. إذا كان الوالد مشركا أو كان عبدا فإنه لا يرث ولكن له الوصية "؛ وهذا رأي قوي جدا، ولا أريد الإطالة في حكم هذه القضية، لكنني أحب-كما قلتُ-أن أنبه إلى أنّ مَن زار مريضا ينبغي له أن ينبهه إلى هذه الأمور، وإذا رآه لا يدري الأحكام الشرعية ممكن أن يذكر له: " هل أقسمت بشيء من الأَيْمان ولم تأت بها ولم تكفِّر عنها "، وهكذا بالنسبة إلى بقية العبادات .. من زكاة وصيام وحج ومن حقوق العباد إلى غير ذلك .. هذا أمر مطلوب.
أما بالنسبة إلى السؤال المذكور وهو البحث عن كيفية حمل الجنازة فإنّ لأهل العلم خلافا في هذه القضية، وهذا الخلاف ليس على سبيل الوجوب .. أي ما هو الواجب في كيفية الحمل ؟ إذ إنه لم يقل أحد من أهل العلم بوجوب كيفية محددة من الكيفيات التي سأتعرض لها بمشيئة الله-تبارك وتعالى-بعد قليل، وإنما الخلاف بين أهل العلم في الأفضل .. أي ما هو الأفضل مِن هذه الكيفيات ؟
وينبغي للإنسان إذا وجد خلافا بين أهل العلم في قضية من القضايا بأن وجد بعضهم يقول بكذا وبعضهم يقول بكذا وبعضهم يقول بكذا .. ينبغي له أوّلا أن يعرف ما هو موضع النزاع بين أهل العلم .. هل هو في الوجوب وعدمه أو في التحريم وعدمه أو في الأفضل وعدم الأفضل، لأنه قد يظن أنّ هذا الأمر واجب .. أي أنّ هذا العالم أو هؤلاء العلماء يقولون بوجوب هذا الأمر وبعضهم يقول بوجوب الأمر الفلاني وبعضهم يقول بكذا إلى غير ذلك مع أنّ أولئك العلماء على وفاق على عدم وجوب شيء من تلك الأمور، وإنما الخلاف فيما بينهم في قضية الأفضل.
فإذن خلاف العلماء في مسألتنا هذه هو في الأفضل، وليس في الوجوب.
اختلف أهل العلم في هذه القضية:

1- فذهب بعضهم إلى أنّ الأفضل أن يَحمل الإنسان الجنازة أوّلا من جهة شِمال السرير .. وهي الجهة اليمنى للميت .. يضع مقدمة السرير على كتفه اليمنى ثم يحمل بعد ذلك مؤخرة السرير يضعها على كتفه اليمنى ثم يتحول إلى الجانب الثاني فيضع الجهة اليمنى من السرير-وهي الجهة اليسرى من الميت-على كتفه اليسرى ثم بعد ذلك يضع المؤخرة على كتفه اليسرى.
هذا وليس كما يظنه بعض الناس من أنه يحمل أوّلا الجهة اليمنى من السرير بأن يضعها على كتفه اليسرى .. ليس الأمر كذلك، لأنه إذا نظرنا إلى أنّ العبرة بالمحمول فالمحمول-في حقيقة الواقع(3) ذلك الميت الذي على السرير، والأوْلى بأن يُحمل أوّلا من جهته اليمنى ثم يحمل من جهته اليسرى، وهكذا بالنسبة إلى الحامل فإنّ الأوْلى له أن يحمل أوّلا على يده اليمنى ثم بعد ذلك على يده اليسرى، وليس العبرة بالسرير، لأننا لم نقصد حمل السرير وإنما نحمل الذي على السرير .. هذا هو المراد من كلام أهل العلم عندما يقولون: " يَحمل من الجهة اليمنى " أي من جهة الميت اليمنى على يد الحامل اليمنى.

2- وبعض العلماء يقول: " أوّلا يَحمل-أيضا-من جهة الميت اليمنى .. أو بعبارة أخرى: يحمل السرير من الجهة اليسرى من الأمام ثم من الخلف ثم يدور .. يحمل من الجانب الثاني أوّلا من الخلف ثم من الأمام "؛ فإذن-على هذا الرأي-أوّلا يَحمل من جهة السرير اليسرى على يده اليمنى ثم من الجانب الخلفي من الجهة نفسها ثم من الجانب الخلفي من الجهة الثانية ثم من الجانب الأمامي .. يدور على السرير.
و-على كل حال-أصحاب هذين القولين يحتجون برواية تُروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولكنّ هذه الرواية لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنها من جهة أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وهو لم يَسمع مِن أبيه.

3- وبعض العلماء ذهب إلى أنه يَحمل السرير من جهتيه .. يضع هذه الجهة على الكتف الأيمن وهذه على الأيسر ثم يفعل ذلك-أيضا-من الخلف؛ واحتجوا على ذلك برواية رواها ابن سعد والبيهقي في " المعرفة " ولكنها لا تثبت، بل هي أضعف من الأولى، لأنها من جهة الواقدي وهو لا يؤخذ بروايته ولا كرامة.

4- وبعض العلماء ذهب إلى أنّ الإنسان يفعل ما هو أيسر له ولا يؤمر بتقديم هذا الجانب ولا ذلك الجانب ولا بأن يَحمل من الجهتين معا-ولاسيما أنّ هذا الأخير فيه من المشقة ما فيه-فيَحمل ما رأى بأنه الأيسر.
وكثير من الناس عندما يريدون أن يَحملوا من الجهة اليسرى مثلا يأتي من الجهة اليمنى ويتقدم على الجنازة ويحمل من الجهة اليسرى وإذا أراد أن يحمل من الجهة اليمنى تقدم من الجهة اليسرى حتى مر أمام الجنازة وحمل من تلك الجهة، وهذا لا أصل له أبدا. فإذن ما دام لم يأت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت يدل على صفة معيّنة من صفات الحمل فليحمل الإنسان ولينظر إلى الأيسر عليه وعلى بقية الذين يحملون الجنازة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
هنا الحقيقة نؤكد على التنويه الذي ذكرتُموه مِن أنّ خلاف العلماء في هذه المسألة وتعدد آرائهم إنما هو من باب الأفضل، خشية أن يفهم ذلك طلبة العلم-أو غيرهم من الناس الذين يباشرون هذه الأمور-على غير مراده فيؤدي إلى اصطدام مع واقع الناس.


ج:
نعم .. بعض الناس يظنون بأنهم يُحسنون صنعا .. يجدون قولا من أقوال أهل العلم ويشددون على عوام الناس إذا لم يأتوا بذلك القول مع أنّ ذلك العالم هو بنفسه لا يشدد في تلك القضية ويرى بأنّ الأمر واسع جائز، حتى في بعض المسائل التي اختلف بعض أهل العلم هل هذا واجب أو ليس بواجب ؟ .. بعض المسائل لا ينبغي التشديد فيها، ولكن التشديد في كثير من الحالات يأتي من بعض المبتدئين الذين لم يطلعوا على أقوال أهل العلم ولا دراية لهم بفقه الخلاف في هذه القضية.
نَعم .. نحن لا نهون الأمر في مخالفة ما ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولكنّ كثيرا من الأحاديث أيضا قد وقع فيها الخلاف بين أهل العلم .. بعض الأحاديث ثابت لا شك فيه وبعضها مختلَف فيه، وهكذا بالنسبة إلى الأقوال تختلف .. منها ما هو الخلاف فيه يسير والأمر ظني ولا ينبغي التشنيع والتشديد.
نعم .. ينبغي أن نُعلِّم الناس الأفضل بأسلوب لائق؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.



س:

أين يكون مُشيِّعُو الجنازة؟



ج:
على كل حال؛ أرى الأسئلة لديك كثيرة وسأضطر أن أجيب باختصار شديد على بعض هذه الأسئلة وإن كان كثير منها يحتاج إلى شيء من التحرير لعدم تحرير ذلك في كثير من الكتب المشهورة عند طلبة العلم وعوام الناس.
هذه المسألة-على كل حال-أمرها سهل؛ أما من كان راكبا .. ولا ينبغي للإنسان عند القدرة أن يركب عندما يُشَيِّع الجنائز، بل ينبغي له أن يمشي .. عندما يكون راكبا فليمش خلف الجنازة، أما عندما يكون ماشيا فلا مانع من أن يتقدم على الجنازة أو يتأخر عنها-يعني يمشي خلفها-ولا مانع من أن يمشي أمامها أو عن يمينها أو عن شمالها، فالكل جائز ثابت في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ والله أعلم.


س:
الآن الناس ابتكروا-إن صح التعبير-طريقة جديدة في حمل الجنازة فصاروا يصفون أمام الجنازة أسطرا طويلة ثم تمر الجنازة عليهم جميعا دون أن يكون أحد خلفها وقالوا صنعوا ذلك من أجل التيسير وعدم الزحام، فهل يصح هذا ؟


ج:
أما ألاّ يكون أحد خلف الجنائز والكل يكون أمامها .. هذا مِمّا لا ينبغي .. ينبغي كما ثبت في السنّة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ...(4) أما صفوف بسيطة جدا إذا كانت في ذلك مصلحة مخافة الأذية أو ما شابه ذلك فالأمر يختلف، أما أن تمتد الصفوف وتكون طويلة فهذا لا أصل له أبدا.


س:
في بعض الأحيان تكون الصفوف طويلة تكاد تستوعب كل الحاضرين ؟


ج:
لا داعي لهذا أبدا.
على كل حال؛ أريد-أيضا-أن أنبه إلى أنّ الطفل إذا كان-طبعا-صغيرا لا يحتاج أن يُحمل على السرير بل يُحمل في الأيدي .. أنبه على هذا مخافة أن يُنكر بعض الناس على من يفعل ذلك، لأنّ كثيرا مِن الناس إذا سمعوا كلاما مِن بعض أهل العلم حملوه على العموم وقد يكون ذلك العالم لا يريد ذلك.
فإذن الطفل الصغير لا يحتاج أن يوضع على السرير .. يُحمل على الأيدي، أما إذا كان الطفل كبيرا فإنه يحمل كغيره من الأموات على السرير، والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
إذا كانت الجماعة التي تصلي على الميت قليلة، هل الأوْلى أن يصفوا صفا واحدا أو ثلاثا ؟


ج:
على كل حال؛ هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم:

1- منهم مَن قال: " إنّ صلاة الجنازة كغيرها مِن بقية الصلوات .. يَصُفُّ الناس أوّلا الصف الأول فإذا امتلأ الصف الأول في المواضع التي تمتلئ فيها الصفوف .. إذا كان ذلك في المسجد مثلا أو في مصلى فبعد ذلك يؤمرون بإنشاء الصف الثاني وهكذا بالنسبة إلى بقية الصفوف، أما إذا صُليت هذه الصلاة في فضاء فإنهم يصفون صفا واحدا حتى يكون طويلا ليس بإمكان من يصف بعد ذلك أن يستمع إلى الإمام وبعد ذلك بإمكانهم أن ينشئوا صفا ثانيا وهكذا بالنسبة إلى بقية الصفوف "؛ فهؤلاء ذهبوا إلى أنه لا فرق بين صلاة الجنازة وبين غيرها من الصلوات، لأنّ الأصل في هذه الصلاة أن يُحكم عليها بحكم بقية الصلوات إلا فيما دل دليل على أنها تختلف فيه معها.

2- وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ينبغي للإمام أن يَصُفَّ الناس ثلاثة صفوف أو أن يَصُفّوا هم بأنفسهم ثلاثة صفوف لكن إذا رأى الإمام بأنهم صَفُّوا صفا واحدا ينبغي له أن يأمرهم بأن يصفوا ثلاثة صفوف ولو كانوا ستة أشخاص مثلا .. يصف اثنان في الصف الأول واثنان في الثاني واثنان في الصف الثالث أما بعد ذلك فلا وإنما تراعى الصفوف الثلاثة الأولى؛ واحتجوا على ذلك برواية تروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكنها من طريق ابن لَهيعة وهو ضعيف لا يُؤخذ بروايته، ولكنهم قالوا إنها تتأيد برواية أخرى، ولكنها من طريق ابن إسحاق وهو مدلِّس مشهور ولم أطَّلع إلى الآن بأنه قد صرّح بالسماع فما دام الأمر كذلك فإننا لا نرى أنّ هذه الرواية تصل إلى درجة الثبوت.
وإذن يبقى الأمر على أنّ صلاة الجنازة في هذه القضية كغيرها من الصلوات فليَصُفوا أوّلا الصف الأول فإذا امتلأ فلينشؤوا بعد ذلك صفا ثانيا وهكذا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
ولدها توفي وعمره سبعة عشر عاما-قبل شهرين تقريبا-لكن عندما أُخذ إلى القبر خرج من فمه دم، فهل يعني ذلك إشارة عقاب له أو الأمر طبيعي ؟ هي قلقة الآن.


ج:
لا .. لا يلزم أن يكون ذلك فيه إشارة عقاب ولا غير ذلك، فلتترك الأمر على ما هو عليه، وإن كانت تستطيع أن تفعل شيئا من الخير فلتفعل .. ليس من باب أنه خرج من فمه دم، فلا علاقة له بذلك الأمر، لكن إذا كانت عليه حقوق للعباد مثلا وكانت تستطيع هي أو أبوه إن كان أبوه حيا أو أحد من إخوانه أو أقاربه أو حتى من سائر المسلمين أن يؤدوا تلك الحقوق التي عليه فليؤدوها عنه، وكذلك إذا كان عليه صيام فليصوموا عنه، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَن مات وعليه صوم صام عنه وليه )، وهكذا إذا كان لم يؤد فريضة الحج وكان قادرا على أدائها ولكنه فرّط في ذلك فإذا استطاعوا فينبغي لهم أن يؤدوا عنه فريضة الحج، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا إذا كان لم يُؤد الزكاة فليؤدوا عنه .. إذا كانت لديه أموال فليؤدوا الحقوق التي عليه من ماله.
واختلفوا في الزكاة وفي الحج إذا لم يوص بهما وهكذا بالنسبة إلى الكفارات والنذور التي تحتاج إلى تكفير:

1- فبعض العلماء يقول: إنّ الكفارات والنذور التي هي بمثابة اليمين-أي التي يُكفَّر عنها كفارة اليمين-فإنها تؤدى من رأس المال.

2- وبعضهم يقول: إنها تؤدى مِن الثلث.
وكذلك بالنسبة إلى الحج هل هو مِن الثلث أو مِن أصل المال ؟ وهكذا الزكاة.
وكذا إذا كان لم يوص بذلك، اختلفوا هل تؤدّى عنه ؟

1- منهم من يقول: إنّ ما كان فيه حق للفقراء والمساكين فليُؤَدَّ أوصى به أو لم يوص، وذلك كالزكاة فهي وإن كانت عبادة لله-تبارك وتعالى-فإنّ فيها حقا للفقراء والمساكين وهكذا بالنسبة إلى كفارات الأيمان وكفارات النذور بخلاف الحج فإنه لا حق فيه للعباد.

2- وبعض العلماء يقول تؤدى عنه وإن كان لم يوص بها سواء كانت زكاة أو حجا أو كانت من الكفارات؛ وهذا هو الواضح الذي تدل عليه الأدلة ولكن قبل ذلك ينبغي أن يُقنَع الورثة من باب الخروج من الخلاف إن أمكن ذلك.
فالحاصل أنه لا يمكن أن يُحكم عليه بحكمٍ بسبب خروج هذا الدم، إذ إنّ ذلك يمكن أن يكون طبيعيا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
وإذا توفي في شهر رمضان، هل يُكمل عنه أولياؤه ؟


ج:
هنالك أمران:

* إما أن يكون أفطر ذلك بسبب مرض وذلك المرض لا يرجو منه الشفاء فهذا كان ينبغي له أن يُطعِم عنه(5) وإذا لم يطعِم فإنه يُطعَم عنه بعد ذلك .. إذا كان قد أوصى بذلك فالأمر واضح، وإن كان لم يوص بذلك فينبغي أن يُقنَع الورثة-إن كانوا بالغين عقلاء-بذلك، وأما إذا كانوا بخلاف ذلك-أي منهم المجنون أو الصبي الذي لم يصل إلى سنّ البلوغ-فالأمر لا يخلو من إشكال، ذلك لأنّ هذه الكفارة لم يُتفق بين أهل العلم عليها:

1- منهم من يقول: إنّ المريض الذي وصل إلى هذا الحد ليس عليه الإطعام.

2- ومنهم من يقول: عليه الإطعام.

فأنا أقول: إنه ينبغي لبعضهم أن يتبرع عنه مخافة الوقوع في المحظور.

* أما إذا كان قد أفطر بسبب سفر .. مثلا سافر ومات و-طبعا-لم يتمكن من القضاء-لأنّ الشهر لا زال باقيا-أو كان ذلك بسبب مرض يرجو منه الشفاء بحسب الظاهر فإنه يُؤمر الأولياء بأن يقضوا عنه، للحديث الذي ذكرناه [ ص7 ]؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
ما حكم مرافقة المرأة للجنازة أثناء التشييع ؟


ج:
أما إذا كانت تذهب إلى أن يُصلى عليه فالأمر يختلف، وأما إذا كانت بعد الصلاة .. أي إلى المقابر فلا .. تُنهى عن ذلك، وقد اختلف العلماء في هذا النهي هل هو للتحريم أو الكراهة.
ومهما كان لا ينبغي للإنسان أن يرتكب ما نهى عنه الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولو كان ذلك على سبيل الكراهة، إذ إنه لا يمكن أن يَنهى عن شيء إلا لسبب واضح من الأسباب، والله-تبارك وتعالى-لا يُعبد بالمكروه.
فإذن النساء تُنهى-نهيَ تحريم على رأي بعض أهل العلم، ونهي كراهة على رأي بعض أهل العلم-عن الذهاب إلى المقابر، وإذا كانت هذه المرأة أُمّا أو أختا أو جدة أو قريبة للميت فالنهي أشدّ، لأنها لا تستطيع أن تصبر على ذلك، إذ إنّ المرأة معروف عنها هذا الأمر فلتنتهِ ولتترك متابعة ذلك.
أما بالنسبة إلى صلاة النساء على الموتى فالأمر لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون هنالك بعض الرجال الذين يصلون على الجنائز أو لا(6):

* فإذا لم يكن هنالك أحد مِن الرجال فإنّ النساء يُؤمرن بأن يصلين على الجنازة.
وقد ذكَر بعض العلماء أنّ الخلاف الموجود بين العلماء في صلاة المرأة على الميت إنما هو عند وجود الرجال، أما عند عدم وجود الرجال فإنهن يؤمرن بالصلاة، لأنّ الصلاة (7)-على الصحيح-من فروض الكفايات، وإذا لم يوجد أحد من الرجال يقوم بهذا الفرض فإنّ المرأة مأمورة بذلك.

* أما إذا وُجد الرجال(8) فقد اختلف العلماء في ذلك:

1-قيل بأنهن يصلين على الجنائز.

2-وقيل: لا يصلين.

3-وقيل: إن كانت الميتة امرأة فتصلي وإن كان الميت رجلا فلا.

والذي يظهر لي أنه لا مانع مِن صلاتهن، وقد ثبت أنّ النساء قد صلين على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهكذا صلّت أمهات المؤمنين على بعض الصحابة كسعد بن أبي وقاص رضي الله-تعالى-عنه، وهنالك أدلة أخرى لا داعي لذكرها الآن، فلا مانع من صلاة المرأة على الميت.
هذا وقولي: " أنه إذا كان هنالك أحد من الرجال تسقط عن المرأة "(9) إذا كان من الرجال البالغين، أما إذا كان صبيا فإنه لا تسقط به الصلاة، لأنّ هذه الصلاة-على الصحيح-مِن فروض الكفايات وغير البالغ لا تجزي منه فلابد مِن أن تصلي النساء عليه؛ والله أعلم.


س:
ما الأوقات التي يُنهى فيها عن الصلاة على الميت ؟


ج:
قد اختلف العلماء في هذه القضية:

1- ذهب بعضهم إلى أنه لا يُنهى عن الصلاة على الميت في أيّ وقت مِن الأوقات.
وقد حكى بعض العلماء اتفاق أهل العلم على ذلك، وحكاية هذا الاتفاق لا شك أنها خاطئة.

2- وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يُنهى عن الصلاة على الميت في ثلاثة أوقات:

* عند طلوع الشمس حتى ترتفع بمقدار قيد رمح.

* وعند استواء الشمس في كبد السماء وذلك في الحر الشديد عند بعضهم، ومطلقا عند طائفة منهم.

* وعندما يغرب قرْن مِن الشمس-أي عندما يبدأ جزء مِن الشمس في الغروب-حتى تغرب الشمس تماما؛ وهذا القول هو القول الصحيح، وذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عُقبة بن عامر-رضي الله تعالى عنه-أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-نهى عن دفن الأموات في هذه الأوقات، إلا أنّ بعض العلماء حمل هذا النهي على دفن الأموات وقال: " إنه لا بأس مِن الصلاة في هذه الأوقات، وإنما ينهى عن دفن الأموات فيها "، وهذا ليس بشيء، والصحيح في هذه القضية أنه يُنهى عن الصلاة عليهم وعن دفنهم في هذه الأوقات الثلاثة.
أما بالنسبة إلى الأوقات التي تُكره فيها صلاة التطوع فإنه لا يُنهى عن دفن الأموات وعن الصلاة عليهم فيها، وذلك لأنّ هذه الصلاة مِن الصلوات السببية والصلوات السببية تُستثنى مِن النهي، وذلك لأنه لا شك أنه يختلف النهي إذا كان مقصودا بالذات أو كان مِن باب الوسائل، وبذلك يتبين أنه لا مانع مِن الصلاة في الأوقات التي تُكره فيها الصلاة وإنما يُمنع مِن الصلاة على الميت في الأوقات التي يُنهى عن الصلاة فيها نهي تحريم؛ وذلك النهي على التحريم على رأي طائفة مِن أهل العلم-وهو الذي يظهر لي-وقال بعضهم أنه للكراهة؛ والله أعلم.


س:
إذا أردنا أن نضرب على ذلك مثالا .. في حال اصفرار الشمس وقرب مغيبها، هل تصح الصلاة ؟


ج:
في ذلك خلاف بين أهل العلم، وذلك أنهم اختلفوا في النهي .. هل يَبدأ وقت النهي بغروب جزء بسيط مِن الشمس أو أنه يبدأ قبل ذلك:

1- فبعض العلماء قال: " يبدأ النهي بغروب جزء مِن الشمس .. أي إذا غرب جزء قليل جدا مِن الشمس فيدخل وقت النهي "؛ وهذا قول طائفة كبيرة مِن أهل العلم.

2- وبعضهم يقول بأنّ النهي قبل ذلك بوقت .. بحوالي عشر(10) أو ربع ساعة تقريبا.

والقول الأول هو القول المشهور.


س:
وهل يشمل ذلك لحظات الدفن أيضا ؟


ج:
على نفس الخلاف فيما يظهر، ولكنّ الحديث نصٌّ على أنّ المنهي عنه عندما تغرب الشمس، ويُؤخذ بظاهر الحديث إلا إذا ترك أحد ذلك على جهة الاحتياط فذلك لا بأس منه، وإلا فالحديث نصٌّ على ما ذكرناه.


س:
الناس فيما يقرؤون أنهم بعد التكبيرة الثانية في صلاة الجنازة يأتون بالفاتحة والبعض يأتي بتسبيح وبغير ذلك، فأيهما الأصح ؟ بعد التكبيرة الثانية، ما الذي يأتي به الإنسان ؟


ج:
اختلف العلماء في هذه المسألة على عدّة أقوال:

1- ذهب بعض العلماء إلى عدم مشروعية الإتيان بفاتحة الكتاب في صلاة الجنازة رأسا، فقالوا: " إنه لا يُشرع للإنسان أن يأتي بفاتحة الكتاب فيها ".

2- وذهب بعضهم إلى أنه إن أتى بها وقصد بذلك الدعاء فلا بأس، أما أن يقصد بها التلاوة المعروفة التي يُؤتى بها في صلاة الفريضة وصلوات النوافل فلا.

3- وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يأتي بها بعد التكبيرة الأولى فقط؛ وهذا مذهب طائفة كبيرة مِن أهل العلم، وهو الذي جاء عن إمام الذهب جابر بن زيد رحمه الله تبارك وتعالى.

4- وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يأتي بعد التكبيرة الأولى وكذا بعد التكبيرة الثانية بفاتحة الكتاب:

- منهم مَن قال: إنه يقتصر على الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وكذا بعد التكبيرة الثانية.
- ومنهم مَن قال: إنه يأتي بعد التكبيرة الأولى-طبعا-بالاستعاذة وبعد ذلك بفاتحة الكتاب ثم يحمد الله ويمجده ويهلله وبعد ذلك يكبر التكبيرة الثانية ثم يأتي بفاتحة الكتاب ثم يحمد الله ويمجده ويهلله ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وهذا المذهب هو الذي رواه صاحب " المدوّنة " عن الإمام أبي عبيدة رحمه الله، وقد أخذَت به طائفة مِن أصحابنا.
إلى غير ذلك مِن الأقوال.
والصحيح عندي-ما ذهب إليه الإمام جابر، وجماعة مِن أهل العلم بل هو مذهب جمهور الأمّة، وهو-أنه يأتي بعد التكبيرة الأولى بالاستعاذة وفاتحة الكتاب وبعد الثانية يصلي على النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-والأفضل أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية المشهورة-وإن اقتصر على صلاة مختصَرة كأن يقول: " اللهم صل على محمد وعلى آله " أو " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " أو ما شابه ذلك مِن الألفاظ فلا بأس، ولكنّ الأفضل أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية كما قلتُ-ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو ويكبر بعد ذلك التكبيرة الرابعة ويسلّم(11).
وبعضهم قال: إنه يدعو بدعاء مختصر بعد التكبيرة الرابعة وقبل السلام، كأن يقول: } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار { [ سورة البقرة، من الآية: 201 ].
فهذا القول-الذي ذكرناه-وهو أنه يأتي بالفاتحة مرة واحدة هو القول الصحيح، لرواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقد اختلفوا في الفاتحة هل هي فريضة بل ركن مِن أركان هذه الصلاة أو إنها سنّة؛ والذي يظهر لي-وهو مذهب طائفة كبيرة مِن أهل العلم-أنها فريضة وركن مِن أركان هذه الصلاة، وذلك لحديث: ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ) وهو حديث صحيح .. عند الإمام الربيع(12) والشيخين وغيرهم، وحديث: ( كل صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداجٌ فهي خِداجٌ فهي خِداجٌ ) وهو عند الإمام الربيع(13) وعند غيره مِن أئمة الحديث، فقوله في الحديث الأول: ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ) نصّ صريح، وقد قلنا(14): " إنه يُحكم على صلاة الجنائز بما يُحكم به على صلاة الفرائض-أو تعطى نفس الحكم الذي تعطى صلاة الفريضة-إلا إذا دل دليل على خلاف ذلك "، أما ما جاء في رواية ابن عباس مِن النصّ على أنها سنّة أو ما شابه ذلك فكما قلتُ أكثر مِن مرة: " إنه لا ينبغي للإنسان إذا وَجد لفظ ' السنّة ' على لسان الصحابة-رضي الله تبارك وتعالى عنهم-أن يَحكم بأنهم أرادوا بذلك الأمر أنه مسنونٌ .. كلاّ بل يريدون بذلك الطريقة، وتارة تكون فريضة، وتارة تكون سنّة "، وقد مثّلتُ لذلك بقول السيدة عائشة: " سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر "(15).
وهذا الذي ذكرتُه الآن مثال ثاني.
وكذلك هنالك عن ابن عباس-رضي الله تعالى عنه-عندما ذكر صلاة المسافر خلف الإمام المقيم قال: " سنّة نبيكم "، ومِن المعلوم أنه لابد مِن متابعة الإمام في هذه القضية، على الرأي الصحيح الذي عليه الجمهور، خلافا لابن حزم ومَن تابعه.وكذلك ما جاء عن ابن مسعود: " لتركتم سنّة نبيكم " مع أنه يريد أنها فريضة.إلى غير ذلك.
وهكذا بالنسبة إلى غير ذلك مِن الألفاظ.
ومِن هنا قال بعض أهل العلم عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة واجب .. قالوا: " لم يُرِد به الوجوب المتحتم، وإنما أراد أنه سنّة مؤكدة فأطلق الواجب ولم يُرد به الوجوب "، وهذه المسألة فيها خلاف شهير لا داعي لذكره الآن.
وهكذا بالنسبة إلى لفظ " المكروه "، ففي كثير مِن الأحيان لا يُراد به المكروه المعلوم وإنما يراد به المحرّم.
وقد جاء ذلك-أيضا-على لسان طائفة مِن أهل العلم المتقدمين؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.



س:
امرأة مِمّن يباشرون تغسيل الأموات في مقبرة عامة تقول: في بعض الأحيان يأتون إلينا بجثث متعفنة .. في بعض الأحيان بجثث مشوهة نتيجة حادث معيّن لا نستطيع أن نتعامل معها في التغسيل ولكنّ أهلها يجبروننا على ذلك، فهل يصح لهم ؟ وهل تغسل مثل هذه الحالات ؟


ج:
إذا أمكن ذلك فلابد مِن الغسل، أما إذا لم يمكنذلكأبدافلاشيءعليهنفيتركالغسل، ذلكلأنّ الله-تبارك وتعالى-لا يكلف نفسا إلا وسعها، أما إذا كان بعض النساء يتقزّزن مِن ذلك أو ما شابه ذلك ويمكن لغيرهن أن يقمن بتغسيل هذه المرأة التي أصابها ما أصابها بسبب هذا الحادث أو ما شابه ذلك فلابد مِن التغسيل، فإذن العبرة هل يمكن أو لا يمكن.
فإن لم يمكن اختلفوا في ذلك:

1- مِن أهل العلم مَن يقول: إنه يتيمم لذلك الميت-طبعا-كان رجلا أو امرأة.

2- ومنهم مَن ذهب إلى أنه لا يتيمم له، ذلك أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعية التيمم، ومِن المعلوم أنّ غسل الميت يُقصد به النظافة وما دام كذلك فالتيمم ليس فيه شيء مِن النظافة اللهم إلا إذا كان ذلك التيمم الذي يراد به البدل مِن الوضوء، أما التيمم الذي يراد به البدل مِن الغسل فلا دليل عليه، هذا الذي يظهر لي.
وقد خرّج الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-في معارجه ذلك على ما ذكرتُه هنا .. لا أقول: " إنّ الشيخ-رحمه الله تبارك وتعالى-ذهب إلى ذلك " لأنه لم يتعرض-حسب حافظتي-إلى الترجيح في هذه القضية، ولكنه سوّغه بعد أن ذكر الإمام الكدمي-رحمه الله-بأنه لا يوجد في المذهب .. سوّغه الإمام السالمي-رضي الله تعالى عنه-ورأى أنّ له وجها مِن الحق؛ وهو كذلك.
فإن تيمموا بقصد أن يكون ذلك عوضا عن الوضوء-لأنّ الوضوء مشروع في غسل الميت، وإن كان الوضوء في غسل الأموات طبعا لا يجب، وإنما هو سنّة-فذلك لا بأس به، وإن أخذوا برأي مَن يقول بالتيمم وتيمموا به بإرادة التيمم الذي يراد به أن يكون عوضا عن الغسل فأيضا لا بأس بذلك بمشيئة الله تبارك وتعالى، وإن أمكن أن يصبّوا عليه الماء-فقد قال بعض العلماء أنهم يصبون عليه الماء-صبّا-طبعا-إذا كان يصل إلى جسده ثم بعد ذلك تزال تلك الثياب فهذا لا شك أنه يُقدَّم على التيمم.


س:
في بعض الأحيان تؤتى بالجثة مغطاة في كيس فإذا فتحت خرجت منها رائحة لا تطاق ؟


ج:
هذا لا يمكن، و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ... } [ سورة البقرة، من الآية: 286 ] { ... لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ...} [ سورة الطلاق، من الآية: 7 ] { ... يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْر ... } [ سورة البقرة، من الآية: 185 ] { ... ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج ... } [ سورة الحج، من الآية: 78 ]، فلا يكلف الله-تبارك وتعالى-بتغسيل هذا الميت الذي وصل إلى هذا الحد، فيسقط بذلك بمشيئة الله؛ والله أعلم.


س:
هل يُرش على الكيس ماء في هذه الحالة ؟


ج:
يُرش الماء فوق الكيس ! ما الفائدة ؟! هل سيصل إلى الميت ؟! لن يصل .. إذن لا قيمة لهذا .. هذا فيه إتلاف للماء مِن دون فائدة.


س:
البعض يضع تحت رأس الميت حجرة ربما كوسادة، فهل ذلك مِن السنّة ؟


ج:
هذه المسألة-وهي وضع شيء تحت رأس الميت-اختلف فيها أهل العلم:

1- منهم مَن يقول: إنه يوضع تحت رأسه لبنة صغيرة.

2- ومنهم مَن يقول: لا يوضع تحت رأسه شيء؛ وهذا القول هو الظاهر عندي، وإن كان لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا ولا على هذا، ولكنّ الراجح-كما قلتُ-هو أنه لا يوضع تحتَه(16) شيء، وذلك لأنّ هذا هو الأصل، ومَن قال بمشروعية شيء آخر فإنه هو الذي يُطالب بالدليل، فعدم الدليل في قضيتنا يكفي للاستدلال به على عدم مشروعية وضع شيء .. هذا الذي نراه.


س:
يذكر العلماء في مصنفاتهم بأنه بعد وضع الميت في لحده يُكشَف عن وجهه، فهل ذلك مِن السنّة ؟


ج:
هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم؛ ولم يأت فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما رُوي عن عمر-رضي الله تعالى عنه-أنه أمر بأن يُؤخذ الثوب عن وجهه وأن يوضع على الأرض مباشرة، ولكنّ هذا-أوّلا-لو صحّ-طبعا-هو مذهب صحابي وليس فيه حجة، إذ الحجة لا تقوم إلا بكتاب الله-تبارك وتعالى-وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما يرجع إليهما بوجه مِن الوجوه المعتبَرة، أما مذاهب الصحابة-رضي الله تبارك وتعالى عنهم-إذا لم يتفقوا جميعا على شيء فإنه لا يُعوَّل عليها، على أنّ هذا الأمر مِن عمر-رضي الله تعالى عنه-لم يثبت عنه، لأنه مِن طريق مجالب وهو ليس بحجة لضعفه في الرواية، فذلك لا يثبت عنه رضوان الله-تبارك وتعالى-عليه.
نعم، الذي يظهر لي أنه لا يُكشف عن وجهه، وذلك لأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أمر بأن يُكشف عن رأس ووجه مَن مات وهو محرِم، وفي ذلك دلالة على أنه إذا مات الإنسان أنّ الأصل فيه ألاّ يُكشَف عن وجهه، ولذلك أمر النبي- صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه-بألاّ يُغطَّى وجه المحرِم، وهكذا بالنسبة إلى رأسه، أما رواية الرأس فهي صحيحة .. عند الإمام الربيع(17) وعند الإمام البخاري وغيرهما، وأما رواية النهي عن تغطية وجه المحرِم فهي عند الإمام مسلم، وقد اختلف العلماء في ثبوتها:

1- منهم مَن ذهب إلى أنها شاذّة ولا تثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذهبوا إلى أنه يُؤمر بكشف الرأس لا الوجه، بل قالوا: " إنّ المحرِم لا دليل على أنه يُؤمر أو(18) يُنهى عن تغطية وجهه ".

2- وبعض العلماء ذهب إلى إثبات هذه الرواية.
وعلى كل حال فهي بحاجة إلى شيء مِن البحث والنظر والتمحيص حتى نَحكم بثبوتها أو بعدم ثبوتها، وذلك لأنّ الرواية الأخرى ثابتة صحيحة فلماذا سكتوا عن هذه الزيادة والأصل أنه لا يُسكت عن مثل هذه الزيادة اللهم إلا إذا كانوا أرادوا أنّ الوجه داخل في الرأس ؟! .. الأصل أنه لا يَدخُل في الرأس ولكن قد يُدخَل فيه لعلّة أو لأخرى، فنظرا لهذا الاحتمال نقول: " إنه لا يمكن أن نجزم بشذوذ هذه الرواية "، والظاهر أنه يُكشَف عن وجه المحرِم وعن رأسه، لأنّ رواية الكشف عن الرأس يمكن أن تكون شاملة للأمرين معا.
وفي هذا-كما قلتُ-دلالة ظاهرة على أنّ غير المحرِم لا يُكشَف عن وجهه .. هذا ما يظهر لي؛ والعلم عند الله تعالى.


س :

ورد في روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يغسلن ابنته بالماء والسّدر، ولكنّ العلماء يذكرون في غسل الميت أنه يُغسل أوّلا بالماء القراح، فمِن أين أتت هذه الزيادة ؟


ج:
هذه الرواية صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأرى أنه يُؤخذ بظاهر الحديث، لأنني لم أجد دليلا يدل على خلاف هذا الظاهر، فيُغسل مِن أوّل مرة بالماء والسّدر؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س :
ما هي الطريقة الصحيحة لغسل الميت؟



ج:
على كل حال؛ هي لا تختلف عن هيئة غسل الجنابة، فالكيفية هي الكيفية(19)، فإذا أراد مَن يقوم بتغسيل الميت أن يُغسِّل الميت فإنه أوّلا يقوم بنزع ثيابه الأصلية-إذا كانت ثيابه تلك لم تُنزع مِن قبلُ، وإلا فإنه ينبغي عندما يُتحقق مِن موت الميت أن تُنزع عنه ثيابه الأصلية ويغطى بثوب عادي، وإن كان ذلك ليس على طريق الإلزام-وتُستر عورتُه-طبعا-قبل نزع الثوب، لأنه لا يمكن أن تُبدى لأحد-ولا ينبغي أن يَحضر تغسيل الجنازة إلا مَن كان يقوم بمساعدة ذلك الذي يقوم بتغسيل ذلك الميت، أما أن يأتي بعض الناس ويجلس مِن أجل النظر وما شابه ذلك فلا إلا إذا كان هنالك مصلحة بأن يريد بعض طلبة العلم أو ما شابه ذلك أن يتعلم، لأنّ تعلّم هذه الكيفية بالفعل أوضح مِن تعلمها بالقول-فإذا نُزعت ثياب ذلك الميت بعد ستر عورته-والمراد بالعورة ما بين الركبة والسرة-فإنه يُؤمر بأن يَرفَع الميت إلى أن يَقرب مِن حالة الجلوس ولا يُجلِسه لكن يكون قريبا مِن ذلك، ويكون ذلك بيسر وسهولة، ثم بعد ذلك يُؤمر بأن يَمسح على بطنه إن لم تكن امرأةً حاملا-أما إذا كانت المرأة حاملا فلا يؤمر بذلك، فإن لم تكن امرأة حاملا فإنه يُؤمر بذلك-مِن أجل أن تَخرج الفضلات التي يمكن أن تخرج، ثم يُغسَّل الموضع الذي تخرج منه النجاسة-وهو الموضع المعروف-بالماء .. طبعا هنا لا يُحدَّد بمرّات، وإنما يُحدَّد بالحاجة التي تقتضيها النظافة، فعندما يتأكد ذلك المُغسِّل بأنه قد زالت النجاسة ولم يبق منها شيء فإنه يترك تغسيل ذلك الموضع، ولابد مِن أن يضع على يده شيئا كخِرقة مثلا، لأنه ليس له أن يُباشِر عورة الميت بيده إلا إذا كان ذلك الميت صغيرا، ومع ذلك الأوْلى ألاّ يباشر عورته .. بعد ذلك يقوم بالوضوء للميت .. يُوضِّئ ذلك الميت كهيئة الوضوء المعروفة لكن-طبعا-لا يُدخِل شيئا مِن الماء في فيه .. أوّلا ينوي تغسيل الميت ويُسمّي الله .. إن قال: " بسم الله " فذلك لا بأس وإن قال: " بسم الله الرحمن الرحيم " فلا بأس، وقد اختار كثير مِن أهل العلم أن يَقتصر على قوله: " بسم الله "-ولعلّنا نتكلم على ذلك في موضع آخر بمشيئة الله تبارك وتعالى-ويقوم بغسل يدي الميت ثلاث مرات .. إن وَضع المُغسِّل على يديه شيئا فذلك أفضل وإن لم يضع شيئا فلا بأس، أما بالنسبة إلى العورة فلابد مِن أن يضع على يده شيئا كخرقة كما قلتُ .. يُوضِّي الميت كالوضوء المعروف لكن لا يضع ماء في فيه وإنما يأخذ بيديه شيئا مِن الماء-مجرد بلل-ويُدلِّك أسنانه .. يُنظِّف أسنانه، وهكذا بالنسبة إلى الاستنشاق لا يأخذ شيئا مِن الماء، ثم يأتي بهيئة الوضوء المعروفة، فإذا انتهى مِن ذلك فإنه يقوم بغسل رأسه بماء وسدر ولكن لا يأخذ شيئا مِن السّدر وإنما يَخُضُّ الماء بالرغوة الموجودة في ذلك الماء .. هذا فيما يتعلق برأسه ولحيته أي فيما يتعلق بموضع الشعر .. يَغسِل أوّلا الشعر كله، ثم يبتدئ بغسل الميت مِن الجانب الأيمن كهيئة غسل الجنابة .. اليد اليمنى وما يليها إلى نهاية الجانب الأيمن .. يغسل البطن مِن الجانب الأيمن أيضا، ثم بعد ذلك يقوم بغسل الظهر مِن الجانب الأيمن، ثم يغسل الجانب الأيسر .. اليد وما يليها-أيضا-مِن العنق، وهكذا بقية الجسد إلى القدم، ويغسل الجانب الأيسر مِن البطن، ثم بعد ذلك يغسل الجانب الأيسر مِن الظهر .. هذه هي الكيفية باختصار شديد.


س:
يتجاوز مِن السرة إلى الركبة، لأنه غسله في البداية ؟


ج:
هو-في الحقيقة-لم أجد دليلا بأنه أوّلا لابد مِن تغسيل ما بين السرة إلى الركبة بكامله، وإنما أوّلا يَغسِل الفرجين، فإذا كان غسل ذلك الموضع مِن قبلُ فَليس بحاجة إلى أن يعيد ذلك مرة ثانية، وإلا فالأصل أنني لم أجد دليلا يدل على أنه يُقدِّم ذلك بل يُؤخِّره إلى عند (20) الغسلة المعروفة.-
ويَصنع-طبعا-هذا ثلاث مرات أو خمس مرات أو سبع مرات أو أكثر مِن ذلك إذا كانت هنالك حاجة، كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي المرة الأخيرة-طبعا-لا يكون هنالك شيء مِن السّدر بل يكون الماء العادي ويضع معه شيئا مِن الكافور؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
إذن فهما غسلتان بالماء والسّدر والماء والكافور ؟


ج:
هي ثلاث مرات .. أوّلا كلّهن بالسّدر .. ثلاث أو خمس أو سبع أو حتى أكثر، والأفضل أن يكون وترا.


س:
مشروعية الفاتحة في صلاة الجنازة .. بعض الروايات هكذا ذكرَتْ، لكن هناك-أيضا-ما ورد يُثبت مشروعية قراءة سورة بعد الفاتحة، فهل هذا صحيح ؟


ج:
أما الرواية بقراءة الفاتحة فهي صحيحة كما قدّمنا [ ص3 ]، وأما بالنسبة إلى زيادة السورة فقد جاءت عند بعضهم ولم تأت عند بقية مخرِّجي هذا الحديث، فهي بحاجة إلى شيء مِن النظر، فأخشى ما أخشاه أن تكون هذه الزيادة شاذّة و-على كل حال-هي بحاجة إلى البحث كما قلتُ؛ والله أعلم.


س:
بعد الدفن، هل تُشرع قراءة الفاتحة ؟ وإن كان لا يُشرع، فما هو الثابت في السنّة ؟


ج:
على كل حال؛ هذا الجواب يحتاج إلى إطالة، فإمّا أن تؤخِّر ذلك أو أن أجيب باختصار شديد ولعله لا يكفي في مثل هذه المسألة التي انتشر الكلام فيها كثيرا؛ والله أعلم.


س:
لا .. إذن نؤخره (21).

س :
هل مِن الضروري أن يُسنَّم القبر أم يُسطَّح ؟وما هي الحكمة في وضع حجرين للذكر وثلاث حجرات للأنثى ؟


ج:
أما بالنسبة إلى تسطيح القبر أو تسنيمه فالعلماء اختلفوا في الأفضل؛ والأفضل التسنيم، هذا هو الذي يظهر لي، وذلك لأنه قد ثبت أنّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان مُسنَّما، أما ما جاء في رواية أخرى مِن أنه كان بخلاف ذلك فإنّ هذه الراوية ضعيفة، لأنها جاءت مِن طريق مجهول وهو عمرو بن عثمان، بينما الرواية الأخرى صحيحة ثابتة، فرواية التسطيح لا تَثبت، فالأوْلى أن يكون مُسنَّما اللهم إلا إذا كان-في ديار حرب .. أي-(22) في ديار الكفرة ويُخشى مِن أن يقوم الكفرة بنبش قبر ذلك المسلم الذي دُفن هنالك فإنّ القبر يُسوَّى لأجل هذه المصلحة، وإلا فإننا نأخذ بما فعله الصحابة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا الحال بالنسبة إلى قبري صاحبيه رضوان الله-تعالى-عليهما.
أما بالنسبة إلى الحكمة في وضع حجرين على قبر الرجل وثلاثة على قبر الأنثى ففي الحقيقة مَن أراد أن يَنقُش على حجر فلابد مِن إثبات ذلك الحجر قبل النقش عليه، فإننا نحن لا نقول بثبوت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا توجد رواية لا صحيحة ولا حسنة ولا ضعيفة خفيفة الضعف تدل على مشروعية هذا الأمر، وإنما الذي جاء أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أَمَر بوضع حجر على قبر أحد صحابته-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-مِن أجل أن يَعرف النبي صلى الله عليه وسلم قبر ذلك الصحابي رضوان الله عليه، وهذه الرواية لا بأس بها على ما يظهر لي.أما ما ذكره بعض أهل العلم-جزاهم الله تبارك وتعالى خيرا-مِن وجود رواية أخرى تدل على وضع الحجرين وما ذكروه مِن أنّ هذه الرواية مُثبِتة والرواية الأخرى نافية-في الحقيقة ليست بنافية هي يمكن أن يقال ساكتة-فتُقدّم الرواية المثبِتة .. نعم، لو ثبتت هذه الرواية فلا كلام، ولكنّ هذه الرواية لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بيّن الإمام العلاّمة أبو نبهان-رحمه الله-بأنه لم يثبت في ذلك شيء، فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء أبدا في وضع حجرين ولا ثلاثة لا على قبر الرجل ولا على قبر المرأة، وإنما هو مِن صنيع بعض الناس وانتشر وشاع وذاع فظنّ بعض أهل العلم أنّ ذلك مِن السنن الثابتة وليس كذلك، وهذا قد وقع في كثير مِن المسائل؛ والله-تبارك وتعالى-وليّ التوفيق.



س:
أنا أخشى فقط ألاّ يَفهم البعض الكلام على مراده، هل في وضعها-الآن-بأس ؟



ج:
على كل حال؛ نحن لم يثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلا ذكرته [ص9] من قضية الحجر الواحد وأيضاً لمعنى آخر ، أمابالنسبة إلى وضع حجرين أو ثلاثة والتفريق بين المرأة والرجل فذلك لم يثبت.

ولكن كثيرٌ مِن الناس يفعلون ذلك فيمكن أن ننبه الناس بأسلوب لطيف مِن غير أن يكون هنالك أخذٌ وردّ وقيل وقال وأن يؤدي إلى سبّ بعض أهل العلم أو شتمهم كما يقع مِن بعض العوام الجهلة الأغمار الذين لا يفقهون شيئا مِن شرع الله تبارك وتعالى، فالسكوت في بعض الأحيان عن بعض هذه الأمور التي لا تصل طبعا إلى درجة التحريم أو الإيجاب أهون مِن سبّ أهل العلم والقَدح فيهم وما شابه ذلك، فعندما يريد الإنسان أن ينبه على شيء فليكن بأسلوب لائق ثم لا يلزم أن يكون في وقت الدفن، لأنه قد يتدخل بعض أهل الميت ويظنون أنّ في ذلك نَقصا لميتهم أو ما شابه ذلك، وللعوام حالات غريبة؛ والله-تبارك تعالى-أعلم.


س:
إذن تُترك لوعي الناس بِتقدّم الزمن ؟



ج :

نحن علينا أن ننبه ونخبرهم بأن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن ـ طبعا ـ لا يصل إلى درجة التحريم.


س:
هل الأوْلى لحاضر الدفن القيام أم الجلوس، لأنّ البعض يقول: إنّ الله-تعالى-قال لنبيه: { ... وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ... } [ سورة التوبة، من الآية: 84 ] قال: إنّ الأصل في أثناء الدفن القيام وأنّ جلوس النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعارض لأجل مخالفة اليهودي الذي مرّ بهم حينئذ؛ فهل يستقيم هذا الاستدلال ؟ وماذا ترون ؟ ومتى يَبدأ هذا القعود .. هل عندما يوضع في القبر أم قبل ذلك ؟



ج:
على كل حال؛ المسألة فيها كلام طويل عريض لأهل العلم، ولكن الآية لا يراد بها هذا القيام الذي يذكره هذا الأخ السائل، للآية معنى آخر ليس هذا، والوقتُ لا يكفي لذلك.
وأما الجلوس بعد وضع الميت في الأرض فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن هل يُنهى عن الجلوس قبل وضع الميت في الأرض ؟

1- فبعض العلماء يقول: ذلك لا ينبغي.

2- وبعض العلماء يقول: الآن نُسِخ.
فالحاصل لا وجوب ولا تحريم في القضية، ولكن هل الأفضل الجلوس أو الأفضل القيام ؟ هذه المسألة فيها خلاف؛ ولا يمكننا أن نطيل في ذلك في هذا الوقت؛ والعلم عند الله.

س:
ما قولكم في امرأة أطلقت على نفسها النار ببندقية وماتت إثر الطلقة فورا والسبب يرجع بينها وبين أهلها في عدم رضاهم عن زواجها وكلما دخلت منزل أهلها لرؤيتهم لا أحد يتحدث معها ولا يردون عليها السلام إذا سلمت عليهم ؟ وهل يُصلى على الذي قتل نفسه ؟



ج:
إنه مهما كانت الأسباب لا يجوز للإنسان أن يقوم بقتل نفسه، فمن قتل نفسه متعمدا فهو خالد في نار جهنم(23) والعياذ بالله تبارك وتعالى، كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ فليس له أن يقتل نفسه لأيّ سبب من الأسباب.
أما بالنسبة إلى فِعل أولئك الأهل الذي فعلوه مع ابنتهم لكونهم لم يرضوا بزواجها فلا شك بأنه مخالف لشرع الله تبارك وتعالى، فالوليّ ليس له أن يمنع من هو وليّ ومسؤول عنها مِن أن تتزوّج بمن أرادت إن كان ذلك الشخص لم يكن عاصيا لله تبارك وتعالى، أما إذا كان عاصيا لله-تبارك وتعالى-مرتكبا لكبائر من كبائر الذنوب ويَخشى أن يُضِلَّ ذلك الشخص تلك المرأة فهنا لابد أن يتدخل ويحاول أن يُقنع تلك المرأة ومع ذلك-أيضا-لا نقول: " إنه له أن يمنعها من الزواج بذلك الشخص " إلا في حالات نادرة جدا وذلك يكون بسؤاله لأهل العلم، أما أن يمنعها أن تتزوج بمن أرادت ولو كان-طبعا-مرتكبا لشيء من معاصي الله-تبارك وتعالى-فهذا مما لا يصح، فعلى هؤلاء الأهل أن يتوبوا إلى الله-تبارك وتعالى-قبل فوات الأوان، فعسى الله-تبارك وتعالى-أن يتجاوز عن سيئاتهم، وإلا فإنّ الذي فعلوه-والعياذ بالله تبارك وتعالى-ليس من الأمور الهيّنة، بل هو من معاصي الله تبارك وتعالى .. ما ذنب تلك المرأة إذا كانت لا تريد شخصا يريدون هم أن يزوجوها إياه وكانت ترغب في شخص آخر مع أنّ الإسلام قد أحلّ لها ذلك، كما نصت على ذلك النصوص الصريحة ؟! فعلى كل حال هذا هو الذي ينبغي أن يَنتبه له جميع الأولياء، وهو أنه ليس لهم أن يتدخلوا في مثل هذه الأمور .. نعم، ممكن أن يلجأوا إلى النصح والتوجيه والإرشاد ثم يطلبوا بعد ذلك من أهل العلم أن يُوجِّهوا من أرادت أن تتزوج من لا يصلح لها بسبب معصية الله-تبارك وتعالى-وما شابه ذلك، أما أن يمنعوها فليس لهم ذلك، ومن فعل ذلك فلا طاعة له ولا كرامة، ولا ينبغي أن يُلتفت إليه؛ والله-تبارك وتعالى-المستعان.
أما بالنسبة إلى الصلاة على من قتل نفسه فإنه لا يصلي عليه أهل الصلاح ومن يُنظَر إليهم من أهل الفضل، وإنما يصلي عليه بعض العوام، حتى يكون ذلك رادعا لمثله، فإنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-امتنع-كما ثبت ذلك عنه في الحديث الصحيح-من الصلاة على قاتل نفسه، وكذلك امتنع من الصلاة على من غَلّ في سبيل الله، وقد اختلف العلماء هل ذلك مقصور على هذين الصنفين أو أنه شامل لكل من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب تساوي في بشاعتها هاتين المعصيتين أو تزيد عليهما ؟ ولا شك أنّ القول بالقياس عليهما هو القول الصحيح، فمن وقع في مثل هذه المعاصي الجرائم الكبيرة فإنه لا يصلي عليه أهل الفضل، وإنما يصلي عليه بعض العوام؛ والله المستعان.


س:
بالنسبة للكفن الذي كُفِّنت به .. جرى دم من مجرى الطلقة، فهل يُصلى عليها في هذه الحالة أم يُغيَّر الكفن مرة أخرى ؟


ج:
لكن إذا غُيِّر الكفن قد يكون الأمر كذلك في المرة الثانية فيصلى عليها لكن قبل كل شيء يحاولون بأن يضعوا شيئا من القُطن-أو ما شابه ذلك-في الموضع الذي يَخرج منه الدم، فإن لم يمكن أن يقف ذلك الدم فلا حول ولا قوة إلا بالله .. يصلون عليها ولا بأس، أما إذا أمكن إيقاف ذلك بوضع شيء عليه فلابد من استعمال ذلك.


س:
هل يحق للزوج المطالبة بما دفعه مهرا لها ؟ علما بأنّ أهلها هم السبب الرئيسي بإطلاق النار على نفسها وموتها.


ج:
ما نستطيع أن نقول أنّ له شيئا من ذلك، لأنها هي التي قَتلت نفسها .. لم تُجبَر على ذلك.


س:
هل يجب أن يكون غسل الميت كغسل الجنابة بحيث يقدم الرأس ثم الميامن قبل المياسر وهكذا ؟


ج:
لا، ليس ذلك على الإيجاب، وإنما على الندب والاستحباب، فقد أمر النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بأن تُقدَّم الميامن-كما ثبت ذلك في الصحيح-ولكنّ ذلك على الندب-كما قلتُ-فلا ينبغي أن تُخالف هذه الهيئة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن من خالف ذلك لعدم معرفته بذلك-مثلا-أو لسهو وذهول أو ما شابه ذلك فلا شيء عليه بمشيئة الله، أما أن يتعمّد الإنسان أن يُخالِف السنّة الثابتة فإنّ ذلك مما لا ينبغي.


س:
هل يُمكن للمُغسِّل أن يضع قفازين أو خرقة على يده طوال الغسل وليس فقط عند غسل العورة فقط ؟


ج:
نعم، أنا قلتُ بالأمس ((24 بأنه يمكن له ذلك، أما عندما يقوم بتغسيل الفرجين فلابد من ذلك، أما بالنسبة إلى بقية أعضاء الجسم فإذا فعل ذلك فذلك حسن، وإن كان ذلك لا يلزم.


س:
يعني القفازان-الآن-تقومان مقام الخرقة ؟


ج:
الحاصل يضع شيئا على يده التي يباشر بها الغسل.


س:
البعض يضع قطنا في فرج الميت، فهل ورد في السنّة ما يشير إلى ذلك ؟


ج:
على كل حال؛ ورد في السنّة الأمر بتطييب الميت، أما أنه يوضع في الموضع الفلاني وفي الموضع الفلاني أو ما شابه ذلك فتلك اجتهادات من أهل العلم، وقد اختلف العلماء:

1- منهم من قال: تُطيَّب الأماكن التي يَسجد عليها الإنسان تكريما لتلك الأماكن، أما ما عدا ذلك فلا يحتاج إلى تطييب.

2- ومنهم من يزيد على ذلك الفم والأنف.

3- ومنهم من يزيد على ذلك الفرجين.

4- ومنهم يزيد على ذلك الدبر(25). وطبعا يضع ذلك-على رأي من يقول بذلك-بين الإليتين .. يضعه في قطنة ويضع تلك القطنة فوق ثوب ويربط ذلك الثوب الذي هو كالتُبّان مثلا.
و-على كل حال-بما أنّ ذلك لم يَرِد فلا أرى داعيا ولا حاجةً إلى وضعه في الفرجين، لأنّ هذين الموضعين ينبغي للإنسان ألاّ يباشرهما إلا في حالة الضرورة .. أي في حالة التغسيل، ولكن مع ذلك لو وَضع فلا ينبغي أن يضع في الفرج بنفسه وإنما يضع بين الإليتين ويُحاوِل ألاّ يلمس قدر طاقته، ومع ذلك أرى أنه لا داعي لذلك، وقد نصّ بعض العلماء على أنّ ذلك من البدع التي ينبغي اجتنابها، وذلك حسن؛ والله أعلم.


س:
التكبيرات-طبعا-المعروفة هي أربع تكبيرات، لكن وردت أحاديث تزيد على هذه التكبيرات خمس، كحديث زيد بن أرقم كبّر خمسا ونسب ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان-أيضا-بعض الأحاديث ثبتت .. تصل إلى سبع .. ثمان .. تسع وهلم جرا، ماذا يقال بعد كل تكبيرة ؟ وهل يصح أنّ آخر ما كبّر النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الجنازة أربع تكبيرات .. هل هذا الحديث-أيضا-صحيح؟


ج:
وردت أحاديث متعددة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في مشروعية التكبير على الميت، وقد اتفقت الأمة الإسلامية على ذلك، وإنما وقع بينهم الخلاف في الزيادة على أربع تكبيرات .. هل يزيد المصلي على ذلك في هذه الأوقات ؟ فبعض العلماء ذهب إلى أنّ تلك الزيادة كانت في الماضي ثم نُسخت بعد ذلك، لأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في أواخر أمره كبّر بأربع تكبيرات؛ وذكروا بأنه قد استقر الإجماع على ذلك؛ وليس الأمر كذلك، إذ إنّ الخلاف موجود؛ وقد قال بمشروعية الزيادة طائفة كبيرة من أهل العلم، وهذا القول هو القول الصحيح.
وينبغي للإنسان عندما يجد حكايات الإجماع في كثير من المسائل ألاّ يتسرّع بالحكم على الإجماع بناء على ما ذكروه من حكاية الإجماع، فإنني أجد في كثير من المصنَّفات-كـ " المُغْنِي " وكـ " البحر " وغيرهما-حكاية الإجماع على كثير مِن الأقوال مع أنه قد اختلف العلماء في تلك المسائل على أقوال متعددة، ومن أعجب ما رأيتُ أنني رأيتُ بعض العلماء قد حكى الإجماع على قول من الأقوال وحكى غيرُه الإجماع على عكس ذلك تماما.
فهذه الإجماعات لا ينبغي أن نتسرع في حكايتها وفي الحكم بالتخطئة على من خالفها، وهذه المسألة من ذلك القبيل، فلا إجماع في هذه المسألة أبدا، وإن حكاه من حكاه من أجِلَّة أهل العلم، فالخلاف موجود، والصواب مع من قال بمشروعية الزيادة على الأربع إلا أنه ينبغي أن يكون الأغلب أن يُكبر الإنسان في صلاته على الأموات بأربع تكبيرات، وأما أن يزيد في بعض الأحيان فذلك مما لا مانع منه.
فإذا صلى بخمس تكبيرات-مثلا-فقد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى أنه يدعو بعد التكبيرة الثالثة بدعاء عام وبعد التكبيرة الرابعة يُخصِّص الميت بالدعاء إن كان ذلك الميت صالحا، وهذا وإن لم نجد نصّا صريحا يدل عليه ولكنه لا بأس به.وهكذا إذا زاد على الخمس فلا مانع، لما جاء من الروايات التي تدل على الزيادة، كالستّ والسبع والثمان؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
يبقى إذن ما بعد التكبيرات محصورا في الدعاء فقط ؟


ج:
نعم، محصور في الدعاء، لأنّ هو ذلك المقصود من هذه الصلاة، ولكن لابد من الإتيان بالفاتحة بعد التكبيرة الأولى كما قلتُ بالأمس(26)، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا وقد اختلف العلماء في مشروعية التوجيه-وإن كان هذا لم يَرِد في السؤال ولكنه لا بأس مِن ذكره، لأنّ كثيرا من الناس يسألون عنه-:

1- فمن أهل العلم من قال بمشروعية التوجيه.

2- ومنهم من قال: إنّ الإنسان مخيّر في ذلك.

3- ومنهم من قال بعدم مشروعيته، لأنّ ذلك لم يَرِد عن النبي- صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه-ولأنّ-أيضا-هذه الصلاة مبنية على التخفيف.
وهذا القول-وهو قول من قال بعدم مشروعية التوجيه في صلاة الميت-هو الذي أراه؛ والعلم عند الله.


س:
هل تغسيل الميت يُراد به النظافة أم هو تعبّد محض ؟


ج:
لا نستطيع أن نقول: " إنه من أجل النظافة فقط "، بل هو للأمرين معا فهو تعبد وفي ذلك-أيضا-حكمة ظاهرة وهي النظافة، وذلك يظهر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغسيل ابنته-رضي الله تعالى عنها-بثلاث مرات أو بخمس أو بسبع، فذلك واضح منه، ثم-أيضا-ذلك واضح من التغسيل بالسّدر، وبالأَشْنَان عند الحاجة، ويُستعمل في ذلك الصابون والمنظِّفات العصرية في زماننا هذا زيادة على السّدر إن كانت هنالك حاجة تدعو إلى ذلك.
وقد تكون هنالك حِكم ويكون هنالك-أيضا-تعبُّد .. تجتمع، فمثلا الاغتسال ليوم الجمعة .. هنالك حكمة-ذكرها غير واحد من أهل العلم-وهي النظافة ولكن ليس-أيضا-هي المقصود الوحيد، بحيث إذا كان الإنسان نظيفا لا يقال: " إنه لا يغتسل "، فقد جاء عن بعض الصحابة-رضي الله تعالى عنهم-أنّ الناس كانوا في ذلك الزمان يعملون و-طبعا-لم تكن في ذلك الزمان مكيّفات وما شابه ذلك فكان يَخرج العَرَق منهم بكثرة فتخرج من بعضهم روائح فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، ولكن ذلك مستمر بحيث إنه لو اغتسل شخص بالليل في عصرنا هذا ولم يَخرج منه شيء من العرق ولا شيء من الروائح التي تُكرَه فإنه لا يقال: " إنه لا يؤمر بالاغتسال " .. كلاّ، بل هو مأمور بذلك.
وهكذا بالنسبة إلى مشروعية الرَّمَل في الطواف؛ وبالنسبة-كذلك-إلى مشروعية الاضطباع في الطواف؛ فهنالك حكمة وهنالك مشروعية أيضا.
فمن المعلوم أنّ غسل الميت واجب كفائي، ولابد منه إذا كان الماء موجودا ويمكن استعماله من ناحية الذي يقوم بالتغسيل ومن ناحية الميت.
أما من ناحية الذي يقوم بتغسيل الميت إذا وَجد ماءً يُمكنه أن يستعمله، أما إذا وجد ماءً باردا جدا ولا يمكنه أن يستعمله ويخشى على الميت من أن تَخرج منه روائح .. يتعفن أو ما شابه ذلك إذا انتظر حتى يجد ماء صالحا لذلك ولم يكن لديه شيء يُسخّن به ذلك الماء فها هنا ضرورة في ترك الغسل، وهل يَتيمّم له أو لا ؟ سيأتي التنبيه عليه بمشيئة الله تبارك وتعالى وأما بالنسبة إلى الميت .. إن كان هذا الميت لا يُمكن تغسيله لأنه مات بسبب حريق مثلا، أو كان خنثى، أو كان امرأة ولا توجد هنالك امرأة ولا يوجد أحد-أيضا-من محارمها-وهذا طبعا على رأي كثير من أهل العلم وهم الذين يمنعون من أن تُغسِّل المرأة الرجل أو الرجل المرأة، ولا شكّ بأنّ هذا رأي قويّ ولاسيما بالنسبة إلى تغسيل الرجل للمرأة إلا إذا على رأي من يقول إنه يصب عليها الماء صبّا-فها هنا ضرورة في ترك تغسيل الميت، أما إذا أمكن فلابد منه ولو كان ذلك الميت قد اغتسل قبل وفاته مباشرة-مثلا-أو مات في بحر أو في نهر أو في فَلَجٍ أو ما شابه ذلك وليس به شيء من الأوساخ .. فهذا أمر لابد منه، ولكن-أيضا-تُراعى الناحية الأخرى من حيث عدد الغسلات أو ما شابه ذلك، كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بالنسبة إلى التيمم للميت فقد قلنا(27): إنّ العلماء قد اختلفوا فيه:

1- منهم من قال: إنه يُيمَّم عند عدم وجود الماء أو عند عدم القدرة على استعماله لأيّ سبب من الأسباب؛ وهذا رأي طائفة كبيرة جدا من أهل العلم.

2- ومنهم من قال: إنه لا يُيمَّم، لأنه لم يثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله سلم-ولا يمكن أن يقاس على بقية الأحداث التي ثبتت فيها مشروعية الغسل، لأنّ القياس في مثل هذه الأمور مما لا يمكن أن يصار إليه.
ولا شك أنّ الخروجَ مِن الخلاف والاحتياطَ أمر حسن، أما أن نقول: " إنّ ذلك واجب متحتّم لوجود هذا القياس أو ما في معناه " فإنه مما لا يخفى أنّ فيه من البعد ما فيه، فالاحتياط مطلوب والقول بوجوب ذلك فيه ما فيه، وقد أوضح ذلك الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-في معارجه، فمن شاء ذلك فليرجع إليه(28)؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


س:
إذا توفيت المرأة وهي حامل وبداخلها جنين له حركة تدل على وجود حياة فيه، فهل يُخرج أم يُدفن معها ؟


ج:
هذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم:

1- منهم من ذهب إلى أنه لا بأس من شَقّ بطن هذه المرأة وإخراج ذلك الجنين منها.

2- بل ذلك أمر لابد منه على رأي بعضهم؛ وهو الصحيح عندي، فما دام الولد حيّا وعُرِفت حياته فلابد من إخراجه فمراعاة الحي مقدَّمة على مراعاة الميت وفي زماننا هذا سهل-والحمد لله تبارك وتعالى-لوجود المستشفيات والوسائل الموجودة فيها.

3- ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يجوز إخراجه بل يُنتظر إلى أن يموت وتُدفن بعد ذلك وإن دفنوه قبل التحقق من موته فإنه لا بأس بذلك؛ وهذا هو الذي رجّحه الإمام نور الدين-رحمه الله تبارك وتعالى-في معارجه.
ولكنّ الصحيح هو القول الذي ذكرتُه [ ص6 ]؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
ولعلّ الشيخ رجّح ذلك-أيضا-لعدم وجود هذه الوسائل في هذا العصر (29) وإن كنتُ لا أقوى على أن أنسب إليه أنه سيجيز ذلك لو كانت هذه الوسائل موجودة، لأنّ كلامه قد لا يساعد على ذلك.
ومهما كان فالشيخ الإمام-رحمه الله-من كبار أهل العلم ولكنه-رحمه الله تبارك وتعالى-علّمنا أنه إذا وُجد الدليل فإنه يصار إلى الدليل، ولا يُؤخذ برأي من دون دليل ولو كان قائله من كبار أهل العلم، فرحمه الله وجزاه الله-تعالى-خيرا.


س:
هل كفن الميت له هيئة مخصوصة .. بأيّ طريقة تحقّقت، فعندما يُكفّن الميت بمثل ما يلبس في حياته من إزار و " دشداشة " و " مصر " ونحوها ؟ وهل يمكن أن تُكفّن المرأة بما تلبس من ملابس حياتها أيضا ؟


ج:
على كل حال؛ يمكن أن ننظر إلى هذه المسألة من ناحيتين .. من ناحية الإيجاب ومن ناحية الأفضل:

* أما من حيث الإيجاب فيُكفّن الإنسان بشيء يستره.

* وأما من حيث الأفضل فالعلماء قد اختلفوا في ذلك؛ والظاهر أنّ الأفضل أن يُكفّن في ثلاثة من الثياب تكون على هيئة لفافات تتّسع للميت بطوله من جهة الرأس إلى الرجلين بل تكون هنالك بقية من ناحية الرأس ومن ناحية الرجلين ومن ناحية الرأس أطول، فيُكفّن أوّلا في ثوب يُلفّ عليه ثم يُلفّ الثاني على ذلك الأول ثم الثالث، ولا ينبغي أن يزاد على ثلاثة.
أما الحديث الذي فيه مشروعية الزيادة على الثلاثة عند تكفين المرأة فهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما الثابت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كُفّن في ثلاثة أثواب .. هذا الذي نعتمده ونذهب إليه ونرى أنه الصواب؛ والله أعلم.


س:
إذن ما تعارف عليه الناس من " دشداشة " وإزار وكمّ ... ؟


ج:
على كل حال؛ هذا رأي لبعض أهل العلم أنه يُكفّن في مثل هذه الأشياء؛ ولكن ذلك هو الأقرب إلى الصواب.


س:
يعني المقصود الستر فقط ؟


ج:
هو الأصل هذا، لكن الأفضل أن يكون في ثلاثة أثواب على الهيئة التي ذكرتُها.


س:
بالنسبة للحنوط هل هو ثابت في السنة ؟


ج:
ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .. مأمور به .. في الثياب وفي المواضع التي ذكرتُها سابقا [ ص3-4 ] .. في مواضع السجود، وعلى خلاف في بقية المواضع الأخرى .. يوضع له في الفم وفي الأنف، وقيل: " إنّ الحكمة من ذلك من أجل طرد الهوام "، وكذلك-كما قلتُ-بعض العلماء يقول: " في القبل والدبر "؛ وبعضهم يقول: " في الدبر(30) "؛ ولا يعجبني ذلك بالنسبة إلى الفرجين، بل بعض العلماء نصّ على أنه بدعة من البدع.


س:
إذا توفي عدد من الأشخاص وفيهم رجال ونساء .. في حال الصلاة عليهم، كيف يكون ترتيبهم ؟


ج:
يُقدّم أوّلا الرجال ثم بعد ذلك الأطفال ثم بعد ذلك النساء، ولكن اختلفوا في المراد بهذا التقديم .. هل هو من جهة القبلة أي يوضع الرجال إلى جهة القبلة ثم بعد ذلك الأطفال ثم النساء وهكذا بحيث يكون الرجال أقرب إلى القبلة والنساء أقرب إلى الإمام، أو العكس وهو أنه يراد بالتقديم من جهة الإمام وهو أنّ الرجال يكونون أقرب إلى الإمام وبعد ذلك الأطفال ثم النساء وهكذا ؟ في هذا خلاف بين أهل العلم؛ والذي يُؤيّده الحديث أنّ الرجال يكونون أقرب إلى جهة الإمام، فأوّلا يكون الرجال إلى جهة الإمام ثم بعدهم الأطفال ثم النساء الكبار وبعد ذلك الصغار.


س:
الإمام أين يقف عندما يصلي على الرجل .. عند رأسه .. عند صدره ؟


ج:
في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم؛ والذي يُؤيّده الدليل هو قول من قال: " إنّ الإمام يقف عند رأس الرجل وعند وسط المرأة " .. هذا هو الذي يدل عليه الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وذكر بعض أهل العلم أنّ الحكمة من ذلك هو أن يستر الإمام عجيزة المرأة عن الرجال؛ ومهما كان سواء كانت هذه هي الحكمة التي راعاها الشارِع أو لم تكن هي فإنه ينبغي لنا أن نأخذ بالحديث الثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أدركنا الحكمة أو لم ندرك الحكمة من ذلك؛ والله أعلم.


س:
هل يجوز أن يقف الإنسان على قبر الميت فيقرأ عليه القرآن ؟ وأخٌ يقول: سمع أنكم أجزتم قراءة القرآن وإهداءه للميت.


ج:
في الحقيقة ما قلتُ ذلك؛ وينبغي التثبت، وأنا أشكر الأخ السائل-جزاه الله خيرا-على طرح سؤاله هذا وعلى تثبته من هذا الأمر؛ فأنا ذكرتُ قولا لبعض أهل العلم، بل قلتُ في جواب سابق(31): إنّ بعض أهل العلم حكى الاتفاق على أنّ ثواب إهداء القراءة يصل إلى الميت، وقلتُ أيضا: إنّ بعض أهل العلم يرون خلاف ذلك.
و-كما قلتُ سابقا إنه ينبغي للإنسان أن يتأمل في حكايات الإجماع، ففي كثير من الأحيان نجد هذه الإجماعات التي لا خُطوم لها ولا أَزِمَّة .. يحكي فلان الإجماع وينبهر بعض الناس بهذه الحكاية لأنهم وجدوا في كتب الأصول أنه لا يجوز لأحد أن يخالف الإجماع وأنّ الإجماع حجّة من حجج الشرع، ونحن الآن لا نريد أن نتكلم في قضية مخالفة الإجماع لأنّ ذلك إذا ثبت ذلك الإجماع، وإنما نتكلم في قضية إثبات مثل هذه الإجماعات.
فهذا الإجماع-مثلا-لم يثبت عن أهل العلم أبدا، بل الخلاف مشهور عندهم منذ زمن طويل جدا جدا، فلا إجماع في هذه القضية البتّة.
فالعلماء اختلفوا في وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت؛ منهم من ذهب إلى أنّ ذلك لا يصل إليه، ومن أوصى بذلك لا تُنفّذ وصيته، لأنها مخالِفة لشرع الله-تبارك وتعالى-وفي الحديث: ( مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود على صاحبه لا يُقبل منه؛ ومنهم من ذهب إلى أنه إذا أوصى بأن يُقرأ عليه في المسجد أو في البيت أو ما شابه ذلك فإنّ وصيته تُنفّذ أما إذا أوصى بأن يُقرأ عليه على قبره فإنّ وصيته لا تُنفّذ؛ ومنهم من يقول: إنها تُنفّذ ولكنها لا تُنفّذ عند القبر وإنما في موضع آخر.
ولا شك أنّ القراءة على القبور من البدع المخالِفة لهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأنا قلتُ(32): إنّ مَن أوصى بأن يُقرأ عليه في المسجد أو في البيت إذا نُفذت-بناء على رأي بعض أهل العلم-لأنّ ذلك الموصي قد أخذ بقول من أقوال أهل العلم فله وجه على رأي بعض أهل العلم وإلا فإنّ الظاهر أنّ القراءة لا تصل إلى ذلك، فمن لم يُنفذ مثل هذه الوصية لا بأس عليه، كما هو رأي طائفة كبيرة من أهل العلم.
وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني-وهو الأول في الترتيب-وهو عن قراءة القرآن على القبور فإنّ ذلك مما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام-رضي الله تبارك وتعالى عنهم-كما نصّ على ذلك المحقّقون من أهل العلم.
وإنما جاءت في ذلك رواية من طريق ابن عمر-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-فيها أنّ النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-أمر بالقراءة على رأس الميت بأن يُقرأ بفاتحة الكتاب ويُقرأ بخاتمة " البقرة " عند رجليه، ولكنّ هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنه جاء من طريق راويين ضعيفين بل أحدهما ضعيف جدا، فهو حديث باطل لا يُلتفت إليه، وقد جاء موقوفا عن ابن عمر-رضي الله تعالى عنهما-ولكن فيه راويا مجهولا، فالراويان الضعيفان في الرواية المرفوعة هما يحيى البَابُلْتِي وهو ضعيف لا يُحتج بروايته، والراوي الثاني هو أيوب بن نُهَيْك ولا يُحتج بروايته بل هو أضعف من الأول، والرواية الموقوفة مع أنها لا حجة فيها-لأنها على تقدير ثبوتها هي مذهب صحابي-هي لا تثبت عن ذلك الصحابي رضي الله-تبارك وتعالى-عنهما.
وجاءت-أيضا-رواية أخرى في قراءة سورة " يس " على الميت، ولكنّ تلك الرواية ليست مما يُفرح به، لأنّ في إسنادها راويا متروكا، وفي إسنادها-أيضا-راويان مجهولان فلا يُؤخذ بها ولا كرامة.
وهنالك كثير من الناس يسألون عن قراءة " يس " على الأموات .. أي قبل الموت .. عندما يرون أنّ الميت قريب من الموت في حالة الاحتضار .. بعض العلماء يقول بمشروعية قراءة " يس " عليه؛ وفي الحقيقة ورد حديث يُروى عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يدل على ذلك ولكنّ هذا الحديث في إسناده مجهولان وقد أعلّه بعض أهل العلم بالاضطراب والوقف، فحديث في إسناده موقوفان(33) ومع ذلك معلّ بالاضطراب والوقف كيف يمكن أن يُعتمد عليه ؟! وله طريق أخرى ولكنها ليست مما يُفرح به، لأنّ في إسنادها كذّابا أو(34) متهما بالكذب، فلا ينبغي أن يُؤتى بذلك، وما ذكروه من الحكمة لا ينبغي أن يُلتفت إليه ما دام هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فإذن القراءة لم تثبت على الأموات:
فالمصطفى(35) قد زارها وما قرا
إلا سلاما ودعا وأدبرا
إلى أن قال رحمه الله:
حسبك أن تتبع المختارا
وإن يقولوا خالف الآثارا(36)
فحسبنا ذلك؛ والله المستعان.

















يتبع بإذن الله

tjh,n hgwghm ggado sud] fk lfv,; hgrk,fd lfv,; hgwghm hgrk,fd fk sud] tjh,n





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس