منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الجزء السادس-فتاوى أصول الفقه
عرض مشاركة واحدة
افتراضي  الجزء السادس-فتاوى أصول الفقه
كُتبَ بتاريخ: [ 03-23-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


أصول الفقه

العطف بين جملتين مع كمال الاتصال

السؤال :
إتيان حرف العطف بين الجملتين إذا كان بينهما كمال الاتصال بكون الثانية مؤكدة للأولى لفظاً فكيف يصح توسط العاطف بينهما ومع كمال الاتصال يجب الفصل عند أهل البيان، والذي فيه توسط العاطف { كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون }([1]) وكقوله " " إن بني المغيرة استأذنوني أن ينكحوا فتاتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن " ونحوها كثير لا يحضرنا جميعه فما قولك فيه ؟
الجواب :
قد اشترطوا في الجملة الواجب فصلها عما قبلها أن يكون تأكيدها معنوياً لا لفظياً فهم يجوّزون الوصل فيما إذا كانت الجملة المؤكدة مثل الجملة المؤكدة لفظاً .
ولقد استغرب السبكى هذا الاشتراط فقال ما نصه : " ومن الغريب أن أهل هذا الفن لم يعدوا من أقسام كمال الاتصال أن تكون الثانية صريحة في توكيد الأولى بإعادتها بلفظها مثل قام زيد قام زيد فهي تأكيد بنفسها فهي أجدر أن يحكم عليها بكمال الاتصال مما هو فرع عنها ويلحق بها - قال - ولعلهم إنما تركوا ذلك لأن الصريح هو نفس المؤكد فكأنهما جملة واحدة فلا تعدّد " انتهى كلام السبكي والله أعلم .

تفاوت معنى النية بحسب أصحابها

السؤال :
ما معنى قول بعضهم : نية العوام في طلب الأغراض مع نسيان الفاعل ؟
الجواب :
إن عوام الناس يقصدون بأعمالهم ما يترتب عليها من المنافع العاجلة والآجلة فمنهم من يعبدون الله تعالى لأجل أن يدخلهم جنته وينفذهم من ناره ونحو ذلك والله أعلم .
قال السائل :
ما معنى قول بعضهم أيضاً : ونية الجهال التخلص عن سوء القضاء ونزول البلاء ؟
الجواب :
المراد أن الجاهلين بالشرائع إنما يقصدون بأعمالهم دفع البلايا عنهم ويطلبون بها صرف سوء القضاء فهم يتصدقون ليرتفع عنهم البلاء ويزكون لئلا تذهب أموالهم ويتجنبون الأيمان الفاجرة لئلا تهلكهم وهكذا سائر أعمالهم والله أعلم .
قال السائل :
ما معنى قوله أيضا : ونية أهل النفاق التزين عند الله وعند الناس ؟
الجواب :
إن المنافقين يقصدون بأعمالهم أن يكونوا مرضيين عند الله وعند الناس فهم يراؤون بالعبادات رضاء الجميع وهؤلاء طائفة من المنافقين ومنهم من يقصد بعمله رضا الناس فقط وهو أغلب المرائين والله أعلم .
قال السائل :
ما معنى قوله ونية العلماء لحرمة ناصبها لا لحرمتها ؟
الجواب :
المعنى أن العلماء يقصدون في أعمالهم تعظيم من جعلهم في ذلك المنصب العالي فهم يراعون بأعمالهم حرمة ناصبهم وهو الله سبحانه وتعالى لا حرمتهم بأنفسهم . فإذا أقيمت شرائع الله ونفذت أحكامه كان ذلك غاية مقصودهم سواء نالهم من ذلك حظ في العاجلة أم لم ينلهم والله أعلم .

قال السائل :
ما معنى قوله أيضا ونية أهل التصوف الترك على ما يظهر منهم من الطاعات ؟
الجواب :
إن معنى مقصد الصوفية إخفاء طاعتهم فهم يراعون سترها وعدم ظهورها والله أعلم .
قال السائل :
ما معنى قوله أيضا ونية أهل الحقيقة في ربوبيّة تولدت عن عبودية ؟
الجواب :
الله اعلم بمراد هذا !

مفهوم الأمر

السؤال :
تفضل بين لنا معرفة الأمر لغة وشرعاً وقد يوجد " : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " يدل هذا للوجوب أم للندب أم للإباحة ؟ بين لنا ذلك يرحمك الله .

الجواب :
والله الهادي، الأمر لغة يطلق على القول المخصوص كلفظ قم وسر، ومنه قوله تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر }(1)
وتارة على الفعل كما في قوله " لأبي بكر حين أشار إليه أن يتقدم بالناس فأبى : " فما منعك أن تتقدم إذ أمرتك " ولم يكن ثمة قول إلا فعل بإشارة .
ويطلق أواناً على الشأن { فيها يفرق كل أمر حكيم }([2]) وتمثل للأمر بمعنى الشان بقوله تعالى حكاية عن ملكة سبأ { يا أيها الملأ افتوني في أمري }([3]) أي في شأني .
وأما شرعاً فهو طلب إيقاع الفعل جزماً وعرفه البدر رحمه الله تعالى بقوله طلب فعل غير كف على جهه الاستعلاء، فيدخل في تعريف البدر الوجوب والندب ويخرج الندب على التعريف الأول بقوله جزماً فان الندب وإن طلب ايقاعه لكن لا على جهة الجزم أي القطع في الطلب وعلى نحو ما رأيت جرى خلاف الأصوليين فيما بينهم هل الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في الندب أم حقيقة فيهما معاً .
والعجب من البدر رحمه الله تعالى حيث عرفه بتعريف شامل للوجوب والندب ثم قال بعد وهي حقيقة في الوجوب وعلى هذا فيكون تعريفه غير مانع، عفا الله عنه اللهم إلا أن يقال أراد أن الأمر الذي هو الطلب على جهة الاستعلاء حقيقة في الوجوب والندب وأن الصيغة التي هي افعل حقيقة في الوجوب مجاز في غيره فعلى هذا فلا إشكال فإذا عرفت هذا فارجع بنظرك إلى الأمر في الحديث المسئول عنه تجده بمعنى الفعل في اللغة وبمعنى الفعل في الاصطلاح ولا يشكل عليك قوله : " فأتوا منه ما استطعتم " فان الله لم يفرض علينا فوق طاقتنا { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }(1)، { ما جعل عليكم في الدين من
حَرَجْ }
(2)، { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها }(3) فمن فرضت عليه الصلاة مثلا بأركانها وشروطها فعجز عن إتيان شيء منها كالقيام مثلا كان عليه أن يأتي ما استطاع منها وقد رفع عنه ماعدا ذلك هذا ما ظهر لي والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .



إجزاء الأخذ بقول من أقوال المسلمين


السؤال :
رجل مات بأرض السواحل وعنده أقارب في أرض عمان وفي حياته قد عوَّد أقاربَه الذين في عمان بالمعروف وقد أوصى لأقاربه بمال كثير ووصيه في زنجبار فأراد أقاربه الذين في عمان نصيبهم فقال الوصي أنا سألت سيف بن ناصر الخروصي وقال : المسألة فيها اختلاف فأخذت بقول من يقول أن البحر قاطع . ونحن سابقاً عرَّفناه بجوابك وما اخترته أنت من الرأي في ذلك، فالآن رجع الأمر على ما تقوله أنت وتختاره ونرقب الجواب .
الجواب :
إذا أخذ الوصي بقول من أقوال المسلمين وعمل به في انفاذ الوصية فليس لغيره أن يعارضه في ذلك لأنه متعبَّد في ذلك بخاصة نفسه وهو أمين على دينه فاتركوه وما عمل وكفُّوا عنه خصمه والعلم عند الله .

القول بالرأي لمن ليس له أهلية الاجتهاد

السؤال :
قول محمد بن شيخان في تعريفه الذي كتبه لشيخنا عيسى ابن شيخنا الصالح ونصه وقد قرأت مسألة الفتوى عن الامام القطب رضي الله عنه ونحن لن نشك أولاً في أن من ليس أهلاً للفتوى والرأى ليس له أن يدعيه وليس له أن يفتى بلا علم فكيف نشك فيه آخِراً وقد اعترفنا منذ قديم أنا لسنا أهلا للرأى ولم نفت إلا بما علمنا مع أن مسألة من لم يبلغ درجة الاجتهاد الخلاف فيها شهير كالشمس رابعة النهار ولا حجة لكم في ذلك انتهى ما أردنا نقله من تعريف ابن شيخان .
ما وجه الجمع بين هذا الكلام وبين كلام أمامنا القطب في المسألة التي قرأها ابن شيخان وذلك أن القطب قال في تلك المسألة ما نصه إنه لا يجوز لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يقول برأيه فإن قال به ضل وكفر نفاقاً وضل متبعه وهلكا ولو وافق الحق بل يجب عليه أن يسأل إلى آخر كلامه أترى كلام ابن شيخان يمكن جمعه مع كلام هذا الامام أم ترى ابن شيخان قد رد على القطب كلامه في ذلك ؟ وهل يوجد الخلاف في جواز القول بالرأي لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد أم لا ؟ وإن كان الخلاف في ذلك موجودا فما وجه تضليل أمامنا القطب وتكفيره لمن فعله ؟ أيجوز لمثل هذا الامام أن يكفر مسائل الرأى والاجتهاد ؟ وهل يكون ذلك من باب جعل الرأي دينا أم لا ؟ فضلا منك ببيان هذا كله مأجوراً إن شاء الله تعالى .
الجواب :
أرى أن ابن شيخان رد على إمامنا القطب رضوان الله عليه قوله بذلك حيث حكى الخلاف في عين المسألة التي حكم الإمام القطب فيها بالتكفير فلو صح الخلاف الذي زعمه ابن شيخان في تلك المسألة لوجب تضليل إمامنا القطب عافاه الله حيث إنه حكم بالتكفير والتضليل في موضع الاجتهاد والرأى فيستلزم من ذلك جعل الرأى دينا لكن الخلاف الذي زعمه هذا المتعاطى غير موجود أصلا فضلا من أن يكون شهيراً كالشمس في رابعة النهار وبيان ذلك أنه لم يجوز أحد من الأمة القول بالرأى في شيء من الشرعيات لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد في ذلك الشيء بعينه فمن قال في شيء من الشرعيات برأيه وهو لم يبلغ فيه درجة الاجتهاد فهو مخطئ هالك وهذا هو معنى كلام إمامنا القطب أبقاه الله .
ولعل ابن شيخان وقف على وجود الاختلاف في تجزؤ الاجتهاد فظن أن ذلك هو محط كلام إمامنا القطب ولم يتهم نفسه بسوء الفهم بل جزم لنفسه بالعلم فتعاطى رد كلام إمامنا القطب في قوله ذلك، وليته اكتفى بمعارضة من هو دون هذا الامام، واقتصر على مكابرة من حوله من الاعلام، ولم يتعاط رد كلام ذلك الامام، لكن أعماه جهله، وأضله سوء فهمه، فظن أنه أوتي الحكمة وظفر بما لم يظفر به القطب من الاطلاع على وجود النزاع، فساء ظنه بإمامنا رحمة الله عليه حتى لم يجعل كلامه حجة لنا في انكارنا عليه القول بالرأى مع اعترافه بأنه ليس من أهل الرأى فكأنه قال في كلامه أنا لست من أهل الرأى وأني لأقول بالرأى مع أني لست من أهله وليس لكم أن تمنعوني من ذلك بفتوى القطب وحكمه بالتفكير في المسألة لأن الخلاف فيها موجود فتكفيره وتضليله لمن قال بالرأى وهو ليس من أهل الاجتهاد غير مستقيم .
هذا معنى كلامه ونعوذ بالله من الوقوع في مثل هذه الورطات ونسأل الله أن يرزقنا العصمة بالكتابُ والسنة وأن يوقفنا على الاقتداء بعلماء الدعوة وصلحاء الأمة ونسأله أن يعيننا على طاعته وأن يرزقنا مباعدة أهل معصيته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأحكام الأخروية وعلاقتها بالإجتهاد

السؤال :
مسائل الاجتهاد التي اختلف العلماء فيها كصورة قال بعضهم فيها بالهلاك، وبعضهم بعدمه، وكصورة قال بعضهم في فعلها كبيرة، وبعضهم صغيرة، وما أشبه ذلك . ما حكم هذه المسائل عند الله ؟ أيجازى فاعلها عنده بالهلاك أو بعدمه ويعاقب أو يعفى عنه ؟ وهل لأحد أن يقول بالتهليك في مسائل الإجتهاد ؟
الجواب :
القول بهلاكه وبأنه كبيرة لايستلزم الهلاك دينا، ولا الحكم بالفسق، لأن القائل بالتهليك لا يُخطِّئ القائل بالنجاة، والقائل بأنه كبيرة لا يُخطِّئ القائل بأنه صغيرة، فظهر لك أن التهليك والقول بأنه كبيرة إنما كان في رأي القائل بذلك دون غيره ؟ والمعنى في ذلك أنه إذا رأى أحد مثل ما رأى هذا القائل ثم فعله انتهاكاً حكم عليه بالهلاك، لأنه خالف حكم الله في حقه، وذلك أن حكم الله عليه هو ما رآه من القول، فإذا خالف حكم الله استوجب الهلاك . وكذا القول بأنه كبيرة لأنه إنما يكون كبيرة في حق من رأى ذلك، فإذا رأى أنه كبيرة ثم فعله عوقب على فعله، إلا أن يتوب . بخلاف من رأى أنه صغيرة فإن الله تعالى يعامله في ذلك بحكم الصغائر لأنه في رأيه صغيرة وذلك حكمُ الله عليه ؟
هذا وجه قولهم في مسائل الرأي بالتهليك والظلم والعصيان وما أشبه ذلك . فلا يُشكل عليك، فإنه واضح إن شاء الله تعالى . والله
أعلم .

قَالَ السَّائِلُ :
أرأيت إن كان الفاعل ليس من أهل الرأي ففعل ذلك ما القول فيه ؟
الجواب :
أماالهلاك ديناً فلا يحكم عليه به . ومن قواعدهم أنّ من أخذ بقول من أقوال المسلمين لا يهلك، وأما في الرأي فإن كان مُقَلِّداً لمن يرى الهلاكَ والكبيرةَ فقد قيل إن حكمه حكم من قلده، وذلك إنه التزم اتّباعه فخالفه هاهنا، وقد قيل إنه لا يجوز له أن يقلده في شيء ويخالفه في
شيء . وإن كان مُقَلِّداً امن يرى الرخصة فحكمه حكمه . والله أعلم .



نفاذ حكم الحكم ظاهراً وباطناً

السؤال :
الخصمان المجتهدان إذا ترافعا عند الحاكم في حق فحكم به لأحدهما وهو لا يرى أنه له، هل يَحِلُّ له أخذه بحكم الحاكم ؟ فإن كان لا يحل فهل للثاني أن يأخذه إذا ردَّه عليه ؟ أرأيت إذا كان الثاني يرى أن الحق عليه هل المسأله واحدة أو بينهما فرق ؟ وإذا كان لا يحلُّ لكلٍّ أخذه فأين يضعانه ؟
الجواب :
ليس للمجتهد أن يطلب حقا في رأيه أنه ليس له، فإن طلب ذلك فقد ادّعى ما ليس له بحق . وليس للآخر أن ينكر حقًّا يرى أنه عليه لازم فإن أنكره كان منكِراً لحقٍّ عليه .
فإن صورنا أن المجتهدين اختفي عليهما الحق لمن يكون حتى ترافعا وحكم الحاكم، فحينئذٍ رأى من عليه الحق أن الحق لصاحبه لو لم يحكم الحاكم ورأى الآخر مثل ذلك فها هنا يتصور سؤالك .
وجوابه حينئذ أن الحق للمحكوم له في حكم الظاهر وأنه ليس للمحكوم عليه أخذه، وكذلك المحكوم له فيما بينه وبين الله ليس له أن يأخذه لكن يرده إلى الأول عن طيب نفس وتَحَالٍّ، فإن فعل ذلك جاز لصاحبه أخذه من هذا الباب، وإن تمسك بحكم الظاهر وأخذه وهو يرى أنه ليس له فهو مُتَسَتِّرٌ في الظاهر خائن في الباطن، وإن لم يقبله لاهذا ولاهذا فإن جعل في بيت مال المسلمين جاز، وإن انفق في الفقراء جاز . والله أعلم .

العمل بعبارة المعبّر إن أخطأ

السؤال :
المكلف إذا عبر له أحد شيئاً من الأعمال البدنية الواجبة عليه، فأخطأ المعبِّر الحق وظن السامع أنه عين الحق، أو أصاب المعبِّر وظن السامع أنه لم يُصِب، هل له أن يعمل بعبارة المعبر أو بما ظنه في عقله كان ذلك خطأ أو
صواباً ؟

الجواب :
عليه أن يعمل بعبارة المعبر إذا وافقت الحق، عرف أنها حق أو جَهِلَ لأن الحجة لا تتغير بجهل الجاهل، والحق لا يختلف باختلاف الأوهام، وليس له أن يترك ذلك لأجل ما وقع في ذهنه أنه غير صواب. وإن لم توافق العبارة الحق فليس عليه ولا له أن يأخذ الباطل، لأن الباطل مردود على قائله وليس الباطل بحجة على أحد أصلاً، سواء علم السامع ببطلانه أو جهل .
فإن قيل فما السبيل لهذا الضّعيف في تمييز حق العبارة من باطلها مع أنه جاهل لا يعرف كيف يفعل ؟
قلنا : لاسبيل إلى ذلك إلاَّ توفيق الله سبحانه وتعالى وإعانته وتسديده ولا يقال : لم يكلف ذلك وهو لا يعرفه، لأنا نقول إنه تعالى لا يُسأل عما يفعل وإن المسألة من باب القدر فالواجب التسليم والإذعان وترك البحث والاعتراض والله أعلم .
فإن قيل : أرأيت إذا أخطأت العبارة وهو يظن أنها حق فعمل بها هل يكون هالكاً أو ناجياً ؟
قلنا : لا يهلك على رأي من أوجب عليه العمل بما حَسُن في عقله، فإن هذا قد حسن في عقله ذلك وأكَّده عبارةُ المعبر وإن كانت خطأ ليس له أن يُعَوِّل عليها فقط بل عليه أن يعتقد مع ذلك السُؤال عمَّا يلزمه من أمر تلك العبارة . والله أعلم .

عذر المجتهد المخطئ، وهل كل مجتهد مصيب ؟

السؤال :
قول المعتبَر فيمَنْ قال بالرأي - وهو من أهله - عُذِر وإن أخطأ الصواب، ما وجهه ؟ مع أن المسألة اجتهادية، أليس جميع أقوال العلماء فيها صواب ؟

الجواب :
الله أعلم، ولعله مبني على قول من يقول : إن الصواب في المسائل الاجتهادية عند الله في واحد من الأقوال، فمن أصابه كان له أجران، ومن أخطأه كان له أجر الاجتهاد .
وقيل : إن الصواب في جميع الأقوال : ففي حق هذا الصواب في كذا، وفي حق هذا الصواب في كذا، وعليه المشارقة رحمهم الله . والأول قول المغاربة .
ويحتمل أن يريد بالخطأ الخطأ في طريق الاجتهاد، كأن أراد الاستدلال بشيء على شيء فأخطأ فاستدل به على غير ذلك الشيء أو استدل بالعام على عمومه مع وجود التخصيص ولم يجتهد في البحث عنه أو يحفظه فنسيه، أو استدل بالمطلق مع وجود التقييد فنسيه، أو قاس شيئاً على شيءٍ مع تخلف بعض الشروط التي يريد أن يراعيها فأغفلها . وكثيراً ما يقع للمجتهدين مثلُ ذلك . والله أعلم .



تحريم القول بغير علم ومجاله

السؤال :
القول بغير علم، هل هو محرَّم بالإجماع ؟ فإن كان ذلك فما وجه قول بعضهم فيمن أفتى بغير علم فوافق الحَقَّ وهو قاصده أنه لا ضمان ولا إثم ؟ وما يقول في قوله تعالى : { ولا تقفُ ما ليس لك به علم }(1) ؟
الجواب :
نعم، أجمعت الأمة، لا نعلم من أحد منهم خلافاً، تحريم القول بغير علم ويدل عليه قوله تعالى : { قل إنما حرّم ربيَ الفواحشَ ما ظهر فيها وما بطن والإثمَ والبغيَ بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم يُنَزِّل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }(2) وقوله تعالى : { ولا تتَّبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عَدُوُّ مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }(3) وقوله تعالى : { ولا تَقفُ ما ليس لك به علم }، الآية .
وأما القائل بأنه لا إثم ولا ضمان على من قصد الحق فوافقه وإن كان غير عالم به، فإن كان أراد بذلك أنه لا إثم عليه في الموافقة للحق فظاهر، إذ لا يقول أحد بأنه يأثم بذلك، وإنما يقولون بإثمه بالتقدم على القول بغير علم . وإن أراد أنه لا يأثم حتى في التقدم فلا وجه له إذ لو عُذر القائلُ فيما لا يعلم لَمَا كان لتحريم القول بغير علم معنىً .
بيان ذلك أن التحريم إنما كان في القول بغير علم، فلو عُذِر القائلُ - إذا وافقَ - بعذرِ القائلِ غير الموافق في نفس القول، وإنما يكون هلاكُه بنفس المخالفة للحق، وعلى هذا فيكون التحريمُ للمخالفة دون القول بغير علم، وليس كذلك، بل التحريم للقول بغير علم وافقَ أو خالفَ، لكن إن خالف كان أشدَّ في الإثم وأغلظ في العقوبة . والله أعلم .
قَال السَّائل :
هذا التحريم في القول بغير علم شامل لمسائل الدين والرأي أو خاص بمسائل الدين دون الرأي .
الجواب :
نعم، شامل لجميع ذلك، لأن الجميع قولٌ بغير علم : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام }(1) وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى العلماء في المسائل الاستنباطية فقال : { ولو ردُّوه إلى الله والرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم }(2) وليس للجاهل أن يقول في شيء من الأحكام الشرعية بشيء.
فإن قيل : أليس مسائل الرأي من الأمور الظنّية فإن كان هذا الجاهل ألمعيَّ الظن واقدَ الفطنة ذكيَّ الفهم يظن الأمر فيصيبه، ما يمنعه أن يقول في ذلك ؟ قلنا : ليس ظن الجاهل في الأحكام الشرعية بشيء، ولئن أصاب مرة أخطأ عشراً .
ثم إنه ليس نفس الظن هو المعتبر في ثبوت الأحكام الشرعية، وإنما المعتبر الدليل الذي تستنبط منه الأحكام، لكن لما كان ذلك الدليل غير قاطع بالمراد، إما لعدم النص في المعنى، أو لارتفاع القطع بصدق راويه، ظننا أن المراد من ذلك الدليل الظاهر من الأحكام وأن ذلك الراوي صادق الرواية، فالحكم الشرعي مأخوذ من الدليل الشرعيّ لا من تخريص الخارص، وإنما سُمّي ظنّياً باعتبار ارتفاع القطع عن أصله، فأين للجاهل مثل هذا الاستنباط ؟ لا ولا نعمة عين ! فلا عذر لقائل على الله بغير علم { ولو تقوَّل علينا بعضَ الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين }(1) . والله أعلم .


نفي الضمان عن خطأ العالم

السؤال :
قول بعضهم : إن العالم يضمن إذا خالف الحق في فتواه فعمل بها غيره، لأنه في حكم الدالّ، ما وجهه ؟
الجواب :
لا أعرف له وجهاً إلا ما ذكر من القياس على الدالّ، وليس هذا القياس بصحيح، لأن الدالّ إنما يَدُلُّ على عين المال ولولا دلالته مثلا لم يُهتدَ إليه، فحصل بدلالته الاطلاع على المال، وخطأ هذا العالم ليس كذلك، لأن السائل يعرف المال وموضعه وإنما يسأل عن الحكم فيه، فإذا قال له خطأً : هو لك، مع أنه لغيره، فليس قوله بذلك دلالة على المال وإنما هو إشارة إلى الجواز، لكنها إشارة غير صائبة .
وهب أنه في خطئه أغراه بأخذ المال أليس هو دون من أمر غيره بالأخذ، مع أنه لا سلطان له عليه . وقد قالوا أنه لا يضمن بل يأثم وأما الضمان فعلى الآخذ .
والصحيح القول المشهور، وهو أن خطأ العـالم فيما علَّم مرفوع
عنه . والله أعلم .



حكم العام قبل ورود التخصيص

السؤال :
حكم العام قبل ورود المخصص على رأي من أجاز تأخير المخصص إلى وقت الحاجة، هل يجوز العمل بعمومه قبل المخصص أو لا ؟
الجواب :
حكمه البقاء على عمومه إلا إن قال الشارع إن هذا العموم مخَصَّص ولم يبين جهة التخصِيص ولا صفته، فإنه يكون حينئذ مجملا وحكمه الوقوف حتى يَرِدَ البيان .
واعلم أن وقت العمل بالعموم هو وقت الحاجة إليه فإذا عمل عامل بمقتضاه فقد علمنا أن مراد الله عمومه وإن ورد المخصص بعد ذلك فهو ناسخ لبعض حكم العام وإن أطلق عليه اسم التخصيص باعتبار آخر . والله أعلم .

حكم الأمر بعد الحظر

السؤال :
قول من قال إن الأمر إذا ورد بعد حظر فهو حقيقة في الإباحة، كما في قـوله تعالى : { وإذا حللتـم فاصطـادوا }(1) { فإذا قضيت الصلاة
فانتشروا }
(
1) { فإذا تطهرن فأتوهن }(2) هل يكون الأمر عندهم ناسخاً للحظر السابق أو لا ؟
الجواب :
الله أعلم بما عندهم في ذلك، والذي يظهر لي أنهم لا يسمونه ناسخاً، وذلك أن الشرط في الناسخ أن يتأخر عن زمان المنسوخ مقدارَ ما يمكن العمل بالأول، وقيل مقدار ما يمكن العمل به أو اعتقاد الامتثال . فإن لم يكن بينهما هذا القدر فليس بناسخ اتفاقا وإنما هو مبدأ حكم .
وأيضاً أن التحريم الأول مستقل بزمانه والإباحة الثانية مستقلة بزمانها فالتحريم في ذلك الزمان باق على مرّ الأزمنة، والإباحة في الزمان الآخر باقية أيضاً بيانه أن تحريم الوطء في الحيض ثابت إلى آخر الأبد وإباحة الوطء بعد التطهر ثابتة كذلك فأين موضع النسخ حينئذ وكذا القول في منع الاصطياد وإباحته ومنع الانتشار وإباحته . والله أعلم .


معنى تأخير البيان عن وقت العمل

السؤال :
قول المحلّي : " يجوز تأخير البيان عن وقت العمل بالظاهر الذي لم يرد ظاهره " هل هو مبني على القول بجواز التكليف بما لا يطاق؟ وهل على المكلف الامتثال بالظاهر حتى يَرِد ما يخالفه ؟
الجواب :
هو مبني على ذلك وهو قول الأشاعرة . والمذهب عندنا وعند المعتزلة المنع، لأنه إذا كان المراد غير الظاهر فالعمل بالمراد مع عدم البيان تكليف بما لا يطاق، وإن قلنا بجواز العمل بظاهره مع تقدير أن المراد غير ظاهره استلزم ذلك تخلفَ مراد الله تعالى، حيث إنه أراد غير الظاهر فعمل هذا بالظاهر .
وعلى كل حال فلا يجوز عندنا تأخير البيان عن وقت العمل، وهو وقت الحاجة إليه . فإن أُخِّر وحضر الوقت علمنا أن المراد الظاهر، إذ لو أراد الله غير ظاهره لبيَّنن . والله أعلم .


مناقشة مانعي النسخ في القرآن

السؤال :
قول من منع النسخ في القرآن ما وجهه ؟ وما يقول في الآيات الناسخِ بعضُها لبعض ؟ وأيضاً ما يقول في قوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلِها }(1) ؟
الجواب :
قائلُ كذلك أحقرُ من أن يُلتفت إليه، فكيف يُلتمس له الحجة ؟!
ولعله يحتج بقوله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }(2) وذلك أن النسخ إبطال . وقد دلّت الآية على نفي الباطل عنه لا الإبطال والفرق بين الإبطال والباطل ظاهر، وذلك إن الإبطال الإضراب عن الشيء، والبطلان كونه باطلاً في نفسه وهو مخالفة الحق.
ولعله يقول في الآيات الناسخ بعضها لبعض أنها مخصصة للسابقة بالزمان الماضي كما نقل عنه أنه يقول بذلك وعليه فيكون قد أنكر التَّسميةَ لا المعنى فإنه يوافق في نقل الحكم الأول إلى حكم غيره لكن لا يسميه منسوخاً بل مُخصَّصاً بالزمان الأول، وذلك إن الأحكام المنسوخة مخصوصة بأوقات معلومة، وبانقضاء تلك الأوقات يكون النسخ . كتخصيص بقاء شريعة عيسى عليه السلام بالزمان الذي بينه وبين بعثة نبينا " .
وهذا المعنى أهون من انكار نفس النسخ وإن كان قوله تعالى :
{ ما ننسخ من آية }
(1) يعارضه، فليس الخلاف في التسمية كالخلاف في المعاني والأحكام . والله أعلم .

وجه القول بنسخ المتواتر بالآحاد

السؤال :
قول من قال يجوز نسخ المتواتر بالآحاد ما وجهه ؟ وهل هذا القول يصح في الرأي أو لا ؟ وكيف ينسخ العلم بالظنّ ؟
الجواب :
ذلك قول لأهل الظاهر، وفي كلام ابن بركة ميل إليه .
وحجتهم على ذلك استدارة أهل قباء في الصلاة حين سمعوا المنادي بتحويل القبلة، وأن النبيّ " كان يرسل الآحاد من الرجال بالأحكام مبتدأة وناسخة إلى أطراف البلدان وسائر النواحي ولو لم يَجُز لهم قبول ذلك منهم لما بعثهم إليهم، وأيضاً لم ينكر على أهل قباء تركهم القاطع لأجل خير الواحد بتحويلها .هذا احتجاجهم على قولهم .
وأقول : إن الظن لا يعارض القطع فضلاً من أن ينسخه، وكيف يبقى الظن مع العلم ؟ وكيف يترك العلم للظن ؟ أما مااحتجوا به فكله خارج عن مـوضع النـزاع وذلك أن النـاسخ في آية القـبلة قولـه تعالى : { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولُّوا وجوهكم شطره }(1) والمنادى مبلغ لهذا الحكم لا ناسخ له، وكذلك الآحاد المرسلون إلى النواحي فإنهم مبلغون للأحكام الناسخة وليس خيرهم هو الناسخ، بل الناسخ ما ثبت به النسخ من كتاب أو سنة وهو قاطع قطعاً فما خبر المبلغين إلا كتعبير المعبرين للفرض اللازم، ولما في القرآن من الأحكام وقد عرفت أن الواحد فيما لا يسع جهلُه حجة، فلا تغفله ها هنا، فإنّ مَنْ عليه فرض لا يعلم وقته أخبره رجل بالوقت كان حجة عليه ولزمه قبول قوله، وليس خبره هو الملزم بل الملزم كذلك ما ثبت من الدليل عن الله تعالى أو عن رسول الله "، وهذا مبلغ لذلك الحكم فكذلك أحوال المبلغين في زمانه " . والله أعلم .

وجه القول بالنسخ بالقياس

السؤال :
قول من قال : " يجوز النسخ بالقياس " ما وجهه مع أن النسخ لا يكون إلا في زمان الوحي ؟ ولم لا يكون النسخ بأصل القياس ؟
الجواب :
الله أعلم بوجهه، وهو قول ضعيف جدًّا، والحق منع النسخ به، والقائل به يحتمل أن يكون أراد أنه يَنسخ النص، لقوله : كما يجوز التخصيص بالقياس يجوز النسخ به، ويحتمل أنه أراد نسخ القياس قياساً آخر، بأن يَظهر للمجتهد قياسٌ يخالف مقتضى قياسه الأول . وكلا الوجهين باطل .
أما الأول فإنا نفرق بين التخصيص والنسخ، وذلك أن التخصيص قصر على بعض أفراده، ودلالة العام على أفراده ظنية، والظنيّ يُخَصَّص بالظن . وأما النسخ فهو إبطال للحكم الأول وذلك يكون بالقاطع وغير القاطع، ولا يصحّ إبطال القاطع بالظنيّ، ولا الظنيّ بظنيّ آخَرَ إلاّ إذا كان أقوى منه أو مساوياً له في الدلالة .
وأيضاً فإن الصحابة كانوا يُقدِّمون العمل بكتاب الله، فإن لم يجدوا فيه حكمَ القضية التمسوه من سنة رسول الله "، فإن لم يجدوه اجتهدوا فيه رأيَهم، كما يدلّ على ذلك خبرُ معاذ وأحوالُ عمر في سؤاله الصحابة عن حفظهم ورجوعه في مواطن عن رأيه إلى المنقول عن رسول الله "
وأما منع الوجه الثاني فلأن القياسَ الثانيَ كاشفٌ لبطلان القياس الأول [وعلته] موجودة من أول مرة لكنها لم تظهر للمجتهد وإنما ظهرت عند ظهور القياس الثاني، وشأن المنسوخ بقاؤه على حكمه حتى يرد الناسخ، فالإبطال في المنسوخ حادث مع ورود الناسخ لا قبله، بخلاف صفة القياس . والله أعلم .

نسخ الفحوى وأصلها

السؤال :
قول من قال : " إن الفحوى لا تُنسخ بنسخ أصلها " ما وجهه ؟ مع أن حكمها لم يثبت إلا من أصلها، وهل تسمى بعد نسخ أصلها (فحوى) على رأيه أو لا ؟ وكذا القول بثبوت (مفهوم المخالفة) مع نسخ أصله ما وجهه ؟ وهل يسمى (مفهومَ مخالفة) أو لا ؟
الجواب :
كل منهما يُسمَّى بذلك قبل النسخ وبعده : أما قبله فظاهر، وأما بعده فباعتبار ما كان، وإن حكمهما باقٍ عند القائل ببقائهما، إذ لا معنى للقول بذلك إلا بقاء الحكم .
ووجهه قوله إن أصل المفهوم من فحوى وغيره دليلٌ على المراد، ولا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء الدلالة بعد ثبوتها . مثال ذلك رجل دَلّ آخر على طريق حتى عرفها، ثم مات الدليل، فإن الدلالة التي حصلت لا ترتفع بموت الدالّ، فكذلك أصل المفهوم من فحوى وغيرها .
على أن الفحوى أشد في الحكم من المنطوق فيمكن نسخ المنطوق لكونه أخف، وبقاء الفحوى لكونها أشد، وذلك كما في قولـه تعـالى : { ولا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما }(1) فإن الفحوى من ذلك تحريم الإيذاء بالضرب والقتل ونحو ذلك، فيصح أن يُنسخ أصلها وهو التأفيف ويبقى الأذاء الشديد على التحريم، إذ لا مانع من ذلك . وإذا ثبت الحكم فلا يرتفع إلا بناسخٍ ينصُّ عليه .
هذا وجه قولهم وهو في الفحوى ظاهر وأما في غيرها فخفى وذلك أنه لم يثبت ذلك الحكم إلا من ذلك الأصل فإذا انتفى انتفى ولا يصح قياسه على الثابت في ذهن المدلول مع ارتفاع الدليل، لأن الثابت في ذهن المدلول علم الدلالة ولا يزول ذلك العلم بزوال المعلم . أما الدلالة المشتملة على الدالّ فإنها تذهب بذهابه، بمعنى أنه لا تتصور دلالة منه بعد موته، فكذلك دلالة الأصل بعد نسخه . والله أعلم .

معنى ايجاب واحد لا بعينه في الأمر التخييري

السؤال :
قول المعتزلة في منعهم ايجاب واحد لا بعينه في مسألة الأمر بأشياء متعددة، كما في كفارة اليمين، قالوا : الواجب جميعُه، مامعنى قولهم بذلك ؟ وكذلك ما معنى قولهم بمنع تحريم واحدٍ لا بعينه ؟
الجواب :
أمَّا الأول فإنهم قالوا فيه : إن الجميع واجب على التخيير، ومعنى وجوبها جميعاً على التخيير أنه لا يجوز للمكلف الإخلال بها جميعاً، ولا يلزمه الإتيان بها جميعاً وإنَّ فعلَ كلِّ واحدة منها موكول إلى اختياره لتساويها في وجه الوجوب .
ودليلهم على ذلك ما قالوه : إن المعلوم استواؤها في تعلق الأمرِ والمصلحةِ بها، بدليل أنه يُعَدُّ ممتثلاً بفعل أحدها، فاستوت في الوجوب على التخيير .
وأوردوا على القول بأن الواجب منها واحد لا بعينه بأن ذلك الواحد لا يخلو : إمَّا أن يكون متعينا في مراد الله تعالى أو غيرَ متعين، فإذا كان متعينا في مراده تعالى كان تكليفُ العبد به تكليفا بما لا يُعلم، وذلك لا يجوز . وإن كان غير متعين في مراده تعالى بل يتعين باختيار العبد لم يخل :
إما أن تكون المصلحة إنما حصلت فيه باختيار العبد إياه فيلزم في كل ما اختاره العبد أن يجزئ عن الكفارة، حتى في الظهار والقتل، لأن المصلحة تحصل فيه عند اختيار العبد . والاجماعُ على خلاف ذلك .
وأما إذا لم تحصل المصلحة فيه باختيار العبد إياه، بل وافق اختياره ما فيه المصلحة، لزم كون المصلحة حاصلة في الثلاث الكفَّارات من قبل اختيار العبد واحداً منها، لأنا علمنا بالشرع إن أيها اختار فقد وافق المصلحة، وأنه لو اختار غيرها لم يوافق ما فيه تلك المصلحة . وهذا واضح كما ترى .
وأما الثاني فإنهم قالوا فيه إن النهي عن أشياء متعددة على التخيير يمكن تصوُّره، ولا يتأتَّى في الامتثال إلا بترك جميع المنهيات، بخلاف الأمر بأشياء متعددة، فإن الامتثال يحصل بفعل واحد منها . مثاله قول القائل : لا تكلم زيداً أو تضرب عمراً أو تكرم خالداً، أو نحو: لا تضرب زيداً أو عمراً أو خالداً، فإن المنهي هاهنا لا يعد ممتثلاً مهما ترك واحداً ولم يترك الآخرَيْن، بل يمتثل بترك الثلاثة جميعاً .
والعلة في ذلك أن النهي عندهم يقتضي قبح المنهيّ عنه، فإذا تعلق بأشياء متعددة تعلقَ القبحُ بجميعها، كان ذلك التعلق بعبارة الجمع أو التخيير، لأن الحكم فيه واحد، وليس التخيير في المعنى وإنما هو تخيير في العبارة، بمعنى أن العبارة تقتضي التخيير لكنه في هذا الموضع لا يمكن، فهو تخيير في الصورة دون المعنى . والله أعلم .


أثر الشروع في فرض الكفاية

السؤال :
قول بعضهم : " إن فرض الكفاية يصير فرض عين بالشروع فيه" ما وجهه ؟ وهل تلزم الإعادة إن شرع فيه ففسد عليه، إن بقي غيره قائماً به ؟ وهل يقدح ذلك في اتفاقهم فيه باجتراء البعض ؟
الجواب :
نعم، يلزمه - على قوله - أن يعيده إذا فسد عليه بعد الدخول فيه، إذ لا معنى لمصيره فرض عين إلا ذلك، ولا يقدح في اتفاقهم المذكور، فإن هؤلاء الشارعين بعضُ الناس، وقد سقط عن غيرهم بفعلهم . والله أعلم .

معنى اثبات القياس للحكم الشرعي

السؤال :
قولهم : " إن القياس مثبت للحكم الشرعي " ما وجهه مع قولهم : " إن الحكم أثر خطاب الله تعالى المتعلق بفعل العباد بالاقتضاء أو التخيير" ؟ ومن المعلوم أن القياس ليس من خطاب الله .

الجواب :
نعم الحكم أثر خطاب الله المذكور، والقياس مثبِت له، لأنه ناشئ عن خطاب الله . وذلك أن القياس على القضية المنصوصة فرع على دليلها النَّاصِّ على حكمها، كقياس الأرز على البُرّ في الربا، فإنه فرع عن قوله صلّى الله عليه وسلّم : " البُرّ بالبُرّ " فالحكم الذي هو الربوية في البُرّ أثر لخطاب الله، وفي الأرز أثر القياسِ على خطاب الله تعالى .
غاية الأمر أنهم لم يريدوا بخطاب الله تعالى نفسَ الدليل المنزَل وإنما أرادوا به كل خطاب صدر من جناب الحق، سواء كان منَزلاً أو غير منزَل، كالسنة والإجماع والقياس، فإن هذه الأشياء قد ثبت اعتبارها من جناب الشارع تصريحاً في مواضع، وتلويحاً في أخرى .
ويمكن أن يقال إن تعريفهم للحكم بخطاب الله تعالى المذكور خاص بخطاب الله المنزل دون غيره على جهة التبيين والتوضيح، ثم يكون حكم غيره من الخطاب الذي اعتبره الشرع حكمه . وهذا الإمكان ينافيه تقسيمهم للحكم المذكور إلى سنة وواجب ظنيّ ومستحب وغير ذلك، فإنهم أدخلوا كثيراً من أحكام السنة والإجماع والقياس تحت تقسيم الحكم .
ويمكن جواب آخر وهو أن يقال إن الحكم ثابت بخطاب الله تعالى في أصله، وإن السنة والإجماع والقياس مظهِرة لذلك الحكم يَدُلُّ على ذلك قولـه تعالى :{ لِتُبَيِّنَ للناس ما نُزِّل إليهم }(1) وقولـه تعالى :
{ لَتُبَيِّنَنَّه للناس ولا تكتمونه }
(2) فمعنى قولنا : إن القياس مثبِت للحكم، أي بحسب الظاهر وإلا فالإثبـات بالدليل الأول، والقيـاس مبيِّن له . والله أعلم .

تخصيص نص القرآن بخبر الآحاد

السؤال :
قولهم : " يجوز تخصيص الكتاب بالآحاد " هل هذا القول مطلقاً في صورة السبب التي نزل فيها العموم وغيرها أو خاص بما عدا الصورة
المذكورة ؟

الجواب :
بل هو خاص بما عدا تلك الصورة، لأن دخول صورة السبب تحت العموم مقطوع بها . وخبر الآحاد ظنيّ، والقطعي لا يخرج بالظني . وقد خُطِّئ أبو حنيفة في اخراجه المستفرشة من قوله " : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " مع أن سبب الحديث ابن أَمَةٍ متسرّاة تُنوزع فيه . والله أعلم .

الوجوب عند الحنفية ومقتضى تركه

السؤال :
مذهب أبي حنيفة أن ما ثبت بدليل ظنيّ يسمى واجباً، كخبر الواحد، ومثّله بقوله " : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " قال : فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة . كيف جعله آثماً بتركها والصلاة لم تفسد ؟
الجواب :
الله أعلم بما أراد من ذلك، والذي يظهر لي من مقتضى مذهبه المذكور ها هنا أن الفساد عنده لا يكون إلا بترك المقطوع به دون الثابت بالدليل الظّني، وإن الإثم يترتب على ترك الثابت بالظنيّ، وهو في غاية الفساد، لأن الصَّحيح من الأعمال لا يؤثَّم فاعله وإنما يؤثَّم على الفاسد المتعمَّد لفساده، وعلى ترك إعادته وقضائه إذا لم يتعمد، والناسي معذور بنسيانه .
فإن قال قائل : إن الإثم عند أبي حنيفة لا يترتب على فعل الصلاة وإنما يترتب على ترك (الحمد) فيها فهما شيئان : يثاب على أحدهما، ويؤثَّم على الآخر .
قلنا : إن قراءة الحمد بعض الصلاة، ولا تصح الصلاة بترك بعضها، فما به الإثم بعض ما به الثواب، فثبت التناقض، وبطل مذهبه. والله
أعلم .

أثر الشروع في المندوب

السؤال :
قول من جوّز ترك المندوب بعد الشروع فيه، ما يقول في قوله تعالى :
{ ولا تُبطلوا أعمالكم }
(
1) ؟ ومن لم يجوّز تركه بعد الشروع فيه ما يقول في قوله " : " الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر " ؟
الجواب :
لعل المجوِّز يقول في معنى الآية أن الإبطالُ فعلُ ما يُبطل الأعمال، من الشرك وكبائر الذنوب، لأنها ليست نصّاً في ترك العمل بعد الدخول فيه وإن تناولته معنى .
ولعل القائل بالمنع يتأول الحديث فيمن عزم أن يصوم شهراً أو أياماً معلومة تطوعاً أنه ليس عليه أن يتم ذلك بل هو أمير نفسهِ إن شاء صام ما نوى وإن شاء أفطرَ لأنه ليس قصاًّ في فطر اليوم الذي شرعَ في صيامهِ . والله أعلم .


خطاب ولي الصبي والمجنون فيما يجب عليهما من حقوق

السؤال :
قولهم : إن وليّ الصبيّ والمجنون مخاطب في حقهما فيما يتعلق من الأحكام بأموالهما، كأداء الزكاة عنهما وإخراج الحقوق إلى أهلها من النفقات وغيرها من اللازمات، أيكون الوليُّ على هذا مخاطَباً بخطابين : أحدهما يخصّه، والآخر يخصّ صبيه أو مجنونه حتى لو ضيع فيهما يكون مستحقا للعذاب من الجهتين ؟ وما بالُهم لم يجعلوا الخطاب متوجهاً إلى الصبيّ حتى إذا بلغ أخرج ذلك من ماله فيكون كالنائم إذا استيقظ، وكالساهي إذا ذكر ؟
الجواب :
هو مخاطَب بخطاب واحد لهذا ولهذا، وليس هو بأشد من تعدد الفروض على الشخص الواحد . نعم، هو نوع منها، والتكليف بالجميع واحد . فلو ضَيَّع فيه استحق العذاب على ذلك وإن ضيَّع في فرضين فأكثر استحق العذاب على تضييع كل فرض من الفروض فهو معذب على تضييع فروضه لا على تضييع فرض صبيه أو مجنونه .
وإنما لم يجعلوا الخطاب متعلقا بالصبيّ لكونه لا أهليةَ له فيخاطَب بذلك، لأن عقله غير تام، وليس هو كالنائم والساهي فإنهما من العقلاء لولا العارضُ فهما داخلان في جملة المخاطبين لوفور عقولهما حال الانتبـاه . والله أعلم .

معنى تعلق الخطاب في الأزل بالمعدومين

السؤال :
قول الأشعرية : " إن الخطاب في الأزل يتعلق بالمعدومين تعلقاً معنوياً " هل يناقضه قولُهم أن لا خطاب قبل البعثة، وكذلك تقسيمهم الخطاب في الأزل إلى أمر ونهي وخبر وغيرها، فما فائدته عندهم قبل وجود الخطاب ؟ وهل يناقضه قول بعضهم : " إن الأمر للفور " ولا مخاطَب حينئذٍ ؟
الجواب :
قد وقعت الأشاعرة من أمر الكلام في عَسْف عظيم وتخبّط هائل، وذلك أنهم لما أثبتوا للكلامِ النفسي معانيَ حقيقةً لزمهم من ذلك ثبوت لوازم الكلام، فلم يجدوا بدّاً من وصفه بالخطاب، وتقسيمه إلى أمر ونهي وخبر واستخبار، إلى غير ذلك من لوازم الكلام . ثمّ سُقط في أيديهم وقالوا : لابد من مخاطَب يتوجه إليه، فجعلوه متعلقا بالمعدوم حال عدمه . ثم عارضتْهم، في استحالة تكليف المعدوم والصبي والمجنون وأشباه ذلك، وصادمتهم البراهين في حدوث القرآن ونزوله في زمانه " فاضطرّوا إلى أن قسموا الكلام قسمين : لفظيا وغير لفظي، وجعلوا اللفظيّ عبارة عن الكلام الآخر الموجود في الأزل على زعمهم، ثم وصفوا هذا اللفظي بأوصاف تناقض أوصاف الأزلية . منها : قولهم إنه لم يتعلق بأهل الفترة وإن الأمر للفور إلى غير ذلك من الأحكام، فتستروا بهذا التقسيم عن ذلك التناقض .
وهو كما ترى ظاهر البطلان لأنه إذا كان المتلو عبارة عن ذلك الأزليّ لزم أن يتفق العبارة والمعبَّر في المعاني وإلاّ لما كان عبارة عنه بل يكون مستقلا بذاته، ويلزمهم أيضا أن يكون قرآن غير هذا القرآن وهو باطل، وأيضاً يلزم أن يكون نبينا " لم ينزل عليه نفس القرآن، بل العبارة عنه والله تعالى يقول : { إنا أنزلناه في ليلة القدر }(1)،
{ وأنزلنا إليك الكتاب أنزلَه بعلمه والملائكةُ يشهدون وكفى بالله
شهيداً }
(2)، { سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين }(3) . والله أعلم .

ادراج القياس في الأدلة مع ظنيته

السؤال :
قالوا عن القياس : تكون دلالته ظنية، وقد جعلوه رابع الأدلة، فما وجه قرنه بالأدلة القطعية مع أنه ظنيّ ؟
الجواب :
مراد الأصوليين بالأدلة ما يشمل القطعي والظني، وليس ذلك مقصوراً على القاطع، وناهيك أن في الكتاب العزيز والسنة النبوية والإجماع أشياءَ لا تفيد إلا الظن، كالأخذ بالظاهر في العموم والإطلاق وخبر الآحاد والإجماع السكوتي، فإن هذه الأشياء لا تفيد إلا قوة الظن بالمراد، ولم تبلغ درجة القطعي، وقد جعلوها أدلة معتبرة وأوجبوا الرجوع إليها عند الحاجة فكذلك القياس . والله أعلم .

ظنية القياس وقطعيته

السؤال :
القياس أيضاً هل هو ظنيّ في جميع الصور أو يكون في بعضها قطعياً ؟ كما إذا كانت العلة منصوصاً عليها وقطعنا بوجودها في الفـــرع ؟
الجواب :
إذا كانت العلة منصوصاً عليها بقاطع ووحدت في الفرع قطعاً، فإن القياس يكون في هذا الموضع قطعياًّ، لإجماعهم أن ما أشبه الشيء فهو مثله، ولم يخالف في هذا أحد فيما علمنا، حتى مانعو القياس لأنهم لا يمنعونه في مثل هذه الصورة، بل يقولون به، غير أنهم يسمونه نصاًّ .
وأما إن ثبت بدليل ظنيّ كالعموم وخبر الآحاد، وظننا وجودها في الفرع دون القطع بذلك، فالقياس لاشك ظنيّ، لأنه تابع لأصله، وأصله ظنيّ فهو ظنيّ . والله أعلم .


اشتراط موافقة العوام في الإجماع

السؤال :
قول من اشترط في صحة الإجماع موافقة العوام للعلماء . ما دليله ؟
الجواب :
دليله قوله " : " لا تجتمع أمتي على ضلالة"، ولفظ (الأمة) يشمل العلماء والعوام .
ومن اعتبر العلماء فقط خصص الحديث بالرأي إذ من المعلوم أن العلماء هم الحجة في هذا الشأن، وليس للعوام يد فيه، فلا معنى لاعتبارهم، وإنما اعتبره أرباب القول الأول لاحتمال أن يكون في موافقتهم سرُّ لا يوجد عند نفورهم، وذلك أن الله تعالى يجمع قلوب الناس على ما يشاء، ففي ائتلافهم جميعاً سرٌّ خفي . والله أعلم .

اجتهاده صلى الله عليه وسلم

السؤال :
اجتهاده " هل هو مخالف لاجتهاد العلماء لأنه لا يصحّ أن يخالَف فيه ؟ أو اجتهاده كاجتهادهم ؟ وما وجه قول بعضهم لا أسلّم أنّ فعل الرسول عليه السلام واجتهاده ليسا بوحي ؟

الجواب :
ليس اجتهاده كاجتهاد غيره، فإن اجتهاده " لا يجوز أن يخالَف فيه، لوجوب اتّباعه على كل أحد، وليس كذلك غيره من العلماء .
وأيضا فقد قال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى }(1) وفي ذلك إخبار عن عصمته وليس لغيره مثل ذلك .
وهو معنى قول ذلك البعض : إن اجتهاده وفعله وحي، غير أنهم قالوا : إنّ الإجتهاد وحي باطن أي شيء يلقيه الله في ذهنه من إرسال مَلَك إليه في الظاهر . والله أعلم .

مفاد (متى) من حيث العموم

السؤال :
من قال : " إن (متى) من صيغ العموم " ما يقول فيمن قال لامرأته : متى دخلتِ الدار فأنت طالق ؟ هل تعم عنده كل زمن أو يقصرها على زمن واحد تطلق المرأة فيه ؟

الجواب :
لعله يقول إنها خاصة بزمان الدخول، فلا تتناول الزمان الذي قيل قبله ولا الذي بعده، فهي بهذا الاعتبار خاصة في زمان واحد لكنه مبهم لا يدرى إلا بعد وقوع الدخول .
وأما القائل بعمومها لكل زمان فإنه إنما أطلق عليها اسم العموم باعتبار صلاحيتها لكل وقت يقبل الدخول، سواء في ذلك الوقت الذي دخلت فيه وغيره، غير أن الطلاق لا يقع إلا بالدخول . والله أعلم .

الفرق بين النسخ بالاجماع والتخصيص به

السؤال :
قولهم لا يجوز النسخ بالإجماع وإن كان بعد وفاته " . ما وجهه مع قولهم بثبوت التخصيص به مطلقاً وما الفرق بين الصورتين ؟
الجواب :
النسخ تغيير للحكم بعد استقراره، ولا يكون ذلك إلا بدليل عن الله ورسوله " .
وأما التخصيص فهو تبيين للمراد من اللفظ، وذلك يقع حتى بقرائن الأحوال . ألا ترى أنه لو قال قائل : " جاء المسلمون " والناس ينتظرون مجيء أعيان مخصوصين فإن السامع العارف بالحال يقضي بأن الجائين هم المنتظرون مع أنهم بعض المسلمين، واللفظ عام كما ترى، فإذا أجمعت الأمة على تخصيص لفظ علمنا أنها عملت بالمراد، سواء نقل إلينا المخصِّص أو لم ينقل . ومن ها هنا أيضا ثبت التخصيص بالمراد . والله أعلم .

تكليف الكفار بالفروع من المنهيات

السؤال :
قول بعضهم : " إن الكافر مكلف بالنواهي الفروعية دون الأوامر " هل عنده أن الإمتثال في النواهي يشترط فيه الإيمان أو لا ؟ وهل بعض النواهي تتوقف على النية التي اشترطها للإيمان ؟ وهل يثاب عنده إذا نوى الامتثال عما نُهي عنه كما أنه يعاقب إذا لم ينتهِ ؟
الجواب :
لا يشترط في ترك المناهي حصول الإيمان، لأن الترك محض وكف وإمساك عن الشيء، وهو حال عدمية لا وجودية، والإيمان يشترط في حصول الأحوال الشرعية فإن انتهى المشرك عن المحرمات لا ثواب له إلا إذا أسلم، فعسى أن يثاب على قولِ مَنْ يقول : إن المصِرَّ إذا فعل الطاعة في حال إصراره يثاب عليها إذا تاب، وأما في حال الإصرار فلا، لأن الله إنما يتقبل من المتقين . والله أعلم .
تكليف المرتد بالفروع

السؤال :
قول بعضهم : " إن المرتد عن الإسلام إلى الكفر مكلف بالفروع لاستمرار التكليف بالإسلام " لِمَ خُصَّ المرتد بذلك من بين سائر الكفرة ؟ وهل عنده أنه لما ارتد انقطع عنه التكليف ؟ فإن كان لا فَلِمَ لم يأمره بإتيانها ؟
الجواب :
عنده أنه لما أسلم أدخل نفسه في الإسلام اختياراً جُبر على الاستمرار على الإسلام وأُخذ بجميع أحكامه، والفروع من جملة أحكام الإسلام فيعاقب على تركها فوق عقاب الارتداد، ولم يأمره هذا القائل بفعلها حال الارتداد لأنها لا تصح في حال المشرك وإنما يأمرونه بالرجوع إلى الإيمان ثم أداء سائر الواجبات .
مثال ذلك تارك الوضوء لا يجبر على الصلاة بغير وضوء بل يؤخذ أولاً بالوضوء ثم بالصلاة لأنها لا تتم بدون وضوء . والله أعلم .

معنى وجوب ما لا يتم الواجب إلا به

السؤال :
قول من قال : " إن الذي لا يَتمّ الواجب إلا به لا يجب مطلقاً " فما يقول في الصلاة إن لم يلتزم المكلف الوضوء عنده، تامَّةٌ أو لا ؟ وهل يلزمه أن يقول : إن الوضوء غير واجب ؟ وما يقول - مثلاً - إذا قال الشارع : اصعد إلى السطح وهو متوقف على السلم، هل يجب عنده نصب السلم ؟ وما يقول في الصعود ؟
الجواب :
أما الوضوء فهو واجب اتفاقا بدليل غير القاعدة التي اختلفوا فيها، وذلك الدليل هو قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا }(1)
الآية . فالوضوء فرض إجماعاً، وهو شرط لصحة الصلاة عند إمكانه شرعاً إجماعاً .

وأما سائر أمثلة السؤال فهي محل النزاع، هل تجب بوجوب المشروط أو لا ؟
واعلم أن ثمرة الخلاف تظهر فيمن ترك الشرط حتى ضاع المشروط، فمن قال : إن الشرط لا يتم بدونه لزم على قوله أن يكون المُضَيِّع للشرط معذباً على تضييع واجبين هما الشرط والمشروط، ومن أنكر وجوبه يلزمه على قوله أن يكون معذباً على تضييع واجب واحد هو المشروط . والله أعلم .

ما لا يتم الواجب إلا به في الشرط الشرعي والعادي

السؤال :
قول بعضهم : " إن الذي لا يتم الواجب إلا به لا يجب إلا إن كان شرطاً شرعياً فإن كان عاديا لا يجب " فهل يصح عنده غسل الوجه بدون غسل جزء من الرأس أو لا ؟
الجواب :
نعم، يصح عنده وعند غيره أيضاً إذا أمكن ذلك، لكنهم متفقون على عدم إمكانه، ومختلفون في وصف غسل ذلك الجزء بالواجب . فالقائل بوجوب الذي لا يتم الواجب إلا به يصفه بالوا جب، والقائل بغير ذلك لا يصفه، فظاهر الخلاف على هذا لفظي لا ثمرة فيه . والله أعلم .

تعارض الخيرين

السؤال :
في جامع الشيخ أبي محمد ما نصه روى عن النبي " أنه نهى عن اختناث الأسقية وروي أنه خنث سقاء وشرب منه وإذا تعارض الخبران ولم يعلم الناسخ منهما من االمنسوخ ولا المتقدم من المتأخر وجب اتفاقهما وكان المرجوع من الاباحة وقوله تعالى : { كلوا واشربوا }(1) اهـ أو ليس ها هنا تعارض القول والفعل وكان الرجوع إلى القول كما قال البدر وان اختلفا فالمختار القول مطلقاً خلافاً لأبي الحسن فقد أشكلت عليّ عبارة الشيخ أبي محمد لقلة فهمي، فضلاً منك بين لنا ذلك .
الجواب :
والله الهادي أن كلام هذا الامام ليس من باب بيان المجمل وإنما هو في الخبرين إذا تعارضا ولم يرجح أحدهما على الآخر وقد جهل التاريخ فيتساقطان على حسب ما صرح به هذا الامام والفرق بين ما إذا تعارضا في بيان مجمل وبين ما إذا تعارضا في غير بيان أنه يجب في البيان ثبوت أحدهما إظهاراً للمراد من المجمل فلو تساقطا لبقي على اجماله فلا يظهر المراد منه والحال أنه قد احتيج إلى العمل به ولا يلزم ذلك في غير بيانه لأن الأصل في الأشياء الإباحة فهي مستصحبة إلا بدليل ينقل عنها ولا دليل عند التساقط .
لا يقال أن كلام هذا الامام في بيان كيفية الشرب من قوله تعالى : { كلوا واشربوا }(1) فيكون من ذلك الباب لأنا نقول ليس الشراب مجملاً فيبين لكنه مطلق فهو على اطلاقه حتى يصح القيد هذا تحرير المقام فيه وبالجملة فتساقطهما مذهب له .
وعندي أن الفعل لا يعارض القول سواء كان في بيان مجمل أو غيره فمتى ما تعارض رجح القول مطلقا هذا ما ظهر لي فتأمله ولا تأخذه إلا بعدله . والسلام .

القياس بين حرمان القاتل من الارث وتوريث المطلقة

السؤال :
توريث المطلقة ضراراً على ما بها من أقوال فإنهم قالوا أنها مقيسة على عدم توريث قاتل من يرثه فالظاهر أن هذا القياس لا يتمشى على جميع الأقوال الموجودة في الأثر في هذه المسألة ثم المتبادر أن بين المسألتين أعني مسألة المطلقة ضراراً ومسألة القاتل مناقضة لأن في الأولى اثبات إرث لغير وارث وفي الثانية عكس ذلك وإن كان القياس فيهما صحيحاً فهل هو من باب تأثير عين العلة في عين الحكم أو تأثير في جنسه فمن أي هذه الأقسام الأربعة ؟ فضلاً منك بايضاح ذلك بكمال التأصيل والتفصيل .
الجواب :
اللهم الملهم للصواب لا يلزم من ثبوت قول بقياس صحيح جريان ذلك القياس في نقيضه من الأقوال لأن لكل قول أصلاً يستنبط منه ويرجع إليه عند الاستدلال المستدل له فلو كان جاريا في جميع الأقوال الموجودة فيها لزم التناقض ولزم أيضا تأثير العلة معلومات متعددة من جهة واحدة وكلا اللزومين باطل ولا مناقضة بين الفرع . والأصل في هذه الصورة في كل منهما تفويت المطلوب للفاعل بيانه أن مطلوب القاتل أخذ الميراث فحرم إياه ومطلوب المطلّق ابقاء المال لورثته فحرم إياه أيضا كذلك فالمقيس على القاتل هو المطلق لا المطلقة فافهم .
وإذا عرفت ثبوت هذا قلنا إن في هذا القياس تأثير جنس العلة في جنس الحكم وذلك أن العلة هنا هي فعل محرم لغرض فاسد كما صرح به البدر عفا الله عنه والحكم حرمان المطلوب للقاتل والمطلّق فالأول وهو الفعل المذكور جنس للعلة لأنه شامل لأنواع منها، والثاني وهو حرمان المطلوب جنس للحكم لأنه شامل لأنواع منه أيضاً لاختلاف المطالب وتنوعها . هذا ما ظهر لي والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .

حصر وظائف المعترض في المناظرة

السؤال :
حصر علماء الآداب النظرية وظائف المعترض في ثلاثة أشياء المناقضة والنقض الاجمالي والمعارضة أهذا الحصر عقلي أم لا ؟ فإنه قد يتصور له وظائف أخر كبيان فساد مقدمة معينة بدليل أو تنبيه فينتقض الحصر وما الفرق عندهم بين السند والشاهد ؟

الجواب :
ذلك الحصر استقرائي لا عقلي ومع ذلك فهو غير منتقد بما ذكر لدخول التنبيه تحت المناقضة عند من أثبت عليه المناظرة وكذلك فساد مقدمة معينة بدليل كيف لا والجمهور اشترطوا التعيين في المقدمة المنقوضة
وأما السند والشاهد فهما مترادفان عندهم وكذا المستند كما أشار إليه شارح رسالة الكلنوبي لكنه قال في الشاهد أنه أضعف استعمالا أي من الآخرين .
هذا وإذا استقريت كلامهم رأيت بينهما فرقا فانهم يطلقون الشاهد على دليل الأبطال والسند على ما بني عليه المنع سواء كان في نفس الأمر كذلك أو في زعم السائل هذا ما ظهر لي والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والسلام .

تفسير العلة والسبب والشرط

السؤال :
العلة والسبب والشرط والملزوم هل هي مترادفة أو مشتركة أو متواطئة أو مشككة فإنها ربما تواردت على شيء واحد كقولهم كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً فطلوع الشمس بالظاهر يصح أن يكون سبباً وعلة وشرطاً وملزوماً لوجود النهار .
الجواب :
إن العلة والملزوم قد يتحدان في الماصدق ويختلفان في الاعتبار كطلوع الشمس لوجود النهار فإنه إنما سمّي ملزوماً باعتبار لزوم غيره له وعلة باعتبار تأثيره في لازمه وقد يختلفان ذاتا واعتباراً كالدليل فإنه ملزوم للمدلول وليس بعلة له في اصطلاحهم فتلخص من هذا أن بين العلة والملزوم عموماً وخصوصاً مطلقاً فكل علة ملزوم ولا عكس وأما العلة والسبب والشرط فلا ترادف بينها ولا تواطؤ بينها ولا تشكك ولا اشتراك .
نعم إن النحاة والحكماء لا يفرقون بين العلة والسبب فهما عندهم مترادفان والفرق بينهما في الشرع من وجهين أحدهما أن السبب ما يحصل الشيء عنده لا به والعلة ما يحصل به . والثاني المعلول يتأثر عن علته بلا واسطة بينهما ولا شرط يتوقف الحكم على وجوده والسبب إنما يفضي إلى الحكم بواسطة أو بوسائط ولذا يتراخى الحكم عنه حتى توجد الشرائط وتنتقي الموانع وأما العلة فلا يتراخى الحكم عنها إذ لا شرط لها بل متى وجدت أوجبنا معلولها بالاتفاق وما يفضي إلى الشيء إن كان إفضاؤه داعياً سمي علة وإلا سمي سببا محضاً كذا قال أبو البقاء وهو موافق لأصول الحنفية .
وإذا تأملت أصول أصحابنا والشافعية رأيت أن بين السبب والعلة عموماً وخصوصاً مطلقاً لأنهم لا يشترطون في العلة التأثير كما اشترطته الحنفية فكل علة عندنا سبب ولا عكس .
وأما الفرق بين السبب والشرط فالسبب ما يكون وجود الشيء موقوفا عليه كالوقت للصلاة والشرط ما يتوقف وجود الشيء عليه كالوضوء للصلاة فطلوع الشمس علة لوجود النهار وملزوم له ولا يسمى سببا ولا شرطا إلا من حيث اللفظ فإن اللفظ في المثال المذكور شرط نحويّ ومنطقي وسبب لغوي هذا ما ظهر لي وفيه زيادة تفصيل لا يليق بالمقام والله أعلم فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله والسلام .

القسمة بين نسب الكليات

السؤال :
القسمة بين نسب الكليات أعني النسبة بين كل كليتين عينين أو نقيضين إذ بين نقيض كل وعين كل وهل لتلك القسمة حصر ؟ وما وجهها ؟ وما الفرق بين التباين الجزئي وبين التباين الكلي ؟ وما النسبة أيضا بين عينيهما وبين نقيضيهما وبين عين كل منهما ونقيض الآخر ؟ فضلاً بالتقسيم التام والتفصيل الكامل مأجوراً مشكوراً .

الجواب :
أقول : أما قوله ما تقوله في القسمة بين نسب الكليات إلى قوله إذ بين نقيض كل وعين كل فهو كلام مضطرب والسؤال المضطرب ساقط الايجاب عنه كما قيل :

أسقط سؤالا إن أتى خمس : به


تناقض، أو جاء باضطرابه

اثـبات، أو جمع ســؤالين معـا،


أو كـونه من المحال وقعــا

ووجه اضطرابه أن السائل سأل فيه أولا عن قسمة نسب الكليات ثم فسره بقوله أعني النسبة الخ فهو إما أن يكون تفسيراً للقسمة فيلزم عليه تفسير الشيء بمباينه وإما أن يكون تفسيراً للنسب فيلزم عليه ادخال الأعم وهو الجمع في الأخص وهو الإفراد وكلا اللزومين باطل اللهم إلا أن يقال أنه اعتبر اضافة النسبة إلى ما بعدها فتعدد بتعداد المضاف إليه فيكون تفسيراً للشيء بإزائه وعليه فلا أعرف هذه القسمة المطلوبة ما هي .
ثم إنه إن أراد بالكليات القضايا الكليات فتحتاج إلى بيان يدل على أنها المراد وإن أراد به الكليات الخمس ينافيه قوله كل كليتين فإنه يقال في التنبيه منهما كليين لا كليتين وكذلك قوله إذ بين عين كل ونقيض كل لأنه إما أن تكون إذ للتعليل فتحتاج إلى معلل وهو هنا غير مذكور وإما أن تكون ظرفية وبين ماض مبني للمفعول فلا فائدة في ذكره .
هذا ما ظهر لي فيه بعد تأمل وقد طالما حاولت توجيهه على وجه مستقيم فنبني الجواب عليه فأبى علينا إلا الاضطراب فإن شئت له جوابا فأصلحه حتى يخرج من حيز السواقط وصرح فيه بالمقصود .
وأما قوله وهل لتلك القسمة من حصر وما وجهها فهو مبني على ما تقدم يصلح بصلاحه ويفسد بفساده .
وأما قوله وما الفرق بين التباين الجزئي وبين التباين الكلي فجوابه أن التباين هو ما إذا نسب أحد المتباينين إلى الآخر لم يصدق على شيء مما صدق عليه الآخر أصلا كالإنسان والفرس ومرجعهما إلى سالبتين كليتين والتباين الجزئي وهو ما إذا نسب أحد الشيئين إلى الآخر صدق على ما يصدق عليه في الجملة وبينهما العموم والخصوص من وجه كالحيوان والأبيض ومرجعهما إلى سالبتين جزئيتين وأما النسبة بين عينيهما الخ فالله أعلم به والسلام .

معارضة القياس للخبر الآحادي

السؤال :
هل يصح معارضة الحديث بالقياس فإن كانت تصح فاهدنا حيثية
صحتها ؟ وإلا فما توجيه كلام الإمام صاحب الايضاح حيث قال وقد ذكر الخلاف في أكل لحوم الجلالة وسؤرها وسبب الخلاف معارضة الحديث والقياس وذلك أنه روى عنه
" نهى عن أكل لحوم الجلالة وألبانها وأن يحج عليها والقياس هو أن ما يرد جوف الحيوان ينقلب إلى ذلك الحيوان وسائر أجزائه الخ اهـ كلامه بين لنا مأجوراً إن شاء الله .

الجواب :
تصح معارضة القياس للخبر الآحادي دون المتواتر والمستفيض المتلقى بالقبول، لأن كل واحد من القياس وخبر الآحاد ظني الدلالة والظني، يعارض الظني فهذه حيثية معارضة القياس للخبر وإذا وقعت المعارضة بينهما فهنا وقع الخلاف في ترجيح أيهما على صاحبه فرجح قوم الخبر على القياس وآخرون القياس على الخبر .
وفصل قوم بين ما إذا كانت العلة مقطوعاً بوجودها في الفرع وبين ما إذا كانت مظنونة الوجود فرجح القياس في الصورة الأولى وتوقف في الثانية والله أعلم .

تحقيق مقولة عدم التكليف بما لا يطاق

السؤال :
هل يصح أن يعد ما قالته المعتزلة من أن الله لا يكلف العباد ما لا يطيقونه وليس هو في وسعهم لقبح ذلك في العقل رأياً حسناً فلا يخطىء من قال به لا على سبيل الدينونة أم لا ؟
الجواب :
إن ما قالته المعتزلة من التعليل لمنع تكليف الله العباد ما لا يطيقونه مبني على قاعدة لهم فاسدة خرجوا بها عن الوفاء بالاسلام هي تحكيم العقل على الشرع فلا يرد الشرع عندهم بما يخالف العقل أصلاً فجعلوا العقل قاضياً على الشرع يقبلون منه ما خالفه .
وقد فرعوا على هذه القاعدة فروعاً منها ما ذكرته في قولهم أن الله لا يكلف الناس ما لا يطيقون لقبح ذلك في العقل والرب تعالى منزه عن القبيح فوجب أن لا يفعل ما هو قبيح ونحن نقول أنه ليس شيء من أفعاله تعالى قبيحاً لأنه لا معارض له في فعله ولا مناد فجميع أفعاله تصرف في ملكه والمتصرف في ملكه مع عدم المعارض له لا يقال أنه فعل قبيحاً لأن القبح والحسن إنما هما باعتبار مخالفة الأمر والنهي وموافقتهما والرب تعالى لا يصح أن يكون مأموراً ولا منهياً .
وعلى هذا فلا يجوز أن يكون ذلك التعليل اجتهادياً لما ترى من فساد أصله الذي بني عليه نعم لو قال به محق يخالف المعتزلة في اعتقادهم أن الحكم للعقل لا للشرع وأن الشرع مؤكد لما في العقل ومبين لما خفي عليه فلا يخطى لذلك التعليل ما لم يعتقده دينا والله أعلم .

تكليف العباد ما لا يطاق

السؤال :
هل يجوز أن يكلف الله العباد ما لا يطيقونه أم لا .
الجواب :
إن ما لا يطاق أنواع :
منه ما يخرج عن طوق البشر لاستحالة وجوده لذاته كالتكليف بجمع الضدين .
ومنه ما يكون ممكنا في ذاته لكن للعبد فيه مشقة عظيمة كازالة الجبل والصعود إلى السماء .
وكلا النوعين يجوز التكليف به في حكمة الله عند الأشاعرة وبعض متأخري أصحابنا ومنعته المعتزلة وجمهور أصحابنا لأن التكليف بما لا يطاق عندهم من العبث والرب تعالى يستحيل عليه العبث فلا يجوز في حكمته وأجيب باحتمال أن يكون كلفهم بذلك اختباراً فيثيب الممثل على تهيئه للامتثال ويعاقب من لم يتهيأ منهم لذلك ولاحتمال أن يخرق لهم العادة في فعل بعض ذلك فلا عبث ولا استحالة .
ومنه ما يكون ممكنا في ذاته وليس في تحصيله مشقة للمكلف لكن علم الله تعالى أنه لا يقع منه فوجوده منه مستحيل . ومثلوا لذلك بتكليف من علم الله أنه يموت على الكفر بالإيمان فهذا النوع جائز التكليف به باجماع الأمة إذ ليس علمه تعالى هو المانع من تحصيل ذلك الفعل من المكلف به لكن علم الله تعالى متعلق بالأشياء كلها فليس علة ما وجد منها علمه بوجوده ولا علة لما لم يوجد منها علمه بعدم وجوده فتفطن لهذا المعنى فإنه دقيق والله أعلم .

تعلق التكليف بكل عاقل

السؤال :
هل يتعلق التكليف بكل عاقل أم لا ؟ فإن قلت نعم لزم عليه لازمان أحدهما تكليف الصبي العاقل وهو خلاف المذهب لحديث " رفع القلم عن
ثلاثة " منهم الصبي وثانيهما كون العقل حاكماً إذ به ثبت التكليف فكأنه هو الذي أثبته وأنتم لا تقولون به وإنما هو مذهب المعتزلة .

الجواب :
كل عاقل مكلف باجماع الأمة لكن لا يكون العقل عقلاً صالحاً لأن يناط التكليف به إلا إذا بلغ حداً يعلمه الله تعالى وقد خفى علينا غاية ذلك الحد فنصب لنا ربنا عز وجل علامة تدل عليه هي البلوغ فالصبي وإن كان له من العقل ما يظن معه أنه بلغ الرتبة القصوى من رتبة العقلاء لا يكون عقله صالحاً لاناطة التكليف لما علم الله .
وفيه خلاف لجماعة من الماتريدية قالوا بتكليف الصبيّ بمعرفة الله إذا عقل ولا يلزم من جعل العقل علة للتكليف كونه حاكما به وإلا للزم أن يكون كل علة لشيء حاكما به وهو باطل لأن الحاكم بالشيء هو غير علته والله أعلم .

معنى العلة ومعنى الحاكم

السؤال :
ما معنى العلة وما معنى الحاكم ؟
الجواب :
إن العلة هي ما يوجد بوجوده الموجود وينعدم بانعدامه كالشمس علة للنهار يوجد بوجودها وينعدم بانعدامها والحاكم هو فاعل الحكم للشيء أي هو الذي أثبت للأشياء الأحكام وهو الرب عز وجل لأنه هو الذي حكم في الأشياء بما أراد منها فلا حكم لسواه خلافا للمعتزلة القائلين بتحكيم العقل حتى غَلَوا في ذلك وجعلوا العقل حاكما على الله عز وجل حيث أوجبوا عليه مراعاة الصلاحية والأصلحية والله أعلم .
قال السائل :
قلت هذه العلة العقلية فما العلة الأصولية ؟
الجواب :
إن العلة الأصولية هي وصف ظاهر منضبط مناط للحكم كالاسكار لتحريم الخمر فالأسكار وصف ظاهر أن تأثيره ظاهر في معلولاته منضبط أي غير مضطرب وقد علق به حكم التحريم فحيثما وجد الاسكار وجد التحريم .
وبين العلة العقلية والعلة الأصولية فرق من وجوه تعلم بالاطلاع على الكتب الأصولية والله أعلم .

hg[.x hgsh]s-tjh,n Hw,g hgtri Hs,H hg[.x hgsh]stjh,n hgtri





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس