منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الدليل والبرهان الجزء الاول
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً




فإن قال قائل : إذا ثبت وتقرر وجود ذات الباري سبحانه بالدليل ، فما مذهبكم فيالصفات التي ادعيتم ، ولن يخلو قولكم من أحد ثلاثة أوجه :

إما أن تبطلواوجود الصفات ألبته ، لئلا تجعلوا مع الله إلها آخر ، فتكونوا من المبطلين المعطلين .

وإما أن تثبتوها محدثة كائنة بعد إذ لم تكن ، فيكون الباري سبحانه بعكسها، فيتصف بالموت قبل الحياة وبالجهل قبل العلم ، وبالعجز قبل القدرة ، وبالكره قبلالإرادة ، وبالجمادة قبل الرضى والسخط ، سبحانه .

أو تثبتوها معاني غير الله، وقديمة غير محدثة . كما قدمنا .

قلنا وبالله التوفيق : إما إبطالها بعد ماتقرر الدليل ولاح السبيل ، فلا .

وأما إثباتها محدثة كائنة بعد إذ لم تكنويتصف الباري سبحانه بعكسها ، فلا سبيل إليه .

وأما إثباتها أنها أغيار للهقديمة معه ، فلا سبيل إليه .

وهذه الأوجه الثلاثة مستحيلة ، وذلك أنه حكمفتحكم حين خص ولم يعم ، وأغفل الوجه الرابع .

وفي التقسيم توصيم ( عيب وعار ( 1 ) ) ولاسيما في الكاف والميم ، وسيأتي الفصل على دنادن الظلم فتنثلم بإذن اللهتعالى ، وذلك عادة الله في الحق والباطل ، إذا جاء الحق زهق الباطل إن الباطل كانزهوقا .

فإن قال قائل : فما الوجه الرابع ؟

قلنا – وبالله التوفيق : إن صفات الباري سبحانه ليس هناك معنى غيره ، أو شيء يلازمه أو يفارقه .

فقولنا : الله تعالى موجود إثباته ، ليس هناك وجود غيره يخالفه أو يوافقه .

وقولنا : الله حي ، إخبار عن الذات أنها ليست بميتة ، وله التصرف في الغير .

وقولنا : الله قادر ، إخبار عن الذات أنها ليست بعاجزة ، ولا يعوزها شيء .

وقولنا : الله مريد ، إخبار عن الذات أنها مكرهة ، ولا يفوقها شيء .

وكذلك سائرها . وليس في إن نفينا عن الذات هذه الأمور ما يقتضي أن معهاشيئا غيرها يقاومها فيضاهيها ، أو شيئا غيرها تستعين به ويكون جزءا منها ، وذلكمحال في ذات الباري سبحانه .

فالقديم : من سبق الحدث والعجز والحاجة وجوده .

فمن حصل اسم القدم له ، حصلت له الألوهية والصفات الكاملة ، وذلك عن غيرالله منفي ، ولا قديم إلا الله ، ولا إله إلا الله ، واستأثر الله بالكمال ولم يبرأالغير من النقصان ، ونضرب في ذلك مثلا : رجلا قاعدا في موضع من المواضع ، تختلف فيهعليه الأشياء من بين مار بين يديه وآخر من خلفه وآخر فوقه وآخر تحته ، وليس فياختلاف هذه الجهات ما يقتضي اختلاف ذات الإنسان ، وربما يتوهم التعمي علينا ،فيقسمه تقسيما ، فيجعل الرأس ناحية والرجلين ناحية والجنبين ناحية .

واعلمأن غرضنا الذات ، واعلم أن من جاز بين يدي إنسان ، فقد جاز عليه كله ، وكذلك سائرالجهات .

وليس إن اختلفت النسب إلى هذه الجهات ما يقتضي الاختلاف في الإنسانفهو أولا إنسان وآخرا إنسان .

وإن ألتبس الأمر مع هذا أوقع الكلام على جزءمن الغرض ، ومن وراء ذلك المرآة ، فإن الصور تنطبع فيها وليس ذلك بمؤثر في ذاتها أوناقص أو زائد فيها ، ولله المثل الأعلى ، وهذا معتقدنا في إلهنا .

ولنرجعإلى معارضتهم إيانا في الصفات .

فإن قالوا : إذا زعمتم أن الذات واحدة وأنصفاتها هي ، ما تقولون فيمن خلقه الباري حيا ثم مات ، أو ميتا ثم حيي ، أيعلم بواحدعلمه أو بعلوم كثيرة ؟

فإن قلتم : بعلم واحد ، فقد جعلتم الحي ميتا والميتحيا .

وإن قلتم : بعلوم كثيرة ، فقد أثبتم قدماء كثيرة .

وإن قلتم : علمه بلا علم وقعتم في المحال .

قلنا – وبالله التوفيق : إن الله تعالى علمالحي منا في حين حياته ، ثم علمه في حين موته ، ووقع التفاوت بين الحالتين لا بينالعلمين ، كما أن الذات التي علمتها ميتة ، هي الذات التي علمتها حية ، فما قلتم فيالعالم ، قلنا في العلم ، ونعكس عليهم المسألة .

فإن قالوا : بعلم واحد ،لزمهم أن يجعلوه حيا ميتا موجودا معدوما .

وإن قالوا : بعلوم كثيرة على عددأجزاء الخليقة ، فقد أثبتوا قدماء كثيرة مع الله في الأزل .

فإن قالوا : علمها بلا علم . وقعوا في المحال ، ولا سبيل لهم ولا مخرج لهم إلا السبيل الذيسلكنا .

وكذلك القول في سائر الصفات ، من القدرة والإرادة والسخط والرضى .

واعلم أن الأشياء تختلف بالأعيان والأزمان والمكان ، وتقع النسبة إليها منجهة العلم نسبة واحدة ، ومن جهة القدرة وغيرها نسبة واحدة ، ومن جهاتها مختلفة ،وليس ذلك بضائر الذات شيئا .

وكذلك لو علم رجلان شيئا واحدا والشيء على حدتهوالعالمان اثنان ، أو علم رجل شيئين ، على أنا لا نثبت مع الباري سبحانه علما غيرما يقع التطالب والتخاطب عليه .

فإن أبوا أن يثبتوا معاني قديمة غير اللهقلنا : ( أئفكا آلهة دون الله تريدون ، فما ظنكم برب العالمين) .

فإن قالوا : إنكم أبطلتم المعنى المعقول في لغة العرب : إنهم إذاوصفوا إنسانا بالشجاعة أو الجبن أو بالسخاء أو البخل أثبتوها صفات غيره
.

قلنا لهم وبالله التوفيق :

إن العرب إذا وصفت شيئا بصفة إنهميتوجهون إلى معنى تلك الصفة ، وليس في صفاتهم ما يقتضي في لسانهم ، أنها هي هو أوغيره ، وإنما تدرك معرفة ذلك من وجه آخر من طريق من نظر في ذوات العالم ، وعلى أنالجسمية صفة الجسم ، وليس في ذلك ما يقتضي أنها غير الجسم ، وكذلك العرضية للعرضوالخلق صفة الخلق ، وهي هو .

-----------------------
(1) لعل ما بين القوسين ليس من عند المؤلف وإنما هو شرح من الناسخ أوالناشر للطبعة البارونية ( مراجع ط 2 )
















ذكر ما عارضنا به القوم والرد عليهم
اعلم أن القوم عارضونا بخمس هنات :

أولها : قالوا إذا زعمتم أن الذاتواحدة ذات الباري سبحانه ، وأن صفاته هي هو ، علم الله هو الله ، وقدرة الله هيالله ، في أمثالها .

والثانية : إن أجزتم هذه فقولوا : الله هو العلم ،والله هو القدرة ، في أمثالها .

والثالثة : وقولوا : إن العلم هو القدرة ،والقدرة هي العلم ، أو غيرها ، في أمثالها .

والرابعة : أن معنى علم هو معنىقدرة ، ومعنى قدرة هو معنى علم ، أو غيرها ، في أمثالها .

والخامسة : أن هذهالصفات التي ذكرتم ثم وصفتم الله بها ، لا تخلوا أن تكون معنى أو غير معنى .

فإن كانت معنى ، فهو ما قلنا .

وإن كانت غير معنى ، فقد وصفتم اللهتعالى بغير معنى .

الرد عليهم وباللهالتوفيق

الأولى : أما قولهم : في علم الله أنه الله أو غيره ، فإنبعض أصحابنا يطلقون على صفات الله أن تقول : هي هو ، فتقول : علم الله هو الله لاغيره ، وقدرة الله هي الله لا غيره .

والأحسن عندي أن نقول : ليس هناك شيءغير الله.

وأما الثانية : أن تقول : الله هو العلم ، أو تقول : الله هوالقدرة . العم أن اللغة منعت من إطلاق ذلك ، ولولا ذلك لما كان به بأس ، وقد جاء فياللغة إطلاقة في بعض الأسماء كقولك : الله الرب ، والله العدل ، والله الوتر ،والله هو الحق المبين
.

وأما الثالثة : أن العلم هو القدرة والقدرة هي العلم، وهذا ممنزع من جهة التخاطب واللغة ، ولو أطلقه إنسان لما جاوز خطؤه اللغة ، وهوأحسن حالا ممن أخطأ في ذات الباري سبحانه .

وأما الرابعة : فالقول فيهاكالقول في الثالثة ، هو ممنوع من جهة اللغة والتخاطب بين الناس .

وأماالخامسة : فإنا نمتنع من أن نجعل صفات الباري سبحانه معاني ، لما يتوهم علينا منالغيرية ، وقد أطلقت اللغة الصفات العلى والأسماء الحسنى .

فإن قالوا : يعلمنفسه أو لا يعلمها ؟

قلنا : يعلمها ولا نقول لا يعلمها .

فإن قالوا : يقدر على نفسه أو لا يقدر عليها ؟

قلنا : لا يجوز يقدر على نفسه ولا لايقدر عليها .

فإن قالوا : يريد نفسه أو لايريدها ؟

قلنا : الجوابفيها كالجواب في التي قبلها ( 1 ) .

واعلم أن القوم إنما ذهب بهم خصلتان : إحداهما اللغة ، وذلك أنهم نظروا إلى تقاسيم الأسماء والأفعال والحروف في اللغة ،فكل لفظة تقتضي معنى في الأجسام وحركاتها ، فانقسمت أقساما كثيرة من أجل الأجساموالأزمان والمكان ، فتحولت عينهم ، فذهبوا ذلك المذهب في خالق الأنام ، ونظروا إلىقولهم علم ويعلم وسيعلم علما وعالم وعلام وعليم . وقالوا : لابد لهذه التقسيمات أنتقتضي معاني متفاوتة حتما ، واضطرهم الدليل المثبت للألوهية إلى أن يقولوا بقدمها ،ونسوا ما ذكروا به من قبل أن الله ليس كمثله شيء ، فشبهوا الذات التي لا تتجزأ ولاتحلها الأعراض بالأجسام التي تتجزأ وتحلها الأعراض ولم ينظروا بعين الحقيقة إلى منهو فوق المكان والزمان ولم يشبه شيئا من الأعيان ، ولم يراعوا سهام الزمان

والمكان التي تجري على الأعيان دون القديم الذي كان قبله .
وسهم العين : الموجود والشيئية والذات والمعنى والإثبات .

وسهم الأمكنة : فالجهات الست : أمام وخلف وفوق وتحت ويمين وشمال .

وسهم الأزمنة : كالآن واليوم وأمس وغداوالشهر والعام وقابل وقاب وقباقب ( 2 ) .

الذي يظهر في الأعيان أن يكونالمقتضى واحدا وإن اختلفت الألفاظ ، فيكون إخبارك عن ذات الباري سبحانه هو الإخبارعن شيئيته وعن عينه ومعناه ، وإن اختلفت الألفاظ ، فليس في ذلك ما يقتضي الغيرية .

وأما سهم المكان : فاختلاف الأمكنة لا يوجب اختلاف الذات ، وكذلك فيالأزمان ، لاسيما في الواحد لا يتجزأ .

والخصلة الثانية : أنهم ذهبوا فيإلههم مذهبهم في أنفسهم وحصروه إلى أوهامهم واعتقدوا أن ذلك إثباته لا إبطاله ، وأنخلاف ما تذهب إليه الأوهام إبطال ، وآمنوا بالوحدانية لفظا وأغفلوها في المعنى حفظاوعجزوا عن قول الصديق – رضي الله عنه – ( العجز عن درك الإدراك إدراك ) وقالوا هم : العجز عن درك الإدراك هلاك .



-------------------------------------------------------
( 1 ) أي أن هذه أمور لا نعرف حقيقتها فهي من العلمبالذات الإلهية الذي يقصر دونه الخلق ( مراجع الطبعة الثاني )
( 2 )
قباقبالعام الذي يلي العام المقبل . ( مراجع الطبعة الثانية )









ذكر من قال في القرآن بغير الحق والرد عليه
الرد عليهم في نفيهم خلق القرآن

فإن قالوا : فلم قلتم إن كلام الله وأمرهمنهيه والقرآن ليست بصفة الله تعالى في ذاته ، ولا هو قائم بذاته؟

قلناوبالله التوفيق :

لما تقرر أن الحي مرتبط بأوصاف غير منفك له عنها ، وأثبتناالباري سبحانه أنه الحي الفعال ، فثبت وجوده وحياته وعلمه وقدرته وإرادته ورضاهوسخطه وفعله ، ولكل كلام مقدمات سوابق ولواحق .

فمقدمات الألوهية : الوجود ،ولواحقها الأفعال ، والوجود والأفعال ليست بصفة ، لأن الوجود إثبات والفعل حودث ومابينهما فصفة .

فاستحال أن يكون الحي ولا علم ولا قدرة ولا إرادة ، والإرادةولا قدرة ، والقدرة ولا علم ، والعلم ولا حياة .
فأثبتنا حيا عالما قادرا مريداراضيا ساخطا لم يزل ، إذ لو حدثت الحياة لكان قبلها ميتا ، ولو حدث العلم لكان قبلهجاهلا ، ولو حدثت القدرة لكان قبلها عاجزا ، ولو حدثت الإرادة لكان قبلها مستكرها ،ولو حدث الرضى والسخط لكان قبلهما جمادا بليدا ، فمن أين ارتبط الكلام بالحي ، لاارتباط له به .

فإن قالوا : لاستحالة حدوث الكلام لكان أخرس قبل حدوثه ،والخرس ضد الكلام ونقيضه .

قلنا وبالله التوفيق :

إن هذا الحكم وهذاالتحكم لا يلزم ، لأنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا لا أخرس ، ليس كالعلم ، لأنمن لم يكن عالما فهو جاهل ومن لميكن قادرا عاجزا ، ليس الخرس بنقيض الكلام بلالسكوت نقيضه .

ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل ، لأنه لو أحدث الله الخلقلكان قبل حدوثه عاجزا ، ويلزمهم أيضا أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمةبالذات كالكلام ، ولعمري لهو أشبه بمذهبهم .

وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق ،فليس الخرس بنقيض الكلام ، غير أن الخرس زمانه لا يستقيم معه الكلام ، وكذلك العجزآفة لا يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة ، وقد يكون الحي ساكتا لا متكلماولا أخرس ، وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أوساخط ؟ فهاتيك مهما انخرمت منها صفة الحياة وليس ذلك في الكلام البتة . والله وليالتوفيق .

والدليل على خلق القرآن ، لأهل الحق عليهم أدلة كثيرة .

وأعظمها : استدلالهم على خلقه بالأدلة الدالة على خلقهم هم ، فإن أبوا منخلق القرآن أبينا لهم من خلقهم ، وقد وصفه الله – عز وجل – في كتابه ( وجعله قرآنا عربيا) مجعولا منزلا مسموعا بالآذان ، مقروءابالألسن ، وكتوبا في المصاحف وفي قلوب الذين أوتوا العلم ، وليس لهم معول بعدالعثور إلا الاعتذار بالغرور ، وذلك أنهم نصبوا للكلام وللأمر والنهي هيولا خيولاغير القرآن ، وهي العبارة عن القرآن ، فما حاججناهم به من صفات الخلق الموجود فيالقرآن قالوا : صدقتم غير أن ذلك يتوجه إلى العبارة عن القرآن لا نفس القرآن .

قلنا لهم : إن الله تعالى يقول : ( إنا جعلناه قرآناعربيا) .

قالوا : العبارة عنه
.

قلنا لهم : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) .

قالوا : العبارة عنه
.

قلنا لهم : قال الله – عز وجل - : ( إنا إنزلناه في ليلة مباركة) (إنا أنزلناه فيليلة القدر) نزل به الروح الأمين ) ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمةللمؤمنين ) .

قالوا : العبارة عنه .

قلنا لهم بعد قوله – عز وجل : ( أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) .

قلتم : العبارةعنه لا هو . فمن يشهد لكم بهذا ، بعد أن رددتم شهادة الله _ عز وجل – وشهادةالملائكتة
.

فيا سبحان الله من قوم أنكروا نزول القرآن مثل أهل الأوثان ،ولو عرضوا بمثل ما هم فيه بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبجبريل الروح الأمين أنهلم ينزل به جبريل على قلب محمد عليه السلام ، وإنما نزل بالعبارة لا القرآن ، وخيالجبريل هو الذي نزل على خيال محمد عليهما السلام ، ولم ينزل علينا نحن أيضا القرآنوإنما نزل علة خيالنا ، وقوله : ( وكذب به قومك وهو الحق) وإن القوم ما كذبوا بالقرآن وإنما كذب خيالهم لا لعبارة وهو الحق ، فليس القرآن فينفسه بحق وإنما العبارة عنه هي الحق وهي التي كذب خيال القوم وظلالهم .

فمنكان بهذه الصفة ، فليسوا بالعقلاء الذين يخاطب الله – عز وجل – أمثالهم ، إلا أنتجاهلوا تعمدا .












ذكر المن والفضل والعدل والإحسان ومن قال إنها من صفات الله
وأما قولهم : إن المن والفضل والعدل والإحسان من صفات الباري سبحانه .

اعلم يا أخي أن الله تبارك وتعالى خالق لم يزل ، وفاعل ومثيب ومعاقب ومحييومميت ومان ومنعم ومحسن وعادل لم يزل ، فإن كان مرادهم فهو جائز ، وهذه أسماؤهوصفاته ، وإن كان مرادهم أن المن نفسه والفضل والعدل والإحسان صفات لله تعالى ،فليلحقوا بها الخلق والرزق والفعل وجميع المحدثات . ولا يقولها مرشد .

فإنقال قائل : ولم أجزتم عليه خالقا ورازقا لم يزل ؟ ... وهل الخلق والرزق موجودان فيالأزل ؟

قلنا وبالله التوفيق :

إن الأسماء لا تقتضي الأوقات ،والفاعل يصلح اسما لما يأتي ولما مضى ولما أنت فيه ، هذا رجل حاج يريد يحج ، وهذاحاج مشتغل بالحج ، وهذا حاج على أنه سيحج .

فمن امتنع عن هذا فقل : كابر عنفعل خليل الله – عز وجل – صلوات الله عليه وسلامه ( هو سماكمالمسلمين من قبل ) . فمن لم يدخل في تلك التسمية لم يدخلها بعد ، والسلام .

والعجب كل العجب من هؤلاء القوم إنهم يرغبون في الكثرة ويرغبون عن الوحدة . فما حاجتهم إلى الكثرة والعدد في توحيد الله – عز وجل - ؟

فإن كان مرادهممدحه فبأن يفردوه أولى من أن يملأوا الأزل عليه قدماء ، ولينقصوا من هذا العددالطويل فهو أولى بالجليل ، وهذا حين جعلوا السمع والبصر من المعاني السبعة القائمبالذات : ذات الباري سبحانه ، والسمع والبصر فرعا العلم ، أو ليس البصر كناية عندرك الألوان ؟ والسمع كناية عن درك الأصوات ؟ فهما نفس العلم .

وإن كانمرادهم كثرة المعاني في الأزل مع الباري سبحانه ، فعليهم بالطعوم فلينحلوه الذوقويجعلوه ثامنا .

وعليهم بالروائح فلينحلوه الشم ويجعلوه تاسعا .

وعليهم بالمحسوسات كلها فلينحلوه اللمس ويجعلوه عاشرا . وليتبعوا الخلق مادام لفن من العلوم اسم فيسموه به ويجعلون ذلك المعنى قائما بذاته فيصفونه ، كمذهبالأعرابي وإن أخطأ في الملائكة أسهل حالا من خطاياهم في الباري سبحانه ، حين قالشعرا :

وذوالعرش محمول على ظهر سبعة=ولولاه ما رموا النهوض ولا كادوا


فقيل له : ويحك جعلت الباري سبحانه محمولا ، وجعلت الحملة الثمانية سبعة؟

فقال الأعرابي : أليسوا إذا نقصوا من عددهم كانوا أقوى لأسرهم؟

فذهب في الحملة إلى أن نقصان العدد أقوى للأسر ، وذهب هؤلاء إلى أن زيادةالعدد أقوى في المدح .

فالأعرابي أفطن في المعنى الباطن ، وهم ذهبوا إلىالحس الظاهر ، ولا شك أن القوم ما اغترفوا إلا من بحر الدهرية في قولهم : إن اللهتعالى هو العلة ، والخلق هو المعلول ، ولن يفارق المعلول العلة . فإنهم قالواللموحدة : ألم تقولوا : إن الله قبل خلقه ؟

قلنا : نعم .

قالوا : ثمأحدث الخلق .

قلنا : نعم .

قالوا : إنه ليس بين وجود الله تعالىوخلقه الخلق مسافة ولا مدة ولا عدة ولا آفة لم يسبق الخالق الخلق إلا بالمقدار الذييسبق به الآله الظل في الحركة والسكون ، أو الكون والمكون . فهذا غرض القوم غيرأنهم لم يقدروا أن يبوحوا بأكثر مما يتعلق بصفات الباري سبحانه المعهودة عند الناس، غير أنهم حادوا إلى مذهب الدهرية .

ولا شك أنهم شموا رائحة أبي شاكرالديهاني الذي فتح لهم الباب في نفي خلق القرآن بمكيدة عظيمة كادهم بها . وقد تقدمذكرها .

وإذا فرغنا من الرد على الأشعرية ، فلنعقب بالرد على رسالة جاءتنامن ناحية غانة على يد رجل يسمى عبد الوهاب بن محمد بن غالب بن نمير الأنصاري ،وجهها إلى أبي عمار عبد الكافي بن الشيخ أبي يعقوب إسماعيل التناوتي ، فتوفي – رحمةالله عليه – قبل أن يرد الجواب ، فرددنا جوابه وهي هذه .

رسالة عبد الوهاب بن محمد الأنصاري يسأل عن بعض مسائل السنية



( 1 )
هكذا الكلام في الطبعة البارونية ، ولعل المعنى والله أعلم : لا واجبعلى الله تعالى ولكن أوجب العقاب والثواب على عباده لحكمة . ( مراجع الطبعة الثانية )
( 2 )
قصة دخول إبليس في الأفعى من الدخيل الذي ابتلت به الأمة وليس هذا ممايؤخذ به على المؤلف لأنه لم يستدل بها في صلب العقيدة وإنما استأنس بها في موضوعتكليف الحيوان وهو بدون ريب ليس من قضايا الاعتقاد . ( مراجع الطبعة الثانية ) .
( 3 )
الضمير عائد إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . ( مراجع ط 2 ) .


وأعظم آية عبرة : كلب أصحاب الكهف ، قال الله – عز وجل - : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) فشملهم وإياه النوم إلى يومالقيامة .

وفي هذه البهائم آيات ومعجزات وفي صنائعها ومصانعها وتربيتهالأولادها وطاعتها لملوكها ، وفي الموتان أسرار عجيبة لا يعلمها إلا الله – عز وجلفضلا عن الحيوان .

ثم قال عبد الوهاب : ( وذهب فريق إلى أن الثواب حتم علىالله والعقاب واجب على مقترف الكبيرة إذا لم يتب منها ، ويحبط جميع عمله باقترافزلة واحدة ، فكيف يستقيم أن يحبط جميع عمل العبد ؟ )

الجواب :

فالذين قالوا : إن الثواب حتم على الله قد أساءوا الأدب ، إنما كان ينبغيلهم أن يقولوا حتم في واجب الحكمة بعد أن يصح ما قالوا : إنه واجب ، فإن ذكره فيبني آدم والجن فربما .

وأما الملائكة فقد قدمنا القول فيهم .

وقولهم : إن العقاب واجب على الكبير إذا لم يتب ، فقد صدقوا .

وأما قولهم فيالإحباط فغلط ، وليس يحبط الكبير من عمل العبد شيئا إنما يحبط الثواب ، لم يقل أحد : إن من عمل الكبير لم يصل ولم يصم ، إنما الإحباط في الثواب .

ويعجبه أنقال : ( كيف يستقيم إحباط جميع عمل العبد ) وقد تقدم فيه الجواب ، ولو شاء صاحبالشرع أن يحبط الكبير كالشرك لفعل ، وليس في العقل ولا في الحكمة ما يبطله ، ولكنالرؤوف الرحيم لم يفعل ذلك .

وأما قوله : وإن كان الثواب والعقاب متنافيين ،فليس الثواب أن يحبط أولى من العقاب أن يسقط ، والشرع يدل عليه وعلى درء السيئاتبالحسنات ، فإحباطه العقاب أحق وقد قال الله – عز وجل

(
إن الحسنات يذهبن السيئات ) .
الجواب :

أن الثوابوالعقاب متنافيان ، وليسا متنافيين عند السنية ، وقد أوجبوا العقاب للمؤمنين مرةفليسا بمتنافيين .

وقد ورد الشرع بإحباط الكبير ثواب العمل وبإذهاب الحسناتالسيئات ، ولابد من تغليب أحدهما على الآخر ، فالكبير يحبط الثواب على صفة والحسنةتذهب السيئة على صفة .

وأما إحباط العقاب على كبير بغير شيء أي من غير مفكرفلا ، وهي مسألة ما بيننا وبين المرجئة ، فقالوا : إن المصر المعاند لربه والمبتدعالأحول عن ربه يسقط العقاب عنهما ، بغير الشرط الذي شرط الله عليهما من التوبةوالحسنة والمصيبة والسيئة .

وأما قوله : ( الإيمان أجل أعمال العبد وأعلاهاوهو ثابت والطاعة ثابتة ، ومصدر الطاعة التوحيد الذي لا يتم إلا به ، ثابتة علىحقائقها .

الجواب :
قوله : ( والإيمان أجل أعمال العبد ) ، فقد صدق ،ولسنا نمتنع من أن يسقط به الباري سبحانه عقوبة المعاصي مثل سائر الحسنات ، وإنماأنكرنا من المعاصي صنفين : الإصرار والبدعة ، والحكمة قد منعت من إسقاطهما بحسنة أوسيئة .

وأما قوله : ( والإصرار على الكبيرة لو كانت تدرأ الطاعات لكانتتنافي صحتها ، كالردة ومفارقة الملة ) ، وهذا لا يلزمنا لأنا لا نقوله بل نقول : التنافي في المتضادات وليس التنافي في المختلفات ، والطاعة فعل العبد وضدها المعصية، والثواب فعل الباري سبحانه وضده العقاب ، وليس بين الطاعة والعقاب تناف ...

وقوله : ( ينافي صحته ، كالردة ومفارقة الملة ) تحكم وتهكم لا جواب لهكالسماء والأرض والجسم والعرض .

اعلم أن الثواب ينحبط باقتراف زلة واحدة ولاينحبط العمل ، فعلم هذا من الشرع ، وليس من جهة العقل ، ولو شاء من له الخلق والأمر، أن ينافي الكبير كل طاعةفي الدنيا ، كالردة ومفارقة الملة لفعل .

وقالعبد الوهاب : ( فإن قال قائل : إن الوعد والوعيد خبران واقعان على الحقيقة ، لايجوز الخلف في أحدهما ، لأنهما عمومان جاريان على عمومهما ، فلا يكون بخلاف مخبره ،لأن ذلك لا يجوز عند الأصوليين في خبر الله تعالى ) .

وأما قوله : ( إنالوعد والوعيد خبران لا يجوز الخلف فيهما ) فصدق ، ولن يخلو هذا الأمر من أحد خمسةأوجه :
أما أن يصح خبر الوعد ويبطل خبر الوعيد ، أو يصح خبر الوعيد ويبطل خبرالوعد ، أو يبطلان جميعا أو يصحان جميعا ، فليس يصح في هذه لوجوه الأربعة شيء .

وأما أن يجعل لكل واحد منهما حظا ونصيبا فربما ...







فأما نصيب الطاعة ، فبإجماع الأمة أن الثواب لا يصح بخصلة واحدة ، فيثنيه اللهتعالى على الصلاة وحدها مع بطلان الزكاة والصوم والحج ، أو الزكاة وحدها مع بطلانغيرها ، إلا أن كان سبب شرعي كالتوبة وغيرها .

وأما نصيب المعاصي ، فإن اللهتعالى حط جميع المعاصي بالتوبة ، وهي الترياق الأعظم ، أو بالأدوية : والأدويةمخصوصة لأدواء مخصوصة كالسيئات ، فإن الحسنات تخص معاصي معلومة .

فنصيبالجميع أن من معه من الصالحات ما يقابل السيئات فهذا من أهل الجنة ، كالذي يروي عنأهل الأعراف : أنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ومقدار ذلك وعلمه عند الله .

وقد علمنا أن السيئات تدرأ باجتناب الكبائر وبالمشيئة ، مثل التوبةوالحسنة والمصيبة وشفاعة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأهل الأعراف وما وراءذلك فمظنون غير متيقن ، لكن المصر والمعاند لربه والمبتدع الذي فارق الإسلام فلا ...

قال عبد الوهاب : ( وهل يجوز أن يخبر بما لا يريد ؟ أو لا يخبر إلا بماأراد في الأزل بخلاف الأمر ؟ لأن الأشعرية ذهبوا إلى أن الله تعالى يأمر بما لايريد ، لأن الله – عز وجل – أمر رسوله أن يأمر أبا جهل وغيره من كفار قريش أنيؤمنوا ، ولم يرد منهم الإيمان ، وأخبر أنهم لا يؤمنون ) .

الجواب :

اعلم أن الإرادة تشتبه على من لم يعرف حقيقتها .

أحيانا تشير إلىالمحبة ، وأحيانا إلى الاختيار .

وقد أخبر الله – عز وجل – على مالا يريده ،وقد أخبر عن الكفر ، وهو لا يريده ، بمعنى كرهه ومنى عنه .

وحكايته عنالأشعرية أن الله يأمر بما لا يريد قد كان ، فالأمر : فعل عندنا ، والإرادة : صفة ،وعند الأشعرية : أنهما معنيان يوصف الله تعالى بهما ، وما حكوا عن أبي جهل فصحيح ،وكذلك بعض قريش ، لو أراده منهم حتما لأرادوه ، ولو أراده منهم أمرا لأمكن الوجهانأن يريدوه أو أن لا يريدوه .

وهذه المسألة إنما هي المثبته والمزيلة ، وقدشملنا نحن والأشعرية جوابها ، والله المستعان .

وقال عبد الوهاب : ( فإناحتج من يقول بإنفاذ الوعيد ويقول كما لا يجوز الخلف في الوعد كذلك لا يجوز الخلففي الوعيد لعموم الإرادة لهما ويحتج بقوله تعالى : ( ومن يعص اللهورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) . أو بقوله : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إلى قوله : (إلا من تاب) . فهذه الاستثناءت كلها لمن تاب ، ومن لم يتب فهوباق في عموم الآيات المتقدم ذكرها ) .

الجواب :

قوله : ( فإن احتجمحتج بإنفاذ الوعيد ، ويقول : كما لا يجوز الخلف في الوعد كذلك لا يجوز في الوعيد ) .

قلنا : صدق . قال الله – عز وجل - : ( لا تختصموا لديوقد قدمت إليكم بالوعيد) إلى قوله : ( للعبيد ) . فهذه المسألة لنا لا علينا : إنما هي على الأشعرية الذين خصوا هذه الآيات العموميةبالمشيئة الظاهرة والتجأوا إلى المشيئة الخفية .

وقد تقدم القول في الوعدوالوعيد في أن كل واحد منهما مخصوص في ذاته بفنون المشيئة ، والوعيد مخصوص بالسلامةمن الموبقات ، وإما إذا كانت فلا .
قال عبد الوهاب : ( فإن قال الأشعري : جميعما استدللتم به فهو منتقض ، وما استدللتم به من العمومات فنعارضها بمثلها ، إذاسلمنا القول بالعموم ،كيف والقول بالعموم عندنا باطل ؟ إن العموم لا صيغة له عندنا، وقد قال الله – عز وجل - : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء ) وهذا نص في موضع النزاع ) .

الجواب :

فجواب الأشعري : إن كل ما ادعيتم بمنتقض وأما معارضة العمومات بمثلها فلنيخفى على أحد قالوا ، ولن تنفعهم ولن تضرنا .

والأصل الذي اجتمعت عليه الأمةأن نجعل عام لكل عام ونقيضه نصيبا ، وأما إثباتها أو بطلانها فمحال ، فإن كان القولبالعموم باطلا ، فما حصل في يده شيء إلا الباطل ، وإن مال إلى الخصوص قابله خصوصمثله ، فالتوبة تحبط الشرك وجميع المعاصي ، وكذلك قوله : ( فمنيعمل مثقال ذرة خيرا يره) وقوله : ( ومن يعمل مثقال ذرةشرا يره) .

فإن قال قائل : هذا لمن تاب . وقلنا هذا لمن أصر . فإنادعى المشيئة في الذنوب ادعينا التوبة فيها
.

وقوله : ( خروج عن الظاهر بلادليل خطأ ، وتعليق التوبة بالآية لم يوجد لا ظاهرا ولا مضمرا ) .

قلنا : بلوجدت ظاهرا ومضمرا . أما الظاهر فقوله تعالى : ( وإني لغفار لمنتاب) الآية .

والمضمر : أن التوبة حتم في إزاحة المعاصي وبطلانالعقاب عن العاصي ، ولا توبة ولا رجوع يدل على إباحتها ، وليس لمغفرة المعاصيبالمشيئة لا بالتوبة طائل أشبه شيء بالإباحة .






وأما قوله : ( قبول التوبة حتم ) . فينتقض عليه بقوله : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات ) إلى قوله : ( الآن ) . ولو شاء لم يجعل للتوبة مخرجا وقال : من عصاني فلا أقبل له توبة . وكان جائزا .

وقال عبد الوهاب : ( فإن قال قائل في قوله : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا) لفظة ( من ) من أدوات الشرط ، فوجب أن تقول لجميع المجازين . قيل : هذا لا يسلم لهم ، لأن لفظة ( من ) وإن وردت مورد الشرط فلا تكون مستغرقة لجميع ما وردت فيه ، لأن الشاعر قال :

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم= ومن لا يظلم الناس يظلم

وليس كل من لا يظلم الناس يظلم ، وهذا موجود كثير )

الجواب :

قوله : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) أن لفظة ( من ) غير مستغرقة للجنس واستدل بقول الشاعر ، أما هذه فله فيها أعظم الحجة ، لأن هذا الشاعر أصدق القائلين مثل رب العالمين ، تعالى الله عما يتوهم الجاهلون ، وقد استدل بقول من يجوز عليه الكذب ، وما استدل بقول أصدق القائلين ، قول الله – عز وجل - : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) يدخلها المشركين ، ليس كل مشرك تحرم عليه الجنة ( * ) .

وإنما يؤخذ عن العرب من أقوالها صور الأسماء ، وتصاريف الأفعال ، وصيغ الحروف ، بشرط أن يجيء على مفهوم كلام العرب ، وأما ما وراء ذلك من الأخبار ، فخبرهم غير مقبول ، وخروجهم عن المعقول فذلك غير مجهول ، ولا يناظرهم بهم الصادق الأزلي الحكيم العلي .

وكذلك قوله : (
ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا نكفر عنه سيئاته ) ، وفي أمثالها .

قال عبد الوهاب : ( سؤال ثان في اختلافهم في رؤية الباري سبحانه في المعاد : ذهبت الأشعرية إلى أن الله تعالى مرئي في الآخرة بدليل الوجود ، وأن كل شيء موجود جائز أن يرى ، فلا يمنع ذلك مانع ، إذا كان ذلك ليس يرى بجنسه ولا في مكان ولا حد ولا صورة ولا شكل ، لأن الله تعالى لا يوصف بالأماكن ولا الحدود ولا المقابلة ، ولا تجوز عليه المعاينة التي هي من جنس المقابلة ، إذ لا تقابله الأجسام ، تعالى عن ذلك ) .

الجواب :

قوله : ( إن الله تعالى مرئي لأنه موجود ، وأن كل موجود مرئي ) فهذا ينتقض عليهم بسائر الأعراض أنها غير مرئية على أنها موجودة ، ولاسيما من لا يوصف باللون ، فإن الأبصار لا ترى إلا الملونات .

وقول الأشعري : ( إنه مرئي في الآخرة ، بدليل الوجود ) وكذلك مرئي في الدنيا بدليل الوجود ولا

يقولونه ، وأخرى : أن هذه الدعوى تنتقض عليهم باللمس ، ولو أدعى أنهم يلمسون إلههم ويذوقونه ويطعمونه ويشمونه ويصافحونه بدليل الوجود لكان أشبه ، تعالى الله عن ذلك .

واعلم أن الوجود ليس بصفة ، ولا يقتضي حكما ، ولا يوجب علة ، إنما هو إثبات ، فلو استدل مستدل على أن كل المتضادات بأي صفة أراد ، واعتل بالوجود لصح له اعتلاله .



رد مع اقتباس