منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - فتاوى الحج للشيخ سعيد القنوبي
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 10-30-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363

عابر الفيافي غير متواجد حالياً



ثامنا: طواف الوداع

السؤال:
ما قولكم في مَن تَرَكَ ركعتي الطواف في طواف الوداع ؟


الجواب:
على كل حال؛ أخطأ هذا الشخص خطأً بَيِّنًا، فما كان يَنبغي له أن يَتْرُكَ ذلك فلْيُتُبْ إلى الله-تبارك وتعالى-ويَنبغي له أن يُصَلِّيَ الآن ركعتيْن فعسى الله-تبارك وتعالى-أن يَتجاوزَ عنه.


السؤال:
حاجٌّ تَرَكَ طوافَ الوداع، فماذا يَلزمه ؟


الجواب:
ذلك لا يَخلو مِن أحد أمرين:
1-إما أن يَكون معذورا وذلك كالمرأة الحائض والنفساء:
فإنّ الذي ذهبتْ إليه طائفة مِن أهل العلم أنّ الحائض معذورَة عن طواف الوداع، وهذا هو القول الصحيح، الذي تَدلّ عليه السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإن كان بعضُ العلماء ذهب إلى أنه لابد مِن الدم على مثل هذه المرأة، ولكنّ هذا مُخالِف لِلحديث، فلعلّ ذلك العالِم لم يَطَّلِع على هذا الحديث، أو لعلّه اطَّلَعَ عليه-كما رأيتُه بالنسبة إلى بعضهم-وظَنَّ أنه لم يَثبُتْ لأنه على حسب نَظَرِهِ يُعارِض بعضَ الأحاديث الدالة على وجوب طواف الوداع، ونَحن نقول: إنه لا معارَضة بيْن الحديثيْن، لأنّ ذلك الحديث الدال على وجوب أو سنّية (1) طواف الوداع عام وهذا خاصّ والخاصّ يَقضي على العام، كما هو مقرَّر في أصول الفقه.
فإذن الحائض معذورَة، بِنصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومثلُها في ذلك النفساء، وإنما الكلام في المريض فإن كان المريض يُمكِن أن يُؤَجِّر على نفسه بِأن يُحمَل فلابد مِن ذلك، وإن كان لا يَستطِيع ذلك:
فبعض العلماء قالوا: عليه أن يَذبح دما ولا شيء عليه فوق ذلك.
وبعض العلماء ذهبوا إلى أنه لا شيء عليه، وذلك لأنه في معنى الحائض، إذ إنه لا يَتمكَّن مِن الإتيان بِالطواف، فهو وإن كان يَصحُّ منه الطواف في ذلك الوقت لو كان قادِرا عليه بِخلاف الحائض إلا أنهما يَشترِكان في عدم القُدرة على الإتيان بِالطواف، وكما أنه بِإمكانِ الحائض أن تَتأخَّر حتى تُطْهُر كذلك بِإمكانِ المريضِ أن يَتأخَّر حتى يُشفى مِن مرضِه ولكنّ الشارِع قد رَخَّص لَها في ذلك فإذن يُرَخَّصُ لِهذا المريض على رأي هؤلاء، وهو رأيٌ مستقيم بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-إلا لِمَن شاء أن يَحتاط لِدينه.
2-وأما إذا كان هذا الشخص قادِرا على طواف الوداع ولم يَطف فإنه يُؤْمَر عند أكثر العلماء بِالتوبة إلى الله وبِأن يَذبَح دما لِفقراء مكّة المكرّمة شرّفها الله تبارك وتعالى.
و-على كل حال-لابد مِن التوبةِ والدمُ هو مذهب جمهور الأمّة.
أما بالنسبة إلى طواف الوداع لِلمعتمِر فإنّ العلماء قد اختلفوا فيه:
فمنهم مَن ذهب إلى مشروعية ذلك، واستدلوا على ذلك بِفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأَمْرِه حيث إنه طاف لِلوداع في حجّة الوداع وأَمَرَ بذلك.
ومِن العلماء مَن ذهب إلى خلاف ذلك وقالوا: إنه لا يُشرَع، لأنه لم يَثبتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم الأَمْرُ بِه في حالة العُمرة، وما جاء مِن الروايات في ذلك فإنها لا تَثبتُ عنه صلوات الله وسلامه عليه.
ونَحن نُقِرُّ بِأنه لم يَثبتْ ذلك الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم لِضَعْف إِسنادِه-وبِأنه لم يَطُف طوافَ الوداع عندما جاء لِعُمرة القضاء .. أي التي قَاضَى عليها كفارَ قريش عندما مَنَعُوه مِن العُمرة التي أحَلَّ منها في الحديْبية،-وقلتُ: " قَاضَى " لأنّ بعضَ الناس يَقول: " إنه قضى بِها " وذلك لأنهم يَقولون: " كانت هذه قضاءً " وفي ذلك نظر، لأنّ كثيرا مِن أهل العلم يَقولون ليست هذه قضاءً، لأنّ تلك العُمرة التي أحلَّ منها كانت مُتَحَقِّقَةً، وبَحث ذلك في الدروس القادمة بِمشيئة الله تبارك وتعالى،-وكذلك بِالنسبة إلى عُمرة الجِعْرَانَة، فإنه لم يَثبتْ أنه طاف طواف الوداع ولا أنه أَمَرَ بِذلك مَن كان معه، وإن كان هذا ليس بِالصريح، لأنه صلوات الله وسلامه عليه جاء واعتمَر .. طاف وسعى وخَرَجَ بعد ذلك مباشَرة، ومهما كان فإنّ طوافَه لِلوداع في حجّة الوداع مُتأخِّر وكانوا يَأخذون بِآخر الأَمْرَيْن والأمرُ مُحتمِل والاحتياطُ في الدِّين مطلوب، فالأفضل لِلإنسان ألاّ يُفرِّط في طواف الوداع لِلعُمرة، ومَن ترك ذلك في الماضي فلا شيءَ عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والعلم عند الله تعالى.


الهامش:
1- يُرجَع إلى الشيخ ليُبيِّن ما الذي قصَد قولَه في هذه المسألة.

__________________

أحكام الحج والعمرة للمرأة
*ما يتعلق بوجوب الحج والعمرة
1) أحكام متعلقة بشرط وجود المحرم


السؤال:
المرأةُ، هل يُشترَط لِسفرِها إلى الحج أن يَكون ذو مَحرمٍ معها ؟


الجواب:
إنّ العلماء قد اختلَفوا في هذه المسألة:
1-ذهبت طائفةٌ كبِيرةٌ منهم إلى أنّ المرأةَ لابد مِن أن يُرافِقَها ذو مَحرمٍ منها إذا ذهبتْ إلى الحج.
والزوجُ داخِلٌ في المحرَم كما ثبتَ ذلك في الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى تقدِيرِ عدمِ دخولِه فإنه مِمّا يُعلَم بِالضرورةِ أنه يَصِحّ لَها السفر معه، إذ إنه أوْلَى مِن بقيةِ المحارِم.
2-وذهبتْ طائفةٌ مِن أهلِ العلم إلى أنّ المرأةَ يَجوز لَها أن تَذهَبَ إلى الحجِّ مع جماعةٍ مِن أهلِ الصلاحِ معهم نساء، وقال بعضهم: " أن يَكونوا مِن أهل العلم " .. اشترَط أن يَكونُوا مِن أهلِ العلم.
ومِن المعلوم أنّ الفيْصَل في هذه القضية كغيْرِها مِن بقيةِ القضايا الشرعِية هو الدليلُ الشرعِي، وقد ثَبَتَ-عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مِن طريقِ بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نَهى المرأةَ عن السفَر إلا مع ذِي مَحرَم منها، فهذا الحديثُ حديثٌ صحِيحٌ ثابِت وهو يَشمل أيّ نوعٍ مِن أنواعِ السفَر إلا ما استُثْنِي مِن أنّ المرأة تُسافِر مع غيْر ذِي الـمَحرَم إذا خشِيَتْ على دِينِها أو خافتْ على نفسِها، وذلك كما جاءَ عن بعضِ المهاجِرات أنهنّ هاجَرْنَ مع غيْرِ محارِمِهِنّ مِن مكّة المكرّمَة إلى المدينة المنوّرَة، أما ما عدا ذلك فلا ولاسيما أنّ الحديث قد جاء فيه أنّ رَجُلا ذَكَرَ لِلنبي صلى الله عليه وسلم عندَما سَمعَ هذا النهي أنه قد اكْتَتَبَ في غزوةِ كذا وأنّ زَوْجَه تُرِيدُ الحج فأَمَرَه النبي صلى الله عليه وسلم بِأن يخرج إلى الحج مع امرأتِه .. كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.
ولا شك بِأنّ القول بِأنّ المرأة ليس لَها أن تُسافِر إلى الحج أو العمرة إلا مع زوجٍ أو مَحرَمٍ منها هو القولُ القوي الذي يَنبغِي أن يعتمد عليه ولاسيما في هذا الزمان.
فالمرأةُ إذا كانتْ لا تَجِدُ زوْجا أو مَحرَما منها فإنها تَتَأَخَّرُ عن الحج حتى يَمُنّ الله-تبارك وتعالى-عليها بِأن يُسافِرَ معها زوجُها-إن كان لَها زوج-أو ذو مَحرَمٍ منها، أما أن تُسافِرَ مع غيْرِ زوجِها أو مِن غيْرِ مَحارِمِها فإنّ ذلك مِمّا لا يَصِح على هذا القول الذي ذهبتْ إليه-كما قلتُ-طائفةٌ كبِيرَةٌ مِن أهلِ العلم، وهذا القول هو الذي أَعتَمِدُه، لِما رأيناه مِن المفاسِد التي تَترتّب على سفَرِ المرأةِ مع غيْرِ زوجِها أو مِن غيْرِ ذِي مَحارِمِها، حتى إذا لَم يَثبُتْ-مثلا-الحديث فكيف وهو حديثٌ صحِيحٌ ثابِت لا شك في ثبوتِه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإذن المرأةُ لا تُسافِر إلا مع زوجِها أو مَحرَمٍ منها مِن أقارِبِها سواء كان ذلك بِسببِ قرابَة منها-كما أشرتُ-أو بِسببٍ مُباح .. تَسافِر المرأة مع أبيها أو جدّها وإن علا ومع ابنها أو ابن ابنها أو ابن ابنتها وإن نَزَل وتُسافِر مع أخِيها وابن أخِيها وابن أختِها وإن نَزَلَ وتُسافِر مع عمِّها ومع خالِها، وكذلك تُسافِر مع مَن لَه علاقة بِها مِن الرضاع كالعلاقةِ التي ذكرناها مِن النسب لِما ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يَحرُم مِن الرضاع ما يَحرُم مِن النسب ) فهذا الحديثُ واضِح الدلالة على أنه يَحرُم مِن الرضاع ما يَحرُم مِن النسب فمَن كان كصفة من ذكرناه سابقا كان أبا لها من الرضاع أو جدا لها من الرضاع أو ابنا لها من الرضاع أو ابنا لابنها أو لابنتها من الرضاع أو أخا لها أو عما لها أو خالا لها أو كان أيضا ابنا لأخيها أو لأختها من الرضاع فإنهم يسافرون معها بشرط أن يكون ذلك الرضاع ثابتا، أما إذا كان مشكوكا فيه بأن-مثلا-أدخل ذلك الطفل ثدي تلك المرأة في فمه ولا يعلم هل مص منها أو لا فإن هذا من الأمور المشتبهات فمثل هذا لا يصافح تلك المرأة وأيضا ليس لها أن تسافر معه وهكذا بالنسبة إلى كل ما يتعلق بأحكام الرضاع، والرضاع لا يشترط فيه العدد كما ذهب إليه بعض أهل العلم بل الصحيح أنه إذا ثبت الرضاع ولو كان مرة واحدة فإنه يثبت به الحكم وذلك لظاهر القرآن ولظاهر الأحاديث الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وما جاء مخالفا لذلك فقد رددنا عليه بما فيه الكفاية بمشيئة الله-تبارك وتعالى-، وهكذا بالنسبة إذا كان هنالك سبب من الأسباب المباحة شرعا وذلك كأن تسافر المرأة مع من يحرم عليها بسبب مباح شرعا، تسافر المرأة-مثلا-مع أب زوجها أو جده سواء كان ذلك من جهة أبيه أو من جهة أمه وإن علا أو أن تسافر مع ابن زوجها أو ابن ابنه أو ابن بِنته وإن نزل أو أن تسافر كذلك مع زوج أمها أو زوج جدتها وإن علا وهكذا بالنسبة إلى زوج بِنتها وزوج بنت بنتها وإن نزل لكن يشترط بالنسبة إلى زوج الأم وزوج الجدة وإن علت الجدة .. يشترط فيه أن يكون قد دخل بالأم أو دخل بالجدة وهكذا بالنسبة أن لو علت الجدة، أما إذا كان مجرد عقد فإنه لا يكون بذلك محرما منها بخلاف زوج البنت أو بنت الابن أو بنت البنت فإنه بمجرد عقده عليها-على ابنتها-يكون محرما للأم ويكون محرما للجدة وهكذا؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
ما مقدار السن بالنسبة للمحرَم إذا كان هذا المحرم ولدها ؟


الجواب:
لابد أن يكون بالغا، وبعض العلماء يرخص إذا كان مناهزا للبلوغ بأن كان يدري بكل ما يدور حوله، أما إذا كان صبيا صغيرا أو ما شابه ذلك فهذا مما لا قيمة له .. الأصل أن يكون بالغا لكن في حالة الضرورة القصوى إذا كان مناهزا للبلوغ بقيت سنة أو ما شابه ذلك فبعض العلماء يرخص في ذلك، وهكذا بالنسبة إلى عقد النكاح فإن بعض العلماء يرخص إذا كان ذلك الصبي يعقل .. فإنه يرخص في أن يعقد على المرأة ولكنني لا أرى ذلك بل أقول إنه لابد من أن يكون بالغا .. نعم إذا كان مناهزا للبلوغ فهو يُرخص فيه على رأي بعضهم .. في حالة عقد النكاح ينبغي أن يأذن ذلك الصبي ولكن لابد من إذن غيره ممن هو أبعد منه أو من إذن الحاكم معه، أما ما يُرخص فيه بعض أهل العلم مما هو أقل من ذلك فلا نراه لأن العلة معلومة من هذا وليس مجرد أن يكون ذكرا وإنما أن يكون يعرف ما يدور حوله ويعرف ما يضُر تلك المرأة التي هو محرم منها وما ينفعها وما شابه ذلك، أما أن يكون مجرد ذكر فهذا مما لا ينبغي أن يعتمد عليه وإن قال به من قال، وفي الحقيقة-كما أشرت من قبل-مَن نظر إلى بعض المفاسد التي تقع وعلم بذلك فإنه لابد من أن يشدد في قضية الحج والعمرة مع غير الزوج ومع غير المحرم، ثم إن المرأة بحاجة إلى من يأخذ بيدها عندما تطوف وعندما تسعى ولاسيما في حالة الزحام، وقد سمعنا أن بعض النساء يمسكن في رجال أجانب منها وقد يمسك ذلك الأجنبي بيدها ويطوف بها وقد تنشأ بعد ذلك علاقات بينه وبينها لأنها ترى أنه قد صنع لها معروفا ولابد من أن تكافئه باتصال أو مكالمة أو ما شابه ذلك، وهذا-على كل حال-مما لا يصح .. نعم لو وقعت امرأة فلابد من أن يحملها الإنسان حتى تقوم على رجليها أما أن تتعمد المرأة أن تذهب مع أجنبي منها فهذا مما لا يصح أبدا .. هذا ما أراه؛ والعلم عند الله.


السؤال:
إذن نفهم من هذا أنه في حالة عدم وجود المحرم لا تعتبر المرأة مستطيعة ؟


الجواب:
نعم .. تتأخر المرأة حتى تجد زوجا أو محرما، لكن إذا لم تجد أبدا بعد ذلك هل يجب عليها أن تأمر غيرها أن يحج عنها أو أن توصي بذلك ؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، ولا شك أن السلامة أن تؤجِّر من يحج عنها إذا صارت آيسة من وجود الزوج أو المحرم أو أن توصي بذلك.


السؤال:
في حالة وجود المحرم لكنه لا يملك المال وهي تملك المال، هل يجب عليها أن تعطي محرمها المال ليحج معها ؟


الجواب:
أما الوجوب فيحتاج إلى شيء من النظر، ولكنني أحث ذلك المحرم بأن يخرج مع تلك المرأة وأحثها هي-أيضا-أن تعينه بشيء من المال الذي يمكن أن يذهب معها إذا حصل عليه فيكون هنالك تعاون بين تلك المرأة وبين محرمها ولا شك بأنه إذا ذهب سيحصل على أجر عظيم بمشيئة الله-تبارك وتعالى-إذا كان صالحا .. أوَّلا سيؤدي الحج ولو كان قد حج من قبل سيؤدي حجة نافلة وفي ذلك من الفضل ما لا يخفى، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )، وجاء عنه أيضا: ( من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل الحج وعظم منزلته والأجر العظيم والثواب الكبير الذي يحصل عليه من أداه طاعة لله-تبارك وتعالى-وامتثالا لأمره سبحانه وتعالى وكان بارا في حجه ذلك لم يرتكب معصية من معاصي الله تبارك وتعالى، فإذن لا ينبغي له أن يفرط في إعانة هذه المرأة على طاعة الله وسيكون له الأجر بمشيئة الله من ناحيتين .. من تأديته للحج ومن إعانته لهذه المرأة التي ترغب في تأدية فريضة الله-تبارك وتعالى-عليها، وهي ينبغي لها ألاّ تبخل بالمال عليه، فمال هذه الدنيا ذاهب، فإذا أعانت هذا الرجل الذي يذهب معها لتأدية الحج ففي ذلك من الخير ما لا يخفى، أما الوجوب فيحتاج إلى شيء من النظر، لأن القول بوجوب ذلك فيه ما فيه، كما لا يخفى، فإذن-كما قلتُ-أحث المرأة التي لا تجد محرما إلا إذا أعانته بشيء من المال ألاّ تبخل بذلك؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


السؤال:
ما حكم ذهاب المرأة للحج رفقة مجموعة من النساء بدون أن يكون عندها محرم رجل ؟(1)


الجواب:
على كل حال؛ أستأذنك قبل كل شيء أن أجيب ولو بجواب مختصر جدا على سؤال الحج السابق الذي سألت عنه هذه المرأة لعلها تريد أن تذهب إلى الحج وقبل كل شيء أنبه إلى أنه ينبغي للإنسان أن يكون حريصا على طلب العلم سواء كان ذلك من قراءة الكتب أو من سؤال أهل العلم أو من دروسهم أو ما شابه ذلك من الوسائل التي يحصل بها العلم الشرعي، ومما نلاحظه على كثير من الناس أنهم لا يهتمون بطلب العلم وإنما يهتم الواحد أن يسأل عن مسألة وقع فيها أو أنه يريد أن يأتي بها في المستقبل أو ما شابه ذلك وقد يجيب بعض أهل العلم عن تلك المسألة قبل ذلك بقليل أو قبل يوم أو ما شابه ذلك ولا يهتم بتلك المسألة .. يكون مشتغلا بالحديث مع فلان أو فلان أو لا يطلع على تلك البرامج التي تذاع فيها تلك المحاضرات أو تلك الدروس أو تلك الأجوبة أو ما شابه ذلك ويفوته خير كثير من المسائل الشرعية، فطلب العلم فريضة على كل مسلم وإن كنا لا نقول بأن الكل من الفرائض ولكن بعضه من الفرائض والبعض الآخر من النوافل التي لا ينبغي التفريط فيها.
بالنسبة إلى هذا السؤال قد ذكرنا-في الجواب الذي مضى قبل قليل-أنّ المرأة إذا أرادت الحج لابد من أن تذهب مع زوج أو محرم منها، وأنه لا يصح لها أن تذهب مع مجموعة من النساء معهن بعض أهل الصلاح .. هذا الذي ذهبت إليه طائفة كبيرة مِن أهل العلم، وعليه إن لم تجد المرأة زوجا أو مَحرما منها في ذلك الوقت فلتتأخر حتى تتمكن من الذهاب بعد ذلك في سنة من السنوات القادمة بمشيئة الله-تبارك وتعالى-مع زوجها إن كان لها زوج أو مع ذي محرم منها، و-قلنا إنه-ينبغي أن يُنظر إذا لم تجد المرأة محرما إلا إذا بذلت له المال بأن كان فقيرا أو ما شابه ذلك و-قلنا إنه-لا ينبغي لها أن تفرط في بذل المال، أما القول بوجوب ذلك عليها فإنه يَحتاج إلى شيء من النظر، وحتى نتمكن من ذلك فإنني لا أقوى على الجزم في ذلك بشيء، لكن-كما قلتُ-ينبغي التعاون بين الفريقين .. ينبغي لهذه المرأة أن تبذل المال وينبغي لذلك الرجل ألاّ يأخذ منها إلا مقدار ما يؤدي به الحج ويرجع إلى وطنه .. هذا الذي نعتمده لما ذكرته في ذلك الجواب.
وبعض العلماء يُرخص أن تذهب المرأة مع رجال من الثقات الصالحين معهم بعض النساء من محارمهم؛ ولكن هذا القول لا ينبغي التعويل عليه، ولاسيما في هذا الزمان لشدة الزحام بل ولا ينبغي التعويل عليه في أيّ وقت من الأوقات لأنه مخالِف لِظاهر الحديث الثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ونحن لا نقطع العذر في هذه المسألة ولا نقول إنها من المسائل القطعية ولكن نقول: إن ذلك القول هو القول الأقرب للصواب، وعلى تقدير صحة تأويل من تأوله من أهل العلم فكما قلتُ في هذا الزمان لا ينبغي أن يؤخذ بذلك، لأن ذلك إذا كان لا يستدعي أن تمسك المرأة بيد رجل أو يمسكها رجل ويطوف بها وقد تحتاج إلى حمل أو ما شابه ذلك في الأزمنة الغابرة فإن الزمان قد اختلف في هذه الأيام، وقد سمعتُ أنه وقع في الأعوام الماضية أنّ بعض النساء اللاتي ذهبن إلى الحج قد ذهبن للطواف مع رجال أجانب عنهن وقد أمسكت بعض النساء بيد رجل أجنبي منها فهل يمكن أن نقول بجواز ذلك ؟! هذا مما لا يصح .. نعم-كما قلتُ- إذا كان هنالك وقع حادث .. وقعت امرأة فإنّ على الرجل أن يقوم بحمل تلك المرأة حتى تقوم، أما أن يتعمد ذلك أو أن تتعمد هي ذلك من قبل فهذا مما لا يصح، فهذا الذي أراه وأعتمد عليه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


__________________



السؤال:
بِالنسبة لِزوجةِ العَم وزوجةِ الخال، هل هما مِن المحارِم ؟


الجواب:
زوجةُ الخال وكذا بِالنسبةِ إلى زوجةِ العَم فهما ليْستا مِن المحارِم .. المرادُ بِالمحارِم هنّ مَن لا يَجوز لِلشخصِ أن يَتزوّجَهُنّ في الحاضِرِ ولا في المستقبَل، فكلُّ امرأةٍ لا يَجوز له أن يَتزوّجَها في الحاضِر .. أي في الوقتِ الحاضِر ولا في المستقبَل فإنه يَجوز لَه أن يُصافِحَها، وأما إذا كان لَه أن يَتزوّجَها في هذا الوقت أو في المستقبَل فإنه لا يَجوز لَه أن يُصافِحَها بِحالٍ مِن الأحوال، كما قدّمنا ذلك؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
مَن الذي يَصْدُق عَليه أن يَكون مَحْرَما .. رُبّما يَكون لأحد النسَاء صبي، هل يُمْكن أن يَكون هو مَحْرَمها في هذا السّفَر ؟


الجواب:
أما الصّبي إذا كان صَغِيرا فلا يُمْكِن، وأما إذا كان مُرَاهِقا .. أي كانتْ حَالُهُ تَقْرُب مِن حَالة البُلُوغ فإنّ أهل العلم قد اختلفوا في ذلك:
مِنْهم مَن قال: إنّ هذا يَكْفِي لأَنْ يُرَافِق المرأةَ في سَفَرَهَا ولاسيما إذا كان هُنَالِك رِجَالٌ مِن أَهْل الصّلاح مَعُهُم نِساء.
وبعضُ العُلماء يَشْتَرِط البُلُوغ.
ولا شكّ أنّ القَوْل بِاشْتِرَاط البُلُوغ قَوْل قَوِي جِدًا، ولكن في مِثْل هذه الحالة إذا كان الصبي مُرَاهِقًا لِلبُلُوغ وكان لَبِقًا .. لَه دِراية بِمثل هذه الأمور فلا أرى بأسًا بِمشيئة الله تبارك وتعالى.


السؤال:
امرأةٌ تُرِيدُ الذَّهَاب إلى العُمْرَة بِدُون مَحْرَم .. مَعَ أجَانِب ؟


الجواب:
قلنا نَحْنُ: إنّ هَذِه المرأة إن كَانتْ لم تَأتِ بِالعُمْرَة الوَاجِبَة-على رأي مَن يقول بِذلك-فإنه قد يُرَخّصُ لَهَا عَلَى رَأيِ بَعْضِ أهل العِلْم إذا كانت تَذهَبُ مع نِساء مع رِجال مِن أهْل الصَّلاح.
وذَهَبَت طَائِفَة كَبِيرَةٌ مِن أهل العِلم إلى أنه لَيْسَ لَهَا أن تَذْهَب إلا مَع زَوج أو مَحْرَمَ؛ ولا شَك بِأنّ هَذَا القَوْل أسْلم، فينبغي لَهَا إن كَانت لم تُؤَدِّ العمرةَ الوَاجبة-على القَول بِوجوبِها-أن تَنتَظِر حتى تَجِدَ زَوجا أو ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا وَتُسَافِر مَعَهُ بِمَشِيئَة الله-تبارك وتعالى-وتَأْتي بِالعمرة وبِفَرِيضَة الحج؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
زوج أخت المرأة، هل يعد مَحْرَمًا لها إذا ما أرادت الذهاب إلى الحج ؟


الجواب:
لا .. لا يُعَدّ مَحْرَمًا لَها، وذلك لأنّ هذه الـحُرْمَة .. أيْ عدم جَوَاز نكاح ذلك الرَّجل لَها في ذلك الوَقت حُرْمَة مؤقتة ولذلك لو:
1-ماتت أختها.
2-أو طلقها وخرجت مِن عدتِها إذا كان الطلاق رَجْعيًا.
3-أو طلقها إذا كان الطلاق باتا.
فإنه له أن يتزوجها، فإذن هذه الـحُرْمَة حُرْمَة مؤقتة، والحرمة التِي تَجوز مَعَهَا الخلْوَة أو السَّفر فهي الـحُرْمَة المؤبدة وبِشرط أن تكون بسبب نَسَبٍ أو مُصَاهرة أو رَضَاع، أمَّا إذا كانت غير مُؤَبَّدة أو كانت مؤبدة ولكن بسبب مِن الأسباب الأخرى غير الأمور التي ذكرناها فلا وذلك-مثلا-كحالة اللِّعَان فإن مَن لاَعَن الحرمةُ مؤقّتة بينه وبين تلك المرأة التي وقع بينه وبينها اللعان فلا يجوز له أن يتزوجها في يوم مِن الأيام ولكنه لا يَجُوز لَه أن يَخْلُوَ بِهَا وليس له-أيضا-أن يُصَافِحَها، وهكذا بِالنِّسبة إلى مَن زَنَى بِها أو زَنَى بِها ابنه أَو أبوه أو مَا شَابَه ذلك مِن الأمور التي وَقَعَت الـحُرْمَة الأبَدِية فيها بسبب مِن الأسباب الخارجة عِن الأسباب التي ذكرناها؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
امرأة أرادت أن تَحُجَّ النَّفل وسبق لَها أن حجّت الفرض لكنها هذه المرة تذهب بدون مَحْرَم، فهل عليها أن تتعجّل أم تؤخّر ؟


الجواب:
ما ذكرناه مِن وجوب التَّعَجُّل في تَأْدية الحج فَذلِك في حج الفريضة.
وَأمَّا بِالنِّسبة إلى النافلة فالإنسان لا يجب عليه أن يَتَنَفَّل في الحج وإنِّما ينبغي له ذلك أمَّا أن يَجب عليه ذلك فلا.
والعلماء قد اختلفوا في المرأة هَلْ لَهَا أن تذهب إلى حَجِّ الفريضة مع غَيْر مَحَارِمِها أو زوجها:
فبعض العلماء قَال: لَيس لَها أن تذهب حتى لِحجِّ الفريضة إلا مع زوج أو مَحْرم، وذلك لنهي النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-المرأةَ عن السَّفر مع غير مَحارمها أو زوجها.
وبعض العلماء رخّص في ذلك إذا كان الحج حج فريضة بشرط أن تكون مع جملة مِن النساء معهن مَحارم مِن أهل الصلاح.
أمَّا بالنسبة إلى الحج النَّافلة فليس لَها أن تذهب إلا مع زوج أو مَحْرم؛ والله-تعالى-أعلم.


السؤال:
والدتها تريد أن تَذهب إلى الحج ولكن ليس عندها مَحْرَم إلا أنّ المقاوِل يَصطحِب معه زوجتَه مع مجموعة مِن النساء، فهل تَذهب معهم ؟


الجواب:
الله المستعان، كثير مِن أهل العلم ذهبوا إلى أنّ المرأة لا يَجوز لها أن تَذهب إلى الحج ولا إلى غيره إلا مع زوجٍ أو مَحْرَم، لِنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سَفَرِها إلا مع الزوج أو الـمَحْرَم، ورَخَّصَت طائفة مِن أهل العلم لِلمرأة إذا كانت تَذهب لِتأدية الحج وكان الحجُّ حجَّ فريضة .. رَخَّصوا لها أن تَذهب مع نساء معهنّ رجال مِن أهل الصلاح، ولكن لا يَخفى ما في شدّة الزحام في هذا الأمر وضَعْفِ المرأة فقد تَحتاج إلى مساعدة في الطواف أو في السعي وقد تَمرَض وتَحتاج إلى مَن يَقوم بشؤونها، وكثير مِن النساء ذَهبْنَ مِن غير مَحارمِهنّ ومرضتْ منهنّ بعض النساء واحتاجتْ إلى أن يَقوم الرجال بِحمْلِها أو مساعدتِها أو أن تُمْسِك بهم أو ما شابه ذلك وهم مِن غير مَحارمِها فيَقعون في معصية الله تبارك وتعالى .. هذا الوقت لا يُمكن أن نُرَخِّص في مثل هذا الأمر فلتَنتظِر حتى تَجد زوْجا أو مَحْرَما منها وهي معذورة إلى أن تَجد ذلك-بمشيئة الله-وتوصي بذلك حتى تَتمكَّن مِن التأْدية مع الزوج أو الـمَحْرَم؛ والله أعلم.


الهامش :
1 ـ وفي سؤال مشابه :
السؤال:
تريد أن تَحج حجّ الفريضة ولكن ليس لديها محرم إنما تَخرج مع نساء المسلمين.


الجواب:
الأصل أن تذهب المرأة مع زوجها أو مع محرمها، لِما جاء مِن النهي عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عن سفر النساء مع غير المحارم، وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينبغي للأزواج أن يتعاونوا مع زوجاتهم وينبغي للمحارم أن يتعاونوا مع-أيضا-أقاربهم مِن النساء، لأنّ في هذا التعاون ما لا يخفى مِن التعاون على الخير والبِرِّ والتقوى، بل ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنه يَجب على الزوج أن يُسافِر مع زوجته لأداء فريضة الحج إذا كان لا يَجد عذرا شرعيا ولا يَمنعه مِن ذلك مانع، وهذا القول وإن كنا لا نقول به بل نقول بعدم وجوب ذلك عليه ولكننا نَحثُّه على ذلك، وسيَحصل أيضا على فضْل الحج إذا كان متقيا لله تعالى، ولا يَخفى ما في الحج مِن فضْل، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و-على كل حال-ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنه ليس للمرأة أن تُسافِر إلى فريضة الحج إلا مع زوج أو مَحْرَم فإن لم تَجد زوجا أو مَحْرَما فليس لها أن تُسافِر بل يَجب عليها أن تُوصِي بذلك إلا إذا تَمكَّنت في يوم مِن الأيام مِن فعل ذلك، وذهبت طائفة مِن العلماء إلى أنها يَجوز لها أن تَذهب إلى الحج إذا وَجدتْ رفقة مِن الناس مِن أهل الصلاح معهم نساء، وهذا القول تَرخَّص فيه كثير مِن أهل العلم، فإذا أَخذتْ به فلا حرج ولكن ليس لها أن تُسافِر مع شخص واحد .. يوجَد كثير مِن الناس يَذهب الواحد ومعه مجموعة كبيرة مِن النساء أو يذهب اثنان أو ما شابه ذلك مع مجموعة مِن النساء وهذا لم يُرخِّص فيه أحد مِن أهل العلم، وإنما شدَّدوا فيه، وإنما رخَّصوا إذا كانت مجموعة كبيرة مع نساء والكل مِن أهل الصلاح ولا يُخشى عليها، فهذا ترخيص، وأما الوجوب فلا يُمكِن أن نقول بالوجوب، ونظرا لضيق المقام فأكتفي بهذا المختصَر، ولعلنا نطيل في ذلك مرة أخرى.

__________________



ما يتعلق بإحرام المرأة

السؤال:
ما طَريقَة إحرَامِ المرأة ؟ لأنّ بعضَ النساء يَفْهمنَ عَلى أَنّهن يَلْبَسْنَ لباسا مُعَيّنا وطريقة معيّنة، هل هناك بِالفعل شيءٌ مِن هذَا ؟


الجواب:
إنه يَنْبَغِي لكلّ مَن أراد أن يَذهبَ إلى تَأْدِيَة فَرِيضَة الحج أن يَكُونَ عَلَى بَيِّنة مِن أمره فيمَا يَتَعَلّق بأحكام الحج سواء كان رَجُلا أو امرأة حتى لاَ يَقع في بعض المخَالفات الشَرْعِية التي قَد تُؤَدّي إلى فَساد حَجّه أو تُؤدّي إلى شيءٍ مِن النَّقص في الحج وإن كان لا يَصِل ذلك إلى دَرَجَة فَسَادِ الحج.
المرأة تَلْبس الملاَبس العَادية إلا ما سَأُنَبّه عليه بعد قليل بِمشيئة الله تبارك وتعالى، وذلك لأنّ السنّة النبوية-على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام-لمَ يَأْتِ فيها نَهيٌ عن شيءٍ مِن اللباس بِالنسبة لِلمرأة إلا أنها تُنهى أن تَنْتَقِب، فالنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-نهى المرأة أن تَنْتَقِب .. أي أن تَلْبَس النِّقَاب، وكذلك بِالنسبة إلى البُرْقُع، فليس لها أن تَلبس البُرْقُع وليس لها أن تَنْتَقِب وليس لها-أيْضا-أن تَلْبَسَ القُفازين.
وأما بِالنسبة إلى الجوارب فإنَّه لا مانع مِن ذلك بِالنسبة إلى المرأة، إذ لم يَأْتِ في ذلك نهيٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. نعم تُنْهَى المرأة أن تَتَبرّج بِشيءٍ مِن ملابس الزينة وذَلك لأنها تكون أمام الرجال الأجاَنب ولكن هَذَا الحكم ليس خاصّا بِالحج بل هو شامل لأيّ وقتٍ مِن الأوقات تكون المرأة فيه أمام الرجال الأجانب أو تَلْتَقِي فيه بِالرجال الأجَانِب.
وأما ما ذكره بعض أهل العلم مِن أنّ المرأة تُنْهى عن عددٍ مِن أنواع اللباس-كالحرير مثلا-فإنّ ذلك مِمّا لم يَرد في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومِن المعلوم أنه إذا وَرَدَ خِلافٌ بيْن أهل العلم في أيّ مسألةٍ مِن المسائل فإنّ الفَيْصَلَ بَيْنَهم الكتاب والسنّة .. إذا وجدنا خِلافًا بيْن أهل العلم في مسألة مِن الـمَسائل فلابد مِن أن نَنَظر في كتاب الله-تبارك وتعالى-وفي سنّة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-الصحيحة الثَابتة عَنْه، وما دَلَّ عليه الكتاب أو السنّة فهو القول الصحيح الرّاجح الذِي يَنبَغِي لِلإنسان ألاّ يَحيد عنه أبداً.
فإذن المرأة في الإحرَامِ تَلْبس الملابس العَادِية بِشَرْط ألاّ تَتَبرّج بِزينة، وإنما تُنْهَى-كما قلتُ-عن لبْس النِّقاب، وكذلك البُرْقُع، وكذلك تُنهى عن لبس القُفّازين، وهما الشراب الذي تُدخِل فيه الـمَرأة يَديْها، أما بِالنسبة إلى ما عدا ذلك فلا.
وهكذا بِالنسبة إلى لُبس الذهب والفضّة فقد شدّد في ذلك كثير مِن أهل العلم، ولم أَجِد دليلا يَدلّ على هذا التَشَدُّد وإنما تُنْهى عن إِظهار ذلك لِلرِّجال الأجانب فذلك مَمْنوع سواء كان ذلك في حجٍّ أو عُمرة أو في غَيْرهما، أو بِعبارة أخرى: سواء كانت مُحْرِمَةً أو كانت مُحِلَّةً .. هذا ما يَظهر لي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
وأَما بِالنسبة إلى سَدْلِ الثّوب على الوَجْه إذا مَرّت المرأة بِالرجال الأجانب أو مَرَّ بِها بعضُ الرجال الأجانب فالسنّة قد دَلََّت على ذَلك، إذ إنّ أمهاتِ الـمؤمنين-رضوان الله تبارك وتعالى عليهن-كُنَّ يَسْدِلْن على مسمعٍ ومرأى مِن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مَرَّ بِهنّ الرجال الأجانب وهنّ مُحْرِمَات.
ولكن اشترَط بعضُ العلماء ألاّ يَمَسَّ ذلك الثوب شيئا مِن الوجه.
ولم يَشترِط ذلك بعضُ أهل العلم.
والقول بِالاشتِرَاط يَحْتَاج إلى دليل، ولم أَجِد دليلا يَدُلّ عليه؛ والعلم عند الله تبارك وتعالى.


السؤال:
الحقيقة أَصبحت الصفة الغَالبة عند الـمُحْرِمَات هو تغطيةُ الوجه بِناء على أنّ الفتنة هي السبب في سَدْل هذا الخمار.


الجواب:
هو ما ذكرناه .. الإنسان مُخاطَب أن يَلتزِم بِما في كتاب الله-تبارك وتعالى-وبِما في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والسنّة دَلّت على جَواز السَّدْل عندما تَمُرّ المرأة الـمُحْرمَة بِالرجال أو يَمرّ بِها بعضُ الرجال، أما ما عدا ذلك فإنها تَكْشِف وجهَها .. هذا الذي ثَبَتَ في السنّة الصحيحة الثابتة؛ والعلم عند الله.


السؤال:
لَكن في موْسم الحج الناس كَثِيرُون والاحتِكَاكُ بِالرجال أمرٌ وَارِد.


الجواب:
لَكن لا يَكون ذلك في كل وَقْت مِن الأوقات، وإنما يكون ذلك في بعض الأحيان.


السؤال:
ما هو مِعْيَار الخوف مِن الفتنة ؟ يَعني كَيف تَستطيع المرأة أن تُميِّز هَل هِي خَائِفة مِن الفتنة ؟ هل هذا يَعتمِد عليها بِنفسِها أم يَعْتَمِد على نَظرات الآخرين إليها ؟


الجواب:
لابد مِن مُرَاعَاة الجَانِبين.


السؤال:
هل لِلمرأةِ أن تَغْتَسِل غُسْل الإحرامِ مِن منزِلِها قبلَ الخروج ؟


الجواب:
على كل حال؛ هذه المسألَة تَحْتَاجُ إلى إطالَة، ولكن:
إذا كانتْ تَقْصِدُ بِمَنْزِلِها المنزل الذي نَزَلَتْ فيه .. مثلا لو نَزَلَتْ في " المدِينة " .. في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بأس-طبعا-مِن تَسْمِيَتِها بِالمدينة المنورَة .. إذا أرادتْ ذلك نعم لِتَغْتَسِلْ مِن هُنَاك وَلْتَخْرُج ولكن لِتُحْرِم مِن عندِ الميقات .. لا ينبغِي لَها أن تُقَدِّمَ ذلك .. لَوْ قدَّمتْ ذلك فإنّ إحرامَها صحِيح-على الصحِيح الذي عليه الجمهور-ولكن ينبغِي لَهَا أن تُؤَخِّرَ ذلك إلى الميقات، كما فَعَلَ النبي صَلى الله عَليه وعلى آله وصحبه وسَلم، ولَم يَثبُتْ عنه ما يَدُلّ على خلافِ ذلك، ومَا جاء مِمَّا يُخالِفُ ذلك فإنَّه لا يَثْبُت، وَمَوْضِعُ الإطالة في غيْرِ هَذِه المناسَبَة بِمَشِيئة الله تبارك وتعالى.
أمَّا إذا كانتْ تَقْصِد بِأَنَّها تَغْتَسِل مِن بِلادِهَا عندَما تَذهَب وتَسْتَمِر عدّةَ أيام فهذا لا يَكْفِي لِلإتيانِ بِهذِه السنَّة .. نعم في وقتِنا هذا-مثلا-إذا كانتْ تَخْرُج بِوَاسِطةِ الطائِرَة فإذا اغتَسَلَتْ في بيْتِها قبلَ خُرُوجِها مباشَرَة فلا بأس-لأنَّها تَمُرّ على الميقات وهي في الطائِرَة ولا تَتَمَكَّن مِن الاغتِسال أو تَتَمَكَّن ذلك إنْ تَمَكَّنتْ بِمَشَقَّة-فَلْتَغْتسِل مِن بيْتِها لإحرامِها وَلْتُحْرِم عندَما تُحَاذِي الميقات؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


__________________



ما يتعلق بالحيض والنفاس

السؤال:
إن كانت المرأة تخشى أن يدركها الحيض في فترة المناسك، هل لها أن تتأخر عن الحج أو العمرة بسبب هذا ؟


الجواب:
الله أعلم؛ إذا كانت تريد أن تذهب إلى العمرة فإن كانت تعرف بأنه سيأتيها هذا الحيض على حسب عادتها ولابد من أن ترجع إلى بلادها في تلك المدة فلا يمكن أن تحرِم لأن في ذلك من الصعوبة ما لا يخفى قد تحرم ثم ترجع إلى بلادها وتبقى شهرا أو شهرين أو أكثر وهي محرمة وفي هذا من المشقة ما لا يخفى لكن إذا كانت-مثلا-ذهبت وتظن بأنها ستطهر قبل ذلك أو أنه لن يأتيها الحيض قبل ذلك فيمكن أن تشترط فإذا اشترطت ولم تتمكن من تأدية تلك العمرة فلا بأس بذلك على رأي من يقول بالاشتراط ونحن نقول بالاشتراط لأن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوى أن ذلك خاص بتلك المرأة أو أنه منسوخ مما لا يُقبل، أما الخصوصية فإنه مما لا دليل عليها، والأصل أن ما ثبت للواحد يثبت لغيره إلا إذا دل دليل على التخصيص، وأما دعوى النسخ فإنها مردودة لأن ذلك من أواخر الأحكام ولم يأت ما ينسخه، ولكن بقي هل يباح ذلك لمثل الحيض أو ما شابه ذلك ؟ عندما تكون هنالك ضرورة ملحة فيمكن أن نقول بذلك ولكن لا ندعو إلى التساهل كثيرا في مثل هذه القضية، أما بالنسبة إلى الحج إذا كانت المرأة تعرف بأنها لن تتمكن من الإتيان بالحج وهي طاهرة وطبعا الذي يشترط فيه الطهارة هو الطواف أما بالنسبة إلى الوقوف والسعي إلى غير ذلك من الأمور الأخرى كالرمي والمبيت بالمزدلفة والذبح وما شابه ذلك .. هذه الأمور لا تشترط فيها الطهارة وإنما الذي تشترط فيه الطهارة هو الطواف فإذا كانت تعرف بأنها لن تتمكن من الإتيان بطواف الزيارة فلا يمكن أن تذهب إلا إذا كانت تعرف بأنها سترجع ويمكن بعد ذلك أن تذهب بعد مدة لا يشق عليها ذلك فلا إشكال في ذلك أما أن تذهب وبعد ذلك ترجع وتبقى مدة طويلة فهذا قد يشق عليها كثيرا ولزوجها عليها حقوق إن كان لها زوج .. له حق الوطء ومن المعلوم أن المرأة إذا كانت محرمة لا يمكن أن توطأ بل ولا ما هو أقل من ذلك حتى اللمس إذا كان بشهوة والتقبيل والضم وما شابه ذلك .. هذه الأمور لا تصح في حق المُحرِم، فإذن المعتبر الطواف فإذا كانت يمكن أن تتأخر هنالك عن الرفقة والأمر يسير في هذا الزمان تأتي في طائرة أو تأتي في ناقلة مع محرمها أو زوجها فلتتأخر وإن كانت يمكن أن ترجع بعد ذلك بمدة قصيرة فلا بأس بذلك بمشيئة الله-تبارك وتعالى-أما إذا كانت لا يمكنها ذلك فلتتأخر في هذه السنة ولتذهب في سنة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى، أما بالنسبة إلى عمرة التمتع فلا إشكال في ذلك إذا أتاها الحيض فلتُدخل الحج على العمرة وتكون قارنة كما فعلت السيدة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. إذا لم تتمكن من الطواف قبل عرفة فلتدخل الحج على العمرة وتكون قارنة ولاشيء في ذلك بمشيئة الله تبارك وتعالى، وهكذا بالنسبة إلى طواف الوداع فإنه لا يلزمها .. هذا أمر لابد من التنبه إليه وقد وقعت في السنوات الماضية على حسب ما سمعت .. وكثير من المسائل في هذه القضية ولعلنا ننبه على ذلك في مناسبة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى، لأنّ هنالك مِن المخالَفات التي وقعتْ فيها بعضُ النساء مِمّا يبطل الحج أو العمرة أو يؤثر فيهما أو ما شابه ذلك، وبيان ذلك في المناسبة التي أشرتُ إليها بمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والله-تعالى-ولي التوفيق، وهو أعلم بكل شيء.


السؤال:
هل يَصِح لِلمرأة أن تَتَعَاطَى مَوَانِعَ الحَيْض لِتُكْمِل عُمْرَتَها نَظَرا لامْتِدَادِ أيَامِ حَيْضها زمنًا تَرْجِع فيه القَافِلة إلى الوَطَن قبل طُهْرِهَا ؟


الجواب:
هنالك أمران:
1-الجواز .. أي أَنه هل لِهذه المرأة أن تَستعمِل ذلك ؟
2-وإذا استعمَلتْ ذلك قبل نُزول الحَيْض أو في أثناءِ نُزوله وتَوَقَّف الحيْض عن النزول:
فإنّ طائفة كبيرة مِن أهل العِلم تَقُول: " إنّ ذلك مِما لا مَانِع مِنْه ".
وفرّق بعضُ أهل العلم بَيْن الحَالتين .. بيْن ما إذا نَزل الحيْض أو كان ذلك قَبل نُزوله فأجازوا ذلك في الحالة الثانية دون الحالة الأولى.
ونَحن نقول: إذا انقطع الحيْض لا مَانع مِن ذلك، ولكن هنالك قَضية أُخْرى وهي أنّ كَثيرا مِن النّساء اللاتي يَسْتَعْمِلن هذهِ الحبوب بعد ذلك لا يَتَوَقف هذا الحيْض ويَسْتَمر الدّم لـمُدّة طَوِيلة جِدا وتَارة يَنْزِل وتَارَة يَكون الأمر بِخِلاف ذلك ولا تَنْضبِط لَها عادة فَلا تَدْري هَلْ هِي طاهر فَتُؤَدِّي مناسِك الحج والعُمرة وتُصلي وتَصوم وهكذا بالنسبة إلى بَقَية الأَحْكَام الـمُتَعَلقة بقضية الحيْض أو هِيَ لَيْسَت بِطاهر وليس لها أن تُؤَدّي هذه الأشياء .. تَبْقَى في مُشكلة كبيرة جدًا، فالسّلامة أن تَتَرُك هذه الأمُور وأن تَنْظُر في أَمْرها، فإنّ كَثيرا مِنَ النّسَاءِ لَهُنّ عَادَة .. تَعْرِف مَتَى يَبْتَدِئ الحيْض ومتى يَنْتَهي الحيض، فإن كانت يُمْكُنَهَا أن تُؤَدِّيَ تِلك الـمَناسك قبل نُزول الحيض فَلْتَذهب ولْتَأتِ بِتلْكَ المناسِك، وإن كان لا يُمكنها .. تَعرف بِحسب عادَتها بِأنّ الحيض سيأتيها في الوَقْت الفُلاني ولَن تَتَمَكّن في ذلك الوَقْت مِن تَأْدِية العُمْرة أو تَأْدية الحج لأنَّها لَنْ تَنْتَظِرَهَا تِلك الجماعة التي هي في رفَقَتهم فإنها تُؤمَرُ بِأن تَتَأخّر في تلك السنَة، وسيَجعل لَها الله-تبارك وتعالى-فَرَجًا مِن أمرِهَا في الـمُسْتَقْبل إن شاء الله تبارك وتعالى، ومِن الـمَعلوم هي لم تتأخَّر مِن أجل التَأخر وإنَّمَا مِن أجل هذه الضَّرورة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
المرأةُ الـمُسْتحاضة، كيف تُؤَدِّي طواف الوداع ؟


الجواب:
أما الحائض فقد اختلف العُلماء في طَوَاف الوداع:
مِنْهم مَن قَال: تُؤمَر بِأن تَتَأخَّر إن أَمْكَنها ذلك وإلا فَعَليها أن تَذْبح شَاةً لِفقراء الـحَرَمِ .. والـمُرَادُ بِفقراء الحرَمِ في مِثْل هذه القَضَايَا هُم: مَنْ يُوجَدُونَ في الحرَمِ في ذلك الوَقْت سَوَاء كَانوا مِن أهل الحرَمِ أو كانوا مِنَ الآفَاقِيين الذين قَدِموا إلى الحرَمِ.
وذَهبَتْ طائفة مِن أهل العِلم إلى أنه لا شَيْءَ عَلَيْهَا وتَخْرُج إلا إذَا طَهُرَت قبل مُفَارَقَة بُيُوتِ مكّة فإنّها تُؤمَر بِأَن تَغتَسِل وتَرجِع وتَطُوف بِالبَيْت، أما إذا طَهُرَت بَعد ذَلك ولَوْ في الحَرَم فإنَّها لا تُؤْمَر بِالرُّجوع ولا شَيءَ علَيها.
وهذا القَوْل هُو القَول الصحيح، لِدلالة حديثِ رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عَلَيْه.
ولَعل الذين قَالوا بِخلاف ذلك لم يَطّلِعوا على الحديثِ فيُلْتَمسُ لَهُم العُذْر ولا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهم، إذ كلٌّ يُؤْخَذُ مِن قَوله ويُرَد إلا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
حسبك أن تَتَّبع الـمُختار ***** وإن يَقُولوا خَالف الآثار
والله أعلم.
أما بِالنّسبَة إلى الـمُستَحاضَة فإنَّها تُؤْمَرُ بَعد حَيْضِها أَن تَغْتسِل وبعد ذلك لا تُؤمَر بِالاغتسال على الصَحِيح-لِعَدَم ثُبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن وَجْهٍ يَصِلُ إلى مرتبة الـحُجِّية-وإنَّمَا تُؤْمَر بِغَسل مَوْضِع النجاسة وبِأن تَلْبَسَ شَيْئا يَمْنَع مِن خُرُوجِ تِلْك النَّجَاسة إلى شيءٍ مِن جسدها أو إلى الأرْض ثم تَتَوَضّأ وتَطُوفُ كما تُصلي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
هذه المرأة التي ذهبت إلى الحج جاءها الحيض بعد الزوال في يوم عرفة ؟


الجواب:
لا يَضُرُّها ذلك، لأنها-على حسب كلام السائل-طافت طواف الإفاضة بعدَ أن طَهُرَتْ وتَطَهَّرَتْ .. أي بعد أن انتهى حيضها واغتسلتْ مِن الحيض وما دام الأمر كذلك فلا علاقة لِلحيض بِالوقوف بِعرفة فوقوفها صحيح بِمشيئة الله؛ والله أعلم.


السؤال:
المرأة التي يُفاجِؤُها الحيض في الحج، ماذا تَفعل ؟


الجواب:
لا تُشترَط الطهارة في الحج ولا في العُمرة إلا في الطواف، فإذا أتاها الحيض فإنها ليس لَها أن تَطوف بِالبيت بل لابد مِن أن تَنتظِر حتى تَطْهُر مِن الحيض وتَغتسِل وبعد ذلك تَطوف، فإن جاءت-مثلا-مُعتمِرة أوَّلا .. لَبَّتْ بِالعُمرة ووَصَلَتْ ومَكَثَتْ مدّة ثم لم تَتمكَّن مِن الطواف بِالبيت قبل التاسِع فإنها تُؤْمَر بِأن تُدْخِل الحج على العُمرة فتَصِير قارِنَة بيْن الحج والعُمرة بعد أن كانت مُعتمِرة فقط، وتَطوف بعد ذلك لِعُمرتِها ولِحجِّها طوافًا واحِدًا وذلك مُجْزٍ، كما وَقَعَ لِلسيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-فإنها كانت مُعتمِرة .. يعني كانتْ لَبَّتْ بِالعُمرة فقط .. قيل: إنها لَبَّتْ أوَّلا بِالحج ثم بعد ذلك لَبَّتْ بِالعُمرة .. أي فَسَخَتْ الحج .. حَوَّلَت إحرامَها مِن الحج إلى عُمرة، وقيل: إنها لَبَّت مِن أول مرة بِالعُمرة، وفي ذلك كلام طويل، لا داعي لِذِكْرِه الآن .. المهم أنها عندما وَصَلَتْ إلى مكّة كانت تُلَبِّي لِلعُمرة ولكنها لم تَتمكَّن مِن الطواف فأَدْخَلَتْ الحج على عُمرتِها فصارتْ قارِنة وعندما طَهُرَت وتَطَهَّرَت بعد اليوم التاسع طَافَت لِحجِّها وعُمرتِها طوافًا واحدا .. فإذن هذا هو الحكم.
أما إذا كان ذلك بعد وذهبَ أصحابُها .. أوَّلاً يُقال: لابد مِن أن يَنتظِرها مَن هو مُرَافِقٌ لَها سواء كان زوْجا أو مَحْرَما، ولكن إذا كانت هنالك ضرورة مُلِحَّة في الرجوع فرَجَعُوا فلْتَرْجِع وليس لها أن تَطوف قبل أن تَطْهُر وتَتَطَهَّر، ثم بعد ذلك لابد مِن أن تَذهب إلى مكّة حتى تَقوم بِأداء هذا الطواف الذي هو ركن مِن أركان الحج.
أما إذا كانت قد طافت طواف الحج وبقي عليها طواف الوداع فإنها تُعْذَرُ عن طواف الوداع، بِنَصِّ السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جاء ذلك في مسند الربيع (1) -رحمه الله-وجاء عند غيره من أئمة الحديث وذلك الحديث مُخَصِّص لِلحديث العام الدَّال على أنه يُؤمر الإنسان بِأن يَطوف طوافَ الوداع .. هذا الحديث مُخصِّصٌ له والخاصّ يَقضي على العام تَقَدَّم أو تَأَخَّر عليه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


__________________




السؤال:
المرأة التي حاضتْ وأجَّلَتْ طواف الإفاضة مع طواف الوداع .. جعلتْهما واحدا ؟


الجواب:
إذا حاضت المرأة أو كانت مريضة-مثلا-وهكذا بالنسبة إلى الرجل إذا كان مريضا أو كان كبيرا في السّن ويَصعب عليه أن يَطوف مرتين-يطوف أوَّلا طواف الزيارة ثم بعد ذلك يَطوف طواف الوداع-فإنه يُمكِن له أن يُؤَخِّر طوافَ الزيارة إلى الوقت الذي يُريد أن يَخرُج فيه مِن مكّة المكرّمة فيَطوف طوافًا واحدا ويَكفيه ذلك لِلزيارة ولِلوداع، ولكن لابد مِن أن يَنْتَبِهَ الناس إلى قضية مهمّة هنا وهي أنّ بعضَ الناس يَنوون بِذلك الطواف طواف الوداع وإذا نَوَوْا بِه طوافَ الوداع مِن غيْر أن يَستحضِروا بِأنه لِلزيارة فذلك لا يُجزِيهم، فإذن إما أن يَنْوُوا بِه طوافَ الزيارة فهذا يُجزِيهم ولو لم يَسْتَحْضِرُوا الوداع، لأنّ الفريضة تَسُدُّ مَسَدَّ السّنة أو ما شابه ذلك مِن الأمور التي لم تَصِل في التأكيد إلى درجةِ تلك الفريضة، فذلك الطواف إذا نوى بِه الإنسان طوافَ الزيارة فإنه يُجزِيه عن طواف الوداع، وإما أن يَنْوُوا الطوافيْن معا وذلك يُجزِيهم، أما إذا نَوَوْا بِه طوافَ الوداع فذلك لا يُجزِيهم، وقلتُ: " يُجزِيهم " بناءً على قولِ طائفة كبيرة مِن أهل العلم وهو الظاهر لنا، وإلاّ فقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنّ ذلك لا يُجزِي وعليه فلابد على قولهم مِن أن يَطوفوا طوافيْن .. لابد مِن أن يَطوفوا طوافًا لِلزيارة وآخر لِلوداع ولاسيما إذا سَعَوْا بعد طوافِ الزيارة على رأي هؤلاء فإنهم جعلوا ذلك فاصِلا، ولكنّ الذي يَظهر لي أنّ هذا ليس بِفاصِل، لأنني لم أَجِد روايةً صحيحة تَدُلُّ على أنّ السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-عندما اعتمَرت مِنَ " التّنعيم " وطافتْ طوافَ العُمرة وسَعَتْ لها أنها ذهبتْ وطافتْ بعد ذلك لِلوداع .. لم أَجِد ما يَدلّ على ذلك، والظاهر أنها اكتفَتْ بِذلك عن طوافِ الوداع ولو كان ذلك لا يُجزي لَما أَقَرَّها الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على ذلك، فأرى أنه لا مانع مِن الأخذ بِذلك، ولاسيما أنّ فيه تيْسِيرا على كثير مِن الناس، ونَحن نُحِبُّ التيْسِير بِشرْط ألاّ نُخالِفَ آيةً مِن كتابِ الله ولا سنّةً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، أما إذا وَجَدْنا دليلاً صرِيحا لا يَحتمِل احتمالاً صالِحًا لِصَرْفِه عن ذلك المعنى الصريح بل لا يُمكِن أن يُصْرَف الصرِيح عن دلالته وإنما يُصْرَف الظاهِر إذا دَلّ الدليل على صرفِه عن ذلك الظاهِر إلى معنى آخر، فإذا لم نَجِد دليلاً يَصْرِفُ ذلك الدليلَ عن ظاهِره أو كان ذلك الدليلُ صرِيحا فلا يُمكِن أن نَقول إنّ الإنسان له أن يَأخذ بِالقول الفلاني مع أنّ ذلك القولَ مُصَاِدمٌ لِذلك الحديثِ الصريح .. نَعْذُرُ مَن قال بِذلك، لأنه لم يَتعَمّد أن يُخالِف الحديثَ الصريح ولكن لَعلّه لم يَطَّلِع عليه أو ظَنَّ أنّ هنالِك صارِفا يَصْرِفُه عن دلالته وليس الأمر كذلك أو ظَنّ أنه لم يَثبتْ وهو ثابِت في حقيقة الأمر أو ما شابه ذلك.
فكثير مِن الناس يَتَغَنَّوْنَ بِهذه العبارة: " الدِّين يُسْر " وهي حقٌّ لا شَك فيه ولكن هل يُمكن أن نُفَرِّطَ في السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ما شابه ذلك بِهذه الدعوى ؟! إذا قيل بذلك ربما يُفَرِّطُ الإنسان بعد ذلك في الواجبات إلى غير ذلك، فهذا مِمّا لم يَقل بِه عالِم .. إنما قال العلماء: " الدِّين يُسْر " .. والدِّين كله يُسْر عَلِمَ ذلك مَن عَلِمَه وجَهِلَه مَن جَهِلَه بِسبب جَهْلِه لا بِسبب أنّ الأمر بِخلاف ذلك، فإذن هذه نقطةٌ لابد مِن أن يُنْتَبَه لها.
كثير مِن الناس يَطلبون مِنّا بِأن نُرَخِّص في الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر قبل الزوال بِدعوى أنّ بعضَ أهل العلم قد قال بِذلك، ونَحن لا نُنْكِرُ أنّ بعضَ العلماء قال بِأنّ مَن رمى في ذلك الوقت أنّ ذلك يُجزِيه ولكنهم متّفِقون-في حقيقة الأمر-مع غيرهم بِأنّ السنّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي الرمي بعد الزوال، فهذا الذي ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد روى البخاري وأبو داود والبيهقي مِن طريق ابن عمر-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رَمَى بعد أن زالت الشمس، وقد جاء هذا الحديثُ-أيضا-مِن طريق جابر بن عبد الله رضي الله تبارك وتعالى عنهما، رواه الإمام مسلم، ورواه الإمام البخاري في صحيحه تعليقًا، ورواه النسائي في " الصغرى " و " الكبرى "، ورواه أبو داوود والترمذي والدارمي وابن ماجة، ورواه-أيضا-ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وابن أبي شيبة، ورواه أبو عوانة وأبو نُعَيْم في " المستخرَج على صحيح مسلم "، ورواه الطُّوسي في " مختصَر الأحكام "، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " وفي " الصغرى " وفي " المعرِفة " وفي " دلائل النبوة "، ورواه الحاكم في " المستدرَك "، ورواه ابن حزم في " حَجّة الوداع "، وروته طائفة كبيرة مِن أهل العلم، ولهما شاهدان مِن طريق السيدة عائشة ومِن طريق ابن عباس وقد قَوَّاهُمَا بعضُ أهل العلم ومهما كان فإنهما صالِحان لِلاستشهاد وإذا قيل بِعكس ذلك فإننا قد أغنانا الله-تبارك وتعالى-عنهما بِالصحيح الثابت المتّفَق على ثبوته، فهل بعد ذلك يُمكِن أن نُرَخِّصَ في الرمي قبل ذلك مع وجود هذه النصوص الصحيحة الثابتة ؟! ثم إنه لا يُمكِن أن يُقال: " إنّ في ذلك تعسِيرا "، ذلك لأننا-بِحمد الله-لم نُلْزِم الناس بِأن يَرموا في ذلك الوقت بل قلنا إنّ الوقت يَمتدّ مِن منتصَف النهار .. أي بعد زوال الشمس مباشَرة إلى غروب الشمس وهذا لِلمستطيع، أما مَن لم يَستطِع ووَجَدَ حَرَجاً أو مشقّة فإنه يُمكِن أن يَرْمِيَ في الليل بل يُمكِن أن يَرمِيَ في اليوم الثاني-أي في اليوم الثاني عشر-عن اليوم الحادي عشر والثاني عشر، أو في اليوم الثالث عشر، فأيْن هذا العُسْر الذي يَزْعُمُهُ مَن يَزْعُمُهُ مِن الناس ؟! فالحديث قد ثَبَتَ عن النبي-صلى الله تبارك وتعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم-مِن طريق عاصِم بن عدي عند الإمام مالك والشافعي وأحمد والنسائي وأبي داوود والترمذي والدارمي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وأبي يعلى والحُمَيْدِي وأحمد وغيرهم مِن أئمة الحديث، وقد رواه الإمام الربيع-رحمه الله تبارك وتعالى-مِن طريق أبي عبيدة بَلاغاً عن النبي(2) صلى الله عليه وسلم أنه رَخَّصَ لِلرعاة بِأن يَرموا اليوم العاشِر والغداة ثم يَرموا يوما عن يومين .. أي يَجمَعوا رمي اليومين في يوم واحد، وهذا فيه دلالة واضحة وحُجّة نَيِّرَة بِأنّ ذلك يكون أداءً لا قضاءً، إذ لا يُمكِن لِلنبي صلى الله عليه وسلم أن يَأمُر بِعبادة تُؤَدَّى بعد وقتها مِن غير ضرورة مُلِحَّة مع أنه قد أَمَرَ بِذلك، فهذا دليل على أنه أداء، ثم إنه لو كان قضاءً-أيضا-فهذا الحديث يَدلّ على أنّ العبادة يُمكِن أن تُقضى بعد وقتها، وذلك يَدلّ عليه أيضا: ( فدَيْنُ الله أَحَقُّ بِالقضاء ) وما شابه ذلك مِن الأدلة، أما تقديم العبادة عن وقتها مِن غير دليل فهذا مِمّا لا يُمكِن أن يَقول بِه أحدٌ بعد ثبوت هذه السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن نَلتمِس العذر لأولئك العلماء الذين قالوا بِخلاف ذلك أما أن نأخذ بِقولهم فهذا مِمّا لا يَنبغي، ثم ليس هنالِك عُسْر بِحمد الله بل فيه يُسْر كبير جدا جدا .. كثير مِن أهل العلم قالوا: " إنّ الإنسان ليس له أن يَرمي بعد غروب الشمس " ونحن نقول: إنّ الدليل قد دلَّ على أنّ مَن لم يَستطِع له أن يُؤَخِّر ذلك حتى إلى اليوم الثالث عشر .. أن يُؤَخِّرَ رَمْيَ اليوم الحادي عشر حتى إلى الثالث عشر، فهذه مسألةٌ يَنبغي أن يُنْتَبَه إليها وأن نَأخذ بِما ثَبَتَ في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويُعجِبُني ما قاله العلاّمة المحقِّق سعيد بن خلفان رحمه الله: " ومِن العَجب أن أَنُصَّ لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتَ تُعارِضني بِعلماء بيْضة الإسلام مِن غيْر دليل ولا واضِح سبيل .. أليس هذا في العيان نوعا مِن الهذيان ؟! ".
وقطب الأئمة-رحمه الله تبارك وتعالى-قد شدَّدَ أيّما تشديد فيمَن خالَف السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد قال كلاما ما معناه إن لم يَكن هذا هو اللفظ الذي ذَكَرَه القطب رحمه الله تبارك وتعالى .. قال: " اعلم أنه لا يَجوز لك الإسرار بها ولا تقليد كلام ' الديوان ' في ذلك بعد قيام الحجة عليك بِما تقدم وبِما يأتي إن شاء الله تبارك وتعالى، وإن كان لِلديوان حديث في ذلك لم نَطَّلِع عليه لَوَجَبَ علينا العمل بِما اطَّلَعْنا عليه مِن الأحاديث، فكيف ولا حديث لِلديوان في ذلك وإنما هو مُجرّد استحسان، فمَن أكب عليه بعد اطِّلاعه على الأحاديث والحجج خِفْتُ عليه ألاّ يَنجو ولا تَناله الشهادة لأنّ في ذلك إصرارا وعنادا " أو ما هذا معناه(3), فالقطب-رحمه الله تبارك وتعالى-قد شدَّدَ فيمَن قلَّد كلام صاحب " الديوان " في هذه القضية وقال إنه حتى لو كان هنالِك حديث استدل به صاحب " الديوان " بِما أننا لم نطَّلِع عليه فإنّ الواجب علينا أن نَأخذ بِالسنّة الصحيحة، وأنه لا يَجوز لأحد أن يُعانِد ويُخالِف السنن بعدما ثَبَتَتْ.
والشيخ السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-قد شدَّدَ في مثل هذه القضايا أيّما تشديد، فيقول رحمه الله تبارك وتعالى:
المصطفى يَعتبِر الأوصاف ***** ونحن نَحكي بعدَه خِلافا
لا نَقبَل الخلافَ فيما وَرَدَ ***** فيه عن المختار نصّ أُسْنِدَ
وعندما وَجَدَ رحمه الله-تبارك وتعالى-كثيرا مِن الناس يَجعلون الإمام هو الذي يُقيم الصلاة إذا كان المؤذِّن غيْر ثِقة شَدَّد في ذلك رحمه الله-تبارك تعالى-أيّما تشديد فقال: " ومثله " .. أي مثل الآذان ..
ومثله قد قِيل في الإقامة ***** لأنها تابِعةٌ أحكامَه
فقيل سنّة وقيل فرض ***** وثِقَةً يَشرُط فيها البَعْضُ
فإن يَكن ليس بِهذا الوصف ***** أسرَّها الإمام فيما يُخْفِي
ولا دليل عندنا لِهذا ***** إني أرى قائله قد هَذى
يَظُنُّ أنّ الاحتياط فيه ***** وهو فساد حيث لا يَدْرِيه
فكان منه سبَب انصراف ***** من بعده عن سنّة الأسلاف
فجعلوا إمامهم مقيما ***** إذ كان فيه ثقة سليما
وَقَبِلُوا الأذان مِمّن حَضَرَ ***** فبدَّلُوا سُنَّة سَيِّد الورى
إذ كان في سُنَّتِهِ مَن أَذَّن ***** فهو يُقيم وعليه صَحْبُنَا
حتى أتى مَن جَهلوا المسنون ***** وهم لِلاحتياط يَدَّعُون
فبَدَّلُوا ولَيْتَهُم ما بَدَّلوا ***** ورَسَخَتْ بِقلب مَن لا يَعقِل
حتى ادَّعَاها سنّة واحتال ***** على ثبوتِها بِما قد قال
وهو لَعَمْرِي جَدَلٌ مُحَرَّم ***** لأنه يَقول ما لا يَعلم
وأنه ساعٍ لِهَدم السنّة ***** بِجهله كفى بِهذا مِحْنَة
إلى آخر كلامه رحمه الله تبارك وتعالى(4).
والإمام الخليلي-رحمه الله تبارك وتعالى-عندما وَجَدَ بعضَ العلماء قالوا بِخلاف حديثٍ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وقولٌ بِخلاف الحديث يُضْرَبُ بِه عُرْض الحائط " مع أنه قد قال بِذلك القول بعضُ مشائخه رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم.
وهكذا نَجِد فُحُولَ الرِّجال إذا وَجَدوا سنّة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخذوا بِتلك السنّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو خالَفها مَن خالَفها مِن أهل العلم، ولِذلك الشيخ السالمي-رحمه الله-يقول:
فقولهم عند وجود الأثر ***** لا حظَّ فيه أبدا لِلنظر
معناه ما أتى عن المختار ***** يَنفي خِلافَه مِن الأنظار
وعلى كل حال:
حسبك أن تتّبِع المختار ***** وإن يَقولوا خالَف الآثار
و:
ولا تُنَاظِر بِكتاب الله ***** ولا كلامِ المصطفى الأوّاه
معناه لا تَجعل له نظيرا ***** ولو يَكون عالِما خبيرا
فهذا الذي يَنبغي للإنسان.
ومِن العَجب أنّ كثيرا مِن الناس يَتَحَجَّجُونَ بِأنه قد قال بِهذا القول محمد بن علي .. أي تقديم الرمي عن وقته، وأوَّلا قد أَخْطَؤُوا .. محمد بن علي ليس هذا هو المشهور، وإنما هذا هو رجل مالكي كما ذَكَرَ ذلك ابن عبد البر وكما ذكر ذلك ابن رشد أيضا، ونحن-أيضا-وإن كنّا نقول: " إنّ هذا الرجل له العذر فيما قال به " ولكن مهما كان لا يُمكِن أن نُقَلِّدَ أحدًا بعد ثبوت السنّة الصحيحة الثابتة ثبوتا أوضح مِن شمس الظهيرة، وهذه المسألة سَنَزِيدُها بَسْطاً-بِمشيئة الله-في الدروس القادمة(5) ، فأسأل الله-تبارك وتعالى-أن يُوفّقَنا لِلعمل بِالسنّة؛ والله أعلم.


__________________



السؤال:
اضطرابُ الدورةِ عندَ النساءِ بِسببِ استخدامِ أقراصِ منعِها في حالِ ذهابِهنّ إلى الحج أو إلى العمرَة أو إلى أيّ شيءٍ آخَر يَحتجْن فيه إلى ذلك الأمْر، فهل يَصِحّ مثلُ هذا الإجراء ؟ وإذا ما اضطَرَبَتْ الدورةُ عندَ المرأةِ بِهذهِ الطرِيقة، كيف تَصنَع ؟


الجواب:
إنّ استعمالَ الحبوب وما يَجرِي مجراها مِمّا يَمنَع مِن خروجِ دَمِ الحيضِ المعروف أو مِن إِيقافِه بعدَ خروجِه .. هذه المسألَة اختلَف فيها العلماء قديما:
1-منهم مَن ذهبَ إلى أنّ ذلك مَمنوع لا يَصِح سواء كان ذلك قبلَ خروجِ الدم أو كان ذلك بعدَ خروجِه.
2-ومنهم مَن ذهبَ إلى جوازِ ذلك مطلَقا .. أي سواء قبلَ خروجِ الدم أو بعدَ خروجِه، فإذا تَوقَّفَ الدم فإنّ تلكَ المرأة يَصِحّ لَها أن تَأتِي بِما تَأتِي بِه المرأة الطاهِرَة مِن صلاةٍ وصيامٍ واعتكافٍ وقراءةٍ لِلقرآنِ الكريم ولَمسٍ لِلمصحف-إذا كانتْ متوضِّئَة-وطوافٍ إلى غيْرِ ذلك، وهكذا فيما يَتعلَّق بِمسألةِ الوطْء.
3-ومنهم مَن تَوسَّطَ بيْن القوليْن فقال: إنّ ذلك جائز قبلَ خروجِ الدم أما بعدَ خروجِ الدم فإنه ليْس لِلمرأةِ أن تَستعمِل شيئا مِن هذه الموانع.
وليْس هنالك دَلِيل صرِيح في سنّةِ رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على واحدٍ مِن هذه الأقوالِ الثلاثة المذكورة، ولكن القول بِجوازِ ذلك مطلَقا وأنه إذا تَوقَّفَ ذلك الدم إذا استعملتْه بعدَ خروجِ الدم فإنه يَجِب عليها الغسل ويَجِب عليها ما يَجِب على المرأةِ الطاهِرَة ويَجوز لَها ما يَجوز لِلمرأةِ الطاهِرَة هو القول الصحيح، وذلك لأنّ هذا الأمر-أعني أمْرَ العبادات-معلَّقٌ بِوجودِ الحيْض فإذا تَوقَّفَ الحيْض ووُجِدَ الطُّهْر فإنّ هذه العبادات تَجِب على المرأةِ-أعني ما يَجِب منها-ويَجوز لَها فِعْل ما يَجوز لَها مِن الأمورِ الجائزة لِلمرأةِ الطاهِرَة، فإذن ذلك يَتوقَّفُ على وجودِ الحيضِ والطهارةِ، فما يُمنَع إذا وُجِدَ الحيض فهو مَمنوعٌ في حالةِ الحيض، وما يُباحُ أو يَجِبُ في حالةِ وجودِ الطهارة فإنه يُباحُ أو يَجِبُ على مختلف الأحوال .. أي على حسب اختلافِ تلك العبادات، فإذا وَجَدَت المرأةُ الطهارةَ ولَو خَرَجَ الدم فإنه يَجِب عليها الغسل ويَجِب عليها ما يَجِب عليها مِن العبادات-كما قلتُ-ويَجوز لَها ما يَجوز مِن العبادات .. هذا الذي أَرَاه في هذه المسألة، ولكن القضية ليستْ في هذا الأمْر وإنما القضية في أنّ هذه الحبوب وهكذا بِالنسبةِ إلى الإبَر وما يَجرِي مجراها فيه قضية شائِكة أخرى يَجِب التنبّه لَها، وهو أنّ كثيرا مِن النساءِ اللاتِي يَستعمِلْن هذه الحبوب أو هذه الإبَر كُنَّ مِن قبل ضابِطات لِمسألةِ أيامِ حيضِهِن ولكن بِمجرّدِ استخدامِ هذه الموانِع فإنّ العادة تَختلِف وتَضطرِب اضطرابا كثِيرا جِدا، فقدْ تَكون عادَةُ المرأةِ منحصِرَة في سِتّةِ أيام وقد تَكون في سبعةِ أيام أو ثَمانية وهكذا على حسبِ اختلافِ النساء ولكن بِمجرّدِ استخدامِها لِهذه الحبوب أو لِهذه الإبَر فإنّ هذه العادَة تضطَرِب، فتارةً تستمِر خمسة عشر يوما وتارةً تستمِر شهرا وتارةً تستمِر أكثر مِن ذلك، فلا تَدرِي هل هذا الدم هو دم حيض أو هو استحاضة ومتى يَكون حيضا ومتى يَكون استحاضة، ويَترتَّب على ذلك إشكالات في عباداتٍ متعدِّدَة لا تَدرِي هذه المرأة تَأتِي بِتلك العبادات أو لا تَأتِي بِها، فالصلاةُ واجِبَة على المرأة في حالةِ الطهارة وهي مُحرَّمَة في حالةِ الحيض، والصيام وأعني بِالصيام صيام شهر رمضان، وهكذا بِالنسبةِ إلى الصيام الواجِب إذا كان صيام كفارة وكانت محدّدة في ذلك الوقت، وهكذا بِالنسبةِ إلى صيامِ النذر، فيَكون واجِبا في حالةِ الطهارة وتكون مَمنوعة مِن ذلك في حالةِ الحيض، وهكذا بِالنسبةِ إلى الطوافِ فإنّ الحائِض لا يَجوز لَها أن تَطوف بِالبيْت، وليس لَها عندَ أكثرِ أهلِ العلم أن تَدخُل المسجد، وهكذا بِالنسبةِ إلى قراءةِ القرآن، وهكذا بِالنسبةِ إلى معاشرةِ الزوجِ لَها، فهذه المسألة يُمكِن أن يُقالَ بِالتشدِيد فيها مِن هذه الناحية، وأنا قد جاءَتْنِي أسئلة كثِيرَة جِدا في حَجِّ هذه السنة وفي غيْرِها وفي غيْرِ هذا الموسِم المبارَك، وحتى هذه الأيام كثِيرٌ مِن النساء اللاتِي استَعْمَلْن هذه الحبوب في أيامِ الحج لا زالتْ العادَة لَم تَستقِر كما كانتْ عليه في السابِق، وهذه مسألَة مشكِلَة يَنبغِي التنبّه لَها، فأنا لا أَنصَح بِاستخدامِ هذه الحبوب ولا بِاستخدامِ هذه الإبَر ولا بِاستخدامِ شيءٍ مِن هذه الأشياء التي تَمنَع مِن خروجِ الحيض لا لِلسببِ الذي وَرَدَ في السؤال وإنما لِهذا السببِ الذي ذَكَرْتُه، ومِن المعلوم أنّ عادةَ أغلبِ النساء تَكون سِتّة أيام أو سبعة وقد تَصِل إلى العشرَة وقد تَتَجاوَز ذلك بِقلِيل على الصحيح الراجِح، فبِإمكانِ هذه المرأة التي تُرِيد أن تَذهَبَ إلى الحج .. بِإمكانها أن تَتَأخَّر في مكة المكرّمة حتى يَنتهِي وقت الحيض وتَغتسِل وتَأتِي بعدَ ذلك بِالطوافِ الواجِب إذا كان ذلك الطوافُ ركنا مِن أركان الحج أو مِن أركان العمرة، وأما بِالنسبةِ إلى طوافِ القدوم فإنّها معذورَة مِن ذلك، وهكذا بِالنسبةِ إلى طوافِ الوداع فإنّها معذورَة مِن ذلك على الصحيحِ كما دَلّتْ على ذلك السنّة الصحيحة الثابِتة، وإذا قدر بِأنها أحرَمَتْ مثلا بِالعمرَة ثم لم تَتَمَكَّن مِن الإتيانِ بِها قبلَ يومِ عرفة فإنها تردِف عليها الحج فتَكون قارِنَة بعدَ أن كانتْ متَمَتِّعَة، كما وَقَعَ ذلك لِلسيدة عائشة رضي الله-تبارك وتعالى-عنها، على أنها لو اضْطَرّتْ فبِإمكانِها أن تَرجِع إلى بلادِها ثم بعدَ ذلك تَذهَب إلى تَأدِيَةِ الطواف والسعي الذي بَعدَه، أما أن تَستخدِمَ هذه الحبوب مِن أجْلِ أن تَأتِي بِالطواف وهي في حالةِ طهارة ثم بعدَ ذلك يَقَع المحظُور فلا تَستطِيع أن تَأتِي بِالطوافِ ولا تَدرِي هل تُصلِّي أو لا تُصلِّي وهكذا بِالنسبةِ إلى بقيةِ العبادات التي لَها عَلاقة بِهذا الأمْر فإنّنِي لا أَنصَح بِذلك بل أقول: " إنه لا ينبغِي ذلك ".
وأما بِالنسبةِ إلى مَن وَقَعَ لَه ذلك في الماضِي فإننا نَقول: إنّ كلَّ امرأةٍ يَنبغِي لَها أن تَسألَ عن الحالةِ التي وَقَعَتْ فيها، وأن تَصِفَ لأهلِ العلم نوعَ الدمِ وشَكْلَه وكم استَمَر وما شابه ذلك مِن الأمور التي ستوجّه إليها الأسئلة فيها حتى يُمكِن أن نَحكُم أو يَحكُم غيْرُنا مِن أهلِ العلم على هذه الحالة هل هي حيْض أو استحاضة؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


الهامش:
1- مسند الإمام الربيع بن حبيب، باب (11) ما تفعل الحائض في الحج:
حديث رقم 439: أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قلتُ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ صفية بنت حيي قد حاضت " فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعلها حابستنا ؟! ألم تكن قد طافت معكن بالبيت ؟ ) قلتُ: " بلى " قال: ( فاخرجن ).
أو حديث رقم 441: أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها-قالت: " إنّ صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضتْ فذكرتُ ذلك لِرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أحابستنا هي ؟! ) فقيل أنها أفاضتْ، قال: ( فلا إذن ) ".
2- مسند الإمام الربيع بن حبيب، باب (7) في عَرفة والمزدلفة ومِنى، حديث رقم 426: أبو عبيدة قال: رَخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم لِرعاة الإبل في البيتوتة، ويَرمون يوم النحر، ثم يَرمون بِالغداة، ومِن بعد الغَد يَرمون يومين ثم يَرمون يوم النفْر.
3- قطب الأئمة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش، كتاب " القنوان الدانية في مسألة الديوان العانية "، ص14: " اعلم أنه لا يَجوز لك الإسرار بها ولا تقليد كلام ' الديوان ' في هذا مع قيام الحجة عليك بِما ذكرتُ لك وبِما يأتي إن شاء الله، ولو كان لِلديوان في ذلك حديث لم نَطَّلِع عليه لَوَجَبَ علينا العمل بِما اطَّلَعْنا عليه مِن الأحاديث، فكيف لا حديث لِلديوان لذلك وإنما هو مُجرّد استحسان لا دليل عليه، فمَن أكب عليه وترك الأحاديث والحجج بعدما وصلته خِفْتُ عليه أن لا يَنجو ولا تَناله الشهادة لأنّ ذلك منه إصرار وعناد ".
4- الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب: الصلاة، باب: الأذان والإقامة، وهذا بقية كلامه رحمه الله تبارك وتعالى:
لو كان سنّة كما قد زعم ***** لم تَفُتَن أسلافَنا والعلماء
كيف تكون سنّة مخالِفة ***** لِما عليه العلماء السالفة
وفِعله صَلَّى عليه ربُّه ***** مشتهِر مضى عليه صحبُه
والخلفاءُ الراشدون أجمع ***** إلى انتهائهم عليه أجمعوا
5- وكان ذلك-بحمد الله تعالى-عند الجواب على السؤال 2 من حلقة 24 ذو القعدة 1424هـ ( 18/1/2004م )، وكان ذلك أيضا-بحمد الله تعالى-عند الجواب على السؤال 8 من حلقة 6 ذو القعدة 1425هـ ( 19/12/2004م ).

__________________


ما بعد الحج

السؤال:
إذا ذَهَبَ الرّجُل إلى الحج ثم فَعَلَ المعَاصِي عند عودته إلى بَلده، هل يَنْتَقِض حَجّه بِمثل هذا الفِعل ؟


الجواب:
حجُّه صحيح إن كان لم يَأْتِ بِما يُنَافي ذَلك في وَقْتِ حَجِّه، وأما فِعْلُه لِلمَعَاصِي بعد ذلك فَعَلَيْه أن يَتوب إلى الله-تبارك وتعالى-مِن ذلك .. على الإنسان ألاّ يَفْعَلَ شَيئا مِن مَعاصي الله-تبارك وتعالى-وإذَا أغْوَاه الشيطان-والعياذ بالله تبارك وتعالى-وفَعَل شَيْئًا مِنْ مَعَاصِي الله-تبارك وتعالى-فإنه يُؤمَرُ بِالتوبة إلى الله-تبارك وتعالى-تَوْبَةً نَصُوحًا، وإذا تاب وأناب إلى الله-تبارك وتعالى-فإنّ الله-تبارك وتعالى-قد بَيَّن-كَمَا قَد ثَبت في الحديث-بِأنّ مَن أتى شَيْئا مِن المعاصي ثم تَاب إلى الله سبحانه وتعالى وَرَجَعَ إلَيْه أنَّهُ يُجَدَّد له ذلك العمل-ذكرتُ معنى الحديث لا النص-فهذا الرَّجُل فِعْلُه لِتَلْك المعاصي لا يُؤَثّر على حَجِّه السابق ولكن مع ذلك يُؤْمَر بِالتوبة-كما قلتُ-وعَلَيْه أن يَتَخَلَّصَ مِن كُل مَا وَقَعَ فِيه إن كانت هنالك شيء مِن حُقوق العِباد .. إذا اغتَصَبَ-مثلاً-امرأةً-والعياذ الله تبارك تعالى-وزنى بِها أو زَنى بِصَبِية أو أتى امرَأَة وَهِي نَائِمَة أو عبدة أو مَجْنُونَة أو مَا شابه ذَلِك، وهَكَذَا إذَا كان قَدْ أَخَذ شَيْئًا مِن أمْوَالِ الناس مِن غَيْرِ رِضَاهُم عَلَيْهِ أن يَتَخَلّصَ .. والحاصِل أَنَّه لابُد مِن أن يَتَخَلّصَ مِن حُقوق العِباد، وكذلك إذا كان قَدْ فَرَّط في شَيْءٍ مِن صلاة أو صِيَام أو ما شابه ذلك-وأَعْنِي بِالصلاة والصيام الصلاةَ الواجبة والصيامَ الواجب-فلابد مِنَ التَّوْبَة إلى الله ومِن قَضَاءِ ذَلك، وإذا كان قَدْ وَطِئ زَوْجَتَهُ أو زَنَى في نَهَارِ رمضان-والعياذ بالله تبارك وتعالى-فلابُد مِن الكفارة .. والحاصل أنَّ مَا فَعَلَهُ مِن المعَاصِي لا يُؤَثِّر على حَجِّه السَابق ولكنه يُؤمَر بِالتوْبة إلى الله والتَخَلّص مِن كُل ما وَقَعَ فِيه إذا كَانَ هُنَالِكَ شيءٌ يَجِبُ التخَلّصُ مِنْهُ؛ والله أعلم.


السؤال:
لديه قناعة أنّ فريضة الحج تَطْبَع على صاحبها ألوانا مِن الـمُثُل والأخلاق والقِيَم والاستقامة لكن البعض عندما يَعود مِن هناك يَتغافَل أو يَنسى مع مرور الأيام فيَرتكِب شيئا مِن المعاصي .. يَطلب نصيحة بسيطة.


الجواب:
نَأمُر كلّ إنسان بِأن يَتَّقي الله-تبارك وتعالى-وأن يُحاسِب نفسَه قبل أن يُحاسِبها الله سواءً كان قد أدّى فريضة الحج مِن قبل أو لم يَقُم بِتأدِيتها ولكن إذا كان لم يَأْتِ بِها مِن قبل فَنَنْصَحُه بِأن يُبادِر إلى ذلك وألاّ يُسَوِّفَ مَخافَة أن يُفَاجِئه الموت مِن قبلِ أن يَأتِيَ بِهذه الفريضة، و-كذلك-ليس لِلإنسان أن يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِن معاصي الله-تبارك وتعالى-بِدعوى أنه سيَتوب بعد مدّة مِن الزمن .. أوّلا معاصي الله-تبارك وتعالى-ليس لِلإنسان أن يَفْعَلَها سواءً أراد أن يَتوب أو لم يُرِد وإنْ كان إذا أراد التوبة هو أسهل مِن غيره ولكن المعصية معصية وإنما الكلام في قضية الإصرار وعَدمه، وإلا فالمعصية معصية ليس لِلإنسان أن يَقْرَبَها أبدًا وليس له أن يَحوم حول حِماها .. كذلك الإنسان لا يَملِك مِن أمرِه شيئا .. قد يَأْتِيه الـمَوت الآن وهو لم يَتُب إلى الله-تبارك وتعالى-وتَكون العاقبة وَخِيمَة والعياذ بالله، فعلى هَؤُلاء أن يَتَّقُوا الله-تبارك وتعالى-وأن يَتُوبُوا إليه سبحانه وتعالى قبل فَوَات الأوان.
أما بِالنسبة إلى سُؤَاله: هل يَكون حَجُّهم فاسدًا ويَجِب عليْهم أن يَأتوا بِحَجَّة أخرى ؟ فالجواب: لا إلا إذا خَرَجوا عن الإسلام، فإذا خَرَجُوا عن الإسلام يَجب عليهم أن يَحُجُّوا حَجًّا جديدًا على قول طائفة كبيرة مِن أهل العلم، لأنّ ذلك الإسلام لابد له مِن الحج لأنّ الحج رُكْنٌ مِن أركان الإسلام وهذا إسلامٌ جديد فهو وإن كانت تَرجِعُ إليه تلك الأعمال الصالحة ولكن الحج شرْطٌ مِن شروط الإسلام وهو لم يَأْتِ بِالحج في إسلامه هذا، والمسألةُ فيها خِلافٌ طويل بِإمكانِه أن يَرجِع في ذلك إلى " شرح الجامع الصحيح "(1) أو إلى غيره مِن كتب أهل العلم، فإنّ الوقت الآن لا يَكفي لِبيان ذلك.
وأما حديثُ: ( مَن حَجَّ فلم يَرْفث ولم يَفْسق رَجَعَ كيوم ولدَتْه أمّه ) أي رجع مِن حَجّتِه تلك إذا كانت تلك الحجَّة صحيحةً ثابتة .. أي على وِفْقِ ما شرَعَهَا الله-تبارك وتعالى-فذلك الحديثُ صحيح ثَابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن حجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رَجَعَ مِن ذنوبه كيوْم ولدَتْه أمّهُ ) وأيضا: ( العُمرة إلى العُمرة كفّارةٌ لِمَا بيْنهما والحج الـمَبْرُور ليس له جَزاءٌ إلا الجنَّة )، إلى غير ذلك مِن الأحاديث الصحيحة الدالّة على هذا الأمر، ولكن ليس في ذلك أنّ مَن حَجّ وعَمل شيْئا بعد ذلك مِن معاصي الله أنه يَجب عليه أن يُعيد الحج؛ والله-تعالى-أعلم.


السؤال:
ما معنى حديث: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ؟


الجواب:
على كل حال؛ لأهل العلم في ذلك خلاف طويل .. أي اختلف العلماء في معناه، ونَرجوا أنّ مَن كانت حَجّته خالصة لله-تبارك وتعالى-لم يَشُبْهَا شَوْبُ رِيَاء أو سُمْعَة وأتَى بها على وِفْقِ ما شَرعه الله-تبارك وتعالى-أن تكون هذه الحجَّة مِن الحجِّ الـمَبرور الذي يَصْدُق على صَاحبه ما جاء في الحديث الصحيح الثابت ولكن لابد-كما قلتُ-أن تَكون خَالصَةً لله-تبارك وتعالى-وأن يَكون الإنسان تَائِبا راجعاً إليه سبحانه وتعالى ؛ والله أعلم.


الهامش:
1- شرح " الجامع الصحيح، مسند الإمام الربيع بن حبيب " للإمام نور الدين السالمي، ج1، ص103.

__________________


فتاوى في العمرة :

السؤال:
المسافر للعمرة عَن طريق الطائرة، مِن أين يُحْرِم ؟(1)


الجواب:
على كل حال؛ الإنسان ينبغي لَه أَنْ يتعَلَّمَ أمور دينه فإذا أراد أن يذهب إلى أداء الحج أو إلى أداء العمرة-مثلا-فلابُدَّ مِن أن يتَعَلم المسائل المهمة التي تتعلق بالحج أو بالعمرة أو بِهما معا حتى يأتي بتلك العبادة التي وَجَبَت عليه أو التي تُسَنُّ في حقه .. يأتي بِها على الوجه الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
مِن المعلوم أنَّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وَقَّتَ مواقيت للحج والعمرة، ولا يَجوز لِمَن أراد أن يذهب إلى مكة المكرمة لأداء الحج أو العمرة أو لأدائهما معا أن يتجاوز تلك المواضع إلا وهو مُحْرِم، أمَّا إذا كان لا يريد حجا ولا عمرة فلا يَجب عليه الإحرام على القول الصحيح الراجح، وإن كان الإنسان لا ينبغي لَه أن يذهب إلى تلك البقاع إلا ويأتي بعمرة لكن إذا كانت هنالك ظروف أو يَجد مشقة أو ما شابه ذلك فإنّ الأمر فيه سعَة بِحمد الله تبارك وتعالى، فإذا كان يريد الحج أو العمرة ليس له أن يتجاوز المواقيت إلا وهو مُحْرِم .. هذا ثابت بنصّ السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي  ثبوتا أوضح مِن شَمْسِ الظهيرة:
فإذا كان يَسْلُكُ البَر فالأمر واضح إذا مَرَّ على تلك المواقيت:
إذا مَرَّ على ذي الحليفة-مثلا-إذا جاء مِن طريق " المدينة " .. وينبغي أن نسمي هذا الموضع بـ " ذي الحُلَيْفَة " كما سَمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُسَمَّى بذلك-أيضا-حتى قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد شاع عند الناس أنَّه يسمى الآن بأبيار علي ويروي بعض الناس أنَّ عليا قد قاتل الجن بذلك الموضع فلذلك سُمِّي بذلك، وهذا كلام موضوع مُخْتَرَع مَصنوع لا يثبت أبدا، فلا ينبغي لَنَا أن نُسَمِّي ذلك الموضع بِهذه الرواية الموضوعة المخترعة المصنوعة بل ينبغي لَنَا أن نُحَارب مثل هذه التسميات، لأنَّها مكذوبة .. نعم إذا اضطُر الإنسان اضطرارا إلى ذِكْرِ ذلك كأن يسأله سائل: " مِن أين أُحْرِم ؟ " فإذا قال له: " مِن ' ذي الحليفة ' " لا يعرف ذلك لكن إذا قال له: " مِن ' أبيار علي ' " عَرَفَ ذلك فللضرورة أحكامها الخاصة وينبغي له أن يُعلِّمه بِالتسمية الصحيحة، فإذا كان مِن أهل " المدينة " أو مَرَّ بالمدينة-أي إذا جاء مِن جهة أخرى ومَرَّ بالمدينة-فإنه يُحْرِم مِنْ " ذي الحليفة "، وليس له أن يتجاوز ذلك المكان إلا وهو مُحْرِم إذا كَانَ يريد الحج أو العمرة أو كان يريد أن يأتي بالحج والعمرة معا.
وإذا كان مِن أهل " الشام " وتلك الجهات التي يأتي أهلها-أيضا-مِن جهة " الشام " فإنَّهم يُحرمون مِن " الجُحْفَة " وهي الميقات الأصلي لكن كان لِمدّة طويلة مِن الزمن .. كان الناس يُحْرِمُون مِن " رَابغ " لأنَّ " الجحفة " كانت خَرَابا ولكنها عُمِّرَت الآن على حَسْب ما رأيتُ في بعضِ الكتابات وفي ذلك الموضع مسجد فينبغي الرجوع إلى الأصل، لأنَّه هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. نعم إذا جاء أهل " الشام " ومَنْ كان على جهتهم إلى " المدينة " فإنَّهم يُحرِمون مِن " ذي الحليفة ".
كذلك الذين يأتون مِن جهة " العراق " الأصل يُحرمون مِن " ذات عرق " ولكنه الآن لا يَمُر على ذلك الموضع طريق أبدا فلا يُمكن المرور بالسيارات على ذلك الموضع وإنَّما يَمُرُّ أهل " العراق " ومَن يأتي مِن ناحيتهم .. إمَّا أنَّهم يَمُرُّون على " المدينة " فيُحرمون مِن " ذي الحليفة " أو أنَّهُم يَمرون على " الرياض " ونواحيها فلا يأتون على " السيل " ويُحْرِمُون مِن " قَرْن " .. فإذا أتوا مِن تلك الجهة أحرموا مِن " السيل ".
كذلك بالنسبة إلى أهل " نَجد " وإلى أهل " نَجد اليمن" أيضا فإنَّهم يُحْرِمُون مِن " السيل " .. مِن " قرن المنازل ".
وأَمَّا بالنسبة إلى أهل " اليمن " فإنَّهم يُحرمون من " يَلَمْلَم ".
ومَنْ لَم يأت على تلك المواضع-الآن الناس تقريبا يأتون على تلك المواضع-ينظرون إلى أقرب ميقات ويُحْرِمُون مِن مُحَاذَاته .. إذا كانوا أقرب إلى " ذي الحليفة " فإنَّهم يُحْرِمُون مِن مُحَاذَاة ذلك وإذا كانوا أقرب مِن " ذات عرق " فإنَّهم يُحرمون مِن مُحاذاة " ذات عرق " وهكذا بالنسبة إلى بقية المواقيت.
وهكذا بالنسبة إلى مَن جاء في باخرة في البحر فإنه يُحْرِم مِن جهة الميقات الذي يَمر مُحاذيا له.
وأما الذين يأتون على الطائرات فلا شك أنَّ الغَالبية العظمى يَمُرُّون عَلَى المواقيت .. يَمُرُّون أَعلاها فإذن يُحْرِِمُون مِنَ الموضع الذي يَمرون أعلى منه مِن الميقات، وإذا كانوا لا يَمرون مِن أعلى الميقات مباشَرة فإنَّهم يُحرمون مِن مُحاذاة ذلك لكن مِنَ المعروف أنّ الطائرة تسير بسرعة كبيرة جدا فإذا أخذ الإنسان يستَعِد مِن أعلى الميقات فإنه سيتجاوز ذلك وذلك مِمّا لا يَجوز، فإذن لابد مِن أن يستعِد قبلَ ذلك .. إذا كان يريد أن يتوضّأ أو ما شابه ذلك فليستعد قبل ويلبس ملابسه فعندما يكون قُبَيْلَ ذلك الموضع ينوي الإحرام-وأريد بالنية هاهنا النية القلبية-ويقول: " لبيك عمرة " ثُم يأتي بِالتلبية .. لا يتجاوز الميقات إلا وقد لَبَّى .. هذا لابد منه، لأنّ الإنسان لابد مِن أن يأتي مِن أعلى الميقات أو يأتي-أيضا-في جهة أخرى مُحاذية لذلك .. نعم إذا جاء مِن الجهة الغربية .. مِنْ غرب جدّة مباشَرة فإنَّه في هذه الحالة لا يَمر على ميقات بناء على رأي كثرة كاثرة مِنْ أهل العلم بِأنَّ المواقيت لا تُحِيط بِالحرم تَماما .. أي أنَّ ذلك الموضع لا يكون مُحَاذِيا لشيء مِن المواقيت وهذا هو الظاهر لي إلى الآن، فمِنْ تلك الجهة .. الذين يَأتون في البواخر مِن تلك الجهة أو الذين يأتون في الطائرات مِن تلك الجهة لا يَمرون بِميقات فَبِإِمكان هؤلاء أن يؤَخِّروا إلى " جدّة " ولكن هي مَنْطِقَة ضَيِّقة جدا جدا فالأَوْلَى لَهم أن يُحْرِمُوا عندما يُحَاذُون الميقات الذي يكون أَقْرَب إليهم، وهم إما أن يُحاذوا " السيل " وإما أن يُحاذوا ذا الحليفة أو(2) الجحفة، لكن لَو أتوا مِن تلك الجهة وهي جهة صغيرة جدا جدا فبالإمكان، لكن معنا في الجهة الشرقية وهكذا بالنسبة إلى أهل الجهة الشمالية والجنوبية وبعض الأجزاء مِن الجهة الغربية لابُد مِن أن يُحَاذوا ميقاتا مِن المواقيت فلابد مِن الإحرام مِن ذلك المكان ولا يَجوز لَهم أن يُؤَخِّرُوا ذلك.
وقد انتشَر عندَ بعض الناس رأيٌ بِخلاف ذلك وهو أنَّه: " بِإمْكَان الناس أن يُؤَخِّروا ذلك إلى الوصول إلى المطَار وذلك لأنَّ الذي يَمُر مِن أعلى الميقات لا يكون مَارا على ميقات ولا مُحاذيا له "، وهذا القول مِن البطلان بِمكان، وتقريره يَحتاج إلى إطالة، وربَّما يكون ذلك في وقت آخر بمشيئة الله تبارك وتعالى.
فالحقّ الحقيق بِالقبول أنه ليس لأحد أن يُؤَخِّر ذلك فعليه أن يستعِد مِن قبل ويسأل أهل الطائرة ويُحْرِم مِن ذلك الموضع .. يَتَقَدَّم قليلا مَخَافَة أن يتجاوز الميقات وإن لَم يُخْبره مُخْبِر فليحْرِم مِن قبل نصف ساعة تقريبا، فلا بأس مِن الإحرام قبل الميقات لأجل الضرورة، أَمَّا في حالة عدم الضرورة فلا ينبغي لأحد أن يتَقَدَّم على ذلك، لأنَّ النبي  لَم يُحْرِم قبل الميقات وأمر بالإحرام مِنْ تلك المواقيت ولنا فيه-صلوات الله وسلامه عليه-الأسوة الحسنة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
مَن سافر لِمُهمة عمل إلى مكة أو إلى جدة ثُم أراد أن يعتمر، مِن أين يُحرم ؟


الجواب:
لا يَخلو من أحد أمرين:
إما أَنْ يُريد أن يعتمر .. عندما خرج من بلاده كان قَاصِدا لأن يعتمر وهذا لابد من أن يُحرم مِن عند الميقات .. لابد من أن يُحرم من الميقات.
وإما أن يريد أن يذهب إلى ذلك المؤتَمَر أو إلى ذلك العمل ولكن إذا بقي هنالك وقت .. إذا بقي مُتَّسَع مِن الوقت وحصلت له فرصة فإنَّه سيذهب لتأدية العمرة وإن لَم يبق شيء من الوقت فإنه سيرجع إلى بلاده، فهذا لَم يعزم على العمرة فيذهب ويقضي مآربه وبعد ذلك إن أراد أن يُحرِم بالعمرة فإنَّه يُحْرِم مِن ذلك الموضع إذا كان من الحِل أما إذا كان في الحرم فلابد من أن يَخرج مِن الحرم .. إذا كان يريد أن يُحرم بعمرة لابد من أن يَخرج من الحرم إلى الحل ويُحرم من الحل، أما إذا كان-مثلا-يذهب إلى جدة أو إلى أي مكان آخر داخل المواقيت وخارج من الحرم فإنَّه يقضي مآربه وبعد ذلك إنْ أراد أن يعتمر فليحرم من ذلك الموضع الذي هو فيه، وهكذا بالنسبة إلى الذين يعيشون في تلك المواطن أي الذين يعيشون بَيْنَ الميقات وبين الحرم فإنَّهم يُحرِمون من ذلك المكان.


__________________


السؤال:
بالنسبة للمرأة الحائض إذا سافرت للعمرة، مِن أَيْنَ تُحْرِم ؟


الجواب:
إذا كانت هذه المرأة تُرِيد العمرة ولكن أَتَاهَا الحيض قَبْلَ أن تَصِل إلى الميقات وهي لازالت مُرِيدَةً للعمرة فلابد مِن أن تُحرم مِن ذلك الموضع لتغتسل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسْمَاء بأن تغتسل وهي نُفساء والحائض في حُكْمِ النفساء وتَصِل إلى مكة المكرمة وتَنْتَظِر حتى تطْهُرَ وتَتَطَهَّر فإذا طَهُرَت وتطَهَّرَت فإنَّها تأتي بعد ذلك بِمَناسك العمرة .. تطوف وتسعى وتُقَصِّر، أما إذا كان عندما أَتَاهَا الحيض نَوَت أن تُلْغِي العمرة في تلك السَّفْرَة بسبب ارتباط تلك الحَمْلَة التي هي فيها .. مثلا كان ذلك الـمَحْرَم أو الزوج الذي يُرافقها لا يُمكنه أن ينتظرها حتى تطهر وتغتسل وتُكْمِل بَقِيَّة مناسك العمرة فهاهنا تُلْغِي تلك العمرة، هي لَم تُحْرِم بِها مِن قَبْل .. لو كانت أحرمت بِها من قبل فالأمر يَختلف لكنها لَم تُحْرِم على حَسب السؤال .. لتترك نِيَّة العمرة ولتذهب مع أصحابِها وبعد ذلك تَرْجِع وتعتمر مرة أخرى بِمشيئة الله تبارك وتعالى، لكن-مثلا-لو طَهُرَت واغتسلت قبل أَنْ ترجع إلى بلادها فإنَّها في هذه الحالة تذهب إلى التَّنْعِيم وتُحْرِم مِن هناك وتؤدي مناسك العمرة، قد تكون عادة المرأة-مثلا-ستة أيام ويَعْرِفُ ذلك الـمَحْرَم أو ذلك الزوج المرافق لتلك المرأة أنَّه لَن يتمكن لأن يبقى لِهَذِه المدة فَهُوَ يريد أن يَخرج مِن مكة المكرمة بعد ثلاثة أيام-مثلا-فَهَذه المرأة تذهب هكذا إلى مكة المكرمة من غير إحرام لكن لو قَدَّرْنَا أنَّها طهُرَت بعد ثَلاثَة أيام أو طَهُرَت بعد يومين بناء على أنَّ الحيض لا يُشْتَرَط أن تَمكُث المرأة لِمُدة ثلاثة أيام فَصَاعِدا كما هو الصحيح الراجح .. وهذا وإن كان مُخَالِفاً للمشهور-طَبْعاً-في قضية مُدَّة الحيض لكنَّه هو الذي أَرَاه وهو مذهب طائفة كبيرة مِنْ أهل العلم .. إذا طَهُرَت بعد ثلاثة أيام-مثلا-فتغتسل وتذهب وتُحرم من التنعيم ولا تؤمر هاهنا بأن ترجع إلى الميقات لأنها عندما تجاوزت الميقات ما كانت تنوي العمرة، وكذلك-مثلا-لو أراد بعد ذلك ذلك الزوج أو ذلك المحرم أن يتأخر قال: " لا بأس أبقى لِمدة ستة أيام أو أكثر " مثلا فلتصنع ما ذكرناه، أما ما تفعله بعض النساء بأنَّها تتجاوز الميقات من غير إحرام وهي تنوي العمرة وتصل إلى مكة المكرمة وتبقى هناك حتى تطهر وتغتسل ثُم بعد ذلك تذهب إلى التنعيم فهذا مِما لا يصح أبدا، في هذه الحالة عليها أن تتوب إلى الله وأن تندم على ما فرَّطت من أمرها وأن ترجع إلى ذلك الميقات:
بعض العلماء يقول لابد مِن أن ترجع إلى ذلك الميقات الذي مَرَّت عليه ولَم تُحرم منه وهي تريد الحج أو العمرة.
وبعض العلماء يقول لا يلزم أن ترجع إلى ذلك الميقات بل ترجع إلى أي ميقات من المواقيت.
والمواقيت هي الخمس السابقة وليس التَّنْعِيم من تلك المواقيت كما يظنه بعض الناس ..إذا كانت مَرَّت على ذي الحليفة-مثلا-على الرأي الأول لابد من أن ترجع إلى ذي الحليفة ولا يَجوز لَها أن تذهب-مثلا-إلى السيل أو إلى الجُحْفَة أو إلى يلملم .. لابد من أن ترجع إلى ذي الحليفة، وإذا كانت مَرَّت على الجُحْفَة-مثلا-فلابد من أن ترجع إلى الجُحْفَة أو إلى أبعد منه إلى ذي الحليفة، كذلك إذا مَرَّت على السيل لابد مِنْ أن ترجع إلى السيل أو إلى ميقات أبعد إلى ذي الحليفة أو الجحفة أو يلملم-مثلا-أمَّا أن ترجع إلى ميقات أقرب فعلى هذا الرأي لا .. إذا مَرَّت على ذي الحليفة لا يُجزيها أن تُحرم من أي ميقات آخر وإذا مَرَّت على الجحفة فإنه يُجزيها أن تُحرم من الجحفة أو من ذي الحليفة أما من يلملم الذي هو أقرب من الجحفة أو من السيل الذي أقرب من الجحفة فلا، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّها يُجزيها أن تُحرم من أي ميقات من المواقيت ولابد من أن تُحرم من واحد من المواقيت لا أن تذهب إلى التنعيم أو ما شابه ذلك من مواضع الحِل كما يتصوره بعض الناس، ومع ذلك عليها التوبة إلى الله وبعض العلماء يُلْزِمُها مع ذلك أن تفتدي ولكن إذا رجعت إلى الميقات وتابت وأنابت إلى الله-تبارك وتعالى-فقد يُرَخَّصُ لَها في عدم الدم، وعَبَّرْتُ بالفدية هاهنا تَجَوُّزاً وإلا الأصل أن لا يُعَبَّر بالفدية لأن الفدية على التخيير وهذا لا تَخيير فيه فلابد من الدم على رأي من يقول بذلك.
فإذن خلاصة ما ذكرناه إذا كانت هذه المرأة تُرِيد أن تعتمر أو تريد الحج فلابد من أن تُحْرِم من الميقات وإذا كانت قد أَلْغَت ذلك لظروفها فهنا تذهب إلى مكة بدون إحرام فإذا قدَّر الله-تبارك وتعالى-وقضى بأن انتظرت تلك الجماعة التي هي فيها أو طَهُرَت هي قبل الميعاد المعروف فإنَّها تذهب إلى أيِّ موضع من مواضع الِحل وتُحرم من هناك، كذلك الحائض إذا أتت وهي حائض وهي مُحْرِمة ليس لَها أن تطوف بالبيت .. إذا كانت في وقت الحج تذهب إلى مِنَى وإلى عرفة وإلى جَمْع ولكن ليس لَها أن تطوف بالبيت تنتظر وكذلك لا تسعى إن كانت لَم تطف لأن السعي يكون بعد الطواف أما إذا أتاها-مثلا-الحيض بعد الطواف .. طافت بالبيت وأتاها الحيض بعد الطواف إذا كانت صَلَّت الركعتين فلا إشكال تذهب وتسعى لأن المسعى على الصحيح ليس من البيت وإن كان يظهر لأول وهلة بأنه من البيت ولكنه لم يُبْنَ مِنَ البيت والعبرة بالتَّأْسِيس، فَلْتَسْعَ وإن كانت على غير طهارة لأن الطهارة لا تُشْتَرط في السعي وما جاء عن بعضهم من اشتراط ذلك لا يصح، والرواية التي جاءت في مُوَطَّأ مالك من رواية يَحي ليست بصحيحة فبقية الروايات لا تَشْتَرِط ذلك فهذه الرواية مِما شَذَّ به يَحي فلا يُقْبَل ذلك الشُّذُوذ منه، فلتَسْعَ ولا شيء عليها وإن كانت لَم تأت بالركعتين فلْتُأَخِّر الركعتين تيسيرا عليها وتأتي بذلك بعد ذلك بِمشيئة الله تبارك وتعالى، أمَّا إذا كانت لم تَطُفْ فلتنتظر وبعض النساء سَمعن بأن الحائض لا تطوف فأَتَيْنَ وسَعَيْن وأَلْغَت تلك النساء الطواف لأن الحائض لا طَوَاف عليها في اعتقادها .. هكذا حَمَلَت ( غَيْرَ أن لا تَطُوفِي ) وهذا خَطَأ فاضح .. طواف العمرة وطواف الحج ركن من الأركان التي لا يَجُوز تَرْكُها وإنَّما تُعْذَر الحائض من طواف الوَدَاع فقط أمَّا طواف الإفاضة-أُكَرِّر-وطواف العمرة رُكْنَان .. طواف العمرة رُكن من أركان العمرة وطواف الإفاضة الذي هو طواف الزيارة ركن مِن أركان الحج فلا تُعْذَر الحائض من ذلك فلابد من التَنَبُّهِ لِهذا الأمر؛ والله ولي التوفيق.


السؤال:
ما هو مُسْتَنَد مَن يَقول: إنَّهُ لاَ يَصِحّ أن يَعْتَمِرَ الفَرْد أكثر مِن عُمرة في الزِّيارَة الوَاحِدة ؟


الجواب:
مُسْتند هَؤلاء أنّه لَم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنّه اعْتَمَر في سَفَرٍ وَاحد مِن أسْفارِه أكثر مِن مَرّة مع حِرصه على الخَير، ولم يَثْبت-كذلك-عن أحد مِن صحابته-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-بِأنَّهم قد اعتَمَروا في حَيَاتِه-صلوات الله وسلامه عليه-أكْثَر مِن عُمرة واحدة في سفر واحد مِن أسْفَارِهِم، وإنَّما أَذِنَ النّبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لِلسيّدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-بِأن تَعْتَمِر بَعد أن قَرَنَتْ .. فإنه تَطْيِيبًا لِنَفسها أذِنَ لَها بِأَن تَعْتَمِر مِن " التَنْعيم " وأَمَرَ أخاها عبد الرحمن بِأن يُرَافِقها .. ولَم يَرِد دَليل صحيح سالِم مِن كُل اعتراض بِاعتمار عبد الرحمن-رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أَبِيه-مَع السيِّدَة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-والأمرُ مُحْتَمِل .. هُنَالِك رواية تَدُل عَلَى أنه اعْتَمَرَ، ولعلّ هذا الأقرَب إلى الصواب ولكن ذلك لِمرافقتِه لِلسيدة عائشة على أننا لا نستطيع أن نَقول: " إنّه قد اعْتَمر "، أما الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وصحابتُه-كما قلتُ-لم يَعتمِر أحَدٌ مِنْهم أكثر مِن مرة واحدة.
وبعضُ العلماء يَقُولُ بِمَشْرُوعية الاعتمار في السّفر الوَاحد أكثر مِن مرة.
ونَحْن نَقُول بِالجواز مِن حَيْث الجواز لِما ذكرناه مِن هذا الدليل وإنّمَا الكلام في الفَضل .. هَل الأَفضَل للإنسان أَن يُكْثِرَ مِنَ الإتيَانِ بِالعُمْرَات أو أن يُكثِر مِنَ الطَوَاف مِن غَيْرِ أن يَعْتَمِرَ إلا مَرّةً وَاحِدَة في السَّفر الوَاحد كمَا ثَبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ اللهم إلا إذا بَقِي مُدّة طويلة في مَكّة الـمُكَرمة فالأمر يَختلِف، أما أن يَذْهب الإنسان لِعدة أيَام فالأفضل-على حَسب مَا نَرَى-أن يُكْثِر مِن الطوَاف ومِن ذِكر الله-تبارك وتعالى-مِن غَير أن يَأتي بِأكثر مِن تِلك العُمرة التي دَخَل بِهَا مَكّة المكرمة لِما ذكرناه.
ولا يُمْكن أن يُعْتَرَضَ علينا بِما ذَكرناه سَابِقًا مِن حَديث النّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( العُمْرة إلى العُمرة كَفَّارة لِما بَيْنَهُمَا )، لأنّ الذي قال ذلك هُو الذِي لم يَعتَمِر ولم يَأمُر صحابتَه-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-بِذَلك وإنَّما أَذِنَ لِلسيّدة عائشة-رضي الله تبارك و تعالى عنها-لِظَرْف خَاصٍّ بِها كما قدّمناه، والـمَجال لا يَتّسِع لِلإطالة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
العُمرة إذا كانت الأولى عن نفسه والثانية لِغَيْرِه، هل يُعْتَبِر هَذا مِن قَبِيل التكرار ؟


الجواب:
نَحن نَقول: لا مَانِع مِن التِكْرَارِ مِن حيث الجوَاز وإنَّما مِن حيث الفضْل .. أما إذا كان الشّخْص يَعْتَمِر عن أبيه وأبوه لم يَعْتَمِر مِنْ قَبْل أو عن أمّه وأمُّه لم تَعتمِر مِن قبل ولاَ يَسْتَطِيعَان الذّهاب إلى العُمْرة لِـمَرَض-مثلا-لا يُرجَى مِنْهُ الشِّفاء بِحَسْبِ الظَّاهِر وهَكَذَا بِالنّسبة إلى أقَارِِبِهمَا فذلك مِمَّا لا مَانع مِنْه بِمشيئة الله-تبارك تعالى-بل ذلك مِن باب التعاون على البِر والتَّقوَى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


__________________



السؤال:
هَل لِلزَّوْجِ طَاعَة إذا مَنَعَ زوجتَه عن الذهَاب إلى العُمرة ؟


الجواب:
أما إذا مَنَعَهَا عن فَرِيضَة الحج وكانت تُريد أن تَذهب مع مَحْرَمٍ لَها فلا طاعة له ولا كَرامة، لأنه يَمْنَعُهَا عن أمْرٍ وَاجِبٍ مُتَحَتِّم عَلَيْها، إذ إنّ الحجَّ واجبٌ بِنَصِّ كتابِ الله وسنّة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ثم هو على الفَوْرِ على الصَحِيحِ كما قلنا.. فإِذَا كَانَت سَتَذْهَبُ مَعَ مَحْرَمٍ مِنْهَا ومَنَعَهَا مِن ذلك فَيَنبغي لَها أنْ تُحَاوِل بِأن تُقْنِعَهُ بِالـمُوَافَقَة على الذّهَابِ وَإذَا لَم يُوَافِق عَلَى ذَلِك فَلا طَاعَةَ لَهُ ولاَ كَرَامَة، إذْ لاَ طَاعَة لِعَبْد في معْصِيَة الله تبارك وتعالى، فَنَقُول لِهذا الزوج بَدَلا مِن أن يَمْنَعَ زوْجَتَه عَن الإتيان بِفَرِيضة الحج أو بِالعُمرة أنّه عَليْه أن يَتُوب إلى الله-تبارك وتعالى-ويَنْبَغي له أن يُرَافِقها مِن أجل تَأدِيَة فَرْض الله-تبارك وتعالى-عليه إن كَان قادِرا على ذلك، وإن كان قَدْ أَدَّى الفَرِيضَة وهو يَْقدِرُ على الذهَاب-أيضا-يَنبَغي له أن يَذهب إلى تِلك البِقاع المقَدَّسة ويَأْتي بِالعُمرة وبِالحج، وقد سَبَق فَضْل مَن حَج أو اعتمَر إذا كان يُريد بِذلك وَجَه الله تبارك وتعالى.
أما بِالنسبة إلى العُمْرة فإن كانت لاَ تَذْهب مَع مَحْرَم مِنْهَا-فكما قلتُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تؤَخِّرَ ذَلِك حَتَّى تَجِد مَحْرَمًا مِنْها وتَذْهَب وتُؤَدِي الحج والعُمرَة مَعًا، ثم-أيضا-العُمْرة فيها خِلاَفٌ بَيْنَ أهل العِلم كما قدمناه، فإذَا تَأَخَّرت قليلا ثم ذَهَبتْ لِتَأدِيَة فَريضةِ الحج وتَأْدِيَة العُمرة بعد ذلك مع مَحْرَمٍ مِنْهَا وتَدعو-ونَحن نَدعو معها-بِأن يَهدِيَ الله-تبارك وتعالى-هذا الرَّجُل-وغَيْرَه مِن الناس وأن يَهْدِيَنَا جَميعا إلى طاعة الله تبارك وتعالى-فلعلّه يَقُومُ بِمُرَافقَتها أو يَأذَنُ لَها أو تَجِد مَحْرَمًا مِنْهَا وتُرَافِقه.
و-كما قلتُ-في الحج لاَ طَاعَة لَه أبَدا، أما العُمرة فعلى ما فيها مِن كلام، وبِإمْكَانِها-أيْضا-أن تُؤَخِّر وَلَوْ لِعِدَّةِ شهور ثم تَذهَب في هذه السنَة بِمشيئة الله لِتَأدِيَة الأمْرَيْنِ مَعًا وافَق هَذَا الزّوج أو لم يَوَافِق ولكن تَذْهب مع مَحْرَم مِنْها؛ والله أعلم.


السؤال:
طواف الوداع في العمرة، هل هُوَ واجب ؟


الجواب:
اختلَف العلماء في طواف الوداع للعمرة:
ذهبت طائفة مِنْ أَهْلِ العلم إلى أنَّه لا يُشْرَع طوافٌ للوداع بالنسبة للعمرة وإنَّما هو خاص بالحجِّ لِغَيْرِ الـمَكِّي، وذَلِكَ لأنَّه لَمْ يَثْبُت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه-أنَّه طاف للوَدَاع بَعْدَمَا اعْتَمَرَ.
وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى أنَّه يُشْرَع في حَقِّ المعتَمِر أن يطوف للوداع، وذلك لأنَّ النبي-صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه-قَد طَافَ للوداع بعد الحج وأَمَرَ الناس بأن يَجْعَلوا طواف الوداع آخِر العَهْد بالبيت شَرَّفَه الله تبارك وتعالى.
واحْتَجَّ بعض العلماء على ذلك-أيضا-برواية تُرْوَى عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-تدُلُّ على مشروعية طواف الوَدَاع للمُعْتَمِر ولكن تلك الرواية لا تثبت مِنْ حيث إسنادها.
فالتعويل على هذا الأمر الذي ذَكَرْنَاه مِن طواف النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وذلك أنَّ هذا هو آخر العَهْدين، فَعَدَم طَوَاف النَّبِي-صلوات الله وسلامه عليه-للوَدَاعِ للعمرة مُتَقَدِّم على طوافه للوداع للحج، وهذا الطواف-كما هو معلوم-لا عَلاقةَ له بالحج، ولِذَلِك لا يُؤْمَر بِهِ الـمَكِّيّ بل لا يُشْرَعُ في حقِّه أبدا، وما دَامَ الأمر كذلك فهو مَشْرُوعٌ لوداع البيت شَرَّفَه الله تبارك وتعالى، ولا فَرْقَ في ذلك بين الحاجِّ والمعْتَمِر، فعَدَم فِعْل النبي-صلوات الله عليه وسلامه-له في طواف العمرة الظاهر أنَّه لَم يكن مَشْرُوعا في ذلك الزمان فلذلك تَرَكَه، وفي ذلك الزَّمَان كانت تُشْرَع العِبَادَات وتكون بَعد مُدَّة قصيرة مِنَ الزَّمَن في بعض الأحيان بل قَد تكون هنالك لَحَظَات بين مشرُوعِيَّة حُكْمٍ وحُكْمٍ آخر، والذي يظهر لَنَا-لِذَلك-هَو أَنَّ طَوَافَ الوَدَاع مشْرُوعٌ للحج والعمرة، إلا أَنَّه في الحج مُتَّفَقٌ عليه لِغَيْرِ الحائض والنفساء، واختلَف العلماء في المريض الذي لا يستطيع الطواف سواء بِنَفْسِه أو أن يطوف به غيره هل يَجب عليه الدَّم أو لا يَجب عليه ؟ والصحيح بأنَّهُ يُعْذَرُ كما تُعْذَرُ الحائض والنفساء، أما مَنْ عَدَا ذَلك فإنَّهُمْ لا يُعْذَرُون عن طواف الوداع، وإن اخْتُلِفَ في وُجُوبِ الدَّم عليهم، والأَكْثَرُ على وُجُوبِه، وأما بالنِّسْبَة إلى العُمْرَة مُخْتَلَف فيه، ولا شك بأنَّ المخْتَلَفَ فيه لا يَصِل إلى درجة المتَّفَق عليه فإذَا تَرَكَه بعض الناس ظَنّا بأنَّه لا يُشْرَع فلا شيء عليه بِمَشِيئَة الله تبارك وتعالى، ولَكِنْ بَعْدَ أن يَعْرِفَ الحكم فإنَّه لا ينبغي لَه أن يتهاون بذلك وإن كنتُ لا أَقْوَى على أَنْ أُلْزِمَهُ الدَّم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


السؤال:
ما حكمُ مَن طاف بعدَ الحجر أثْنَاءَ أدائِه العمرة ؟ هل يَعْتَد بِهَذَا الشَّوط أو لا ؟


الجواب:
إنَّه مِمَّا لا يَخفى أنَّ طواف العمرة وطواف الزيارة بالنسبة إلى الحج ركن مِنَ الأركان التي لا تَصِح العمرة ولا الحج إلا بِها، وعليه فلابد مِن الاعتناء بأمره، وكثير مِن الناس يُفرِّطون في كثيرٍ مِن الأمورِ المتعلِّقةِ به، ومِن المعلوم أنَّه يَندرِج تَحت الطواف كَثِير مِن الأحكام:
مِنْهَا مَا هو شَرطٌ مِنْ شروطِ صِحّةِ الطواف بِحيثُ إنَّ مَن فَرَّطَ فيها يَكون طوافُه باطِلا.
ومِنْهَا ما هو سُنّة مِن السنن التي لا يَنبغِي التفرِيطُ فيها، لِثبوتِ ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فإذن لابد مِن الاعتناءِ بِمَعرفةِ أحكامِ الطوافِ بِمعرفةِ شروطِه وواجباتِه وسُنَنِه ومستحبَّاتِه.
وكثيرٌ مِن الناسِ-كما قلتُ-لا يَعتَنونَ بِمعرفةِ ذلك، فتَرَى كثيرا مِن العوام يَذهبُون لِتأديةِ فريضةِ الحج أو لِتأديةِ العمرة وهم لا يَعرفُون عن أحكامِ الطواف شيئا .. منهم مَن يَسمَع بِالطواف ومنهم حتى مَن لَم يَسمَع بِه وإنَّما يَسْمَع بِالحج أو العمرة ولا يَعرِفُ بِماذا يَأتِي في حَجِّه وفي عُمرتِه، فلابد لِلإنسانِ عندَما يُرِيدُ أن يَذهَبَ لِتأديةِ الحج أو العمرة أن يَتعلَّمَ أَهَمَّ الأمورِ التي تَتعلَّقُ بِهما حتى يُؤدِّي تلك العبادة-التي شَرَعَها الله تبارك وتعالى-على بصيرةٍ مِن أَمرِه.
والطوافُ-كما قلتُ-مِن أَهَمِّ المهمات في الحج وكذلك في العُمرة، فهو ركنٌ مِن الأَرْكَان بِالشَّرْطِ الذي ذكرتُه، وعليه فلابد مِنْ أَن يُراعِيَ ما يَتعلَّق بِه ولاسيما الشروط والواجبات.


__________________



الطوافُ لَه بِدايةٌ ونِهَاية، فلابد مِن أن يَبتدِئ الطائفُ مِن مَوضِع وينتهي إليه، والطواف يبْتَدِئ مِن ركن الحجَر .. عندَما يَأتِي مَن يُرِيدُ أن يَطوف يَأتِي إلى رُكن الحجَر بِحيثُ يُقَابِلُ الحجَر فإن تَمكَّنَ مِن تَقبِيلِه قبَّلَه وإن لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك فإنه يَلْمَس الحجَر بِيَدِه اليمنى لا بِاليَدَيْنِ معا فإن لَم يَتَمَكَّن مِن ذلك أَشَارَ إليه ولا يُقبِّل يَدَه التي أَشَارَ بِها وإنَّما يقبِّل يَدَه التي صَافَحَ بِها الحجَر .. أي إذا تَمكَّنَ مِن مصافحةِ الحجَر أو مِن وَضْعِ يَدِه على الحجر، ومِن ذلك الموضِع يَبتدِئ الطواف، وليس لَه أن يَبتدِئ الطوافَ مِن موضعٍ بعدَ الحجَر، فإنه إذا ابتدأَ مِن بعدِ الحجَر فإنَّ ذلك الشوط الذي ابتدأَ بِه مِن ذلك الموضع يَكون باطِلا لا عبرةَ بِه، وعليه لَو وَقَعَ شخصٌ في ذلك ثُم انتَبَه أو نُبِّهَ إلى صنِيعِه ذاك فإنَّ عليه أن يُلْغِيَ ذلك الشوط وألاّ يَعتبِر بِه أبدا ويَعْتَد بِالشوط الذي يَلِيه وهُو الشوط الذي يَبتدِئ فيه الطواف مِن مُقابِلِ الحجَر كما قدّمنا، ويَطُوف سبعة أَشْوَاط وينتهي في ذلك الموضِع الذي ابْتَدَأَ منه، ومِنَ المعلوم أنَّه لابد مِن أن يُكْمِلَ الأشواط السبعة تَمَاما فإذا نقَصَتْ ولو جزئية صغيرة مِن ذلك فإنّ طوافَه ذلك لا يُعتبَر صحِيحا.
وكان منذُ فترةٍ قصِيرةٍ مِن الزمن هنالِك خطّ يَقِفُ الناس عليه وذلك الخط مقابِلٌ لِلحجَر تَمَاما وفيه مِن اليُسْرِ على كثيرٍ مِن الناس ما لا يَخفَى، لكن ذلك الخط لا يَخفى أنَّه لَم يَكُن-كما قلتُ بِالأمس-موجودا في عهدِ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ولا في القُرُونِ التي تَلَتْ ذلك وإنَّما وُضِعَ منذُ فترةٍ قَصِيرَةٍ مِن الزمن ثُم أُزِيل، ومِن المعروفِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم طَافَ عندَما قَابَلَ الحجَر .. وَقَفَ في مُقَابِلِ الحجَر وطافَ مِن هناك وطافَ معه صحابتُه الكِرام وكانتْ أُمَّة كبِيرَة جِدا مِن الناس، وفي ذلك مِن اليُسْرِ والسهولَةِ ما لا يَخفَى، فالتَّشَدُّدُ والتَّنَطُّع مِمّا لا يَنبغِي.
فعندما يُقابِل مَن يُرِيدُ الطوافَ الحجَر فليَبتدِئ مِن هناك ولْيَتْرُك التَّشَدُّد والتنَطُّع والوساوِس والشُكُوك، فمِن المعلوم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَم يَضَعْ خَطا لِلناسِ مِن أجل أن يقِفُوا عليه جَميعا وإنَّما شَرَع في الطوافِ مِن ذلك الموضِع وبيَّنَ في حَجّتِه: ( لتَأْخُذُوا عنِّي مناسِكَكُم ) وطاف معه الصحابةُ الكِرام وهكذا في عُهُودِهم-رضوان الله تعالى عليهم-وفي عهودِ التابعين ومَن جاء بعدَهم.
فليُقَدِّر مَن يُرِيدُ الطواف أنه يَقِفُ في مقابِلِ الحجَر .. يَتَحَرَّى ذلك ويَطُوف مِن ذلك الموضِع ويَنتهِي-أيضا-في الموضِع الذي ابتدأَ فيه بِحيثُ-كما قلتُ-لا يَصِح لَه أن يَترُكَ شيئا مِن ذلك، لأنَّه لَو تَرَكَ شيئا مِن ذلك فإنَّ طَوَافَه ذلك يَكون بَاطِلا، أما إذا ابتدأَ-مثلا-قَبل الموضِعِ الذي تُشْرَعُ مِنه البدايَة .. ظَنَّ-مثلا-أنَّ البدايةَ تُشرَع مِن هناك ثم تبَيَّن لَه أنّ الأمْرَ بِخلافِ ذلك فذلك لا يَضُرّه في ذلك لكن لابد مِن أن يَنتهِي في الموضِع المعروف الذي حدَّدْتُه مِن قبل، وليس لَه أن يَنتهِي في الموضِع الذي ابتدأَ منه في هذا الطواف، لأنَّه ابتدأَ مِن موضعٍ يُخالِف الموضِعَ الصحِيح وما دام لَم يَبتدِئ مِن الموضِعِ الصحِيح الذي هو مُتقَدِّمٌ على موضِعِ الطواف فلابد مِن أن يَنتهِيَ في الموضِعِ الصحِيح؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


الهامش :
1 - وفي سؤال مشابه :

السؤال:
مَن أراد الذهاب إلى العمرة بِالطائرة، مِن أين يُحرِم ؟


الجواب:
يُحرِم عندَما يُحَاذِي الميقات .. يَستعِد مِن قبل .. إما أن يَلبَس ثيابَه في بيتِه أو في المطار أو أن يَقوم بِلبْسها عندَما يَكون قرِيبا مِن الـمَطار ثم عندَما يُحاذِي الميقات ويَنبغِي لَه أن يَتقَدَّم ذلك بِقليل، لأنَّ الطائرة تَمر مسرِعة على الميقات فَقَد لا يَتمكَّن مِن الإتيانِ بِالتلبية مِن أعلى الميقات ويَتجَاوَز ذلك، فيستعِد مِن قبل ثم بعد ذلك عندما يكون قريبا مِن الميقات ينوي بقلبه العمرة ويسمي-أيضا-ذلك في تلبيته .. يقول: " لبيك عمرة " ويلبي التلبية المعروفة، وليس لَه أن يُؤخِّر ذلك إلى مطار " جدة " مثلا، كما أنه ليس لَه أن يَرجِع بعدَ ذلك إلى الميقات .. لابد مِن أن يُحْرِم مِن قبل، وليس لَه أن يَتأخَّر إلى أن يَصِلَ إلى الميقات .. نعم لَو أنَّ جاهلا وَقَعَ وَوَصَلَ إلى الميقات وهو لَم يُحرِم فإنّ عليه أن يَتوب إلى ربه وأن يَرجِع إلى الميقات الذي مَرَّ عليه ويُحرِم مِن هناك، أما مَن كان يَعرِف الحكم فليس لَه أن يَتجاوَزَ ذلك أبدا.
وبعضُ الناس يَقول: " في ذلك مَشَقَّة " أو ما شابه ذلك، ولا مَشَقَّة في ذلك والحمد لله .. بِإمكانِه-كما قلتُ-أن يَلْبَسَ ثِيابه مِن بيتِه أو مِن المطار أو يُمْكِن أن يَلبسَ في دَوْرَة المياه في الطَّائِرَة أو حتى مِن مكانه بِشرطِ ألاّ يَرَاه عندَما يَخلَعُ إِزارَه .. أو بِعبارةٍ أخرى لا يَرَى عورتَه أحدٌ مِن الناس ويُحرِم ولا مشقّة في ذلك، أما بِالنسبةِ إلى الصلاة فلا بأس عليه إن تَرَكَ الصلاة ولَم يُصَلِّ لِلإحرام على أنَّ العلماء قد اختلَفوا هل هنالِك صلاةٌ مشروعَة لِلإحرام:
ذهب بعضُهم إلى أنَّه ليستْ هنالِك صلاةٌ لِلإحرام .. مَن أرادَ أن يُحرِم فإن حَضَرَتْ صلاة فريضة فليُحْرِم بعدَ الصلاة.
والصوابُ أن يُحرِمَ بعدَ أن يَستوِي على راحلتِه، كما ثبتَ ذلك مِن طرِيقِ ابن عمر رضي الله-تعالى-عنهما.
أما الحديثُ الوارِد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أَحرَمَ بعدَ الصلاة فهو حديثٌ لا يَصِح، فالعمدَةُ ما جاء مِن طرِيقِ ابن عمر.
وكذلك إن دَخَلَ المسجد فليُصل ركعتيْن أو إذا أَرادَ أن يُصلي صلاةَ الضحى إن كان الوقتُ وقت صلاة الضحى أو أَرادَ أن يُصلي بعدَ الوضوء أو ما شابه ذلك، أما أن تَكون هنالِك صلاةٌ خاصّة بِالإحرام فليستْ هنالك صلاة خاصّة بِالإحرامِ على الرأيِ الصحيح.
وذهب بعضُهم إلى القولِ بِمشروعيةِ الصلاةِ لِلإحرام.
وفرَّق بعضُهم بيْن ميقاتِ " ذي الحليفة " وبيْن غيرِه فقال بِمشروعيةِ الصلاةِ لِمَن أَحرَمَ مِن ميقاتِ " ذِي الحليفة " بِخلاف مَن أَحرَمَ مِن غيرِ ذلك.
ولا دليلَ على التفريق بل ولا دليلَ على القول بِسُنية صلاة خاصّة لِلإحرام، فلْيُحرِم مِنَ الطائرة؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
على أنَّ كثيرا مِن الناس-ولِلأسف-يَأتُونَ إلى مكة المكرمة وهم مُحِلُّون ثم بعدَ ذلك يَذهَبون إلى " التنعيم " لِلإحرام، وفي هذا مُخالَفة صارِخَة لِسنّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمَن وَصَلَ إلى مكة المكرمة ولَم يُحرِم عليه أن يَتوب إلى ربه وأن يَندَم على ما فَرَّطَ مِن أمرِه وأن يَرجِع إلى الميقات الذي جاء منه-أو ميقاتٍ أبْعَد مِن ذلك الميقات على رأي بعضهم-فإذا جاء مِن " ذي الحليفة " لابد مِنْ أن يَرجِع إلى " ذي الحليفة " وإذا جاء مِن ميقات " نَجد " وهو المعروف بِالسيل فليَرجِع إليه وهكذا بِالنسبة إلى بَقِيَّة المواقيت.
فيَنبغِي لِلإنسان أن يَتعلَّم أُمورَ دِينِه وألاّ يَذهَب وهو لا يَدرِي عن العمرة شيئا .. لا يَدرِي كيف يَطوف وكيف يَسعَى ومِن أَيْنَ يُحرِم أو ما شابه ذلك، وإن كان لَم يَذهَب مِن قبل البتّة فيَنبغِي لَه أن يَذهَب مع شخصٍ لَه معرِفة بِمناسِكِ الحج، ومعرِفةُ هذه المناسِك متيَسِّرة والحمد لله، وهنالك كتب ومطْوِيَات وأشرطة يُمكِن لِلإنسان أن يَستعِين بِها على معرِفةِ مناسِكِه، وما لَم يَجِدْه فيها أو ما لَم يَفهَمْه فعليه أن يَسأَلَ أهلَ العلم.
والحاصِل أنه ليس لأحدٍ أن يَتجاوَزَ الميقات إذا كان يُرِيدُ حجّا أو عمرة ولو أَرادَ أن يَبقَى-مثلا-مدّة في " جدة " أو في غيرِها مِن المناطِق اللهم إلا إذا كان مُتردِّدا في الإرادة .. مثلا يَقول: " سأذهَب إلى ' جدة ' لِقضاءِ بعضِ المآرِب فإن تَمَكنتُ بعدَ ذلك ووجدتُ وقتا فسأذهَب إلى ' مكة ' وإن لَم أَجِد وقتا فلَن أَذهَب " ففي هذه الحالة يَذهَب إلى " جدة " ويَقضِي مآرِبَه وحوائِجَه وبعدَ ذلك إذا أَرادَ أن يَذهَب إلى " مكة " لِتأدِيَةِ عمرة-مثلا-فليُحرِم مِن ذلك المكان الذي بَقِي فيه وهو " جدة " على المثال الذي ذكرناه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.

2- الظاهر أنّ الشيخ سحب مِن كلامه: " ذا الحليفة أو ".



توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس