منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الجزء السادس-فتاوى أصول الدين
عرض مشاركة واحدة
افتراضي  الجزء السادس-فتاوى أصول الدين
كُتبَ بتاريخ: [ 03-23-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


أصول الدين

اختبار مريد الدخول في الاسلام أو في المذهب

السؤال :
ما يوجد في الأثر مما نصه اختلف سعيد بن محرز ومحمد بن محبوب في رجل يريد الدخول في الإسلام فقال سعيد أما أنا فلا أدخله في الإسلام حتى أردده وأخبره وأعرف حرصه فإذا رأيته مستحقاً له أدخلته فيه فإن قبل توليته من حين أدخلته في الإسلام ويقبله .
وقال محمد بن محبوب أما أنا فأدخله في الإسلام فإذا دخل فيه وقبله لم أتوله حتى أعلم أنه يستحق الولاية .
وعن أبي سفيان محبوب بن الرحيل أن الأشياخ كانوا يردون إلى أن ينظروا حرص الطالب فإن حدث به حدث وقد رضي بسيرته فما نقول إلا أنه يتولى والله أعلم .
وقال الوضاح بن عقبة أحب بعد ظهور الإسلام والدولة أن يردوا وإذا نسب عليه الإسلام فعلم منه خيراً قبلت شهادته بعد ذلك بيوم أو يومين وعدله قال السائل تفضل بين لنا معنى هذا الأثر وما وجه كل قول من أقوال هؤلاء الأشياخ وما المعنى الذي اختلفوا فيه .

الجواب :
الظاهر أن اختلاف هؤلاء الأشياخ إنما هو فيمن كان من أهل الخلاف من قومنا وأراد الدخول في مذهبنا وليس اختلافهم فيمن كان مشركا ثم أراد الإسلام لأنه لا يصح رد المشرك إذا طلب الإسلام ولا يصح لأحد أن يخالف فيه، كيف يصح أن يرد ورسول الله " إنما بعث ليدعو الناس إلى الإسلام وكذلك الرسل من قبله ؟ ثم أنه أمر عليه الصلاة والسلام بجهاد المشركين حتى يدخلوا في الإسلام كرهاً قال تعالى :
{ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة فخلوا سبيلهم }
(1) فهذا كتابُ الله ناطق بقتالهم على الإسلام وعليه فعله " إلى أن مات ثم مضى على ذلك من بعده من الأئمة الراشدين واجتمعت عليه جميع الأمة فكيف يصح مع هذا صد من أراد الإسلام ومنعه من ذلك حتى يختبر ويعلم حرصه كلا ليس الخلاف بينهم في هذا المعنى إنما الخلاف فيما قدمت لك من الدخول في مذهب أهل الحق لمن كان من أهل التوحيد من قومنا .
ووجه اختلافهم في ذلك هو أن المخالف إذا كان من أهل الأقدار من قومنا وكان متمذهبا بمذهب كان يزعمه أن هذا المذهب الذي خالف اعتقاده باطل فخشى الشيخ سعيد بن محرز أن يكون طلب هذا المخالف الدخول في مذهبنا إنما هو مكيدة واحتيال لكي يطلع على عورة أو يكتسب منهم علماً أو نحو ذلك ثم يرجع إلى اعتقاده فاحتاط باختباره وكذا القول فيما حكاه الشيخ أبو سفيان عن الأشياخ .
ويدلك على أن خلافهم في هذا المعنى قول أبي سفيان فإن حدث به حدث وقد رضى بسيرته فما نقول إلا أنه يتولى إذ لا يصح لهم أن يتولوا مشركا فعلمنا أنهم إنما أرادوا المخالف إذا أراد الدخول في ديننا .
وقول الوضاح أنه يجب رده في زمن الظهور فهو أن أطماع الناس متوجهة إلى نحو الغالب فإنه متى ما ظهر المسلمون رغب في الكون معهم لأجل ظهورهم من لا يرغب في دينهم فأحب الوضاح رده في هذا الوقت دون غيره اختباراً وأحب الانتظار يوما أو يومين في قبول شهادته وعدله مخافة أن ينكص على عقبيه أما الشيخ ابن محبوب فلم يجعل للانتظار وقتا محدوداً يتولاه فيه وإنما جعل الغاية في ذلك علمه باستحقاق الولاية وأصح هذه الأقوال وأعدلها قول محمد بن محبوب وهو أنه يدخله في الإسلام وينتظر بولايته إستحقاقه لها أما إدخاله في الإسلام فلما تقدم من الأدلة في إدخال المشركين في الإسلام ولا فرق بين المشرك والمسلم المخالف في ذلك لأن كل منهما طالب حق ملتمس هدي وإذا لم يجز رد المشرك عن الإسلام كذلك لا يجوز رد المخالف عنه وناهيك أن اليهود والنصارى كانوا يسعون في إطفاء نور الله وكل فرقة منهم تدعي الحق في يدها وهم مع ذلك أهل كتاب وقد قتلوا على الإسلام فكذا المخالف وبالجملة فلا وجه لرده عن الإسلام وإن نافق في إسلامه وأما الانتظار بولايته فلقوله " : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " . والله أعلم .
قال السائل :
قد عرفنا من هذا التقرير أن الصحيح هو قبول من جاء تائباً وادخاله في الحال في ديننا فما وجه رد الأشياخ له حتى يعلموا حرصه ؟ وما الفرق عندهم بين المخالف إذا أراد الدخول في ديننا وبين المشرك إذا أراد الإسلام ؟
الجواب :
إن وجه قولهم في ذلك أنهم شبهوا المخالف الطالب لديننا بالرجل الطالب للعلم فكما أن طالب العلم يختبر ويمتحن حتى يعلم حرصه وتظهر علامات قصده كذلك هذا المخالف عندهم والفرق بينه وبين المشرك أن المشرك لا يكون سالماً إلا بالدخول في الإسلام ولا ينجيه تصويب المسلمين وهو مقيم على شريكه وهذا المخالف يكون بتصويبه أهل الحق سالماً وبحبه إياهم ناجياً لأن الملة واحدة والخلاف إنما هو في أمور التصويب والتخطئة وسائر الفروع لا يكون الخلاف فيها مهلكا ومن ها هنا يتولونه إذا مات قبل أن يدخلونه في دينهم وقد علموا حرصه عليه . هذا وجه كلام الأشياخ على حسب ما ظهر لي .


ولى الانسان نفسه دائماً

السؤال :
معنى قولهم أنه لا يجوز للإنسان أن تأتي عليه حالة إلا وهو يتولى فيها نفسه كان طائعا أو عاصياً ما معنى هذه الولاية ؟ وكذلك ما معنى قول بعضهم أنه إذا كان مصراً فلا يتولى نفسه ؟ وقيل بل يتولاها حتى مع الإصرار فضلا منك بالبيان .
الجواب :
إن ولاية المرء نفسه هي أن يحملها على الطاعات ويحفظها عن الوقوع في المعاصي وهذا الحال واجب على كل بالغ عاقل في كل وقت وزمان بلا خلاف في ذلك بين أحد من المسلمين .
وليس المراد بولايته لنفسه تصويبه إياها على جميع أفعاله فإن أقام على معصية كان عاصياً لله بالإقامة عليها وبإضاعته لولاية نفسه لأن الواجب عليه الإقلاع عن تلك المعصية والرجوع إلى الحق وطلب الغفران والرحمة من الله لنفسه .
ومعنى قول من قال أنه لا يتولاها وهو مُصِرّ أي لا يطلب المغفرة والرحمة لنفسه وهو مقيم على المعصية لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفر للمُصِرّينْ وإنما يغفر للتائبين فالقائل أنه لا يتولى نفسه في حال الاصرار إنما أراد هذا المعنى .
والصحيح أنه لا يمنع من طلب الغفران لنفسه في شيء من الحال لأن رحمة الله واسعة ويمكن أن يكون طلب الغفران سبباً لوجود توبته في شيء من الأوقات والله أعلم .

الوقوف عن ولاية العالمين المختلفين لمن لا يدري المحق منهما

السؤال :
رجل سمع عالمين وليين له اختلفا في مسألة دينية لايكون الحق فيها إى عند واحد منهما وهذا الرجل ضعيف لا يدري أيهما المحق هل يسعه الوقوف عنهما حتى يعلم المحق منهما فيتولاه والمبطل فيتبرأ منه أم لا يسعه ذلك ؟
الجواب :
أما الإمام الكدمي رضوان الله عليه فلم يوسع له في الوقوف عن ولا ية المحق لأجل قوله بالحق، ووسع له الوقوف بالرأي عن المبطل منهما وجوز له البراءة منه، ووجه ذلك أن العالم المحق حجة بنفسه على من خالفه في الحق وعلى من سمع منه الحق ولا يسع جهل الحجة إذا قامت من وجهها .
وأما غير هذا الإمام من بعض أهل العلم فإنهم وسعوا لهذا الضعيف الوقوف عن ولاية العالمين حتى يسأل ويعرف المحق منهما ونسب هذا القول إلى الربيع بن حبيب ومحبوب بن الرحيل وحدث به الفضل بن الحواري عن سعيد بن محرز عن هاشم بن غيلان عن أشياخ المسلمين ثم قال هاشم بعد ذلك وعلى ذلك مضت أوائل المسلمين وكان هذا قولهم والله أعلم .
قال السائل :
إذا كان القول بجواز الوقوف صادراً عن هؤلاء الأشياخ فكيف صح للشيخ الكدمي أن يقول بخلافهم في ذلك ؟ بل كيف صح له التشديد في الوقوف عن العالم المحق حتى لم يذكر فيه خلافاً ؟
الجواب :
أما صحة القول بخلاف ذلك فإن المقام مقام اجتهاد ولكل واحد من العلماء ما رأى في ذلك .
وأما صحة التشديد في الوقوف عن المحق فلان المشايخ رحمهم الله تعالى لم يقولوا بالوقف نصاً في العالمين وإنما قالوه في الرجلين إذا اختلفا في الدين فيدخل تحت قولهم العلماء وغيرهم فيحمل الإمام الكدمي قول المشايخ في الضعيفين إذا اختلفا أو في عالم وضعيف إذا كان العالم هو المبطل .
وأجراه إبن بركة وأبو الحسن البساني على اطلاقه وجوزوا للضعيف الوقوف عن المختلفين مطلقاً إذا لم يعلم الحق مع أيهما وألزموه مع ذلك الوقوف اعتقاد السؤال عن ذلك .
وما ذهب الله الشيخ أبو سعيد أقوم سبيلاً وأوضح دليلا وهو مذهبا أبو الحواري رحمهم الله تعالى ومشا عليه جمهور المتأخرين من علماء المسلمين والله أعلم .

المراد بالفسق والشرك والنفاق

السؤال :
كفار النعمة من أهل القبلة إذا سميتهم فساقاً هل يخرجهم هذا الاسم عن الشرك أم هذا الاسم يشمل الشرك وكفر النعمة، فإن الحقير قد تلمح في النظم والنثر الذي لك إذا أردت أن تفرز الكافر المشرك سميته بالمشرك، وإذا أردت كافر النعمة سميته فاسقاً وعدلت عن ذكر النفاق إلى الفاسق، فأحببت أن تبين لي ذلك لأني عرفت أن المعتزلة يسمون بالفاسق من واقع الكبير من الكبائر فجعلوه قسما ثالثا لا يستحقه إلا صنف من العصاة، وعرفت أن أهل الاستقامة جعلوا الفاسق كل من خرج عن الحق إلى الباطل كنحو الكافر، فأحببت أن أذكرك في هذا الباب وكذلك وجدت في أثر القطب وفي تفسيره أن المنافق يمكن أن يكون مشركا وهو يحب أن المنافقين في زمن النبي مشركون وأنه قوله، ماذا ترى أنت ؟ تفضل بالايضاح موفقاً إن شاء الله.
الجواب :
اسم الفاسق شامل عندنا للمشرك والمنافق فيصدق على كل واحد منهما أنه فاسق ولا يختص عندنا اسم الفاسق بالمنافق خلافاً للمعتزلة القائلين بخصوصيته به ولا بأس فإن الخطب سهل والخلاف في ذلك بيننا لفظي صرح به صاحب المعالم رحمه الله تعالى وصرح به أيضا غيره وبيان كونه لفظياً هو أن المعتزلة يثبتون للمنافقين جميع الأحكام التي نثبتها نحن لهم من الأحكام الدنيوية والأخروية لكنهم يخصونهم بهذه التسمية ونحن نطلقها عليهم وعلى المشركين ؟ ولقد راجعت الكلام الذي تشير إليه فما وجدت فيه ذلك المعنى ونص عبارتي هنالك : " واعلم أن الأسماء على صنفين صنف منها مختص بأهل الطاعة الموفين بديون الله وهي مؤمن ومسلم ومهتد ومتقٍ وطائع وصالح، وصنف مختص بأهل الكبائر، وهذا أيضا نوعان : نوع يطلق على أهل الكبائر كلهم وهي ضالّ وظالم وفاسق وفاجر وعاص وكافر، والنوع الثاني مختص فلا يطلق إلا على أهل صبغة مخصوصة كالمشرك فإنه لا يطلق إلا على صاحب الشرك، وكالمنافق فإنه لا يطلق إلا على صاحب النفاق، وكالسارق فإنه لا يطلق إلا على صاحب السرقة وهكذا .
وهذا نص ما قلته هنالك وليس فيه شيء مما ذكرت لكنه صريح في أن اسم الفاسق من الأسماء المشتركة بين المشرك والمنافق واسم المنافق مختص بصاحب النفاق واسم المشرك مختص بصاحب الشرك فراجعه تجده واضحاً ان شاء الله تعالى وإن كان الكلام الذي اشكل عليك هو غير ما نقلته فاكتبه لي واذكر لي موضعه من الكتاب .
هذا وأما ما اشرت إليه من كلام القطب متّعنا الله بحياته فمعناه أن المنافق يمكن أن يكون عند الله مشركاً وذلك مثل أن يكذب بقلبه ويظهر التصديق بلسانه ومعنى قوله أن المنافقين في عهده " مشركون أي عند الله لأنهم مكذبون بقلوبهم وإن آمنت ألسنتهم والمراد بقولنا مشركون عند الله هو أنهم معذبون في الآخرة عذاب المشركين وإن أحكامهم عند الله أحكام المشركين كما يدل عليه قوله تعالى : { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون }(1) وقوله تعالى : { ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار }(2) وأنت خبير بأن أهل الكبائر من أهل التصديق ليسوا أشد عذاباً من المشركين .
وليس مراد القطب رحمه الله عليه أن أحكام المنافقين في عهده " أحكام المشركين كلا ولا يقول بذلك أحد من الإسلاميين كيف يصح ذلك والنبي " إنما عاملهم بأحكام أهل التصديق والإسلام إلا فيما نهى عنه من الصلاة ونحوها . والله أعلم .
ولاية المشرك قبل اسلامه

السؤال :
معنى ما يوجد في الأثر في المشرك الذي علم الله أنه يموت مؤمناً هل هو ولي لله في حال شركه أم لا .
وقد اختلف المسلمون في ذلك فمنهم من قال ولي لله يوم خلقه لأنه في علم الله من أهل ولايته وسكان جنته وعلم الله لا يتحول .
ومنهم من قال هو عدو لله وفي غضبه لأنه عمل أعمالا أمر الله بقتله من أجلها ولعنه وأحل منه ما حرم من المؤمنين لأن الله لا يتولى مَنْ عبد غيره وسجد للشمس من دونه وادعى إلهاً معه .
ومنهم من قال إنه ولي لا يوالى وعدو لا يعادى .
فما وجه هذا الخلاف الواقع في هذا المشرك، فضلاً منك بيان معنى كل قول من هذه الأقاويل وبيان الأرجح .
الجواب :
أما الخلاف في هذه المسألة فهو ناشئ عن اعتبارين مختلفين وعند التحقيق يرجع الخلاف لفظيا ووجهه أنهم اختلفوا في ولاية الله تعالى لعبده :
فمنهم من جعلها صفة ذات وفسرها بمعنى العلم بمصير العبد إلى رحمة الله في الآخرة وبنى على هذا الاعتبار القول بأن المشرك الذي علم الله أنه يموت مؤمناً هو في ولاية الله، أي عَلِم الله منه أنه يصير من أهل ولايته وكذلك قالوه في عداوة الله وفسروها بمعنى العلم بمصير العدو الى غضب الله والعياذ بالله .
ومنهم من جعل ولاية الله وعداوته من صفات الفعل وفسروا الولاية بالتوفيق والإعانة وفسروا العداوة بالخذلان وبنوا على هذا الاعتبار أن المشرك المذكور في عداوة الله، أي في خذلانه وعدم توفيقه .
ومنهم من لاحظ الاعتبارين فقالوا هو ولي لا يوالى وعدو لا يعادى ومعنى ذلك أنه ولي في علم الله لكن لا يوالى في حاله ذلك أي لا يعان ولا يوافق وعدو في حاله ذلك لظهور موجب العداوة منه لكن لا يعادى دائما بل في حاله ذلك فقط أو المراد أنه ولي في علم الله أو لا يصح لنا أن نواليه في حكم الظاهر وعدو في حكم الله تعالى ولا يصح لنا أن نعاديه في الحقيقة .
وأصح هذه الأقوال كلها هو القول بأنه عدو في حال الشرك حتى يتوب وهذا القول هو المرفوع عن أبي عبيدة رضي الله عنه وعلى صحته شواهد .
منها : أن جعل الولاية والعداوة من صفات الفعل أولى وأظهر لأن تفسيرهما بمعنى العلم خلاف ما عليه ظاهر العربية التي خاطبنا الله تعالى بها وحمل الخطاب على خلاف الظاهر لا يصح إلا بدليل ولا دليل ها هنا مع ما في ذلك من التكلف الذي يصير التأويل معه بعيداً جداً . ومنها : قوله تعالى في آل عمران { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم
- إلى قوله - إلا الذين تابوا } نزلت في الحارث بن سويد ووجه الاستدلال بذلك أنه سبحانه وتعالى رتب في هذه الآية اللعن على الكفر بعد الإيمان ثم استثنى من جملتهم الذين تابوا فلو لم يكن المشرك حال شركه عدواً لله لما كان في لعنة الله .

ومنها : قوله تعالى { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين }(1) إلى آخر الآية ووجه الاستدلال بها أنه تعالى برئ من المشركين على شركهم وأمر رسوله بالبراءة منهم بقتالهم وكيف يكون ولياً لله من كان هذا حكم الله فيه ونحو ذلك من الآيات كثير والله أعلم وبه التوفيق .

المراد بالعواقب والسوابق

السؤال :
ما معنى كلام يوجد في بيان الشرع ما نصه مسألة من تفكر في العواقب دمعت عيناه وجف قلبه ومن تفكر في السوابق دمع قلبه وجفت عيناه ؟
الجواب :
المراد بالعواقب ما يأتي على الإنسان من الأحوال المستقبلة كالموت والبعث والحشر والحساب والثواب والعقاب .
والمراد بالسوابق ما سبق في علمه تعالى وحكمه وقضائه من سعادة السعيد وشقاوة الشقي والمراد ببكاء العينين افضاء دمعهما والمراد بجفافهما انقطاع ذلك منهما والمراد ببكاء القلب توجعه وتألمه والمراد بجفاف القلب اغفاله عن ذلك .
والمعنى أنه إذا تفكر الانسان في العواقب الآتية عليه دمعت عيناه إشفاقاً وفزعاً وخوفاً مما سيأتي عليه من الأحوال التي لا يعلم حالته فيها وإن تفكر في قضاء الله وما سبق في علمه تألم قلبه وكاد أن ينفطر هيبة واشفاقاً من أن يكون ممن سبقت له الشقاوة وعند ذلك ينقطع دمع العينين لأن الأمر أعظم وأجل من أن يكون مبكياً .
وغاية الأمر أن البكاء إنما يكون في أمر مخوف يطمع في دفعه بالبكاء أما إذا تيقن أن بكاء العينين غير نافع، ولذلك المخوف غير دافع، فلا يكون بكاء أصلاً والله أعلم وبه التوفيق ومنه الهداية .

توبة الأمير من محوه اسم الإمارة لمخاطبة معارضيه

السؤال :
معنى ما يوجد في الأثر أن علي ابن أبي طالب كتب إلى معاوية : " من علي أمير المؤمنين " فكتب إليه معاوية كما بلغنا " إني لو علمت أنك أمير المؤمنين لم أقاتلك فامح أمير المؤمنين " ففعل فبلغ ذلك المسلمين فقالوا له : ما حملك يا علي على أن تخلع اسمك من اسم سماك به المسلمون فتب مما صنعت فتاب من ذلك .

قال السائل :
ما وجه استتابة المسلمين لعلي عن هذه الخصلة والظاهر أنها ليست بمعصية وأيضا فإن رسول الله " فعل مثل ذلك يوم الحديبيّة حين كتب الكاتب من محمد رسول الله فقال المشركون : لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك فمحا اسم رسول الله من الكتاب وكتب الكاتب : من محمد بن عبد الله .
الجواب :
وجه استتابة المسلمين لعلي من ذلك انما هو لمطاوعته لمعاوية لا لترك كتابة الاسم فقط، ومعاوية باغ على الامام جاحد لإمامته ملبِّس على العامة أنه ليس بأمير المؤمنين، وترك اسم الإمارة مع ذلك معصية ظاهرة لأن المطاوع للملبس ملبس، ومجيب المخادع في أموره التي يخادع بها المسلمين مخادع، فعن ذلك توبوه ولذلك تاب .
وليس قضية علي هاهنا مشابهة لقضية رسول الله " في الحديبيّة لأن الإسلام ذلك اليوم في مبدأ أمره والإسلام في خلافة علي قد انتهى إلى الغاية القصوى في الكمال وقد يتسامح في مبدأ الأمر لتربيته ما لا يتسامح عند النهاية .
وأيضا فعله " إنما كان عن وحي يوحى فالظاهر عن أمر خص به في ذلك اليوم دون ما عداه من الأيام إذ لم ينقل عنه في جميع مكاتباته مثل ذلك فالظاهر أنه حكم منسوخ لا يصح أن يعمل به .
وأيضاً فإن القوم الذين مع معاوية يقرّون بالإسلام معترفون بحقيقة الإمامة وبوجوب الطاعة للإمام لكن معاوية يلبس عليهم بأن علياً ليس بإمام وأنه هو ليس بأمير المؤمنين وقد خُدع أكثرهم بهذا التلبيس فترك التسمية بالإمارة مع ذلك ليس كترك الرسالة في جانب المشركين فإن جميع المشركين ينكرون رسالة رسول الله " من غير تلبيس على أحد منهم من رؤسائهم .
وأيضاً فالرسالة أمر إلهي لا تمحى بمحو اسمها من الكتابة والإمارة أمر بشري جُعل فيه الاختبار للمسلمين وتزول باعتزال الإمام لعذر وبعزل المسلمين لحدث .
وسأضرب لك للحالتين مثلا فمثال الرسالة كأم الرجل لا تزول عن كونها أمه ذكر أنها أمه أو لم يذكر وسواء جحدها غيره أم لم يجحدها فحقوقها ثابتة عليه ومثال الإمامة كزوجة الرجل صارت زوجة له بالعقد الصحيح ورضا المرأة وإذن الولي، وتزول عن الزوجية بطلاقه لها وبخلعها إياه وبسائر أنواع الفسوخ والله أعلم .

كلام الله من صفاته الفعلية

السؤال :
قول ابن النظر وشرح ابن وصاف عليه في قوله :


وأما كلام الله فهو كتابه


كذلك قال للطاهر الشيم


ومن شرح ابن وصاف عليه قوله : " أجمعت الأمة أن كلام الله تعالى من صفاته وكلام الله تبارك وتعالى كتابه وكتابه كلامه " أفلا تبين لي ما نَصَّهُ ابنُ وصاف وتُظهره وتُوضحه وتَكشف وجهَ القِناع عنه ؟ جزاك الله عنا خيراً .
الجواب :
معنى كلام ابن وصاف أن الأمة المحمدية أجمعت على أن كلام الله من صفاته وهوكذلك لكن الصفات قسمان ذاتية وفعلية والكلام نوعان :
أحدهما من صفات الذات وهو المعبر عنه بنفي الخرس فقولنا : الله متكلم بذاته، أي ليس بأخرس، أي ذاته تعالى متنزهة عن الخرس .
والنوع الثاني من صفات الفعل وهو الذي فسره ابن وصاف بقوله وكلامه كتابه، وإياه عني ابن النظر في قوله :

وأما كلام الله فهو كتابه


............................................


ومعنى ذلك أن الكتب المنزلة على أنبياء الله تعالى هي كلام الله أي كلامٌ خلقه الله تعالى فيما شاء كيف ما شاء وأضافه إلى نفسه تشريفا له وتعظيما كما أضاف ناقة صالح عليه السلام إلى نفسه فقال :
{ ناقة الله }
(1) وإنما هي خلق من خلقه، كما أضيفت الكعبة إليه فقيل بيت الله على قصد التشريف والتعظيم للمضاف .
ولما كانت الكتب المنزلة كلاماً مضافاً إلى الله تعالى للتعظيم والتشريف ولكونها مخلوقة له تعالى وجب أن يكون ايجادها بعض صفاته فهي من صفاته الفعلية كالايحاء والارسال للأنبياء وكالأمانة والإحياء للخلق إلى غير ذلك من أفعاله تعالى .
فالكلام المنزل من صفاته تعالى اجماعاً لكن اختلفت الأمة في كونه من أي الصفات هو، فذهب الجمهور إلى أنه من الصفات الفعلية كما ذهبنا إليه وذهبت الأشعرية إلى أنه من الصفات الذاتية فكان قولهم بذلك سبباً للتخليطات التي زعموا بها في القرآن حتى زعم بعضهم أنه لم ينزل وأن ما بين الدفتين ليس بالقرآن بل هو عبارات عن القرآن أبعده الله
من قائل، إذ يلزمه بقوله هذا انكار قول الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر }
(2) و{ إنا انزلناه في ليلة القدر }(3)، { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين }(4) في أمثالها من الآيات وحتى زعم أن بعضهم أن القرآن قديم فلزمهم بذلك ثبوت قديم غير الله تعالى، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
ولأجل هذه التخليطات منع بعض أصحابنا من أن يكون الكلام صفة ذاتية، بل أوجبوا أن يكون صفة فعلية فقط واكتفوا في نفي الخرس عن الله تعالى بثبوت صفة القدرة له، لأن الخرس عجز ينافي القدرة . وحِصر ابن النظر الكلام في الكتاب يقتضي هذا المذهب وكذلك تفسير ابن وصاف له في قوله وكلام الله تعالى كتابه وإلى هذا المذهب ذهب الشيخ أبو ساكن صاحب الايضاح رحمه الله تعالى حيث قال في عقيدته "وندين بأن الله خالق لكلامه" والله أعلم .

التوسل بالرسول وبالصالحين

السؤال :
ما حكم التوسل بالرسول وبالصالحين في الحياة وبعد الممات ؟
الجواب :
إذا لم يعتقد المتوسل نفعاً ولا ضراً ولا تأثيراً للمتوسل به بل يعتقد أن النافع الضار هو الله عز وجل وطلب التوسل بجاه المتوسل به في قضاء حاجته من الله تعالى فذلك جائز وقربة إلى الله تعالى .
وإن اعتقد تأثيراً لغير الله بضر أو نفع حقيقة فهو مشرك .
دليل الجواز على الوجه الأول ما روى عن رسول الله " في أحاديث كثيرة :
منها أنه " كان من دعائه : " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك " وهذا توسل لا شك فيه ولفظ السائلين يعم الأحياء والأموات لأن كلا منهم يوصف بذلك إذا وقع منه وصح في أحاديث كثيرة أنه كان يأمر أصحابه أن يدعوا به، منها ما رواه ابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله " : " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا إليك فإني لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة وانما خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ملك " وقد ذكره كثير من الرواة حتى قال بعضهم ما من أحد من السلف إلا وكان يدعو بهذا الدعاء عند الخروج إلى الصلاة .
ومما جاء عنه " من التوسل أنه كان يقول في بعض أدعيته : " بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي "
ومن ذلك قوله " : اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي وهذا الحديث قطعة من حديث رواه كثير من المحدثين وصححوه فانظر في قوله والأنبياء الذين من قبلي أهم أموات يومئذ أم أحياء ولا جواب له إلا القول بأنهم أموات وقد صح عن رسول الله " التوسل بهم فإن ألزمتم من توسل بالأموات الشرك على ذلك مطلقاً وجب عليكم أن تلزموه رسول الله " أليس هذا بالحق بلى والملكِ الحق ؟!
ومن الأحاديث الصحيحة التي جاء بها التصريح فيها بالتوسل ما رواه الترمذي والنسائي والبيهقي والطبراني بإسناد صحيح عن عثمان بن حنيف وهو صحابي مشهور أن رجلاً ضريراً أتى النبي " فقال ادعُ الله أن يعافيني فقال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت قال فادعه أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي، اللهم شفعه في فعاد وقد أبصر وفي رواية قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط ففي هذا الحديث التوسل والنداء .
وخرج هذا الحديث أيضا البخاري في تاريخه وابن ماجه والحكم في المستدرك بإسناد صحيح وذكره الجلال السيوطي في الجامع الكبير والصغير .
وقد استعمله الصحابة والتابعون أيضا رضي الله عنهم بعد وفاته " لقضاء حوائجهم فقد روى الطبراني والبيهقي أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في زمن خلافته في حاجة وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر إليه في حاجته فشكا ذلك إلى عثمان ابن حنيف الراوي للحديث

المذكور فقال ائتِ الميضاة فتوضأ ثم ائتِ المسجد فصل ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه إليك إلى ربي لتقضي حاجتي وتذكر حاجتك فانطلق الرجل فصنع ذلك ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب فأخذه بيده فأدخله على عثمان وأجلسه معه قال له اذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها ثم قال له ما كان لك من حاجة فاذكرها ثم خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال جزاك الله خيراً ما كان ينظر لحاجتي كلمته لي فقال ابن حنيف : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله
" وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره إلى آخر الحديث المتقدم فهذا توسل ونداء بعد وفاته " .
وروى البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر رضي الله عنه فجاء بلال بن الحارث رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله " وقال يا رسول الله استسق لأمتك فانهم هلكوا فأتاه رسول الله " في المنام وأخبره أنهم يسقون وليس الاستدلال بالرؤيا للنبي " فإن رؤياه وإن كانت حقاً لا تثبت بها الأحكام لإمكان اشتباه الكلام على الرائي لا شك في الرؤيا وانما الاستدلال بفعل الصحابي وهو بلال بن الحارث فإتيانه لقبر النبي " ونداؤه له وطلبه منه أن يستسقى لأمته دليل على أن ذلك جائز وهو من


أعظم القربات ولو كان فعل بلال شركاً أو غير جائز لانكر عليه جميع من بلغه خبره لشركه ومنعه من حوله من الصحابة ولم ينقل عن أحد انكار لشيء من ذلك وكذلك يقال في حديث عثمان بن حنيف .

لا يقال انا إنما منعنا التوسل بالأموات وشرّكنا عليه فاعله لأن التوسل بهم يوهم أن لهم قدرة وتأثيراً، لأنا نقول إن ذلك الأيهام لا يبلغ بصاحبه إلى معصية فضلاً عن الشرك ما لم يعلم منه اعتقاد ذلك والمسلم على الاسلام حتى يصح منه ما يخرجه عنه والتوهم لا يكفي دليلا على ذلك إن هو إلا مجرد وهم فما أبعده من اليقين .
فإن قيل قوله تعالى : { أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنيَ الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات
رحمته }
(1) وما اشبهها من الآيات دليل على أن طلب كشف الضر من غير الله شرك بالله .
قلنا : المطلوب بكشف الضر في التوسل هو الله عز وجل لا المتوسل به والآية نزلت في المشركين الذين يعبدون الأصنام من دون الله عز وجل والدعاء فيها بمعنى العبادة لها بدليل قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم }(2) ، { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً }(3) إلى غير ذلك من الآيات، والدعاء مخ العبادة فلا يجوز أن يطلب بطريق الدعاء إلا الرب تعالى فطالب غيره بهذا الطريق مشرك ولا يصح لأحد أن يقول إن المتوسلين من المسلمين اولئك من المشركين سواء لِما رأيت من الأدلة وعلمت أن المشركين يعبدون الأصنام وأن المسلمين إنما يتوسلون بفضل أولئك الصالحين إلى ربهم .
فإن قيلَ : والمشركون يقولون { إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله
زلفى }
(1) .
قلنا : قد صرح المشركون بأنهم قالوا يعبدونهم لذلك، ومن عبد غير الله فهو مشرك فإشراكهم من حيثية العبادة لأن من عبد مع الله غيره فقد جعل مع الله شريكا وأيضاً فالمشركون يعتقدون أن تلك الأصنام آلهة قال الله حكاية عنهم في انكارهم على نبيه { اجعل الآلهة }(2)،
{ لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون }
(3) .
ومن سوى بين المتوسل من المسلمين وبين هؤلاء المشركين فقد سوى بين المشركين وبين رسول الله " لأن التوسل وقع منه وكذلك صحابته كما علمت الا فليأتوني بسلطان مبين وإلا فليعلموا أنهم دخلوا في مضيق لا مخرج لهم منه الا بالتوبة والرجوع عنه .
وفي هذا كفاية لمن من الله عليه بالهداية ولكن لا تغني الآيات والنذر
عن قوم لا يؤمنون والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه وعلى تابعيهم إلى يوم الدين
(1) .

المعاداة على فاعل طاعة والمعونة عليها

السؤال :
امرأة لها ولد ولا ولي لها غيره امرته أن يفعل فعلا والفعل من الطاعات التي يعملها الأنبياء والأولياء، فعملها طاعة لله وامتثالا لأمر والدته فمقتته على ذلك مقتا شديداً وتعلقت بمن هو أقوى منه وورثتهم مالها ضرراً له وقطعاً لولائه حتى لا يبقى له ولاء عليها في مال وحال ففعل ذلك من تعلقت بهم طمعاً في تلك الرشوة كيف يكون حال الفاعل والمعين له فيما بينه وبين الله ؟ أرأيت إذا كان هذا ظلماً منهم له فإذا قدر على الانتصار منهم أيجوز له ذلك أم لا ؟
الجواب :
إنه لا يحل لأحد أن يعادي أحداً على فعل فعلته الرسل والأولياء، ومن عادى على ذلك فهو ظالم لنفسه عاصٍ لربه، والمعين له مثله سواء كان برشوة أم غيرها . هذا إذا لم يقصد اضراره، ومع قصد الضرر فهو ظلم على ظلم .
وأما الانتصار فلا يصح إلا لمن ظلم ماله ولم يجد من ينصفه من ظالمه هذا ما ظهر لي والله أعلم .

الولاية مع التسمية والبراءة دون تعيين

السؤال :
الضعيف الذي لا له يد في الولاية والبراءة وقرأ في سير أهل النحلة الإباضية وآثارهم ووجد ذكر الخليفتين رضوان الله عليهما ومَن بعدهم من الأمة والعلماء إلى آخر سيرهم وولايتهم لهم، وذكر المحدِثين والجبابرة إلى آخر سيرتهم وبراءتهم منهم، أيلزم هذا الضعيف أن يتولى هؤلاء المذكورين بأعيانهم ويبرأ من الآخرين بأعيانهم ؟ وهل يسعه السكوت عنهم ما لم تقم عليه الحجة ؟ وما صفة قيام الحجة التي تلزم هذا الضعيف بين لنا ذلك .

الجواب :
نعم يسع هذا الضعيف السكوت عن المذكورين كلهم حتى تقوم عليه الحجة بولاية الولي منهم وعداوة العدو فإذا قامت عليه الحجة بشيء من ذلك وجب عليه أن يفعله .
وله أن يتولى الخليفتين رضوان الله عليهما بنفس اطلاعه على سير الأصحاب وذكرهم لخصالهم المحمودة وسيرتهم العادلة كما له أن يأخذ بآثارهم في العمليات فترى الواحد منا يفعل الفعل ويكف عن الفعل الآخر ولا علم له بأحكام ذلك إلا من حيث اطلاعه على آثارهم رحمة الله عليهم فكذلك الولاية لأهل الولاية من المسلمين فنحن نتولى الخليفتين وغيرهم من أئمة الأصحاب جملة وتفصيلا ومنهم من لم نعرف اسمه ولا سيرته إلا من الأثر رضوان الله عليهم أجمعين .
وأما البراءة فلا يجوز لأحد أن يبرأ من شخص بعينه لأجل براءة من برئ منه من المسلمين لأن براءة المتبرئ من العدو حكمٌ عليه بالخروج عن الإسلام وليس لأحد من الناس أن يحكم بحكم الحاكم العادل ما لم يصح معه في ذلك الشيء بعينه مثل ما صح عند ذلك الحاكم لكن يعتقد الواقف على السير المذكورة والبراءة من أهل تلك الأحداث المحرمة شرعاً من غير أن ينسبها لواحد بعينه .
فإذا صح معه من طريق الشهرة التي لا دافع لها أن صاحب هذه الأحداث هو فلان وفلان مثلا وجب عليه أن يقصدهما بالبراءة منهما بأعينهما وليس له الرجوع عن العلم إلى الجهل ولايسعه الشك بعد اليقين والله أعلم .

تفسير بيت في ‘‘ مشارق الأنوار ‘‘

السؤال :
قولة في مشارق الأنوار في عدد 13 في شرح هذا البيت :

حتى استووا على بساط القرب


في حضرة قدسية في القرب


إلى أن قال فالقرب الأول في البيت بمعنى التقرب وهنا بمعنى التقريب إلى أن قال لعلاقة اطلاق اسم السبب على المسبب في الأول وبالعكس في الثاني حتى قال لأن القرب الذي هو الدنو مسبب للتقرّب وسبب للتقريب قال السائل وأنا رددته في نسختي لأن القرب الذي هو الدنو سبب للتقريب وسبب للتقريب، فأخبرته في وادي المعاول مشافهة فجاوبني أن الذي وضعه في كتابه هو ذلك الذي قاله هو وليس بغلط والغلط من (هلال) فبقيت أتأمل في رد الأغلوطات فلم أجده فيها فرجعت إلى كتابي فوجدته لا يقبل قلبي إلا ما رددته بنفسي وهو أن القرب الذي هو الدنو سبب للتقرب ومسبَّب للتقريب وأرجو الجواب منك .

الجواب :
إن التقرب مصدر تقرب تقربا والتقريب مصدر قربه تقريبا والقرب الذي في البيت استعمل في المعنيين فاستعمله في أول الشطرين بمعنى التقرب وفي الأخر بمعنى التقريب، وهو حقيقة في الدنو ومجاز في التقرب والتقريب وهو الدنو من الملك ومسبَّب عن تقربنا إليه ممن تقرب إلى الملك فأدناه كان ذلك الدنو ثمرة لذلك التقرب، ثم إن أدناءَ الملك هو عين التقريب فيكون التقريب من الملك مسبَّبا عن الدنو إليه والدنو إليه مسببا عن التقرب إليه وكشف ذلك أن محاولة أحدنا القرب من الملك هو التقرب فإذا حصل القرب فذلك هو الدنو فإذا أقبل عليه الملك بالأنعام والإكرام والاحتفال فذلك هو التقريب فلا إشكال - يا هلال - بلغك الله الآمال وكشف لك عن المشكلات الأقفال وعليك السلام ورحمة
الله .


استصحاب الولاية في حال خفاء زوالها

السؤال :
الوليّان إذا اختلفا في مسألةٍ دينيةٍ لا يمكن أن يكون الحقُّ فيها معهما معاً، ما قول المغاربة فيهما ؟ إذ لم يثبت معهم وقوف الرأي . فإن قالوا بولايتها معا فهل يلزمهم أن يكونوا قد تولـوا فاسقا ؟ إذ لا بد من فسق أحدهما .

الجواب :
الله أعلم بذلك، وأنا لا أعرف لهم قولاً في ذلك، والذي تقتضيه قاعدتهم ثبوتُ الولايةِ للمحق منهما والبراءةِ من المبطِل، فإن اختفى الباطل على هذا المتولي فمقتضى قاعدتهم إبقاؤهما على الولاية السابقة حتى تتضح له الهدى من الضَّلال والرشد من الغَيّ، لأنهم لا يبرؤون إلاّ على بينة كالشمس . وهو قول أبي عبيدة وبشير رحمهما الله . ولا يلزمهما بذلك ولايةُ الفاسق، لأنهم إنما تولَّوه على ما كان، لا على ما حدث، فهم مُستَصحِبُون لتلك الولاية حيث إنها تثبت عندهم بيقين، ولا يُزيل اليَقينَ إلا يقينٌ مثلُه . والله أعلم .

البراءة على اشتراط بطلان رأيه

السؤال :
قول الكدمي رحمه الله في الوليين إذا اختلفا في الدين وكان المبطل العالم والمحق الضعيف : " أنه لم يجز للذي يتولاهما أن يثبت على الولاية بالدين إلا بوقوف الرأي، فإن تولاه على ذلك هلك إن لم يعتقد فيه بعينه براءة الشريطة " ما وجهه ؟ وكيف لا يُجزئه اعتقاد الشريطة في الجملة ؟

الجواب :
ذلك رأيه رضي الله عنه، وقد تقدم ما تقتضيه قواعد المغاربة . وقد قيل : إنّ الإنسان لا يهلك بفعل غيره، وإذا لم يصوِّبْه في خطأ فلا يخرج إلى الهلاك بالدين إذا كان إنما تولاّه على حال يوجب له الولاية فيما
تقدّم .

والوجه في القول بهلاكه أنه تولَّى مبطلاً، وولاية المبطل ضلال، فقد هلك بفعله لا بفعل غيره، على أن الجهل ليس بعذر .
فإن أنزله من ولاية الدين إلى وقوف الرأي أو ولاية الرأي وهي أن يعتقد فيه بعينه البراءة على الشريطة [ جاز ] في الجملة عند الإمام الكدمي رحمه الله، لأن الأحكام مختلفة، وذلك إن أحكام الجملة تخالف أحكام التفصيل، فإذا وجب التعبدُ في شيء من التفصيل لم يُجْزِ عنه الإجمالُ . والله أعلم .

توجيه قول تارك ولاية آكلِ القرد ومُحَلل موطوءة الحيض

السؤال :
عن وجه قول الإمام الكدمي في ترك ولاية من أكل القرد، مع أنه لانصَّ يدلُّ على تحريمه ولا إجماعَ، وقد قال بعضهم : لا نقول إن من أكله أتى كبيرة .
وأشكلُ من هذا قولُه : " إن من برئ ممن أكل القرد توليناه على براءته منه، ومن تولاّه على ذلك لم نتولّه، ومن أحلَّه نصاً لم نتولّه "
وما وجه قول بعضهم : لا نتولّى من أحلّ الموطوءة في الحيض عمداً، كيف تُترك ولايةُ من أحلّ ذلك مع أنه رأى لبعض أئِمتنا ؟ فهل يصحّ تركُ ما تعبَّدَنا الله به من أمر الولاية إلاّ بأصلٍ قويّ ؟
الجواب :
أما الشيخ أبو سعيد رحمه الله فقد حاول تخريج الإجماع في تحريم القرد قياساً على الخنزير، لكن لما كان الإجماع [ يخالف ] المنصوص فلا يحكم بفسق آكله ولا مستحلّه، ولقوة ذلك عنده ترك ولايته وتولىَّ من برئ منه، وذلك أنه يقرّب المسألة من الدين، فلم يتجاسر على الحكم فيها بالتفسيق . وتَوَلَّى من تجاسر، إذ من تشجّعَ بعلم كمن تورَّع بعلم.
وأما قول القائل بأنه لا يتولّى من أحلّ الموطوءة في الحيض، أي من قال : إنها لا تحرم على زوجها، فهو لا يتولاه، لأن هذا القول صار معروفاً بأهل الخلاف، وصار عند المسلمين قولاً متروكاً، حتى كاد أن يتفقوا في آخر الزمان على خلافه، فصار مذهبُهم في ذلك معلوماً وصار القولُ بخلافه من شعار المخالفين، فمن أظهره عند المسلمين خيف أن يكون منهم . فلذا قال : إنه لا يتولاه .
ثم إن الولاية اصطفاء، فلا تنزل مع حرج الصدور ولا مع توحش النفوس، وإنما تنزل عند الاصطفاء وصدق المؤاخاة . وأنت تعلم أن من فارق الجماعة ولو كان في مسألة اجتهادية تتوحش منه النفوس، لأنه قد صار منفرداً برأيه، وكان عليه أن يكون مع الجماعة، لا سيَّما حيث يكون نظرهم دافعاً للمفاسد كما في هذه الصورة فإن كثيراً من العوام لا يمنعهم عن الوطء في الحيض كونُه حراماً، لتجاسرهم على كثير من المعاصي، وإنما يخافون تفريق المسلمين بينهم وبين نسائهم، فقد اندفع بذلك مفسدة عظيمة وانسدَّ عن الناس بابٌ من الكبائر .
فإن كان هذا القائل يرى ما رأى الجماعةُ من التحريم فذاك، وإلا كتم رأيَه وردّ الناس إلى غيره ليكون شريكاً في دفع المفاسد وموافقاً لجماعة المسلمين .
وأقول : إنه لا يمكن تركُ ولايته بذلك، لأنها فريضة في حق كل مؤمن، ولا تترك إلا عن فاسق أو متهور في الشبهات أو مسترابٍ في أمره، فإن نزل هذا القائل بالحل في شيء من هذه المنازل كان حقيقاً بترك الولاية، وإلاَّ فهو ولينا وأخونا في الدين . والله أعلم .

توجيه قول مكفّر شارب النبيذ

السؤال :
قولهم : إن نبيذ الجر والدبا والمزفت حرام . قال الإمام : " وكفّر شارب نبيذ الجر والدباء والمزفت والنقير، لأن السنة جاءت بتحريمه " ما وجه القول بتحريم هذا، بل بتكفير شاربيه ؟ وهل المراد بذلك إذا سكر أم يكفر ولو لم يسكر ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، والذي يظهر لي أن مرادهم بذلك الإطلاق، لأنهم [ أطلقوا الحكم على ] نبيذ هذه الأوعية بالتحريم من تقييد بالإسكار، وقيدوه في غيرها فحرَّمُوا المسكر من غيرها وحرَّموا النبيذ منها مطلقاً .
والدليل على التحريم ما ذكره الإمام أبو سعيد، وهو أن السنة جاءت بتحريمه . والذي وجدته أنا من الأحاديث أن وفد عبد القيس قدموا عليه صلَّى الله عليه وسلّم فسألوه عن النبيذ فنهاهم أن ينبذوا في الدُّبّاء والنَقير والمزفَّت والحنتم والمزادةِ المجبوبة، وقال : " ليشرب أحدكم في سقائه ويُوكِه " والحنتم : الجرار الخضر، والنقير : هو الجذعُ ينقر وسطه نقراً وينسخ نسخاً، والدباء : القرعة . فإن كان أبو سعيد رحمه الله قد أخذ معنى التحريم من السنة من هذا النهي لأن حقيقة النهي للتحريم فذاك، وإن كان عندهم حديث مصرِّحٌ بالتحريم فالله أعلم . ولئن قلنا بالاحتمال الأوَّل فليس النّهي نصّاً في التحريم، وإنما يستفاد من معناه الموضوع له، فحَمْلُه على الحقيقةِ وإن كان هو الظاهرَ لكنه لا يفيد القطع به، لوجود الخلاف فيه هل يحمل على التحريم أو الكراهية عند عدم القرينة .
على أنه قد قيل : إن المعنى في النَّهي عن الشراب فى هذه الأوعية دون غيرها أن النبيذ فيها يكون أسرعَ إلى الفساد والاشتداد حتى يصير مسكراً، وهو في الأسقية أبعدُ منه .
وأيضاً فقد رَوى بعض قومنا ما يدلّ على نسخ هذا النهي، فقال: كان أبو هريرة يقول : سمعته صلّى الله عليه وسلّم بعد نهيه عن الانتباذ في الظروف المذكورة يقول : " كنت نهيتكم عن الأشربة إلاّ في ظروف الأَدَم، فاشربوا في كل وعاءٍ غير أن لا تشربوا مسكراً، فإن الظروف لا تحلّ شيئاً ولا تحرّمه " . وكان ابن عمر يقول لنا : نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الأوعية، قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ليس كل النّاس يجد سِقاءً، فرخّص لهم في الجرار غير المزفَّت وأن يشربوا فيما شاؤوا، غير أن لا يشربوا مسكراً .
وإن قلنا بأن معهم حديثاً نصّاً في التحريم فلا يخلو ذلك الحديث إمّا أن يكون آحاداً أو مستفيضاً أو متواتَراً .
والمتواتر في هذا غير موجود، لأنه لو كان متواتراً لما اختصَّ به أحد عن أحد . سلمنا اختصاصه باعتبار الجماعةِ الناقلين والمنقولِ إليهم فلا يلزم من لم يبلغه التواتر حكمُ التواتر، لأن الشهرة إنما تلزم من بلغته دون غيره من الناس، وليس يلزمنا من اشتهار الأمر عند غيرنا مؤونة إن لم يشتهر ذلك معنا، وليس لمن اشتهر معه أن يحكم علينا بما علم حتى نعلم مثل ما علم، وليس للعالم أن يقول للجاهل اعلمْ كعلمي وإلا قطعتُ عُذْرَك، فإن فعل قطع الله عذر العالم .
وإن كان الخبر آحاداً أو مستفيضاً فلا يفيد على الأصحّ إلاّ الظن فأين موضع التكفير في هذا كلّه ؟ على أن المسألة مسألة اجتهاد لا قطع .
فإن قيل : لعلّ الحديث قد تواتر واشتهر عند أئمّتكم فحكموا بذلك بحكم المشتهر المتواتر، والعذر للجاهل إنما يكون فيما لم يرتكبه من المحرّمات، فإن ارتكب محرّماً ضاق عليه جهله وقامت عليه الحجّة ممن كان، وهم إنّما يكفرون شاربه .
قلنا : نعم هكذا حكم المتواتر ان ثبت، لكن لا سبيل إلى اثبات التواتر في ذلك، لأن التواتر لا يختفي، كالشمس في رابعة النهار .
فإن قيل : كثير من الأحاديث كانت متواترة في أوّل الأمر ثمّ صارت أحادية بموت النقلة، فلو لم يؤخذ بحكمها السابق لزم عليه تنافي الأحكام وتداعيها من أصلها، حيث يُحكم أولا بالقطع في شيءٍ ثمّ ينقل ذلك الحكم بعينه ظنّاً في غير ذلك الزمان، فيصير القطع مظنوناً والفاسق بارتكابه مؤمناً، وهذا لا يصحّ أن يقال به .
قلنا : إن ثبت الحكم بالقطع في شيءٍ من الأشياء فلا سبيل إلى رفع القطع عنه، والدين لا يزول من مكانه، والأحكام لا تتناقض، وأنى لكم بأنه قد حكم بالقطع في هذه المسألة في العصر الأول .
فإن قيل : فإذاً ما وجه كلام الإمام أبي سعيد في تكفير شاربه؟
قلنا : الله أعلم بذلك، والذي يظهر لي أنه لم يجد خلافاً بين الأصحاب في المسألة فقال بالتكفير فيها لظنه الإجماع في المسألة، وهي وإن اتفق الأصحاب عليها فليست من مسائل الدين ولا من مسائل الإجماع . وكثيراً ما تنطبق كلمتهم على قول واحد وهم يعترفون بأنه موضع اجتهاد ومقام اختلاف، ويسوِّغون لمن جاء من بعدهم القول فيه. و كثيراً ما يتفق أهل المشرق على قول لا يذكرون فيه خلافاً ثمّ يذكر أهل المغرب في ذلك الشيء بعينه قولاً آخر، والتكفير تفسيق وتضليل لا يمكن أن يكون في شيءٍ من مسائل الاجتهاد، لأن المختلفين فيها على صواب ما لم يضلل أحدهما الآخر فيضلّ هو بالتضليل فيكون قد نصب الرأي دينا .
فإن قيل : كثيراً ما نجد في مسائل الخلاف اختلافاً في البراءة من فاعل كذا، كالوليّ إذا قتل وليّاً آخر فقد قيل ببقائه على ولايته، وقيل بالبراءة منه، وقيل بالوقوف عنه وقوفَ الرأي، ومن المعلوم أن البراءة لا تكون إلاّ لمن خرج عن الدين، فما معنى هذا الإختلاف ؟ وهل يُحمل كلام أبي سعيد على هذا المعنى ؟
قلنا : ليسا سواء فإن الإختلاف في الولي القاتل ونحوه من حيث الاحتمالات والدعاوي، فإن كل واحد من المختلفين قد سلك مسلكاً لا يخالفه فيه الآخر، وذلك أن القائل بإبقائه على ولايته إنما يتولاّه للولاية السابقة له، وذلك أصل لا يخالفه فيه غيره، فهو مستصحب لأصله . وأما القائل بالبراءة فإنه إنما تبرّأ منه لأجل ما ارتكبه من الفعل المحجور في حكم الظاهر، والحجر سبب البراءة في الظاهر لا يخالفه فيه غيره ولم يتعبدنا الله بالباطل . وأمَّا القائل بالوقوف فلتعارض الأمرين فحصل الإشكال عنده، ومن قاعدتهم أن كل مشكل موقوف . وكلام أبي سعيد إنما هو في شارب ذلك الشيء فليست المسألتان من باب واحد . والله أعلم .

من لم يجد مفتياً فأقدم على أمر فوافق مباحاً أو حراماً

السؤال :
مَنْ بلغه أن لله محرَّماتٍ ومحلَّلاتٍ، واعتقد السؤال عن هذه المحرّمات والمحلّلات، فلمّا أراد أن يُقدم على شيء طلب المعبِّر فلم يجده، فهل يصحّ له أن يُقدم مع اعتقاده السؤالَ حيث لم يجد المعبِّر، مع أنه محتاج لذلك ؟
الجواب :
إذا وافق مباحاً جاز له ذلك وهو سالم عند الله وعند الخَلق .
وقيل : ليس له أن يُقدم على شيء إلابعلم وإن وافق مباحاً،
فعليه التوبة من الإقدام، لأن حقه الوقوف، لقوله تعالى : { ولا تقفُ
ما ليس لك به علم }
(1) وفيه تشديد والأول أنسب بالحنيفية السمحة، وهوالظاهرمن أحوال الصحابة ومَن بعدَهم، فإنهم كثيراً ما يفعلون الفعل ثم يسألون عن حكمه ولم يبقِ بهم النبيّ عليه الصلاة والسلام ولا غيره ممن علمناه .
وأمَّا إن وافق محرَّماً فأكثرُ القول أنْ لا يُعذرَ بجهله، للأثر المجتمع عليه أنه يسع الناسَ جهلُ ما دانوا بتحريمه ما لم يركبوه أو يتولوا راكبه أو يبرؤا ممن برئ من راكبه .
وقيل : إذا دان بما يلزمه واعتقد موافقةَ الحلال، فوافق الحرام جهلاً إنه معذور لقوله تعالى : { ولم يُصِرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون}(1) فمفهوم الآية أن إصرارهم مع الجهل لا يستحقون به الذم .
قلنا : هذا المفهوم قد عارضته القواطع القاطعة لأعذار الجاهل كقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }(2) وقوله تعالى :
{ ولو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لَعَلِمه الذين يستنبطونه منهم }
(3) ولو كان في الجهل عذر لكان الجاهل أقربَ إلى السلامة، وهيهات، لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون !

وما عذري بجهلي عند ربِّي


وهل أنا واجد للجهل عذراً



السؤال :
إن هذا المبتلى قد طلب المعبِّر ليسأله فلم يجد أحداً من أهل الذكر، فهل يكون أعذر ممن فعل مع وجود االمعبِّر وضيع السؤال ؟
الجواب :
أما أن وافق حراماً فالخلاف المتقدم خارج في هذا أيضاً، لأن كلامهم يشمله، وأما في نفس السؤال فإن من ضيع السؤال أشد ممن لم يضيعه . ولا يشكل عليك تهليكه(1) - على رأي من يقول بهلاكه - فإن القول بذلك راجع إلى المعنى الإلزامي، وذلك أن تكليفَ اللهِ العبادَ الزامُه التكاليف، والإلزام أمرٌ ثابت عليهم علموه أو جهلوه، فيلزمهم البحثُ عمّا يلزمهم حتى يفعلوه وما حُجر عليهم فيجتنبوه .
فإن قيل : على هذا القول يهلك كثير من العوام ويكون التعذيب بغير بينة، والله يقول : { لِيهلكَ مَنْ هَلك عن بينـةٍ ويحيا من حَيَّ عن بينـةٍ }(2)
قلنا : أما هلاك العوام إن هلكوا فبتضييعهم في ترك العلم وارتكاب الجهل، والله لايُضيع عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى، وأما البينة فقد حصلتْ بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب ونصب الشرائع. والله أعلم .

توجيه قول من قيد قيام الحجة بفهم معناها

السؤال :
قول المعتبر : " تقوم الحجَّة على من بلغه خبر الجملة بأي معبِّر إن فهم معناها وعرف المراد بها " . ومفهومُه : إن لم يعرف معناها والمراد بها لم تقم عليه الحجَّة، فما القول حينئذٍ فيمن عبر له هذه الجملة فقال: لم أفهم معنى هذا ولا المرادُ به، هل بحكم بشركه أو لا ؟
الجواب :
إن كان القائل عربياً والتعبير له بلسان عربي مبين فلا عذر له، وهو جاهلٌ متمرّد على أحكام الله، والله يكفينا المستهزئين . فإن كان في دارٍ حكمُ أهلها الشركُ فهذا مشرك، والحجّة قد قامت عليه، وحربه واجبة، وإن كان في دار الإسلام فلا يعجل عليه بالقتل حتى يُعلم منه أنه أراد بذلك إنكار الجملة، أو قاله لشك فيها، أو لاستهزاء بها، فإن عُلم شيء من هذه فهو مرتد، يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وإن كان التعبير بلسانٍ غيرِ لسانه، كأعجميّ عَبَّرَ له عربي، أو العكس، أو أعجميّ عُبّر له بلغة غير لغته على كثرة اختلاف اللغات، أو عربيّ عُبّر له بلسان لا يفهمه كتميمي عُبّر له بلغة حمير أو غيرها من اللغات التي التي لا يهتدى إلى معناها في بعض الألفاظ، فهذا هو المعنى الذي عناه أبو سعيد، فإنّ تعبيرَ المعبِّر بلسان لا يفهمه أشبهُ شيءٍ بنُعاب الغراب وصِياح الطير وثُغاء الشاة، وكيف لنا بأن نعرف أصوات هؤلاء إلاَّ بإلهام من الله، كما علَّم داودَ وسليمانَ منطقَ الطّير، فكذلك فهم اللغة التي لانعرفها، ومن المعلوم أن التكليفَ بفهمِ ما لم نفهمه تكليفٌ بالمحال، لأنه لايطاق وذلك كتكليف الأعمى البصرَ، والأصمِّ السمعَ ونحو ذلك .
فإن قيل : إن الإبصار من الأعمى والسمع من الأصمّ محال في نفسه، وفهم اللغة غير محال في نفسه وإن كانت غيرَ لغته، لأنه يمكنه أن يتعلم المراد فيفهم المعنى، ولا كذلك الأعمى والأصم .
قلنا : هما سواء لأنا إنما نتكلم في فهمه قبل التعلّم، فإنكم إن لم تعذروه قبل التعلم كلفتموه ما لا يطيق، حيث ألزمتموه العلم بعد القدرة عليه، وإن عذرتموه حتى يتعلم فقد وسّعتم له في الجهل بعد قيام الحجّة في زعمكم حتى يتعلم . أرأيت إن تعلّم بعد ساعة أو ساعتين، ما يكون حكمه فيما رضى بعد سماع المعبر أهو مسلم في ذلك الحال أو مشرك ؟ فإن كان مسلماً فعلامَ يلزمه تعلمُ اللغة المذكورة بعد أن كان في حال سلامة ؟ وإن كان مشركاً فما ينفعه ذلك التعلم ؟ فسقط الاعتراض عن كل وجه وليس هو باعتراض موجود إن شاء الله، غير أني ذكرته توسيعاً للدائرة وتقوية للفهم، والله أعلم .


توجيه تعريف الكبيرة بفعل ما يشبه موجب الحد

السؤال :
عن قول بعضهم : " لا يكون العبد مرتكباً للكبيرة إلاَّ إذا أتى فعلاً يشبه شيئاً يجب فيه الحَدُّ في الدنيا " ما وجهه مع قوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين }(1) وقوله :{ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }(2) إلى قوله :
{ ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نُصليه ناراً وكان ذلك على الله
يسيراً }، صدق الله العظيم .

الجواب :
لعله أراد بقوله فعلاً يشبه شيئاً يجب فيه الحدّ في الدُّنيا كل فعل ثبت فيه الوعيد من قِبل الله تعالى، فإنَّ كل معصية عليها الوعيد أشبهت الكبائر التي فيها الحدود، لأن الوعيد جامع بينهما . وأكلُ الأموال بالباطل، وظلم الناس، وتطفيف الكيل والميزان، وأشباه ذلك، كلُّها كبائرُ يَهلك فاعلها ويُبرأ منه إن لم يتب . والله أعلم .
الأخرس من حيث الولاية والبراءة

السؤال :
الأعجم "يعني الأخرس" قيل : كالمعتوه، لا يُتَوَلَّى إذا أتى بالطاعة، ولا يُبرأ منه إذا أتى بالمعصية . وإذا حدثت عليه العُجمة وكان قبلَ ذلك وليّاً يبقى على ولايته ولو سرق وعصَى وأشرك وقتل وفسق، فما وجهُ جَعْلِه في الحالة الأولى كالمعتوه، وإبقائه في الحالة الثانية على ولايته، مع أن الآفة لم تنزل إلا في لسانه، وعقلُه صحيح وافر، وكيف يقاس بمن لاعقل له ؟
الجواب :
هو في الحالتين مقيس على المعتوه، وذلك أن المعتوه إذا لم تسبق له ولاية فهو على حال الوقوف وإن صدرت عنه المعاصي، لارتفاع التكاليف عنه وإن سبقت له ولاية، لأنها لم تصدر عن عقل . وكذلك الأعجم في الحالتين .
ووجه القياس أن الأعجم معذور بحيث إن الله تعالى قد سدّ عنه باب السَّمع فلا يصل إليه من حجّته شىء، والشرائع كلها مسموعة منقولة، نعم، تقوم الحجّة في معرفة الله تعالى من جهة عقله لكن لا سبيل لنا إلى الوصول إلى معرفة ذلك، لأن موضع المعرفة القلب ولا يدرك ذلك إلا بتعبير اللسان عمَّا في الضَّمير، وقد انسدَّ باب العبارة فهو على السلامة.
فلو رأيناه يفعل معصية أو شيئاً من الكبائر لم نحكم عليه بالكفر لكون الحجّة لم تقم عليه لانسداد بابها عنه، لأن معرفة المعاصي والطاعة جاءت من قبل السمع، فقياسه على المعتوه من حيث ارتفاع التكليف من هذه الجهة فلا يغني عنه وفورُ عقله شيئاً .
وأمَّا إن حدثت عليه العجمة فإنه يبقى على حاله لاحتمال أن تكون المعصية التي فعلها لم تقم عليه حجتها حال الصحة، وقد تعذر عليه معرفتها بعد ذلك .
واعلم أن العجمة لايمكن حدوثها، وإن حدثت بعد فليست هي العجمة الأصلية، وإنما العجمة الأصلية هي التي تكون في الإنسان من أول مرة فتمنعه من سماع الألفاظ فلا يستطيع النطق بشيء، لأن اللسان إنما ينطق بما تسمع الأذن، فإذا سمعت الأذن ووعى القلب نطق اللسان، فما حدث بعد ذلك فليس بعجمة، وإنما هو صمم في الأذن أو خرس في اللسان، فهي آفة غير العجمة، فلا أدري ما معنى القول بثبوت حكمها إذا حدثت بعد ثبوت الولاية .
وأقول إنه يمكن أن تثبت للأعجم حالة ولاية من غير نفسه، وذلك كما إذا تولاه بولاية غيره كأبيه وسيده وأمه - على قول - ثم بلغ، فإنه يبقى على حكم الولاية حتى يُحدث حدثا يخرجه منه . وقيل ينتقل إلى الوقوف . فعلى الأول يكون الأعجمي على حكم الولاية التي سبقت له بسبب غيره . فهذه الحالة هي التي يكون بها الأعجمي ولياَّ لا([1]) إذا حدثت العجمة . والله أعلم .


اقتصار نفي القذف على شهادة الأربعة ( غير العدول )

السؤال :
قول المعتبَر : " إن شهود الزِّنى إذا كانوا أربعةً غيرَ عدول إنهم لا يكونون قذفةً "، فهل الثلاثة والاثنان مثلُهم ؟ أرأيت إذا لم يكن لهم أن يشهدوا أليسوا داخلين في قوله تعالى : { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده }(1) أم لا ؟
الجواب :
ليس الثلاثة والاثنان في ذلك كالأربعةَ إنما رُدَّت شهادتهم لسقوط عدالتهم، والثلاثة ومن دونهم إنما تُردّ لقلة عددهم، وقد قال الله تعالى : { فإذْ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون }(2) فما دون الأربعة - في حكم الله - من الكاذبين، وإن كانوا في السريرة من الصادقين .
ولا يحكم بكذب الأربعة وإن ردت شهادتهم لسقوط عدالتِهم، لأن العدد قد ثبت لهم، ولا يدخل شهود الزنى تحت الآية، وهي قوله تعالى : { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده } لأن ذلك فيما طُلب أداء الشهادة فيه، ولا يلزم في الزنى أداء الشهادة إلاَّ في موضع واحد، وذلك فيما إذا كان ترك الشهادة يفضي إلى ضررٍ لغيره، كما إذا شهد أحد الشهود عند الحاكم بالزِّنى فإن على الباقين أن يشهدوا لئلا يفضيَ إلى جلده على القذف، وكذلك إذا قذف قاذفٌ أحداً فطولب بالأربعة أو يُحَدّ فإن على الشهود أن يشهدوا دفعاً للحد عنه .
والله أعلم .

العبرة في الولاية والبراءة بالظاهر

السؤال :
قول بعضهم إن ولي الحقيقة يُبرأ منه في حكم الظاهر إذا فعل ما يوجب البراءة، وكذلك العدوُّ بالحقيقة يُتَولّى في الظاهر إذا فعل ما يوجب الولاية،
ما وجه هذا القول عند قائله ؟ وهو يَلزم عليه التناقض بحيث يصير الولي وليا عدوا .

الجواب :
إن الولاية والبراءة عند هذا القائل من الأفعال المترتبة على الأفعال الدنيوية مع قطع النظر عن العواقب، فهو يتولاه لأن الله تعالى ألزمه ولاية المطيع في حكم الظاهر، ويبرأ منه لأن الله ألزمه البراءة من صاحب الكبائر في حكم الظاهر، ولم يتعبده الله تعالى بما سيكون في الآخرة من شأن هذا الولي أو العدو .

كأنه جعل الولاية والبراءة بحكم الظاهر من الأحكام الدنيوية. أَمَا تُقطع يدُه إذا سرق وإن كان في علم الله أنه يكون من أهل الجنَّة ؟ أَمَا يُحَدُّ إذا زنى ؟ أَمَا يُجلَد إذا شرب ؟ أَمَا تُقطَع يده ورجله من خلاف إذا حارب ؟ أَمَا تُضرَب عنقه إذا ارتد ولم يتب ؟ أَمَا يُحارَب إذا أشرك فحارب ؟ أرأيت لو قال النّبي " في مشرك أنه سيسلم ويدخل الجنة ألنا أن نُقره على شركه ؟ كلا بل نحكم عليه بأحكام مِثلِه، فكذلك الولاية والبراءة في حكم الظاهر . والله أعلم .
قال السَّائِل :
إن من حقوق الوليّ بالظاهر أن يُطلب له الرحمةُ الأخروية وَدُخولُ الجنَّة، ومن أحكام العدو في الظّاهر جواز لعنه والدُّعاءِ عليه بالنَّار والغضب . فهل هذا كله يجوز في حق الولي بالحقيقة إذا فعل الكبيرة وكذا العكس في عكسه ؟
الجواب :
الله أعلم، وأنا لا أحفظ هذا منصوصاً من قولهم غير أني أقول أنه إذا علم أن هذا يدخل الجنَّة فليس له أن يدعو عليه بالنار والغضب في الآخرة وإن أحدث الكبيرة، وإن علم أنه يدخل النَّار فليس له أن يدعوَ له بالجنّة وإن فعل الطَّاعة، لأن ذلك الحال إذاً لا يبدل القول لديه تعالى ولا يختلف علمه، وطلب ذلك يقتضى طلب خلافِ معلومِ الله وهو باطل قطعاً، فلا يجوز سوى له .
فإن قيل هذا المعنى هو معظم أحكام الولاية والعداوة فإذا امتنعا صار ذلك الولي غير ولي والعدو غير عدو فما وجه القول بالولاية والبراءة بعد ذلك ؟
قلنا : وجههما إعطاءُ الحقوق والأحكام الدنيوية فإن لفاعل الطَّاعة حقوقاً لا بُدَّ من أدائها إليه، وعلى فاعل المعصية أحكاماً لا بُدَّ من انفاذها فيه، فهو وليّ أو عدوّ بهذا المعني .
وكأني بصاحب هذا القول يقول إن أحكام الولاية كلها ثابتة لهذا الطائع، وأحكام البراءة كلها ثابتة لهذا العدو، وإنما يمتنع الدُّعاء بأمور الآخرة للعارض المتقدم، فلا ينفي ذلك بقية الأحكام ولا يخرجه عن الأصل . والله أعلم .

الصلاة على المشرك في حكم الظاهر

السؤال :
الوليُّ بالحقيقة إذا مات في حكم الظاهر مشركاً، هل يجوز لمن يتولاّه بالحقيقة أن يُصلّيَ عليه بعدَ موته ؟ أرأيت إذا خفي ذلك عن غير المطَّلع من الناس على ولايته الحقيقية، هل يكون الحكم فيه سواء أو الإخفاء أرخص ؟

الجواب :
لا يجوز ذلك لا في السرّ ولا في العلانية، لأن الصَّلاةَ عليه والدفنَ له حكمُ الميراث وهي تابعة لأحكام الدنيا وهي أشياء تترتب على أسباب في الحياة، فإذا حصلت الأسباب تبعتها الأحكام، وعلى كل مسلم أن يُنْزِلَه حيث أنزلَ نفسه، عَلِمَ بحكمه في الآخرة أو جَهِل، إذ لايجوز أن تُترك الأحكام الدنيوية لأجل الأحكام الأخروية، لأن أحكام الدنيا أحكام تعبُّد وأحكام الآخرة أحكام جزاء،
فإن قيل : إذا قُطع في هذا الولي بأنه من أهل الجنة لوجوب صدق المخبِر وجب عليه أن يُقطع أنه لايموت إلا مسلماً، لثبوت القواطع في وعيد الكفار، وإذا وجب عليه القطع بإسلامه حالَ الموت فما بالُه لايُعامله معاملةَ المسلمين ؟
قلنا : القطع بإسلامه من أحكام الغيب التي أطْلَعه الله عليها، ولا يترتب على أحكام الغيب شيءٌ من الأحكام الظاهرة، فالصلاة عليه وأشباهها تابعة للأسباب الظاهرة .
ومن هنا حصل ضلال الصوفية فإنهم يفعلون أشياء تخالف الشرع ويزعمون أنهم علموا فيها ما لم يعلمه غيرهم من طريق المكاشفة ويحتجُّون في ذلك بأفعال الخَضِر مع موسى عليه السلام، وهم مع ذلك ضالون مبطلون جاهلون بطريق الاستدلال، فإن الخَضِر عليه السلام قد خُصَّ بشريعةٍ غيرِ شريعةِ موسى عليه السلام، ولم يثبت لهؤلاء شيء من تلك الخصوصيَّة، بل الواجبُ على هذه الأمّةِ كلِّها اتباعُ طريقةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخذُ بأحكامه، فلا يجوز لهم مخالفةُ شيءٍ من أحكامه لا في السِّر ولا في العلانية، فمن خالف شيئاً لا تسعه فيه المخالفة فهو ضالٌّ مبطل، وإن خُرقت له العادات ومشت وراءه الجبال وفُلق له البحر ومشى على الهواء .

ومن تَرَهُ يمشي علىالماء في الهوا


لم يعتبر بالشرع حرماً ولا حِلاّ


فذلك دجـــــال فكذِّبْـــه إن روى


فما هـو في أخبــاره إن روى عـــدلا


هذا إذا قدَّرنا أن ما ظهر لهم علم وكشف كما يزعمون، وليس الأمر كذلك، وإنما هو خيالات وأوهام وأباطيل يلقيها الشيطان في قلوبهم فيظنون أنها الكشف والعلم، مالهم بذلك من علم، إن هم إلا يخرصون . والله أعلم .

البراءة ممن ترك السنن الشعائر دون السنن الأخرى

السؤال :
قول ابن جعفر حيث فرق بين من ترك الفطر والأضحى والصَّلاة على الجنازة وركعتي الفجر، وبين من صَلَّى بعد العصر وبعد الفجر قبل الطلوع وترك صلاة الجماعة، فقال في الأُولى : بُخِست منزلتُه، ولا تُترك ولايته، وفي الثانية : يستتاب، فإن تاب وإلا برئ منه، لأنه قد ترك السُّنَّة .
قال السائل : أليس في الأول قد ترك السنة أيضاً ؟ فما الفرق بين الأمرين ؟ وهل قد قيل بغير ذلك أوْ لا ؟
الجواب :
الله أعلم بهذا الفرق، والعلة التي عَلَّل بها تقتضي دخولَ الأمرين تحت الحكم إذ في الجميع تركُ للسنة، ولعل الفرق الذي ذكره إنما هو في المُصَلّي عند طلوع الشمس وعند غروبها فإنّ المُصَلِّي في هذين الوقتين يستوجب البراءة إن لم يتب، لحديث أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لايفجر أحدكم أن يُصَلي عند طلوع الشمس أو عند غروبها" وذلك أنَّ تحريم الصَّلاة في هذين الوقتين مُجمَعٌ عليه لهذا الحديث . وأيضاً ففي هذا الحديث إطلاق الفجور عليه، والفجور لايطلق إلاَّ على فعل الكبيرة .
وأما النهي عن الصَّلاة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر فليس كالنهي في الأولين، حتى إن بعضهم اختار أن تقضى فيها الفوائت والمَنْسِيّات والتي نام عنها، وكذلك الصَّلاة التي لها سبب مِن قِبَلِ الله، كصلاة الميت والزلزلة والكسوف . بخلاف ركعتَي الطواف فإن سببها الطواف وقد صدر باختيار الإنسان، فيمتنعان كسائر النوافل .
وإذا ظهر لك هذا المعنى عرفت أنه لاوجه للقول بالبراءة ولا معنى للتفرقة، اللهم إلاَّ أن يكون فاعل ذلك مُعَانِداً للمسلمين ومكابراً للحق فيستحق البراءة بالمعاندة والمكابرة وللقائم بالأمر أن يَزْجُرَ من خالف السُّنَن ويحملهم على الجادة الواضحة، ويهددهم علىذلك ويعاقبهم، لأنَّه الحافظ للشريعة وهو المخاطَب بأوامرها، وكلُّ راعٍ مسئولٌ عن رعيته . والله أعلم .

أداء الفرائض بمقتضى العقل لمن جهل الكيفية المشروعة

السؤال :
قولهم فيمن قامت عليه الحُجَّة بشيء من الفرائض ولم يعرف كيفية الأداء ولم يجد المعبِّر أنه إنْ خاف الفوت فعليه أن يؤدي ذلك كما حَسُنَ في عقله، فإن وجد المعبِّر بعد ذلك ورأى فعله موافقاً فذلك كافٍ، وإن رأى فعله مخالفاً ففي لزوم البدل عليه قولان .
قال السائل : أرأيت القول بلزوم البدل أهو ناشئ عن القول بأنه يؤدي كما حسن في عقله أو مبني على غير ذلك ؟ فإن كان ناشئاً عنه فما معنى القول الثاني ؟ بأنه لا بد عليه ؟ وإن كان غير ناشئ عنه فما وجه القول به ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، والذي يظهر لي من فحوى كلامهم أن كِلا القولين ناشئ عن القائلين بلزوم الأداء كما حَسُنَ في عقله .
فمن قال بعدم وجوب البدل منهم جعل الفعلَ الأولَ مُجزياً له، لأنه هو الذي في وُسْعِه في ذلك الحال و{ لا يكلف الله نفساً إلا
وسعها }
(1) وأنه لو مات قبل وجود المعبِّر لمات سالماً باتفاق الكل، فعلم من ذلك أنَّ الفعل الأول مُجز له .
وأمَّا القائل بوجوب البدل فكأنه لم يعتبر الفعل الذي لم يطابق الشرع، وأنه وإن أدَّى كما حسن في عقله فذلك الأداء غيرُ مُجزٍ عنه، لكن لايهلك لكونه لا يستطيع غيرَه، فهو معذور لاستحالة التكليف بما لايطاق . فإذا وجد المعبِّر وانكشف الأمر وجب عليه القضاء، فهو كالنَّاسي إذا ذَكَر، وكالنَّائم إذا انتبه .
وإنما ألزمه الفعلَ الأولَ مع كونه غير مُجزٍ معذرةً إلى ربه، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتُكم بشيء فَأْتوا منه ما استطعتم "، وهذا يستطيع فِعْلَ ما حَسُنَ في عقله .
قلنا : وإن استطاع ذلك فليس هو من الشيء المأمور به، لأنه إنما أُمر بالصَّلاة مثلا على وجهها، فإذا حَسُن في عقله أن الصلاة سعيٌ وهرولة، أو وقوف في مكان، أو أكل لمباحٍ، أو نحو ذلك من الأحوال فليس الذي حسن في عقله من الصلاةِ المأمورِ بها، فلا يلزمه إلاَّ ما عَلم من ذلك بطريق السمع، أو ما يقوم مقامه كالنظر في الكتاب، أو الإشارة إذا عقلها . وأما غير ذلك فلا يلزمه .
وإن وفقه الله واهتدى إلى فعل ذلك من قِبل نفسه فهو من العناية والتسديد، وليس من العلم في شيء . ومحال أن يَعقل المسموع من قبل نفسه قبل سماعه، وهيهات إدراك الشريعة المحمدية إلاَّ بنقل !
والله أعلم .
قال السَّائِل :
إذا لزم المكلفَ الأداءُ كما حَسُنَ في عقله -عند القائلين به- فكيف له بالوصول إلى معرفة أوقات ذلك الفرض ومعرفة تفاصيله وكيفية أدائه ؟
الجواب :
لم يُلزموه الفعلَ في الوقتِ نفسِه، ولا التفصيلَ على الوجه المخصوص، لأن ذلك لايستطيعه . وإنما ألزموه أن يفعل ما حَسُن في عقله من الأفعال في الوقت الذي حَسُن في عقله أنه وقت الأداء، سواءٌ وافق ذلك أم لم يوافق، بدليل اختلافهم في البدل إذا لم يوافق . والله أعلم .
قال السَّائِل :
هل عليه مع هذا الأداء الدَينونةُ بالسؤال أو لا ؟
الجواب :
نعم، عليه ذلك، لأن الدينونة بالسؤال من تمام الإذعان، والمطلوب منه فعل الطاعة على التَّمام، وهو قد فعلها على غير علم، فلا يدري تمامَها ونقصانَها، فالدينونة بالسؤال تجبر النقصان وتُتِمُّ الإذعان . والله أعلم .
قال السائل :
هل هذه المسألة عندهم مبنية على القول بتحكيم العقل أو لا ؟ فإن كانت غيرَ مبنيةٍ على ذلك فما أصلها ؟ وإن كانت مبنيةً عليه فما الفرق بين هذا القول وبين قول المعتزلة بتحكيم العقل أيضاً ؟
الجواب :
هي مبنية عليه بلا شك .
وليس القول بذلك مُضاهياً لقول المعتزلة، فإن المعتزلة يحعلون تحكيمَ العقل ديناً من الدين، وبَنَوا عليه قواعدَ تهدم الشرعَ من أصله لو صحَّت، لكنها باطلة . وذلك أنهم يقولون إن الشرع لا يَرِدُ بما يخالف العقل، فالشرع إمَّا مُؤكِّد لحكم العقل، أو مبيِّنٌ لما خَفِي عليه، كصفة الصَّلاة ومقادير النِّصاب في الزكاة وأفعال الحج وأشباه ذلك وهم يردُّون جميع الشرع إلى العقل وأنت خبير أن العقل لاحكم له في شيء من هذا كله وإن حَسَّن وقَبَّح لأغراضٍ عرضت له فليس ذلك التحسين والتقبيح بحكم لايختلف باختلاف الأغراض .
وأما القائلون بتحكيمه من أصحابنا فإنهم إنما يقولون به عند عدم الشرع وإذا ورد الشرع وجب المصير إليه إجماعاً . والله أعلم .


العذر بالجهل لغير من قامت عليه الحجة

السؤال :
قول الإمام الكدمي : " يلزم المكلفَ التوبةُ من الإقدام على الشيء المحرَّم في دين الله إذا قامت عليه الحجة بالتحريم لكنه جهله ولم يجد معبِّراً قبل الإقدام " ما وجهه مع قوله : " لايهلك ولو ارتكب جميع المحارم إن لم يجد المعبِّر واعتقد السؤال " ؟
الجواب :
ليس القولان بمتناقضين .
لأن القولَ الأول فيمن قامت عليه حجة التحريم بذلك الشيء فارتكبه بجهل منه للتحريم بعد قيام الحجة، فإن هذا جهل لايُعذر به، وعليه أن يتوب من فعله لأنه تضييع بعد الحجة، وهو تجاهل لاجهل، ولا تجاهلَ في الإسلام .
وأمَّا القول الثاني ففيمن لم تقم عليه حجة التحريم، فإنه معذور، لأن الله تعالى لم يكلف العباد إلا بعد قيام الحجة، ولا حجة في المسموعات إلاَّ بالسَّماع، وأمَّا في المعقولات فتكون الحجة من السمع والعقل .
واعلم أن هذه الأحكام إنما تُتَصَوَّر في ناشئ نشأ في جزيرة لا يسمع فيها كتاباً ولاسُنَّةً ولا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فأمَّا ناشئٌ بين ظهرانَي المسلمين مخالطاً لعامتهم وهو مدركٌ لعلمائهم لو طلبهم فليس له أن يعمل بجهله جميعَ ما حسن بباله ويعتذر في ذلك بجهله وتجاهله، كلا والله، ولا نعمةَ عين، ولو كان ذلك لاختير الجهل على العلم .
والله أعلم .

الزام المكلف السؤال والخروج في طلب العلم

السؤال :
قول من قال : " لا يسعُ جهلُ ضلالة المرتكب لحرام " هل يلزمه أن يُلزم المكلفَ السؤالَ والخروجَ في طلب علم ذلك ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، ولعله يكتفي باعتقاد السؤال عنه دون الخروج في طلبه، إذ لا يهلك أحد بفعل غيره ما لم يصوبه عليه فيهلك بالتصويب، أو يشك في ضلاله على القول بأنه لايسع الشكُّ فيه .
وأما الخروج في طلب علم ذلك فلا أعرف أن أحداً قال به إلا ما يوجد عن فرقة أبي محمد حيث ألزموا عوامَّ الناس الخروجَ في طلب العلم عن أحكام موسى وراشد بن النظر .
وقد شنَّع عليهم أبو سعيد غايةَ التشنيع وجعل السؤال عن ذلك من باب التجسس المحرم شرعاً .
أجاب بعضهم عن ذلك بأن التجسس السؤال عن الحدث نفسه لا عن حكمه، وهم إنما أُمِرُوا بطلب معرفة الحكم بعد العلم بالحدث، فليس بتجسس .
قال أبو سعيد : هذا الحدث إما أن يسع الناسَ جهلُه أو لا يسع : فإن كان يسع فعلامَ يُلزمون الخروجَ ؟ وإن كان لا يسع جهلُه كان كل من عبَّر لهم الحق حجةً عليهم فكيف يتركون المعبِّر القادرين عليه ويطلبون المعبِّر البعيد ؟ أرأيت إن ماتوا في الطريق قبل الوصول إلى المعبِّر البعيد أيموتون هالكين أم سالمين ؟ فإن قلتم بسلامتهم علمنا أن الحكم يسع جهلُه وإلزامهم إياهم باطل، وإن قلتم بهلاكهم توجَّه الهلاك إليكم حيث إنكم كتمتموهم ما لا يسع جهلُه .
وبالجملة فكان تلزيمهم للسؤال عن حكم ذلك ناشئاً عن القول بأنه لايسع جهلُ ضلالة المصر، غير أنهم أخطَؤوا في تلزيم الناس للخروج مع أن للناس أن يتمسكوا بغير قولهم، لأنها مسألة رأي لو صحّ التحريج في الإلزام .
وأيضاً فقد كتموهم العلم وألزموهم الخروج في غير موضعه إذ لو صحَّ لزومُ الخروج لما كان إلا إلى المعبِّر القريب .

وعلى كل حال فالقول بتلزيم السؤال قابل للرأي غير أن فرقة أبي محمد لم يصيبوا موضعه، ولعلهم يتبرؤون ممن لم يخرج في طلب ذلك، كما تَدُلُّ عليه بعض الآثار فيكونون قد نَصَبوا الرأيَ دينا . والله أعلم .

ولادة الجن أيضا على الفطرة

السؤال :
قولهم في مولود الجن : " إنه على الفطرة الإسلامية "، ما الدليل عليه ؟ وهل يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة " ؟
الجواب :
نعم، هو داخل تحت الحديث المذكور . والله أعلم .

مصير أولاد المشركين في الآخرة

السؤال :
قول بعضهم في أولاد المشركين والمنافقين : " إنهم في الآخرة عند
آبائهم " ما دليله ؟


الجواب :
لعله استدل على ذلك بمفهوم قوله تعالى :{ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتَهم }(1) وبمفهوم حديث : " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لِتَقَرَّ بها عينُه " ثم قرأ : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } .
وبيان ذلك أنه إن دلت الآية والحديث على أن ذريات المؤمنين عندهم بسبب إيمانهم كان عكس ذلك في ذرية غيرهم، واستدل بعضهم في أولاد المشركين بأن خديجة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدَيها ماتا في الجاهلية فقال : " في النّار " فرأى الكراهية في وجهها فقال : " لو رأيت مكانَهما لأبغضتِهما " قالت : يا رسول الله، فولدي منك ؟ قال : " في الجنَّة، إن المشركين وأولادَهم في النَّار، والمؤمنين وأولادَهم في الجنّة " وقرأ الآية .
قال القطب : والله أعلم بصحة هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم . قال : والحديث الصحيح قوله : " واللهُ أعلمُ بأولاد المنافقين والمشركين كيف يعملون لو عملوا " . قال : والظاهر أنهم للجنة أقرب منهم إلى النّار، لأنه تعالى يَمُنُّ بالرحمة ولا يظلم بالعذاب، ولولادتهم على الفطرة قال والقول باختبارهم باقتحام نار توضع لهم يوم القيامة ضعيف . انتهى . والله أعلم .
حكم أهل الملل، وحقيقة الردة

السؤال :
من بلغته الدعوة التي كان يدعو إليها رسولُ الله " فشك فيها أو ردّها بعد بلوغها إليه، هل يكون مرتداً فيُقتل إن لم يتب ولا يُقبل منه غير ذلك ؟ أو لا يكون مرتداً فيقبل منه الصلح والجزية إن كان كتابيًّا ؟
الجواب :
لا يكون مرتدًّا إلا من دخل في الإسلام بعد بلوغه، أو أسلم أبوه وهو صبيّ ثمّ رجع عنه بوجه من الوجوه التي تخرجه عن الإسلام . فأماَّ من كان على ملة من الملل فدُعي إلى الإسلام فأبى أو شك فيه، فحكمه حكمُ أهل ملته من ثبوتِ المحاربة وحكمِ المصالحة .
وكيف لا ولم يكن قتاله صلى الله عليه وسلم إلا بعد الدعوة والانذار والإعْذار والمجادلة بالتي هي أحسن، ومع ذلك فهم يقولون شاعرٌ أو مجنون، ومرة يقولون ساحر وكاذب أو كاهن { أتواصوا به بل هم قوم طاغون }(1) وأن أهل الكتاب يعرفون نبوته ومع ذلك يجحدونها حسداً وعناداً { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون }(2) .
فأحكام الملل على حالها من عارفٍ بالأمر، أو جاهل به، أو شاك فيه، ولا يُحكم على أحدٍ بالارتداد إلاّ بعد الدخول في الإسلام والارتداد عنه، وإن المشركين من أهل الأصنام من العرب لا يُقبل منهم إلاَّ الإسلام أو السّيف، لأنهم ليسوا على دين وإنما يعبدون أهواءهم، فلا يُقَرُّون على زندقتهم، فإن اشتد أمرهم فللإمام أن يصالحهم إن رأى ذلك أصلح للإسلام . والله أعلم .

تقسيم كلام الله إلى نفسي، ولفظي

السؤال :
قول بعض الأشعرية : " إن الأمر النفسي نهيٌ عن ضده الوجوديِّ، أو يستلزمه على الأصح، والأمر اللفظي ليس نهياً عن ضده الوجودي ولا يستلزمـه على الأصح " ما معنى اعتبارهــم هذا في الأمريـــن ؟
الجواب :
الله أعلم بذلك، ومذهبهم الفاسد أن القرآن قرآنان :
أحدهما : الكلام القائم بذات الله تعالى المعبَّر عنه بالقرآن، المكتوب في المصاحف بأشكال الكتابة وصور الحروف الدالة عليه، المحفوظ في الصدور بألفاظه المتحلية المقروء بالألسنة بحروفه الملفوظة المسموعة .
والقرآن الثاني : الألفاظ الدالة على ما في نفس الأمر ومنه قوله تعالى : { فأجِرْه حتى يسمعَ كلام الله }(1) والمسموع - قالوا - هو العبارات، وهو محل نظر الأصوليين والفقهاء وغيرهم . والأول عندهم يسمى الكلام النفسي . ومن أقسام الثاني الأمر اللفظي .
وأنت خبير أن الأول بجميع أوصافه التي وصفوه بها لا وجود له أصلاً، مع أن تلك الصفات ينقض بعضها بعضاً، كما لا يخفى على عاقل منصف وأنه لا قرآن إلا هذا النظم المنزَل الذي تعلق به نظر الأصوليين والفقهاء وغيرهم، وهوالذي تُعُبّدْنا بتلاوته . وإثبات قرآن غيره مكابرةٌ بغير دليل، فلا معنى لاشتغالنا ببيان ما فرَّعُوه على اثبات ذلك من الأحكام مع بطلان أصله . والله أعلم .

الدعاء لغير الولي بموهم الولاية

السؤال :
الدعاء بموهِم الولاية لغير الولي، كجار و صاحب لا يتولاه، هل يصح ذلك ؟ أرأيت إذا حصل التلبيس على الغير، هل الحكم فيه سواء أم مختلف ؟
الجواب :
قد أجازوا ذلك ولم يقيدوه بموضع دون موضع، ووكلوا الداعي إلى نيته .
وأقول لا بُدَّ من تقييد، فإن كان ذلك الداعي عالماً تؤخذ منه الولاية فلا يصح له أن يوهِم على الناس ثبوت الولاية لغير الولي، لقوله تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَتُبَيِّنُنَّه للناس ولا تكتمونه }(1) فالتبيين للناس على العلماء واجب، والتّلبيس ينافي
التَّبيين .

وإنما ذلك في حق من لا يُؤخَذ عنه الولاية .
وكذلك يجوز أيضاً في حق العالم إذا قامت القرائن على مراده، كما صنع أبو المؤثر رحمه الله في الكتابة لبعض الجبابرة، وإخوانُه يعرفون منه ذلك . والله أعلم .

وصف الملائكة بالأنوثة ونحوها

السؤال :
قول بعضهم : إن الشاكّ في الملائكة هل فيهم إناث وصبيان ومجانين موحد، ما وجهه ؟ مع قولهم إن من وصفهم بشيء من ذلك مشرك، وهل الشك والوصف بمعنًى أو بينهما فرق ؟


الجواب :
ليسا سواء، فإن الشك تردد في الحكم من غير جزم بشيء . وأما الوصف فهو الجزم بتلك الصفة، فالواصف لهم بالأنوثة مصادم لقوله تعالى في الانكار على المشركين :{ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم }(1) ومن أثبت فيهم الصبيان والمجانين فقد افترى عليهم كَذِباً وقال فيهم زوراً وخطأً في وصفهم، وتقوَّل بما لم يعلم .
وأما الشاكّ في ذلك فلم يثبت حُكماً دون حكم غاية ما فيه أن يلزمه السؤال حتى يعلم الحق في ذلك . والله أعلم .

المتأول المخالف للدليل القاطع

السؤال :
المتأول إذا خالف في تأويله الدليلَ القاطع متمسكا بشبهة ضعيفة جدا، كالاستدلال بمفهوم الصفة ومفهوم اللقب أو نحو ذلك من الأدلة الظنية، أيُشَرَّك بذلك أو لا؟
الجواب :
لايشرك ما دام متستراً بالتأويل، لكنه يكفر كفر نعمة، فهو فاسق لخروجه عن الدين بمخالفة القاطع . والله أعلم .
قال السَّائِلُ :
رأيتك تُشرِّك قوماً من أهل التأويل كالقائلين بفناء الجنة والنار بعد فناء أهلِ كلٍّ فيها، ولم تجعل لهم عذراً في التأويل فما وجه ذلك ؟
الجَوَاب :
قد شَرَّكتهم، ولم يشرِّكهم غيري بل فسَّقُوهم فقط لتمسكهم بالشبهة، وإنما شرّكتهم إذ لم أر شبهتهم شيئاً، فهم في حكم المصادم للنصوص .
غايةُ الأمر أن التشريك ها هنا على قول ولا يكون مجمَعاً عليه إلاَّ إذا رَدَّ حرفاً من كتاب الله أو حكماً من أحكام الله الثابتة بالقواطع، أو كذَّب نبياًّ من الأنبياء، أو رد حَرْفاً من كتبهم، أو نحو ذلك . فهذا هو الذي يكون مشركاً إجماعاً، وفيما دون ذلك خلاف . والله أعلم .

علم الله ومعلوماته

السؤال :
معلومات الله أمتناهية هي أم غير متناهية ؟ فإن قلت متناهية تناهى علمه تعالى وإن قلت غير متناهية لزم احاطة علمه بجميعها وكلا اللزومين باطل .

الجواب :
إن معلومات الله منها ما هو متناهٍ وهو ما عدا ذاته تعالى، ومنها ما هو غير متناهٍ وهو ذاته تعالى لأنها من جمله معلوماته، وما ذكرته من لزوم تناهي علمه تعالى بتناهي معلوماته فهو غير مسلم لأن ذلك اللزوم إنما يتوجه عليه أن لو كان عالماً بغير ذاته والمذهب أنه عالم بذاته لا بعلم يتعلق بالمعلوم يتناهى بتناهيه وقد قرر بيان فساده في فنه ولزوم احاطة علمه بجميع معلوماته غير باطل بل هو الواجب في حقه تعالى لأنه أحاط بكل شيئا علماً .
لا يقال على هذا يلزم أن تكون ذات الله تعالى محاطا بها والمحاط به متناه ضرورة لأنا نقول أن الاحاطة التي يلزم عليها التناهي هي الاحاطة الحقيقية كاحاطة الحائط بالدار وأما إحاطة العلم بالمعلوم فلا يلزم عليها تناهٍ لأنها مجاز استعاري شبه فيه العلم بالشيء الحائط على ما احتوى عليه بجامع أن كلا منهما لا يشذ عنه شيء مما أحاط به فالعلم لا يغرب عنه شيء من معلوماته كما أن الحائط لا يخرج عنه شيء مما احتوى عليه .
وفائدة التجوز التنبيه على أن علمِ الله لا يغرب عنه شيء وفائدته أيضا تقرير ذلك المعنى في عقول الناس حيث شبه بما شاهدته الحواس والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والسلام .

عدم تناهي الجنة والنار شرعا لا عقلا

السؤال :
جعلت الجنة والنار متناهيتين وقد أخبر الشارع بدوامهما فإن كنت عينت أنهما متناهيتان عقلا فلا حكم للعقل مع ورود الشرع .
الجواب :
فأجاب بما نصه نعم عينت أنهما متناهيتان عقلا كغيرهما من سائر المخلوقات . وإخبار الشارع عن بقائهما على الأبد لا ينقلهما عن حكمهما العقلي بيانه أن جميع المخلوقات قابل للتناهي في نفسه لكن منها ما استحال تناهيه لإرادة الله له عدم التناهي وهما الجنة والنار وأهلوهما ومنها ما بقي على أصله الأول من جواز التناهي وليس هذا محل ما قالوه "لا حكم للعقل مع ورود الشرع" وتقسيمنا الأول منسحب على المتناهيان من حيث ذاتها والله أعلم .
وأجاب :
أيضا عن هذا الإعتراض بما نصه لا نسلم أن الجنة والنار غير متناهيتين وقد وصفتا بالطول والعرض ووصف أهلوهما بذلك أيضا وهذا هو عين التناهي وأخبار الشارع عن دوامهما وبقاء ما فيهما وهو معنى عارض عليهما وعلى ما فيهما قابل للتناهي عقلا أيضاً لو لم يخبر الشارع بعدم تناهيه فلا يشذ عن تقسيمنا شيء أصلاً لدخول هذا المعنى تحت المتناهي عقلا بحسب ذاته وعدم التناهي لعارض عليه وهو تأثير إرادة الله فيه عدم التناهي فيقال في مثل هذا متناه عقلاً غير متناه شرعاً فبقي حكم العقل فيه بحسب ذاته على ما كان كما رأيت وبهذا تعرف أنه ليس هذا محل " لا حكم للعقل مع ورود الشرع " وانما محله هو في ما إذا أقدرنا إنساناً مكلفاً لم تبلغه الحجة الشرعية في تحليل الأشياء وتحريمها فعليه عند المحكمين للعقل أن يفعل ما حسن في عقله ويترك ما قبح فإذا ورد الشرع بتحسين ما استقبحه أو تقبيح ما استحسنه رجع إليه وترك حكم عقله والله أعلم .

معنى الحقيقة والشريعة

السؤال :
معنى قولهم حقيقة بلا شريعة باطلة، وشريعة بلا حقيقة عاطلة، تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
اعلم أن علوم التكليف ثلاثة علم العقائد وعلم الأخلاق وعلم الأعمال .
فالأول يسمى علم الكلام وتعريفه هو معرفة النفس مالها وما عليها اعتقاداً .
والثاني يسمى علم الحقيقة وتعريفه هو معرفة النفس مالها وما عليها خلقا وإنما سمي هذا العلم علم الحقيقة لأنه يبحث عن محبطات الأعمال ومصلحاتها في الباطن ويسمى علم الأخلاق لأنه يبحث عن أخلاق النفس الذميمة كالعجب والكبر والرياء والحسد والحسنة كإخلاص العمل.
وأما الثالث فيسمى علم الفقه وتعريفه هو معرفة النفس مالها وما عليها عملا .
ولا بد للمكلف من هذه العلوم الثلاثة فيجب عليه أن يأخذ من كل منها مقدار ما لزمه من ذلك ويندب للاستعداد لما لم يلزمه بعد وهذا معنى قولهم حقيقة بلا شريعة باطلة أي إذا تركت الأعمال الواجبة عليك فتهذيبك لنفسك بعلم الحقيقة باطل وقولهم شريعة بلا حقيقة عاطلة أي لا حليّ لها فلا يقبلها من أهديت إليه والمراد أن الأعمال بلا تهذيب النفس عن المحبطات غير مقبولة عند الله عز وجل .
وإنما وصف الحقيقة عند خلوها من الشريعة بالبطلان لأن فسادها ظاهر للخلق، ووصف الشريعة العارية من الحقيقة بالعطالة لكون خللها مستورا عن أعين الناس فهي حينئذ كأنها صورة تامة لكن لا حليّ لها، فإذا أهديت إلى السيد ردها لعطالتها ولأن السيد لا يقبل إلا ما كان كاملاً ولو كان محتاجاً لأخذ جميع ما يهدى إليه وإن زيفاً . هذا ما ظهر لي والحمد لله رب العالمين .

تسمية صاحب الكبيرة بالمنافق

السؤال :
قول أصحابنا أن فاعل الكبيرة غير كبيرة الشرك منافق وقد قال الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }(1) المفهوم من هذا أن فاعل الكبيرة أشد عذابا من المشرك مع أنه لا كبيرة فوق الشرك ومن مذهبهم أن العذاب على قدر الأعمال وكثيراً ما يرد في الأحاديث أن من فعل كذا وكذا حشر مع فرعون وهامان والفعل كبيره لا كبيرة شرك، تفضل عليّ ببيان
ذلك .

الجواب :
إن تسميتهم صاحب الكبيرة بالمنافق اصطلاح منهم على ذلك فالمنافق عندهم صنفان : أحدهما أظهر الإيمان وأخفى الشرك، والثاني أظهر الإيمان وطابقه اعتقاده لكنه نقض ما أقر به فالآية خاصة بأهل الصنف الأول وإنما كان أهل ذلك الصنف أشد عذابا من المشركين لأنهم زادوا على الشرك لمخادعة المؤمنين في إظهار الإيمان وهم كاذبون .
لا يقال أن هذا الاصطلاح ممنوع لايهامه أنه حقيقة شرعية لأنا نقول أنه لا يتوهم ذلك إلا من لم يطلع على قواعدهم التي مهدوها وليس في الاصطلاح مشاحة ولو لم يكن لهم فيه اصطلاح لقلنا إنه مجاز مشهور في صاحب الكبيرة علاقته التشبيه وذلك أن كل واحد من مخفي الشرك وصاحب الكبيرة ناقض ما أقرّ به في الجملة وذلك النقض هو في مخفى الشرك أشد فصح استعارته لصاحب الكبيرة وعلى هذا المجاز المشهور يحمل ما ورد في الأحاديث من اطلاق اسم المنافق على من نقض ما أقربه بفعل الكبيرة غير الشرك .
ولك أن تقول أن اسم المنافق حقيقة شرعية فيمن أخفى الشرك وأظهر الإيمان وفيمن نقض ما أقربه بفسق فيكون مشتركاً بينهما وتحمله في الآية على أول المعنيين بقرينة أن صاحب الكبيرة ليس بأشد عذاباً من المشركين .
وإنما قدمنا التوجيه الأول تنبيها على أن المجاز أولى من الاشتراك فيدفع أعني الاشتراك ما أمكن .
وما ورد أن فاعل نوع من الكبيرة يحشر مع فرعون وهامان فهو مبالغة فائدتها تهويل الأمر وتعظيم المعصية وزجر النفوس عن طبعها الردي وصدق ذلك أنه يحشر مع فرعون وهامان في النار لا في منازلهم منها فالإيهام للنكتة المذكورة والله أعلم هذا ما ظهر لي فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والسلام .
معنى أن الله موجود في الخارج

السؤال :
هل يجوز أن يقال إن الله موجود في الخارج أم لا .
الجواب :
يجوز أن يقال ذلك لأن الموجود في الخارج هو عبارة عن الوجود في نفس الأمر ولا شك أن الله موجود وجودا واجبا لذاته والله أعلم .

الدعاء بالرحمة لغير المتولّى

السؤال :
هل يجوز أن يسلم على غير المتولى حتى يصل إلى ورحمة الله وبركاته أو يرد عليه السلام كذلك إذا لم ينو بالرحمة والبركات إلا الدنيوية .
الجواب :
ذكر صاحب القواعد رحمه الله في جواز الدعاء بخير الدنيا لغير المتولى خلافاً والوجه عندي التفصيل :
فإن كان غير المتولى عدواً للمسلمين قد أباح الشرع سفك دمه وتضييع ماله فهذا لا يجوز أن يدعى له بخير الدنيا لأن في الدعاء له بذلك مخالفة لما أمر الشرع به فالواجب على كل مكلف بلغه علمه أن ينكر عليه وأن يسعى في إتلافه إن قدر على ذلك وإن لم يقدر فالواجب عليه أن لا يحب بقاءه فأين محل جواز الدعاء له بخير الدنيا .
وإن كان غير عدو للمسلمين في ظاهر الأمر وإنما هو مجهول الحال مثلا فيصح القول بجواز الدعاء بخير الدنيا لمثل هذا فيدخل في ذلك جواز الدعاء بالرحمة والبركات الدنيويتين والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .
التأمين على دعاء غير المتولّى

السؤال:
هل يجوز أن يؤمن على دعاء غير المتولى إذا دعا للمتولى أو دعا لنفسه بما يجوز أن يدعى به لغير المتولى أم لا ؟
الجواب :
نعم يجوز ذلك إذ ليس في التأمين إلا طلب الإجابة من الله تعالى لدعاء الداعي والإجابة ليست هي القبول حتى يمنع من طلبها لغير المتولى بيان الفرق بينهما أن إجابة الدعاء من الله تعالى هي فعل الله للعبد ما طلبه إياه والقبول إثابته تعالى للعبد في الآخرة على عمله والممنوع طلب القبول لغير المتولى لا طلب إعطاء الله العبد ما هو من الأمور العاجلة والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .
تخطئة المخالف والبراءة منه

السؤال :
النونية التي أولها :
يا من يقول بفطرة القرآن


جهلاً ويثبت خلقه بلسان


فإنها قد اشتهرت أنها عن الشيخ ابن النظر وأنت خبير بأن فيها التصريح بتضليل من قال أن القرآن مخلوق وفيها التصريح بتكذيبه وتخطئته إلى غير ذلك من التشنيع فهل يجوز لأحد أن يخطئ من خالفه برأي أم لا وتكون هذه ضلالة لا تصح ولاية ابن النظر معها ؟ ومن تولى الشيخ ابن النظر مع صحة تلك النونية عنه فما حكمه ؟ فضلاً منك برفع الحجاب عن واضح الصواب مأجوراً إن شاء الله تعالى والسلام من صغيرك العبد الفقير إلى الله تعالى حمد بن سيف البوسعيدي .
الجواب :
والله الهادي إلى طريق الصواب لا يحل لأحد أن يضلل من خالفه برأي ومن فعل ذلك فهو ضال منافق لقوله " : " أيما إمرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " وفي تلك النونية ما ذكرته من التضليل والتفسيق .
فعلي تقدير صحتها عن الإمام ابن النظر تلزم البراءة منه حاشاه ومن تولاه مع علمه بأن تلك النونية عنه ولم يعلم أنه تاب منها ورجع عنها فهو ضال منافق لقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم }(1)
وقوله
" : " من أحب قوماً فهو منهم " .
لكن ليست تلك النونية عن ذلك الإمام رحمه الله تعالى وإن اشتهرت أنها عنه فتلك الشهرة إنما هي شهرة دعوى لا شهرة حق لاحتمال أن يكون منشؤها آحادياً ولا دليل على أنه ليس بآحادي كيف تكون شهرة حق وما كان مستندها إلا نسخة ثم انتشرت هذا الانتشار وعدم النكير من المسلمين لا يزيدها صحة لاحتمال أن يكون سكوتهم عن عدم اطلاع على منشأها .
وعلى تقدير أن منشأها حق فلا يصح قبوله من واحد لما فيها من موجب التكفير لقائلها بل يشترط في قبولها أحد الطرق الاربعة التي تنادي بها موجب البراءة وهي المشاهدة والاقرار وشهادة وشهرة الحق وما عدا هذه الاربعة الطرق لا يصح قبول موجب البراءة منه واحترزوا بشهرة الحق عن شهرة الدعوى وضربوا لذلك مثلا بشهرة الشيعة بالبراءة من الصديق والفاروق ونحوهما فشهرة النونية عن ابن النظر من الشهرة التي خرجت عن تلك الطرق الاربعة هذا ما ظهر لي والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته من الفقير إلى الله عبد الله بن حميد الضرير .

اظهار العمل الذى أخلص فيه الدعاء أو الاقتداء

السؤال :
من قصد بايمانه وعمله من الطاعات أن يوسع الله جاهه وأن ينشر فضله في الدنيا وأن يقويه وينصره على أعدائه وأن يثيبه على هذا وغيره من صالح أعماله في الآخرة هل يقدح في ايمانه شيئاً ؟ وهل يكون عمله خالصاً على
ذلك ؟ افتنا مأجوراً إن شاء الله .

الجواب :
قد سألت شيخنا عن هذه المسألة فأجاب بأن العمل لله ولغرض آخر لا يجوز لأنه من باب الاشراك مع الله في العمل وهو الرياء المحرم لكن يجوز أن يعمل لله مخلصاً ثم يظهر ذلك العمل لتكون له المنزلة عند المسلمين فيدعوا له بخير وعند العوام ليقتدوا فيكون قائدهم إلى ربهم وطلب الجاه والمنزلة عند المسلمين إذا لم يكونا لقصد الثناء والسمعة جائز.
وحاصل ما أجاب به : أن فعل الطاعة لقصد الجاه والثواب حرام وأن اظهارها بعد أن عملت خالصة لوجه الله جائز إذا قصد باظهارها شيئاً من الامور المتقدم ذكرها وهو عندي صواب لا غبار عليه والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .

المقتول ميت بأجله

السؤال :
المقتول ميت بأجله أو بغير أجله هل مسألته من باب الدين أم من باب الرأي ؟ وما الحجة في ذلك ؟

الجواب :
إن المقتول ميت بأجله الذي قدره الله عندنا وعند الاشعرية ودليلنا على ذلك قوله تعالى : { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون }(1) وقوله تعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }(2) فدلت هاتان الآيتان على أن الأجل لا يسبق ولا يستأخر فوجب أن يكون المقتول ميتا بأجله .
وخالفت في ذلك المعتزلة فمنهم من ذهب إلى أن للمقتول أجلين وأنه لو لم يقتل لبقي إلى الأجل الثاني ومنهم من ذهب إلى أن له أجلا واحدا وأن القاتل قطعه عليه فمات قبله واحتج الفريقان بحجج لا طائل تحتها قد ذكرناها مع الجواب عليها في " المشارق " .
وأما قولك هل هذه المسألة من باب الدين أو الرأي فاعلم أنه إن أرادوا أن لهذا المقتول في علم الله أجلاً فمات قبل ما في علم الله تعالى فهي من باب الدين لأنه يلزم عليه نسبة الجهل لله تعالى عن ذلك وكذا إن أرادوا أن الله قد أراد أن يموت هذا المقتول في أجل غير الأجل الذي قتل فيه لما يلزم عليه من نسبة العجز والاكراه لله عز وجل أما إن أرادوا أن الله قد علم موت هذا المقتول في هذا الأجل وأراده فلا يلزم عليه تفسيق لكن يكون قولهم بأنه ميت قبل أجله خطأ لعدم الدليل عليه وإنما قلت لا يلزم عليه تفسيق مع ورود الآي بخلافه لاحتمال أن يتأولوا الآيات لأنها محتملة للتأويل والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .

العفو عن الوسوسة في الاعتقاد بالله

السؤال :
من يأتيه الشيطان بوسوسة في سب الاله وشتمه وهو يردها بالآيات الباهرة كـ { لا تدركه الابصار }(1) و { ليس كمثله شيء }(2) و { تعالى عما يقولون علواً كبيراً }(3) ومع ذلك يريد أن يكون تراباً لا يعقل شيئاً وهذا الرجل لا يثبت لله ما لا يثبته الله لنفسه ولا ينفي عن الله ما أثبته الله لنفسه ماذا عليه من هذا ؟ أيهلك بها أم لا ؟
الجواب :
ليس عليه من هذا شيء ولا يهلك بذلك لأنه فعل بمدافعته تلك الوسوسة ما يجب عليه وهو باعتقاده الحق في حق مولاه سالم والذي أحب لهذا المبتلي أن لا يغرق النظر في مثل هذه الأمور لشدة خطرها وأن يتناسى ذلك فإني أرجو أن يكون في تناسيه شفاء من داءه والله أعلم .

اختلاف الصفات في ثبوتها بالعقل أو السمع

السؤال :
في " المعالم " أن صفات الذات منها ما طريق معرفته العقل ومنها ما طريق معرفته السمع فالأول كالعلم والقدرة والثاني كالسمع والبصر حسب ما فهمت منه ولا أدري أن الذي ذكرته في المدارج موافق لهذا أم لا ؟
الجواب :
الذي ذكره في المعالم إنما هو أن بعض صفاته تعالى ما يكون العقل دليلا على ثبوتها كالعلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك ومنها ما يكون السمع دليلا على ثبوته له تعالى وذلك كالسمع والبصر والكلام .
وليس الأمر حسب ما فهمت فإن المعرفة شيء غير الثبوت والاثبات فلا يشكل عليك وليس هذا مثل ما ذكرته في المدارج ثم اسقطته منها فـتـفـطـن له والله أعلم .

توجيه القول بأن المعدوم ليس بشيء

السؤال :
هل يلزم من قال أن المعدوم ليس بشيء القول بأن الله لا يعلم
المعدومات أم لا .


الجواب :
لا يلزمه ذلك لأن المراد من هذا القائل أن المعدوم ليس بشيء أي ليس بشيء موجود في الخارج لا في الذهن وهو مع ذلك يسلم أن أشياء وجدت وقد كانت معدومة وأشياء ستوجد وهي الآن معدومة فلا يلزم على هذا المعنى القول بأن الله لا يعلم المعدوم .
وإنما يلزمه ذلك لو صرح بأن المعدوم ليس بشيء موجود ولا سيوجد ولا هو شيء قد وجد ولا هو مما يمكن وجوده وهذا الالزام إنما هو على طريقه من ينفى تعلق علمه تعالى بالمستحيل وجوده لا على طريقة من يثبت تعلق علمه تعالى بجميع الأشياء موجودة كانت أو معدومة ممكنة الوجود أو مستحيلة فـتـفـطـن له والله اعلم .

توجيه القول بأن المعدوم ثابت وشيء

السؤال :
هل يلزم من قال " أن المعدوم الممكن ثابت وشيء " القول بقدم العالم أم لا إن لم يقيده بأنه ثابت في الذهن كالمعتزلة أو قيده بذلك كالحكماء .
الجواب :
أما إنه إن أراد هذا القائل أن المعدوم شيء ثابت ماهية وجوده فيلزمه القول بقدم العالم سواء قيد وجوده بالذهن أو أطلق وبيان ذلك أنه متى قال أن للمعدوم ماهية موجودة فقد أثبت أن هذا العالم كله موجود في القدم لأنه كان معدوماً وللمعدوم عنده ماهية موجودة وبيان هذا الالزام في حق من قيد وجود المعدوم بالذهن هو أن المعدوم قد كان قبل في الاذهان فيلزمه وجود الأذهان في الأزل فيثبت فيها ماهية المعدوم والكل باطل .
وأما إن أراد بقوله أن المعدوم شيء أي شيء يصح الإخبار عنه لا أن له ماهية موجودة كما ذهب إليه الأصحاب فلا يلزمه شيء مما ذكر .
وبهذه التوجيه تعرف خروج أصحابنا رحمهم الله عن الالزامات التي توجهت على المعتزلة والحكماء في قولهم أن المعدوم شيء فإنهم وإن وافقوهم في هذه العبارة فقد خالفوهم في المراد منها فإن مراد الأصحاب منها إنما هو نفس التسمية ليس إلا فـتـفـطـن له والله أعلم .

كفر القائل بأن الله لا يعلم المعدوم

السؤال :
هل يلزم من قال أن علم الله لا يتعلق بالمعدوم مطلقاً القول بأن الله لا يعلم المعدوم ؟ وهل يلزمه الشرك إن قال بذلك ؟

الجواب :
يلزمه ذلك لأن معنى قولهم يتعلق علمه تعالى بكذا أي يعلم كذا وكذا قولهم لا يتعلق علمه تعالى بكذا أي لا يكون ذلك الشيء معلوماً له تعالى فالقائل بأن علمه تعالى لا يتعلق بالمعدوم مطلقا يلزمه القول بأن الله لا يعلم المعدوم مطلقا لأنهما عبارتان عن معنى واحد .
وكذا يلزمه أيضا الشرك على هذه المقالة فإنه قد وصف الرب تعالى بالجهل ومن وصفه بذلك فهو مشرك ولأنه قد خالف النص القرآني فكابره هكذا ومن خالف النص القطعي بلا تأويل فهو مشرك وذلك النص مثل قوله تعالى { علم أن سيكون منكم مرضى }(1) ، { علم الله أنكم ستذكرونهن }(2) ونحوها تبين الآيتين أنه تعالى علم ما سيكون بعد ولا شك أن ما سيكون معدوم في حال الاخبار ولا ينفعه ما تخيله في ذهنه من الخيالات الباطلة حتى يعد بذلك متأولاً .
أما ما ذهب إليه أصحابنا من أهل المغرب فهو شيء غير ما هنا وذلك أنهم قالوا : إن علمه تعالى يتعلق بالموجود، وبالمعدوم الممكن وجوده، ولا يتعلق بالمستحيل وجوده، فهم يعلقون العلم بالمعدوم والممكن وجوده، وينفون تعلقه بالمستحيل لأن المستحيل وجوده عندهم لا شيء أصلا فلا يصح أن يكون معلوماً لأن العلم لا يتعلق بلا شيء ومع ذلك فهم يستدلون بأدلة تطلب من مواضعها .
ولا ينافي مذهبهم قوله تعالى { ولو ردوا لعادوا }(1) لأن عودتهم بعد ردهم من المعدوم الممكن وجوده، وهم يقولون بتعلق علمه تعالى بمثل هذا .
والصحيح عندي هو ما ذهب إليه الأصحاب من أهل المشرق من أن علمه تعالى متعلق بكل ممكن ومستحيل والاستدلال مقام يطول ومثلك من يكتفي بالاشارة فـتـفـطـن له والله أعلم .

تمحيص الدعوى ان علم الله بالمعدوم من حيث عدمه فقط

السؤال :
هل يعلم الله المعدوم من حيث هو معدوم أم يعلم عدم المعدوم ليس إلا، فإني قد رأيت في كتاب لبعض الشيعة أنه لا خلاف ولا إشكال في أن النفي بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم فكذلك المعدوم لأنه بمعناه، وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود كالوجود الذهني مثلا انتهى وهذا القائل مذهبه أن علم الله لا يتعلق بالمعدوم .
الجواب :
علم أنه تعالى عالم بعدم المعدوم، وعالم بماهية المعدوم من حيث هو معدوم، وعالم بماهية المعدوم من بعد وجوده كيف يكون، وعالم بماهية المعدوم من حيث إمكان وجوده، وعالم بماهية المعدوم المستحيل وجوده أن لو كان كيف كان يكون، فعلمه تعالى محيط بجميع ذلك { قد أحاط بكل شيء علماً }(1) .
وما رأيته في كتاب بعض الشيعة من دعوى عدم الخلاف في أن النفي بما هو نفي غير قابل لأن يتعلق به العلم فدعوى غير مسموعة، نعم إن أراد العلم الحادث فلا يصح أن يكون النفي المحض متعلقا له أما علمه تعالى فسواء في جانبه النفي والوجود لأنه ليس بشيء زائد على الذات كما تكرر، وقد ثبت أن الذات العلية قد انكشفت لها الأشياء انكشافاً تاماً فسواء في حق انكشافها لها الوجود والعدم والثبوت والنفي .
وأما قوله وإنما ذهب من ذهب إلى جواز تعلق العلم بالمعدوم لزعمه أن له نوعاً من الوجود الذهني مثلا انتهى فجوابه أن أصحابنا قد ذهبوا إلى تعلق علمه تعالى بالمعدوم لا على تقدير ذلك الوجود الذي ذكره فلا تتم له دعوى عدم الخلاف هذا مع أن الوجود الذهني لا يكون شرطاً لتعلق العلم القديم وإنما هو شرط لتعلق العلم الحادث فقط فتفطن له فإنه مخلط والله أعلم .

توجيه منع تعلق الأمر والنهي بالمعدوم

السؤال :
قلتم أن علم الله تعالى متعلق بالموجودات والمعدومات التي ستوجد

والمستحيلات وقلتم أنه تعالى متكلم بذاته وعالم بذاته ومنعتم تعلق الأمر والنهي بالمعدوم فما وجه ذلك .

الجواب :
إن تعلق علمه تعالى بالمعلومات الممكنة والمستحيلة لا يستلزم تعلق أمره ونهيه بالمعدوم لأن معنى تعلق علمه بالأشياء مطلقاً انكشاف الأشياء لذاته العلية انكشافاً تاماً ومعنى تعلق الأمر والنهي بالأشياء هو كون ذلك الشيء مأموراً ومنهياً ولا يكون المعدوم مأموراً ولا منهياً فلا يصح تعلق الأمر والنهي به لأن المعدوم لا يصح خطابه لأن خطابه عبث والرب تعالى متصف بالحكمة فلا يجوز اتصافه بالعبث تعالى الله عن ذلك نعم يصح خطابه بواسطة من يبلغه عند وجوده وليس هو مما نحن بصدده .
وقولنا أنه تعالى متكلم بذاته لا يستلزم أن يكون آمراً بذاته وناهياً بذاته لأن معنى متكلم بذاته أي ذاته متكلمة أي متصفة بنفي الخرس عنه تعالى فلا يكون هذا الكلام بهذه الاعتبار متنوعاً إلى الأمر والنهي وغيرهما وإنما المتنوع إلى ذلك هو الكلام الفعلي .
فالأمر والنهي صفتا فعل له تعالى لا صفتا ذات بخلاف الكلام فإنه يكون مرة صفة ذات كما تقدم وأخرى صفة فعل وهو خلقه تعالى الكلام المتلو المسموع والله أعلم فانظر في جميع ما كتبه لك والسلام .

تعلق الأمر والنهي بالمعدوم اعتباري لا حقيقي

السؤال :
هل يصح أن يتعلق الأمر والنهي بالمعدوم تعلقا معنوياً أي اعتبارياً لا حقيقيا موجوداً في الخارج أم لا .
الجواب :
يصح ذلك عندي إذ لا بأس بالقول به وإن جعلته الأشاعرة والماتريدية ذريعة إلى امكان القول بقدم الكلام الفعلي ووجه جعلهم إياه ذريعة لذلك هو أنه لما قالوا بقدم الكلام الفعلي وكان من أنواعه الأمر والنهي ولم يكن في الأزل مأمور ولا منهي فيتعلق به الأمر والنهي قالوا هما متعلقان بالمعدوم الذي سيؤمر وينهى أي هما متعلقان به في االمعنى فلا يلزم على هذا من قدم الأمر والنهي قدم المأمور والمنهي .
ونحن نمنع قدم الأمر والنهي ونقول هما حادثان فيتعلقان بالموجود تعلقاً حقيقياً فلم تحتج إلى ما ذكروه من التعلق المعنوي ومن كان من المأمورين لم يوجد حال حدوث الأمر وتوجيهه إلى المخاطبين فلا يكون في ذلك الحال مأموراً ولا منهياً لأنه إنما يتعلق به الأمر والنهي بعد وجوده وبعد بلوغه رتبة المخاطبين وكفى بوجود بعض المكلفين حال حدوث الأمر وتوجيهه إليهم متعلقاً ثم نقل ذلك الخطاب الواسطة التي تبلغه إلى من بعدها فيكون عند بلوغه إلى مخاطبين غير الأولين متعلقا بهم أيضا تعلقا حقيقياً وهكذا والله أعلم .

الجهل بقراءة بعض الآيات وأثره

السؤال :
الجاهل بقراءة القرآن إن سمع منه مد فتحة اللام الأولى حتى صارت الضامن لا يعلمن من قوله تعالى : { وليعلمن الله الذين صدقوا }(1) ومد فتحة اللام حتى صارت الضامن { لتبعثن ولتنبؤن بما عملتم }(2) أو مد فتحة القاف حتى صارت الضامن قوله عز وجل : { وخلق منها زوجها }(3) أو حذف الألف من خالق من قوله تعالى : { هل من خالق غير الله }(4) أو الوقوف على خالق من قوله تعالى : { هل من خالق غير الله } أو على إله من قوله سبحانه وتعالى : { ما لكم من إله غيره }(5) ونحو ذلك فهل يحسن به الظن أم يحكم عليه بالشرك ؟ فإن قلتم أنه غير معذور ومحكوم عليه بالشرك وكان رجل قد سمعه من زوجه فجامعها قبل أن يستتيبها من ذلك وقالت له : أنها كانت قد تابت إلى الله جل وعلا ووحدت الله العظيم قبل جماعه لها فهل له تصديقها في ذلك أم تحرم عليه ؟
الجواب :
يحسن به الظن في بعض هذه الأمور فلا يحكم عليه بشيء ولا يحسن به الظن في البعض الآخر ويحكم عليه فيه بالارتداد .

فأما البعض الذي لا يحتمل له فيه بشيء فهو مد فتحة اللام حتى صارت الفا من تلك الآيات ونحوها فإن في جعل فتحها الفا نفيا لما وجب ثبوته قطعاً فهو شرك قطعا ولا يعذر الجاهل بجهله في الشرك .
وأما البعض الذي يحسن به فيه الظن فهو مد فتحة القاف من خلق وحذف الألف من خالق والوقوف على خالق واله في الايتين ونحو ذلك .
ووجه الاحتمال في هذا البعض دون ما قبله هو أن العرب كانت تطلق على المفرد خطاب الاثنين فلا يلزم من قراءته خلقا اثبات إلهين وأن العرب تحذف الفعل وتبقي الفاعل موفوعاً فيحتمل أن غير في الآية رفعها بفعل محذوف تقديره هل من خلق خلقه غير الله .
ويصح الوقوف بين النفي والاثبات من نحو تينك الآيتين لعذر في الواقف كعطاس أو ضيق نفس أو نحو ذلك فلا يحكم بشركه في هذه المواضع لهذه الاحتمالات .
أما الذي سمع من زوجته ما تشرك به فجامعها قبل أن يصح معه رجوعها إلى الإسلام فجماعه زنى بها فإن قالت له قد رجعت إلى الإسلام قبل أن يقع ذلك الجماع فعندي أنه ليس له أن يصدقها لأنها عنده في حكم المشركين ولا يكون المشرك مصدقاً في شيء من أمور الدين هذا ما عندي فيه والله أعلم فانظر في جميع ما كتبته لك والسلام .

الدعاء لغير الولي بحسن الخاتمة

السؤال :
هل يجوز الدعاء بحسن الخاتمة لغير الولي ؟ وهل يجري فيه الاختلاف في جواز الدعاء له بالهداية أم لا ؟
الجواب :
لا يجوز الدعاء لغير الولي بحسن الخاتمة ولا يجري فيه الإختلاف الموجود في جواز الدعاء له بالهداية فإنه وإن كان حسن الخاتمة مستلزماً لحصول الهداية ومترتباً عليها بمعنى أنه لا يعطى حسن الخاتمة إلا من هدي إلى التقوى فليس كل ما جاز في الملزوم جاز في اللازم .
على أنا نقول أن حسن الخاتمة ثمرة الهداية وحصول المغفرة ثمرة الهداية ودخول الجنة ثمرة الهداية وكل واحد من هذه الثلاثة مستلزم لهذه الهداية وقد وقع الاتفاق على منع الدعاء بالمغفرة ودخول الجنة لغير الولي فكذا القول في حسن الخاتمة والله سبحانه وتعالى أعلم .

الاعتراف بالعجز عن ادراك ذاته تعالى ادراك

السؤال :
معنى قول الصديق رضي الله عنه العجز عن الادراك إدراك تفضل بين لنا ذلك .
الجواب :
معنى ذلك أن الاعتراف بالعجز عن الوصول إلى معرفة ذاته تعالى هو المعرفة لأن ذاته تعالى لا تدرك بالأفهام ولا تتصورها الأوهام، فمن تخيل له أنه سيصل إلى معرفة ذات الله تعالى أو أنه واصل إلى ذلك فهو عن معرفة الله بمعزل، ومن اعترف بأنه تعالى لاتدرك ذاته العلية بشيء من الطرق العلمية وإنما تدرك آثار صفاته العلية وبها يعرف سبحانه وتعالى فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون }(1) . والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال السائل :
فإذا كان المعنى هكذا فما معنى الإخبار عن العجز بأنه إدراك وإن العجز والإدراك شيئآن متنافيان ؟
الجواب :
إن في كلام الصديق رضي الله عنه مبتدأ محذوفاً تقديره الاعتراف بالعجز عن الإدراك إدراك فقوله إدراك خبر عن الاعتراف وهو
المبتدأ المحذوف ولا منافاة بين الاعتراف بالعجز المذكور وبين الإدراك والله أعلم .


حكم الزواج لمن تحول عن مذهبه

السؤال :
امرأة من أهل نخلتنا تزوجها رجل اباضى ثم انه تحول إلى مذهب أهل الخلاف فمكثت هي ولم تتبعه هل عليها بأس أم لا وهي فقيرة محتاجة ؟ بين لنا ذلك .
الجواب :
لا بأس عليها في ذلك والله أعلم .

عموم العلة، وتعدي العلة

السؤال :
عموم العلة المعلق عليها الحكم، ويتعلق البحث بمعنيين أشكلا على وهذا شروع البحث فيهما بعد ذكر الحكم والعلة قال في المنهاج : وتعليق الحكم بعلة يعم كلما حصلت تلك العلة قياسا لا لفظا وهو معنى قول شيخنا في شمسه :

كذلك العلة في أفرادها


جميعها تم باطرادها


الخ .....
فظاهر ما في المنهاج وما في شرح الشمس أن العلة المعلق عليها الحكم عامة بمعنى أنها تقتضي بوجودها وجود الحكم قياسا في ذلك إذا نص الشارع على حكم بعلة وجب عموم تلك العلة باقتضائها ذلك الحكم حيثما وجدت قياساً على ذلك النص كتحريم الخمر لعلة الاسكار فحيثما وجد الاسكار وجد الحكم قياساً على الخمر لأنه منصوص عليها وهذا العموم من جهة المعنى فإن من لازم العلة الاطراد وهو ثبوت حكمها حيث ما ثبتت كذا قال في المنهاج والشمس .
بيان الاشكال الداعي للبحث أنهم قالوا حرمت الخمر لاسكارها فما أسكر فهو حرام ولو من غير خمر قياساً عليها لعموم العلة وظاهر كلامهم أن العلة مستقلة بنفسها من حرمت الخمر لاسكارها، ثم لم يوجبوا عتق سودان عبيد المعتق غانماً لسواده، فما الفرق بين العلتين في اقتضائهما الحكم، مع أنهم يقولون العلة مستقلة باقتضاء الحكم فمهما وجدت وجد فوجدت ولم يوجد فحصل الاشكال المتعلق بالمعنى الأول .
ثم قال صاحب المنهاج في مسألة النص على العلة أن مجرد النص عليها لا يكفى في تعديها إذ العلة الشرعية إنما هى داعية الحكم ولا يلزم فيما دعى إلى أمر أن يدعو إلى أمثاله فلا يلزم من قوله : حرمت السكر لكونه حلوا تحريم كل حلو لجواز أن تصحب الحلاوة في غيره .
أقول الظاهر : من كلامه أن العلة لا تتجاوز إلى غير السكر وإلى غير الخمر، إذ النص على السكر من الشارع وعلى الخمر منه وهذا مثل ما مر عنه في عموم العلة ونقض له وظاهر كلامه أيضا أن العموم مستفاد من قوله " كل مسكر حرام لا من خصوص حرمت السكر لكونه حلوا وحرمت الخمر لاسكارها إذ ورد عن الشارع، فعلى هذا فعموم تحريم المسكر لفظى لا معنوى فحصل الاشكال بالفرق بينهما، فاكشفه لنا .
الجواب :
لا اشكال في الجانبين والعموم في العلة معنوى لا لفظى لأن ثبوت الحكم في افراد العلة إنما ثبت بالقياس على الفرد المنصوص عليه وذلك أمر معنوي كما ترى .
فأما ما ذكره صاحب المنهاج من مجرد النص على العلة لا يكفى في تعديلها .. الخ فغير ناقض لهذا المعنى لأنه إنما يتكلم ها هنا في بيان تعدى العلة لا في بيان عمومها ووجه ذلك أن العلة الشرعية تكون متعدية كالاسكار وتكون قاصرة كالنقدية في الذهب والفضة فإذا نص الشارع على تعليل حكم بعلة كان ذلك النص دليلاً على أن ذلك الوصف علة لذلك الحاكم لا غير وكون ذلك الوصف متعديا أم غير متعد أم زائد على معنى النص فيحتاج في اثباته إلى دليل آخر غير الدليل الناص على التعليل فإذا ثبت التعليل بالنص وقام دليل على تعدى تلك العلة كان ثبوت ذلك الحكم في جميع أفراد العلة المتعدية عموما معنويا فهذا معنى قولنا أن عموم العلة قياسيّ لا لفظى فلا يشكل عليك ولا يظهر من كلام المنهاج أن العلة لا تتجاوز غير السكر لأنك قد عرفت معناه [ النص ] على العلة لا يدل على ثبوت تعديها فافهم ذلك .
وأما قولهم أن من لازم العلة الاطراد فمعناه أنه إذا ثبت بالدليل أن العلة متعدية كان من لازم العلة اطرادها وإنما لم يوجبوا عتق جميع سودانه بقوله اعتقت غانما لسواده فلأن الوصف لا يصلح علة لذلك الحاكم وبيان ذلك أن من شرط اطراد العلة أن تكون متعدية لا قاصرة ولا يخفى أن سواد غانم مقصور عليه بمعنى أنه لا يوجد في غيره فذلك الوصف الموجود في غير غانم مثيل لوصف غانم لا عينه فمن ثم قصر الاعتاق على غانم اتفاقا .
ولا يشكل عليك هذا بأن السكر القائم بالخمر مثلا هو غير السكر الناشئ عن النبيذ مثلا لأنا نقول أن صفة السكر واحدة وأن الاختلاف في المؤثر وهو الخمر والنبيذ لا في السكر .
حاصل المقام أن سواد غانم وصف مقصور عليه موجود في ذاته فلا يمكن أن يوجد في غيره وإن السكر هو تغيير العقل فتارة يوجد بالخمر وأخرى بنظيرها فافهم ذلك والله أعلم .

صحة اسلام من تلفظ باسم ( محمد ) حسب لهجته في الشهادتين

السؤال :
قوله في مشارق الأنوار حيث حكى الأقوال الثلاثة في الاجتراء بالتلفظ باسم محمد في الشهادتين إذا تلفظ الناطق بها بفتح الميم أو باعجام الحاء وذكر أن ثالث الأقوال هو اختيار شارح النونية . ونحن لم نجد شيئا من هذه الأقوال الثلاثة اكشف لي عنها القناع ؟
الجواب :
الأقوال الثلاثة فيما إذا قال المشرك عند إسلامه : " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بفتح الميم وبالحاء المهملة أو قال أشهد أن مخمداً بضم الميم وبالخاء المعجمة وهو يعنى بذلك رسول الله " اختلفوا هل يقبل منه ذلك ويكون به مسلما على أقوال ثلاثة :
أحدها : أنه يجزئه ذلك مطلقا، كانت تلك لغته أو لم تكن .
والقول الثانى لا يجزئه ذلك مطلقا.
والقول الثالث يجزئه إذا كانت تلك لغته ولا يجزئه إذا لم تكن تلك لغته وهذا القول هو الذي اختاره شارح النونية وهو الصحيح عندي ومعنى ذلك أنه إذا كان أحد من العرب لغتهم فتح الميم في محمد أو كان لغتهم النطق بالخاء المعجمة مكان الحاء المهملة وعرف منهم ذلك أجزأ منهم الاسلام بلغتهم وأما إذا كان لغتهم غير ذلك فلا يجزئ منهم إلا باللغة الصحيحة أو بلغتهم المعروفين بها والله أعلم .

عدم صحة اسلام من تشهد بلفظ ( أشد ) للعجمة

السؤال :
النطق بكلمة الشهادة إذا لم يأت فيها بالهاء عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله بل قال ( أشد ) في الصلاة وغيرها هل يجزئه ذلك أم لا ..
الجواب :
لا يجزئه ذلك إذا كان ذلك باختيار منه وإن كان أعجمياً أو في لسانه لكنه لا يستطيع إلا ذلك فهو معذور إن شاء الله والله أعلم .
أسماء الله وصفاته

السؤال :
ذات الله تعالى هل وضع لها اسم غير الله وباقى الأسماء صفات أو لا ؟ وهل تسمى الصفات أسماء ؟
الجواب :
أما التسمية فإن الصفات تسمى أسماء قال تعالى: { ولله الأسماء الحسنى }(1) ولا تسمى الأسماء صفات لأن الصفة ما دل على معنى وذات كالعليم فإنه دال على ذات متصفة بالعلم والإسم لا يدل إلا على الذات كزيد في أسماء المخلوقين فإنه لا يدل إلا على ذات المسمى من غير اعتبار لشيء من صفاته .
وأسماء الله تعالى منها العلم ومنها الصفة فأما العلم فهو اسم الجلالة لا غير عند الأكثر وقيل الرحمن الرحيم أيضا علمان وما عدا ذلك فهو صفة وقيل أن كل صفة فيها ال فهى اسم كالعليم والكريم وما ليس فيه ال فهو صفة كعليم وكريم وهذا ضعيف .
وأنكر بعضهم العلمية في أسماء الله تعالى وجعلها كلها مشتقات لأن العلم عندهم لا يوضع إلا لذات معينة وذات الله تعالى لا تتصور حتى يوضع لها العلم ونحن نقول أن وضع العلم لا يتوقف على تصور الذات بل يمكن وضعه لكل ما صح وجوده والله أعلم .

افتراق الأديان والمذاهب فِتَن

السؤال :
حديث ابن عباس لكل أمة أجل وأجل أمتي مائة سنة فإذا مرّ على أمتي مائة سنة أتاها ما وعدها الله يعني كثرة الفتن ما معنى هذه الفتن ؟
الجواب :
المراد بالفتن هنا افتراق الأديان والمذاهب وتشتت الآراء وتشعب الأهواء وكفى بها فتنة يحار فيها البصير إلا إذا أدركه التوفيق .
وقد وقعت هذه الفتنة بعد القرن الأول فأظهر الله صدق نبيه فكان منه ذلك عليه الصلاة والسلام من جملة الإخبار بالغيب والله أعلم .

تفسير عبارة ابن القيم في الأمر والإرادة

السؤال :
ما في كتاب تفليس ابليس قال : " رأيت رائدة السعادة والشقاوة تدور على خط الأمر ومركز الارادة، وبينهما طريق يدق عن التحقيق ويفتقر سالكه إلى رفيق العون والتوفيق، فالأمر يهب والارادة تنهب، فما وهبه الأمر لك افعل والارادة وهي المشيئة تقول لك لا تفعل والفعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون، فقوم تعلقوا بالأمر فضلّوا، وقوم تمسكوا بالمشيئة فزلّوا، وقوم جمعوا بين الأمر والمشيئة فهدوا إلى صراط مستقيم " بين لنا معنى هذا الكلام وما معنى قوله فالأمر يهب والإرادة تنهب فما وهبه الأمر نهبته الإرادة ؟ وما هذا الطريق الذي بين خط الأمر ومركز الإرادة ؟ ومن القوم الذين تعلقوا بالأمر فضلوا ؟ ومن القوم الذين تعلقوا بالمشيئة فزلوا ؟ ومن القوم الذين جمعوا بين الأمر والمشيئة فهدوا إلى صراط مستقيم ؟
الجواب :
معنى ذلك أن الله تعالى أمر عباده بأوامر ونهاهم عن مناهٍ وأوجب عليهم طاعته وحرم عليهم معصيته وهو مع ذلك لم يرد الامتثال من جميعهم وإنما أراد الامتثال من الممتثلين منهم، فإنه لو شاء لهدى الناس جميعاً فمن لم يمتثل من الناس فقد نهبته الارادة والأمر منه تعالى متوجه إلى ذلك العبد بطلب الامتثال وإن الإرادة تنهبه الامتثال وهو سبحانه وتعالى فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون .
والطريق الذي بين الأمر والإرادة هو عبارة عن حال اجتماعهما في شخص بعينه وبيان ذلك أنه إذا أمر الله تعالى العبد بأمر وأراد منه الامتثال فقد حصل له الحال الذي يجمع بين الأمر والإرادة وهذا الحال لا يحصل إلا بالتوفيق من الله تعالى لمن أراد أن يمن عليه من عباده .
ولما كان الأمر والإرادة متغايرين على حسب ما ذكرنا اختلف فيهما نظر الأمة وكان ذلك سبباً لافتراق الأمة إلى ثلاث فرق هلكت منها فرقتان بسبب ذلك ونجت الثالثة .
فذهب قوم منهم إلى التعلق بالأمر فضلوا وهؤلاء هم المعتزلة بجميع فرقهم وتعلق قوم بالإرادة فزلوا وهؤلاء هم الجبرية أصحاب جهم بن صفوان حملوا جميع أفعالهم على إرادة الله تعالى وزعموا أنهم مجبورون على فعل ما فعلوا .
وذهبت بقية الأمة إلى الجمع بين الإرادة والأمر وقالوا إن رخمنا فبفضل الله وإن عذبنا فبعدل الله فهؤلاء هم الذين هدوا إلى صراط مستقيم والله أعلم .

مناقشة مسألة رؤية الله في الآخرة

السؤال :
قول أحمد المالكى في كتاب الانتصاف في الرد على الكشاف في تفسير قوله تعالى { لا تدركه الأبصار }(1) " قال أحمد : ولم يذكر الزمخشرى على إحالة الرؤية عقلا دليلا ولا شبهة فيحتاج إلى القدح فيه، ثم معارضته بأدلة الجواز ولكنه اقتصر على استبعاد أن يكون المرئى لا في جهة فيقتصر معه على الزامه استبعاد أن يكون الموجود لا في جهة إذ اتباع الوهم يبعدهما جميعاً والانقياد إلى العقل يبطل هذا الوهم ويجيزهما معاً وهذا القدر كاف بحسب ما أورده في هذا الموضع " قال السائل قد حصل في هذا الكلام شبهة لمن لا بصيرة له فما جواب هذه الشبهة ؟
الجواب :
نقول إن وجود الله تعالى صفة من صفات ذاته وأن الرؤية التى يزعمها القوم صفة من صفات خلقه فقاس أحمد صفة الخلق على صفة الخالق وهو قياس باطل، لأن صفات الخلق مباينة لصفات الخالق فرؤية الخلق تستلزم أن يكون المرئى في جهة مقابلة للرائى من غير حائل بين الرائي والمرئى إذ العقل يحيل أن يدرك البصر مرئيا على غير هذه الصفة وهذا الوصف في حق الله محال عقلا فظهر استحالة رؤيتنا إياه عقلا لا وهما .
وأما وجود الله تعالى فقد قام الدليل القاطع عقلا ونقلا على أنه موجود لا في مكان ولا في جهة فتوهم غير ذلك الوهم الفاسد وقد وقع القوم فيه حيث قاسوا صفات الله بصفات خلقه في قولهم أنه تعالى عالم بعلم هو غيره وقادر بقدرة هي غيره .
فلو أنصف هذا المالكى لقاس سائر الصفات الذاتية بالوجود ولم يقس رؤيتنا على وجود الله والله أعلم .

تأويل أحاديث رؤية الله في الآخرة

السؤال :
وسئل بما نصه :

الحمدلله الذي قد أنزلا

قرآنه مفصلا ومجملا


على النبى المصطفى الهادي الذي


قد ارتضاه الله من بين الملا


صلى عليه ذو الجلال ربنا


وآله وصحبه ومن تلا

وبعد ذا أنهى سؤالي للذي


حاز الفخار آخِراً وأولا

شمس سماء الفقه محي دار


بين العلم الذي حاز المقامات العلى



السالمى بن حميد ما ترى

جزاك ربى نعمة في يوم لا

ما جاء في الآثار عن أصحابنا


مقيدا عن الكرام الفضلا

أن النبى المصطفى قد قال في


رب العباد جل ذكرا وعلا


مصرحاً بأنكم ترونه

عند القيام مثل بدر انجلا


هل ذا يصح عن رسول الله أم

تراه عنه مفترى مؤولا


إن قلت صح القول ما تأويله


أرجو جوابا كاشفا ما اشكلا


الجواب :

هاك جوابا من ضعيف امتلا

عجزا ولم يدر مقامات العلى

كيف يكون جاهل شمسا لما


قد شرع الله وما قد أنزلا


لو علم الأسلاف حالى ما رضوا


مثلى مجالساً لأدناهم علا


فكيف أرضى أن أكون قدوة

موضحاً مبينا ما أشكلا


لو علم السائل شأنى لانثنى


بطلب غيرى إن يشأ أن يسألا




أو علم المادح وصفى لاشتكت


كفاه من عض الضروس مثلا


لكننى أرجو من الرحمن أن

يغفر كل ما اقترفت ذللا


أما حديث الرؤية الذي غدا


بين ذوى الخلاف شمسا وهولا


فذاك أمر خالف الكتاب في


ظاهره يستوجب التأولا

لم يروه أصحابنا لكنهم

قد ذكروه ليزيحوا العللا


فافترقوا صنفين في توجيهه

أسقطه بعض وبعض أولا

من قال بالتأويل قالوا أنه

أراد أنكم ترون ذا العلا

أي تعلمون وصف فعله الذي


أخركم وقوعه علما جلا


إذ لم يكن يقيننا عن رؤية

مثل يقين عن سماع حصلا

والمسقطون نظروا ظاهره


قد خالف المعقول والمنزلا

فاطرحوه غضباً لربهم


لم ينظروا الراوى له وإن علا


من يعرف الرجال بالحق فلا


تلقاه في الأمور إلا بطلا




والحمد لله على بيان ما

عليك من هذا الحديث اشكلا


ثم الصلاة والسلام دائما


على الذي حاز المقامات العلا


والال والصحب الكرام كلما


بين مِن كلامه ما اجملا .


تأويل آيات وأحاديث الصفات

السؤال :
حديث الشارع " أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء قال السائل فظاهر الحديث غير جائز عن الشارع فإن جاز فكيف معناه ؟
الجواب :
هذا كناية عن قدرة الله تعالى وأن القلوب في قبضته وقد خاطب الشارع العرب بما يعقلون من اللغة { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه }(1) والعرب كانت تعقل الكنايات والمجاز وغير ذلك من أحوال الخطاب فإذا سمعوا مثل هذا الحديث علموا أنه كناية عن نفوذ قدرة الله في قلوبهم ولم يلتبس عليهم ذلك مع قوله تعالى { ليس كمثله شيء }(2) كما يعلمون أن المراد بقول القائل زيد كثير الرماد أن المراد بذلك الكناية عن جوده فإنه يطبخ للأضياف فيكثر رماده من ذلك ومثله قول الله تعالى { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه }(1) وقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى }(2) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث فإن العرب كانت تعقل معنى الخطاب في هذا كله وإن المراد منه الدلالة على القدرة الباهرة وأن الأفعال العظام التى تتحير فيها الإفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه تعالى ولا يصل السامع إلى الوقوف على هذا المعنى إلا بإجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل .
قال الزمخشرى ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا أرق من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطى تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء فإن أكثره وعليته تخييلات قد زلت فيها الإقدام قديما وما أُتى الزالون إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير حتى يعلموا أن عداد العلوم الدقيقة علما لو قدروه حق قدره لما خفى عليهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه إذ لا يحل عقدها المؤرية ولا يفك قيودها المكربة إلا هو وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضم وسيم السخف بالتأويلات الضعيفة والوجوه الرثة لأن من تأول ليس من هذا العلم في عير ولا نفير، ولا يعرف قبيلا من دبير انتهى كلام الزمخشرى والله أعلم .


hg[.x hgsh]s-tjh,n Hw,g hg]dk Hs,H hg]dk hg[.x hgsh]stjh,n





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس