منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الموسوعة الكبرى في الإسبال ـ لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-21-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



صلاة المسبل والمؤتم به:

الصلاة هي أم العبادات ورأس الأعمال الصالحات فهي وقفة العبد الذليل بين يدي الملك الجليل الذي عنت له الوجوه وخشعت له القلوب، وخضعت لعزته الرقاب، وسجدت لجلاله الجباه، وولهت من هيبته النفوس { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (الإسراء: 44) ، فلا غرو إذا كان من شرائطها الطهارة المطلقة ظاهراً وباطناً، حساً ومعنى؛ لأنها عبادة يشترك فيها الجسم والروح، والعقل والقلب، والفكر والوجدان، فهي تنافي التلبس بمعاصي الله ظاهراً أو باطناً كما تنافي التلبس بالنجاسات أو الأحداث، وكيف تكون الصلاة ـ وهي أم العبادات ـ صحيحة مع اقترانها بمعصية العبد المصلي، والله تعالى يقول: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (البينة : 5) ، وأين إخلاص الدين من هذا الواقف بين يدي الله في صلاته وهو مكابر لأمره، صاد عن طاعته آت في صلاته بما حذره الله منه من الأعمال، ومن ثمَّ نجد الفقهاء المحققين يفتون ببطلان من صلى من الرجال وهو لابس ثوب حرير أو متحل بالذهب المحرم على غير الإناث، وما أحراه بذلك، فإن صلاته بهما إن دلت على شيء فلا تدل إلا على عدم مبالاته بعبادته وعدم اكتراثه بحرمتها.
وإذا اتضح لك حكم من صلى بالذهب أو الحرير المحرمين لم يشكل عليك ما أفتيت به من بطلان صلاة من تلبس فيها بالإسبال الذي هو رمز الكبر والبطر والخيلاء، وإن كنت لم تقتنع بذلك فهلم إلى ما أنقله لك من نصوص السنة وأقوال السلف لعلك تجد فيها طمأنينة قلبك وسكون نفسك.
قال أبو داود في سننه: حدثنا موسى بن إسماعيل حديثاً أبان حديثاً يحيى عن أبي جعفر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره إذ قال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :<< اذهب فتوضأ >>، فذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال: << اذهب فتوضأ>>، فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ ثم سَكَتَّ عنه؟ قال: << إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل >>، وهو وإن قال فيه الحافظ المنذري: " في إسناده أبو جعفر رجل من أهل المدينة لا يعرف اسمه(1)، فإن ذلك لا يقدح في الاستدلال به، ولذلك عول عليه المحققون كابن القيـم في التهذيب(2) ، وابن العربي في العارضة(3) ، والإمام النووي في رياض الصالحين حتى أنه قال فيه: رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم(4).
ويعتضد بما رواه الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه رأى أعرابياً يصلي قد أسبل فقال: " المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام "، قال الحافظ ابن حجر: " ومثل هذا لا يقال بالرأي " (5) ، يعني أنه لا يبعد من أن يكون قد استند في قوله هذا إلى أثر عن الشارع عليه ـ أفضل الصلاة والسلام ـ، فهو مرفوع حكماً، وإن كان موقوفاً لفظاً.
ويؤيد ذلك أن أبا داود قد رفعه في سننه من طريقة، فقد قال: حدثنا زيد بن أخزم حدثنا أبو داود عن أبي عوانة عن عاصم عن أبي عثمان عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: << من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام >>، قال أبو داود: روى هذا جماعة عن عاصم موقوفاً على ابن مسعود، منهم حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو الأحوص، وأبو معاوية (6).
قال العلامة المحدث الشيخ أحمد محمد شاكر: " وهو في مسند الطيالسي رقم ( 351 ) عن أبي عوانة وثابت عن عاصم، وهذا إسناد صحيح ولا يضره وقف من وقفه، فرفعه ثقة وهي مقبولة (7).
وليس في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اكتفى بإعادة المسبل وضوءه دون صلاته، إذ الصلاة أحرى أن تعاد ولكن أمره بإعادة الوضوء تغليظاً لأنه أيضاً عبادة منافية للتلبس بالمعاصي، ولذلك قال طائفة من أصحابنا بأن المعصية تهدم الوضوء، قال العلامة ابن العربي بعد ما ذكر الحديث: (( يعني ويعيد الصلاة )) ـ ثم قال ـ (( ومعناه أن الصلاة حال تواضع، وإسبال الإزار فعل متكبر متعارضان، وأمره له بإعادة الوضوء أدب له وتأكيد عليه ولأن المصلي يناجي ربه، والله لا ينظر إلى من جر إزاره ولا يكلمه فكذلك لم يقبل صلاته )) (8).
وحكى ابن حزم في المحلى عن مجاهد أنه قال: (( كان يقال من مس إزاره كعبه لم يقبل الله له صلاة ))، وقال ابن حزم (( فهذا مجاهد يحكي ذلك عمن قبله وليسوا إلا الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لأنه ليس من صغار التابعين بل من أوسطهم )) (9) ، وحكى أيضاً عن ذر بن عبد الله المزهبي قال (( كان يقال: من جر ثوبه لم تقبل له صلاة ))، وأتبع ابن حزم ذلك بقوله: " ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفاً من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ " وعلل ابن حزم هذا الحكم بقوله: " فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلا صلاة له )) (10) ، وقال قبل ذلك: " ولا تجزي الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال، وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعاً لا أكثر، فإن زادت على ذلك عالمة بالنهي بطلت صلاتها، وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون إلى الكعبين، لا أسفل البتة، فإن أسبله فزعاً أو نسياناً فلا شيء عليه (11).
وقد صرح كثير من علمائنا ببطلان صلاة المسبل، وإليك بعض نصوصهم في ذلك:

1. قال الإمام أبو محمد بن بركة: " ومن أسبل إزاره في الصلاة خيلاء فلا تجوز صلاته لما روى عبدالله بن مسعود عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ << من أسبل إزاره في الصلاة فليس من الله في حل ولا حرام >>، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ << فضل الإزار في النار >>، ومن طريق أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: << ما تحت الكعــب من الإزار في النـار >>، وفي نهاية رواية ابن مسعود رأى رجلين يصليان أحدهما ينقر سجوده والآخر يرخي إزاره في الأرض فقال: أحدهما لا ينظر الله إليه والآخر لا يغفر الله له "، وفي الرواية أن الذي لا ينظر الله إليه صاحب الإزار وصلاته مقرونة بالوعيد غير جائزة " (12).
وقد أورد كلامه هذا كل من صاحب بيان الشرع وصاحب منهج الطالبين والإمام السالمي ـ رحمه الله تعالى ـ في معارجه وأقروه.

2. قال الشيخ عامر ـ رحمه الله تعالى ـ في الإيضاح:" وكذلك من يجر إزاره خيلاء في الصلاة فلا تجوز صلاته ـ وذكر بعض ما روى في ذلك ـ ثم قال: " ولا تجوز الصلاة بهذا لما فيه من الوعيد" (13).

3. سئل المحقق الخليلي ـ رحمة الله عليه ـ عمن ارتخى إزاره في الصلاة حتى صارت طرته إلى الكعب من الرجل أو أسفل من الكعب، أيؤمر وجوباً أن يرفعه وهو فيها؟ وهل هذا من مصالح الصلاة أم لا؟ فأجاب: " وجوباً وإن أبى فصلاته فاسدة لأنه معصية للرواية النبوية الصحيحة بالوعيد الشديد ولا صلاة لعاص "، قيل له وإن كان لا يشغله أن يتركه مرتخياً بل يجد راحة في نفسه ونشاطاً في بدنه في تركه كذلك إلا أنه كاره بقاءه مخافة دخوله في النهي عن تذييل الإزار فيحتمل به ما لا يحمله فوق طاقته من الوزر فعلى هذا ما الأولى له لزوماً وإن تركه كيف يكون عليه، أم لا شيء عليه؟ فأحال على ما سبق من جوابه " (14).

4. قال قطب الأئمة ـ رحمة الله عليه ـ: " وأفسد بعضهم الصلاة بجره فيها ولو بغير خيلاء " (15).
وقد علمت مما مضى أن التحقيق كون كل إسبال خيلاء، وبهذا يندرئ عنك أي شك في بطلان صلاة المسبل إلا من كان معذوراً بنحو ما تقدم ذكره، وناهيك بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: << إن الله لا يقبل صلاة المسبل >> نصاً صريحاً على ذلك، ومثله قوله: << ليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام >>، فإنه بمعنى ليس من الله في شيء، وفي هذا من الزجر الوعيد ما ليس بعده، وقال النووي: معناه قد بريء من الله وفارق دينه، وقال ابن رسلان: مراده لا يؤمن بحلال ولا حرام، وقيل: لا يجعله في حل من ذنوبه ولا يمنعه ويحفظه من سوء الأعمال، وقيل: لا يحل الله له الجنة ولا يحرم عليه النار، وقيل: ليس هو في فعل حلال، ولا له احترام عند الله تعالى (16).
أما المؤتم بالمسبل فيسري البطلان إلى صلاته من صلاة إمامه لإرتباط صلاته بصلاته، ولا عبرة بقول من قال: إن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإمام للأدلة الدالة على الإرتباط وهي:

‌أ- أن المأموم ليس له أن يتقدم إمامه في شيء من أفعال الصلاة أو أقوالها، فلا يحرم قبله، ولا يقرأ قبله، ولا يأتي بالركوع أو السجود أو القيام أو القعود قبله، وإن فعل ذلك متعمداً بطلت صلاته، فلو لم تكن صلاته مرتبطة بصلاته لما قيد به فيما يأتي به من أعمال الصلاة وأقوالها.

‌ب- أن الإمام يحمل عن المأمومين قراءة ما عدا الفاتحة إجماعاً، بل والفاتحة في رأي بعض المذاهب، كما يحمل عنه قوله سمع الله لمن حمده، ولو لم تكن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة إمامه لما حمل عنه شيئاً.

‌ج- أن فرض المسافر ركعتان بلا خلاف وإن صلى خلف المقيم وجب عليه أن يتم الرباعية إجماعاً ولم يكن ليجب عليه ذلك لولا ارتباط صلاته بصلاته.

‌د- أنه مما اتفق عليه ثبوته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله: << إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً >> (17) ، فلولا ارتباط صلاة المأموم بصلاة إمامه لما سقط عنه ركن من أركانها وهو القيام.

فإن قيل: أولستم تجيزون الصلاة خلف مرتكب الكبيرة؟ وقد روى الربيع في مسنده الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: << الصلاة جائزة خلف كل بر وفاجر >>، وفي رواية << صلوا خلف كل بر وفاجر >>، فما بالكم تناقضون ذلك بمنعكم الصلاة خلف المسبل؟ وما الفارق بين المسبل وحالق اللحية الذي أبحتم الصلاة خلفه وكل منهما عاص لربه؟

فالجواب: أن المسبل مدخل في صلاته ما يفسدها بإسباله، وقد قيد الربيع ـ رحمه الله ـ إطلاق الحديث بقوله " ما لم يدخل فيها ما يفسدها " (18).
ولا ريب أنه استند في هذا التقييد إلى ما ذكرنا من الأدلة وأمثالها، والفارق بين المسبل وغيره من العصاة كحالق اللحية بيّن لأن المسبل متلبس بالمعصية في أثناء الصلاة، كلابس الذهب والحرير من الرجال، فكما لا تصح صلاة من لبسهما ولا تجوز إمامته فكذلك المسبل وتوبة من تلبس بشيء من ذلك موقوفة على التخلي عنه، وحالق اللحية لم يباشر معصيته في أثناء الصلاة بل قبلها، ولو شاء التوبة في أي وقت لما لزمه نزع شيء هو فيه، وإنما تجب عليه النية الصادقة أن لا يعود إلى حلقها وهو كاف في التفريق بين حكميهما.
هذا ما أردت بيانه نصرة للحق وإحياء للسنة ومقاومة للبدعة والله ولي التوفيق هو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الهامش:
1 ـ المنذري مختصر السنن المجلد الأول ص324 والمجلد الخامس ص51 توزيع دار الباز.
2 ـ ابن القيم التهذيب بذيل مختصر ومعالم السنن المجلد الخامس ص50 توزيع دار الباز.
3 ـ عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي ج7 ص238 ط دار العلم للجميع.
4 ـ رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين ص275 ط دار نشر وكالة المطبوعات الكويت دار القم لبنان.
5 ـ فتح الباري ج10 ص257 ط السلفية ومكتبتها.
6 ـ سنن أبي داود مع شرح سهر انفوري بن المجهود ج ص296 ـ 297 ط دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
7 ـ المحلى لابن حزم ج4 ص100 الشيخ محمد أحمد شاكر رقم 3 ط مكتبة الجمهورية العربية.
8 ـ عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي الجزء الثاني ص238 دار العلم للجميع.
9 ـ ابن حزم المحلى الجزء الرابع ص100 ط مكتبة الجمهورية العربية .
10 ـ ابن حزم المحلى ج4 ص101.
11 ـ ابن حزم المحلى ج4 ص99.
12 ـ ابن بركة كتاب الجامع الجزء الأول ص485 ط وزارة التراث القومي والثقافة ـ سلطنة عمان.
13 ـ الإيضاح الجزء الأول ص425 ط دار الفتح.
14 ـ تمهيد قواعد الإيمان ج5 ص43، ط وزارة التراث القومي والثقافة ـ سلطنة عمان.
15 ـ شرح النيل ج2 ص53، ط دار الفتح.
16 ـ انظر السهر نفوري بذل المجهود في أبي داود التعليق ج2 ص267، ط دار الكتب العلمية ـ بيروت.
17 ـ رواه الربيع وأحمد والشيخان من طريق أنس رضي الله عنهما وقد روى عن طريق أخرى.
18 ـ مسند الإمام الربيع بن حبيب مع شرح الإمام نور الدين السالمي ج1 ص311، ط2.


المرجع:
كتاب : الفتاوى الكتاب الأول: ( الصلاة _ الزكاة _ الصوم _ الحج) لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان ص 453 ـ 482 من إصدار : الأجيال للتسويق

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس