منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - مقال "جنة العالم والعالم (لا أدري) " للشيخ طالب السعدي
عرض مشاركة واحدة
افتراضي  مقال "جنة العالم والعالم (لا أدري) " للشيخ طالب السعدي
كُتبَ بتاريخ: [ 08-14-2011 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
 
عاشق السنة غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1758
تاريخ التسجيل : Aug 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 9
عدد النقاط : 10
قوة التقييم : عاشق السنة على طريق التميز


جُنّةُ العالِم والعَالَم ( لا أدري )

كلمة (لا أدري) أو (لا أعلم) أو (الله أعلم) من كلمات الحضارة التي تُصان بها العلوم من الخطأ، وتُحْفّظ بها المعارف من الدخيل، ويسلم بها العالم والمتعلم من المواقف المهلكة والمحرجة، وتدرب بها النفس على تفادي التصدر في كل شيء، وتخفف من غَلَوَاء الخوض في كل حديث؛ لذا سميت بجُنَّة العالم، كما روي عن الصحابي الجليل ابن مسعود (جُنَّة العالِم لا أدري، فإن أخطأها، فقد أُصيبت مقاتله)، وقد نظم هذا المعنى العلامة اللغوي ابن دريد في قوله:

جَهِـلتَ فعاديتّ العُلومَ وأهلَها كذاك يُعادي العلمَ من هو جاهِلُهْ

ومن كان يهوى أن يُرى مُتصدّراً ويكره لا أدري أُصيبت مقاتلُهْ

وحُقَّ لها أن توسم بجُنّة العالم، بل هي جُنّة العالم بما يحويه، فهي منهجٌ حضاري ٌقويم عندما توضع موضعها الصحيح؛ لأن فيها احتراماً للعلم، وتوقيراً للمعرفة، وإجلالاً للإنسانية جميعاً، وحِفاظاً لحقٍ مُشاع بين بني البشر.

وقد كان الراسخون في العلم يتحرجون من الإفتاء بعلمٍ ومعرفة، ويتدافعون الفتوى، ولا يُجيبون عن بعض ما يُعرضُ عليهم، فكيف بما لا يعرفونه، ولا يُجيدونه؟ فلا ريب أنهم أكثر تحرجاً منه، وأشد بُعداً عنه.

ما أحوجنا اليومَ وغداً ومستقبلاً أن نُدَرِبَ ألستنا على ٌقول (لا أدري)، ونُرَوِضَ أنفُسَنَا عليها، ونرشد من شهوة الحديث في كل شيء، فتُصبح هينةً علينا عند المعرفة. فضلاً عنها عند الجهل، فتقينا المزالق، وتُجنبُنا العثرات. ما أجدرنا أن نقولها بين الحين والآخر حتى يسهُلَ علينا قولها عندما نوضع في المحك، ونكون في الميدان العملي. فتتجاذبنا خشية أن نقولها، فنوصم بقلة العلم، وضحالة المعرفة، ويزهد فينا السائلون، ويقل إلينا المريدون، هكذا نتوهم...، وحِذار أن نداريها، فنجيب السائلين، وإن كانت إجابتنا غير صحيحة، ومعلومتنا ليست دقيقة، فَنَضِلَّ ونُضِلّ ونقع في الوعيد، كما جاء في مسند الإمام الربيع، عن الإمام جابر بن زيد قال: قال رسول الله e : «من أفتى مسألةً أو فسّرَ رؤيا بغيرِ عِلمٍ كانَ كمن وقعَ مِنَ السماءِ إلى الأرضِ، فصادفَ بئراً لا قعرَ لَهُ، ولو أنَّه أصابَ الحق».

ما أجدرنا أن نُعلمها أبناءنا وطلابنا وإخواننا، واقعاً عملياً محسوساً مُشاهداً، فيرونها تخرج من شفاهنا، فتصافح عقولهم، وتعانق قلوبهم، وتمازج أرواحهم، فلسان الحال أعمقُ أثراً، وأقوى تأثيراً من لسان المقال.

إنَّ مما يُعينُ على إدراك أهمية هذه الكلمة تعدد التخصصات، واتساع العُلوم، وكثرةُ المسائل في الفنِّ الواحد بَلْهَ الفنون المتنوعة، فلا يتسنّى للواحد مهما علت مرتبته، وتعمقت معرفته، ووعت ذاكرته، وكّثُرَ إطلاعه أن يُحيطَ بجزئيات العلم الواحد جميعاً فضلاً عن العُلوم كُلها، فيُمسي حديث الواحد في كل شيء (لا شيء)؛ لأنه لم يمتلك زِمَامَ الحديثِ، ولا قواعدَ القضيةِ التي يتحدث عنها، وأبعادها ومآلاتها، فيفقدَ السامع أو المتلقي شيئاً من ثقته فيه حتى فيما يتقنه من الفنون.

إن تجنُّبَ الحديث في كل شيء، وإصدار الأحكام في كل ما يُعرض ليس أمراً مقصوراً على الفتوى، بل يشمل كل ما يُعْنَى بالعلمِ، والحياة، فإصدار الأحكام أمانة، وإبداء الآراء مسؤولية، لا بد أن يُسْتَوْثَقَ فيهما، ويحطاط لهما، فذاكَ طوقُ النجاة فيما يُنقل من كلام، وصمّامَ الأمان فيما يتداول. والإنسانُ الذي يقول (لا أدري) في محلها إنسانٌ جليلُ القدر عند الله، عظيمٌ في أعينِ الآخرين، كبيرٌ في نفوسهم، وإن كُنتُ أنسى، فلا أنسى موقفَ ذاكَ السائل العفوي من أحد المتعلمين، حينما سأله عن مسألة، فقال المُتَعلّم: ليس لي عِلمٌ بها، ولا أقوى على إفتائكَ فيها، فردَّ عليه ذاك السائل: هكذا العُلماء، لا يُفتونَ في كل شيء.

طالب بن علي بن سالم السعدي

الجمعة 22/ 3/ 1430هـــ - 20/ 3/ 2009 م

lrhg "[km hguhgl ,hguhgl (gh H]vd) " ggado 'hgf hgsu]d grhx hgsu]d [km hguhgl ,hguhgl gh H]vd






التعديل الأخير تم بواسطة عاشق السنة ; 08-14-2011 الساعة 05:32 PM سبب آخر: خطأ
رد مع اقتباس