|
رقم المشاركة : ( 8 )
|
| رقم العضوية : 8 | تاريخ التسجيل : Jan 2010 | مكان الإقامة : عمان | عدد المشاركات : 7,603 | عدد النقاط : 913 | | | | | وأما قوله : ( ولا يمنع من ذلك مانع ) . فإن أول مانع عقله ، إن أنصف نفسه ، ومن وافقه على ذلك ، حتى يجعله حجة بينه وبين خصمه .
ثم عقب فقال : ( ولا يمنع من ذلك مانع ، إذا كان ليس يرى بجنسه ولا في مكان ولا حد ولا صورة ولا شكل ، لأن الله تعالى لا يوصف بالأماكن ولا الحدود ولا المقابلة ، ولا تجوز عليه المعاينة التي هي جنس المقابلة ، إذ لا تقابله الأجسام تعالى عن ذلك ) .
فإن كان هذا من كلام الأشعري فقد أبطل الرؤية بهذه المعاني التي نفاها عن الرب سبحانه ، إذ لا تثبت الرؤية إلا مع هذه المعاني .
وإن كان من كلام خصمه ، فبذلك أبطل عن الإله الرؤية ، إذ لا يوصف بشيء من هذه الصفات التي نفاها عن الله سبحانه وتعالى .
وقال عبد الوهاب : ( فإن قيل ما استدللتم به من أن كل موجود يصح أن يرى منتقض بالادراكات لأنها موجودة ولا تصح رؤيتها فبطل ما قلتموه ) .
قيل له : قال الأشعري : ( جائز أن يرى إدراكنا بإدراك يخلق لنا في غير محل ، فندرك إدراكنا به ) .
الجواب :
وقوله : إنا نرى الإدراك الأول بإدراك آخر في غير محل ، فما بال الإدراك الثاني في غير محل دون الأول يلزمه في الأول ، والثاني أن يخلق إدراكا ثالثا في غير محل ، وللثالث رابعا وللرابع خامسا ، إلى ما لا منتهى له ولا غاية .
--------------------------------------------
( * ) أسلوب تهكم من المؤلف – رحمه الله تعالى – على من يستدل بالشعر المتناقض مع كلام رب العالمين ، وهذا في ظاهر كلام الشاعر الذي حملوه عليه في الاستدلال بمن مع أن في كلام الشاعر تجوز . ( مراجع ط 2 ) قال عبد الوهاب : ( فإن قيل ما استدللتم به في إثبات الرؤية ، فهو نفي الرؤية ، لأنا لم نجد شيئا مرئيا إلا في إحدى الجهات الست ، ولا يخلو أن يكون جنسا ، أو في مكان أو مقابلة ، لأنا لم نجد مرئيا إلا على هذه ، وقد قام الدليل على نفي هذه الجهات والأماكن عن الله تعالى ، إذ لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، لأن هذه كلها مخلوقات ، ولن تصح لكم رؤية ) .
الجواب:
اعلم أن جميع ما حكاه عنا في هذا فصحيح بدليل حقيق .
قال عبد الوهاب : ( قيل له جائز أن يخلق الله لنا إدراكا في الآخرة ، غير هذا الإدراك الحال في أعيننا ، فندركه بالإدراك المخلوق فينا ، وليس من شروط هذا الإدراك أن يكون حالا في العينين ، وجائز أن يكون في القلب ، وفي غيره من أعضاء بني آدم ، فندركه تحقيقا من غير حد ولا كيفية ) .
الجواب :
اعلم أنه إن صح ما قال ، فقد أبطل الرؤية وأثبت معنى العلم الحال في القلب، أو فيما أراد من الأعضاء .
فإن أبطل الحد واللون والجهة والمعاينة والمقابلة ، سوغنا ( 1) له غلطة في لفظ الرؤية .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : ما الدليل على جواز رؤيته في القرآن ؟ قيل له : قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) . والنظر في كلام العرب إذا قرن بالوجه ، ولم يضف الوجه الذي قرن بذكره إلى قبيلة ولا عشيرة ، وعدى بحرف الجر ، ولم يعد إلى مفعولين ، فالمراد فيه النظر بالبصر ) .
الجواب :
أنه أغفل وجها آخر وهو الجسد كله ، لأن الوجه الذي هو أفضل الجسم خاطبوا به ، وإن أرادوا به البدن كله ، ولا يريدون به النظر ولا البصر ، كما يقول بعضهم : فعلت هذا لوجهك يريد به لك ، قال الله تعالى : ( وجوه يومئذ باسرة ) الآية يريد البدن كله ، وفعلت هذا لوجه الله يريد الله ، فلم يقصره على النظر ، جاء وجه القوم ، وهذا وجه الناس ، للرجل كله .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : أفليس قد تمدح الله تعالى بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) كما تمدح بقوله : ( بديع السموات ) فكيف يجوز أن تردوا عنه مدحته ؟
قيل له : إنما تمدح بقوله : ( وهو يدرك الأبصار ) ولم يمتدح باستحالة إدراكه الأبصار ، لأن الطعوم والروائح وأكثر الأعراض ، لا يجوز عندكم أن ترى بالأبصار ، وليست ممدوحة بذلك ) .
الجواب :
قيل له : إن الله لم يتمدح بقوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، لأن الأعمدة والحيطان والنحل والشجر ولا تأخذها سنة ولا نوم ، كما لم يمتدح بقوله : ( لا تدركه الأبصار ) (2 ) .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : قوله : ( لا تدركه الأبصار ) نفي عام كما قال تعالى : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فلا فرق بين الآيتين لاشتراكهما في عموم النفي .
قيل له : لا يصح الجمع بين الآيتين ولا بينهما مناسبة ، لأن الآية التي جاءت ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) . أجمع المسلمون قاطبة أنه لا يجوز على الله السنة ولا النوم ، لأنهما صفة نقص لا تجوز على الله سبحانه ، لأنه مستحيل ذلك عليه .
والرؤية مما اختلف فيه الناس ، لا يحتج بالإجماع في موضع الخلاف .
والحجة في إثبات الرؤية قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ، وجاء مقيدا بالآخرة والآية التي وردت وهو قوله : ( لا تدركه الأبصار ) ورد مطلقا فيرد المطلق إلى المقيد لأنه من جنسه ) .
الجواب :
وفي قوله في التفرقة بين الآيتين ( ولا فرق ) وبينهما أعظم المناسبة في اجتماعهما في النفي .
-------------------------------------------
( 1 ) ساغ في اللغة بمعنى جاز ، والمقصود هنا بينا له جواز غلطه . ( مراجع الطبعة الثانية ) .
( 2 ) جواب تهكمي . ( مراجع الطبعة الثانية ) . وقوله : ( أجمع المسلمون قاطبة أن النوم والسنة لا يجوزان على الله تعالى ) .
قلنا كذلك أجمع المسلمون أن الأبصار لا تدركه ، لأنه صفة نقص .
فإن اختلف الناس في هذه فقد اختلف معه الدهرية في تلك وعلته أنها صفة نقص وعلتنا إنها صفة عجز.
وقوله : ( إلى ربها ناظرة ) جاء مقيدا بالآخرة فلا يرد المطلق في هذه إلى المقيد ، لأن قوله في الدنيا ، وحكم تلك في الآخرة ، فاختلفنا ، فلا يرد مطلق إلى مقيد اختلفت بهما الدار ولو كان من جنسه .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : ما معنى قوله : ( لن تراني ) ، وهذا شرط نفي نفي الرؤية في الحال والاستقبال . وقوله : ( تبت إليك ) ، هل تاب إلا من مسألة الرؤية ؟ وقوله : ( أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ) ، فهذا كله دليل على نفي الرؤية . وقوله : ( فخر موسى صعقا ) .
قيل له : أما قولكم ( لن تراني ) ، شرط في نفي الرؤية ، فغير مسلم لكم لأن ( لن تراني ) إنما كان جوابا لسؤله في الحال لا في الاستقبال ، ولو كانت الرؤية مستحيلة عليه لما سأله موسى وهو نبي الله وأمينة ومن جعله واسطة بينه وبين خلقه ومتحملا لرسالته، أن يسأله المستحيل )
الجواب :
أن جميع ما اعتل به في قوله ( لن تراني ) وقوله ( تبت إليك ) وقوله ( أرنا الله جهرة ) وقوله ( فخر موسى صعقا ) فجميع ما استدل به في هذه الآيات صحيح قطعا .
وقوله : ( إنما كان سؤاله للحال لا الاستقبال ) فغير مسلم .
وقوله لو كانت الرؤية مستحيلة لما سأله موسى ، فليس كل المستحيل يعلمه موسى ، وكقوله لنوح عليه السلام : ( ولا تسألني ما ليس لك به علم ) وكان نوح لا يدري أن المشرك محال دخوله الجنة .
وقوله ( لن تراني ) اعلم أنه حرف إياس لا مطمع فيه ، وربما يرى الأشعري ربه في الآخرة ولا يراه موسى في الآخرة ، ولو جاز عليه أن يرى لقال ( لا تراني ) فقد أيأس موسى من رؤيته ، إلا إن طمع هو في الاستقبال أن يرى ربه ، ولن يراه موسى ، ولن من حروف اليأس لموسى وغيره .
وقوله ( تبت إليك ) ولم يقل الله : إنه تاب من مسألة الرؤية ، فمن اعتقد في موسى أحد المعنيين ، أما أن يثبته أحمق يعاقب على شيء ويتوب من غيره ، أو من تركه ، أو أن يكون موسى منافقا ، يعاقبه ربه على شيء ، ويظهر له التوبة في خلافه ، فأي المعنيين أراد فليذهب إليه السامع .
وقوله : ( ربما خطرت له ذنوبه فتاب منها وأغفل هذا ) غير مستحيل عن غير عاقل .
وقوله : ( أرنا الله جهرة ) قال : ( لن تأخذهم الصاعقة لاستحالة الرؤية ) .
قلنا كذلك ، لكن لسؤالهم الرؤية وهو فعلهم ، واستحالة الرؤية فعل الله – عز وجل - .
وقوله : ( علقوا إيمانهم برؤيتهم إياه فبذلك أخذهم ) . لا أدري ما أراد .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : أراد الله بالنظر الذي في الآية الانتظار كما قال الله – عز وجل – ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) أي ينتظرون ، وقال الله – عز وجل – ( انظرونا نقتبس من نوركم ) وهذا كله بمعنى الانتظار .
قيل له : لا يصح ما ذكرته ، لأن النظر في لغة العرب يتصرف على أربعة أوجه لا خامس لها .
أحدها : أن يكون النظر بمعنى التعطف والرحمة – قال الله تعالى : ( ولا ينظر إليهم يوم القيامة )ولم يرد أنه لا يراهم ، لأن رؤيته تعالى محيطة بهم وبغيرهم ، وإنما هو نظر تعطف ورحمة .
والثاني : أن يكون النظر بمعنى الاعتبار كما قال تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف ) الآية .
الثالث : بمعنى الانتظار كما قال الله – عز وجل - : ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) أي ما ينتظرون ، وقوله : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) .
الوجه الرابع : هو النظر المعروف بالعين ، فلا يجوز أن يكون قوله – عز وجل – ( إلى ربها ناظرة ) بمعنى الاعتبار ، لأن الآخرة ليست بدار اعتبار ولا تكليف ، ولا بمعنى الانتظار ، لأن الانتظار إنما هو في القلب ، فإذا قرن النظر بذكر الوجه ، لم يجز أن يراد به القلب ، كما أنه إذا أريد به نظر القلب ، لم يجز أن يكون مقرونا بذكر الوجه .
وأيضا فإن نظرته بمعنى انتظرته فعل متعد بنفسه لا بحرف الجر ، والذي ذكره من وجوه النظر صحيح) .
الجواب :
اعلم أن الوجوه التي ذكرت في النظر صحيحة ، والذي أراد الله في هذا الانتظار ، والوجوه أراد بها الأبدان ، لاستحالة النظر إلى ذات الباري سبحانه إلا بإيجاب تشبهه بخلقه ، تعالى عن ذلك .
وقوله : ( نظرته بمعنى انتظرته فعل متعد بنفسه لا بحرف ) . فإن خاطبت به ثلاثيا استغنى عن التعدي وانقطع العتاب . قال الفقيه عبد الوهاب : ( مسألة أخرى في القرآن ) .
( ومما اختلفوا فيه اختلافا كثيرا في القرآن هل هو مخلوق ، أو غير مخلوق ؟ فذهبت الأشعرية إلى أن القرآن غير مخلوق ، إذ كل مخلوق لا يخلو أن يكون جسما أو عرضا أو جوهرا عند من يثبت الجوهر ، ولو كان القرآن جسما لكان قائما بنفسه ، ومحتملا للصفات ، وجاز عليه الكلام ، فكان يجيء من هذا كون القرآن متكلما بالقرآن ، وكذلك نقول في القرآن : الثاني والثالث ، إلى غير نهاية .
والذي يدل عليه أنه ليس بعرض ما أقمناه من الدليل ، على أن العرض ومن حله العرض محدثان ، والله تعالى لا يصح كونه محدثا .
فإن قيل : هو عرض فعله الله في غيره ، وذلك لا يؤدي إلى حدثه تعالى .
قيل له : فينبغي أن يكون ذلك الغير المفعول فيه العرض هو المتكلم بالقرآن، وهذا أيضا دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عرض ، ولا يصح أن يكون المتكلم من فعل الكلام ، لأنه لا يخلو فعله في نفسه أو في غيره أو لا في مكان ، فمحال أن يفعله في نفسه ، لأن ذلك يؤدي إلى كونه ذاته محلا للحوادث .
وكذلك إن فعله في غيره، كان ذلك الغير متكلما به ، وإن فعله لا في مكان استحال ذلك ، لأجل أن الصفات لا يصح فعلها لا في مكان ، لأن ذلك يؤدي إلى قيامها بأنفسها ) .
الجواب :
قوله ( لا يخلو أن يكون جسما أو عرضا أو جوهرا ، ولو كان جسما لكان قائما بنفسه ومتحملا للصفات ) فصحيح .
وأما قوله : ( وجاز عليه الكلام ) ، فدعوى ليس تحتها برهان ، فليس كل جسم يتكلم ويحكم ، فكان يجيء من هذا كون القرآن متكلما بقرآن آخر وكذلك نقول في القرآن الثاني والثالث إلى غير نهاية ، ويلزمه في جميع خلق الله مثل هذا ، ولو كانت الأرض جسما ، لكانت قائمة بنفسها ومحتملة للصفات ، وجاز عليها الكلام ، فيجيء من هذا كون الأرض متكلمة بكلام ، وللكلام كلام إلى غير نهاية .
وقوله : ( والذي يدل على أنه ليس بعرض ما أقمناه من الدليل ، أن العرض ومن حله العرض محدثان ، والله لا يصح كونه محدثا ) . فدلنا نحن أيضا على حدوثه أن العرض ومن حله محدثان فعلمناه أنه محدث ، إذ هو عرض واحد في الجسم .
وقوله : ( والله تعالى لا يصح كونه محدثا ) . فعلى قوله : إن القرآن هو الله . فلذلك لا يصح كونه محدثا .
قال عبد الوهاب : ( فإن قيل : هو عرض فعله الله تعالى في غيره، وذلك لا يؤدي إلى حدوثه تعالى.
قيل له : فينبغي أن يكون ذلك الغير المفعول فيه العرض هو المتكلم بالقرآن ، وهذا يدل على بطلان قول من ذهب أنه عرض ، ولا يصح أن يكون المتكلم من فعل الكلام ، لأنه لا يخلو فعله في نفسه ، أو في غيره ، أولا في مكان ، فمحال أن يفعله في نفسه ، لأن ذلك يؤدي إلى كون ذاته متكلما به .
وإن فعله لا في مكان استحال ذلك ، لأجل أن الصفات لا يصح فعلها لا في مكان ، لأن ذلك يؤدي إلى قيامها بنفسها ) .
الجواب :
وقوله : ( عرض فعله تعالى في غيره وذلك لا يؤدي إلى حدوثه تعالى ) صدق .
( قيل له : فينبغي أن يكون الغير المفعول فيه العرض هو المتكلم بالقرآن ) فهذا الذي قال غير مسلم ، ونحن نقول : إن الله تعالى جعل من تصفيق حجرين كلاما ، أو من صدى جبل كلاما ، أنه ليس بكلام الجبل، إلا إذا كان في الجبل حياة أو في الأحجار ، فعند ذلك ينسب إليهما الكلام .
كما أنا نقول : إن القرآن يكتب في المصحف وفي الألواح ، وربما يخلقه الله تعالى فيه خلقا ، ولا يؤدي أن يكون المصحف أو اللوح متكلما ، وليس فيما قال دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عرض ، ولا يصح أن يكون المتكلم من خلق الكلام ، بل من فعله هو المتكلم دون من خلقه ، ألا ترى إلى الرباب والعود ، كيف يقع منهما الكلام ، والله خلقه فيه ، ولا يكون الله تعالى متكلما به .
وقد قلنا : إن الله فعل الكلام في غيره ، وهو كلام الله لا في نفسه كما قال بل في مكان ، وربما فعله في غيره ولو تكلم به غيره ، وكانت الطاقة هي المتكلم ، وليست الطاقة هي المتكلمة .
وقال عبد الوهاب : ( فإن قيل : لو كان قديما غير مخلوق والله قديم لكان قديمين ، وإذا كانا قديمين كانا مثالين ، لأن الاشتراك في أخص الصفات يوجب الاشتراك فيما عداه ) .
الجواب يقال لهم : وكذلك من قال : كانت الحياة في الإنسان ، والله تعالى حي ، يوجب الاشتراك ، ولا نقول : إن القرآن قديم ، بل عرض محدث وإنما يجب ما قاله على من قال : إن القرآن غير مخلوق .
وأما من قال : مخلوق ، فهو بعيد عن الاشتراك في القدم أو في غيره .
وقال عبد الوهاب : ( وذلك أن الكلام هو الأصوات المقطعة والحروف المنظومة ، وأنه لا يوجب الكلام سوى هذا ، ولا يعقل ) .
قالوا : وإذا كان الكلام أصواتا مقطعة وحروفا منظومة ، لم يصح أن يفعله الله تعالى إلا في غيره ، فثبت أنه محدث مخلوق ، بدليل من حلف على أن الله تعالى خالق لكل شيء غير حانث ، وهذا إجماع .
وأجمعوا أيضا على أن كل موجود لابد أن يكون خالقا أو مخلوقا ، والمخالف يقول إن القرآن موجود وشيء ، ويقول إنه ليس بمخلوق ولا خالق ، ومع هذا إنه شيء .
ومن زعم أنه ليس بشيء ، فقد كذب الله بقوله : ( إن يقولوا ما أنزل الله على بشر من شيء ، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) .
وأيضا وجدنا القرآن يتضمن الأمر والنهي والإخبار والإستخبار ، والوعد والوعيد ، وقصص الأولين والأمثال ، وهذه كلها حقائق مختلفة ومتغايرة .
فكيف يصح أن تكون قديمة قائمة بذات الباري سبحانه ، وهي متخالفة ومتغايرة ، وهذه كلها سنة الحدوث .
وأيضا فإنا وجدنا في القرآن الأنبياء وغيرهم وهي محدثات ، وقد قال تعالى : ( فاخلع نعليك ) وهذا خطاب لموسى في إجماع المسلمين وموسى معدوم إذاك ، فكيف يصح الأمر والخطاب وليس ثم مخاطب ولا مأمور .
وقال تعالى : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) ، فأثبت النزول .
وقال تعالى : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) .
وقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) .
وقال : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) وهذا كله صفة المخلوق . وهذا الذي تقدم كله حجتنا .
قال عبد الوهاب : ( قيل له : أما استدلالك على أن القرآن كان قديما ، والله قديم ، كانا مثلين لا يصح ، لأن حد المثلين ما سد مسد الآخر فناب منابة ، ولا يصح أن يكون الاشتراك في الأخص يوجب الاشتراك فيما عداه ، لأن الله تعالى حي وعالم وقادر ، وقد قام الدليل على أن هذه الصفات موجودة في الخالق والمخلوق ، ولا يصح أن يكون المخلوق مثل الخالق لاشتراكهما في هذه الصفة ) .
الجواب :
فهذه الأمور التي ذكرها كلها لنا علينا ، وصدق فيما حكاه ( 1 ) .
وقال عبد الوهاب : ( وأما استدلالهم أن في القرآن الأمر والنهي وغير ذلك مختلفة متغايرة ، فلا يصح أن تقوم بذات الباري سبحانه فصحيح، لأن كلام الله تعالى الذي هو قائم بذاته ، فهو كلام نفس لا يصح فيه التغاير لأنه كلام واحد لا يتغير في نفسه ولا ينقطع ولا يتجزأ ، والأمر والنهي فيه واحد . فإذا أراد يفهم المخلوق كلامه خلق في فهمه الأمر والنهي وتغير في نفس المخلوق لا الخالق ) .
الجواب :
وهذا الذي ذكر في كلام الله سبحانه واحد وهو قائم بذاته وهو كلام نفس ، إلى ما ذكر في أن تغير الأمر والنهي فيه إنما يتغير في نفس المخلوق لا الخالق .
وكذلك الخلق والرزق من صفاته هما واحد إنما يتغيران في المخلوق .
وكذلك العقاب والثواب هما غير مخلوقين ، إلا إذا صارا في المخلوق، وأما في صفة الخالق فهما واحد .
وكذلك إذا أراد أن يعذب مخلوقا أو يثنيه خلق في جسده العذاب والثواب ، في مثل هذه التخاليط التي لا يعقلها عاقل ولا تنفهم لجاهل .
وقال عبد الوهاب : ( وأما استدلالهم بأن أمر المعدوم لا يصح فهو محال إذا كان ، فصح أمر المعدوم.
فانظر – وفقك الله وأغناك – على ما قلدك وهذه المسائل في كلام الأشعرية وغيرهم وما احتج به كل فريق على صاحبه وجاوبني على كل مسألة وما احتج كل فريق على صاحبه ، لأن الأمر أشكل علي) .
الجواب :
وقوله : ( إن المعدوم يصح أن يؤمر بالأمر القديم على صفة الاقتصاء ) ، ولو استدلوا على هذه أن محمدا أرسل إلينا وأمرنا وبلغنا على الاقتصاء لكان أشبه منهم بأمر الله تعالى وبإرساله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فهذا الذي قالوا أبي منه العقل لأنه هيولى لا تنفهم للعقل .
وإذا أضافوا إلى الباري سبحانه جميع أفعاله ، وجعلوها صفاته في ذاته ، وإذا ردوها إلى المخلوق ذهبوا فيها مذاهبهم في المخلوقين ، فيحتاجون أن يجروا على أصلهم في الحياة والموت والوجود والعدم والحركة والسكون ، فمن جهة الله صار صفة ، ومن جهة الخلق كان حياة وموتا .
وقال عبد الوهاب : ( فالله تعالى ينور قلوبنا ، ويشرح صدورنا للإسلام ، وفي علمك – أيدك الله – أن اختلاف المتكلمين في الأصول لا يصح أن يكون الحق في كليهما ، بل الحق في واحد، فالمطلوب منك هذا الواحد – لا عدمتك – ونرغب من سيدي الابتهال في الدعاء : أن يحسن الله خلاصي ، ويطلق سراحي من بلاد السودان ، وأن ينشطني لقراءة العلم وفهمه ، ويرزقني منه حظا وافرا ، وأن يعصمني من المعاصي ، ولا يسلط علي ظالما يبغيني بسوء ، فلك الفضل في الدعاء ، والرغبة إلى كل من عندكم هناك من العزابة أن تستوهب منهم لي الدعاء ن فإني ضلالة إلا أن ينقذني الله منها .
وكتبه وليك في الله عبد الوهاب بن محمد بن غالب بن نمير الأنصاري . والله أعلم . نجز الجزء الأول بحمد الله وحسن عونه ، والسلام على
نبينا محمد وآله وسلم
* * *
يتلوه الجزء الثاني إن أمد الله في الأجل
وأعان على المقصود ويسر العمل -------------------------------------------
(1 ) أي أن صفة الحياة والعلم والقدرة واضح الفرق فيها بين الذات العلية وبين المخلوقين ، أما صفة ( غير المخلوقية ) إذا أضيفت إلى غير الله فماذا يفهم منها ؟ لا يفهم منها إلا قدم غير الله تعالى وبالتالي الاشتراك في خاصية مع الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولعل هذا مراد الشيخ – رحمه الله – في الجواب ( مراجع الطبعة الثانية ) . |
|
| |