منتديات نور الاستقامة - عرض مشاركة واحدة - ليت شعري.. في أي الطريقين سأكون؟! قصة رائعة
عرض مشاركة واحدة
افتراضي  ليت شعري.. في أي الطريقين سأكون؟! قصة رائعة
كُتبَ بتاريخ: [ 12-14-2013 ]
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عابر الفيافي
 
عابر الفيافي غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : Jan 2010
مكان الإقامة : في قلوب الناس
عدد المشاركات : 8,917
عدد النقاط : 363
قوة التقييم : عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز عابر الفيافي قمة التميز


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



خرج الشيخ سعيد بن حمد الراشدي[1]من المسجد بعد صلاة العشاء ذاهباً إلى بيته، فمر عليه أحدُ مَن يعرفه، وهو واقف بين طريقين، قال ذلك الرجل: فما كلمته ودخلتُ بيتي فنمت، وخرجت لصلاة الصبح، فوجدت الشيخ واقفاً في مكانه، فقلت له: «ما برحتَ من هنا؟ أو ذهبتَ ورجعتَ تقف مرة أخرى؟ » قال: «لِمَ السؤال؟ »، قلتُ: «مررتُ عليك بعد العشاء وأنت واقف، وجئتُ لأصلي الصبح وأنت مكانك»، قال: «ما شعرتُ بمرور الليل، وإني لما مررتُ على مفترق هاتين الطريقين، استحضرتُ قول الله تعالى ) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ([2]، فقلتُ في نفسي: ليت شعري، في أي الطريقين سأكون؟ فما زلتُ أفكر في هذا حتى هذه الساعة».(الشيخ سعيد بن حمد الراشدي حياته وآثاره، ص 30)
**********
إن عبادة الفكر في آلاء الله وآياته، ومبدأ الإنسان ومعاده، وأصله ومنتهاه لهي نعمة عظيمة كريمة، سبق أن تفيَّأنا بعض ظلالها، وارتشفنا بعض قطرات بحار أنوراها، تلك النعمة هي التي تدور عليها المراقبة والمحاسبة الحقة.
إي وربي إنهم عباد من عباد الله الأبرار الأخيار، صفَّاهم وجلا قلوبهم لرؤية أنوار الحق، طاشت عقولهم فكراً وعبراً، ووجلت قلوبهم خوفاً وطمعاً، وأنسوا بلذة المناجاة، فطابت لهم حياة الذل والافتقار بين يدي خالقهم وسيدهم ومولاهم.
قد بهرتهم الآيات، ورأوا من ستر رقيق سر المراقبة، فأجروا خيلهم في مضمار ميدان المحاسبة، وسارت بهم النجائب حتى حطت بهم إلى أنس انقطعت دونه المُنى، فنسوا أنفسهم لما فاضت فيه عليهم من أسرار الملكوت، تلك قطرات من أنوار تجليات المراقبة والوجل من الله سبحانه.
إن هذا العبد الصالح الذي أكرمه الله بكرامة العلم، وزاده بسطة في التقوى والورع والفهم، قضى حياته عاملاً مثابراً، تقياً ورعاً عابداً، وقف موقف يحار منه اللبيب، لكن إذا عُرِف سببُه بطل عجبُه.
لقد خرج يوماً من المسجد بعد صلاة العشاء، راجعاً إلى بيته بعد أن أدى فريضة الله الواجبة عليه، فسلك طريقاً تشعَّب إلى طريقين، فوقف بينهما متفكراً، أي الطريقين يسلك؟‍‍‍‍! وبينما هو واقف إذ مر عليه رجلٌ يعرفه فما كلَّمه، لعله وقف لحاجة أو لغرض، يقول الرجل: «فذهبت ودخلتُ بيتي ونمت، ثم خرجت لصلاة الصبح، فوجدت الشيخ واقفاً في مكانه».
فقلت له: «ما برحتَ من هنا؟ أو ذهبتَ ورجعتَ تقف مرة أخرى؟ »، قال: «لِمَ السؤال؟! »وتعجب من سؤاله، فقال الرجل: «مررتُ عليك بعد العشاء وأنت واقف، وجئتُ لأصلي الصبح وأنت مكانك »، قال الشيخ الراشدي-رحمه الله-: «ما شعرتُ بمرور الليل». يا سبحان الله، ليل بطوله مر عليه وهو واقف لم يشعر به، ما الذي أشغله؟ أهي الدنيا يسبح بفكره في وديانها، ليقتطع حلالها وحرامها؟! أهو المستقبل المزعوم يريد أن يُأمِّنه لنفسه وعياله خشية الفقر؟! أهي رغبات النفس تنازعه في المناصب والمكاسب؟! أم فتنة شهوة شغلت لبه وفؤاده، كحال بعض شبابنا اليوم؟!
كلا، لم يدُر بخلده شيء من ذلك، فهو من طراز آخر تشبع بالإيمان ومخافة الرحمن، شفَّه داعي الجنان، وأفزعه لهيب النيران، فأقضَّ مضجعه وسمَّره في مكانه، فلم يشعر بمرور الوقت.
لقد قال: «ما شعرتُ بمرور الليل، وإني لما مررتُ على مفترق هاتين الطريقين، استحضرتُ قول الله تعالى ) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(، فقلتُ في نفسي: ليت شعري، في أي الطريقين سأكون؟ فما زلتُ أفكر في هذا حتى هذه الساعة».
أي فكر هذا؟! وأي قلب يحمله هذا الرجل الصالح؟! ألم نمر مرات ومرات بطرق متشعبة فما أعرناها أدنى اهتمام؟! بل لو فعل أحدنا ما فعله هذا العبد الصالح لربما رُمي بضعف العقل وتضييع الوقت فيما لا طائل تحته، ولم يلتفتوا إلى من يقطِّع ساعات ليله ونهاره في معاصي الله، وجر أثواب الضلال.
إنها آية بيِّنة نقرأها في كتاب الله ) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(، نمر عليها وما حرَّكت في بعضنا ساكناً وما أثارت مشاعر، ولا نبهت وجداناً، لكن القلب الحي المفعم بالإيمان لمَّا لامسته هذه الموعظة اهتزت مشاعره، ووجل قلبُه وذهل عما حوله، ورحل بفكره من التراب إلى التفكر في يوم الحساب، يوم يؤخذ الناس ذات اليمين وذات الشمال، إما في جنة عالية أو في نار حامية، ) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ([3] .
إنه عذاب سرمد لا انقطاع له ولا انقضاء، ولو افتدى بكنوز الأرض ما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ([4].
آه.. ما أشد غفلتنا! وقلة انتباهتنا! وعدم تفكرنا في آيات الله وهي كثيرة! وعدم التفاتنا إلى عِبرِهِ وهي منثورة منشورة تُقرأُ في سطور الكون البديع، وقد عاب الله-جل جلاله-على الكفار عدم اكتراثهم بالآيات البيِّنات، رغم وضوحها واشتهارها، يقول عزوجل: ) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ([5].
إن الشيخ الراشدي-رحمه الله-أراد أن يعلمنا درساً عظيماً في وجله وخوفه من عذاب الله، وفي محاسبته الشديدة لنفسه، ولكن أين لنا نفس مؤمنة كنفسه! وقلب طاهر صادق وجل كقلبه! وفكر ثاقب متأمل كفكره! وعقل يغوص في صميم آيات الكون والأنفس والآفاق كعقله!
إنه بلغ ذلك بالمجاهدة والمراقبة والمحاسبة، فكان صورة عُليا مشرقة من حياة سلفنا الصالح، وحُقَّ لمثله أن يقول فيه العلامة الشيخ الرضي صالح بن علي الحارثي-رضوان الله عليه-: « ما أعلم على وجه البسيطة أفضل من هذا الشخص في وقتنا هذا »، فرحم الله تلك الأبدان النقية والأنفس الزكية.
[1]- هو الشيخ سعيد بن حمد بن عامر الراشدي، فقيه ناظم للشعر، عاش في آخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجري، ولد في سناو من أبوين كريمين، ونشأ على حب الصلاح والعلم، أخذ القرآن ومقدمات العلم في بلدته، ثم لحق بالشيخ صالح بن علي الحارثي والإمام السالمي في القابل، فاستفاد منهما كثيراً .
كان ورعاً تقياً، قوي الذاكرة حاد الفهم شديد الغيرة على الدين، من أشهر مؤلفاته: منظومة ( فيض المنان في الرد على من ادعى قدم القرآن )، وله عدة مناظيم، توفي لما كان ذاهباً إلى الحج بمرض الجدري، وذلك ليلة 24 شوال 1314 هـ، ورثاه الإمام السالمي بقصائد مبكية .

[2]- الشورى: من الآية7

[3]- المؤمنون:102- 104

[4]- المائدة: 36 ، 37

[5]- يوسف : 105

gdj auvd>> td Hd hg'vdrdk sH;,k?! rwm vhzum gd Ndm hg'vdrdk vhzum sH;,k? auvd td rwm





توقيع :



لا يـورث الـعلم مـن الأعمام **** ولا يـرى بالليـل فـي الـمنـام
لـكــنـه يحصـــل بالتـــكـــرار **** والـدرس بالليـــل وبـالـنـهار
مـثاله كشجرة فـــي النــفس **** وسقيه بالدرس بعد الـغرس

رد مع اقتباس