منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الصلاة للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 01-30-2011 ]
 
 رقم المشاركة : ( 15 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



س:
سنّة الفجر .. مَن لم يُدرِكها قبل الفريضة، متى يأتي بها ؟


ج:
هذه المسألة اختلَف فيها العلماء .. مَن صلى الفريضة ولم يَأت بِالسنّة، وذلك لا يَخلو مِن أحد أمرين اثنين:
إما أن يأتي بالفريضة في أواخر وقتها بحيث لم يَتبقّ مِن الوقت ما يَتّسِع للسنّة فهاهنا يأتي بها بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار قيد رُمح .. هذا بناءً على رأي مَن يقول بالقضاء، كما سيأتي بِمشيئة الله تبارك وتعالى، أما إذا كان الوقت متّسِعًا للصلاة ولكنّه صلى مع الجماعة وأراد أن يأتي بعد ذلك بِالسنّة فاختلف العلماء متى يأتي بها ؟
أوّلا اختلفوا في قضائها:
منهم مَن قال: لا تُقضى، فبِما أنّه صلى فريضة الفجر فليس عليه أن يَقضيَها أو لا يُؤمر بقضائها-لأنها هي ليست عليه-في واقع الأمر-بمعنى الوجوب-لكنّه لا يُسَنُّ له أن يَقضيَها، وهذا قول ضعيف جدا.
ومنهم مَن قال: يَقضيها بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار قيد رُمح.
ومنهم مَن قال: بعد طلوع الشمس مباشَرة، وهذا بناءً على أنّ وقت النهي يَنتهي بِمجرّد تَحقُّق طلوع الشمس تَماما.
والصحيح أنّه لابد مِن أن يَنتظِر إلى مقدار قيد رُمح، وذلك يُقدَّر بِما يَقرُب مِن اثنتي عشرة دقيقة أو ربع ساعة تقريبا.
ومنهم مَن قال: يَقضيها بعد فريضة الفجر.
ومنهم مَن قال: هي لا تُقضى بعد الفريضة بل تُؤدَّى، وإنّما تُقضى إذا أخّرها إلى ما بعد طلوع الشمس.
ومنهم مَن قال: هو مُخيَّر إمّا أن يَقضيَها بعد السنّة وإما أن يَقضيَها بعد طلوع الشمس بِمقدار قيد رُمح.
و-على كل حال-قد رُويت في ذلك أدلّة .. استدل كل فريق بأدلّة-إلا أنّ القول بعدم القضاء مِن الضعف بمكان-وأرى أنّ الأدلة التي استدل بها كل فريق-الخاصّة بهذه المسألة-لا تخلو مِن مقال، فهي إلى الضعف أقرب منها إلى الثبوت، وإن قال بثُبوت بعضٍ منها بعضُ أهل العلم.
ولكنني مع ذلك كلِّه أقول: إنها تُقضى بعد الفريضة، وذلك لأنّه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى سنّة الظهر البَعْدِيَة بعد فريضة العصر، كما جاء ذلك عن السيّدة أم سلمة رضي الله-تبارك وتعالى-عنها، وهو حديث صحيح.
أمّا قول بعض أهل العلم أنّ ذلك خاص به فهو ضعيف، إذ إنّ الأصل أنّ الأمّة تساوي النبي e في الأحكام ما لم يأت دليل يدلّ على الفرق.
واستدلال بعضهم برواية فيها أنّ أم سلمة سألته صلوات الله وسلامه عليه عن قضائها أن لو حصل لها ذلك فقال لها: " لا " .. ذلك-في حقيقة الواقع-لا يَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبِما أنه لا يَثبت لا يُمكِن أن يُحتَجّ به.
وقول بعضهم بأنه يَجوز القضاء بعد فريضة العصر لأنه ليس بوقت نهي ولا يَجوز بعد فريضة الفجر .. ذلك مردود، إذ لا دليل عليه، بل الدليل دالٌّ على أنه وقت للنهي.
فإذن يُؤخَذ مِن هذا الحديث ومِن غيره مِن الأحاديث الأخرى التي تدلّ على ذلك كصلاة الرجلين اللذين صليَا في منزلهما ثم أتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُصليا معه فسألهما: ( ألستما بِمسلِمَيْن ؟! ) فقالا له: " بلى " فأمرهما بالصلاة مع الناس، إلى غير ذلك مِن الأحاديث الكثيرة الدّالة على هذا المعنى، وأرى الوقت لا يكفي لذكرها كلِّها .. هذه الأحاديث تدلّ على مشروعية القضاء في مثل هذه الأحيان .. أي في الأوقات التي يُنهى عن الصلاة فيها وليس النهي فيها نهي تَحريم.
فيقضيها بعد فريضة الفجر وإن أَخَّرها فلا بأس ولكن الأفضل أن يَقضيَها في ذلك الوقت .. هذا ما أراه؛ والعلم عند الله.


س:
ذكرتُم في جوابٍ سابِق(22) أنه مِمّا يُقرَأ في سنّةِ الفجر الآية الثانية والخمسين مِن سورة الأنعام.


ج:
فإذا كان ذلك فهو مِن بابِ سبْقِ اللِّسان .. المراد الآية التي في سورة آل عمران لكن بَقِيَ أنه يَحتاج إلى نظر هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يَقرأ هذه الآية بِكاملِها أو أنه يَقرأُ الجزءَ الأخيرَ منها ؟ حيثُ إنه جاء في الروايةِ المروية عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: { آمَنَّا ... }.. مِن هذا إلى آخِرِ الآية، فهل كان يَقرأُ صلى الله عليه وسلم : {... آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ سورة آل عمران، من الآية: 52 ] هذا الجزء فقط بعد فاتحة الكتاب كما هو الظاهِرُ مِن الرواية أو أنه كان يَقرأ الآية مِن أوّلِها ؟ فهذا مُحتمِل.
فالآية مِن سورةِ آل عمران وليس مِن سورةِ الأنعام.
وهكذا الرواية الثانية الآية الرابعة والستين مِن سورة آل عمران وهذه الرواية الثانية فيما يَظهر لِي بِأنها شاذّة، فإذا كنتُ قد قلتُ بِخلاف ذلك فذلك مِن باب سبْقِ اللسان الذي أرجو أن يَكون مَعْفُوّا عنه بِإذن الله تبارك وتعالى.
وأُنبِّه-أيضا-أنّ ما ذَكَرناه(23) في مسألةِ الجمْع بيْن الصلاتيْن في الـحَضَر هل يَأتِي المصلِّي بِالرواتِب ؟ ما ذَكَرناه(24) مِن أنه عند بعض أهل العلم أوّلا يَأتِي في حالة الجمْع بيْن الظهر والعصر .. يَأتِي بِراتبةِ الظُّهرِ القبلِية ثم راتبةِ الظُّهْرِ البعدِية ثم راتبةِ العصْرِ القبلِية هذا بناء على رأي مَن يَقول بِالراتبة لِفريضة العصْر أما مَن لا يَقول بِذلك فلا يَقول بِهذا، وكذلك ما ذَكَرناه(25) مِن القولِ الثاني بِأنه يَأتِي أوّلا بِراتبةِ الظُّهر القبلِية ويُمكِن أن يُؤخِّرَها .. أعني بعدَ الإتيان بِالفريضتيْن معا ثم يَأتِي بِراتبةِ الظُّهْرِ البعدِية ثم راتبةِ العصْرِ القبلية(26).. هذا بناءً على رأيِ مَن يَقول بِراتبةِ العصْر، وهكذا بِالنسبة إلى القولِ الآخَر الذي فَصَّلَ فيه أصحابُه إذا جَمَعَ بيْن الظهر والعصر جَمْعَ تأخير هل يَأتِي بِهما بعد الظهر أو بعد الصلاة الأولى ؟ هذا كلُّه بناءً على رأيِ مَن يَقول بِراتبةِ العصْر القبلِية، وقد قلنا(27): " إنه ليستْ هنالِك راتبة وإنما هو مُجرّدُ تَنفّل-فيه خيْرٌ كثيرٌ بِمشيئةِ الله تبارك وتعالى-ولكن لا يُؤتَى بِها في حالةِ الجمْع "، فيَنبغي أن يُنتبَه لِهذا وإن كان واضِحا فيما أَحسب إذا جُمِعَ بيْن الدروسِ جميعا.
وهكذا يَنبغي لِلإنسان أن يَجمَعَ بيْن الكلام مِن أوّلِه إلى آخِرِه، ولا يَنظُر إلى جزئيةٍ مِن الجزئيات، كما نَسمعُه مِن كثيرٍ مِن الناس عندما يُرِيدُ الواحِدُ منهم أن يُصلِّيَ في موضعٍ تَماما يَنظر هل لِلإنسانِ أن يَتّخِذَ أكثرَ مِن وطَن ؟ فيَنظرُ في هذه المسألة ويَجِد أنّ العلماء قالوا: " يَجوز لِلإنسان أن يَتّخِذَ أكثرَ مِن وطَن " فيَعمَلُ بِذلك ولا يَنظُر متى يَصِحُّ له ذلك أو متَى يَجِب عليه فذلك مُقَيَّدٌ فلابد مِن تَقيِيدِ الكلامِ المطلَق؛ والله ولي التوفيق.


س:
هل تارك السنّة المؤكَّدة يُعتبَر خسيس المنزلة ؟


ج:
قال بذلك بعضُ أهل العلم.
ومنهم الإمام السالمي رحمه الله، فإنه سُئل عن تارك السّنن المؤكَّدة فقال: " الله أعلم به، هو مات يوم مات وهو خسيس المنزلة والجنة لا يدخلها خسيس ".
وقد سُئل بعض أهل العلم عمّن يَترُك الوتر فقال: " هو رجل خسيس "-أو ما هذا معناه-وقال: " إنه لا تُقبَل له شهادة ".
هذا فيمن كان يُواظِب على ترك هذه السّنن ولا يبالي بها .. فالحقيقة هذا يدلّ على رِقّة في الدِّين إذ لا يُمكِن لأحد أن يَسمَع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومواظَبته على هذه السّنن الثابتة ويَسمَع-أيضا-بالفضْل العظيم الذي أعدّه الله-تبارك وتعالى-للآتي بهذه السّنن ومع ذلك يتهاون .. نعم إذا تركها مرة أو مرتين، فنحن لا نقوى على القول بأنه يَصِلُ هذه المرتبة، ولا أظنّ أنّ أؤلئك العلماء-أيضا-يريدون بذلك، وإنما يريدون مَن يُواظِب على ترك هذه السّنن، والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


س:
ما الفرق بيْن صلاة سنّة العشاء وصلاة الشفع؟


ج:
على كل حال؛ سنّة العِشاء هي السنّة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السّنن الراتبة، في حديث أم سلمة، وهي السنّة التي كان يُواظِب عليها، كما جاء ذلك في حديث ابن عمر وفي حديث السيدة عائشة رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم، أما ما بعد ذلك فتلك السّنن هي تنفّل، فينبغي للإنسان أن يَتنفَّل بِما كان يَتنفَّل به النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي إحدى عشرة ركعة .. يُصلي الوتر .. يُوتِر بثلاث، وتارة بواحدة، وتارة يكون الكلّ وترا، وله كيفيات متعدِّدة، فالوتر يكون بواحدة، وبثلاث، وبخمس، وبسبع، وبتسع، وبإحدى عشرة، ثم لبعض هذه الأعداد كيفيات متعدِّدة، ولكن الوقت كما ترى لا يُساعِد ولا يُساعِف على ذكر تلك الكيفيات وما الثابت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الحاصل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يُصلي إحدى عشرة ركعة، وهذا غير تلك السنّة التي كان يُصليها بعد سنّة (28) العِشاء، وجاء في بعض الروايات .. جاء ذلك مِن طريق السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-ومِن طريق ابن عباس-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-ومِن طريق زيد بن خالد الجُهني-رضي الله تبارك وتعالى عنه-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي ثلاثة عشرة ركعة، و-على كل حال-لا إشكال في هذه الروايات-وإن استشكَله مَن لا دراية له بهذا الفن-ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يَفتتِح صلاة الليل يصلي ركعتين خفيفتين ثم يصلي ركعتين طويلتين ثم ركعتين طويلتين وهكذا، كما هو وارد عنه، فالسيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-في الرواية التي جاء عنها أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة لم تذكر الركعتين الخفيفتين وفي الرواية التي ذكرت ثلاث عشرة ركعة ذكرت هاتين الركعتين، وهكذا في روايات الصحابة الذين ذكروا هذه الروايات، فهذا ليس مِن التضارب أو التناقض، كما يظنّه مَن لا دراية له بهذا، فذلك يكون عندما تتّحِد الرواية ويتّحِد المجلس ويتّحِد الراوي .. عندما يتّحِد المجلس هناك يُمكِن أن يقال بهذا، ولكن الراوي تارة يُحدِّث بهذا وتارة بهذا .. تارة يذكر فعلا وتارة يذكر فعلا آخر وتارة يذكر المقصود وتارة يذكر هو وما قبل أو ما بعد أو ما شابه ذلك، وهذا أوْلى مِن قول بعضهم بأنها ذَكَرَتْ سنّة العشاء، ومِن قول بعضهم بأنها ذَكَرَتْ سنّة الفجر .. الذي يَظهر لي-ما ذكرتُه-بأنها ذَكَرَتْ الركعتين الخفيفتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يَفتتِح بهما قيام الليل .. هذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم ، ولكن ذلك يَحتاج إلى بيان كيفية أداء النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الصلاة، وهذا أمر فرَّط فيه كثير مِن الناس في هذا الزمان .. نسأل الله-تبارك وتعالى-أن يُوفِّق المسلمين للعمل بسنّته صلى الله عليه وسلم على وفق ما كان يأتي بها صلوات الله وسلامه عليه، وقد ذكرتُ أنّ ذلك يتوقّف على معرفة ستّة أمور بالأمس (29)؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.

توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس