منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - الدليل والبرهان الجزء الاول
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-13-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً




ذكر القدرية والمرجئة ومسائلهم
· فصل ( 1 ) *

وأما أغوياء القرآن فهم سبعة أفخاذ ، تحصرهم القسمة فرثلاث وسبعين فرقة ، كلهن إلى النار ما خلا واحدة ناجية ، إن قصرهم على الموحدة ،وأما إن أراد كل أمة فهم إلى السبعمائة أقرب وإليها أذهب .

والموحدة سبعةأفخاذ وهم : القدرية والمرجئة والمارقة والأباضية والشيعة والمشبهة والمجسمة . فنصرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ثلاث منها لا مطمع فيها فكفينا المؤنة .

وطائفتان ظاهر فحشهما وفحش ما جاءتا به عند كل أحد يعقل ، لا يحتاج إلىالتنبيه إلى سوء ما أتوا به .

وبقي فخذان في إحداهما الحق ( 2 ) ، والأخرىلاحقة بأصحابها الأولى وقد تلبسوا بالدين قليلا

وهم : السنية ولحقوابإخوانهم المرجئة في الحال والمجال والمآل .
ولنرجع إلى التنبيه على سوء مذاهبهموزيغهم عن الحق . والله الموفق للصواب

أما القدرية : فزعموا أن أفعالهم خلقلهم لم يخلقها الله ، فلله خلق ولهم خلق بعد قول الله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر) وقالوا هم أيضا : لنا الخلق والأمر ، وإنشئتم والنهي . قال الله – عز وجل - : ( هل من خالق غير الله) .. فأفحم به المشركين .

وقالت القدرية : بل نحن الخالقون لأفعالنا، لبسوا بقول الله – عز وجل - : ( أتخلقون إفكا) وقوله ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) . فمن له الاسموالفعل أولى ممن استعير له الفعل ، وإن ربك هو خلقه العليم ، فناهبوا الله تعالى فيخلقه ونازعوه في اسمه ، وذهبوا ببعض خلقه بل بأفضله الإيمان والتوحيد ، وجعلوا لهشركاء فيما آتاهم ، فتعالى عما يشركون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،حسبهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهم ولإخوانهم المرجئة : (( القدرية مجوس هذه الأمة)) لادعائهم الخروج من النار كقول اليهود (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) وقوله : (( لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا : القدرية والمرجئة)) .

وأما المرجئة فزعموا أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وأنه المأموربه وما سواه فليس بإيمان ، وأن جميع ما أمر الله تعالى من طاعته ليس بإيمان وجميعما توعد الله تعالى عليه العقاب من الأعمال ليس بكفر . فحلوا عرى الإسلام ، وأبطلوافائدة الحلال والحرام ، وأرضوا الله بقول : لا إله إلا الله ، ولو طمسوه بالآثام ،وأبطلوا فائدة قول الله – عز وجل - : ( أحسب الناس أن يتركوا أنيقولوا آمنا وهم لا يفتون) فسبقهم وعيد الله قبل أن يكونوا ، فتسارعوا إلىفعله بعد ما كانوا ، ثم قال : ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنالله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) فرضوا بأحد القسمين أن يكونوا منالكاذبين ، دون أن يكونوا بالأعمال الصالحات من الصادقين ، فلهذا لعنهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع سبعين نبيا قبله ، أوهنوا دعوة الأنبياء عليهم السلام إلىالله – عز وجل - ، وفتروا العباد من الأعمال الصالحات ، فجعلهم يهود هذه الأمةالذين قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة
.

--------------------------------
( 1) العنوان من وضع مراجع الطبعة الثانية .
( 2 )
يعني الإباضية / مراجع ط 2 .











ذكر السنية والمارقة والشيعة والمشبهة ومسائلهم
والسنية تستقي من مذاهب المرجئة ولن يرضوهم من عبيدهم في الدنيا إلا المثل ،فحلوا جميع ما توعد الله تعالى عليه به العباد على المعصية ، من العذاب الأليم ،والخلود المقيم في جهنم أبد الآبدين ، كأن قول الله – عز وجل – عندهم سراب بقيعةيحسبه الظمآن ماء والحيوان خيالا والسكران خبالا ، وسوغوا في عذاب الله – عز وجلووعيده الكذب بعد ما قال : ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكمبالوعيد ، ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) قالوا ذهب الوعيد فيالبيد . أقبح بهم من عبيد .

وأما المارقة : فأنهم زعموا أن من عصى اللهتعالى ولو في صغير من الذنوب وكبير أشرك بالله العظيم.وتأولوا قوله تعالى : ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فقضوا بالاسم على جميع من عصى اللهعز وجل – إنه مشرك ، وعقبوا بالأحكام ، فاستحلوا قتل الرجال وأخذ الأموال والسبيللعيال ، فحسبهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إنناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فتنظر في النصل فلا ترى شيئا، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا ، وتتمارى في الفوق)) فليس في أمة أحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أشبه شيء بهذه الرواية منهم ، لأنهم عكسوا الشريعة ، قلبوهاظهرا لباطن ، وبدلوا الأسماء والأحكام لأن المسلمين كانوا على عهد رسول الله ( صلىالله عليه وسلم ) يعصون ولا تجرى عليهم أحكام المشركين .

فليت شعري فيمننزلت الحدود في المسلمين أو في المشركين ، فأبطلوا الرجم والجلد والقطع ، كأنهمليسوا من أمة أحمد عليه السلام ، احولت أعينهم فنظروا في المعنى الذي أمر الله بهالمسلمين أن يستعملوه في المشركين من جهاد العدو والجد في محاربتهم ، فاستعملوه همفي المسلمين .

فهذه الأفخاذ الثلاث هي التي نص عليها رسول الله ( صلى اللهعليه وسلم ) .

وأما الشيعة الجهلة روافضهم وغاليتهم فأنهم قدحوا في الإسلاموالنبوة والألوهية .
فزعم بعضهم أن عليا إمام مطاع لا يأمر بشيء إلا كفر تاركه ،فجاوزوا بمعصية الله – عز وجل – حكم الله في نفسه وأن في معصيته ما ليس بكفر .

وبعضهم يقول : نبي . فأبطلوا قول الله – عز وجل – في محمد خاتم النبيينحيث يقول : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتمالنبيين) .

وبعضهم يقول : إن ذرية علي أهل الجنة ، وليس عليهم منالإسلام ولا من شرائعه شيء
.

وبعضهم يقول : إن الشيعة كلها ليس عليهم من عملالشرائع شيء إلا من لم يبلغ في حقيقة الإيمان بعلي وذريته ، فتلزمه الفرائض عقوبةله حتى يستبصر ويحقق فتسقط عنه الفرائض ، واستدلوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين أباح الله له تزوج تسع نسوة ، فلما بالغ في الإسلام أباح له كل امرأة مؤمنةوهبت له نفسها ، فليس عليه جناح ، قال الله – عز وجل - : ( ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) إلى قوله : ( لكي لا يكون عليك حرج) . فالإتزار حرام والاتفاق حلال .

وبعضهم يقول : إن عليا حي بجبال رضوى ( 1) الأسد عن يمنه والنمر عن شمالهولابد أن يسوق العرب بعصوين .

وبعضهم يقول : لا إله إلا الله ( 2 ) ، تعالىالله عما يقولون علوا كبيرا .
وليس فيهم طائفة أشبه بالناس قليلا إلا الزيديةوالحسينية وقد وافقوا جميع المسلمين فيما يقولونه ، إلا في التحكيم الذي صاغوه لعليوقد قتل من قال به ، ومن أنكره فجع في قتاله بين المحق والمبطل .

ولعليتخليط دون شيعته في قوله : ( إن كل مجتهد مصيب ) فهدر دم عثمان وطلحة والزبيرومعاوية وعمرو وعذر نفسه وعذر أهل النهروان ولم يعذروه .
ففي فحش مذهب الشيعة مايغني عن الرد عليهم .

وأما المشبهة فحسبهم القدح في إلههم ورجوعهم إلى شبهالأوثان التي تعبد آباؤهم من قبل ، إن مذاهبهم في جميع ما أخبر الرب عن نفسه مثلاعتقادهم في أنفسهم من الجوارح والآلات .

فذهبوا بقول : ( يد الله فوق أيديهم) إلى الجارحة .

وفي الوجه إلى الوجوهحيث يقول : ( كل شيء هالك إلا وجهه) .

وفي الجنبإلى جنوبهم حيث يقول : ( يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله
) .

وفي العين إلى عيونهم حيث يقول : ( تجريبأعيننا
) .

وفي الساق إلى سوقهم حيث يقول : ( والتفت الساق بالساق
) .

وفي اليمين إلى أيمانهم حيث يقول : (لأخذنا منه باليمين
) .

وفي الاستواء إلىاستوائهم حيث يقول : ( على العرش استوى) .وفي أمثالها
.

وجاوز بعضهم إلى أن جعلوه جسما محدودا متنقلا من مكان إلى مكان ويركبالحمار الأقمر ويخرق الحجب لفصل القضاء يوم إلفة القضاء .

وبعضهم يقول : علىصورة الإنسان . وربما يختلف معهم الأحيان ولا يعرف ، تعالى عما يقولون علوا كبيرا .

وهم صنفان : من ذهب إلى ما قلنا صراحا واعتقد أن من نفى عن الله – عز وجلهذا التشبيه فقد أبطله .

وصنف يتوقفون ولا يصرحون بهذه المعاني ولابخلافها ، فيمتنعون من مذهب المسلمين الذين صرفوا هذه المعاني إلى ما يليق بالباريسبحانه – وموجود في لغة العرب ، أن اليد : النعمة والقدرة . والوجه : ذاته . واليمين : القدرة والقوة . والجنب : الكنف . والساق : الشدة . وفي أمثال هذه . ولميصرحوا بالمعنى المكروه .

والأولون قد ردوا على الله – عز وجل – قوله : ( ليس كمثله شيء) فالأولون مشركون ، والآخرون تجاهلوا فهمجاهلون .

وفحش مذهبهم أيضا يغني عن الرد عليهم كإخوانهم .

وأماالسنية فأنهم صغوا إلى إخوانهم المرجئة في الوعد الوعيد ، ومذهبهم في الفتنة يؤولإلى العمى ، واستواء الأرض والسماء ، والمحق والمبطل سواء ، مذهب قادة الهوى فأوردهالردى .

وكذلك قولهم في خلق القرآن كقول الأشعرية في خلقه .
وقولهم فيالأسماء والصفات وخروج أهل النار من النار وقد تقدم الرد عليهم .


-----------------------------------------------
( 1 ) جبل بالمدينة .
( 2 )
ويقصدون بذلك عليا ( مراجعط 2 ) .
ذكر النكار ومسائلهم التي زاغوا بها
وأما النكار فجاهلهم عالم وعالمهم ظالم ، ولهم مسائل في الأسماء والصفات والإماموالوقوف والحجة والسماع والمتبرجة ، وإنما انقطع عذرهم في مخالفة الإمام العدلالسامي الفضل والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

وليس في مسائلهممسألة معنوية إلا المغالطة في الألفاظ ، واللفظ قشر والمعنى لباب . وليس في جميعالمذاهب أقرب منهم إلينا ولا أبعد منهم عنا ضغنا واستكبارا وجهلا وإنكارا ، صدقالله – عز وجل - : ( قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) .

فأول مسائلهم في الأسماء والصفات ، فذهبوا إلى أسماء الله – عز وجلوصفاته إلى الألفاظ وذهبنا إلى المعاني ، فاللباب أفضل من القشر ، فلو كانت الأسماءهي الألفاظ ، لما كان لله تعالى فيها مدحة ولا ثناء ولا عظمة ، كما أنه لو كانتالصفات هي الألفاظ لكانت كذلك
.

فمهما قلنا : الله عالم . اقتضى قولنا الوصفدون الصفة ، والمعنى الصفة دون الوصف ، والوصف منسوب إلينا وهو من أفعالنا والصفةمنسوبة إلى ذات الباري سبحانه ، إذ لا تجري التجزئة عليه ، فتلبس الأمر عليهم ، ولميحسنوا التفرقة بين الوصف والصفة كما قدمنا ، والوصف يتعلق باللسان والصفة بالذات ،ومن ذلك قولك : أعطيت إعطاء ، وأعطيت عطية . فالإعطاء : فعل المعطى ، والعطية هاهنا : المعنى المعطى .

وكذلك قولهم في الولاية والعداوة والحب والبغض والرضىوالسخط :
اقتصروا فيه على ما أبصروا بأبصارهم ، ولم يتجاوزوه إلى بصائرهم .

وكذلك قولهم في تشريك المشبهة ، فإن اقتصرت المشبهة على اللفظ دون المعنى، اقتصروا على الشرك ، ووسعهم إن لم يستبصروا ، فإن استبصروا في اللفظ دون المعنىخابوا وخسروا ، وإن استبصروا في المعنى أشركوا بالله العظيم فلم تغن عنهم الآياتولا الذكر الحكيم .

وأما قولهم في حجة الله لا تقوم إلا بسماع ، وقد سمعهاالناس كلهم . وربما سمعوا هم ولم يسمع الناس .

وأما المتبرجة : فإن جهلواكفرها ولم يبيحوا لها فعلها عذرناهم ، وقدما قالوا في النامصة والمتنمصة والواشرةوالمتوشرة والنائحة والمستمعه والمتفلجات للحسن في عشر لعنها رسول الله ( صلى اللهعليه وسلم ) . وأثبتوا اللعنة وامتنعوا من التكفير والتفسيق .

وليتهم لميعرفوا الكفر في الأفعال إلا من جهة المتبرجة مثلها ، ولا تجاهلوا عن الكل ، وليتهمفعلوا . وفي المتبرجة منافع فلعل بعضها صغير .

وأما مخالفة الإمام – رضيالله عنه - ، فسبيل ذلك سبيل سلفهم الماضي في صحابة رسول الله عليه السلام فيالزبير وطلحة ولهم فيهما أسوة حسنة أو سيئة بين بين ، جمع الله بينهم وبينهما فيدار القرار .

فإن قال قائل : أراك قد أثبت على كل فرقة خطأها وضلالها وأنتبخلافها ، واستدللت بذلك أنك على حق حين خالفت الباطل ، فما تنكر أن يكون القولانسائغين جميعا ، فهذا مأجور وهذا معذور ، وهذا مصيب وهذا قريب ، والخطأ والصوابمحمولان عن هذه الأمة في أكثر علومها ، ووسعهم ذلك .

قلنا : لسنا ننكر ذلك ،ما لم يقع التدين ، وقطع العذر ، وهو البغي الذي ذكره الله – عز وجل – ومصادمةالقرآن بغير أفعالها والرأي والإجماع .

واعلم أن اجتهاد الرأي سائغ لهذهالأمة وله أمكنة ، أمكنة أولها : في جميع النوازل التي تنزل على العباد ، مما ليسلهم عهد من كتاب الله – عز وجل – ولا سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيسرعلهم الاجتهاد بين مخطىء ومصيب . والكل محمول عنهم .

الثاني مذاهبهم فيالتفسير – تفسير القرآن وسنة رسول الله عليه السلام ، فهذا كالأول سائغ لهم كلماذهبوا إليه على الشرط المتقدم .

والثالث : معنى أباح الله لهم القول فيه ،فإن أصابوا لم يؤجروا وإن أخطأوا لم يوزروا ، وكلامهم على قدر عقولهم وآرائهم ليسعليهم فيه نظر ، كالقول في العرش والحملة والحفظة والسموات والكواكب والنجوم والشمسوالقمر والدراري والآثار العلوية : كالسماء والمطر ، والنبات والزهر والجن والإنس . هذا بشريطة كله أن يقع للمتكلم فيما لا يتعلق به الشرع ، وإليك بفن واحد تستدل علىما عداه .

قالوا في الحفظة : اثنان وأربعة وستة وثمانية وعشرة وعشرون ونيفوثلاثون ومائة وستون ، في أمثالها ، كما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إن المسلم عليه من الحفظة مائة وستون يدفعون عنه ما لم يقدر له)) . والحديث القائل : (( ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبامباركا فيه)) . فهذه لا أجر ولا وزر مما لا يغني .

وكذلك قاولا فيالزهراء وسهيل والمحلقين ، وأن في كل أرض كعبة وآدم إلى سبع أرضين ، وأن في كل سماءبيتا كالبيت المعمور .

وكذلك اختلافهم في أفراق هذه الأمة ، فبعضهم يعتذربأفرق المسلمين والمشركين .

وكاختلافهم في الأمة كذلك ، حتى اعتدوا بيأجوج ومأجوج فيها .

وكذلك اختلافهم فيما يبقى من الخلق وما يفنى ، وما يعود غدا فيالمحشر من المكلفين وما لا يعود.

إن قال قائل ( ما دليلك على أن أمة أحمد هالكة ما خلا أهل مذهبك )
فإن قال قائل : هذه أمة أحمد ( صلى الله عليه وسلم ) قد قضيتم عليها بالهلاكوالبدعة والضلال ، وحكمتم عليهم بدخول النار ، ما خلا أهل مذهبكم .

قلنا : إنما قضاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا نحن بقوله حين يقول : (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهن إلى النار ماخلا واحده ناجيةوكلهم يدعي تلك الواحدة)) .

فإن قال قائل : هذه أمة أحمد ( صلى اللهعليه وسلم ) قد أصيبت باتباع أوائلها ، وما يدريكم لعلكم أنتم أيضا ممن أصيب باتباعأوائله ؟ ولم قضيتم أن أوائلكم على الهدى وأوائل غيركم على الردى ، وأوائلكم غيرمعصومين كأوائل غيركم ؟ قلنا ، وبالله التوفيق : إنا اتبعنا أوائلنا وحاسبناهمواتبعناهم تقييدا ولم نتبعهم تقليدا ، فعولت أوائلنا على الوزن بالقسطاس المستقيموالبرهان القويم وهو الكتاب والسنة ورأي المسلمين ، وذلك أنه لم تفترق فرقة بعدرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا كان أوئلنا في أفضلها حتى انتهى الأمر إلينا
.

وأول ذلك : أن المسلمين اختلفوا بعد رسول الله عليه السلام فأجمعوا علىأبي بكر الصديق – رضي الله عنه – فخالفت الشيعة ، وكنا مع المهاجرين والأنصار وكانتمع حزب الشيطان الرجيم ، وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في حزب أبي بكر الصديقفوقفنا في حزب الذين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمهاجرين والأنصاروأهل الشورى بعدهما ، ثم ولي عثمان بعد الإمامين فاختلف عليه أصحاب رسول الله عليهالسلام ، فجل المهاجرين عليه لا له والأنصار ، إلا ما كان من زيد بن ثابت وعبد اللهابن سلام والمتوقفون عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة ، وباقيالمهاجرين والأنصار عليه لا له ، والإمام عمار بن ياسر رضي الله عنه لما جعله رسولالله ( صلى الله عليه وسلم ) علامة للفتنة قال : (( مالهم ولعماريدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، إنما عمار جلدة ما بين أنفي وعيني)) . مهما أصيب المرء هناك لم يستبق . وقوله لعمار (( إنما تقتلكالفئة الباغية)) .

وقوله عليه السلام : (( عليكمبهدي عمار وبهدي ابن أم عبد
)) .

ثم أطبق الشورى والمهاجرين والأنصارعلى علي وكنا معهم ، فخرج عنه طلحة والزبير فمكثا الصفقة وعائشة أم المؤمنينالتائبة ، فحصلنا بحمد الله مع الجمهور . ثم خالف معاوية وعمرو بن العاص بالشام ،وليس معهم من المهاجرين والأنصار مقهور ولا مذكور فحصلنا مع علي وعمار ومعالمهاجرين والأنصار
.

ثم أن عليا رجع على عقبيه ورضي بالحكومة التي كفرراضيها وصوب ساخطها ، فقتل الفريقين جميعا الراضي والساخط والمحق والمبطل .

وكنا على الأصل الأول الذي فارقنا عليه أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر (1) الذي جعله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علما للفتنة حين قال : (( عمار تقتله الفئة الباغية)) فأثبته على الهدى عند الاختلاف ،وحين قال : (( عليكم بهدي عمار وبهدي ابن أم عبد)) وقال : (( مالهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار )) . فوقعنا بحمد الله في حزبهما .

فإن كان الجميع على الحق ، فنحن أولى ولا نعمتعين لهم .

وإن كانوا على باطل سلمنا ، إذ لا تجتمع أمة محمد ( صلى الله عليهوسلم ) على ضلال .

وأما يهود هذه الأمة المرجئة ومجوسها القدرية فقد كفانامؤنتهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك المارقة الخوارج من الدين .



-------------------------------------------
( 1 ) أي فارقنا أجسادهم بوفاتهم لا مبادئهم .( مراجع ط 2 )

الرد على الأشعرية ومن ذهب مذهبهم في صفات الباري سبحانه (1)
اعلم يا أخي أعزك الله وأرشدك ، ووفقك وأيدك أنك ذكرت ما جرى لبعضهم مع بعض أهلالأدب من الأشعرية في خلق القرآن وأمر الصفات صفات الباري سبحانه وأسمائه الحسنى ،وكتبت تسألني شرح ذلك وصادفني كتابك وأنا مشغول البال مختل الحال بمرض العيال ، وهوالسبب الذي أوجب تأخير الجواب إلى هذا الأوان ، لاسيما الكلام في هذه المسائل مخطربأمرين أحدهما : التعرض للقدح في ذات الباري سبحانه وصفاته العليا وأسمائه الحسنىمن غير ما حاجة ضرورية دافعة ، إذ يتعذر كنه جلال الله سبحانه أن تقع الأوهام علىحقيقته ، فكيف تنطق الألسنة فتنطلق وتسعى وتعيق ، لولا ما سومحنا فيه من ذكرهبأسمائه التي نص عليها وبصفاته التي نص عليها ، وقد يستسمح الناس على قلة أخطارهممن الأبناء والعبيد والعوام والنديد ذكر الآباء والكبراء والسادة والأكفاء مشافهةبأسمائهم ، لكن كناية : يا أبتي إذا كان أباه ، ومن العبيد يا مولاي إذا كان مولاه، ومن الكفو يا أخي ، ومن العامة يا سيدي ، فكيف بمن ليس كمثله شيء وهو السميعالبصير وجل عن أن يشبهه شيء ، أن تبوح الألسن بذكره ، أو تتعرض لشكره فتنطق وتقولبلسان حال وقلب خال : يا الله يا رحمن يا رحيم . هكذا باسمه لا كناية لولا الرؤوفالرحيم الغني الكريم .

الثاني : أن هذه المسائل قليلة الجدوى في ما يتعلقبالبلوى ، إذ لا تؤثر في العبادات ولا تنفع في ترك الحرمات ، وقد يحصل ذكر اللهعز وجل – في القلوب التي هي موقع نظر الباري سبحانه بأقل الخطوات ، وتخرس الألسنعند ذكره عند من أشرف على الملكوت والجبروت دون التفيهق والتشدق من هذا الوجه الخطرالعظيم الضرر ، فكأنما الخائض فيما لا يعني وشارع فيما لا يغني ، وإذا لم تعفني منالسؤال ولابد من الشروع في المقال فإني أقول ولا حول ولا قوة إلا بالله العليالعظيم الكبير المتعال .

اعلم أن الأشعرية (2) قد اختلفنامعهم في عشرة مواطن :-

أولها : أنا قلنا الباري سبحانه يوصف بالعلموالقدرة والإرادة وسائر الصفات التي يوصف بها . فقالوا : إنها معاني وليست بصفات . فالعلم عندنا صفة وعندهم معنى لا صفة ، والقدرة عندنا صفة وهي عندهم معنى ليست بصفة، وكذلك الإرادة وسائر الصفات ليست بصفات ولكنها معاني .فالصفة عندهم هي الوصف .

والثاني : أنهم أطلقوا على هذه المعاني التي ذكروها أنها أغيار لله تعالى، فأوجبوا التغاير بينها البين .

والثالث : أنهم أثبتوها معاني غير الله وهيقديمة . ونحن نقول : ليس هناك معنى غير الله ولا قديم مع الله .
والرابع : أنبمقتضى هذه المعاني كان الله موصوفا بها : فبالعلم كان عالما ، وبالقدرة كان قادرا، وبالإرادة كان مريدا ، وعلم بعلم ، وقدر بقدرة ، وأراد بإرادة ، وحيي بحياة ،وقدم بقدم .

والخامس : أن هذه المعاني التي وصفوه بها معان قائمة بالذات ذاتالباري سبحانه .

والسادس : أنهم وصفوه بالوجه واليدين والرأس والعينينوالجنب والجلسة واليمين والقبضة والساق والقدم والاستواء والميل وخرق الحجب وركوبالحمار والأقمر وأنه النور الأنوار .

والسابع : أن الكلام من المعاني التيوصفوه بها وهو قائم بذاته ولم يزل به .

والثامن : أن الأمر والنهيوالمندرجين في الكلام من المعاني التي وصفوه بها وقائمان بذاته ولم يزل كذلك ،وتعالى الله عن ذلك .

والتاسع : أن القرآن وسائر الكتب المنزلة من الله منالمعاني التي يوصف بها في ذاته لم يزل بذلك سبحانه .

والعاشر : أن العدلوالإحسان والفضل والمن والإنعام صفاته ، ولكنها أفعاله محدثة .




-----------------------------------------
( 1) هذا العنوان غير بارز في ط البارونية ( مراجع ط 2 )
( 2 )
في اصطلاح أصحابنا المغاربة لا يميزون بين فرق السنة : حشوية أو أشعريةأو ماتريديه وإنما يطلقون على الكل أشعرية ، ولابد من التمييز وإلا لوقع الخلط فيأقوالهم الاعتقادية وهذا ما حصل من المؤلف رحمه الله تعالى فليتنبه لذلك ( مراجع ط 2 )


ولابد من مقدمات تكون بين يدي هذه المسائل إما وصلا بين المتناظرين أو عدلاوفصلا بين المختلفين .

أحدها : أن يقع الاتفاق على أن الباري سبحانه لم يفردنفسه بلغة غير لغتنا التي استعملناها بيننا .

والثاني : ألا يطلق على الباريسبحانه ما لم يأذن به الشرع ، أو معنى يحيله العقل ، لاتفاقنا نحن وهم على أن اللهعز وجل – ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

والثالث : مراعاة اللسان التييقع بها التناظر والتحاور بين الفريقين ، ويق بها البيان بين المختلفين . ومعالثلاثة أخرى :

أحدها : أن يتضح المعنى الذي أراده المتناظران ، فيحصل حداأو رسما ، لئلا يصيرا كالأحولين .

الثاني : أن يستند قول الحق منها إلىالبرهان الصحيح حقيقة وتبيانا ، فيحصل علما ضروريا أو عقليا أو شرعيا أو لغويا .

والثالث : الإقرار بالحق إذا ظهر ، والإذعان له إذا بهر ، والاتنصار إذاكفر من جميع من حضر .

اعلم أن الأشعرية بنت مذاهبها فيالباري سبحانه وصفاته وأسمائه وتشبيهه بخلقه على الهروب من الواضح إلى المشكل ،وعولت بعد العثار على الاعتذار، وأني لهم به بعد الانتصار ؟ وتعرضوا للبلاءوهم عنه أغنياء فلن يرضى بهذا عاقل ولن يخفى على جاهل ، وقد قال الأول : (( إياكوما يعتذر منه )) . كل الوجوه ، وأقررنا بالوحدانية لا شريك له .

فأول ماغلطوا فيه أن أفسدوا على العرب لسانهم ، وغيروا عليهم لغتهم ، وقالوا : إن الصفة هيالوصف والعدة هي الوعد والزنة هي الوزن والسمة هي الوسم والعظة هي الوعظ . وقد فرقأهل اللسان بينهما . وأوجبوا الصفة للموصوف والوصف للواصف ، والعدة للموعود والوعدللواعد ، في أمثالها . واعتذروا بأن قالوا : إن النجاة قد أجازوا ذلك . قلنا لهم : مجازا لا حقيقة ، وإنما نحن في الحقائق.

والعجب منهم أنهم يأتون أمرا لمينفعهم ولم يضر غيرهم .

وكذلك العدة هي العطية الموعودة ، والوعد فعل الواعد، والعظة صفة الموعوظ ، والوعظ فعل الواعظ ، والسمة أثر في الوجه والواسم الفاعلوالوسم فعله .

(
الثانية ) : أنهم نفوا عنه السواد والبياض والألوان بأسرها، والأحوال بجميعها ، والصنائع العلمية ، والحياء والحياة والعلم والقدرة والإرادةوالرضى والسخط وأمثالها أن تكون صفات ، لكنها معان ليست بصفات ، فهربوا من الواضحالمعهود إلى المشكل المردود ، فما حاجتهم في أن جعلوا لله معاني في قول من جعلالصفات السبع بمجموعها هي الألوهية ، في قول من أثبت الذات وركب فيها المعانيالسبعة وأثبتها هي الألوهية ، جمعوا بين فساد اللغة وفساد الألوهية ، وخافوا أنيتوهم عليهم وحدانية الباري سبحانه ، وقالوا : إن هذه المعاني أغيار لله – عز وجلوأغيار بينها البين .

قلنا لهم : وهل تجوز أن تكون أغيار لم تزل؟

قالوا : إنها قديمة . فارتبكوا .

وقلنا لهم : يا سبحان الله ،فالقديم قديم ، فلابد للغيرية من العدد والشركة والتباين ، فلما نظروا إلى قولهمالفاحش تكعكعوا ، وما يغني عنهم وقد جعلوا له من عباده جزءا ، إن الإنسان لكفورمبين ، فتفرقت بنا وبهم السبل ، فحصلوا في الكثرة بعد الوحدانية ، وحصلنا في الوحدة، من وراء هذا أن أظهروا افتقار الباري سبحانه إلى هذه المعاني التي ذكروها منالعلم والقدرة والإرادة .

وقالوا : بالعلم علم ، ولولا علمه لم يكن عالما ،ولولا قدرته لم يكن قادرا ، ولولا إرادته لم يكن مريدا . وأظهروا افتقاره إلى هذهالمعاني تعالى الله ، وسلبوها عن ذاته وجعلوها محتاجة إلى الغير .

ولمانظروا إلى العلم لا يوصف بالقدرة ولا بالإرادة ولا بالحياة ، والقدرة كذلك لا توصفبالعلم والإرادة ، تكعكعوا ورجعوا إلى الذات . وقالوا : لابد لها من المعانيالمذكورة من الحياة والقدرة والعلم والإرادة ، ولابد لهذه المعاني من ذات تقوم بهاهذه المعاني بمجموعها ، ومجموعها هو الإله . فضاهوا بقولهم قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، وهو قول أهل الهيلى والصورة ، وجاوزوهم إلى الثنوية ( 1 ) ، ثم إلى أصحاب ثالث ثلاثة أصحاب الأقاليم ، بل إلى أصحاب الطبائع الأربع

أصحاب الاسطقسات من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، بل إلى الخرميةالذين قالوا بالأس بل إلى أصحاب العدد الكامل أهل التسديس ، فجاوزوهم إلى التسبيعوالتثمين ، ولم يبلغوا التسيع إلا الاثنى عشر ، وهذا تنبيه على ما قلنا أولا منالإشارة إنهم يهربون إلى المشكل ، من غير ما ضرورة دافعة وربهم أغنى بأن يجعلوهعضين كالمشركين في القرآن .

ثم إنا سألناهم عن هذه المعاني التي أوجبوهاقديمة مع الباري سبحانه أين هي ؟

فقالوا : قائمة بالذات . فضاهوا بقولهم قولالمحقين في الأعراض : أنها حالة في الجسد .
وقالوا هم : إن المعاني قائمة بالذات . فلو جعلوا الأعراض قائمة بالجسم والمعاني التي ذكروها حالة في ذات الباري سبحانهلما زادوا ، فالمعنى الموجود في الأجسام صراحا نحلوه ذات الباري سبحانه برحا ،ولبسوا على أنفسهم حين خالفوا بين الألفاظ فما يتحاشون مما يأتون به من لا شيء ،أولا يرون أن الحي منا حي والباري سبحانه حي .

وقد قدمنا أن اللغة واحدة ،والقائمة حالة والحالة قائمة .

وقد قدمنا أن الباري سبحانه لم يفرد نفسهبلغة غير لغتنا التي نتخاطب بها .

وللباري علم ولنا علم ، وله قدرة ولناقدرة ، وله إرادة ولنا إرادة ، وله قيام المعاني ولنا حلول الأعراض . يا سبحان الله . ولو عكسوا فما عدا , فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .

وأمامذهبهم في التشبيه والجوارح فعلى وجهين : أما من ذهب به مذهب الجوارح فلا يخاطب ولايعاتب ، فإن أنفذهم قد ترأرأ ببصره نحو الإله فانعكس بصره إلى جسده فلمحه ، فخالهإلهه ، فكبر وعظم ، وصلى وسلم وقال : الحمد لله الأكرم ، ذي الآلاء والنعم ، والوجهوالقدم ، واليد والعظم ، والعين والفم ، والجوارح كلها الجم ، والنون والقلم ، وماأدراك ما نون والقلم وما يسطرون . فاستجاب له العميان من جميع البلدان وصدقوا قولتهوأجابوا دعوته . ( شعر )

فلميبق إلا أن يقول أنا الرب = إلى الكعبة البيت الحرام ولا ريب
فإني رسولفاستجيبوا لربكم =فإن أنتم لم تؤمنوا فأنا الرب


فأقرب من ذلك موقعا أن يختلف معهم في الأسواق ولا يعرفونه ، وتضمه معهمالمساجد والمجالس ولا يثبتونه . ويقول : أنا ربكم الأعلى . ولا ينكرون ، بشرط أنيكون وسيما جميلا جليلا ، ولا قبيحا ولا ذميما ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وهؤلاء قوم فرحوا بما عندهم من العلم ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .

وأما من امتنع منهم من إجرائها على المعاني التي تعرف : من الوجه أنهالجاه ، ومن القدم بما قدم لها من الشقوة ، ومن اليد أنه النعمة والقوة ، ومنالمعصم ما يعتصمون به ، ومن العين العلم تجري بأعيننا ، ومن الفم الكلام ، وفيأمثال ، هذه معروفة عند العرب أنها الجارحة وثمرة الجارحة كما يعقلها العرب ، فلحبوطريقا وسطا بين الخيال والوبال ، فامتنعوا من الجوارح ، وامتنعوا من اللغة .

قلنا لهم : أتعرفونها ؟

قالوا : لا ، إلا أنها صفة الله .

وقد صدق القائل : قد يتكلم المجنون بما يعجز عنه العاقل . فهؤلاء مذبذبونبين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، شرعوا الجهل دينا ورأوة دينا ، ومالوا عنالحق بونا ، وأصابوا حينا ومينا .

وأما مذهبهم في الكلام في الأمر والنهيوالقرآن ، فهو الذي جر عليهم حبنهم ( 2 ) ، فأظهر الرب شينهم ، فأصبحوا مثل النصارىبينهم .

وأما ذنبهم الذي أوردهم جميع المهالك وسيئاتهم التي أحاطت بهم منأجلها خطيئاتهم حين غلطوا في القرآن ، فنفوا عنه الخلق وأثبتوه معنى غير الله يوصفبه الباري سبحانه ، وفعثروا عثرة لا إقالة لهم بعد العثور .

ثم من بعدالعثور وقعوا في قولهم : إن الأمر والنهي معنيان يوصف بهما الباري سبحانه ولم يزلبهما ، قائمين بذاته . فوقعوا وقعة لا انجبار لهم منها .

ثم من بعد الوقوعلغطوا في قولهم : إن سائر الكلام معنى يوصف به الباري سبحانه ، قائم بذاته فسقطواسقطة تعسوا فيها اليدين والفم .

ثم من بعد السقوط انزلقوا في قولهم : إنسائر الصفات من العلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات ، أنها معان غير الله وهيمتغايرة بينها البين . فانزلقوا زلقة وصادفوا بئرا لا قعر لها ، تهوي بهم الريح فيمكان سحيق . ثم من بعد الانزلاق التجأوا إلى جرف هار في قولهم بعد الصفات في الذاتإنها مرئية

بالأبصار ، محدودة بالأقطار ، موصوفة بالوجه والعينين والرأسواليدين والساق والرجلين والقدم والركبتين والجنب والإصبع في سائر الصفات صفاتالبشر فانهار بهم في نار جهنم . فهو آخر العهد بهم.

وقد صدق الله – عز وجلفي قوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون) هذا مثلهم في القرآن ولله المثل الأعلى .

ومثلهم فيالتوراة والإنجيل : عن اليهود تقول لهم : قبحا لكم وسحقا . والنصارى تقول : مرحباوأهلا ، وأقذر بقوم تأففت منهم اليهود واستقذرتهم ، واستبدت بهم النصارى وأحبتهم .

والمعذرة إلى الله – عز وجل – وإلى المسلمين أن لا يأخذ علينا أحد فيتمثيل كل فرقة منهم بما يليق بهم ، ونسبنا إلى الهجو والفحش من الكلام ، ولنا فيكتاب الله – عز وجل – أسوة حسنة ، قال الله تعالى في بنعام بن باعورى إمام العوروقائد البور : ( فمثله كمثل الكلب) إلى قوله : ( فأولئك هم الخاسرون) .

وقال في اليهود عليهم لعنة الله : ( كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات اللهوالله لا يهدي القوم الظالمين
) .

وفي المنافقين . ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهمفي ظلمات لا يبصرون ) إلى قوله : ( إن الله على كل شيءقدير) وقال : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله ) إلى قوله : ( لو كانوا يعلمون) وقال : ( مثل الذين كفروا بربهم وأعمالهم كسراب بقيعة) إلى قوله : ( فما له من نور) . والحمد لله رب العالمين
.




-------------------------------------------
( 1 ) كانت في ط البارونية ( التقوية ) ولعل الصواب ماأثبتناه ( مراجع ط 2 )
( 2 )
الحبن : مرض يصيب البطن . ( مراجع ط 2 )





[ باب : بيان معتقدنا ] ( 1)
وها نحن نبتدىء في إيضاح معتقدنا في الباري سبحانه ، وما يتعلق به من صفاته وأسمائه وذاته إن شاء الله.

فأول ذلك إن قال قائل : ما الدليل على إثبات وجود الباري سبحانه ؟

قلنا : وبالله التوفيق : الدليل على وجود الباري سبحانه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على قدمه ؟

قلنا : يبقه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على حياته ؟

قلنا : تصرفه في الحدث .

فإن قال : ما الدليل على علمه ؟

قلنا : إتقانه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على قدرته ؟

قلنا : صدور الحدث .

فإن قال : ما الدليل على إرادته ؟

قلنا : تمييزه الحدث .

فإن قال : ما الدليل على رضاه وسخطه ؟

قلنا : اختلاف الحدث .

فإن قال : ما الدليل على الحدث ؟

قلنا : الحدوث . والله الموفق للصواب .

وعلى هذه الأصول عولت الموحدة في إثبات الألوهية بينهم وبين الدهرية . فأطبق الموحدة على ذلك إلا من شذ في بعض الفروع .

الشرح : وبالله التوفيق.

فإن قال قائل : وما في الحدث مما يدل على وجود الباري سبحانه ؟

قلنا وبالله التوفيق : انطباق الفطرة العقلية على أن النباء دال على بان ، والكتابة دالة على كاتب ، والأثر دال على المؤثر ، والصناعات كلها دالة على صناعها ، عقلا وشرعا ، ولغة وطبعا .

أما من جهة العقل : فإن علوم العقل ثلاثة مغروزة في جبلته ومنقوشة فيه مجملة وهي : وجوب الواجبات ، وجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، فهذه إحدى الواجبات ، ومحال ظهور الأثر ولا مؤثر ، وكتابة ولا كاتب ، وبناء ولا باني ، وصناعة ولا صانع ، وحدث ولا محدث .

وأما الشرع : فقول الله – عز وجل - : (
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ) إلى قوله : ( لقوم يعقلون) . فجعل الله – عز وجل – حدوث هذه الأسباب دلالة على صدقه فيما قال ، فضلا عن وجوده ، وقد ثبت وجود الفرع فما بال الأصل وقوله : ( قل من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .

وأما اللغة : فمن جهة اللفظ قسمت العرب هذه الألفاظ على جميع لغتها أن الحدث يقتضي الإحداث والمحدث والمحدث ، والخروج يقتضي المخرج والمخرج والإخراج والخروج ، وهذه في سائر لغة العرب . ولابد للفعل من هذه الأربعة معان : الفاعل والمفعول والفعل والفعل . فالفاعل والمفعول معروفان والفعل المصدر . والفعل الاسم . قال الله – عز وجل - : (
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) .

وأما الطبع : فمحال وجود الحدث ولما يفعله أحد ، عقلا نفرت منه الطباع واستحال الاختراع ، إلا من مخترع مبتدع ، وساغ الامتناع .

فلو أطبق الخلق والخلائق أن ينحلوا فعلا غير فاعله لأحلوا ، ولو شهدوا بهذا عند من له أدنى عقل لكذبهم واستخف بهم .

واعلم أنه لم يختلف اثنان ، بعد ثبوت حدوث الحدث أن له محدثا ، فعلم هذا ضروري كما قدمنا ، وأنما وقع التشابط والتخابط بين الموحدة والدهرية في حدوث الحدث ، ولسنا والأشعرية مختلفين في شيء من هذا .

فإن قال قائل . ما الدليل على قدمه ؟
قلنا : كونه قبل الحدث .

واعلم أن القديم من سبق وجوده وجود الحدث ، فكل من لم يكن ثم كان فهو المحدث ، وكل من كان ولا تكوين فهو القديم .

فإن قال قائل : ما الدليل على حياته ؟

قلنا : تتصرفه في الأشياء بالإنشاء والإفناء والإبادة والإعادة والنقص والزيادة ، وهذا إلى علم الضروريات أقرب ، وإليه أذهب .

فإن قال قائل : ما الدليل على علمه ؟

قلنا : إتقانه الحدث ، ولما رأينا المحدث قد تأتي على مراد المحدث ، وصار كل شكل إلى شكله ، ورجع كل فرع إلى أصله ، من الأرض والسموات والأشجار والنبات والجماد والحيوانات ، على نظام واحد ، وترتيب واحد .

وهو الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ، وخلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، وهذه الضرورية أقرب .

والعلم والقدرة والإرادة والرضى والسخط من توابع الحياة .

وصفات الحي مهما انخرمت منها صفة انخرمت الحياة ، ولابد من الإشارة .
فإن قال قائل : ما الدليل على القدرة ؟
قلنا : صدور الحدث . ولا يصدر إلا عن قوة وإلا فالقوي والزمن واحد والحي والميت واحد .

فإن قال قائل : ما الدليل على الإرادة ؟

قلنا : تمييزه بين المقدورات ، هذا قد شاء وجوده فوجد ، وهذا لم يشأ وجوده فلم يوجد ، ووجد الموجود على صفة ما ، وغيره على خلافها ، والقدرة جارية عليهما قد شملتهما ، وفرقت الإرادة والمشيئة بينهما .

وكذلك الرضى والسخط دليلهما اختلاف المحدثات ، فهذا حسن جميل ، وهذا قبيح رذيل ، ولولا الرضى والسخط لما وقعت التفرقة بين الخير والشر ، فمن كان بهذه الصفة ، يعني من لا يوصف بالرضى والسخط ، فهو إلى الموات والجماد أقرب .

فإن قال قائل : ما الدليل على الحدث ؟

قلنا : الحدوث .

فهذه المسألة بيننا وبين الدهرية ، فحسبنا منها حدوث الأعراض في الأجسام ، والأعراض محدثة ، لا يخلو الجسم من حادث ، ولا ينفك منه ، فما لم يسبق الحدث فحدث مثله .

فمن أراد حقيقة هذه ، فليطلبها في أدلة الموحدين في النفر الثمانية ، وفي كتاب ابن الخياط مستقصى .



رد مع اقتباس