|
رقم المشاركة : ( 2 )
|
| رقم العضوية : 8 | تاريخ التسجيل : Jan 2010 | مكان الإقامة : عمان | عدد المشاركات : 7,603 | عدد النقاط : 913 | | | | | السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه
قصة يوسف عليه السلام
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة يوسف
سورة يوسف [ مكية إلا الآيات 1 و2 و3 و7 فمدنية وآياتها 111 نزلت بعد سورة هود ]
القصة
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، قَالَ يَا بُنَيَّ لا
تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشّيْطان
لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ
تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا
أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ
رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
كان ليعقوب من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً،وإليهم تنسب أسباط
بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام.
وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره،
وباقي اخوته لم يَوْحَ إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم
في هذه القصة يدل على هذا القول.
قال المفسرون وغيرهم:
رأى يوسف عليه السلام وهوصغير قبل أن يحتلم،
كأن أحد عشر كوكباً (وهم إشارة إلى بقية إخوته)
والشمس والقمر (وهما عبارة عن أبويه)قد سجدوا له، فهاله ذلك.
فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال
منزلة عالية ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيث
يخضع له أبواه وأخوته فيها. فأمره بكتمانها وألا يقصها
على أخوته؛ كي لا يحسدوه ويبغوا له الغوائل
ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر.
ولهذا جاء في بعض الآثار:
"استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها فإن كل ذي نعمة محسود".
قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي وكما أراك هذه الرؤية العظيمة،
فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي يخصك بأنواع اللطف والرحمة،
{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي يفهمك من معاني الكلام
وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك.
{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} أي بالوحي إليك {وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} أي بسببك،
ويحصل لهم بك خير الدنيا والآخرة.
{كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} أي ينعم عليك
ويحسن إليك بالنبوة، كما أعطاها أباك يعقوب، وجدك اسحاق،
ووالد جدك إبراهيم الخليل، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما،
وأبو يعلى والبزار في مسنديهما،
من حديث الحكم بن ظهير - وقد ضعفه الأئمة - على السُّدِّي عن
عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال:
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود
يقال له: بستانة اليهودي، فقال: يا محمد أخبرني
عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماءها؟
قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء،
ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها فيما بعد،
قال: فبعث إليه رسول الله فقال: "هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسماءها؟"
قال: نعم. فقال: هي جريان، والطارق، والذيال، وذو الكتفان،
وقابس، ووثاب، وعمودان، والفيلق، والمصبح،
والضروح، وذو الفرع. والضياء، والنور".
فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها.
قال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَاخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ،
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ
أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ
لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ، قَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ
بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}.
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم،
والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف لمحبة
أبيهم له ولأخيه أكثر منهم،
وهم عصبة أي جماعة يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من
هذين {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي بتقديمه حبهما علينا.
ثم تشاوروا فيما بينهم في قتل يوسف أو إبعاده إلى أرض
لا يرجع منها ليخلو لهم وجه أبيهم أي لتتمحض محبته لهم
وتتوفر عليهم، وأضمروا التوبة بعد ذلك.
فلما تمالأوا على ذلك وتوافقوا عليه {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ}
قال مجاهد: هو شمعون، وقال السُّدِّي: هو يهوذا،
وقال قتادة ومُحَمْد بن إسحاق: هو أكبرهم روبيل:
{لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}
أي المارة من المسافرين {إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ} ما تقولون لا محالة،
فليكن هذا الذي أقول لكم، فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه.
فأجمعوا رأيهم على هذا، فعند ذلك {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا
عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ، أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ
وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ، قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ}.
طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم
يريدون أن يرعى معهم وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليم.
فأجابهم أباهم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم:
يا بني يشق عليَّ أن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا
أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه، فيأتي الذئب
فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه.
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ}
أي لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، أو اشتغلنا عنه
حتى وقع هذا ونحن جماعة،إنا إذن لخاسرون،أي عاجزون هالكون.
{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَجَاءُوا أَبَاهُمْ
عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ
مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ، وَجَاءُوا
عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه،
فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه
في غيابت الجب، أي في قعره على راعونته، وهي الصخرة التي
تكون في وسطه يقف عليها المائح، وهو الذي ينزل ليملي الدّلاء،
إذا قلَّ الماء، والذي يرفعها بالحبل يسمّى الماتح.
فلمّا ألقوه فيه أوحى الله إليه: أنه لا بدّ لك من فرجٍ ومخرج من
هذه الشدة التي أنت فيها،ولتخبرن أخوتك بصنيعهم هذا،
في حالٍ أنت فيها عزيز، وهم محتاجون إليك
خائفون منك {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
قال مجاهد وقتادة: وهم لا يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك.
وعن ابن عبَّاس {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، أي لتخبرنهم بأمرهم
هذا في حال لا يعرفونك فيها. رواه ابن جرير عنه.
فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطّخوه بشيءْ
من دمٍ ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون، أي على أخيهم.
{قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي ثيابنا
{فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي في غيبتنا عنه في استباقنا،
وقولهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي وما أنت بمصدق
لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، حتى وان كنّا غير متهمين عندك،
فكيف وأنت تتهمنا في هذا؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب،
وضمّنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك
فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}
أي مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى ماعز ذبحوه فأخذوا من دمه
فوضعوه على قميصه ليوهموه أنه أكله الذئب، قالوا:
ونسوا أن يخرّقوه، وآفة الكذب النسيان. ولما ظهرت عليهم
علائم الريبة لم يَرُجْ صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم
له، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم،
لما كان يتوسّم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في
صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته.
ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن
عينيه وجاؤوا وهم يتباكون، وعلى ما فعلوا يتواطؤن ولهذا
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى
هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، وَشَرَوْهُ
بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ، وَقَالَ
الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ
تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب أنه جلس
ينتظر فرج الله ولطفه به فجاءت سيّارة- أي مسافرون-قال
أهل الكتاب: كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم،من الشام
قاصدين ديار مصر، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر،
فلما أدلى أحدُهم دلوه، تعلَّق فيه يوسف.
فلما رآه ذلك الرجل: {قَالَ يَا بُشْرَى} أي يا بشارتي
{هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي اوهموا انه معهم غلام من
جملة تجارتهم، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي هو عالم بما
تمالأ عليه اخوته وبما يُسِرُّهُ واجدوه، من انه بضاعةٌ لهم،
ومع هذا لا يغيّره تعالى، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة،
والقَدَر السابق، والرحمة بأهل مصر، بما سيُجري الله على يدي
هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير رقيق، ثم بعد هذا يملّكُه
أزمّة الأمورِ، وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يُحَدّ ولا يوصف.
ولما استشعر أخوة يوسف بأخذ السيارة له، لحقوهم وقالوا:
هذا غلامنا أبق منا فاشتروه منهم بثمن بخس،
{وشروه بثمن بخس دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ}.
قال ابن مسعود وابن عبَّاس ونوف البكالي والسُّدِّي وقتادة
وعطية العوفي: باعوه بعشرين درهماً اقتسموها درهمين.
وقال مجاهد: اثنان وعشرون درهماً. وقال عكرمة
ومُحَمْد بن إسحاق: أربعون درهماً، فالله أعلم.
عزيز مصر
قال تعالى:
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}
أي أحسني إليه {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً}
وهذا من لطف الله به ورحمته وإحسانه إليه بما يريد
أن يؤهله له، ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة.
قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها،
وهو الوزير بها الذي تكون الخزائن مسلمة إليه.
قال ابن إسحاق: واسمه أطفير بن روحيب،
قال: وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد،
رجل من العماليق، قال: واسم امرأة العزيز راعيل
بنت رعاييل. وقال غيره: كان اسمها زليخة، والظاهر
أنه لقبها. وقيل: "فكا" بنت ينوس، رواه الثعلبي عن
ابن هشام الرفاعي.
وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، قال:
أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته اكرمي مثواه،
والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى:
{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}
وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ثم قيل: اشتراه العزيز بعشرين ديناراً. وقيل: بوزنه مسكاً،
ووزنه حريراً، ووزنه وَرِقاً. فالله أعلم.
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} أي كما
قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به، مكنّا له
في أرض مصر {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} أي فهمها.
وتعبير الرؤيا من ذلك {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، أي إذا أراد
شيئاً فإنه يقيض له أسباباً وأموراً لا يهتدي إليها العباد،
ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد،
وهو حد الأربعين الذي يوحي الله فيه إلى عباده
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد،
فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشَّعبي: هو الحلم،
وقال سعيد بن جبير، ثماني عشرة سنة، وقال الضحاك:
عشرون سنة، وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة،
وقال السُّدِّي: ثلاثون سنة. وقال الحسن أربعون سنة.
ويشهد له قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.
إمرأة العزيز
قال تعالى:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ
لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ،
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ
السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ
قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ
بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ
نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ
وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ،
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ،
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ}.
يذكر الله تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه
السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه،
وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وقد غلقت
الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له، وتصنعت ولبست أحسن ثيابها
وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير.
قال ابن إسحاق:و إبنة أخت ملك مصر.
سيدنا يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء،
إلا انه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه ربُّه عن الفحشاء.
وحماه عن مكر النساء. فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء.
المذكورين في "الصحيحين" عن خاتم الأنبياء. في قوله عليه
الصلاة والسلام: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
إمام عادل ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل معلق قلبه
بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا
عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمينه وشاب نشأ في عبادة الله ورجل دعته امرأة
ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".
والمقصود أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص،
فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} - يعني زوجها صاحب المنزل
سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي احسن إلي واكرم مقامي عنده
{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ
وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} بما فيه كفاية ومقنع في التفسير.
والذي يجب أن يُعتقد به أن الله تعالى عصمه وبرّأه ونزّهه عن
الفاحشة وحماه عنها وصانه منها. ولهذا قال تعالى:
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي هرب منها طالباً الباب ليخرج منه فراراً منها
فاتبعته في أثره {وَأَلْفَيَا} أي وجدا {سَيِّدَهَا} أي زوجها {لَدَا الْبَابِ}،
فبادرت بالكلام وحرّضته عليه {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً
إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها،
ونزهت ساحتها، لهذا قال يوسف عليه السلام:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} قيل: كان صغيراً في المهد،
وقيل: كان رجلاً قريباً إلى بعلها. وقيل قريباً إليها.
فقال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ}.
أي لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدَّت مقدم قميصه
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ}
أي لأنه يكون قد هرب منها فاتّبعته وتعلّقت فيه فانشق قميصه لذلك،
وكذلك كان. ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ
مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي جرى من مكركن، أنتِ
راودتيه عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل.
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد، لأنَّ كتمان مثل هذه الأمور
هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة
إلى ربِّها فإنَّ العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلاّ انهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب
ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها
من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا انه عفيف نزيه
برئ العرض سليم الناحية، فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِين}.
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا
حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ
وَاعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا
إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ، قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ
فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ
إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء، وبنات
الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها والتشنيع عليها، في
مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من
الموالي، وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}
أي في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة
إليها بالعيب، والمذمة بحب مولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً،وأحبت
أن تبسط عذرها عندهن، وتتبيّن أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا
من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، واعتدت لهن
ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين،
وأتت كل واحدة منهن سكّيناً، وكانت قد هيّأت يوسف عليه السلام و
ألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج
عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أجمل من البدر لا محالة.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه،وما ظَنَنّ أن يكون مثل هذا
في بني آدم، وبهرهن حسنه، حتى اشتغلن عن أنفسهن وجعلن
يقطعن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح
{وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت:
{وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي امتنع {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا
آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وكان بقية النساء حرّضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشدّ
الآباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعى الله رب العالمين:
{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ
أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}. يعني إن وكلتني إلى نفسي
فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً
ولا ضراً، إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف، إلاّ إن قويتني وعصمتني وحفظتني
وأحطتني بحولك وقوتك.
|
|
| |