منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



(خامسا : أحكام صلاة الخسوف والكسوف)

س:
أطلعنا على أنّ خسوفا كليا للقمر سيكون في سماء هذه الدنيا وسيُرى-أيضا-مِن السلطنة، كيف يَتَعَامَل الناس مع هذَا الخسوف كما ورد في السنَّة ؟


ج:
أوّلا أُرِيد أن أُنَبِّه إلى أنّ معرفة هَذِه الأمُور أصْبَحت الآن مِن الأمور الواضحة الجلية .. أي معرفة حُدُوث هذا الأمر-مثلا-بِأنه سيحدث في الليلة الفلانية وفي الموْقِع الفلاني وهل سيكون هَذَا الكُسُوف للقمر كُلِّيا أو يكون جزئيا ؟ وهل يكون في مَنطقة مُحَدَّدة مِن المَناطق أو يكون في كل مكان ؟ وهكذا بِالنِسبة إلى كُسُوف الشَّمس .. هَلْ سَيَكُون كُلِّيا أو جُزْئيا ؟ وأريد بِأنه سيكون كُلِّيا أَيْ في موضع مِن المواضع وإلا فإنه لا يُمكن أن يَكُون كسوف الشمس كليا في كل مكان مِن العالم، إذ إنّ ذلك مِن الأمور التي لا تُمكِن أبدا وإنما يَكون كليا في موضع مِن المواضع أو في مواضع محصورة فلا أريد بِموضع في منطقة واحدة فقط وإنَّما أريد في مواضع مُحدَّدة، فتعيين ذلك سواء كان ذلك بِالنسبة للشمس أو للقمر هَذا مِن الأمور التي لا تَتَنَافى مَعَ الغَيْب، لأنّ هَذَا يُدْرَك بِهَذِهِ العلوم العَصْرِية، فمَن يُشدِّد في مثل هذه الأمور لا معرفة له بِمثل هذه الحقائق، والإنسان ينبغي له أن يَتَكَلَّم إذا أراد أن يَتَكلم فيما يُتْقِنُه أَمَّا أن يَتكلم الإنسان الذِي لا علاقة له بِعلم الفلك-مثلا-في المسائل الفلكية فهذا مِمَّا لا يَصِح، وهكذا بالنسبة لِمَن لا معرفة له بِعُلوم الشرع الحنيف ليس له أن يتكلم في عُلُومِ الشرع الحنيف بل ذلك مَحْجُورٌ عليه، ومَن لا مَعْرَفَة لَه بِالطب ليس له أن يتكلم في القضايا الطبية، وهَكَذَا بالنسبة إلى علوم الاقتصاد وغيرها .. الإنسان إذا أراد أن يتكلم فليتكلم فيما يُتقنه فيمكن أن يكون الإنسان عَالِما متبحِّرا في الفقه ولكن لا دراية له بعلوم الفلك فهل يُمكن بعد ذلك أن يَقُوم ويَتَكَلَّم في الأمور الفلكية ؟! هَذَا مِمَّا لا يَصِح، فإذن الكلام في مثل هذه القضايا-كما ذكرناه في قضية إمكان رؤية الهلال وفي عدم إمكان ذلك-هذا مِمَّا لا بَأْسَ، وهو ليْسَ مِن الكلام في أمور الغَيْب بل هو كلام مَبْنِي على حقائق لاَ يُمْكِن لأحدٍ أن يَتَجَاهَلَهَا أو أن يُنكرها، فلابد مِن التسليم لِمِثْل هذه الأمور.
أما بِالنسبة إلى ماذا يُشرَع في قضية حدوث الكسوف والخسوف ؟

أوّلا: الكسوف يكون للشمس ويكون للقمر .. بَعْضُهم يفرق بيْن قضية الكسوف وبين قضية الخسوف، والتفريق لا بأس به على رأي كثير مِن أهل العلم .. عندما يَقول الإنسان: " الكسوف " للشمس و: " الخسوف " للقمر، أما عندما يُطْلِق الإنسان هَذَا على هَذَا وهذا على هذا فلا مانع مِن أن يَقول: " كسوف الشمس " وأن يَقول: " كسوف القمر "، ومِنهم مَن يُفرِّق بيْن هذين الأمرين ولَهُمْ في ذلك كلام طويل ولا حاجة إليه لأنه لا تتعلق به شيء مِن الأحكام الشرعية.
أمَّا الذي ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإنه صلوات الله وسلامه عليه عندما عَلِم بِكُسوف الشمس خَرَجَ-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مُسرعا فَزعا فأمر بِأن يُنَادَى للصلاة، والذي يُشْرَع أن يَقُوم شخص فينادي يقول: " الصلاةُ جامعة " .. هكذا جاء في بعض الروايات .. بِرَفْع لَفْظِ " الصلاة "، وجاء في بعضِ الروايات: " إنّ الصلاةَ جَامِعَة "، ويُمكن-أيضا-أن يُقَال: " الصلاةَ جَامِعَة "، فَوَرَدَ بِلَفْظ: " إنّ الصلاةَ جَامِعَة "، وَوَرَدَ بِلَفْظ: " الصلاةُ جَامعَة "، ومِن المعلوم بِأَنّ ذلك وَقَعَ مَرَّة واحدة، والنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أمر بِأَحَد اللفظين ولكن هَذَا لَيْسَ مِن الأمور التي يُتَعَبَّد فِيها بِمِثْل ذلك النَّص .. أي لا يَلْزَم أَن يُقَال: " لاَبد مِن أن يَقول: ' إنّ الصلاةَ جَامعة ' أو يَقول: ' الصلاةَ جامعة ' أو يقول: ' الصلاةُ جامعة ' " .. يُمْكِن أن يَقُول: " إنَّ الصلاة جَامِعَة " أو يَقول: " الصلاةَ جَامِعَة " .. أيْ " الزَمُوا " أو يَقول: " إنّ الصلاةَ جَامِعَة "، فالأمر هَيِّن وإن كنا نقول: إنه لَمْ يَثْبُت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إلا أحدُ اللفظين، لأنّ القَضَيَة حدثت مَرَّة واحدة، فإذن النداء يَكُونُ بِمِثل هَذَا الأمر، ولا مَانِع أن يُكْتَفَى بِمَرَّة واحدة ولا أن يُكَرَّر أكثر مِن ذلك إذا كان الناس لا يَسمعون ذلك، فيمكن أن يُكرِّر الإنسان ذلك ثلاث مَرَات أو أكثر مِن ذلك، ولا يُشْرَع في ذلك الأذان بإجماع الأمّة الإسلامية، إذ إنّ ذلك مِمَّا لَمْ يَثبتْ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَلم.
هذا .. وهذَا التَّلَفُّظ-وهو قول: " إنّ الصلاة جامعة "-لَيْسَ مِن الأمور التي يُتعبّد بِها، فهو لَيْس كالأذان، فلا يُطَالب مَن يَسمَع ذلك بِأن يُردِّد ذلك خلْف مَن يَأتِي بِذلك اللفظ، كما أنه إذا كانت هنالك مجموعة مِن الناس في مَكَان وَاحِد ولَيْس بِالقرب مِنْهُم أحَد أبَدًا فإنه لا يُطالَبون بِأن يَقوم واحد مِنهم بِالنِّدَاء بِهَذَا اللفظ، لأنّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الأمور التي يُتَعَبَّد بِهَا كالأذان،-فالأذان يُطْلَب مِن الإنسان أن يُؤَذِّن وَلَوْ كان مُنفردا، كما أنه إذا كانت الجماعة واحدة كانوا في الطريق-مثلا-وليس بِالقُرْبِ مِنهم أحد فإنَّهم يطالَبون بِالأذان، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،-فالحاصل إذا كان هنالك أحد بِالقرب مِن المسجد مِمّن يَسمَع النداء أو كان-أيضا-في بَادِيَةٍِ وَلَوْ لَمْ يكن هنالك مَسْجِد ولو كان الذين يَسمَعون ذلك مِن النساء ومِمَّن لا قدرة لَهُمْ على الحضور إلى المسجد مِن مَرْضَى أو كبار أو ما شابه ذلك فإنه يُشْرَع النداء حتى يُصَلِّي العَاجِزُ الذي لا يُمْكِنُه أن يَذْهَبَ إلى المسْجِد وهَكَذَا بِالنِّسبة إلى النِّساء، فبعد ذلك يُصَلُّون جَمَاعَةً-على الصحيح-سواء كان ذلك في الكسوف أو في الخسوف، أما الكسوف فقد ثبت ذلك في سنَّة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ثبوتا لا شك فيه، وأما بِالنسبة إلى خسوف القمر فإنّ ذلك وإن كان لَمْ يثبت مِن السنَّة-إذ إنه جاء مِن طريق ضعيفة جِدًا-ولكنه مَحْمُول في حقيقة الوَاقِع عَلَى الكُسُوف إذْ لاَ فَرْق بَيْنَهُما (1).
وكَيْفِية الصَّلاة قد اختلَف فيها العُلَمَاء، وأظُن أنَّه لا بَأس مِن الإطالة في هَذه القضية ولو استَغْرَقْنَا الوَقْت لأنّ المسألة تَحتَاج إلى ذِكْر فُرُوعٍ مُتَعَدِّدَة .. كَيْفِيَة الصَّلاَة اختَلَفَ العُلَمَاء فِيهَا، وأَذْكُرُ ذَلِكَ باختصار شديد:

1- ذَهَبَ بَعْضُ أهل العلم إلى أنّ الإنسان يُصلِّي ركعتين كالصلوات العَادِية-أيْ كصلاة سنَّة الفجر أو سنَّة الظُّهر أو ما شابه ذلك-بِشرط أن يُطيل في القراءة والركوع والسجود، و-طبعا-قولي " بِشرط " ليس مِن الشروط التي لابد مِنها وإنَّما ذلك على أنَّه سنَّة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأَقُول: " سنَّة ثابتة " .. أيْ الإطالة لا الاكتفاء بركعتين كالسنن التي أشرتُ إليها .. هذا مذهب طائفة مِن أهل العلم.

2- وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنه يصلي كأحدث صلاةٍ صلاها مِن الفرائض، فإذا صلى بعد صلاة الظهر فإنه يصلي أربع ركعات كصلاة الظهر، وإذا صلى بعد صلاة الفجر فإنه يصلي ركعتين كصلاة الفجر، وهكذا بِالنِّسبة إلى بَقِية الصلوات، واحتجّوا على ذلك بِرِوايةٍ ضَعِيفة لا تقوم بِهَا حُجة.
وأمَّا الأولون فَقَد احتجوا بِبَعض الروايات ولكن تلك الروايات معارَضة بِرَوَايَات أَصَحُّ وأَثْبَت مِنْهَا فِي سنَّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

3- وَذَهَبَ بعضُ أهل العِلم إلى أنه يُصلي ركعتين ويأتي في كل رَكْعَة بِرُكُوعَين.

4- وذَهَبَ بعض أهل العلم إلى أنَّه يُخَيَّر إمَّا أَنْ يَأْتِي في كُل رَكعة بِرُكُوعِين أو أن يأتي في كل ركعة بِثَلاثَة أو أن يَأْتِي في كل ركعة بِأربعة أو أن يأتي في كل ركعة بِخَمْسة.
5- وأنْكَرَ بَعْضَهم الخمسة فَخَيَّرَ بيْن الثلاثة الأولى.
والقول بِأَنَّه يَأْتي في كل ركعة بركوعين هو القول الصحيح (2)، وهو الذي ذهب إليه الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-في شَرْح " الجامع " [ ج1، ص284 ]، وهو قول طائفة كَبِيرة مِن أهل العلم، وذلك هو الذِي تَدُلُّ عَلَيْه السنَّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأنّ الروايات التِي جاء فيها أنه صلّى بِثلاثة ركوعات أو بِأربعة أو بِخَمْسَة .. كل تِلك الروايات لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مِنْها ما هو ضعيف مِن جهة إسناده ومِنها ما هو شاذٌّ مِن جهة مَتْنِه، ومِن المعلوم أن هَذِهِ القضية حدثت مَرَّةً واحدة في عَهْدِه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. في اليَوْمِ الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولَمْ يَتَكَرر ذلك في حياته صلوات الله وسلامه عليه، كما ادّعى ذلك بعضُ أهل العلم وذَكَروا بِأَنَّه صلّى مَرَّةً بِرُكُوعيْن ومَرَّة بِثَلاث ومَرَّة بأربع وهكذا .. أقول: تلك الروايات لا تَثْبُت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بِاسْتِثْنَاء رواية الرُّكُوعَيْن، ثُم إِنَّ تِلْك الرِّوَايات ظَاهِرَة جَلِيَة بِأَنَّها حَدَثَت في مرّة واحدة ولَيْسَت في مَرَّات مَتَعدِّدة حتى نَقول: " إنّ ذَلك قد تَكرّر في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "، ومِن المعْلُوم أنَّه إذا كان المخرَجُ واحدا فإنه لا يُمْكن أن نَقُول بالتَّعَدُّد بَل لابد مِن أن نأخذ بِالراجِح مِن تلك الروايات، وليس هذا مِن باب زيادات الثِّقات-كما ادّعى ذلك بعضهم-وإنَّما ذلك مِن باب المحفوظ والشاذ، فالمحفوظ تلك الروايات التي جاءتْ بالركوعيْن ليْسَ إلا، ومَا ذَكَرَهُ بعضُهم مِن أنه قد وقع ذلك في مَكَّة المكرمة فَذَلِك لا يَثبت على الصحيح، إذ إنّ ذلك جاء مِن طريق لا تَقُوم بِهَا الحجة، وقول بعضهم: " إنه مِن المشاهَد أنه يَتكرّر ذلك، ففي عدّة أعْوَام في مُدَّة أَقصَر مِن المدَّة التي عاشها النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فكيف يُمكن أن نُنْكِر أن يَكُون حَدَثَ ذَلِك في أكثر مِن مرّة في خلال ثلاث وعشرين سَنَة أو على أَقَل تَقْدِير في خلال عشر سنوات التي بَقِي فيها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة " .. أَقُول: هذا كلامٌ مردود، لأنّ هذه الصلاة لَمْ تكن مشروعة في بِدَايَة الأمر وإنَّما شُرِعَتْ في السنة التي مات فيها إبراهيم ابن النبي- صلى الله عليه وسلم وَرَضيَ عنه-فمشروعية هذه الصلاة مُتَأَخِّرة جدا وذلك لَمْ يَحدُثْ إلا مرّة واحدة بعد أن شُرِعَت هذه الصلاة فبِذَلِك يَتَبَيَّن الصَّوَاب في هذه القضية وإلا هذا الكلام لو كانت هذه الصلاة مشروعة مِن بِدَايَة الهجرة-مثلا-كَان مَقْبُولا، لأنه مِن المستبعَد جدًا ألاَّ يَحْدُث ذَلِك ولكن نَظَرًا إلى أنَّها لَمْ تُشْرَع إلا في وَقْتٍ مُتَأَخِّر جِدًّا فإنّ هذا الكلام مَرْدُود، ثم إنّ مَخْرج الرِّوَايَات-كما قلتُ-مُتَّحِد فلا يُمكن أن نَقول بِتَكَرُّر ذِلك لِلنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذن الأفضل أن يَتَّبِع الإنسان السنَّة الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وأن يُصلي ركعتين وأن تَكُون هذه الصلاة جماعة بِالنِّسبة للرجال، أمَّا النِّساء فِإذَا خَرَجْنَ مِن غَيْر أن يَخْرجن مُتَبَرِّجَات بِزِينَة ولَمْ يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجال فلا مانع مِن الصلاة مَعَ الرِّجال.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس