منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - قصص القراءن الكريم
عرض مشاركة واحدة
كُتبَ بتاريخ : [ 02-03-2010 ]
 
 رقم المشاركة : ( 3 )
::الـمـشـرف العـام::
::مستشار المنتدى::
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : عمان
عدد المشاركات : 7,603
عدد النقاط : 913

الامير المجهول غير متواجد حالياً










سجن يوسف









‏قال تعالى:‏

‏{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثُمَّ بَدَا ‏

لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ ‏

فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ ‏

فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ،
‏ ‏
قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا ‏

عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، ‏

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ ‏

شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ، ‏

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ ‏

دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ ‏

إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، ‏

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ‏

الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.‏
‏ ‏

يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم، أي ظهر لهم من الرأي، ‏

بعد ما علموا براءة يوسف، أن يسجنوه إلى وقت، ليكون ذلك أقل ‏

لكلام الناس، في تلك القضية، وأخمد لأمرها، وليظهروا أنه راودها ‏

عن نفسها، فسجن بسببها، فسجنوه ظلماً وعدواناً.‏
‏ ‏
وكان هذا مما قدر الله له. ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن ‏

معاشرتهم ومخالطتهم.‏
‏ ‏
قال الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} قيل كان أحدهما ساقي ‏

الملك، واسمه فيما قيل: "نبوا". والآخر خبازه، يعني الذي يلي طعامه، ‏

وهو الذي يقول له الترك (الجاشنكير) واسمه فيما قيل: "مجلث". ‏

كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما. فلما رأيا يوسف ‏

في السجن أعجبهما سمته وهديه، ودلّه وطريقته، وقوله وفعله،

وكثرة عبادته ربه، وإحسانه للناس، فرأى كلّ واحد منهما رؤيا، ‏

قال أهل التفسير: رأيا في ليلة واحدة، أما الساقي فرأى كأن ثلاث ‏

قضبان من حبلة، وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها، فاعتصرها ‏

في كأس الملك وسقاه. ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، ‏

وضواري الطيور تأكل من السّلِّ الأعلى.‏
‏ ‏
فقصّاها على يوسف وطلبا منه أن يفسرها لهما، وقالا: ‏

‏{إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها ‏

‏{قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا}‏

قيل: معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول.‏

وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام، قبل مجيئه حلواً أو ‏

حامضاً، كما قال عيسى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}‏
‏ ‏
وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع ملة ‏

آبائي الكرام إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ ‏

مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أي بأن هدانا لهذا {وَعَلَى النَّاسِ} ‏

أي بأن أمرنا ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}.‏
‏ ‏
ثم دعاهم إلى التوحيد، وذمّ عبادةِ غيراللهِ عزَّ وجلّ وصغّر أمر الأوثان، ‏

وحقّرها وضعّف أمرها، فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ ‏

اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا ‏

أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} أي المتصرف في خلقه الفعال
‏ ‏
لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} أي ‏

وحده لا شريك له و {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، أي المستقيم والصراط القويم ‏

‏{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره.‏
‏ ‏
وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال، لأن نفوسهما معظمة ‏

له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما، ‏

مما سألا عنه وطلبا منه. ‏

ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال ‏

‏{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} قالوا: وهو الساقي
‏ ‏
‏{وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: وهو الخباز ‏

‏{قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}. أي وقع هذا لا محالة ‏
‏ ‏
‏{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشّيْطان ‏

ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}.‏
‏ ‏
يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجياً منهما ‏

وهو الساقي: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعني أذكر أمري وما أنا فيه من ‏

السّجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السّعي في

الأسباب. ولا ينافي ذلك التوكل على ربِّ الأرباب.‏
‏ ‏
‏{فَأَنسَاهُ الشّيْطان ذِكْرَ رَبِّهِ}، أي فأنسي الناجي منهما الشّيْطان،

‏ أن يذكر ما وصّاه به يوسف عليه السلام. ‏
‏ ‏
‏{فَلَبثَ} يوسف {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} والبضع ما بين الثلاث ‏

إلى التسع. وقيل إلى السبع. وقيل إلى الخمس. وقيل ما دون العشرة،

فلولا الكلمة التي قالها "اذكرني عند ربك" ما لبث في السجن ما لبث.‏
‏ ‏

‏{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ ‏

سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا ‏

تَعْبُرُونَ، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ، وَقَالَ الَّذِي نَجَا ‏

مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ‏

فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ ‏

سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ، قَالَ ‏

تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُون،

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ، ‏

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.‏
‏ ‏
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن
‏ ‏
وذلك أن ملك مصر رأى هذه الرؤيا.‏

قيل انه: رأى كأنه على حافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان،

فجعلن يرتعن في روضةٍ هناك فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، ‏

فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلتهن فاستيقظ مذعوراً،ثم نام فرأى سبع ‏

سنبلات خضر في قصبة واحدة، وإذا سبع أُخر دقاق يابسات، فأكلنهن ‏

فاستيقظ مذعوراً. فلما قصها على ملأه وقومه، لم يكن فيهم من يحسن ‏

تعبيرها بل {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} أي أخلاط أحلام من الليل، لعلّها لا تعبير لها، ‏

ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك، ولهذا قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} ‏

فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصّاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه ‏

إلى حينه هذا. وذلك عن تقدير الله عز وجل، وله الحكمة في ذلك، فلما ‏

سمع رؤيا الملك، ورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما ‏

كان أوصاه به من التذكير.‏
‏ ‏
‏{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} أي تذكر {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد مدة من الزمان، ‏

وهو بضع سنين، {وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي بعد نسيان، فقال لقومه وللملك
‏ ‏
‏{أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}، أي فأرسلوني إلى يوسف، فجاءه فقال:‏
‏ ‏
‏{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ‏

وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.‏
‏ ‏
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب ‏

الخروج سريعاً، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبّر لهم ما كان من منام الملك
‏ ‏
الدّال على وقوع سبع سنين من الخصب ويعقبهما سبع جدب: ‏

‏{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني يأتيهم الغيث والخصب ‏

والرفاهية {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب ‏

والزيتون والسمسم وغيرها. ‏

فعبّر لهم. وعلى الخير دلّهم وأرشدهم، إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم ‏

وجَدْبِهم وما يفعلونه من ادّخار حبوب سنين الخصب في السبع الأول في سنبله، ‏

إلاّ ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سنين الجدب في السبع الثانية، ‏

إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل. ‏

وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم.‏
‏ ‏

‏{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ‏

النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ، قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ ‏

رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ ‏

الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ ‏

أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ ‏

النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}.‏
‏ ‏
لما أحاط الملك علماً بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام وتمام ‏

عقله ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضاره ليكون من جملة خاصته، ‏

فلما جاءه الرَّسول بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد انه ‏

حبس ظلماً وعدواناً، وأنه بريء السَّاحة مما نسبوه إليه بهتاناً ‏

‏{قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ ‏

أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي
‏ ‏
مما نسب إليّ، فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعي الشديد عند ‏

مراودتهن إياي؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد؟ ‏

فأمر الملك بجمع النسوة، ولما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر، ‏

وما كان منه من الأمر الحميد و{قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}.‏
‏ ‏
فعند ذلك {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} وهي زليخة: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}. أي: ‏

ظهر وتبيّن ووضح،{أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ} أي صدق فيما ‏
‏ ‏
يقوله من أنه بريء وأنه لم يراودني وأنه حبس ظلماً وعدواناً وزوراً وبهتاناً.‏
‏ ‏
وقوله {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} ‏

قيل إنه من كلام يوسف أي إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه

‏ بظهر الغيب. وقيل إنه من تمام كلام زليخة، أي: إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي

‏ أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودة لم يقع معها فعل فاحشة.‏
‏ ‏
‏{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} ‏

قيل: إنه من كلام يوسف، وقيل: من كلام زليخة،وهو مفرع على ‏

القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخة أظهر وأنسب وأقوى، والله أعلم.‏
‏ ‏

‏{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا ‏

مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا ‏

لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ ‏

أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}. ‏

لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما ‏

نسبوه إليه قال {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي اجعله ‏

من خاصّتي ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلمّا كلمّه وسمع ‏

مقاله وتبين حاله {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} أي ذو مكانة وأمانة. ‏

‏{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} طلب أن يوليه النظر فيما
‏ ‏
يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي سبع سنين الخصب، لينظر فيها ‏

بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك إنه ‏

حفيظ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه، عليم بضبط الأشياء ومصالحهم.‏
‏ ‏
وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة. ‏

قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} ‏

أي بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر،
‏ ‏
‏{يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي أين شاء حل منها مكرماً معظماً. ‏

‏{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} هذا كله من جزاء الله‏

‏ وثوابه للمؤمن، مع ما يدّخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل.‏
‏ ‏
ولهذا قال: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.‏











أخوة يوسف









‏قال تعالى:‏

‏{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون، ولَمَّا جَهَّزَهُمْ ‏

بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ ‏

الْمُنزِلِينَ، فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِي، قَالُوا سَنُرَاوِدُ ‏

عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ، وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ ‏

يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.‏
‏ ‏
يخبر تعالى عن قدوم أخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون ‏

طعاماً، وذلك بعد إتيان سنين الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد، ‏

وكان يوسف عليه السلام حينها الحاكم في أمور الديار المصرية ديناً ودنيا،
‏ ‏
فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف ‏

عليه السلام من المكانة والعظمة فلهذا عرفهم وهم له منكرون.‏
‏ ‏
قال الله تعالى {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته ‏

في إعطاء كلّ إنسان حِمْلَ بعيرٍ لا يزيده عليه {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} ‏

وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم، فقالوا: كنا إثني عشر رجلاً، فذهب منا ‏

واحد وبقي شقيقه عند أبينا، فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم. ‏

‏{أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} أي قد أحسنت نزلكم وقِرَاكم،‏

فرغَّبهم ليأتوه به، ثم رهّبهم إن لم يأتوه به، ‏

قال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ} ‏

أي فلست أعطيكم ميرة، ولا أقربكم بالكلية، عكس ما أسدى إليهم أولاً. ‏
‏ ‏
‏{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن ‏

‏{وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} أي وإنا لقادرون على تحصيله. ‏

ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم، وهي ما جاؤا به يتعوّضون به عن الميرة،
‏ ‏
في أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ‏

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم. ‏

وقيل: خشي أن لا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية. ‏

وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن الميرة. ‏

وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم. ‏


‏{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا ‏

نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ ‏

مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا ‏

بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ‏

وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ، قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى ‏

تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُنَنِّي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ ‏

عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ، وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ ‏

مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ‏

وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي ‏

عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ ‏

لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.‏
‏ ‏
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له:‏
‏ ‏
‏{مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، ‏

فإن أرسلته معنا لن يمنع منا.‏
‏ ‏
‏{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} ‏

أي:أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نمتار لهم، ‏

ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم ومَحْلِهم {وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ}بسببه {كَيْلَ بَعِيرٍ}.‏

قال الله تعالى: {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي في مقابله ذهاب ولده الآخر. ‏

وكان يعقوب عليه السلام يحبه لأنه كان يشمّ فيه رائحة أخيه، ويتسلّى ‏

به عنه، ويتعوض بسببه منه،فلهذا قال تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى ‏

تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي إلاّ أن تغلبوا كلكم ‏

عن الإتيان به {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}. ‏

أكدّ المواثيق، وقرّر العهود، واحتاط لنفسه في ولده، ولن يغني حَذَرٌ من قَدَر. ‏

ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعث الولد العزيز، ولكنَّ الأقدار لها أحكام، ‏

والرب تعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء وهو الحكيم العليم. ‏

ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من بابٍ واحد، و ليدخلوا من أبواب متفرقة.قال ابن

عباس ومحمد بن كعب وقتادة: أراد يعقوب عليه السلام أن لا يصيبهم أحد بالعين ‏

وذلك لأنّهم كانوا بديعي الصورة وذو وجوه حسنة المنظر،ولهذا قال: ‏

‏{وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}. ‏

وقال تعالى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ ‏

مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ‏

وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.‏
‏ ‏


‏{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا ‏

يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا
‏ ‏
الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ، قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَ‏

لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ‏

الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي ‏

رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا ‏

مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ ‏

اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ ‏

لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم ‏

بِمَا تَصِفُونَ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ ‏

الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ}.‏

‏ ‏
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم على شقيقه يوسف وإيوائه ‏

إليه وإخباره له سرّاً عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاّه عما كان ‏

منهم من الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم، فأمر ‏

فتيانه بوضع سقايته- وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها الناس الطعام- عن غرة ‏

في متاع أخيه، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صُواع الملك، ووعدهم جعالة على ‏

ردِّه حِمْل بعير- أي من يجده له حمل بعير - وضمّنه المنادي لهم، فأقبلوا على ‏

من اتهمهم بذلك فأنبوه وهجّنوه فيما قاله لهم: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا ‏

لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} أي: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا له ‏

من السّرقة،{قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ ‏

جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. وهذه كانت شريعتهم أن السّارق يدفع إلى ‏

المسروق منه ولهذا قالوا: {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.‏
‏ ‏
قال الله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}‏
‏ ‏
ليكون ذلك أبعد للتهمة، وأبلغ في الحيلة، ثم قال الله تعالى: ‏

‏{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي لولا اعترافهم ‏

بأنّ جزاءه {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} لما كان يقدر يوسف على أخذه ‏

منهم في سياسة ملك مصر، ‏

‏{إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} أي في العلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.‏
‏ ‏
وذلك لأنّ يوسف كان أعلم منهم، وأتم رأياً، وأقوى عزماً وحزماً، وإنما فعل ما ‏

فعل عن أمر الله له في ذلك لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك

‏ من قدوم أبيه وقومه عليه، ووفودهم إليه. ‏

فلما عاينوا استخراج الصّواع من حمل أخيهم{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}‏

‏" ‏‎أي- يوسف- وكان سرق لأبي أمه صنما من ذهب فكسره لئلا يعبده‏‎ "‎فأسرها يوسف

‏ في نفسه ولم يبدها‏‎" ‎يظهرها‎ ‎‎"‎لهم‎" ‎والضمير للكلمة التي في قوله قالوا

‎ "‎قال‎" ‎في نفسه‎ "‎أنتم شر مكانا‎" ‎من يوسف وأخيه لسرقتكم أخاكم من أبيكم

‏ وظلمكم له‏‎ "‎والله أعلم‎" ‎عالم‎ "‎بما ‏تصفون‎" ‎تذكرون من أمره


‏{أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَالله أعلم بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم يوسف سرّاً لا جهراً، حلماً وكرماً ‏

وصفحاً وعفواً، فدخلوا معه في الترفق والتعطف، فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً ‏

شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا ‏

مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ} أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البريء، هذا‏

‏ ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.‏
‏ ‏


‏{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ ‏

مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي ‏

أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ‏

وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ ‏

الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى
‏ ‏
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى ‏

يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ ‏

حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ ‏

مَا لا تَعْلَمُونَ، يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ‏

إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ}. ‏


يقول تعالى مخبراً عنهم: إنهم لما استيأسوا من أخذه منه خلصُوا يتناجون فيما ‏

بينهم، قال كبيرهم: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ} ، لتأتنني
‏ ‏
به الا أن يحاط بكم؟ لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف ‏

من قبله فلم يبق لي وجه أقابله به {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ} أي لا أزال مقيماً ها هنا ‏

‏{حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} في القدوم عليه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بأن يقدّرني على ‏

ردِّ أخي إلى أبي {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. ‏

‏{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي: أخبروه بما رأيتم من الأمر في

‏ ظاهر المشاهدة {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ، وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي
‏ ‏
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}الأمر الذي أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق – ‏

أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}. ‏

‏{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي: ليس الأمر كما ذكرتم، لم يسرق‏

‏ فإنه ليس سجية له، ولا هو خلقه، وإنما {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}. ‏
‏ ‏
ثم قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} يعني يوسف وأخوه المتهم والأخ الأكبر

الذي رفض العودة، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة، ‏

‏{الْحَكِيمُ} فيما يقدره ويفعله وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة. ‏

‏{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن أبناءه { وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}ذكّره حزنه ‏

الجديد بالحزن القديم، وحرّك ما كان كامناً. فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم ‏

الفراق {قَالُوا} له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه: ‏

‏{تَا للَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ}أي: لا تزال تتذكره

حتى ينحل جسدك، وتضعف قوّتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك

‏{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} يقول لبنيه: ‏

لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس، ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل،
‏ ‏
واعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجاً ومخرجاً، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن
‏ ‏
تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى {وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}. ‏

ثم قال لهم محرضاً :{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ ‏

رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} أي: لا تيئسوا من الفرج بعد ‏

الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه ومايقدره من المخرج في الضيق إلا القوم الكافرون.‏
‏ ‏


‏{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ ‏

لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ ‏

وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ، قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ‏

اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ‏

اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ، قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ‏

الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}. ‏


يخبر الله تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيما لديه من ‏

الميرة والصدقة عليهم بردّ أخيهم إليهم {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا ‏

وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي:‏

ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنّا قيل: كانت دراهم رديئة. وقيل: قليلة،

وقيل حب الصنوبر، ونحو ذلك. وعن ابن عبَّاس: كانت خَلَقَ الغِرَائِرِ والحبال، ونحو ذلك.‏
‏ ‏
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاؤا به مما لم يبق عندهم سواه، من ضعيف ‏

المال، تعرف إليهم وعطف عليهم، قائلاً: لهم عن أمر ربه وربهم، وقد حسر لهم ‏

عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ ‏

بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ}، {قَالُوا} وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مراراً ‏

عديدة، وهم لا يعرفون أنه هو {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ }.‏
‏ ‏
‏{قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي}أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم
‏ ‏
فيه ما فرطتم، {وَهذَا أَخِي} تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا اضمروا لهما من ‏

الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال،{قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} بإحسانه إلينا وصدقته ‏

علينا، وإيوائه لنا وشدّه معاقد عزّنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا، وصبرنا على ‏

ما كان منكم إلينا وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا:‏

‏ {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. ‏

‏{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي فضلك، وأعطاك ما لم يعطنا {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}‏

أي فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك. ‏

‏{قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ} أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ‏

ثم زادهم على ذلك فقال: {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. ‏
‏ ‏
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذي يلي جسده فيضعوه على عيني أبيه، ‏

فإنه يرجع إليه بصره- بعد ما كان ذهب- بإذن الله، وهذا من خوارق العادات ودلائل ‏

النبوات وأكبر المعجزات. ‏

ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل.

بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.‏ ‏

رد مع اقتباس