منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوي وأحكام
الموضوع: فتاوي وأحكام
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 02-22-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً



تذكرة في وفاة الشيخ اللزامي رحمه الله

قبل أيام ودعت السلطنة عالما من علمائها وهو الشيخ عبدالله بن سالم اللزامي رحمه الله من ولاية قريات وفي هذا كانت لي هذه الكلمات ..
منذ نعومة أظفاري قيل لي لك أبوان. كلاهما يغذي الجسد والروح وهذا يعني بأني سأذوق مرارة اليتم أضعافا مضاعفة إن قدر لي أن أعيش بعدهما.
في سبعينيات القرن الماضي وفي أوائل قيام النهضة المباركة وقع عليهما الاختيار بأن يكونا من يقوم على أكتافهما التعليم وكنت من بين الدارسين على يديهما إلا أني أوفر حظًا حين دعاني (الشيخ اللزامي) بأن أصحبه صباحا ومساء لتعليمي القرآن الكريم في (مسجد الشيخ مالك) وأنتقل معه كظله أو كعصاه فزرت بلدانا بعيدة عن الولاية وهي (الياء) و(فيق) و(المزارع مع قراها) وهذه القرى توجد في ولاية ـ قريات ـ وحيث إنني طفل غرير كنت أبتسم لأسماء هذه القرى ثم أدركت بعد ذلك بأن هذه القرى هي جامعات مفتوحة بلا رسوم لتلقي دروس الاخلاق والأدب والرجولة.
لقد ارتبط اسم أبَوَي بالتدريس فلا يكاد يذكر التعليم في مجلس إلا يفهم من القائل بأنهما المعنيان بالامر. ثم شاءت الأقدار بأن ينتقلا إلى إمامة المسجد الجامع في الولاية (قريات) المشيد على نفقة صاحب الجلالة فقاما بتأدية الرسالة الثانية في حياتهما مع ملازمة التدريس.

في يوم الاثنين 9-2-1431هـ الموافق 25-1-2010م
زرنا سماحة الشيخ المفتي بعد ضرب مواعيد لهذه الزيارة العجيبة التي تتضمن اللقاء الاخير. لقد أخبرني سماحته بعد أن نعيت له الشيخ اللزامي بأنه طلب منه أن يدعو له بحسن الخاتمة فتحقق ذلك.
الشيخ اللزامي اسم له معادلة تساوت كفتاها مثل الميزان تماما فحينما تجمع هذه الألفاظ العلم والعمل والكرم والاخلاق الفاضلة والتواضع يعطيك الناتج وهو.... الشيخ اللزامي.
رجل يعدل أمة أو قل أمة في رجل هكذا والله هم الناس العالمون العاملون.
لم يأت والٍ أو قاضٍ إلا كان لهما سندا في الحق ورفع الظلم والجور. ولم يسمع السامع مسألة معينة قال فيها الشيخ قوله من فقه أو نحو أو سياسة أمر إلا وسلّم السامع لها وانقاد لاتباعها.
لم يكن مجلسه يوما ما مَعرضا للتفكه والقيل والقال، ولم يأتِ الناس إليه وعلى كثرتهم إلا متعلما أو طالب حاجة. ونادرا ما يأكل طعامه مع أسرته من كثرة الوفود القادمين إليه من القرى الجبلية لقضاء حوائجهم.
في اليوم الموعود بعد توديع سماحة الشيخ ودعائه له ؛ ودّع أحبابه وأسرته وشدّ رحاله إلى مكة وقد تخيّر الله له رفقته رفيق دربه الأول وصاحبه الذي قاسمه كل ما يرضى به الله مع بقية الصحب. إلى هناك حيث تنتهي الرحلة وهي تذكرة الذهاب فقط فهو على موعد وإن لم يخبر أصحابه بذلك، وفي ظرف ساعات قليلة وصلوا مكة لقد طويت لهم الأرض واختصر الله المسافات والصحاري وهناك في مهبط الوحي وفي أطهر بقعة على هذه المعمورة بمكة المكرمة بداخل الحرم وهو يؤدي العمرة قُبض الشيخ وخرجت تلك النسمة الطيبة إلى بارئها. جائزة من أنفس الجوائز كيف لا وقد دفعت الكائنات شيخنا إلى ذلك المكان لتلبية أمر السماء فنعم الوافد والموفد اليه.
شيخنا وقدوتنا أذكر تلك الصباحات التي آتيك فيها، وأذكر المساءات التي أسمر فيها ، وتخيرك لي ما على مائدتك ، وأذكر تلك الابتسامات التي تفيض بها نفسك على جلسائك، وأنت ما أنت عظيم المنزلة ورفيع المقام .
توكل شيخنا على بركة الله لقد عنتك الآية الكريمة "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" فهناك ما ينتظرك ودعنا نصارع هده الغبراء بما فيها ولك علينا عهد لا نخبس فيه أبدا بأننا سائرون على دربك ، مقتبسون من نورك وشمائلك وعسى أن يقيض الله للجدار من يقيمه حتى يبقى كنزك فيه وجواهرك في أساسه.

بقلم:صالح بن علي بن سالم الحميدي












--------------------------------------------------------------------------------





البُعْدُ العَقَدِيُّ وأثره في النحو العربيّ

المتعارفُ عليه أنَّ فِِكْرََ كلَّ أمة ناشئٌ عن عقيدتها، وأمتنا أمة الاعتقاد والقيم، وأمة الأخلاقيات والسلوك، وهذه العقيدة من غير شك تنضح على ما حولها خيرا، وتفيض سلامةً، وحُسْنََ توجُّهٍ، وبوصفي متخصصا في النحو العربي أرى أن قضية البعد الشرعي والتوجه العقدي قد شغلت كثيرا من أبواب النحو، وظهرت بصمتها على الفكر اللغوي بعامة، والتفكير النحوى بخاصة، وفي هذه السطور نستجلي طبيعة هذه القضية ونكشف عن أبعادها، وربما استغرق ذلك عددا من المقالات التي تبرز جوانب الموضوع، وتُجَلَّيه للقارئ جلاءً بيَّنا، فعلى سبيل المثال: يوجد في النحو العربي فمن ذلك ما يتعلق بضرورة وجود الفاعل إذ توجد مجموعة من أنماط للفاعل مثل أن يتخذ صورة أو نمط الاسم الظاهر، أوالمصدر الصريح أو المصدر المؤول بالصريح، واسم الموصول، واسم الإشارة والضمير البارز، وكذا الضمير المستتر، والمستتر له ضربان:
مستتر وجوبا (لا يظهر مطلقا، وإن ظهر فخطأ لغوي)،وضمير مستتر جوازا، وقضية الاستتار تعنى أن له عملا ووجودا ولكن بصورة غير مرئية، والضمير المستتر هو ذلك الضمير الذي لا صورة له في اللفظ غير أنه موجود، وهو الذي أحدث الفعل والفاعل ـ كما نقول ـ قبل الفعل، فأول قضية تبرز الجانب العقدي قضية الاستتار فى الفاعل بين الوجوب والجواز، فهو يعمل ولكنه عمل غير مرئي، وذلك يزكَّي قضية الغيب فى النحو العربي، وكذا تأتي القضية الثانية قضية نصب المضارع بـ(أَنْ) المصدرية التي تتخذ أحكاما ، منها وجوب الاستتار، وذلك في مواضع، ووجوب الإظهار، ولذلك مواضع كذلك، وجواز الإضمار والاستتار، ولذلك أيضا مواضع أيضا ، ومن ثم شذَّذ النحاةُ عمل أنْ محذوفة لا مضمرة، كقولهم: تَسمعَ بالمعيديَّ خير من أن تراه (بنصب تسمعَ) بأن محذوفة شذوذا، وكذا قولهم: خذِ اللصَّ قبل يأخذَك" أي خذه قبل أن يأخذَك، ونحو: مُرْهُ يحفرَها (أي مره أن يحفرَ البئر) ، ونحو قول القائل:


ألا أبهذا الزاجري أحضرَ الوغى وأن أشهدَ اللذاتِ هل أنت مخلدي

فالفعل (أحضرَ) منصوب بـ(أنْ) محذوفة شذوذا.
والواضح أن النحاة انطلقوا إلى القول بالتشذيذ بناءً على معتقد سابق هو أنَّ لكل معمول عاملا، وهي قضية شغلت حيزا غير قليل من صفحات البحث النحوي، وفي رأيي أن الذي دفعهم إلى ذلك إنما هو انشغالهم بقضية الوجود الإلهي والقيومية له ـ سبحانه ـ وأنه لا عمل إلا بعامل، فلكل منصوب ناصب ، ولكل مجزوم جازم، ولكل مجرور جارّ ، ولكل مرفوع رافع؛ ولأنه لابد لكل مخلوق من خالق هو الله ـ عز فى علاه ـ، ومن ثم فقد راحوا يُفْردون الصفحات لشرح قضية العامل وتأثيره في النحو العربي، وظهرت لنا كتب كاملة تتحدث عن قضايا العامل، وهي قضية مطروحة بين المؤيدين والمعارضين حتى جاء ابن مضاء النحوي وأكَّد أن العامل الحقيقي هو الله، وغيره سمَّى عاملا هو التجرد أو الابتداء وهي تسمية مجازية تؤكد اهتمامهم بذلك، وتعكس حجم الاشتغال بتلك القضية ، لكنه لم ينفِ وجود عامل يعمل، والنحاة بإزاء ذلك يُفردون الحديث عن العامل وقضاياه (بين الاختصاص وعدمه) ، وأنواع العامل بين الإعمال والإهمال، ويشرحون العوامل المهملة، ويتكلمون عن الأسباب النحوية لذلك البطلان، كدخول (ما) الكافة على إن وأخواتها أو على الأفعال التي تكفها عن طلب الفاعل (وهي : طال وقصر وقل وكثر، وسيأتي الحديث عن ذلك مفصلا)، وكدخول "ما" الكافة على (رُبَّ)، أو فقدان (ما) المشبهة بـ(ليس) لعملها جراء اختلال أحد شروط إعمالها ، كما سنتحدث عن ذلك إن شاء الله وكإبطال عمل (لا) النافية للجنس ، أو إبطال عمل (ظن) وأخواتها أو التعليق الخاص بباب أفعال القلوب ، كل ذلك في رأيي يعود في مجموعه إلى قضية العامل الذي لابد أن يعمل فى جملته، فإذا أرُيد بطلانه وإيقاف عمله فلا بد من وجود مسَّوغ مقبول لغويا، وإلا وُصِفَ ذلك بالشذوذ، أوالسماع، أوعدم جريانه على سنن القاعدة، نحو:

إذا قيل أيُّ الناس شرُّ قبيلة أشارت كليب بالأكف الأصابع

(أي أشارت الأصابع بالأكف إلى كليب). فهنا عامل محذوف إما شذوذا، وإما ضرورة من أجل استقامة وزن البيت.
ولعل القضية الثالثة في هذا البعد العقدي هي قضية النصب على نزع الخافض أو حذف الجار تطل برأسها هنا لتعطينا زخما علميا يؤيد صحة ما نطرحه من تدخل هذا البعد العقدي في الفكرَ اللغوي، وخصوصا التفكير النحوى منه، وسنعود إلى ذلك ونحن نناقش كل هاتيك القضايا ودورها فى تفسير ما كُتِبَ، وما وصلنا من مراجع ومصادر قديمة تُلحُّ إلحاحا على تلك الفكرة وتثبِّتها وتؤكدها بكل سبيل، ولكن في هذه المقالة أطرح ما يجول بخاطرى وما عايشته في كتابات الأقدمين، وهو أمر غاية في الأهمية، ومَنْحًى مشروع حيث كانت ـ ولا تزال ـ قضية الغيب والإيمان والعقيدة تلعب دورها في كل عصر ومصر، وزمان ومكان حتى إنها لتكاد تسيطر على الفكر الإنساني بعامة، ومن حق الإنسان أن يعبر عن معتقده بكل حرية (فلا حكر على فكر) شريطة ألا يُلْغيَ الآخر، وأَلاَّ ينال من ثوابته ومرتكزاته وحضاراته وتقاليده التي درج عليها، ونشأ، وشبَّ عليها ونهض، قال ـ تعالى ـ:" لا إكراه في الدين"، وقال:" لكم دينكم ولي دين" ، وقال ـ جل جلاله ـ:" ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وقال :" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، وهذه من مسلَّمات الدين الإسلامي، أن الحرية الدينية أو المعتقد الديني لا جبر فيه ولا إكراه، فكل إنسان مرهون بعمله بين يدي الله،قال ـ سبحانه ـ: "إلا من أُكْرِه وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان..."، وإذا طالعنا ما تركه لنا الأسلاف وجدنا هذا المعنى العقدي يفسر كثيرا من أقوالهم واصطلاحاتهم من نحو قولهم فى إعراب: " وخُلِق الإنسان عجولا" أو قوله: "وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً"، أو نحو قوله: " وفُتِحَت السماء فكانت أبوابا وسُيَرَتِ الحبالُ فكانت سراباً"، إنه فعل مبني لما لَم يُسَمَّ فاعله، (ويقول بعضهم: فعل مبني للمجهول)، فهم جراء البعد الشرعي يتورَّعون أن يقولوا في حقه له: إنه أي الفعل ـ مبني للمجهول؛ لأن الله ـ تعالى ـ لا يُجْهَلُ، ولكن لم يُسَمَّ في العبارة التي هي محل البناء للمجهول، وبعضهم تأكيدا لقضيتنا يقول: "مبني للمفعول"، تجنبا لأن يقع في هذا المحظور الشرعي ووصف الأفعال المتصلة بالله ـ سبحانه ـ بأنها مبنية للمجهول، والله ـ تعالى ـ لا يُجَهل، وإنما هنا لم يُسَمَّ، هذا نمط من التعبير دفعهم إليه وَرَعُهُم واتصالهم بالله ونظرتهم الاعتقادية للأمور. وكذا قولهم في نحو:" اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"، ونحو:" لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، ونحو: "ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين أمنوا"، قولهم: إنّ (لا ) هنا دعائية أو طلبية فرارا من القول بأنها (ناهية)؛ إذ كيف ينهى العبدُ رَبَّه، فهي حرف دعاء مشفوع بالبكاء، وحرف طلب يحوطه الأدب، والمعلَّم الجيد ينَبِّهُ أبناءه وطلابه على مثل تلك المصطلحات التي يتداولها المعربون من غير ما نظر وتدقيق، وإحاطة للفهم وتحقيق، فالأَوْلَى ـ ارتكانا إلى البعد العقدي ـ أن نقول: حرف دعاء أو (لا) الطلبية أو (لا) الدعائية.
ومن ذلك قولهم في نحو :" اغفر لنا وارحمنا" ، أو: "تقبلْ منا إنك أنت السميع العليم"،ونحو: " وهب لنا من لدنك رحمة" : إنها أفعال أمر، والمدقق منهم يقول:(إنها أفعال دعاء أو أفعال طلبية) ، حيث يطلب الداعي من ربه أن يغفر له وأن يرحمه وأن يتقبل منه، ومن ثم تجد النبرة خافتة، والنغمة باكية هادئة ، وهو مطلب شرعى ( ادعوا ربكم تضرعا وخيفة ودون الجهر بالقول من الغدوِّ والآصال) "ونحو:" يدعون ربهم خوفا وطمعا"، فالدعاء محوط بالوجل والدموع ، مشتمل على الخضوع والخشوع، والله ـ سبحانه ـ يحب العبد اللحوح الممرَّغ جبهته في الأرض سجودا بين يدى الله ـ عَزَّ في علاه ـ ، وكذلك يتضح هذا البعد العقدي في كلامهم في نحو:" ما جاءنا من بشير" ، وفي نحو:" هل ترى من فطور"، وفي نحو : فهل إلى خروج من سبيل"، وفي نحو:
" أليس الله بكاف عبده": إنها أحرف جر صلة ، لا أحرف زائدة، تورعا من أن يصفوا كلام الله ـ تعالى ـ بأن فيه شيئا زائدا، فيصفون تلك التراكيب اللغوية بأنها فيها صلة ، أي يتوصل بدخول هذا الجار (الزائد) إلى أتم التراكيب وأسمى المعاني، وأرقى المفاهيم؛ إذ بغيره يكون المعنى غير مكتمل أو يكون مبتورًا أو غير قويم ، وسنعرض لكل ذلك عند تفصيل القول في كل تلك القضايا المعروضة ، فهي قضايا خاصة بالاصطلاحات النحوية، والمواقع، والوظائف، والعوامل، وسوَّغ الإعراب، وقضايا التقدير للمحذوف التي شغلت مساحاتٍ شاسعةً في عالم النحو والنحاة ، كقولهم في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) : إن خبر (لا) النافية للجنس تقديره (معبود بحق) ، وتركهم لتقدير كلمة (موجود)؛ لأنها اسم مفعول يقع عليه إيجاد الموجِد، والله ـ سبحانه ـ هو الموجود، ففرارًا من ذلك قدَّروا لفظا يحتمل ويقبل شرعا ولا يؤثَّم صاحبُه، فإذا كان التقدير:" لا إله معبودا بحق إلا الله"ـ قُبِلَ، وإذا كان التقدير (لا إله موجود إلا الله) رُفِضَ، وتعالت الصيحات منكرة قابلّة لذاك التقدير، غير مرتضية إياه، وما ذاك إلا لوجود البعد الشرعي أو العقدي في كل تفكيرهم حتى وإن كان تفكيرا نحويا صرفا، وسوف نعرض لذلك في لقاءات قادمة، نكشف عن ذلك الأثر، ونبين تأثيره على ساحة التفكير النحوي التي أَثْرَِتْ بذاك الفكر، وأعطته قدرهُ، ووسدته مكانته، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د جمال عبد العزيز أحمد
جامعة القاهرـ كلية دار العلوم
جمهورية مصر العربية





--------------------------------------------------------------------------------




الصحبة الصالحة

أمرنا الله تعالى بصحبة الصالحين والصادقين، وحثنا على صحبة الأتقياء المحتكمين إلى حكم الله، يعرفوننا على الله ونتعلم منهم ديننا ويرشدوننا إلى الحق والتزكية، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )، فأمرنا بأن نكون مع الصادقين، وإنما نكون معهم بمجالستهم والأخذ عنهم والتعاون معهم على الخير والحق.
وقال سبحانه: ( واتبع سبيل من أناب إليّ )، فأمرنا أن نجعل كل من رجع إلى الله وإلى أحكامه محلاً نتبعه ونقتدي به ونأخذ عنه ونقلده فيما اتبع فيه الحق وفيما أناب فيه إلى الله وإلى أحكامه.
وقال عز وجل: ( الرحمن فاسأل به خبيراً )، فأمرنا أن نتعرف على الله من خلال سؤال الخبراء العارفين بالله وبصفاته.
وقال سبحانه: ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً )، فبين في هذه الآية أن أقدر الناس على الهداية مَن كان مِن أهل الولاية والصلاح والعلم والإرشاد، فالضال لا يستطيع أن يهديه أقدرُ الناسِ على الهداية، أما من يريد الهداية فسيجد في هؤلاء الأولياء المرشدين سبباً ووسيلة للوصول إلى الهداية، بعد إرادة الله وتوفيقه وهدايته.
وقد أخذ الصحابة العلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبوه، وأخذ التابعون عن الصحابة، فمن السنة الشرعية أن يأخذ الإنسان العلم والتربية عن أهلها جيلاً عن جيل.
ولا تتم الاستفادة من العلماء الأولياء المرشدين الربانيين إلا بصحبتهم ومرافقتهم، كما قال موسى عليه الصلاة والسلام للخضر: ( هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً ).
وإذا كانت علوم الدنيا وأعمالها تحتاج إلى معلم، فكيف بمن يطلب طب النفوس، ويطلب معرفة الله العظيم، أفلا يحتاج إلى معلم ومربٍّ.
وقد أُمِر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يصبر على صحبة أصحابه الصادقين: ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم )، والصالحون والعلماء الوارثون النائبون عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبغي أن يصبروا كذلك على تلامذتهم في تعليمهم وتربيتهم.
وقد أُمِر المؤمنون الصادقون بصحبة أهل الإيمان، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ".
كما أمروا بأن يبتعدوا عن صحبة الأشرار والغافلين الذين أرادوا الدنيا بدل الآخرة: ( فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم) وقد أمرنا بالخروج من مجالس من يخوض في الباطل، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )[الأنعام: 68].
وكما حذرنا من سماع الكفر وطاعة الكافرين في كفرهم؛ حذرنا من طاعة الفاسقين أهل الآثام، قال تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) [الإِنسان: 24] والإنسان يتأثر بصحبته الذين يخالطهم، فإذا كانوا على خير تأثر بذلك وتوجه إلى الخير، وإذا كانوا على شر تأثر بذلك وتوجه نحو الشر، وكلما كانت خلطته بهم وتداخله معهم أكبر كان تأثره بهم أكبر، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة " وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ".
والإنسان ينتفع من الصالحين بمجالستهم ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " أخرجه البخاري واللفظ لمسلم، وإنما يمكن أن يرتقي الإنسان إلى درجات الصالحين إذا صحبهم مع الحب لهم في قلبه، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أنت مع من أحببت "أخرجه البخاري.
محمد زاهد جول
كاتب وباحث تركي في قضايا الفكر الإسلامي
mohdzahidgol@hotmail.com

رد مع اقتباس